* بيت الجد والجدة : من 9 - 17
صفحة 1 من اصل 1
* بيت الجد والجدة : من 9 - 17
بيت الجد والجدة 9
طارق فتحي
( تلبس الجن )
كالعادة تحلقنا حول جدتي وهي تحكي لنا احدى حكاياتها العجيبة بعد ان تناولنا طعام العشاء من على سطح منزلنا القديم في وسط بغداد منطقة الفضل على ضوء عمود انارة خافت يرمي بضوئه على سطح دارنا من مكان غير بعيد عنا .
تقول جدتي :
ذات ليلة قبل سنوات قلائل قبل ايصال الكهرباء الى البيوت في منطقتنا حلمت ان امرأة بشعه المظهر اسنانها ظاهرة بشكل كبير وبشع وشعر ابيض مبعثر بشكل جنوني وعيناها كعيون القطط ذات بؤبؤ طولي الشكل , منظرها مخيف جدا يبعث على الخوف والاشمئزاز معا . هذه المراءة المخيفة قرصتني بشدة فتألمت كثيرا ,
قلت لها لماذا فعلت ذلك .؟
ردت : انك قتلت طفلي عند سكبك الماء الحار على ارضية الحمام اثناء استحمامك في الظلام الدامس . واليوم أتيت اليك لانتقم لطفلي وسوف أأذيك بقتل الطفلة الموجودة في المهد . في هذه الاثناء صرخت الطفلة بشكل مفاجيء وبهستيرية غير طبيعة بالمرة . صراخ يصم الاذان غير معهود من طفلة .
تكمل الجدة حكايتها :
نهضت من النوم فزعة على صوت صراخ الطفلة التي في المهد , ذهبت مسرعة اليها وجدت سائلا اخضر اللون سميك القوام يخرج من فمها . ايقظت من في البيت ومنهم والدكم فاخذوها الى مستشفى الطواري في الفضل القريب من شارع الشيخ عمر المقابل لسايلو الحبوب حيث لم يستطيعوا القيام بعمل أي شيء لها واحتاروا في مرضها .
ذهبوا بها الى عدة مستشفيات فلم يجدوا جوابا من طبيب لم يقولوا الا أن حالتها غير طبيعية ولن يجدوا علاج لهذه الحالة حتى مضت خمسه ايام أخرى ونحن في البيت في حالة هرج ومرج بسبب مرض الطفلة المحير للاطباء ولنا جميعاً . حينها وبمشورة عجائز ذلك الزمان عرضناها على احد المشايخ المشهورين في المنطقة منهم ( الشيخ كمر ) و ( الشيخ ابو خمرة ) في المناطق المجاورة لمنطقتنا فقرأوا عليها أيات من القران الكريم وقام الشيخ كمر بتلاوة الرقية الشرعية على رأس الطفلة .
عندها قال لوالدتكم لقد تأخرتم كثيرا تلبسها الجان وحالة الطفلة في غاية الخطورة ففي أي لحظة يمكن أن تموت فلم تمر الا بضعة ايام معدودات حتى توفيت اختكم الكبيرة فتوجهوا بها الى مقبرة الغزالي حتى يغسلوها ويدفنوها فلاحظوا بعد غسيلها أن هناك علامة يدان متقابلتان ظهرتا في الصدر و الظهر وهذه كانت ضربة الجان لها .
هذه قصة حقيقيه حدثت في العراق في بغداد وبالتحديد قبل ظهور الكهرباء وفي نفس البيت الذي توفي به طفل بمثلما حدث لاختنا المتوفاة .عندها أصبح المنزل مسكونا حتى الان يرى اطفال الجان الذين تكون اشكالهم شقر واعينهم تاتي بالطول كانوا يلعبون حول الفوانيس المعلقة على سطح البيت غادرنا هذا المنزل في العام 1959 م . ولم يسكنه احد بعدنا ابداً وما زال المنزل مسكونا حتى تم هدمه لكونه منزل قديم آيل للسقوط تم الهدم في العام 1975 م .
بيت الجد والجدة 10
طارق فتحي
( ان ارادت المراءة فعلت )
شوقى لسماع القصص ليس له حدود ، اشتاق لجلسة امام جدتي وكل منا يطيل النظر اليها ونحن نضع ايدينا علي خدودنا. اسمع صوتها في اذنى يا اولاد تعالوا نسمع حكايات عجيبة وغريبة اقول جدتى والبنات لا .. لا للبنات , تضحك وتقول الاولاد والبنات تعالوا جميعاً لتسمعوا قصة رائعة في هذه الليلة المباركة , نجرى جميعاً حيث تجلس جدتى تصفق معلنة بداية الحكاية فلا تسمع لاحد منا صوتاً الا همساً .. همساً .. خفيفاً .
الناس زمان كانت بيوتهم كبيرة وقلوبهم كذلك وكان بيت جدتى من تلك البيوت التى تضم كل أشكال العلاقات الإنسانية قرابه , صداقة , صلة أرحام قريبة وبعيدة ، منهم يخدمون وكأنهم من أهل البيت وقت الغداء الكل يجلس القريب والبعيد ,أهل البيت وخدمه , لا فرق ولا تفرقة لذلك تعددت أغراض الحكاية وكان يلتبس علينا الأمر فيمن تقصده جدتى ...
إلا أن هذه الحكاية كانت وثيقة عمل لكل نساء البيت . فكانت حلقة الحاضرين تتسع لتلك الحكاية وتبدأها جدتى عادة كلما رأت خنوعا وضعفا فى إحداهن وإنصياعا لإوامر الرجل
سواء كان على حق أو باطل فتنهر ضعفهن بصوتها الآسر نلمح قوته وإعتزازه من أول " صلى على النبى " ونشعر بأهمية تشجيعنا فنصرخ بحماس " اللهم صلى على النبى .
كان هناك امرأة على قدر كبير من الضعف , زوجها فقير الحال ,هي راضية مرضية بعيشها غير الكريم معه . يقنعها القليل تسعد بفتات الكلمات الطيبة احياناً , بيتها الكبير الفارغ الا من زيارة الجيران لها هو دفئها وسعادتها ,عندما يطبطب زوجها على كتفها تشعر بالآمان والاطمئنان , صورة ابتسامتها الرقيقة والبريئة لم تعكرها سوى بعدها عن امها وعجزها من ان ترعاها .
رغم سذاجة زوجها وطيبته احيانا الا انه كان كثيراً ما يمنع زوجته من زيارة امها وتنقلب طيبته عليه مما تجعله كالوحش الكاسر , فكأن تنمره وطبطباته مخالب تخمش رغبتها في بر امها فتكتمها في سرها وتتراجع عن رغبتها مهادنة للزوج وعدم اثارة غضبه , فتطلب منه ان يلتمس الاجر والثواب في صله الرحم وبر الوالدين فيكون همزة الوصل بينها وبين امها عندها يخرج الزوج من الدار مباشرة دون اعطاء موافقته للامر مما تستدرك الزوجة انه يرفض مغادرتها الدار
تتوسله بشكل مهين فيه الكثير من الذل والخنوع فتلين أكثر وتطمع فى كرمه الذى يعز كثيرا عندما يأتى الأمر إلى أمها فتطلب أن ترسل معه غدوه بسيطة فتثور ثائرته ويتهمها إنها إنما تهدر رزق أولاده , وينفر الطبع السئ كعرق الغضب فى وجهه فلا ترى غيره ولا يعطيها الأمان .. فيعد عليها قطع اللحم قبل أن تسويها ويوم خبيزها يحصى قطع الأرغفة. ولان الكلام بينهما أصبح كالكرة المطاط التى كلما قذفتها ناحيته أرجعها إليها بكل قوته فقد قررت الأ تطيل حبال الصبر , أكثر من ذلك .
فليفعل ولتقتطع هى من القطعة قطعة ومن العجين عجنة ومن غدوة أولادها أكلة لأمها وتعد لها طاجن من اللحم وتضعه فى سبت صغير تحوطه الأرغفة وبعض من غسيل أمها ويحمله ليوصل أمانه على أنها من أحدى الجارات محذره إياه أن لا ينكسر ما فى السبت .
توالت مشاوير يوم الجمعة وتعددت أعذاره من جاره ترسل تحيات من صنع يديها إلى جارة ترسل طاجنها الفخار لتدخله الأم فى فرنها القديم لتزيده صلابه .. لكنه أبدا لم يعترض أو يختلق الأعذار لعدم الذهاب بل هو من كان يسعى للذهاب فقد كان يحن للراحة بين يدى الأم .
ينصت لفيض الدعوات التى يلهج بها لسانها فينسلت من قلبه كل شائبة كره أو بغض .. بل هو بالفعل يحبها ويخاف عليها .. هكذا همس لنفسه حتى جاء يوم قام من فوره يسعى لأمرأته يفك الأسر عنها ويسمح لها بالذهاب .. تهللت زوجته وسألته إن كان قد شعر بظلمه لأمها فأعترف أن نعم فسألته إن كان يغضب منها لو منعته من هذا الظلم فقال ليتك فعلت ... فصارحته وطالبته أن يحمد ربه وأنها قد فعلت كذا وكذا و ........الخ.
ورغم ندمه أولا وتسليمه ثانيا فإن عينيه ظلت تشى أنه لا يأمن مكرها وأنه لابد يسترضيها ويرضيها فهى إن أرادت فلابد هى فاعلة . وأغلب الظن أن تلك الوثيقة من أفكار جدتى فهكذا كانت ( إن أرادت المرأة فعلت) .
بيت الجد والجدة 11
طارق فتحي
( لعله خير )
دائماً ما كنت اذهب الي جدتي ابكى على حظى العاثر او ابكى ضياع فرصة كنت اعتمد عليها او انى اخفقت في الامتحان علي الرغم من المجهود الذي بذلته تستقبلنى جدتي بهدوئها وتقول ( لعله خير ) , كنت وقتها لا اقبل هذه الكلمة واتعجب وادبدب بقدمى في الارض (خير وانا اتعثر) ، تقفز الي ذهنى اليوم تلك الصورة !! اتذكر قول جدتى رحمها الله ( لعله خير ) . اتنهد اغمض عينى واتذكر نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم وقوله: عجبًا لأمر المؤمن . إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك إلا للمؤمن:
إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له. ما من وصف يمكن أن يعطى للإيجابية في العمل والسلوك والمشاعر أعظم من هذا الوصف أو أبين. فالشكر والصبر، ليسا محض شعور. وعلينا ان نشكر الله لنعمه الكثيرة التي انعم بها على البشر. واستطردت جدتي قائلة :
أن الله عز وجل انعم علينا نعما كثيرة ، ولم يزل ينعم على عباده النعم الكثيرة ، حتى يشكر العبد ربه علي هذه النعم ويحافظ عليها فإذا شكرنا النعم اتسعت وبارك الله فيها وعظم الانتفاع بها ، ومتى كفرت النعم زالت بعدم شكرنا وحمدنا : (( ما أنعم الله على عبد نعمة , فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها )) ما كانت جدتى لتقول كل هذه الكلام وهى من كانت تقول دائماً اكرموا الخبز - بدون ان تبسطه لنا في حكاية من حكاياتها الجميلة لنستفيد منها ونعمل بها كعادتنا معها رحمها الله
تحكى جدتى:-
انه كان هناك رجلاً أعطاه الله الخير الوفير فكان يتفق منه علي بيته واولاده وما يزيد ينفقه علي المحتاج وما من احد يطلب منه الا اعطاه اكثر مما يطلب وكان يقول دائماً ان الله سبحانه وتعالي اعطانا من اجل الانفاق في سبيله وهو يعلم سبحانه المصلح من المفسد , وبعد وقت طويل اخذ الرجل يتعب من كثرة المال ففكر في حكيم يحكى عنه انه ذاع صيته, ذهب اليه وحكى له عن امره واخبره انه مثقل بهذا المال فطلب منه الحكيم ان ياكل خبز يابس "غير طرئ"
فاستغرب الرجل ولكنه فعل مثل ما قال له الحكيم وعلي العكس زادت النعمة وفاضت اكثر من ذى قبل فذهب اليه مرة اخرى واخبره بما حدث فسأله كيف تأكل هذا الخبر فقال له لان الخبز ناشف فاخاف ان يسقط منه شئ علي الارض فأضع قطعة قماش مكان اكلي واكل الخبز وما سقط من فتافيت علي قطعة القماش اجمعه في يدى واكله واحمد الله علي ما رزق واعطى .
فقال له الحكيم علمت ان من يحافظ علي النعمة الله سبحانه وتعالي يزيد له في ماله ورزقه كله ومن لم يحافظ عليها زالت هذه النعمة منه وذهبت لمن يحافظ عليها ويصونها وعندما اخبرتك ان تأكل الخبز اليابس قلت ان فتافيت الخبز ستسقط علي الارض ويداس عليها وهذا من كفران النعمة وعليه فان الله سيزيل عنك نعمته فاحمد الله سبحانه وتعالي علي النعمة وعلي انه جعلك منهم الشاكرين الحامدين المحافظين علي النعمة فجزاك الله خيرا جدتى وجعلنا الله من الحامدين الشاكرين المحافظين علي النعمة ...
بيت الجد والجدة 12
طارق فتحي
( جميلة الجميلات )
بعض الحكايات كانت جدتى تحكيها دون أن نطلبها ,بل كانت تعيدها بالرغم من أعتراضنا, مع مرور الوقت حينما بدأ الفهم يغزونا كنا نعرف إنها تقصد شخص ما من وراء الحكاية وسواء كان هذا الشخص يعرف إنها تقصده أو لا يعرف , فإنها لا تمل ولا تيأس من أن يفهموا.
فى يوم ما ،كنا نتبادل النظرات فيما بيننا حينما تأتى إلينا جميلة البيت غاضبة فتنظر إليها جدتى عاتبة ودون أن تسمع تفاصيل غضبتها تصفق بيديها ثم تريحها على حجرها وبصوت هادئ وشبه إبتسامة تقول " صلوا على النبى " وبصوت متردد ينتظر تعليق أو أعتراض من الجميلة الغاضبة تهتف وراءها " اللهم صلى على النبى . "
كان ياما كان يا سعد ياكرام كان في زمان امرأة ربنا سبحانه وتعالى إبتلاها بنعمة الجمال الصارخ الآخاذ . فنضحك جميعنا ايعقل ان يكون الجمال ابتلاء من الله لعبده , ماذا تقولين يا جدتي .؟ ما هذا الكلام ..؟ فتقول جدتى يا أولاد النعمة ممكن تنقلب الى نقمة لو تعست صاحبتها والجمال دايما يحب المعجبين به ويبحث عنهم ويضيق بتقصيرهم فيتعب من حوله ولا يريح نفسه ولا يفلت إلا ذوعقل راجح وقلب قنوع .
تلك المرأة كانت تعتز كثيرا بجمالها وتتباهى به وترى أن زوجها أقل الناس إحتفالا بهذا الجمال فهو دائم التقصير فى حقها . وهى ترى ذلك وزوجها يراها لا تهتم بشئ إلا بنفسها وتنتظر العطاء دون أن تبدأ هى به فزاده ذلك إهمالا ونفورا وزادها نفوره إعراضا وترفعا عليه .
لكنها كثيرا ما داهمها ضعفها وأوجعتها وحدتها فكانت تبكى وتشتكى حالها ... وفى يوم نصحتها سيدة عجوز أن تعمل لزوجها حجابا للمحبة يجعله يركع تحت قدميها ويأتمر بأمرها .. أعجبتها الفكرة كثيرا وأنعشها صورة خضوعه لها فنهضت تسأل عن من يفيدها فسمعت برجل مهيب أشتهر برجاحة عقله وحله لأكثر المشكلات تعقيدا فذهبت يملأها الأمل لحل مشكلتها .
نظر إليها الرجل وسألها حاجتها فشكت له إعراض زوجها وبخله عليها حتى بالكلام الطيب فسألها إن كانت تلين وهو يقسو فصمتت . وإن كانت تتدلل عليه وهو يمتنع فقطبت الجبين فأطرق الشيخ وتمتم .الوجه منور والقلب مليء بالحب .فأسرعت ترجوه الحجاب الذى يجعل زوجها تحت قدميها .
أطرق الشيخ قليلا وقال لها أراك قليلة الحيلة ولن تستطيعى لما أطلب فهما أو تنفيذا فملأها التحدى وقالت بل أمرنى . اخرج ورقة صغيره دون بها ما اراد ولفها جيداً وضعها في خرقة خضراء وسلمها اياها , ونصحها بالتالي , عليك حمل الحجاب بشكل يلامس فيه جسدك عند موضع القلب لثلاثة ليالي متتاليات ثم ترفعيه تحت وسادتك ثلاثاً اخرى ومن ثم تربطيه الى زند يدك اليسرى ثلاثاُ اخرى ايضاً , بشرط ان لا تتلفظي بكلمة ( لا ) او ما في معناها طيلة هذه الليالي التسع .
اجابته الجميلة الحسناء ,هذا امر هين وساعمل عليه جهدي, رفعت الحجاب كما امرت وحاولت ضبط نفسها بعدم التلفظ بكلمات الممانعة اطلاقاُ ونجحت بذلك , لاحظ الزوج تغيراً طفيفاً في سلوك زوجته مما زاده قرباً لها ومصارحته بهيامه بها وحبه الجم لها وانه لا يتصور كيف ستكون حياته بعيداً عنها وانه متسمك بها كثيراً .
وما ان مضت الايام التسعة واعقبتها تسعة ايام اخر حتى اكتشف الزوج امر الحجاب, فاستغرب الامر وهي الاكاديمية المرموقة ذات الشهادات العالية كيف تذعن لهذه الخرافات ولما بادرها بهواجسه اقرت له بالحقيقة , كان مستمعاُ جيدا وهو فاغراً فاه محدقاً عيناه يتأمل هذا الجمال الصارخ وهي تحدثه من امر الشيخ ووصاياه ,
بفضول شديد فض الزوج الحجاب ليعلم ماذا كتب الشيخ فيه فلم يجد الا خربشة قلم وخطوط منحنية واخرى مستقيمة لا هي بالكلمات والا هي بالصور ضحك الزوج في سره وعلم ان الشيخ من الاذكياء جداً اذ عالج نفسية زوجته واوهما بالحجاب حتى اصلحت ذاتها بذاتها , ومع ان دلالات هذه القصة كبيرة جدا ومعانيها كثيرة فاخذ كل من تحلق حول الجدة يغمز للجميلة الغاضبة بما يعني ان الحكاية مخصوصة لها .
ابتسمت الجميلة الغاضبة على استحياء منا نهضت وقبلت جدتي وهي تهز براسها والدموع تترقرق في مأقيها مختلطة بابتسامة عريضة حتى بانت من خلالها نواجذها . فاندفعنا كالمصروعين نقبل جدتي والجميلة الغاضبة اختنا الكبيرة .
بيت الجد والجدة 13
طارق فتحي
( عش الكتاكيت )
هذه الحكاية كثيرا ما كانت تاخذنى بعيدا عن عالمى الذي اعيشه وجعلتنى احب القراءة اكثر واكثر واعرف ان العلم ليس له حدود ومدى تاثير العلم والمعرفة علي شخصية الانسان، وحتى يتغير الانسان لابد من إرادة في التغيير تنبع منه والافضل ان نغير وان نساعد غيرنا علي التغيير.
تحكى جدتى
انه كان فوق سطح بيت صغير عش خاص بالكتاكيت كانت صاحبتهم ترعاهم وتنظف لهم العش وتحضر لهم الطعام يومياً بل كانت في بعض الايام تنظف العش مرات عديدة ليشب الكتاكيت الصغار علي حب النظافة وكانت الكتاكيت لا تفعل شيئاً سوى اللعب مع بعضها البعض وتمضية اليوم في اللعب والكسل , معتمدين تمام الاعتماد علي صاحبتهم وكان من بين الكتاكيت كتكوت رافض لهذا الكسل , دائماً يحثهم علي عدم رمى الاشياء في العش والتخفيف علي صاحبتهم وتمضية اليوم في العمل علي شئ نافع ومفيد وكانوا يسخرون منه ولا يلقوا له بالاً .
في يوم من الايام لم تحضر صاحبتهم , مضت عدة ايام ولم تحضر والكتاكيت علي حالهم لا يفعلون شيئاً قال لهم الكتكوت الفصيح ما بالكم لا تفعلون شيئاً والعش اصبحت لا يطاق العيش به كفى بكم كسل لهذا الحد وابدأوا بالتغيير من انفسكم الان نظروا اليه وردوا عليه بسخرية قم انت وابدأ بالتغيير ونحن هنا ننتظر، خرج الكتكوت من العش , قال لن اعود حتى اعرف انكم ستتغيرون , بينما هو يسير واذا به يقابل دودة فحب ان يأكلها فأذا بها تقول توقف.
انا دودة دودة خيوطى ممدودة اهز الهزة الهوا يتقز
قزة وقزة وشغلتى لذة واهز الهزة الهوا يتقز
فسالها الكتكوت عن معنى الكلام فاخبرته انها دودة القز وان الحرير يستخرج منها وانها مفيدة جداً ففرح واحس ان شئ ما بداخله يتغير واخذ يردد وهو فرحان كلما عرفت اكثر كلما كبرت سنة او سنتين في المعرفة .
وبعدها راى القرد فقال له من انت قال له انا صديق الفلاح استخرج الدودة من الارض حتى يشب الزرع ويكبر دون تلف لهذا انا صديق الفلاح ففرح واخذ يردد نفس الكلام السابق
وبعدها راى الحمار فقال له من انت قال انا الحمار انا الذي احمل كل الاحمال علي ظهرى حتى لا يتعب صديقي وانقله الي حيث يريد
فقال الكتكوت لطالما علمت ان الحياة لها معنى اخر غير الاكل واللعب اين اصحابي حتى اعلمهم وحتى اساعدهم ليغيروا من انفسهم ساعود اليهم لنحيى حياة اخرى غير التى كنا عليها فنفيد ونستفيد.
رجع الكتكوت الي العش ووجد العنكبوت ملئها والكتاكيت في حالة مرضية شديدة فحدثهم عما كان من امره وكيف انه لا بد ان نحيا لهدف وليس فقط الاكل واللعب كحالهم وبين لهم ما وصلوا اليه من حالة مرضية بسبب عدم تحركهم وانهم لابد من التغيير ، منهم من وافق ومنهم من لم يوافق وظل علي حاله حتى مات. والاخرين عاشوا في العش ولكن بشكل مختلف اصبحوا ينظفوا لانفسهم ويطعموا انفسهم ويمضوا الوقت في القراءة وعمل الاشياء المفيدة . فيا اولادي الديك الفصيح من البيضة يصيح .
وتوتة توتة خلصت الحدوته
تصفيق حااااااااااااااد لجدتي
بيت الجد والجدة 14
طارق فتحي
( الضرة مرة ولو كانت جرة )
تحكى جدتى
كان رجل متزوج منذ وقت طويل بزوجة, وكانت زوجته لا تنجب
فقالت له يوما : لماذا لا تتزوج زوجة أخرى يا زوجي ؟
فربما تنجب لك ابناء يحيون ذكرك
فأجابها الزوج قائلا : لا يا حبيبتي ستحدث بينكما المشاكل والغيرة
فأجابته الزوجة : لا يا زوجي الحبيب أنا أحبك وسأقدر زوجتك ولن تحدث بيننا أي مشاكل
فوافق الزوج على نصيحة زوجته وقال لها : سأسافر يا حبيبتي وسأتزوج امرأة غريبة عن هذه المدينة حتى لا تحدث بينكما أي مشاكل
فسافر الزوج ثم عاد إلى مدينته من سفره إلى بيته ومعه جرة كبيرة من الفخار قد ألبسها ثياب امرأة وغطاها بعباءة’ وخصص لها حجرة وأخبر زوجته بأن تراها من بعيد وهي نائمة دون أن تقرب منها, وقال لها : ها أنا قد لبّيت نصيحتك يا زوجتي وتزوجت من هذه المرأة النائمة أمامك, دعيها تنام هذه الليلة لكي ترتاح من السفر وغدا سأقدمها لك, وذهب إلى العمل
وعندما عاد الزوج من العمل وجد زوجته تبكي فسألها لماذا تبكين ؟ فردّت عليه : إن هذه المراة التي جئت بها شتمتني وأهانتني وأنا لن أصبر على هذه الإهانة
استغرب الزوج وقال لها : أنا لن أرضى بالإهانة لزوجتي وسترين ماذا سافعل بها, فأمسك الزوج عصا غليظة وضرب الجرة على رأسها بقوة وعلى جانبيها, فانكسرت, واكتشفت الزوجة الحقيقة وذهلت من المفاجأة واستحت على كذبتها, فسألها الزوج : لقد أدّبتها هل أنت راضية الآن ؟ فأجابته :
لا تلومني يا زوجي الحبيب فالضرة مرّة ولو كانت جرّة...
بيت الجد والجدة 15
طارق فتحي
ياريت اللي جرى ما كان
هذه الحكاية كانت وكأنها إفتتاحية أو تحية العلم لما سيجئ بعدها من طابور الحكايات, كانت جدتى ولخبرتها الطويلة بنا تبدأ بها دون أن تسألنا . مصفقة بيديها معلنة البدء لتنهى حالة الصخب التى نفتعلها ولا أدرى على وجة التحديد سر غرامنا بهذه الحكاية . دعونى أحكيها لكم علكم تعرفون معى لماذا كانت المدخل والبداية الصلوات على النبي المختار . عليه افضل والتسليم .
كان يا ما كان يا سعد ياكرام كان فيه زمان واحد فقير غلبان لا يكاد يجد له قوت يومه يسعى للرزق من فجر يومه إلى أن يغطيه الليل ... لم يكن كسولا لكن الرزق كان ضعيفا . مرت السنون الطوال لم يستطع أن يتزوج بمن تؤنس وحدته حتى ضاق به الحال وأعيته الحيلة.
فى يوم حاول أن يتلمس بعض الراحة فى المشى والبعد عن مدينته التى غلقت أبوابها دونه حتى وجد نفسه على سفح جبل يضج بالناس غريبي الاطوار والاشكال يولولون ويندبون حظهم ورغم أنه كان على وشك الندب إلا أن منظرهم كان مثيرا للشفقة وللعجب فأخذ يسألهم عما بهم وهم مغيبين تائهين لا يسمع منهم إلا تمتمه حزينة "
ياريت اللى جرى ما كان " ....
ظل الرجل يتنقل بينهم حتى وصل إلى أقربهم من حافة الجبل حينما ألح فى السؤال أمسكه وقذف به أسفل الجبل فوجد نفسه فى مدينة أخرى يالها من مدينة جميلة . ما هذه الشوارع النظيفة .؟ والبيوت الناصعة البياض .؟ فجأة وجد أحدهم يستقبله بحفاوة ويأخذه حيث كبيرهم وكان رجلا بشوشا لا يبدو عليه عمر أو مر عليه زمن أكمل الاستقبال وشرح له كيف يتسنى له العيش فى مدينتهم.
شكى له رجلنا من ضيق حاله وانعدام أمواله ولكن الكبير طمأنه أن المال ليس هو العملة التى يتعاملون بها . بل أن عملتهم فى البيع والشراء وسائر المصالح هى "الصلاة على النبى " فتعجب الرجل وبدأ بألف صلاة على النبى .
أشترط الكبير عليه حتى يستطيع العيش بينهم أن يتزوج منهم فهلل الرجل وسأل إن كان الزواج ضمن وثيقة الصلاة على النبى فأكد له الكبير أن الزواج أولى العقود التى لابد أن تكون بالصلاة على النبى ...
هلل الرجل وكبر وسأل عن الكيفية وهو لا يعرف أحد فى هذه المدينة .. فدله الكبير على شارع طويل يصطف على جانبيه الحسناوات ... العذراء منهم تحمل " طبق ملئ بالتفاح " ومن سبق لها الزواج كانت تحمل " إبريق ماء " ومن تعجبه بينهن فعليه أن يأخذ مما تحمل وعندئذ ستصحبه الفتاه إلى ولى أمرها .
كاد الرجل يبكى من الفرحة وأخيرا سيتزوج ويجد من تؤنس وحدته ، فقام الرجل من فوره يمشى فى شارع الزواج وقبل أن ينتصف الطريق تقع عيناه على حورية وأكثرهن كن كذلك وعلى استحياء يأخذ تفاحة فتومئ الجميلة وتسير على مهل ويمشى وراءها حتى يصل إلى والدها ...
فيزوجه فى سهولة ويسر على مهر أختار هو الفا من الصلاة على النبى .. ولكن أباها أشترط عليه شرطا وحيدا حتى يكملا حياتهما وهو الا يتدخل فيما لا يعنيه فوعده بكل خير . وأخذ الفتاه ونزل فى بيت جميل بسيط وعاش لعدة سنوات وكأنه فى جنة الله على أرضه حتى بدأ يزحف على حياته " الملل " آفة البشر فطلب أن يخرج عله يجد فى صحبة الناس بعض التغيير الذى يحتاج إليه ...
حاولت زوجته أن تثنية عن رغبته فلم تفلح معه فذكرته بوعده لأبيها ألا يتدخل فيما لا يعنيه فطمأنها وخرج تملأه رغبة فى مخالطة الناس والاستئناس بهم فأخذ يلقى التحية يمينا ويسارا ورغم طيبة الناسو بشاشتهم إلا أنه لم يجد منهم من يتواصل معه فالكل منهمك فى شغل ما فواصل السير حتى وجد شيخا عجوزا قصير القامة يلتحف بالبياض يتسلق شجرة عظيمة المهابة ..
تعجب لحيوية الرجل وسرعته وتعجب أكثر لما يفعله فقد كان العجوز يلتقط الورقة الخضراء قبل أن تسقط من الشجرة يتأملها ويأكلها ثم يأخذ غيرها جافة صفراء ويلتهمها كسابقتها وقف رجلنا يتأمله حتى أشفق عليه من تعبه فبادره السلام والنصيحة وأن كل ما عليه أن يقطع فرع الشجرة بأكمله ويجلس ويأكل منه ما يريد ..
قطب الشيخ جبينه وأمره أن ينصرف .. وحينما رجع إلى بيته وجد زوجته حزينة وأخبرته أنها قد طلقت فأقسم أنه لم ينطق بالطلاق وكان لابد أن يذهب إلى أبيها وهناك أخبره أنه أخل بشرط الزواج وشرط الأقامة وعليه أن يرد اليمين ويتبقى له طلقتان فقط فيستسلم الرجل ويرد اليمين الذى لم يوقعه ويواصل حياته مع إمراته لا يعكر صفوها شئ .
انتابه الشوق ثانية لمخالطة الناس ويخرج رغم تحذيرها ويحاول أن لا يتدخل فى شؤون غيره وتأخذه مناظر المدينة الجميلة حتى يقابل رجل يقف على بئر عميق يمسك فى يده دلو صغير فيملاه مرة لنصفه ومرة أخرى لحافته ومرة ثالثة يخرجة فارغا وهو فى كل مرة يفرغ ما يملأه فى بئر أخر بجانبه فلم يستطع أن يضن بالنصيحة ,فوقف يشرح للرجل كيف إنه لو أوصل بين البئرين بقناة صغيرة لأجرى الماء بين البئرين .
يقابل مرة أخرى بنفس الاستنكار من الرجل ومن إمراته فى البيت ويغادرها ثانية إلى والدها ويرجع اليمين الثانى ويحذره الوالد فلم يبق الإ يمين واحد إذا أوقعة فهو الفراق ... يتشأم من كلام أبيها .. لكنه يتمسك بأمله فى البقاء وتسير الحياة بهما هانئة تحاول هى أن تنسيه أن هناك عالم غيرها ويتسى لفترة طويلة أو قصيرة حتى يخرج للمرة الثالثة تودعه وقلبها يخبرها أن لا عودة . يسير فى أنحاء المدينة يستمتع بكل ما فيها ويذكر نفسه بالشرط المحرم .
حتى أخذته قدماه ناحية البحر ولم يكن يعرف أن بالمدينة بحر فيجد على شاطئه سفينة ضخمة وجمع غفير من الناس يصطفون على جانبيها كل منهم يحاول أن يشد السفينة ناحيته . يحاول بكل قوته وكل رغبته والسفينة راسخة على الشاطيء لا تتزحزح لأحد .. كاد أن يمشى دون أن يعلق على تصرفات الجمع الغفير .. لكنه لم يستطيع ..
فهتف أيها الناس لابد أن نتعاون جميعا حتى نستطيع زحزحة السفينة فلنجتمع جميعا فى ناحية ونحاول بكل قوتنا أن نشدها ناحيتنا .. لم يلتفت إليه أحد او يعيروه أي اهتماما .. غادرهم وفى قلبه وجل مما قد يجد لكنه عند الرجوع لم يجد أحد لا البيت ولا الزوجة فأسرع إلى كبير المدينة يستنجد به فأخبره أنه قضى الأمر وأنه لم يستطع الحفاظ على وعده ولم يفى بشرط البقاء لم يفهم الرجل وظل يقسم أنه لا يعرف أحد فى المدينة غير إمراته حتى يتدخل فى شئونه .
حاول أن يسترضى الكبير دون فائدة فأمر الله نفذ والنصيب أنتهى ولابد للمكتوب أن يصير بهت الرجل لكنه طالب أن يفهم . فذكره كبير المدينة بالمرات التى خرج فيها قائلا ألم تخرج ثلاث مرات وفى جولتك الأولى وجدت الشيخ العجوز يأكل من الشجرة فنصحته أن يقطع الفرع بأكمله فقال الرجل نعم تذكرت لقد كان الرجل عجوزا وأشفقت عليه من تعبه فقال الكبير:- إنه " ملك الموت "
وهذه الورقة التى يأكلها إنما هى روح قد فاضت سواء كانت خضراء صغيرة السن أو صفراء بلغ من العمر أرذله وتدخلت أنت وكنت تريده أن يقطع فرع بأكمله ملئ بأرواح البشر .. إرتعش الرجل من فكرة الموت وكيف إقترب كثيرا من ملك الموت طأطأ برأسه وسأل واليمين الثانى كيف وقع فقال له الكبير :-
الرجل الذى كان يجلس على البئر يوزع الماء على البئر الآخر لقد كان الرجل يقسم الأرزاق فهناك من يملئ له نصف الدلو وهناك من يملئ له الدلو كاملا وهناك من ليس له رزق فكيف تتدخل فى أرزاق الناس وأسقط فى يد الرجل وواصل صمته وواصل الكبير توبيخه واليوم ألا تذكر ما فعلت :-
ألم تجد غير السفينة وناسها .. فحاول يدافع عن نفسه .. ولكنى أصدقهم النصيحة ، لقد كانوا يضيعون جهودهم .. قال الكبير وهو يتحسر على جهل الرجل وعدم تسليمه لأمره لهم يا مسكين السفينة هى الدنيا وكل من هؤلاء الناس يحاول أن يأخذها ناحيته وكل منهم يتخيل أنها ناحيته ولكنها راسخة لا تذهب لأحد وسيظل الناس يحاولون معها ولن يرتاحوا إلا مع المحاولة والجهد المخلص ليفعلوا شيئاً مع الدنيا .
هكذا هى الدنيا وأنت لم تستطيع أن تفهمها أو تفهم ناسها والأن قضى الأمر ومع بكاء الرجل وجد نفسه واقفا على سفح الجبل مع الناس غريبوا الاطوار الذين يولولون يبكى مثلهم ويتمتم مثلهم " ياريت اللى جرى ما كان " .
رغم دموع الرجل وولولة الناس كنا نحب الحكاية ولم يكن العويل هو ما نرتاح إليه .. لكن الجنة التى نزل فيها رجلنا وجعلنا نعيش قليلا اجوائها والحورية التى لازمته والحياة الناعمة التى سيرتها له الصلاة على النبى بل الأكثر من ذلك رجوع الرجل إلى دنياه مرة أخرى وحتى ندمه على ذلك .... ليس لينضم إلينا على نفس الحافة من الدنيا ننتظر الجنة التى قد نذهب إليها معه .
بيت الجد والجدة 16
طارق فتحي
( حكاية عن جحا )
في احدى الليالي اتفقنا أن نمتحن جدتي ونسألها عن جحا، الذي كان له حكايات في كتاب المطالعة والنصوص ايام زمان، وجحا شخصية كوميدية في الأدب العربي. هو أبو الغصن دُجين الفزاري الذي عاش نصف حياته في القرن الأول الهجري ونصفها الآخر في القرن الثاني الهجري، فعاصر الدولة الأموية وبقي حياً حتى حكم الخليفة المهدي،
قضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة. سألت جدتي هل تعرفين شيئا عن جحا: ابتسمت وأجابت، اعرف الكثير عن نوادر وطرائف حجا، واشتهرت حكاياته الظريفة على كل لسان، اسمعوا هذه الحكاية.
ذات يوم كان جحا يتسوق، فجاء رجل من الخلف وضربه كفا على خده، فالتفت إليه جحا وأراد أن يتعارك معه، ولكن الرجل اعتذر بشدة قائلا: إني آسف يا سيدي فقد ظننتك فلانا فلم يقبل جحا هذا العذر وأصر على محاكمته، ولما علا الصياح بينهما، اقترح الناس المتجمعين حولهما، أن يذهبا إلى القاضي ليحكم بينهما،
فذهبا إلى القاضي، وصادف أن ذلك القاضي يكون قريبا للجاني، ولما سمع القاضي القصة غمز لقريبه بعينه (يعني لا تقلق سأخلصك من هذه الورطة).ثم أصدر القاضي حكمه بأن يدفع الرجل لجحا مبلغ عشرون دينارا عقوبة ضربه. قال الرجل: ولكن يا سيدي القاضي ليس معي شيئا الآن.
قال القاضي وهو يغمز له: أذهب واحضرها حالا وسينتظرك جحا عندي حتى تحضر المبلغ، ذهب الرجل وجلس جحا في مجلس القاضي ينتظر غريمه يحضر المال، ولكن طال الانتظار، ومرت الساعات ولم يحضر الرجل، ففهم جحا الخدعة، خصوصا أنه كان يبحث عن تفسيرا لإحدى الغمزات التي وجهها القاضي لغريمه، فماذا فعل جحا ؟
قام وتوجه إلى القاضي وصفعه على خده صفعة طارت منه عمامته، وقال له: إذا أحضر غريمي العشرين دينارا فخذها لك حلالا طيبا، وانصرف جحا...
بيت الجد والجدة 17
طارق فتحي
( الخاتم السحري )
كان هناك فتاة جميلة تدعى سوسن، تعيش وحيدة مع أباها وأمها ترعاهما وتسهر على راحتهما، مرت أيام طويلة ولم يأت أي أحد لخطبتها , سوسن،التي بدأت تكبر في السن شيئاً فشيئاً، بدأت تشعر بالحزن وتفكر كل ليلة في عيش حياة سعيدة مليئة بالحب والأطفال الصغار.
حزن والدها كثيراً لموت زوجته وأصبح مشغولاً بابنته الوحيدة ولا يكف عن التفكير ليل نهار في مستقبلها، ولمن سيتركها إن لحق بزوجته هو الآخر، وقد أصابه المرض وأصبح عاجزا عن الحركة وأيامه أصبحت معدودة. وفي يوم تذكر الأب الطيب أن له خاتماً من الذهب تركه عند صديق له يدعى سلمان، عندما علم أن ساعته قد إقتربت، دعا سوسن وأخبرها أن تتصل بهذا الصديق لتأخذ الخاتم الذهبي منه وتستعمله في وقت الشدة، هنا بكت سوسن عندما فهمت ما يفكر فيه الاب وقالت له: ولكن بقاءك بجانبي يا أبي أفضل من ألف خاتم ذهبي، الخاتم السحري. وفي يوم من الأيام مات والدها فجأة، فأصابها حزناً شديداً لفراقه وأخذت تبكي كل ليلة وحيدة في غرفتها،
بعد فترة أخذت تبحث عن صديق والدها لتنفذ وصيته ولكنها لم تعثر عليه، حتى ملت من البحث عنه ويئست أن تجده، وبينما هي تتنزه يوماً في الغابة وحيدة سمعت صهيل حصان، أخذت تلتفت حولها حتى وجدت شابا وسيما يركب على حصان أبيض جميل جداً، تقدمت سوسن نحوه وسألته: من أنت يا سيدي ؟ فرد الشاب : أنا ابن سلمان، ماذا تفعلين وحدك في الغابة وعمن تبحثين، قالت له سوسن: أبحث عن صديق والدي الذى يدعى سلمان، هل تساعدني ؟ رحب الشاب بمساعدتها وأخذها إلى منزل والده سلمان..
حكت سوسن إلى سلمان قصة والدها وأخبرته أنها تريد الخاتم الذهبي، قال سلمان: بالفعل إن الخاتم السحري موجود لدي الآن، ولكني لا أستطيع تسليمك إياه في الوقت الحالي، ولكي تستعيديه عليك أن تأتي إلي بورقة مخطوطة بماء الذهب، وستجدي هذه الصورة في صندوق من ثلاثة صناديق متشابهة تماماً، تعجبت سوسن من كلام الرجل وقالت له أنها لا تعلم أي شيء عن قصة الصناديق الثلاثة،
قال لها الرجل أن والدها لم يستطع أن يخبرها بها وإلا يبطل مفعول الخاتم السحري، عليك الآن أن تذهبي إلى منزلك وتبدئي البحث عن الصناديق الثلاثة، تساءلت سوسن : ولكن كيف سأعرف الصندوق الذي بداخله المخطوطة وهم جميعاً متشابهين، قال سلمان: عليك أن تعتمدي على ذكائك للتعرف عليه، فصندوق واحد هو الذي يحتوي على المخطوطة والصندوق الثاني يحوي على عقرب في داخله والثالث يحوي أفعى سامة ،احذري فعليك ألا تخطئين أبداً في فتح الصناديق وإلا ستعرضين نفسك للموت!
أعطاها سلمان مفتاحا لتفتح الصندوق، عادت سوسن إلى منزلها خائفة تفكر في أمرها ولا تدري ماذا تفعل، أخذت تفتش في المنزل حتى وجدت الصناديق الثلاثة تحت سرير والدها، أخذت تتأملهم بحذر شديد ولا تتجرأ على الاقتراب منهم أو لمسهم، وفجأة خطرت لها فكرة، إقتربت بحذر من الصناديق وأخذت تنصت بأذنيها لعلها تسمع أي أصوات تأتي من داخل الصندوق لتعلم مكان الأفعى والعقرب، وفعلاً وجدت صندوق واحد لا يصدر منه أي خربشة أو أصوات غريبة، فقررت فتحه وأدخلت المفتاح،
وإذا بشعاع ذهبي قوي جداً يضئ أرجاء المنزل، أخرجت سوسن من الصندوق مخطوطة الذهب وهي تشعر بالسعادة والحماس.
ذهبت مسرعة إلى منزل سلمان وأعطته الورقة، فأحضر لها سلمان الخاتم السحري على الفور قائلا: هذا الخاتم ملك لك الآن ضعيه في إصبعك وامسحي علية مرتين، ثم اطلبي كل ما تتمنين وسيتحقق لك ذلك بإذن الله
وضعت سوسن الخاتم في اصبعها ومسحت عليه وقالت: يا خاتمي الذهبي أريد زوجاً مثالياً وبيتاً صغيراً هادئاً وذرية صالحة أربيها في طاعة الله عز وجل، وفعلاً تحققت أمنيتها وعاشت سوسن مع زوجها في سعادة وهناء فبقي الخاتم السحري في إصبعها لا يفارقها أبداً، وكانت دوماً تحمد الله الذي أعطاها ما تمنت .
طارق فتحي
( تلبس الجن )
كالعادة تحلقنا حول جدتي وهي تحكي لنا احدى حكاياتها العجيبة بعد ان تناولنا طعام العشاء من على سطح منزلنا القديم في وسط بغداد منطقة الفضل على ضوء عمود انارة خافت يرمي بضوئه على سطح دارنا من مكان غير بعيد عنا .
تقول جدتي :
ذات ليلة قبل سنوات قلائل قبل ايصال الكهرباء الى البيوت في منطقتنا حلمت ان امرأة بشعه المظهر اسنانها ظاهرة بشكل كبير وبشع وشعر ابيض مبعثر بشكل جنوني وعيناها كعيون القطط ذات بؤبؤ طولي الشكل , منظرها مخيف جدا يبعث على الخوف والاشمئزاز معا . هذه المراءة المخيفة قرصتني بشدة فتألمت كثيرا ,
قلت لها لماذا فعلت ذلك .؟
ردت : انك قتلت طفلي عند سكبك الماء الحار على ارضية الحمام اثناء استحمامك في الظلام الدامس . واليوم أتيت اليك لانتقم لطفلي وسوف أأذيك بقتل الطفلة الموجودة في المهد . في هذه الاثناء صرخت الطفلة بشكل مفاجيء وبهستيرية غير طبيعة بالمرة . صراخ يصم الاذان غير معهود من طفلة .
تكمل الجدة حكايتها :
نهضت من النوم فزعة على صوت صراخ الطفلة التي في المهد , ذهبت مسرعة اليها وجدت سائلا اخضر اللون سميك القوام يخرج من فمها . ايقظت من في البيت ومنهم والدكم فاخذوها الى مستشفى الطواري في الفضل القريب من شارع الشيخ عمر المقابل لسايلو الحبوب حيث لم يستطيعوا القيام بعمل أي شيء لها واحتاروا في مرضها .
ذهبوا بها الى عدة مستشفيات فلم يجدوا جوابا من طبيب لم يقولوا الا أن حالتها غير طبيعية ولن يجدوا علاج لهذه الحالة حتى مضت خمسه ايام أخرى ونحن في البيت في حالة هرج ومرج بسبب مرض الطفلة المحير للاطباء ولنا جميعاً . حينها وبمشورة عجائز ذلك الزمان عرضناها على احد المشايخ المشهورين في المنطقة منهم ( الشيخ كمر ) و ( الشيخ ابو خمرة ) في المناطق المجاورة لمنطقتنا فقرأوا عليها أيات من القران الكريم وقام الشيخ كمر بتلاوة الرقية الشرعية على رأس الطفلة .
عندها قال لوالدتكم لقد تأخرتم كثيرا تلبسها الجان وحالة الطفلة في غاية الخطورة ففي أي لحظة يمكن أن تموت فلم تمر الا بضعة ايام معدودات حتى توفيت اختكم الكبيرة فتوجهوا بها الى مقبرة الغزالي حتى يغسلوها ويدفنوها فلاحظوا بعد غسيلها أن هناك علامة يدان متقابلتان ظهرتا في الصدر و الظهر وهذه كانت ضربة الجان لها .
هذه قصة حقيقيه حدثت في العراق في بغداد وبالتحديد قبل ظهور الكهرباء وفي نفس البيت الذي توفي به طفل بمثلما حدث لاختنا المتوفاة .عندها أصبح المنزل مسكونا حتى الان يرى اطفال الجان الذين تكون اشكالهم شقر واعينهم تاتي بالطول كانوا يلعبون حول الفوانيس المعلقة على سطح البيت غادرنا هذا المنزل في العام 1959 م . ولم يسكنه احد بعدنا ابداً وما زال المنزل مسكونا حتى تم هدمه لكونه منزل قديم آيل للسقوط تم الهدم في العام 1975 م .
بيت الجد والجدة 10
طارق فتحي
( ان ارادت المراءة فعلت )
شوقى لسماع القصص ليس له حدود ، اشتاق لجلسة امام جدتي وكل منا يطيل النظر اليها ونحن نضع ايدينا علي خدودنا. اسمع صوتها في اذنى يا اولاد تعالوا نسمع حكايات عجيبة وغريبة اقول جدتى والبنات لا .. لا للبنات , تضحك وتقول الاولاد والبنات تعالوا جميعاً لتسمعوا قصة رائعة في هذه الليلة المباركة , نجرى جميعاً حيث تجلس جدتى تصفق معلنة بداية الحكاية فلا تسمع لاحد منا صوتاً الا همساً .. همساً .. خفيفاً .
الناس زمان كانت بيوتهم كبيرة وقلوبهم كذلك وكان بيت جدتى من تلك البيوت التى تضم كل أشكال العلاقات الإنسانية قرابه , صداقة , صلة أرحام قريبة وبعيدة ، منهم يخدمون وكأنهم من أهل البيت وقت الغداء الكل يجلس القريب والبعيد ,أهل البيت وخدمه , لا فرق ولا تفرقة لذلك تعددت أغراض الحكاية وكان يلتبس علينا الأمر فيمن تقصده جدتى ...
إلا أن هذه الحكاية كانت وثيقة عمل لكل نساء البيت . فكانت حلقة الحاضرين تتسع لتلك الحكاية وتبدأها جدتى عادة كلما رأت خنوعا وضعفا فى إحداهن وإنصياعا لإوامر الرجل
سواء كان على حق أو باطل فتنهر ضعفهن بصوتها الآسر نلمح قوته وإعتزازه من أول " صلى على النبى " ونشعر بأهمية تشجيعنا فنصرخ بحماس " اللهم صلى على النبى .
كان هناك امرأة على قدر كبير من الضعف , زوجها فقير الحال ,هي راضية مرضية بعيشها غير الكريم معه . يقنعها القليل تسعد بفتات الكلمات الطيبة احياناً , بيتها الكبير الفارغ الا من زيارة الجيران لها هو دفئها وسعادتها ,عندما يطبطب زوجها على كتفها تشعر بالآمان والاطمئنان , صورة ابتسامتها الرقيقة والبريئة لم تعكرها سوى بعدها عن امها وعجزها من ان ترعاها .
رغم سذاجة زوجها وطيبته احيانا الا انه كان كثيراً ما يمنع زوجته من زيارة امها وتنقلب طيبته عليه مما تجعله كالوحش الكاسر , فكأن تنمره وطبطباته مخالب تخمش رغبتها في بر امها فتكتمها في سرها وتتراجع عن رغبتها مهادنة للزوج وعدم اثارة غضبه , فتطلب منه ان يلتمس الاجر والثواب في صله الرحم وبر الوالدين فيكون همزة الوصل بينها وبين امها عندها يخرج الزوج من الدار مباشرة دون اعطاء موافقته للامر مما تستدرك الزوجة انه يرفض مغادرتها الدار
تتوسله بشكل مهين فيه الكثير من الذل والخنوع فتلين أكثر وتطمع فى كرمه الذى يعز كثيرا عندما يأتى الأمر إلى أمها فتطلب أن ترسل معه غدوه بسيطة فتثور ثائرته ويتهمها إنها إنما تهدر رزق أولاده , وينفر الطبع السئ كعرق الغضب فى وجهه فلا ترى غيره ولا يعطيها الأمان .. فيعد عليها قطع اللحم قبل أن تسويها ويوم خبيزها يحصى قطع الأرغفة. ولان الكلام بينهما أصبح كالكرة المطاط التى كلما قذفتها ناحيته أرجعها إليها بكل قوته فقد قررت الأ تطيل حبال الصبر , أكثر من ذلك .
فليفعل ولتقتطع هى من القطعة قطعة ومن العجين عجنة ومن غدوة أولادها أكلة لأمها وتعد لها طاجن من اللحم وتضعه فى سبت صغير تحوطه الأرغفة وبعض من غسيل أمها ويحمله ليوصل أمانه على أنها من أحدى الجارات محذره إياه أن لا ينكسر ما فى السبت .
توالت مشاوير يوم الجمعة وتعددت أعذاره من جاره ترسل تحيات من صنع يديها إلى جارة ترسل طاجنها الفخار لتدخله الأم فى فرنها القديم لتزيده صلابه .. لكنه أبدا لم يعترض أو يختلق الأعذار لعدم الذهاب بل هو من كان يسعى للذهاب فقد كان يحن للراحة بين يدى الأم .
ينصت لفيض الدعوات التى يلهج بها لسانها فينسلت من قلبه كل شائبة كره أو بغض .. بل هو بالفعل يحبها ويخاف عليها .. هكذا همس لنفسه حتى جاء يوم قام من فوره يسعى لأمرأته يفك الأسر عنها ويسمح لها بالذهاب .. تهللت زوجته وسألته إن كان قد شعر بظلمه لأمها فأعترف أن نعم فسألته إن كان يغضب منها لو منعته من هذا الظلم فقال ليتك فعلت ... فصارحته وطالبته أن يحمد ربه وأنها قد فعلت كذا وكذا و ........الخ.
ورغم ندمه أولا وتسليمه ثانيا فإن عينيه ظلت تشى أنه لا يأمن مكرها وأنه لابد يسترضيها ويرضيها فهى إن أرادت فلابد هى فاعلة . وأغلب الظن أن تلك الوثيقة من أفكار جدتى فهكذا كانت ( إن أرادت المرأة فعلت) .
بيت الجد والجدة 11
طارق فتحي
( لعله خير )
دائماً ما كنت اذهب الي جدتي ابكى على حظى العاثر او ابكى ضياع فرصة كنت اعتمد عليها او انى اخفقت في الامتحان علي الرغم من المجهود الذي بذلته تستقبلنى جدتي بهدوئها وتقول ( لعله خير ) , كنت وقتها لا اقبل هذه الكلمة واتعجب وادبدب بقدمى في الارض (خير وانا اتعثر) ، تقفز الي ذهنى اليوم تلك الصورة !! اتذكر قول جدتى رحمها الله ( لعله خير ) . اتنهد اغمض عينى واتذكر نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم وقوله: عجبًا لأمر المؤمن . إنّ أمره كلّه خير، وليس ذلك إلا للمؤمن:
إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له. ما من وصف يمكن أن يعطى للإيجابية في العمل والسلوك والمشاعر أعظم من هذا الوصف أو أبين. فالشكر والصبر، ليسا محض شعور. وعلينا ان نشكر الله لنعمه الكثيرة التي انعم بها على البشر. واستطردت جدتي قائلة :
أن الله عز وجل انعم علينا نعما كثيرة ، ولم يزل ينعم على عباده النعم الكثيرة ، حتى يشكر العبد ربه علي هذه النعم ويحافظ عليها فإذا شكرنا النعم اتسعت وبارك الله فيها وعظم الانتفاع بها ، ومتى كفرت النعم زالت بعدم شكرنا وحمدنا : (( ما أنعم الله على عبد نعمة , فعلم أنها من عند الله إلا كتب الله له شكرها قبل أن يحمده عليها )) ما كانت جدتى لتقول كل هذه الكلام وهى من كانت تقول دائماً اكرموا الخبز - بدون ان تبسطه لنا في حكاية من حكاياتها الجميلة لنستفيد منها ونعمل بها كعادتنا معها رحمها الله
تحكى جدتى:-
انه كان هناك رجلاً أعطاه الله الخير الوفير فكان يتفق منه علي بيته واولاده وما يزيد ينفقه علي المحتاج وما من احد يطلب منه الا اعطاه اكثر مما يطلب وكان يقول دائماً ان الله سبحانه وتعالي اعطانا من اجل الانفاق في سبيله وهو يعلم سبحانه المصلح من المفسد , وبعد وقت طويل اخذ الرجل يتعب من كثرة المال ففكر في حكيم يحكى عنه انه ذاع صيته, ذهب اليه وحكى له عن امره واخبره انه مثقل بهذا المال فطلب منه الحكيم ان ياكل خبز يابس "غير طرئ"
فاستغرب الرجل ولكنه فعل مثل ما قال له الحكيم وعلي العكس زادت النعمة وفاضت اكثر من ذى قبل فذهب اليه مرة اخرى واخبره بما حدث فسأله كيف تأكل هذا الخبر فقال له لان الخبز ناشف فاخاف ان يسقط منه شئ علي الارض فأضع قطعة قماش مكان اكلي واكل الخبز وما سقط من فتافيت علي قطعة القماش اجمعه في يدى واكله واحمد الله علي ما رزق واعطى .
فقال له الحكيم علمت ان من يحافظ علي النعمة الله سبحانه وتعالي يزيد له في ماله ورزقه كله ومن لم يحافظ عليها زالت هذه النعمة منه وذهبت لمن يحافظ عليها ويصونها وعندما اخبرتك ان تأكل الخبز اليابس قلت ان فتافيت الخبز ستسقط علي الارض ويداس عليها وهذا من كفران النعمة وعليه فان الله سيزيل عنك نعمته فاحمد الله سبحانه وتعالي علي النعمة وعلي انه جعلك منهم الشاكرين الحامدين المحافظين علي النعمة فجزاك الله خيرا جدتى وجعلنا الله من الحامدين الشاكرين المحافظين علي النعمة ...
بيت الجد والجدة 12
طارق فتحي
( جميلة الجميلات )
بعض الحكايات كانت جدتى تحكيها دون أن نطلبها ,بل كانت تعيدها بالرغم من أعتراضنا, مع مرور الوقت حينما بدأ الفهم يغزونا كنا نعرف إنها تقصد شخص ما من وراء الحكاية وسواء كان هذا الشخص يعرف إنها تقصده أو لا يعرف , فإنها لا تمل ولا تيأس من أن يفهموا.
فى يوم ما ،كنا نتبادل النظرات فيما بيننا حينما تأتى إلينا جميلة البيت غاضبة فتنظر إليها جدتى عاتبة ودون أن تسمع تفاصيل غضبتها تصفق بيديها ثم تريحها على حجرها وبصوت هادئ وشبه إبتسامة تقول " صلوا على النبى " وبصوت متردد ينتظر تعليق أو أعتراض من الجميلة الغاضبة تهتف وراءها " اللهم صلى على النبى . "
كان ياما كان يا سعد ياكرام كان في زمان امرأة ربنا سبحانه وتعالى إبتلاها بنعمة الجمال الصارخ الآخاذ . فنضحك جميعنا ايعقل ان يكون الجمال ابتلاء من الله لعبده , ماذا تقولين يا جدتي .؟ ما هذا الكلام ..؟ فتقول جدتى يا أولاد النعمة ممكن تنقلب الى نقمة لو تعست صاحبتها والجمال دايما يحب المعجبين به ويبحث عنهم ويضيق بتقصيرهم فيتعب من حوله ولا يريح نفسه ولا يفلت إلا ذوعقل راجح وقلب قنوع .
تلك المرأة كانت تعتز كثيرا بجمالها وتتباهى به وترى أن زوجها أقل الناس إحتفالا بهذا الجمال فهو دائم التقصير فى حقها . وهى ترى ذلك وزوجها يراها لا تهتم بشئ إلا بنفسها وتنتظر العطاء دون أن تبدأ هى به فزاده ذلك إهمالا ونفورا وزادها نفوره إعراضا وترفعا عليه .
لكنها كثيرا ما داهمها ضعفها وأوجعتها وحدتها فكانت تبكى وتشتكى حالها ... وفى يوم نصحتها سيدة عجوز أن تعمل لزوجها حجابا للمحبة يجعله يركع تحت قدميها ويأتمر بأمرها .. أعجبتها الفكرة كثيرا وأنعشها صورة خضوعه لها فنهضت تسأل عن من يفيدها فسمعت برجل مهيب أشتهر برجاحة عقله وحله لأكثر المشكلات تعقيدا فذهبت يملأها الأمل لحل مشكلتها .
نظر إليها الرجل وسألها حاجتها فشكت له إعراض زوجها وبخله عليها حتى بالكلام الطيب فسألها إن كانت تلين وهو يقسو فصمتت . وإن كانت تتدلل عليه وهو يمتنع فقطبت الجبين فأطرق الشيخ وتمتم .الوجه منور والقلب مليء بالحب .فأسرعت ترجوه الحجاب الذى يجعل زوجها تحت قدميها .
أطرق الشيخ قليلا وقال لها أراك قليلة الحيلة ولن تستطيعى لما أطلب فهما أو تنفيذا فملأها التحدى وقالت بل أمرنى . اخرج ورقة صغيره دون بها ما اراد ولفها جيداً وضعها في خرقة خضراء وسلمها اياها , ونصحها بالتالي , عليك حمل الحجاب بشكل يلامس فيه جسدك عند موضع القلب لثلاثة ليالي متتاليات ثم ترفعيه تحت وسادتك ثلاثاً اخرى ومن ثم تربطيه الى زند يدك اليسرى ثلاثاُ اخرى ايضاً , بشرط ان لا تتلفظي بكلمة ( لا ) او ما في معناها طيلة هذه الليالي التسع .
اجابته الجميلة الحسناء ,هذا امر هين وساعمل عليه جهدي, رفعت الحجاب كما امرت وحاولت ضبط نفسها بعدم التلفظ بكلمات الممانعة اطلاقاُ ونجحت بذلك , لاحظ الزوج تغيراً طفيفاً في سلوك زوجته مما زاده قرباً لها ومصارحته بهيامه بها وحبه الجم لها وانه لا يتصور كيف ستكون حياته بعيداً عنها وانه متسمك بها كثيراً .
وما ان مضت الايام التسعة واعقبتها تسعة ايام اخر حتى اكتشف الزوج امر الحجاب, فاستغرب الامر وهي الاكاديمية المرموقة ذات الشهادات العالية كيف تذعن لهذه الخرافات ولما بادرها بهواجسه اقرت له بالحقيقة , كان مستمعاُ جيدا وهو فاغراً فاه محدقاً عيناه يتأمل هذا الجمال الصارخ وهي تحدثه من امر الشيخ ووصاياه ,
بفضول شديد فض الزوج الحجاب ليعلم ماذا كتب الشيخ فيه فلم يجد الا خربشة قلم وخطوط منحنية واخرى مستقيمة لا هي بالكلمات والا هي بالصور ضحك الزوج في سره وعلم ان الشيخ من الاذكياء جداً اذ عالج نفسية زوجته واوهما بالحجاب حتى اصلحت ذاتها بذاتها , ومع ان دلالات هذه القصة كبيرة جدا ومعانيها كثيرة فاخذ كل من تحلق حول الجدة يغمز للجميلة الغاضبة بما يعني ان الحكاية مخصوصة لها .
ابتسمت الجميلة الغاضبة على استحياء منا نهضت وقبلت جدتي وهي تهز براسها والدموع تترقرق في مأقيها مختلطة بابتسامة عريضة حتى بانت من خلالها نواجذها . فاندفعنا كالمصروعين نقبل جدتي والجميلة الغاضبة اختنا الكبيرة .
بيت الجد والجدة 13
طارق فتحي
( عش الكتاكيت )
هذه الحكاية كثيرا ما كانت تاخذنى بعيدا عن عالمى الذي اعيشه وجعلتنى احب القراءة اكثر واكثر واعرف ان العلم ليس له حدود ومدى تاثير العلم والمعرفة علي شخصية الانسان، وحتى يتغير الانسان لابد من إرادة في التغيير تنبع منه والافضل ان نغير وان نساعد غيرنا علي التغيير.
تحكى جدتى
انه كان فوق سطح بيت صغير عش خاص بالكتاكيت كانت صاحبتهم ترعاهم وتنظف لهم العش وتحضر لهم الطعام يومياً بل كانت في بعض الايام تنظف العش مرات عديدة ليشب الكتاكيت الصغار علي حب النظافة وكانت الكتاكيت لا تفعل شيئاً سوى اللعب مع بعضها البعض وتمضية اليوم في اللعب والكسل , معتمدين تمام الاعتماد علي صاحبتهم وكان من بين الكتاكيت كتكوت رافض لهذا الكسل , دائماً يحثهم علي عدم رمى الاشياء في العش والتخفيف علي صاحبتهم وتمضية اليوم في العمل علي شئ نافع ومفيد وكانوا يسخرون منه ولا يلقوا له بالاً .
في يوم من الايام لم تحضر صاحبتهم , مضت عدة ايام ولم تحضر والكتاكيت علي حالهم لا يفعلون شيئاً قال لهم الكتكوت الفصيح ما بالكم لا تفعلون شيئاً والعش اصبحت لا يطاق العيش به كفى بكم كسل لهذا الحد وابدأوا بالتغيير من انفسكم الان نظروا اليه وردوا عليه بسخرية قم انت وابدأ بالتغيير ونحن هنا ننتظر، خرج الكتكوت من العش , قال لن اعود حتى اعرف انكم ستتغيرون , بينما هو يسير واذا به يقابل دودة فحب ان يأكلها فأذا بها تقول توقف.
انا دودة دودة خيوطى ممدودة اهز الهزة الهوا يتقز
قزة وقزة وشغلتى لذة واهز الهزة الهوا يتقز
فسالها الكتكوت عن معنى الكلام فاخبرته انها دودة القز وان الحرير يستخرج منها وانها مفيدة جداً ففرح واحس ان شئ ما بداخله يتغير واخذ يردد وهو فرحان كلما عرفت اكثر كلما كبرت سنة او سنتين في المعرفة .
وبعدها راى القرد فقال له من انت قال له انا صديق الفلاح استخرج الدودة من الارض حتى يشب الزرع ويكبر دون تلف لهذا انا صديق الفلاح ففرح واخذ يردد نفس الكلام السابق
وبعدها راى الحمار فقال له من انت قال انا الحمار انا الذي احمل كل الاحمال علي ظهرى حتى لا يتعب صديقي وانقله الي حيث يريد
فقال الكتكوت لطالما علمت ان الحياة لها معنى اخر غير الاكل واللعب اين اصحابي حتى اعلمهم وحتى اساعدهم ليغيروا من انفسهم ساعود اليهم لنحيى حياة اخرى غير التى كنا عليها فنفيد ونستفيد.
رجع الكتكوت الي العش ووجد العنكبوت ملئها والكتاكيت في حالة مرضية شديدة فحدثهم عما كان من امره وكيف انه لا بد ان نحيا لهدف وليس فقط الاكل واللعب كحالهم وبين لهم ما وصلوا اليه من حالة مرضية بسبب عدم تحركهم وانهم لابد من التغيير ، منهم من وافق ومنهم من لم يوافق وظل علي حاله حتى مات. والاخرين عاشوا في العش ولكن بشكل مختلف اصبحوا ينظفوا لانفسهم ويطعموا انفسهم ويمضوا الوقت في القراءة وعمل الاشياء المفيدة . فيا اولادي الديك الفصيح من البيضة يصيح .
وتوتة توتة خلصت الحدوته
تصفيق حااااااااااااااد لجدتي
بيت الجد والجدة 14
طارق فتحي
( الضرة مرة ولو كانت جرة )
تحكى جدتى
كان رجل متزوج منذ وقت طويل بزوجة, وكانت زوجته لا تنجب
فقالت له يوما : لماذا لا تتزوج زوجة أخرى يا زوجي ؟
فربما تنجب لك ابناء يحيون ذكرك
فأجابها الزوج قائلا : لا يا حبيبتي ستحدث بينكما المشاكل والغيرة
فأجابته الزوجة : لا يا زوجي الحبيب أنا أحبك وسأقدر زوجتك ولن تحدث بيننا أي مشاكل
فوافق الزوج على نصيحة زوجته وقال لها : سأسافر يا حبيبتي وسأتزوج امرأة غريبة عن هذه المدينة حتى لا تحدث بينكما أي مشاكل
فسافر الزوج ثم عاد إلى مدينته من سفره إلى بيته ومعه جرة كبيرة من الفخار قد ألبسها ثياب امرأة وغطاها بعباءة’ وخصص لها حجرة وأخبر زوجته بأن تراها من بعيد وهي نائمة دون أن تقرب منها, وقال لها : ها أنا قد لبّيت نصيحتك يا زوجتي وتزوجت من هذه المرأة النائمة أمامك, دعيها تنام هذه الليلة لكي ترتاح من السفر وغدا سأقدمها لك, وذهب إلى العمل
وعندما عاد الزوج من العمل وجد زوجته تبكي فسألها لماذا تبكين ؟ فردّت عليه : إن هذه المراة التي جئت بها شتمتني وأهانتني وأنا لن أصبر على هذه الإهانة
استغرب الزوج وقال لها : أنا لن أرضى بالإهانة لزوجتي وسترين ماذا سافعل بها, فأمسك الزوج عصا غليظة وضرب الجرة على رأسها بقوة وعلى جانبيها, فانكسرت, واكتشفت الزوجة الحقيقة وذهلت من المفاجأة واستحت على كذبتها, فسألها الزوج : لقد أدّبتها هل أنت راضية الآن ؟ فأجابته :
لا تلومني يا زوجي الحبيب فالضرة مرّة ولو كانت جرّة...
بيت الجد والجدة 15
طارق فتحي
ياريت اللي جرى ما كان
هذه الحكاية كانت وكأنها إفتتاحية أو تحية العلم لما سيجئ بعدها من طابور الحكايات, كانت جدتى ولخبرتها الطويلة بنا تبدأ بها دون أن تسألنا . مصفقة بيديها معلنة البدء لتنهى حالة الصخب التى نفتعلها ولا أدرى على وجة التحديد سر غرامنا بهذه الحكاية . دعونى أحكيها لكم علكم تعرفون معى لماذا كانت المدخل والبداية الصلوات على النبي المختار . عليه افضل والتسليم .
كان يا ما كان يا سعد ياكرام كان فيه زمان واحد فقير غلبان لا يكاد يجد له قوت يومه يسعى للرزق من فجر يومه إلى أن يغطيه الليل ... لم يكن كسولا لكن الرزق كان ضعيفا . مرت السنون الطوال لم يستطع أن يتزوج بمن تؤنس وحدته حتى ضاق به الحال وأعيته الحيلة.
فى يوم حاول أن يتلمس بعض الراحة فى المشى والبعد عن مدينته التى غلقت أبوابها دونه حتى وجد نفسه على سفح جبل يضج بالناس غريبي الاطوار والاشكال يولولون ويندبون حظهم ورغم أنه كان على وشك الندب إلا أن منظرهم كان مثيرا للشفقة وللعجب فأخذ يسألهم عما بهم وهم مغيبين تائهين لا يسمع منهم إلا تمتمه حزينة "
ياريت اللى جرى ما كان " ....
ظل الرجل يتنقل بينهم حتى وصل إلى أقربهم من حافة الجبل حينما ألح فى السؤال أمسكه وقذف به أسفل الجبل فوجد نفسه فى مدينة أخرى يالها من مدينة جميلة . ما هذه الشوارع النظيفة .؟ والبيوت الناصعة البياض .؟ فجأة وجد أحدهم يستقبله بحفاوة ويأخذه حيث كبيرهم وكان رجلا بشوشا لا يبدو عليه عمر أو مر عليه زمن أكمل الاستقبال وشرح له كيف يتسنى له العيش فى مدينتهم.
شكى له رجلنا من ضيق حاله وانعدام أمواله ولكن الكبير طمأنه أن المال ليس هو العملة التى يتعاملون بها . بل أن عملتهم فى البيع والشراء وسائر المصالح هى "الصلاة على النبى " فتعجب الرجل وبدأ بألف صلاة على النبى .
أشترط الكبير عليه حتى يستطيع العيش بينهم أن يتزوج منهم فهلل الرجل وسأل إن كان الزواج ضمن وثيقة الصلاة على النبى فأكد له الكبير أن الزواج أولى العقود التى لابد أن تكون بالصلاة على النبى ...
هلل الرجل وكبر وسأل عن الكيفية وهو لا يعرف أحد فى هذه المدينة .. فدله الكبير على شارع طويل يصطف على جانبيه الحسناوات ... العذراء منهم تحمل " طبق ملئ بالتفاح " ومن سبق لها الزواج كانت تحمل " إبريق ماء " ومن تعجبه بينهن فعليه أن يأخذ مما تحمل وعندئذ ستصحبه الفتاه إلى ولى أمرها .
كاد الرجل يبكى من الفرحة وأخيرا سيتزوج ويجد من تؤنس وحدته ، فقام الرجل من فوره يمشى فى شارع الزواج وقبل أن ينتصف الطريق تقع عيناه على حورية وأكثرهن كن كذلك وعلى استحياء يأخذ تفاحة فتومئ الجميلة وتسير على مهل ويمشى وراءها حتى يصل إلى والدها ...
فيزوجه فى سهولة ويسر على مهر أختار هو الفا من الصلاة على النبى .. ولكن أباها أشترط عليه شرطا وحيدا حتى يكملا حياتهما وهو الا يتدخل فيما لا يعنيه فوعده بكل خير . وأخذ الفتاه ونزل فى بيت جميل بسيط وعاش لعدة سنوات وكأنه فى جنة الله على أرضه حتى بدأ يزحف على حياته " الملل " آفة البشر فطلب أن يخرج عله يجد فى صحبة الناس بعض التغيير الذى يحتاج إليه ...
حاولت زوجته أن تثنية عن رغبته فلم تفلح معه فذكرته بوعده لأبيها ألا يتدخل فيما لا يعنيه فطمأنها وخرج تملأه رغبة فى مخالطة الناس والاستئناس بهم فأخذ يلقى التحية يمينا ويسارا ورغم طيبة الناسو بشاشتهم إلا أنه لم يجد منهم من يتواصل معه فالكل منهمك فى شغل ما فواصل السير حتى وجد شيخا عجوزا قصير القامة يلتحف بالبياض يتسلق شجرة عظيمة المهابة ..
تعجب لحيوية الرجل وسرعته وتعجب أكثر لما يفعله فقد كان العجوز يلتقط الورقة الخضراء قبل أن تسقط من الشجرة يتأملها ويأكلها ثم يأخذ غيرها جافة صفراء ويلتهمها كسابقتها وقف رجلنا يتأمله حتى أشفق عليه من تعبه فبادره السلام والنصيحة وأن كل ما عليه أن يقطع فرع الشجرة بأكمله ويجلس ويأكل منه ما يريد ..
قطب الشيخ جبينه وأمره أن ينصرف .. وحينما رجع إلى بيته وجد زوجته حزينة وأخبرته أنها قد طلقت فأقسم أنه لم ينطق بالطلاق وكان لابد أن يذهب إلى أبيها وهناك أخبره أنه أخل بشرط الزواج وشرط الأقامة وعليه أن يرد اليمين ويتبقى له طلقتان فقط فيستسلم الرجل ويرد اليمين الذى لم يوقعه ويواصل حياته مع إمراته لا يعكر صفوها شئ .
انتابه الشوق ثانية لمخالطة الناس ويخرج رغم تحذيرها ويحاول أن لا يتدخل فى شؤون غيره وتأخذه مناظر المدينة الجميلة حتى يقابل رجل يقف على بئر عميق يمسك فى يده دلو صغير فيملاه مرة لنصفه ومرة أخرى لحافته ومرة ثالثة يخرجة فارغا وهو فى كل مرة يفرغ ما يملأه فى بئر أخر بجانبه فلم يستطع أن يضن بالنصيحة ,فوقف يشرح للرجل كيف إنه لو أوصل بين البئرين بقناة صغيرة لأجرى الماء بين البئرين .
يقابل مرة أخرى بنفس الاستنكار من الرجل ومن إمراته فى البيت ويغادرها ثانية إلى والدها ويرجع اليمين الثانى ويحذره الوالد فلم يبق الإ يمين واحد إذا أوقعة فهو الفراق ... يتشأم من كلام أبيها .. لكنه يتمسك بأمله فى البقاء وتسير الحياة بهما هانئة تحاول هى أن تنسيه أن هناك عالم غيرها ويتسى لفترة طويلة أو قصيرة حتى يخرج للمرة الثالثة تودعه وقلبها يخبرها أن لا عودة . يسير فى أنحاء المدينة يستمتع بكل ما فيها ويذكر نفسه بالشرط المحرم .
حتى أخذته قدماه ناحية البحر ولم يكن يعرف أن بالمدينة بحر فيجد على شاطئه سفينة ضخمة وجمع غفير من الناس يصطفون على جانبيها كل منهم يحاول أن يشد السفينة ناحيته . يحاول بكل قوته وكل رغبته والسفينة راسخة على الشاطيء لا تتزحزح لأحد .. كاد أن يمشى دون أن يعلق على تصرفات الجمع الغفير .. لكنه لم يستطيع ..
فهتف أيها الناس لابد أن نتعاون جميعا حتى نستطيع زحزحة السفينة فلنجتمع جميعا فى ناحية ونحاول بكل قوتنا أن نشدها ناحيتنا .. لم يلتفت إليه أحد او يعيروه أي اهتماما .. غادرهم وفى قلبه وجل مما قد يجد لكنه عند الرجوع لم يجد أحد لا البيت ولا الزوجة فأسرع إلى كبير المدينة يستنجد به فأخبره أنه قضى الأمر وأنه لم يستطع الحفاظ على وعده ولم يفى بشرط البقاء لم يفهم الرجل وظل يقسم أنه لا يعرف أحد فى المدينة غير إمراته حتى يتدخل فى شئونه .
حاول أن يسترضى الكبير دون فائدة فأمر الله نفذ والنصيب أنتهى ولابد للمكتوب أن يصير بهت الرجل لكنه طالب أن يفهم . فذكره كبير المدينة بالمرات التى خرج فيها قائلا ألم تخرج ثلاث مرات وفى جولتك الأولى وجدت الشيخ العجوز يأكل من الشجرة فنصحته أن يقطع الفرع بأكمله فقال الرجل نعم تذكرت لقد كان الرجل عجوزا وأشفقت عليه من تعبه فقال الكبير:- إنه " ملك الموت "
وهذه الورقة التى يأكلها إنما هى روح قد فاضت سواء كانت خضراء صغيرة السن أو صفراء بلغ من العمر أرذله وتدخلت أنت وكنت تريده أن يقطع فرع بأكمله ملئ بأرواح البشر .. إرتعش الرجل من فكرة الموت وكيف إقترب كثيرا من ملك الموت طأطأ برأسه وسأل واليمين الثانى كيف وقع فقال له الكبير :-
الرجل الذى كان يجلس على البئر يوزع الماء على البئر الآخر لقد كان الرجل يقسم الأرزاق فهناك من يملئ له نصف الدلو وهناك من يملئ له الدلو كاملا وهناك من ليس له رزق فكيف تتدخل فى أرزاق الناس وأسقط فى يد الرجل وواصل صمته وواصل الكبير توبيخه واليوم ألا تذكر ما فعلت :-
ألم تجد غير السفينة وناسها .. فحاول يدافع عن نفسه .. ولكنى أصدقهم النصيحة ، لقد كانوا يضيعون جهودهم .. قال الكبير وهو يتحسر على جهل الرجل وعدم تسليمه لأمره لهم يا مسكين السفينة هى الدنيا وكل من هؤلاء الناس يحاول أن يأخذها ناحيته وكل منهم يتخيل أنها ناحيته ولكنها راسخة لا تذهب لأحد وسيظل الناس يحاولون معها ولن يرتاحوا إلا مع المحاولة والجهد المخلص ليفعلوا شيئاً مع الدنيا .
هكذا هى الدنيا وأنت لم تستطيع أن تفهمها أو تفهم ناسها والأن قضى الأمر ومع بكاء الرجل وجد نفسه واقفا على سفح الجبل مع الناس غريبوا الاطوار الذين يولولون يبكى مثلهم ويتمتم مثلهم " ياريت اللى جرى ما كان " .
رغم دموع الرجل وولولة الناس كنا نحب الحكاية ولم يكن العويل هو ما نرتاح إليه .. لكن الجنة التى نزل فيها رجلنا وجعلنا نعيش قليلا اجوائها والحورية التى لازمته والحياة الناعمة التى سيرتها له الصلاة على النبى بل الأكثر من ذلك رجوع الرجل إلى دنياه مرة أخرى وحتى ندمه على ذلك .... ليس لينضم إلينا على نفس الحافة من الدنيا ننتظر الجنة التى قد نذهب إليها معه .
بيت الجد والجدة 16
طارق فتحي
( حكاية عن جحا )
في احدى الليالي اتفقنا أن نمتحن جدتي ونسألها عن جحا، الذي كان له حكايات في كتاب المطالعة والنصوص ايام زمان، وجحا شخصية كوميدية في الأدب العربي. هو أبو الغصن دُجين الفزاري الذي عاش نصف حياته في القرن الأول الهجري ونصفها الآخر في القرن الثاني الهجري، فعاصر الدولة الأموية وبقي حياً حتى حكم الخليفة المهدي،
قضى أكثر سنوات حياته التي تزيد على التسعين عاماً في الكوفة. سألت جدتي هل تعرفين شيئا عن جحا: ابتسمت وأجابت، اعرف الكثير عن نوادر وطرائف حجا، واشتهرت حكاياته الظريفة على كل لسان، اسمعوا هذه الحكاية.
ذات يوم كان جحا يتسوق، فجاء رجل من الخلف وضربه كفا على خده، فالتفت إليه جحا وأراد أن يتعارك معه، ولكن الرجل اعتذر بشدة قائلا: إني آسف يا سيدي فقد ظننتك فلانا فلم يقبل جحا هذا العذر وأصر على محاكمته، ولما علا الصياح بينهما، اقترح الناس المتجمعين حولهما، أن يذهبا إلى القاضي ليحكم بينهما،
فذهبا إلى القاضي، وصادف أن ذلك القاضي يكون قريبا للجاني، ولما سمع القاضي القصة غمز لقريبه بعينه (يعني لا تقلق سأخلصك من هذه الورطة).ثم أصدر القاضي حكمه بأن يدفع الرجل لجحا مبلغ عشرون دينارا عقوبة ضربه. قال الرجل: ولكن يا سيدي القاضي ليس معي شيئا الآن.
قال القاضي وهو يغمز له: أذهب واحضرها حالا وسينتظرك جحا عندي حتى تحضر المبلغ، ذهب الرجل وجلس جحا في مجلس القاضي ينتظر غريمه يحضر المال، ولكن طال الانتظار، ومرت الساعات ولم يحضر الرجل، ففهم جحا الخدعة، خصوصا أنه كان يبحث عن تفسيرا لإحدى الغمزات التي وجهها القاضي لغريمه، فماذا فعل جحا ؟
قام وتوجه إلى القاضي وصفعه على خده صفعة طارت منه عمامته، وقال له: إذا أحضر غريمي العشرين دينارا فخذها لك حلالا طيبا، وانصرف جحا...
بيت الجد والجدة 17
طارق فتحي
( الخاتم السحري )
كان هناك فتاة جميلة تدعى سوسن، تعيش وحيدة مع أباها وأمها ترعاهما وتسهر على راحتهما، مرت أيام طويلة ولم يأت أي أحد لخطبتها , سوسن،التي بدأت تكبر في السن شيئاً فشيئاً، بدأت تشعر بالحزن وتفكر كل ليلة في عيش حياة سعيدة مليئة بالحب والأطفال الصغار.
حزن والدها كثيراً لموت زوجته وأصبح مشغولاً بابنته الوحيدة ولا يكف عن التفكير ليل نهار في مستقبلها، ولمن سيتركها إن لحق بزوجته هو الآخر، وقد أصابه المرض وأصبح عاجزا عن الحركة وأيامه أصبحت معدودة. وفي يوم تذكر الأب الطيب أن له خاتماً من الذهب تركه عند صديق له يدعى سلمان، عندما علم أن ساعته قد إقتربت، دعا سوسن وأخبرها أن تتصل بهذا الصديق لتأخذ الخاتم الذهبي منه وتستعمله في وقت الشدة، هنا بكت سوسن عندما فهمت ما يفكر فيه الاب وقالت له: ولكن بقاءك بجانبي يا أبي أفضل من ألف خاتم ذهبي، الخاتم السحري. وفي يوم من الأيام مات والدها فجأة، فأصابها حزناً شديداً لفراقه وأخذت تبكي كل ليلة وحيدة في غرفتها،
بعد فترة أخذت تبحث عن صديق والدها لتنفذ وصيته ولكنها لم تعثر عليه، حتى ملت من البحث عنه ويئست أن تجده، وبينما هي تتنزه يوماً في الغابة وحيدة سمعت صهيل حصان، أخذت تلتفت حولها حتى وجدت شابا وسيما يركب على حصان أبيض جميل جداً، تقدمت سوسن نحوه وسألته: من أنت يا سيدي ؟ فرد الشاب : أنا ابن سلمان، ماذا تفعلين وحدك في الغابة وعمن تبحثين، قالت له سوسن: أبحث عن صديق والدي الذى يدعى سلمان، هل تساعدني ؟ رحب الشاب بمساعدتها وأخذها إلى منزل والده سلمان..
حكت سوسن إلى سلمان قصة والدها وأخبرته أنها تريد الخاتم الذهبي، قال سلمان: بالفعل إن الخاتم السحري موجود لدي الآن، ولكني لا أستطيع تسليمك إياه في الوقت الحالي، ولكي تستعيديه عليك أن تأتي إلي بورقة مخطوطة بماء الذهب، وستجدي هذه الصورة في صندوق من ثلاثة صناديق متشابهة تماماً، تعجبت سوسن من كلام الرجل وقالت له أنها لا تعلم أي شيء عن قصة الصناديق الثلاثة،
قال لها الرجل أن والدها لم يستطع أن يخبرها بها وإلا يبطل مفعول الخاتم السحري، عليك الآن أن تذهبي إلى منزلك وتبدئي البحث عن الصناديق الثلاثة، تساءلت سوسن : ولكن كيف سأعرف الصندوق الذي بداخله المخطوطة وهم جميعاً متشابهين، قال سلمان: عليك أن تعتمدي على ذكائك للتعرف عليه، فصندوق واحد هو الذي يحتوي على المخطوطة والصندوق الثاني يحوي على عقرب في داخله والثالث يحوي أفعى سامة ،احذري فعليك ألا تخطئين أبداً في فتح الصناديق وإلا ستعرضين نفسك للموت!
أعطاها سلمان مفتاحا لتفتح الصندوق، عادت سوسن إلى منزلها خائفة تفكر في أمرها ولا تدري ماذا تفعل، أخذت تفتش في المنزل حتى وجدت الصناديق الثلاثة تحت سرير والدها، أخذت تتأملهم بحذر شديد ولا تتجرأ على الاقتراب منهم أو لمسهم، وفجأة خطرت لها فكرة، إقتربت بحذر من الصناديق وأخذت تنصت بأذنيها لعلها تسمع أي أصوات تأتي من داخل الصندوق لتعلم مكان الأفعى والعقرب، وفعلاً وجدت صندوق واحد لا يصدر منه أي خربشة أو أصوات غريبة، فقررت فتحه وأدخلت المفتاح،
وإذا بشعاع ذهبي قوي جداً يضئ أرجاء المنزل، أخرجت سوسن من الصندوق مخطوطة الذهب وهي تشعر بالسعادة والحماس.
ذهبت مسرعة إلى منزل سلمان وأعطته الورقة، فأحضر لها سلمان الخاتم السحري على الفور قائلا: هذا الخاتم ملك لك الآن ضعيه في إصبعك وامسحي علية مرتين، ثم اطلبي كل ما تتمنين وسيتحقق لك ذلك بإذن الله
وضعت سوسن الخاتم في اصبعها ومسحت عليه وقالت: يا خاتمي الذهبي أريد زوجاً مثالياً وبيتاً صغيراً هادئاً وذرية صالحة أربيها في طاعة الله عز وجل، وفعلاً تحققت أمنيتها وعاشت سوسن مع زوجها في سعادة وهناء فبقي الخاتم السحري في إصبعها لا يفارقها أبداً، وكانت دوماً تحمد الله الذي أعطاها ما تمنت .
مواضيع مماثلة
» * بيت الجد والجدة : من 1 - 8
» * سلسلة بيت الجد والجدة - الجزء 1
» * سلسلة بيت الجد والجدة - الجزء 2
» * سلسلة بيت الجد والجدة - الجزء 1
» * سلسلة بيت الجد والجدة - الجزء 2
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى