* مدن معالم: القرن 16 - الكوريين واليابانيين - اسرة تانك .
صفحة 1 من اصل 1
* مدن معالم: القرن 16 - الكوريين واليابانيين - اسرة تانك .
ستان عرف باسم خط «ديورانت» عام 1893، وإلى اقتسام هضبة بامير بين أفغانستان وتركستان الروسية عام .1895 وبعد قيام الاتحاد السوفييتي أدى تجدد النزاع مع الهند البريطانية إلى حصول أفغانستان على استقلالها طبقاً لاتفاقية عام 1919 وملحقها عام 1921. وقد تزايد اهتمام الاتحاد السوفييتي بأفغانستان منذ ذلك الحين، إلا أن المسألة الأفغانية غدت قضية عالمية في التوازن الدولي، وفي عام 1929 تولى نادر شاه عرش أفغانستان وظلت أسرته تحكم البلاد حتى عام 1973 عندما أعلنت البلاد جمهورية، وفي عام 1978 نجحت القوى اليسارية بالاستيلاء على الحكم بالقوة ونشبت على إثر ذلك حرب أهلية ما تزال البلاد تعانيها مع تخلي اليساريين عن الحكم.
ظلت الأوضاع في جنوب شرقي آسيا في تقهقر مستمر منذ منتصف القرن التاسع عشر سواء في البر الرئيسي أو في الجزر والأرخبيلات. وقد استطاعت فرنسة الاستيلاء على كوشنشين (فييتنام الجنوبية) عام 1862 وعلى كمبودية عام 1863 ثم على مملكتي أنام وتونكين (فييتنام الشمالية) بين عامي 1883 و1885، ثم استولت على لوانغ بربانغ (لاوس) عام 1893. وكانت خطوتها التالية إيجاد نوع من التكامل السياسي والاقتصادي استهلته فرنسة بفرض اتحاد جمركي بين أنام وكوشنشين وكمبودية عام 1887، وانضمت إليه لوانغ بربانغ سنة 1899، وتم الاستيلاء على الأراضي المؤجرة في كوانغ شوان (تشنكيانغ) في جنوب شرقي الهند الصينية قبل ذلك بعام، وبحلول عام 1911 كانت هذه المناطق قد تحولت إلى وحدة إدارية تحت السيطرة الفرنسية، وصارت تعرف كلها باسم «الهند الصينية الفرنسية»، وفي هذه الأثناء كانت بريطانية قد تمكنت من السيطرة على بورمة كلها وتوقفت عند حدود سيام الشمالية والغربية، وعقدت اتفاقاً مع فرنسة عام 1896 على جعل سيام منطقة حاجزة بين المناطق التي يحتلها الطرفان وبينها وبين الصين، كما اتفقتا فيما بعد على تقاسم النفوذ في سيام نفسها عام 1907 ولكن هذا الاتفاق لم يخرج إلى حيز التطبيق. وفي الملايو احتل البريطانيون مضيق سنغافورة وأقاموا مرفأ لشركة الهند الشرقية فيها، وراحوا يتوسعون في الأراضي المحيطة به شمالاً ويحولونها إلى مستعمرة للتاج البريطاني (1867). وفي المدة بين عامي 1874-1895 حقق البريطانيون مكاسب جديدة بإقامة اتحاد من أربع دويلات ملاوية جنوبية عاصمته كوالا لمبور، وفي عام 1909 خضعت أربع دويلات ملاوية شمالية للسيطرة البريطانية أيضاً ثم انضمت إلى هذه المجموعة دولة جوهور عام 1914، وأتمت بريطانية بذلك سيطرتها على شبه جزيرة الملايو كلها.
بعد الحرب العالمية الثانية
حصلت سوريا ولبنان على استقلالهما (1946) وأعلن شرقي الأردن مملكة مستقلة (1946) باسم المملكة الأردنية الهاشمية، وقدم البريطانيون فلسطين هدية إلى الصهيونية بانسحابهم في أيار 1948 وتسليم ثكناتهم وكل ماكان في أيديهم إلى المنظمات الصهيونية التي أعلنت قيام دولة إسرائيل ونالت اعترافاً فورياً من الدول العظمى.
في فبراير 1958 أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسورية، وأطاح انقلاب عسكري بالنظام الملكي في العراق، ووضعت الخطط لانضمامه إلى الجمهورية العربية المتحدة، إلا أن تجربة الوحدة لم تصمد وانهارت في عام 1961.
أما بقية المناطق العربية في بحر العرب والخليج العربي فقد عاشت تجارب مشتركة وخضعت جميعها في أول الأمر للسيطرة البريطانية في أوقات مختلفة من القرن التاسع عشر ثم غدت دولاً مستقلة،
فاحتاجت الكويت إلى 62 عاماً للتخلص من النفوذ البريطاني (أخضعت للحماية البريطانية عام 1899 وغدت مستقلة عام 1961)،
واحتاجت مشيخة البحرين وقطر وبقية المشيخات العربية في الخليج إلى نحو 150 عاماً للتخلص من الهيمنة البريطانية، وحصلت على الاستقلال في أوقات مختلفة من القرن العشرين،
فتحقق استقلال قطر سنة 1970،
واستقلال البحرين عام 1971،
وأعلن قيام دولة الإمارات العربية ا لمتحدة في العام نفسه. خضعت بوابة عدن للاحتلال البريطاني (شركة الهند الشرقية) عام 1839
وأدى التوسع البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى إقامة محمية عدن (1914) التي ضمت عدداً من المشيخات العربية، واستمر هذا التوسع منذ الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية، ثم تحول إلى نزاع دائم مع اليمن. وفي منتصف العقد الخامس بدأت محاولات جادة للتكامل بين المحميات (الإمارات) بإشراف بريطاني وجرى توحيدها وتقسيمها أكثر من مرة إلى أن تألف اتحاد الإمارات العربية في الجنوب في عام 1959
وسمي اتحاد جنوب الجزيرة العربية، ثم ضمت مستعمرة عدن (التي صارت تعرف باسم دولة عدن) إلى الاتحاد عام 1963، مع اعتراض اليمن والدول العربية الأخرى، وغدا الاتحاد يضم 15 إمارة ومشيخة، إلا أن حكومة الاتحاد انهارت عام 1967 وانسحبت بريطانية من المنطقة وغدت دولة عدن ومحمية اتحاد جنوب الجزيرة العربية تؤلفان جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية المستقلة.
وفي عام 1992 تم توحيد شطري اليمن تحت اسم الجمهورية اليمنية. سارت مسقط وعمان الطريق نفسه، فخضعت سلطنة مسقط والأراضي الداخلية للنفوذ البريطاني في أواسط القرن التاسع عشر. وفي بداية تسعينات القرن التاسع عشر غدت كل من مسقط وعمان محميتين بريطانيتين
وفي عام 1920 حصل إمام عمان على استقلال ذاتي ضمن السلطنة وظل الأمر على حاله إلى عام 1954 عندما حاول الإمام الجديد الاستقلال التام، وردت مسقط على هذه المحاولة باحتلال عمان بمساعدة بريطانية، واضطر الإمام إلى الهرب إلى السعودية بعد ثورة غير ناجحة (1957-1959). وبعد العثور على النفط في مسقط عام 1964 اتجهت البلاد إلى الإصلاح. وفي عام 1970 أطاح انقلاب بسلطان البلاد سعيد بن تيمور وحل محله ابنه السلطان قابوس.
العصر الحديث المتأخر
شهدت آسيا منذ منتصف القرن التاسع عشر مرحلة إعادة بناء دينامية، ففي كل بقعة من بقاع هذه القارة كانت الوحدات السياسية قد بدأت تأخذ أبعادها المميزة وتبدل بنيتها فيزداد حجمها أو يتقلص، وتتطور بالتدريج أو بالعنف والثورة وفقاً للأحوال المحيطة بها. ففي المناطق الجنوبية الغربية واجهت السلطنة العثمانية تحدياً خطيراً من محمد علي باشا واليها على مصر، وتخلت بلاد فارس مؤقتاً عن مطامحها، في حين فقدت جارتها الشرقية أفغانستان بعض أجزائها الجنوبية. وفي الهند انتهى حكم السلاطين التيموريين، وصار الجزء الأكبر من أراضيها تحت سيطرة شركة الهند الشرقية البريطانية. وانفرد بحكم ماتبقى منها أمراء محليون (مهراجات) لاأهمية لهم، وغدت مناطق الهيمالايا جزءاً من محميات التاج البريطاني، كما انهارت بورمة أمام التوغل البريطاني، في حين خضعت أنام (فييتنام) للضغط الفرنسي، وظلت سيام تبحث عن أمجاد لها على حساب الجوار. وراح البريطانيون يتسللون إلى الملايو، في حين بدأت سلطنات جزر الهند الشرقية تدور في فلك الاستثمارات الهولندية بعد أن غدت أكثر مرافئها تحت سيطرة هولندة ولم تلبث أن دخلت في تكامل سياسي معها.
وفي شرقي آسيا نكبت الصين المطوقة من أكثر جهاتها بحرب الأفيون، ثم لم تلبث أن واجهت ثورة عارمة قبل أن تسترد عافيتها وقوتها، وشرعت اليابان تخرج من عزلتها شيئاً فشيئاً، في حين راحت كورية تزداد انغلاقاً على نفسها سياسياً وثقافياً، وراحت روسية تتابع توسعها جنوباً وشرقاً وتضم أراضي جديدة لها.
منذ عام 1850 أخذت السلطنة العثمانية تزداد ضعفاً، وراحت كل من بريطانية وروسية وفرنسة تفكر منفردة في الطريقة التي تتقاسم بها إرث «الرجل المريض» وفق مصالحها، فكانت حرب القرم (1853-1856) شاهدة على ذلك التنافس. وفي عام 1874 كانت الحكومة العثمانية قد بلغت حد الإفلاس المالي التام بسبب الامتيازات الأجنبية والفوضى الداخلية، وتلا ذلك ثورات في البلقان، ثم حرب خاسرة مع روسية (1877ـ 1878)، ولم تمض بضع سنوات حتى احتل الفرنسيون تونس (1881) والبريطانيون مصر (1882) ولم يبق من ممتلكات بني عثمان سوى الأجزاء الآسيوية. وأدى تمرد الأرمن في شمال شرقي الأناضول إلى مرحلة تفكك جديدة، إلا أن ظهور حركة تركية الفتاة سنة 1896 أخر انهيار السلطنة العثمانية زمناً، وتوجت هذه الحركة بثورة 1908-1909، وتلا ذلك حربان في القسم الأوربي من السلطنة ثم الحرب العالمية الأولى التي انحازت تركية العثمانية فيها إلى جانب دول المركز (ألمانية والنمسة) وخسرت الحرب،
وزاد في خسارتها قيام الثورة العربية الكبرى (حزيران 1916) التي قادها الشريف حسين بن علي. وتمكنت قوات الجيش العربي وفصائل الثورة بالتعاون مع القوات البريطانية من تحرير الحجاز وبلاد الشام، واضطر العثمانيون عند إعلان الهدنة (1918) إلى الاستسلام وسحب حامياتهم من كل البلاد العربية الآسيوية. أعلن استقلال اليمن، وأقيم فيها نظام ملكي إمامي برئاسة الإمام يحيى حميد الدين، وظل هذا النظام قائماً إلى أن أطيح به في انقلاب عسكري عام 1962، ونشبت حرب أهلية بين أنصار الجمهورية الجديدة والنظام الملكي القديم دامت أربع سنوات. أعلن في الحجاز قيام المملكة العربية الهاشمية بزعامة الشريف حسين إلا أنها انهارت سريعاً أمام هجمات قوات نجد بقيادة عبد العزيز آل سعود الذي نجح في توحيد أجزاء الجزيرة العربية الداخلية والحجاز، وأرسى في عام 1926 أسس مملكة جديدة صار اسمها منذ عام 1932 «المملكة العربية السعودية».
وفي بلاد الشام رفع الأمير فيصل بن الحسين العلم العربي على دار الحكومة في دمشق في تشرين الأول 1918، كما رفع العلم نفسه على دار السرايا، وهي دار الحكومة في بيروت، وألفت أول حكومة عربية في دمشق قبل أن ينتقل زمام الأمور إلى أيدي الأمير فيصل بن الحسين ورجاله، واقترب العرب من إقامة دولتهم الموحدة في بلاد الشام إلا أن الحلفاء قرروا تقسيم البلاد إلى مناطق عسكرية ثلاث تحت الانتداب. ولكن رجالات سورية رفضوا هذا التقسيم وطالبوا بتوحيد البلاد في مؤتمر عام ضم ممثلين عن كل هذه المناطق. وأعلنوا قيام المملكة العربية السورية واختاروا الأمير فيصل ملكاً عليها، وتلا ذلك غزو عسكري فرنسي لسورية وفرض الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين مع شرقي الأردن، كما فرض الانتداب الفرنسي على سورية وفق اتفاق سري عرف باسم اتفاق سايكس ـ بيكو، ولم يلبث البريطانيون أن فصلوا شرقي الأردن عن فلسطين ونصبوا الملك فيصل ملكاً على العراق، وفصل الفرنسيون لبنان عن سورية، وتخلوا إلى تركية عن مناطق كيليكية (1924) ولواء اسكندرون (1939). وعمت البلاد الثورات والاضطرابات ولكنها أخمدت بشدة. وفتح البريطانيون أبواب الهجرة لليهود إلى فلسطين وأتاحوا لهم الحصول على المعونات المادية والعسكرية التي مكنتهم من السيطرة على أجزاء كبيرة منها.
اليابان
أما اليابان فقد خضعت من عام 1192 حتى عام 1867 لحكم شوغونيات من أسر مختلفة. وساعد التوسع في الأملاك الزراعية والتجارة المحلية والخارجية مع تطبيق النظام النقدي في زيادة نفوذ الإقطاعيين ملاك الأراضي (الدايميو) حتى غدا الأباطرة والشوغونات أنفسهم بلا حول ولا قوة. ولكن الحروب الضارية التي دارت بين هؤلاء في أواخر القرن السادس عشر للميلاد مكنت الشوغونات من إعادة فرض سلطانهم تدريجياً حتى استقام الأمر تماماً لشوغونية توكاغاوا (1603-1867) Tokagawa التي أسسها إياسو توكاغاوا.
تبنى الشوغونات سياسة العزلة الوطنية من أجل التحكم بالتبدلات الاجتماعية الحادثة والحيلولة دون وقوع صدامات بين الإقطاعيين، فمنع الأجانب من دخول اليابان ومنع اليابانيون من مغادرة الجزر، وأدت هذه السياسة إلى تدهور الوضع الاقتصادي والتدخل العسكري الغربي (1851- 1853) ونهاية سلطة الشوغون (1867) وعودة الامبراطور إلى تسلم زمام السلطة. ويعد عهد الامبراطور ميجي (1868-1912)Mheiji نقطة تحول كبرى في تاريخ اليابان الحديث.
أما كورية فدخلت في عهد أسرة يي نازلا (1392-1910) مرحلة انحطاط طويلة الأمد بعد حقبة بلغت فيها أوج ازدهارها وحضارتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وقد شهدت كورية في هذين القرنين نمو التجارة الخارجية المنظمة مع الصين واليابان وجنوب شرقي آسيا، كما شهدت إنجازات رائعة في ميادين الكتابة والفن والتقنية. ولكن غزوات اليابان الشديدة الوطء وظهور أسرة منشو في الصين ومنافسة التجار البرتغاليين والهولنديين كانت لها آثار مدمرة، فتبنت كورية منذ أوائل القرن السابع عشر سياسة العزلة القومية، وتحولت إلى مملكة نساك، مع المحافظة على خضوعها التقليدي لأسرة منشو في الصين، وابتعدت البلاد تدريجياً عن الاتصال الاقتصادي أو الثقافي مع العالم الخارجي حتى أصابها الجمود التام.
بدأت امبراطورية المغول بالتفكك منذ مطلع القرن الرابع عشر، فتجزأت إلى دويلات كثيرة. ومع انهيار الأمن والنظام في غياب الخانات العظام ضعفت التجارة. وقد أبقى تجزؤ امبراطورية المغول على بعض نقاط القوة في أواسط آسيا وفي سهوب جنوبي روسية وجنوب غربي سيبرية ممثلة بخانات القبيل الذهبي، وظل الأمر على حاله حتى أواخر القرن الخامس عشر، عندما سقط هؤلاء الخانات أمام قوة روسية الصاعدة وقوة الأتراك العثمانيين. وفي المناطق الواقعة إلى شمال غربي الهند انساحت جيوش تيمورلنك (1380-1405) لتعيد سلطة المغول ـ التتار مدة وجيزة، بين جبال تيان شان في الشرق والبحر المتوسط في الغرب، ثم تفككت من جديد إلى خانات كثيرة متنازعة. وأدت سلطة الدلاي لاما المتزايدة في التبت إلى توحيد المناطق الجبلية المتاخمة لآسيا الداخلية، واستطاع خانات منغولية وتركستان مقاومة جهود أسرة منغ الرامية إلى ضم المنطقة لمدة زادت على مئة عام. وفي القرن السابع عشر بدأت شعوب آسيا الداخلية تفقد استقلالها تدريجياً، فتمكنت أسرة تشنغ من مد سيطرتها إلى داخل منغولية وتركستان الصينية والتبت، واستطاعت روسية القيصرية دفع حدودها حتى سواحل المحيط الهادئ في الشمال الشرقي وحتى نهر آمور وجبال تيان شان. واستطاع البريطانيون مد نفوذهم إلى أفغانستان على أطراف شبه القارة الهندية في مواجهة التوسع الروسي في القرن التاسع عشر.
القرن 16 الميلادي
مع حلول القرن السادس عشر كانت السلطة المسلمة قد رسخت أقدامها في أجزاء واسعة من شمالي الهند واستقرت في وسطها أيضاً بعد التوسع المغولي التركي على يد أسرة السلاطين التيموريين (المغول العظام) التي أسسها بابر (1526-1530م) فتوحد شبه القارة الهندي تحت سلطانهم. ومن أشهر سلاطينهم السلطان أكبر (1556-1605) والسلطان شاه جهان (1628-1658م) وابنه السلطان أورنغ زيب (1658-1707م) الذي بلغت السلطنة في عهده أوج قوتها وازدهارها ثم تفككت أوصالها بعد وفاته. وفي القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر بدأت تظهر على المسرح قوى منافسة شديدة البأس تمثلت في المراثاويين الهندوس في غربي الدكن، والسيخ القريبين من الهندوس الموحدين في الشمال الغربي، إضافة إلى الأسر الحاكمة المسلمة التي ظلت قائمة في عهد السلطنة. وزاد في حدة هذه الصراعات تدخل الإنكليز والفرنسيين في القرن السابع عشر بقصد التجارة. وفي أواخر القرن الثامن عشر استطاعت شركة الهند الشرقية البريطانية إثبات وجودها الاستعماري في الهند، وبعد ثورة السباهية، وإلغاء السلطنة المغولية (1858م)، غدت بريطانية العظمى تحكم الهند حكماً مباشراً.
أما أفغانستان فلم تعرف الاستقرار منذ العهد المغولي وكانت، لموقعها الاستراتيجي، تتعرض دائماً للغزو الخارجي. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظهرت في أفغانستان أسرات حاكمة محلية وفارسية متنافسة، ثم آل الأمر إلى تنافس بريطانية العظمى وروسية القيصرية لبسط سيطرتهما على البلاد بدءاً من عام 1830م.
لحق المد الاستعماري الأوربي بالمناطق الأخرى المتاخمة لجنوبي آسيا سياسياً وعسكرياً. فقد تعرضت أجزاء من جزيرة سيلان للغزو البرتغالي (1505-1658) واحتل الهولنديون أجزاء أخرى منها (1638-1796)، ثم غدت سيلان كلها خاضعة للتاج البريطاني في أثناء حروب نابليون، وكان من نتيجة ازدياد الهيمنة البريطانية خضوع كل من نيبال (1816) وسيكيم (1817) وبهوتان (1865 ثم 1910).
ظل جنوب شرقي آسيا خلواً من أية قوة سياسية ذات شأن حتى القرن الثالث للميلاد حين قامت مملكة الخمير فيما يعرف اليوم باسم كمبودية، وظلت شعوب المنطقة تعيش حضارة العصر الحجري الحديث مع تأثرها بالهندوكية والبوذية والكونفوشيوسية. ومع دخول الإسلام وانتشاره حدث تبدل في حياة شعوب المنطقة. وفي أواخر القرن الثالث عشر ظهرت في جاوة امبراطورية الماجابهيت (1293-1530م) على أنقاض مملكة سْري فيغايا القديمة (ق7-13م) وخضعت لها أكثر جزر الأرخبيل الإندونيسي، ثم تفككت إلى إمارات مستقلة. كذلك نهضت بعض الممالك النشطة في مينمار وسيام وفييتنام.
بدأ الأوربيون يتوافدون إلى جنوب شرقي آسيا منذ أوائل القرن السادس عشر. فاستقر البرتغاليون في ملقة منذ عام 1511م، واصطدموا بمقاومة شديدة من السكان المسلمين. وجاء الهولنديون والإنكليز إلى المنطقة في أواخر القرن السادس عشر. وتمكنت شركة الهند الشرقية الهولندية في جاوة سنة 1602 من فرض هيمنتها على كل جزر الأرخبيل الإندونيسي. وغزا الإسبان الفيليبين سنة .1565 وفي سنة 1819 صار للبريطانيين موطئ قدم في جنوب شرقي آسيا عندما اشترى توماس ستامفورد رافلز جزيرة سنغافورة من سلطان جوهور. ولم تلبث ممالك شبه جزيرة الملايو وإماراتها أن دخلت فلك الحماية البريطانية، كما احتلت بريطانية بورمة. ومع حلول عام 1860 كانت سيام والدول الخمس التي عرفت باسم الهند الصينية (تونكين وأنام وكوشنشين ولاوس وكمبودية) قد خضعت للسيطرة الفرنسية.
يعد سقوط السلالة الحاكمة المغولية في الصين وقيام أسرة منغ (1365-1644) من الحوادث المهمة في تاريخ الصين، إذ نجحت في توحيد أكثر أجزاء البلاد، ومد نفوذها إلى كورية وتنمية تجارتها مع اليابان. واتجهت أنظار ملوكها إلى توسيع حدودهم البحرية. ففي النصف الأول من القرن الخامس عشر أرسلت الصين حملات بحرية كبيرة إلى جنوب شرقي آسيا وجنوبيها لغرض التجارة وللضغط على الحكام المحليين في تلك المناطق. وبعد أقل من قرن وصل التجار البرتغاليون إلى البر الصيني، وسمح لهم عام 1557م بإقامة مركز تجاري في «مكاو». ومع اقتراب القرن السادس عشر من نهايته بدأت أسرة منغ تعاني حالة الاحتضار، وأنهكتها الحرب مع اليابان التي غزت كورية (1592-1598م)، وأدى ضغط حلف قبائل منشو والمغول إلى سقوط حكم أسرة منغ وتأسيس حكم أسرة تشنغ (1644-1912م) التي عدت حتى القرن الثامن عشر من أقوى دول العالم وأكثرها تطوراً. فمدت نفوذها إلى شرقي آسيا وجنوب شرقيها وإلى التبت وتركستان الصينية. وفرضت شروطها على الشركات التجارية الأوربية. وقد حرص حكام هذه الأسرة على التعاون الوثيق مع البيروقراطية الصينية التقليدية، وكان نجاح نظامهم الذي فرضوه مدهشاً وبلغ الأوج في عهد الامبراطور تشين لونغ (1736-1796م)، ثم بدأ ينهار بسرعة تحت ضغط الانفجار السكاني وانتشار الفساد، وكان من نتائج ذلك اضطراب الأحوال وتمرد الفلاحين في أواسط القرن التاسع عشر، وزاد في تفاقم المسألة التدخل الاستعماري الغربي، ولاسيما البريطاني، الذي بلغ ذروته في حرب الأفيون (1839-1842).
الكوريين واليابانيين
تقوم بين الكوريين واليابانيين قرابة لغوية وعرقية، وهم أقرب إلى الشعوب المغولية منهم إلى الصينيين،وكان الكوريون واليابانيون قد ألفوا حياة الزراعة في وقت مبكر وتأثروا بالحضارة الصينية، واقتبست كورية الديانة البوذية والفلسفة الكونفوشيوسية من الصين، كما تبنت الكتابة والأدب والفن والتشريع ونظام الحكم، وكان للكوريين أثر في إغناء الثقافة اليابانية، وإن لم يمهروا في نقل هذه الثقافة أو تكييفها وفق أوضاعهم القومية. المناطق الداخلية من آسيا: تحتل هذه المناطق تجمعات مغولية تركية انساحت تاريخياً وسط منغوليا وتركستان. وتختلف البيئة الطبيعية لهذه الشعوب عن جيرانها في الصين والهند وإيران وروسية، كما يختلف أسلوب معاشها وتراثها، وكان لها دور متوسط بين تلك الشعوب في السلم والحرب، كما كانت مناطقها محاور اتصال بين الأقاليم المكتظة بالسكان والمتباعدة بعضها عن بعض في الأزمنة القديمة والقرون الوسطى.
يعيش أكثر شعوب آسيا الداخلية حياة البداوة. ولم تكن أعدادها كبيرة في يوم من الأيام، إلا أن أفرادها محاربون أشداء يرهب جانبهم مهروا في ركوب الخيل، وكان ضغط الجفاف والجوع المتواترين يدفعهم دائماً إلى الإغارة على جيرانهم. وكانت فارس والهند والصين أكثر البلاد شعوراً بوطأة هؤلاء. كما عانت أوربة نفسها غزوات كبيرة في أوائل القرون الوسطى من أقوام بداة قدموا أساساً من مناطق آسيا الداخلية كالهون وغيرهم. وقد بلغت هذه الغزوات ذروتها في القرن الثالث عشر عندما أقام جنكيز خان وخلفاؤه أكبر امبراطورية عرفها التاريخ، وظلت سيدة المسرح أكثر من قرن. ومع أن المغول مهروا في الغزو والإدارة، فإنهم لم يتركوا أي أثر حضاري ذي شأن بعد أن ارتدوا إلى سهوبهم وصحاريهم القاحلة.
ظلت التبت منطقة اكتفاء ذاتي زمناً طويلاً، وقد حدّت الحواجز الطبيعية من تطورها سكانياً ومن اتصالها بالعالم الخارجي، كما حالت دون قيام اتصال مباشر بين الصين والهند. ولم يكن لسكان التبت خطر ذو شأن على جوارهم كما كان للشعوب المغولية التركية. ولم تظهر في التبت أي مملكة حتى القرن السابع، واضطهدت البوذية التي دخلتها في ذلك الحين، إلا أنها عادت إلى الظهور في القرن الثامن وانتقلت منها إلى منغولية في القرن الثالث عشر. وترافقت البوذية مع العبادة الشامانية المحلية.
العصر الحديث المبكر
صورة حصن القديس جورج في القرن الثامن عشر، مدراس.
شهدت آسيا تغيرات كثيرة في تركيبها السياسي بعد تفكك امبراطورية المغول في القرن الرابع عشر، وازدهرت في القرون التي تلت امبراطوريات وممالك قوية في بعض أجزاء القارة، وقد وفرت الوحدة السياسية لمناطق شاسعة عمليات التجارة والتنقل، وفتحت المجال أمام المغامرين والتجار والمبشرين الأوربيين والمستعمرين بعد أن عرف البرتغاليون الطريق إلى الهند وقنع التجار الأوربيون في بادئ الأمر بما أتيح لهم من حظوظ بالشروط التي فرضتها الدول المحلية. إلا أن تبدلاً جذرياً طرأ على العلاقات بين أوربة وآسيا حين حصل الأوربيون على مصادر قوية جديدة مكنتهم من فرض هيمنة مباشرة على شؤون آسيا. وقد سهل انهيار الامبراطوريات الآسيوية الكبرى سيطرة الأوربيين على أكثر أجزائها. وبعد منتصف القرن التاسع عشر صار الغرب المالك الحقيقي لثروات القسم الأكبر من مصادر الشرق.
كانت دول جنوب غربي آسيا من بيزنطية وعربية وتركية سلجوقية وفارسية ومملوكية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر منهكة بالحروب فيما بينها والصراعات الداخلية فيها، كما عانت غزوات الفرنجة الصليبيين والمغول والتتار، وظل حالها على هذا النحو إلى أن تحقق النصر النهائي للأتراك العثمانيين فهيمنوا على الواقع السياسي لهذه المناطق أربعة قرون. وكان أهمَّ انتصار لهم استيلاؤهم على القسطنطينية سنة 757هـ/ 1453م، ثم راحوا يتوسعون شمالاً في السهوب الجنوبية لروسية، وشرقاً حتى حدود المملكة الصفوية الفارسية، وجنوباً حتى مصر والمغرب العربي حتى المحيط الأطلسي، واكتسحوا أقاليم البلقان كلها، ووصلت جيوشهم إلى أواسط أوربة، ولم يكن يزاحم السلطنة العثمانية في أوج قوتها سوى سلطنة المغول العظام في الهند وأسرة تشينغ في الصين. تقلص ميل العثمانيين إلى التوسع منذ القرن الثامن عشر وبدأت تظهر عند حدودهم دول فتية زاحمتهم وناصبتهم العداء، وكان ضغط روسية وامبراطورية النمسة والمجر على العثمانيين في البلقان مميزاً. كما واجه العثمانيون ثورات وتمرداً في مناطق أخرى، ولا سيما في المغرب العربي ومصر، وبدأت السلطنة العثمانية تسير في طريق الانهيار منذ القرن التاسع عشر حتى أطلق عليها الغربيون اسم «الرجل المريض في الشرق».
أسرة تانگ حوالي عام 700
أما أعظم أسرتين حكمتا الصين في الحقبة الامبراطورية فهما أسرة هان (202ق.م-220م) وأسرة تانگ (618-906م). وفي عهد أسرة تانغ حققت الصين منجزات مهمة في حقول شتى، وغدت الصين أقوى دولة مزدهرة في ذلك العصر إلى جانب دولة الخلافة الإسلامية في أيام عظمتها. وفي عهد أسرة سونگ (960-1279م) ارتقت ثقافة الصين إلى أوج ازدهارها، وبلغت تجارتها أقصى اتساعها، ولكنها ظلت محدودة القوة العسكرية، الأمر الذي مهد الطريق لظهور امبراطورية جديدة أقامها الغزاة بزعامة أسرة يوان (1260-1368). عاشت الصين استقراراً سياسياً أكثر من ألف عام في ظل هذه الأسر واتسعت أراضيها حتى شملت كورية وفييتنام وتركستان ومنغولية وغيرها، وقد ظل النظام الامبراطوري التقليدي سائداً فيها حتى القرن العشرين. وللصين فضل كبير على الحضارة الإنسانية بما قدمته من مبتكرات مفيدة كصناعة الورق والطباعة والبارود، كما كان لطريق الحرير الذي يجتاز آسيا براً (أسرة هان) وبحراً (أسرة سونگ) فضل تطوير العلاقات التجارية بين امبراطوريات الشرق والغرب.
وقد حققت الصين، رقماً قياسياً في عدد السكان، فكان الصينيون أكبر مجموعة عرقية تتركز في منطقة واحدة في العالم. وانفردت الصين بمجتمع متجانس دينياً وأدبياً وثقافياً. كما تأثر الصينيون بثقافات الفاتحين وتمثلوها. وغدت الفلسفة الكونفوشيوسية مصدر الإلهام الثقافي والحكمة، وأدت الروح المحافظة إلى جعل الصين تعيش عزلة نسبية أخرتها عن مواكبة التطور العلمي والتقني في الغرب.
كذلك فرضت العوامل الجغرافية على الجزر اليابانية نوعاً من العزلة بسبب انفصالها عن البر الرئيسي، وكان اليابانيون عشائر وقبائل متفرقة مكتفية ذاتياً، وتخضع لزعامات تقوم على الإرث. وقد تعاظمت قوة المجموعة الرئيسة منها في منطقة ياماتو، وغدا زعيمها سيد شعب ياماتو ورأس النظام الامبراطوري الذي يحكم البلاد، وهو على هذا النحو من أقدم الأسر الحاكمة في اليابان.
ويبدو التأثير الثقافي الصيني جلياً في اليابان، إذ يمكن تتبع ملامحه الأولى منذ ما قبل التاريخ، وقد اقتبست اليابان من الصين كل عناصرها الحضارية من زراعة الأرز إلى استعمال البرونز والحديد إلى الكتابة والأدب والفن والدين (البوذية). واستعارت اليابان الثقافة الصينية طوعاً، وراحت تهضمها وتعدل فيها. ومع أن الكتابة الصينية اقتصرت على ذوي الشرف في اليابان فقد ابتكر اليابانيون منظومة كتابة قومية بأسلوب المقاطع عرفت باسم «كانا» تنسجم مع طريقة اللفظ اليابانية، وارتقى الأدب الياباني بمعاييره في القرن الحادي عشر إلى مستوى الأدب الصيني الذي واكبه، كما نجح المصورون والنحاتون اليابانيون ومهندسو العمارة في اتقان الأسلوب الصيني. ومع أن البوذية المتطورة سادت البلاد فقد ظلت ديانة الشنتو طقساً وطنياً. كذلك ابتعد اليابانيون في مؤسساتهم السياسية والاقتصادية كثيراً عن النموذج الصيني الذي حاولوا تقليده، ولم تستطع سياسة التايكوا (الإصلاح العظيم) لفرض الحكم المركزي وفق النموذج الصيني أن تمد جذورها في جزر اليابان، إذ دخلت البيروقراطية الصينية التي تقوم على الاختبارات التنافسية في صراع مع التقليد الأرستقراطي الياباني القائم على الوراثة،
وعادت القوى المحلية إلى إثبات وجودها بعد انحطاط السلطة المركزية، وظهرت في اليابان في منتصف القرن العاشر دويلات كثيرة تتمتع بامتيازات وباستقلال شبه تام وتسليح مستقل، مع اعترافها اسمياً بالحكومة الامبراطورية. وتوج تمرد هذه الدويلات وحروبها فيما بينها بارتقاء عشيرة ميناموتو إلى سدة الزعامة العسكرية في القرن الثاني عشر ممثلة بنظام «الشوگون» المدعوم بالإقطاع، وقد ظل هذا النظام قائماً حتى القرن التاسع عشر. وكانت حكومة الشوغون هي التي تحكم بوجود الحكومة المدنية التي يرأسها الامبراطور. أما الإقطاعية اليابانية فيمثلها الدايميو Daimyo (طبقة الإقطاعيين الكبار) والساموراي (طبقة المحاربين) ويعد هؤلاء نواباً أو نواب نواب للشوغون وليس للامبراطور. وقد عرفت اليابان ثلاث شوغونيات متعاقبة اشتهرت أولاها باسم كاماكورا، نسبة إلى عاصمتها، وتزعمتها أسرة ميناموتو (1192- 1333م)، كما سادت طبقة الساموراي أكثر من 700 عام وأعطت اليابان ملامحها العامة. أما كورية فقد ظلت مقسمة سياسياً إلى منتصف القرن السابع للميلاد، وظلت الصين تستعمر المناطق الشمالية الغربية منها نحو أربعة قرون (108 ق.م -313م). ومنذ أواسط القرن الرابع وحتى القرن السادس أقام مستوطنون يابانيون معاقل لهم على طول الساحل الجنوبي لكورية. وظهرت في أثناء ذلك وبعده ثلاث ممالك كورية وطنية متعاقبة نجحت إحداها، هي مملكة سيلاّ Silla، بتوحيد البلاد سنة 668م بمساعدة الصين، ومع تبدل البيت الحاكم أكثر من مرة ظلت كورية موحدة، فحلت أسرة «كوريو» Koryo محل أسرة سيلاّ سنة 935م واستمر حكمها إلى سنة 1392م حين خضعت لأباطرة المغول.
ظلت الأوضاع في جنوب شرقي آسيا في تقهقر مستمر منذ منتصف القرن التاسع عشر سواء في البر الرئيسي أو في الجزر والأرخبيلات. وقد استطاعت فرنسة الاستيلاء على كوشنشين (فييتنام الجنوبية) عام 1862 وعلى كمبودية عام 1863 ثم على مملكتي أنام وتونكين (فييتنام الشمالية) بين عامي 1883 و1885، ثم استولت على لوانغ بربانغ (لاوس) عام 1893. وكانت خطوتها التالية إيجاد نوع من التكامل السياسي والاقتصادي استهلته فرنسة بفرض اتحاد جمركي بين أنام وكوشنشين وكمبودية عام 1887، وانضمت إليه لوانغ بربانغ سنة 1899، وتم الاستيلاء على الأراضي المؤجرة في كوانغ شوان (تشنكيانغ) في جنوب شرقي الهند الصينية قبل ذلك بعام، وبحلول عام 1911 كانت هذه المناطق قد تحولت إلى وحدة إدارية تحت السيطرة الفرنسية، وصارت تعرف كلها باسم «الهند الصينية الفرنسية»، وفي هذه الأثناء كانت بريطانية قد تمكنت من السيطرة على بورمة كلها وتوقفت عند حدود سيام الشمالية والغربية، وعقدت اتفاقاً مع فرنسة عام 1896 على جعل سيام منطقة حاجزة بين المناطق التي يحتلها الطرفان وبينها وبين الصين، كما اتفقتا فيما بعد على تقاسم النفوذ في سيام نفسها عام 1907 ولكن هذا الاتفاق لم يخرج إلى حيز التطبيق. وفي الملايو احتل البريطانيون مضيق سنغافورة وأقاموا مرفأ لشركة الهند الشرقية فيها، وراحوا يتوسعون في الأراضي المحيطة به شمالاً ويحولونها إلى مستعمرة للتاج البريطاني (1867). وفي المدة بين عامي 1874-1895 حقق البريطانيون مكاسب جديدة بإقامة اتحاد من أربع دويلات ملاوية جنوبية عاصمته كوالا لمبور، وفي عام 1909 خضعت أربع دويلات ملاوية شمالية للسيطرة البريطانية أيضاً ثم انضمت إلى هذه المجموعة دولة جوهور عام 1914، وأتمت بريطانية بذلك سيطرتها على شبه جزيرة الملايو كلها.
بعد الحرب العالمية الثانية
حصلت سوريا ولبنان على استقلالهما (1946) وأعلن شرقي الأردن مملكة مستقلة (1946) باسم المملكة الأردنية الهاشمية، وقدم البريطانيون فلسطين هدية إلى الصهيونية بانسحابهم في أيار 1948 وتسليم ثكناتهم وكل ماكان في أيديهم إلى المنظمات الصهيونية التي أعلنت قيام دولة إسرائيل ونالت اعترافاً فورياً من الدول العظمى.
في فبراير 1958 أعلن قيام الجمهورية العربية المتحدة التي ضمت مصر وسورية، وأطاح انقلاب عسكري بالنظام الملكي في العراق، ووضعت الخطط لانضمامه إلى الجمهورية العربية المتحدة، إلا أن تجربة الوحدة لم تصمد وانهارت في عام 1961.
أما بقية المناطق العربية في بحر العرب والخليج العربي فقد عاشت تجارب مشتركة وخضعت جميعها في أول الأمر للسيطرة البريطانية في أوقات مختلفة من القرن التاسع عشر ثم غدت دولاً مستقلة،
فاحتاجت الكويت إلى 62 عاماً للتخلص من النفوذ البريطاني (أخضعت للحماية البريطانية عام 1899 وغدت مستقلة عام 1961)،
واحتاجت مشيخة البحرين وقطر وبقية المشيخات العربية في الخليج إلى نحو 150 عاماً للتخلص من الهيمنة البريطانية، وحصلت على الاستقلال في أوقات مختلفة من القرن العشرين،
فتحقق استقلال قطر سنة 1970،
واستقلال البحرين عام 1971،
وأعلن قيام دولة الإمارات العربية ا لمتحدة في العام نفسه. خضعت بوابة عدن للاحتلال البريطاني (شركة الهند الشرقية) عام 1839
وأدى التوسع البريطاني في جنوب شبه الجزيرة العربية إلى إقامة محمية عدن (1914) التي ضمت عدداً من المشيخات العربية، واستمر هذا التوسع منذ الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية، ثم تحول إلى نزاع دائم مع اليمن. وفي منتصف العقد الخامس بدأت محاولات جادة للتكامل بين المحميات (الإمارات) بإشراف بريطاني وجرى توحيدها وتقسيمها أكثر من مرة إلى أن تألف اتحاد الإمارات العربية في الجنوب في عام 1959
وسمي اتحاد جنوب الجزيرة العربية، ثم ضمت مستعمرة عدن (التي صارت تعرف باسم دولة عدن) إلى الاتحاد عام 1963، مع اعتراض اليمن والدول العربية الأخرى، وغدا الاتحاد يضم 15 إمارة ومشيخة، إلا أن حكومة الاتحاد انهارت عام 1967 وانسحبت بريطانية من المنطقة وغدت دولة عدن ومحمية اتحاد جنوب الجزيرة العربية تؤلفان جمهورية اليمن الشعبية الديمقراطية المستقلة.
وفي عام 1992 تم توحيد شطري اليمن تحت اسم الجمهورية اليمنية. سارت مسقط وعمان الطريق نفسه، فخضعت سلطنة مسقط والأراضي الداخلية للنفوذ البريطاني في أواسط القرن التاسع عشر. وفي بداية تسعينات القرن التاسع عشر غدت كل من مسقط وعمان محميتين بريطانيتين
وفي عام 1920 حصل إمام عمان على استقلال ذاتي ضمن السلطنة وظل الأمر على حاله إلى عام 1954 عندما حاول الإمام الجديد الاستقلال التام، وردت مسقط على هذه المحاولة باحتلال عمان بمساعدة بريطانية، واضطر الإمام إلى الهرب إلى السعودية بعد ثورة غير ناجحة (1957-1959). وبعد العثور على النفط في مسقط عام 1964 اتجهت البلاد إلى الإصلاح. وفي عام 1970 أطاح انقلاب بسلطان البلاد سعيد بن تيمور وحل محله ابنه السلطان قابوس.
العصر الحديث المتأخر
شهدت آسيا منذ منتصف القرن التاسع عشر مرحلة إعادة بناء دينامية، ففي كل بقعة من بقاع هذه القارة كانت الوحدات السياسية قد بدأت تأخذ أبعادها المميزة وتبدل بنيتها فيزداد حجمها أو يتقلص، وتتطور بالتدريج أو بالعنف والثورة وفقاً للأحوال المحيطة بها. ففي المناطق الجنوبية الغربية واجهت السلطنة العثمانية تحدياً خطيراً من محمد علي باشا واليها على مصر، وتخلت بلاد فارس مؤقتاً عن مطامحها، في حين فقدت جارتها الشرقية أفغانستان بعض أجزائها الجنوبية. وفي الهند انتهى حكم السلاطين التيموريين، وصار الجزء الأكبر من أراضيها تحت سيطرة شركة الهند الشرقية البريطانية. وانفرد بحكم ماتبقى منها أمراء محليون (مهراجات) لاأهمية لهم، وغدت مناطق الهيمالايا جزءاً من محميات التاج البريطاني، كما انهارت بورمة أمام التوغل البريطاني، في حين خضعت أنام (فييتنام) للضغط الفرنسي، وظلت سيام تبحث عن أمجاد لها على حساب الجوار. وراح البريطانيون يتسللون إلى الملايو، في حين بدأت سلطنات جزر الهند الشرقية تدور في فلك الاستثمارات الهولندية بعد أن غدت أكثر مرافئها تحت سيطرة هولندة ولم تلبث أن دخلت في تكامل سياسي معها.
وفي شرقي آسيا نكبت الصين المطوقة من أكثر جهاتها بحرب الأفيون، ثم لم تلبث أن واجهت ثورة عارمة قبل أن تسترد عافيتها وقوتها، وشرعت اليابان تخرج من عزلتها شيئاً فشيئاً، في حين راحت كورية تزداد انغلاقاً على نفسها سياسياً وثقافياً، وراحت روسية تتابع توسعها جنوباً وشرقاً وتضم أراضي جديدة لها.
منذ عام 1850 أخذت السلطنة العثمانية تزداد ضعفاً، وراحت كل من بريطانية وروسية وفرنسة تفكر منفردة في الطريقة التي تتقاسم بها إرث «الرجل المريض» وفق مصالحها، فكانت حرب القرم (1853-1856) شاهدة على ذلك التنافس. وفي عام 1874 كانت الحكومة العثمانية قد بلغت حد الإفلاس المالي التام بسبب الامتيازات الأجنبية والفوضى الداخلية، وتلا ذلك ثورات في البلقان، ثم حرب خاسرة مع روسية (1877ـ 1878)، ولم تمض بضع سنوات حتى احتل الفرنسيون تونس (1881) والبريطانيون مصر (1882) ولم يبق من ممتلكات بني عثمان سوى الأجزاء الآسيوية. وأدى تمرد الأرمن في شمال شرقي الأناضول إلى مرحلة تفكك جديدة، إلا أن ظهور حركة تركية الفتاة سنة 1896 أخر انهيار السلطنة العثمانية زمناً، وتوجت هذه الحركة بثورة 1908-1909، وتلا ذلك حربان في القسم الأوربي من السلطنة ثم الحرب العالمية الأولى التي انحازت تركية العثمانية فيها إلى جانب دول المركز (ألمانية والنمسة) وخسرت الحرب،
وزاد في خسارتها قيام الثورة العربية الكبرى (حزيران 1916) التي قادها الشريف حسين بن علي. وتمكنت قوات الجيش العربي وفصائل الثورة بالتعاون مع القوات البريطانية من تحرير الحجاز وبلاد الشام، واضطر العثمانيون عند إعلان الهدنة (1918) إلى الاستسلام وسحب حامياتهم من كل البلاد العربية الآسيوية. أعلن استقلال اليمن، وأقيم فيها نظام ملكي إمامي برئاسة الإمام يحيى حميد الدين، وظل هذا النظام قائماً إلى أن أطيح به في انقلاب عسكري عام 1962، ونشبت حرب أهلية بين أنصار الجمهورية الجديدة والنظام الملكي القديم دامت أربع سنوات. أعلن في الحجاز قيام المملكة العربية الهاشمية بزعامة الشريف حسين إلا أنها انهارت سريعاً أمام هجمات قوات نجد بقيادة عبد العزيز آل سعود الذي نجح في توحيد أجزاء الجزيرة العربية الداخلية والحجاز، وأرسى في عام 1926 أسس مملكة جديدة صار اسمها منذ عام 1932 «المملكة العربية السعودية».
وفي بلاد الشام رفع الأمير فيصل بن الحسين العلم العربي على دار الحكومة في دمشق في تشرين الأول 1918، كما رفع العلم نفسه على دار السرايا، وهي دار الحكومة في بيروت، وألفت أول حكومة عربية في دمشق قبل أن ينتقل زمام الأمور إلى أيدي الأمير فيصل بن الحسين ورجاله، واقترب العرب من إقامة دولتهم الموحدة في بلاد الشام إلا أن الحلفاء قرروا تقسيم البلاد إلى مناطق عسكرية ثلاث تحت الانتداب. ولكن رجالات سورية رفضوا هذا التقسيم وطالبوا بتوحيد البلاد في مؤتمر عام ضم ممثلين عن كل هذه المناطق. وأعلنوا قيام المملكة العربية السورية واختاروا الأمير فيصل ملكاً عليها، وتلا ذلك غزو عسكري فرنسي لسورية وفرض الانتداب البريطاني على العراق وفلسطين مع شرقي الأردن، كما فرض الانتداب الفرنسي على سورية وفق اتفاق سري عرف باسم اتفاق سايكس ـ بيكو، ولم يلبث البريطانيون أن فصلوا شرقي الأردن عن فلسطين ونصبوا الملك فيصل ملكاً على العراق، وفصل الفرنسيون لبنان عن سورية، وتخلوا إلى تركية عن مناطق كيليكية (1924) ولواء اسكندرون (1939). وعمت البلاد الثورات والاضطرابات ولكنها أخمدت بشدة. وفتح البريطانيون أبواب الهجرة لليهود إلى فلسطين وأتاحوا لهم الحصول على المعونات المادية والعسكرية التي مكنتهم من السيطرة على أجزاء كبيرة منها.
اليابان
أما اليابان فقد خضعت من عام 1192 حتى عام 1867 لحكم شوغونيات من أسر مختلفة. وساعد التوسع في الأملاك الزراعية والتجارة المحلية والخارجية مع تطبيق النظام النقدي في زيادة نفوذ الإقطاعيين ملاك الأراضي (الدايميو) حتى غدا الأباطرة والشوغونات أنفسهم بلا حول ولا قوة. ولكن الحروب الضارية التي دارت بين هؤلاء في أواخر القرن السادس عشر للميلاد مكنت الشوغونات من إعادة فرض سلطانهم تدريجياً حتى استقام الأمر تماماً لشوغونية توكاغاوا (1603-1867) Tokagawa التي أسسها إياسو توكاغاوا.
تبنى الشوغونات سياسة العزلة الوطنية من أجل التحكم بالتبدلات الاجتماعية الحادثة والحيلولة دون وقوع صدامات بين الإقطاعيين، فمنع الأجانب من دخول اليابان ومنع اليابانيون من مغادرة الجزر، وأدت هذه السياسة إلى تدهور الوضع الاقتصادي والتدخل العسكري الغربي (1851- 1853) ونهاية سلطة الشوغون (1867) وعودة الامبراطور إلى تسلم زمام السلطة. ويعد عهد الامبراطور ميجي (1868-1912)Mheiji نقطة تحول كبرى في تاريخ اليابان الحديث.
أما كورية فدخلت في عهد أسرة يي نازلا (1392-1910) مرحلة انحطاط طويلة الأمد بعد حقبة بلغت فيها أوج ازدهارها وحضارتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. وقد شهدت كورية في هذين القرنين نمو التجارة الخارجية المنظمة مع الصين واليابان وجنوب شرقي آسيا، كما شهدت إنجازات رائعة في ميادين الكتابة والفن والتقنية. ولكن غزوات اليابان الشديدة الوطء وظهور أسرة منشو في الصين ومنافسة التجار البرتغاليين والهولنديين كانت لها آثار مدمرة، فتبنت كورية منذ أوائل القرن السابع عشر سياسة العزلة القومية، وتحولت إلى مملكة نساك، مع المحافظة على خضوعها التقليدي لأسرة منشو في الصين، وابتعدت البلاد تدريجياً عن الاتصال الاقتصادي أو الثقافي مع العالم الخارجي حتى أصابها الجمود التام.
بدأت امبراطورية المغول بالتفكك منذ مطلع القرن الرابع عشر، فتجزأت إلى دويلات كثيرة. ومع انهيار الأمن والنظام في غياب الخانات العظام ضعفت التجارة. وقد أبقى تجزؤ امبراطورية المغول على بعض نقاط القوة في أواسط آسيا وفي سهوب جنوبي روسية وجنوب غربي سيبرية ممثلة بخانات القبيل الذهبي، وظل الأمر على حاله حتى أواخر القرن الخامس عشر، عندما سقط هؤلاء الخانات أمام قوة روسية الصاعدة وقوة الأتراك العثمانيين. وفي المناطق الواقعة إلى شمال غربي الهند انساحت جيوش تيمورلنك (1380-1405) لتعيد سلطة المغول ـ التتار مدة وجيزة، بين جبال تيان شان في الشرق والبحر المتوسط في الغرب، ثم تفككت من جديد إلى خانات كثيرة متنازعة. وأدت سلطة الدلاي لاما المتزايدة في التبت إلى توحيد المناطق الجبلية المتاخمة لآسيا الداخلية، واستطاع خانات منغولية وتركستان مقاومة جهود أسرة منغ الرامية إلى ضم المنطقة لمدة زادت على مئة عام. وفي القرن السابع عشر بدأت شعوب آسيا الداخلية تفقد استقلالها تدريجياً، فتمكنت أسرة تشنغ من مد سيطرتها إلى داخل منغولية وتركستان الصينية والتبت، واستطاعت روسية القيصرية دفع حدودها حتى سواحل المحيط الهادئ في الشمال الشرقي وحتى نهر آمور وجبال تيان شان. واستطاع البريطانيون مد نفوذهم إلى أفغانستان على أطراف شبه القارة الهندية في مواجهة التوسع الروسي في القرن التاسع عشر.
القرن 16 الميلادي
مع حلول القرن السادس عشر كانت السلطة المسلمة قد رسخت أقدامها في أجزاء واسعة من شمالي الهند واستقرت في وسطها أيضاً بعد التوسع المغولي التركي على يد أسرة السلاطين التيموريين (المغول العظام) التي أسسها بابر (1526-1530م) فتوحد شبه القارة الهندي تحت سلطانهم. ومن أشهر سلاطينهم السلطان أكبر (1556-1605) والسلطان شاه جهان (1628-1658م) وابنه السلطان أورنغ زيب (1658-1707م) الذي بلغت السلطنة في عهده أوج قوتها وازدهارها ثم تفككت أوصالها بعد وفاته. وفي القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر بدأت تظهر على المسرح قوى منافسة شديدة البأس تمثلت في المراثاويين الهندوس في غربي الدكن، والسيخ القريبين من الهندوس الموحدين في الشمال الغربي، إضافة إلى الأسر الحاكمة المسلمة التي ظلت قائمة في عهد السلطنة. وزاد في حدة هذه الصراعات تدخل الإنكليز والفرنسيين في القرن السابع عشر بقصد التجارة. وفي أواخر القرن الثامن عشر استطاعت شركة الهند الشرقية البريطانية إثبات وجودها الاستعماري في الهند، وبعد ثورة السباهية، وإلغاء السلطنة المغولية (1858م)، غدت بريطانية العظمى تحكم الهند حكماً مباشراً.
أما أفغانستان فلم تعرف الاستقرار منذ العهد المغولي وكانت، لموقعها الاستراتيجي، تتعرض دائماً للغزو الخارجي. وفي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ظهرت في أفغانستان أسرات حاكمة محلية وفارسية متنافسة، ثم آل الأمر إلى تنافس بريطانية العظمى وروسية القيصرية لبسط سيطرتهما على البلاد بدءاً من عام 1830م.
لحق المد الاستعماري الأوربي بالمناطق الأخرى المتاخمة لجنوبي آسيا سياسياً وعسكرياً. فقد تعرضت أجزاء من جزيرة سيلان للغزو البرتغالي (1505-1658) واحتل الهولنديون أجزاء أخرى منها (1638-1796)، ثم غدت سيلان كلها خاضعة للتاج البريطاني في أثناء حروب نابليون، وكان من نتيجة ازدياد الهيمنة البريطانية خضوع كل من نيبال (1816) وسيكيم (1817) وبهوتان (1865 ثم 1910).
ظل جنوب شرقي آسيا خلواً من أية قوة سياسية ذات شأن حتى القرن الثالث للميلاد حين قامت مملكة الخمير فيما يعرف اليوم باسم كمبودية، وظلت شعوب المنطقة تعيش حضارة العصر الحجري الحديث مع تأثرها بالهندوكية والبوذية والكونفوشيوسية. ومع دخول الإسلام وانتشاره حدث تبدل في حياة شعوب المنطقة. وفي أواخر القرن الثالث عشر ظهرت في جاوة امبراطورية الماجابهيت (1293-1530م) على أنقاض مملكة سْري فيغايا القديمة (ق7-13م) وخضعت لها أكثر جزر الأرخبيل الإندونيسي، ثم تفككت إلى إمارات مستقلة. كذلك نهضت بعض الممالك النشطة في مينمار وسيام وفييتنام.
بدأ الأوربيون يتوافدون إلى جنوب شرقي آسيا منذ أوائل القرن السادس عشر. فاستقر البرتغاليون في ملقة منذ عام 1511م، واصطدموا بمقاومة شديدة من السكان المسلمين. وجاء الهولنديون والإنكليز إلى المنطقة في أواخر القرن السادس عشر. وتمكنت شركة الهند الشرقية الهولندية في جاوة سنة 1602 من فرض هيمنتها على كل جزر الأرخبيل الإندونيسي. وغزا الإسبان الفيليبين سنة .1565 وفي سنة 1819 صار للبريطانيين موطئ قدم في جنوب شرقي آسيا عندما اشترى توماس ستامفورد رافلز جزيرة سنغافورة من سلطان جوهور. ولم تلبث ممالك شبه جزيرة الملايو وإماراتها أن دخلت فلك الحماية البريطانية، كما احتلت بريطانية بورمة. ومع حلول عام 1860 كانت سيام والدول الخمس التي عرفت باسم الهند الصينية (تونكين وأنام وكوشنشين ولاوس وكمبودية) قد خضعت للسيطرة الفرنسية.
يعد سقوط السلالة الحاكمة المغولية في الصين وقيام أسرة منغ (1365-1644) من الحوادث المهمة في تاريخ الصين، إذ نجحت في توحيد أكثر أجزاء البلاد، ومد نفوذها إلى كورية وتنمية تجارتها مع اليابان. واتجهت أنظار ملوكها إلى توسيع حدودهم البحرية. ففي النصف الأول من القرن الخامس عشر أرسلت الصين حملات بحرية كبيرة إلى جنوب شرقي آسيا وجنوبيها لغرض التجارة وللضغط على الحكام المحليين في تلك المناطق. وبعد أقل من قرن وصل التجار البرتغاليون إلى البر الصيني، وسمح لهم عام 1557م بإقامة مركز تجاري في «مكاو». ومع اقتراب القرن السادس عشر من نهايته بدأت أسرة منغ تعاني حالة الاحتضار، وأنهكتها الحرب مع اليابان التي غزت كورية (1592-1598م)، وأدى ضغط حلف قبائل منشو والمغول إلى سقوط حكم أسرة منغ وتأسيس حكم أسرة تشنغ (1644-1912م) التي عدت حتى القرن الثامن عشر من أقوى دول العالم وأكثرها تطوراً. فمدت نفوذها إلى شرقي آسيا وجنوب شرقيها وإلى التبت وتركستان الصينية. وفرضت شروطها على الشركات التجارية الأوربية. وقد حرص حكام هذه الأسرة على التعاون الوثيق مع البيروقراطية الصينية التقليدية، وكان نجاح نظامهم الذي فرضوه مدهشاً وبلغ الأوج في عهد الامبراطور تشين لونغ (1736-1796م)، ثم بدأ ينهار بسرعة تحت ضغط الانفجار السكاني وانتشار الفساد، وكان من نتائج ذلك اضطراب الأحوال وتمرد الفلاحين في أواسط القرن التاسع عشر، وزاد في تفاقم المسألة التدخل الاستعماري الغربي، ولاسيما البريطاني، الذي بلغ ذروته في حرب الأفيون (1839-1842).
الكوريين واليابانيين
تقوم بين الكوريين واليابانيين قرابة لغوية وعرقية، وهم أقرب إلى الشعوب المغولية منهم إلى الصينيين،وكان الكوريون واليابانيون قد ألفوا حياة الزراعة في وقت مبكر وتأثروا بالحضارة الصينية، واقتبست كورية الديانة البوذية والفلسفة الكونفوشيوسية من الصين، كما تبنت الكتابة والأدب والفن والتشريع ونظام الحكم، وكان للكوريين أثر في إغناء الثقافة اليابانية، وإن لم يمهروا في نقل هذه الثقافة أو تكييفها وفق أوضاعهم القومية. المناطق الداخلية من آسيا: تحتل هذه المناطق تجمعات مغولية تركية انساحت تاريخياً وسط منغوليا وتركستان. وتختلف البيئة الطبيعية لهذه الشعوب عن جيرانها في الصين والهند وإيران وروسية، كما يختلف أسلوب معاشها وتراثها، وكان لها دور متوسط بين تلك الشعوب في السلم والحرب، كما كانت مناطقها محاور اتصال بين الأقاليم المكتظة بالسكان والمتباعدة بعضها عن بعض في الأزمنة القديمة والقرون الوسطى.
يعيش أكثر شعوب آسيا الداخلية حياة البداوة. ولم تكن أعدادها كبيرة في يوم من الأيام، إلا أن أفرادها محاربون أشداء يرهب جانبهم مهروا في ركوب الخيل، وكان ضغط الجفاف والجوع المتواترين يدفعهم دائماً إلى الإغارة على جيرانهم. وكانت فارس والهند والصين أكثر البلاد شعوراً بوطأة هؤلاء. كما عانت أوربة نفسها غزوات كبيرة في أوائل القرون الوسطى من أقوام بداة قدموا أساساً من مناطق آسيا الداخلية كالهون وغيرهم. وقد بلغت هذه الغزوات ذروتها في القرن الثالث عشر عندما أقام جنكيز خان وخلفاؤه أكبر امبراطورية عرفها التاريخ، وظلت سيدة المسرح أكثر من قرن. ومع أن المغول مهروا في الغزو والإدارة، فإنهم لم يتركوا أي أثر حضاري ذي شأن بعد أن ارتدوا إلى سهوبهم وصحاريهم القاحلة.
ظلت التبت منطقة اكتفاء ذاتي زمناً طويلاً، وقد حدّت الحواجز الطبيعية من تطورها سكانياً ومن اتصالها بالعالم الخارجي، كما حالت دون قيام اتصال مباشر بين الصين والهند. ولم يكن لسكان التبت خطر ذو شأن على جوارهم كما كان للشعوب المغولية التركية. ولم تظهر في التبت أي مملكة حتى القرن السابع، واضطهدت البوذية التي دخلتها في ذلك الحين، إلا أنها عادت إلى الظهور في القرن الثامن وانتقلت منها إلى منغولية في القرن الثالث عشر. وترافقت البوذية مع العبادة الشامانية المحلية.
العصر الحديث المبكر
صورة حصن القديس جورج في القرن الثامن عشر، مدراس.
شهدت آسيا تغيرات كثيرة في تركيبها السياسي بعد تفكك امبراطورية المغول في القرن الرابع عشر، وازدهرت في القرون التي تلت امبراطوريات وممالك قوية في بعض أجزاء القارة، وقد وفرت الوحدة السياسية لمناطق شاسعة عمليات التجارة والتنقل، وفتحت المجال أمام المغامرين والتجار والمبشرين الأوربيين والمستعمرين بعد أن عرف البرتغاليون الطريق إلى الهند وقنع التجار الأوربيون في بادئ الأمر بما أتيح لهم من حظوظ بالشروط التي فرضتها الدول المحلية. إلا أن تبدلاً جذرياً طرأ على العلاقات بين أوربة وآسيا حين حصل الأوربيون على مصادر قوية جديدة مكنتهم من فرض هيمنة مباشرة على شؤون آسيا. وقد سهل انهيار الامبراطوريات الآسيوية الكبرى سيطرة الأوربيين على أكثر أجزائها. وبعد منتصف القرن التاسع عشر صار الغرب المالك الحقيقي لثروات القسم الأكبر من مصادر الشرق.
كانت دول جنوب غربي آسيا من بيزنطية وعربية وتركية سلجوقية وفارسية ومملوكية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر منهكة بالحروب فيما بينها والصراعات الداخلية فيها، كما عانت غزوات الفرنجة الصليبيين والمغول والتتار، وظل حالها على هذا النحو إلى أن تحقق النصر النهائي للأتراك العثمانيين فهيمنوا على الواقع السياسي لهذه المناطق أربعة قرون. وكان أهمَّ انتصار لهم استيلاؤهم على القسطنطينية سنة 757هـ/ 1453م، ثم راحوا يتوسعون شمالاً في السهوب الجنوبية لروسية، وشرقاً حتى حدود المملكة الصفوية الفارسية، وجنوباً حتى مصر والمغرب العربي حتى المحيط الأطلسي، واكتسحوا أقاليم البلقان كلها، ووصلت جيوشهم إلى أواسط أوربة، ولم يكن يزاحم السلطنة العثمانية في أوج قوتها سوى سلطنة المغول العظام في الهند وأسرة تشينغ في الصين. تقلص ميل العثمانيين إلى التوسع منذ القرن الثامن عشر وبدأت تظهر عند حدودهم دول فتية زاحمتهم وناصبتهم العداء، وكان ضغط روسية وامبراطورية النمسة والمجر على العثمانيين في البلقان مميزاً. كما واجه العثمانيون ثورات وتمرداً في مناطق أخرى، ولا سيما في المغرب العربي ومصر، وبدأت السلطنة العثمانية تسير في طريق الانهيار منذ القرن التاسع عشر حتى أطلق عليها الغربيون اسم «الرجل المريض في الشرق».
أسرة تانگ حوالي عام 700
أما أعظم أسرتين حكمتا الصين في الحقبة الامبراطورية فهما أسرة هان (202ق.م-220م) وأسرة تانگ (618-906م). وفي عهد أسرة تانغ حققت الصين منجزات مهمة في حقول شتى، وغدت الصين أقوى دولة مزدهرة في ذلك العصر إلى جانب دولة الخلافة الإسلامية في أيام عظمتها. وفي عهد أسرة سونگ (960-1279م) ارتقت ثقافة الصين إلى أوج ازدهارها، وبلغت تجارتها أقصى اتساعها، ولكنها ظلت محدودة القوة العسكرية، الأمر الذي مهد الطريق لظهور امبراطورية جديدة أقامها الغزاة بزعامة أسرة يوان (1260-1368). عاشت الصين استقراراً سياسياً أكثر من ألف عام في ظل هذه الأسر واتسعت أراضيها حتى شملت كورية وفييتنام وتركستان ومنغولية وغيرها، وقد ظل النظام الامبراطوري التقليدي سائداً فيها حتى القرن العشرين. وللصين فضل كبير على الحضارة الإنسانية بما قدمته من مبتكرات مفيدة كصناعة الورق والطباعة والبارود، كما كان لطريق الحرير الذي يجتاز آسيا براً (أسرة هان) وبحراً (أسرة سونگ) فضل تطوير العلاقات التجارية بين امبراطوريات الشرق والغرب.
وقد حققت الصين، رقماً قياسياً في عدد السكان، فكان الصينيون أكبر مجموعة عرقية تتركز في منطقة واحدة في العالم. وانفردت الصين بمجتمع متجانس دينياً وأدبياً وثقافياً. كما تأثر الصينيون بثقافات الفاتحين وتمثلوها. وغدت الفلسفة الكونفوشيوسية مصدر الإلهام الثقافي والحكمة، وأدت الروح المحافظة إلى جعل الصين تعيش عزلة نسبية أخرتها عن مواكبة التطور العلمي والتقني في الغرب.
كذلك فرضت العوامل الجغرافية على الجزر اليابانية نوعاً من العزلة بسبب انفصالها عن البر الرئيسي، وكان اليابانيون عشائر وقبائل متفرقة مكتفية ذاتياً، وتخضع لزعامات تقوم على الإرث. وقد تعاظمت قوة المجموعة الرئيسة منها في منطقة ياماتو، وغدا زعيمها سيد شعب ياماتو ورأس النظام الامبراطوري الذي يحكم البلاد، وهو على هذا النحو من أقدم الأسر الحاكمة في اليابان.
ويبدو التأثير الثقافي الصيني جلياً في اليابان، إذ يمكن تتبع ملامحه الأولى منذ ما قبل التاريخ، وقد اقتبست اليابان من الصين كل عناصرها الحضارية من زراعة الأرز إلى استعمال البرونز والحديد إلى الكتابة والأدب والفن والدين (البوذية). واستعارت اليابان الثقافة الصينية طوعاً، وراحت تهضمها وتعدل فيها. ومع أن الكتابة الصينية اقتصرت على ذوي الشرف في اليابان فقد ابتكر اليابانيون منظومة كتابة قومية بأسلوب المقاطع عرفت باسم «كانا» تنسجم مع طريقة اللفظ اليابانية، وارتقى الأدب الياباني بمعاييره في القرن الحادي عشر إلى مستوى الأدب الصيني الذي واكبه، كما نجح المصورون والنحاتون اليابانيون ومهندسو العمارة في اتقان الأسلوب الصيني. ومع أن البوذية المتطورة سادت البلاد فقد ظلت ديانة الشنتو طقساً وطنياً. كذلك ابتعد اليابانيون في مؤسساتهم السياسية والاقتصادية كثيراً عن النموذج الصيني الذي حاولوا تقليده، ولم تستطع سياسة التايكوا (الإصلاح العظيم) لفرض الحكم المركزي وفق النموذج الصيني أن تمد جذورها في جزر اليابان، إذ دخلت البيروقراطية الصينية التي تقوم على الاختبارات التنافسية في صراع مع التقليد الأرستقراطي الياباني القائم على الوراثة،
وعادت القوى المحلية إلى إثبات وجودها بعد انحطاط السلطة المركزية، وظهرت في اليابان في منتصف القرن العاشر دويلات كثيرة تتمتع بامتيازات وباستقلال شبه تام وتسليح مستقل، مع اعترافها اسمياً بالحكومة الامبراطورية. وتوج تمرد هذه الدويلات وحروبها فيما بينها بارتقاء عشيرة ميناموتو إلى سدة الزعامة العسكرية في القرن الثاني عشر ممثلة بنظام «الشوگون» المدعوم بالإقطاع، وقد ظل هذا النظام قائماً حتى القرن التاسع عشر. وكانت حكومة الشوغون هي التي تحكم بوجود الحكومة المدنية التي يرأسها الامبراطور. أما الإقطاعية اليابانية فيمثلها الدايميو Daimyo (طبقة الإقطاعيين الكبار) والساموراي (طبقة المحاربين) ويعد هؤلاء نواباً أو نواب نواب للشوغون وليس للامبراطور. وقد عرفت اليابان ثلاث شوغونيات متعاقبة اشتهرت أولاها باسم كاماكورا، نسبة إلى عاصمتها، وتزعمتها أسرة ميناموتو (1192- 1333م)، كما سادت طبقة الساموراي أكثر من 700 عام وأعطت اليابان ملامحها العامة. أما كورية فقد ظلت مقسمة سياسياً إلى منتصف القرن السابع للميلاد، وظلت الصين تستعمر المناطق الشمالية الغربية منها نحو أربعة قرون (108 ق.م -313م). ومنذ أواسط القرن الرابع وحتى القرن السادس أقام مستوطنون يابانيون معاقل لهم على طول الساحل الجنوبي لكورية. وظهرت في أثناء ذلك وبعده ثلاث ممالك كورية وطنية متعاقبة نجحت إحداها، هي مملكة سيلاّ Silla، بتوحيد البلاد سنة 668م بمساعدة الصين، ومع تبدل البيت الحاكم أكثر من مرة ظلت كورية موحدة، فحلت أسرة «كوريو» Koryo محل أسرة سيلاّ سنة 935م واستمر حكمها إلى سنة 1392م حين خضعت لأباطرة المغول.
مواضيع مماثلة
» * اكتشافات معالم اثرية تاريخية موغلة في القدم
» * حلب كبرى المدن السورية معالم وتقافة وسياحة واقتصاد
» * العلوم الحيوية في القرن الواحد والعشرون
» * علماء العرب في القرن الثالث الرابع الهجري
» * علماء العرب في القرن الخامس والسادس الهجري
» * حلب كبرى المدن السورية معالم وتقافة وسياحة واقتصاد
» * العلوم الحيوية في القرن الواحد والعشرون
» * علماء العرب في القرن الثالث الرابع الهجري
» * علماء العرب في القرن الخامس والسادس الهجري
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى