* البيت المسكون : الجزء 3 - 4
صفحة 1 من اصل 1
* البيت المسكون : الجزء 3 - 4
البيت المسكون 3
طارق فتحي
هرع بكل ما يمتلك من قوة وطاقة كبيرة للامساك بالشبح الذي رأى سطوع نوره من على صحن السلم العلوي وهو يصرخ امسكت بك.. امسكت بك . فاذا بالنور يتوهج ثانيةً بسطوع حاد كاد ان يعمي بصره متجهاً صوب احد الغرف العلوية فتبعه الدكتور حازم دخل الغرفة خلفه مباشرةً وهو يسحب انفاسه بتثاقل ويجتر لهاثه بصعوبة . فاذا به لم يرى شيئا البتة . خرج من فوره بعد ان اطفأ مصباح الغرفة . عندها انارت مصابيح جميع الغرف العلوية .
جلس القرفصاء بين بابين من غرف النوم ليرتاح قليلاً , ماذا عساه ان يفعل الان .؟ ما ان استراح هنيئة حتى اخذ يطفيء مصابيح الغرف الواحدة تلوه الاخرى , جلب انتباهه ان احد الغرف قد تم العبث بها بشكل جنوني لا يصدق . الملابس منتشرة على الارضية بشكل عشوائي والكرسي مع المكتب الصغير قد انقلب جانباً والاثاث مبعثر كأنها معركة حامية الوطيس حدثت قبل قليل .
استغرب الامر , لم لم يسمع اصوات تبعثر الاثاث بهذا الشكل الجنوني .؟ من انار مصابيح الغرف العلوية .؟ هل حقا اصبح يهلوس من جديد .؟ وما السبب .؟ اتكون الوحدة القاتلة .؟ ام حكايات جدتي التي ما برحت تغادر عقله .؟ وغيرها من قصص سبق له ان سمعها ، و ربطها مع ما يُحكى و يقال عن هذه الدار و ما فيها من أرواح و جن و ملائكة ، و رؤية ابنته للشبح ، و ما سبق ذلك من توالي موت الحيوانات . لابد ان يكون مَلَكاً صالحاً لِما سبق ان بدرت منه كرائحة البخور و الشاي و النسمة الباردة و الرائحة الزكيّة ، إذن لابد من حصول حالة من الاتصال بهذه الروح الخيّرة ، وما ان هبط بعض الدرجات حتى عاد وصعد ثانية الى الاعلى بين التوجّس والخوف مرة ، و رغبة في مصاحبة هذه الروح الخيّرة أخرى. مرة
سمع همسا خفيفاً يطرق سمعه لم يتبين ماهيته جيداً , ما لبت ان سمع صراخاً عنيفا بلغة لم يفهمها , كأن اشخاصاً كثيرين في حالة من الصراع والهرج والمرج , بعدها اعقبتها قهقهات عالية ثم نواح وبكاء وعويل يصم الآذان . كأن الطابق العلوي اصبح مرتعا خصباً وسوق رائجة للاشباح او الجن او حتى الشياطين .
قدم خطوة وأخر أخرى خوفاً و رهبة ورغبة في حصول حالة من المعرفة الخارجة عن المألوف ، تقدّم ، فوجد الغرف العلوية مضاءة من جديد وبفعل فاعل بعد ان كانت مظلمة ، فتح باب الغرفة فلم يرى شيئاً ، لكن وجد الفوضى و الارتباك في تنظيم هذه الغرف على غير المألوف بأسثناء رائحة غريبة تعبق في الغرف، كالرائحة الزكية التي دخلت الصالة قبل حين من الزمن .
دخل الى الغرفة المبعثر اثاثها وهو يقول في سره يجب ان انتهز هذه الصدفة لاكلم اشباحي او الارواح التي اخذت تطاردني منذ ثلاث ليالي مضت . فاستدعاها بقوله ( ايتها الارواح الطاهره العلوية المشعشعة النورانية اقسمت عليكم بالحضور , احضروا .. احضروا.. احضروا.. وان كنتم من الارواح الشريرة , فانصرفوا .. انصرفو.. انصرفوا ..) . فتح عينيه عند انتهائه من الاقسام وعزيمة حضور وطرد الارواح فاذا به يفاجأ ان جميع اثاث الغرفة رتبت بعناية كان شيئا لم يكن .
توسل الدكتور حازم كثيراً بالارواح كي تكلمه حتى يتمكن من رفع تلك اللعنة عن بيته المسكون دون جوى وعلى مر ساعات الليل الطويلة وهو يقسم عليهم تارة ويعزم بايات قرآنية تارة اخرى ويوكل بالاملاك الصالحة دون جدوى. وبعد ان احتدم الامر عنده اخذ يخاطب اشباحه بتوتر وعصبيه بادية للعيان واخذ يزجرهم زجرا عنيفا ويهددهم وتوعدهم بحرقه جميع من يسكن منهم في هذه الدار الملعونة , وهو في سره خائفاً وجلاً مرتعباً بشكل رهيب لم يسبق له ان مر بهكذا موقف مخيف ومرعب في نفس الوقت . كل ما كان يخشاه ان تلبى دعوته وان يظهر له احدهم ترى كيف ستكون هيئته .؟ وكيف سيتشكل له باي صورة يا ترى.
ولما استنفذ كل قوته وطاقته بعد ان غلبه النعاس هبط درجات السلم بتثاقل غريب وتوجه نحو الصالة وكالعادة رأى التلفاز في حالة التشغيل والعين السحرية مطفأة . ومصابيح المطبخ تنور وتنطفي من تلقاء نفسها وهمسات تعلوا تارة وتخفت تارة اخرى مع صراخ وعويل ودربكة عظيمة تحدث في الاعلى . سار على قدمية المتثاقلتين وهو لا يبالي بكل هذه الخوارق والعجائب تلك التي تعود على حدوثها آلفته وأأتلف معها . مطرق الرأٍس باتجاه غرفه نومه وهو يهز راسه يميناً وشمالاً مصفقا كفيه على بعضهما وابتسامة عريضة ترتسم على محياه , وضع رأسه على الوسادة فانتقل الى عالم آخر , عالم ما وراء الطبيعة بشيء من الفنتازيا الرائعة والصور البوهيمية الغامضة . آخر ما وقعت عيناه قبل اغماضهما على عبارة مكتوبة في ورقة صغيرة خطت بقلم عريض وجدها فوق التلفاز مذكور فيها ( سأعود مرة أخرى ) .؟
هذا ما توقفنا عنده في سرد حكاية الدكتور حازم في جزئها الاول, انتظرونا للمزيد من حكاياته في الجزء الثاني . علما ان الدكتور مازال يعيش بين ظهرانينا حياً يرزق ولم يغادر بيته المسكون منذ ثلاثين عاماً مضت .
بينما نحن والقراء منغمسون في قراءة الجزء الاول من قصة الدكتور حازم . بعث الينا الجزء الثاني من قصته التي اسماها ( حلم لم يتحقق ) اترككم احبتي لمتابعته من لسانه حيث يقول :
حلم لم يتحقق
بما اني أعيش لوحدي بسبب زواج بناتي و ولدي الكبير و سفر ابني الصغير خارج العراق و ذهاب زوجتي لتعيش مع إبنها المتزوج لمدة غير محددة ، فلابد ان أتخيل الكثير من الامور الخارجة عن المألوف ، و أغلبها تدور حول الجن او الملائكة . من هذه الامور هي اني كنت لم أصدق ما أسمع من حركات و أصوات رقيقة ،
اليوم بدا لي الصوت واضحاً ، ان هناك من تناديني باسمي الصريح لكن بصوت خافت ، عندها تحققت إني المَعْنِي ، فذهبت حيث مصدر الصوت ، فلم أجد شيئاً ، بل صرت ألُوم نفسي بأني كبرت بالعمر و صرت أخرّف في كثير من الامور وهذه الحالة قد بدأت الان . فلم أعِرْ الامر أهمية .
تكرر الصوت بدعوتي للقائها بصوت رقيق ، ذهبت مرة أخرى ، فلم أجد شيئاً حينها عدت الى مكاني السابق ، تكرر الصوت بإلحاح ، صدرت عني كلمات غاضبة مفتعله مع الخوف الشديد من المجهول (إني سوف لم ألبي دعوتكِ مهما كنت) ، فإذا رغبتي باللقاء تعالي انت الى حيث أنا ، فانقطع الصوت لتصوري انه خيال ، ثم توجهت الى فراش نومي لتأخري لساعة متأخرة من تلك الليلة الرهيبة.
هناك وجدت الفراش منتظماً ومرتباً فخلدت الى النوم ، ثم أحسست أن هناك من يعمل على إيقاضي ، رغم عدم وجود أحد معي في الدار ، اصبحت أخاطب نفسي ، في اني قد اشتريت هذه الدار الملعونة رغم اني سمعت عنها انها مسكونة منذ أكثر من 30 ثلاثين سنة ، و لم يحصل أي شيء سوى بعض الوفيات للبلبل و الدجاجات و الخروف و أخيراً الوالدة ، فانقطع كل شيء بعد ذلك ،
هل حصل الحنين من قبل هذه الارواح بعد مرور هذه السنوات الطِوال ؟ نعم ربما ما يحصل هو حقيقة لم أكن أهتم لها طيلة هذه السنوات – ربما – كانت موجودة لكن لم أهتم لها لكثرة انشغالاتي ، قلت بصوت عالٍ أخاطب الهواء او لمن أعتقده سيفهم ما أقول : إذهب عني بعيداً فلست كما تظن او تظنين ، فهل انتَ او انتي او مهما كنتم ، لا أرغب بكم .
كان صوتاً انثوياً رقيقاً ينساب قريباً مني ، فعرفت انها انثى ، إنزوت خوفاً و رعباً مني في طرف السرير ، سمعت ضحكة دافئة تخترق آذني ، قلت : لم أستجب مهما كنت . فَعَلَت الضحكة رنيناً بصوت هامس ( لا تخف فانا إخترت ان أكون معك طيلة الحياة ) انا لا أرغب بمن لا أعرفها مهما تكونين ، ربما غداً ستتغيرين و تنقلبين عليَّ ، صدرت الضحكة مع ذاتها(انت واهم ، و خائف ، لأنك لم تراني ) نعم هو كذلك انا لا أريد التواصل مع من لا أعرفها او أراها ، فظهرت لي غزالة رائعة ،
استدركت نفسي فخاطبتها : كفاكَ يا دكتور تخريفاً ، انها لا تعدو خيالات من مخرِّف . فلقد كانت الضحكة الرقيقة قد عادت من الغزالة ، ( ألَم ترى غزالة بحياتك ؟ ) قلت حتى لو رأيتُ غيركِ لم أستجب . فتحولت الغزالة الى فتاة لا يزيد عمرها عن ال 30 عاماً ، و للحقيقة أقول : بأني قد هويتها رغم رعبي الذي أعيشه حينها ، لكن لم أرتاح لهذه المخلوقة من غير البشر ، قلت : هل لي ان أعرف اسمك و من هو أبوكِ و أهلكِ ، و لماذا أنتي معي الان ؟ أتمنى ان تبتعدي عني ، فلست أهواكِ . فكان الصوت الرخيم قد عاود مع صوت الضحكة التي أرغبها حقاً .
قالت انا لست من البشر فأنا من غير قومك ، لماذا أنت مُتعب و تشعر بانك لوحدك ، انا معك منذ أكثر من 30 ثلاثين عاما أخاطبك لكن لم تهتم لي و لم ترد ؟ الحقيقة تحيَّرت بالجواب ، لخوفي الشديد الذي إعتراني . فضلاً عن اني لم أفكر بها و لم أشعر بها أبداً ، اليوم أراها و أسمعها و أعرف انها ليست من البشر فكيف سأتصرف معها ؟ لم تتركني أتمادى فيما أشعر ، بل وصلني صوتها و هي تقول (ما بالك انا صحيح لست من البشر لكني أعرف لغتك و أعرف أهلك كلهم).
اليوم أنتَ لوحدك ، و لأول مرة في حياتك ، لذلك اخذت أتحدث معك ، فهل ترغب ان نذهب من هنا الى حيثُ أسكن ؟ قلت : لا ... كيف لي ان أترك بيتي الى مكان لا أعرفه و لم أزوره سابقاً ؟ كيف سألتقي أقواماً لم يسبق لي ان رأيتهم ؟ فأنتم مخيفون لي مهما تكونوا . ثم كيف لي أن أصاحبك فأنتي لست لي زوجة ؟ قالت : ليس صعباً ما تقول فكل شيء قد رتبته من مدة طويلة . و اليوم سيكون . و لست أدري لماذا
هذا التَّمَنّع قد صدر مني تجاه هذه الفتاة غير البشرية ؟
قالت : لعلك تخافني و تخاف قومي ، لكن لا تهتم لكل شيء ، و لك الحق الان فقط ، لكن بعد اللقاء سارتاح صرفتها بعد ان عرفت منها الكيفية ، و لم أعرف كيفية استدعائها ثانية ،رغم من خوفي الذي ما زال مسيطراً عليَّ لكني صرت أهواها ان تكون قربي دائماً بدل الوحدة التي انا أعيشها .
لكنها بَدَّدَت كل ما فكرت به بقولها : سأعود مرة اخرى
مرت الاسابيع والشهور بطيئة نسي فيها امر اشباحه . مارس خلالها حياة طبيعية لا يكتنفها الغموض او التكلم مع الارواح , باستثناء طيف روح هذه الفتاة الهائمة التي تجسدت له لبضع ثواني بصورتها البشرية . تمنى من كل قلبه ان تعود الى محاورته مرة اخرى لما شعر به من متعة كبيرة في الامر ومن انه متميزاً كثيرا عن اقرانه من الاصدقاء والخلان.
بينما هو على هذا الحال من التفكر والتدبر سمع صوتها بوضوح فابتسم في سره وهو جالس في مكتبه اطفأ الانارة القوية وابقى على مصباح صغير فوق منضدته الفاخرة المطعمة بالفسيفساء والمزينة بقطع العاج الجميلة .
شعر بخوف شديد وهو يتمتم في سره ان يكون ظهورها بهيئة بشرية لانه يخاف الاشكال المجهولة ويعدها مخيفة لا يطيق استيعاب وجودها او رؤيتها. فلما ظهرت له كطيف بشري هدأ باله واستوى جيدا في جلسته . اخذ يحاورها ليتعرف عليها اكثر فاكثر . كلمها بادب مبالغاً به, من انت من فضلك .؟ لماذا اخترتني انا بالذات دوناً عن العالمين؟ فكان الرد صاعقاً ومخيفاً , انا زوجتك منذ ثلاثين عاما . الم تذكر. . لعبنا..مرحنا.. حبنا العفوي الطفولي منذ ان كنت شاباً يافعاً. اليوم بعد ان انجبت منك خمسة اولاد ثلاثة ذكور واثنان بنات من اجمل ما خلق الله .تسألني هذه الاسئلة الباهته.
انا لا اتذكر كل هذا الذي تقولينه باستثناء الاولاد فانهم كما وصفت تماما بالهيئة والاسماء. ايكون اولادي اشباحاً متجسدين في الهيئات البشرية , مع انهم لا يملكون اية قوة خارقة تميزهم عن الاخرين, اجابته بلى تتذكر وانا الان اقراء افكارك عندما كنت مراهقا نزقاً اغتصبتني برضا وقبول مني لاني كنت اهيم بك بشكل جنوني في مقبرة وادي السلام تحت احد اقبية القبور قبيل المغرب بقليل , حينها اقسمت لي ان تتزوجني لاصلاح خطأك الشنيع وفعلا تم القران في دار ابيك , شخصت له المكان والزمان وسماء المدعوين من الرجال والنساء.
اطرق الدكتور حازم مليا متذكرا ايام عرسه وكل ما قالته له صحيح باستثناء حادثة الاغتصاب كونه كان على خلق وتربية حسنة مما يستحيل معها قيامه بهذا العمل الفظيع, نعم كل ما تفوهت به صحيح الا ان ذاك كان زواجه الحقيقي من زوجته الحقيقية اخذته حالة من التلبس لم يعهدها سابقا في نفسه . تصلبت اعضاء جسده وتخشب على مقعده .
كيف علمت بما افكر ؟ انك تجيبين على اسئلتي دون سؤالك, الم اقل لك سابقاً اني اقرأ افكارك واعلم بما تفكر به . انت الان تفكر بي وترغب بالاجتماع معي ولكنك خائف من ان اتركك ثانية كما فعلت خلال السنين الثلاثين الماضية, ها انا الان امامك وقد قرر قومي الاتصال بك وكذلك عائلتي فقرروا جميعاً انك تناسبني وهذا سبب حضوري هذه الليلة .
لا تنسى انك ابديت رغبتك بي من سنين طويلة امام المجلس المحلي للقوم . بعدها اخذت على عاتقي حمايتك من كل ما يوذيك في صباك وشبابك والى الآن . اتذكر.؟ الحادثة الفلانية تلك التي اخذت تتذرع بها الى الله ان ينجيك منها ويخرجك بسلام او باقل الاضرار على اكثر تقدير . نعم اقسم بالله اتذكر هذا الامر وقد زال ببركة دعائي وتذرعي الى الله .
دعائك وتذرعك الى الله.. قهقه خفيفة .؟ ما علينا , المهم انا وقومي انقذناك وباعترافك انت الان, اخذت بعدها تسرد له المواقف المحرجة والمشاكل التي وقع فيها , منها ما كاد يفقد حياته بسببها . فاستعرضت له شريط حياته لثلاثين عاما خلت. كان الدكتور مستمع جيد ولم يكذب أي حادثة ذكرتها وهو في حالة ذهول وتعجب رهيبين. يا الهي : ان كل ما ذكرته صحيح , يا الهي من تكون هذه. على الاخص اجتماعه في المجلس المحلي الذي اخذ يتوعدهم بظهور الحق وكانوا غير راضين عنه بالمرة فقرروا الانتقام منه وتخويفه بوضع قنبلة صوتية في فناء منزله مع مضروف ابيض يحوي بقايا اطلاقة نارية فقط دون كلمات وكان المقرر ان تمر من فوق القنبلة بحسب الخطة الا اني قمت بتعطيل سيارتك ,
قبل الوصول الى المنزل بمدة مناسبة كي تنفجر القنبلة دون احداث اضرارا لا بالمنزل ولا بعائلتك التي هي اصلا عائلتي . كان هذا آخر الكلام التي تفوهت بها شبح او روح او قرين الدكتور حازم . الحق اقول لكم انه كان مستمعاً جيداً, بعدها وقبل ظهور الفجر الصادق ودعته بطبع قبلة على جبينه وهو جاثم في مقعده لا يحسن الحركة مكفهر الوجه شديد القسمات تائه الفكر غائر العينين . سمع قهقه خفيفة اعقبتها عبارتها المعهودة ( ساعود مرة اخرى )
مرت الايام ثقيلة والدكتور حازم يهنأ في بيته المسكون بعيشة راضية والهدوء الذي يسبق العاصفة ضاربا بجناحيه على الزوجة والاولاد . تمنى فيها عودة اشباحه للتحدث معهم مع انه كثيرا ما كان يستدعيهم بعد منتصف الليل دون جدوى . ان العوالم الخفية والكائنات المجهولة تستهويه لحد النخاع . التقط خرطوم المياه ليسقي وروده وازهاره قبل مغيب الشمس بقليل . فاذا به يرى تشكلات بشرية تخرج من رذاذ الماء المتطاير في المكان .
طرق سمعه قهقهة خفيفة بالكاد التقطها فعلم انها هي عادت مرة اخرى . رفع يديه لتحية رذاذا الماء وبدأ الحديث معها وزوجته تراقبه من نافذة المطبخ المطلة على الحديقة لم تنبهه زوجته بل اخذت تراقبه بحذر بعد ما ان تركت ما في ايديها من اعمال منزلية . مع من يتكلم الدكتور ؟ القت نظرها قدر المستطاع من جميع الزوايا لترى مساحة اكبر من الحديقة عل شيئاً ما جاثم في ركن قصي لا تتمكن من رؤيته من خلال النافذة .
ها قد عدت ثانية . اذهبي الان ولنلتقي بعد منتف الليل اشتقت اليك كثيراً , لماذا هذا الغياب الطويل اصبحت امقت هذه اللعبة مع انني اخذت اشعر بالارتياح لكلامك الصادق والمعسول . لم اعد اخافك مطلقاً, فقط ادعائك بانك تحمينني ,هذا ما انا ضجر منه ولا يعجبني البتة , تنسبين كل ما اقوم به اليك . قهقهة عالية وصراخ دون مبرر مما جعلت الدكتور يتلفت يمينا وشمالا لعل احد لم يسمعها او يراها مثله وعلى الاخص زوجته , لظهورها غير العادي هذه المرة.
هل تنكر انك ابلغت اعمامك .؟ فعددت له اسماء الاعمام وعناوينهم واحدا تلوه الاخر؟ فاصبحت محميا من قبل ابناء عمومتك وعشيرتك . عندها اصبحت اتابع حياتك لحين تقديم استقالتك والتفرغ للعمل في الجامعة . حينها شعرت بالراحة لابتعادك عن المجلس المحلي ولم تعد تشارك هولاء القتلة اهوائهم وفتنهم واجرامهم . حاولت كثيرا ان اجعل منك انسان غير مرئي تختفي وقت ما تشاء وتظهر نفسك وقت ما تشاء الا اني لم افلح في ذلك وهذا محال طبعا في بني جنسكم انتم البشر المرئيين . ان دهشتكم واستغرابك بالماورائيات مما تعدوه انتم البشر من المسلمات التي لم يجد لها العلم الحديث تفسيرا هي امور عادية تجري لنا يوميا نحن الجنس الغير مرئي من قبلكم .
لانكم تؤمنون بما تلمسونه فقط . فقد فاتكم الكثير للانتفاع به وان اعتمادكم على حواسكم الخمسة ما ظهر منها وما بطن لن يكفي لتفسير الامور الجسام التي تحدث في العالمين . خذ مثلا حضرتك الدكتور حازم رجل جامعي مرموق مثقف بشكل لائق متفوق على اقرانه وجلسائه متزوج وله اولاد منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت . علاقته الزوجية ناجحة يحب اولاده ويحبوه يتودد له اهل عشيرته وعشيرة اهل زوجته وجه اجتماعي مرموق في منطقته يشار اليه بالبنان .
قاطعها الدكتور بقوله , ما الحل .؟ ماذا تريدين مني الان .؟ ردت عليه ليس لي الا ما تريده انت , انا طوع امرك في كل حين , ولك ان تفكر بما تريد , وانا بانتظار قرارك الاخير او على الاقل ما تتوصل اليه , ارتعب الدكتور كثيرا اذ انه راى بعقله وبصيرته امرا جلل سيحدث بعد هذه المحاورة بينه وبين جنونه العقلي المؤقت , وبينما هو متفكر بالامر وبماذا يرد اذ سمعها تقول ( ساعود مرة اخرى )
حصل للدكتور حالة من الوجد والخوف المشوب برعب كبير قادم لا محاله . ولكنه لم يستطيع استنباط هذا الشيء او معرفة ماهيته . وبينما هو مستغرق بالكلية في شعب الافكار العقلية لا النقلية . فاذا به يسمع قهقهاتها من بعيد وكلما اقترب صوت ضحكاتها كلما ازداد رعبا على غير عادته معها عندما يحاورها . هل فكرت بما تريد ؟ اني اقرأ افكارك انك ترغب بالاقتران بي . وانا لا مانع لدي بشرط ان تكون حفلة زفافي في هذا البيت السعيد .
صرخ بها الدكتور بانفعال وعصبية شديدة , البيت السعيد .! انها اجمل نكته سمعتها في حياتي . اقسم بانك لا تفكر بي ولا تحبني ولا تريد الاقتران بي . فساتركك والى الابد ولن اؤذيك او احد افراد عائلتك . فقط اقسم لي اني مخطئة . حاول الرد عليها فورا حال اكمال جملتها الاخيرة , ولكن تلعثم وتغيرت سحنة وجهه مع ان شفاهه تتحرك كمن يلقي خطابا الا ان صوته المكتوم لم يصل حتى لسماع اذنيه .
عندها احس بفشله في الرد وصواب قولها بما كان يتمنى في قرارة نفسه واعترف لها بكل حرف قالته انه صحيح ولا يستطيع ان يكذب عليها لانها تقرأ افكاره بكل بساطة . تم الاتفاق بينهما على الزواج من بعضهما ليتخلص الدكتور حازم من كوابيسه التي تؤرقه ليلاً . اشترطت عليه ان يجد اللحظة المناسبة لاستدعاء قومه وعشيرته المقربين وهي كذلك سوف تخبر قبيلتها وتستدعيهم .
اقنعته ان لا احد يرى شيئا سواه وسيكون الحفل عاديا ولن يعرف الحاضرون من الانس ما يحصل بينهما وعليه ان يتحمل رؤية قبيلتها بدون ان تبدوا عليه علامات الخوف والرعب لئلا يكتشف امره من قبل اهله فيصبح منبوذا من كلا الطرفين . ربما هذه المرة سيصاب بنوع من الجنون او الوسواس القسري وهذا ما لا يحمد عقباه لشخصية محترمة مثل شخصية الدكتور حازم .
مرت الايام سريعا لحقتها الاسابيع وما من مناسبة لعمل حفل كبير في بيته الفاره . حتى قدم ابن عم له يعمل حديثا في بغداد . اخبره انه يروم الزواج قريبا ويا حبذا لو يكون الحفل في بيته , بالرغم من اصطناع الدكتور التفكير مع بعض الممانعة البسيطة امام توسلات ابن عمه الذي يصغره بعشر سنوات وافق على الامر وتم تحديد يوم معين لحضور الاحتفال الذي سوف يقتصر على اولاد العمومة والاهل حصراً وعلى هذا اتفق الطرفان. امتلات الصالتين الكبيرة والصغيرة بالمدعوين والزينة تعج بالمكان والموسيقى تصدح باعذب الالحان وتوسط صدر الصالة كرسيين نصبا على منصة مرتفعة بعض الشيء. احدهما للعروس والاخر للعريس .
عم الصخب المكان والناس مختلطين مع بعض وصحون الطعام تجري على قدم وساق بين المطبخ والصالة والموسيقى تصدح كان حفلا بهيجا الكل فيه بين مبتسم وبين من يطلق العنان لقهقهاته حتى يسمعها الجميع والفرحة بادية على العروسين . الشخص الوحيد الذي لم يتكلم او يبتسم او يتحدث مع الاخرين هو الدكتور حازم شارد الفكر باحثا بعينه الفاحصة الحضور واحدا تلوه الاخر مما جلب انتباهه زوجته التي كانت تراقبه عن كثب .
ما بك عزيزي الدكتور ارى انك مرتبكا جدا على غير عادتك هل تشكو من علة او مرض , نادى عليه العريس لالتقاط بعض الصور التذكارية باعتباره ( سردوج) العريس . فانقذه من هذا الموقف المحرج اذ استطاع ان يتملص من زوجته ام اولاده باتجاه العروسين ليقف خلفهما حتى تمكن الجميع من التقاط صور تذكارية مع العروسين . انتهت الحفلة بسلام في ساعة متاخرة من الليل . واتجه كل من المدعوين الى سياراتهم المركونة على الرصيف المجاور والمقابل للبيت المسكون .
البيت المسكون 4
طارق فتحي
حلم لم يتحقق
مر شهر العسل سريعا وعاد ابن عمه وعروسه من الخارج , تمت دعوتهما من قبل الدكتور حازم على وليمة عشاء في اليوم التالي بعد استراحتهم من السفر . تم تلبية طلبه من قبل العروسين لتفضله عليهما في يوم زفافهما استحياءا منه . اجتمعت العائلتين في صالة استقبال ذلك البيت الملعون اخذت النسوة كعادتهن يطنبون في شرح مزايا وفضائل العريس الاسطورية .
تشاور معه ابن عمه الذي كان جالسا بجواره مستدعيا اياه الى مكتبته الفاخرة . استأذنا الجميع ونهضا من على الطاولة باتجاه غرفة المكتب . ظنت النسوة انهم ذاهبون للتدخين او ما شابه ذلك . التفت الدكتور حازم الى زوجته وهو ماسكا بمقبض باب المكتب القريب نسبيا من صالة الطعام ليخبرها ان لا تسهوا عن اتحافهم بطقم الشاي اللذيذ . ابتسم الجميع بينما هزت الزوجة رأسها علامة على الموافقة والقبول .
استويا في جلستهما على مقعدين متقابلين امام مكتبه , وبدأ ابن عمه يخرج اشياء من حقيبته الصغيرة ويرمى بها امام الطاولة والدكتور حازم يلقي بنظراته الحادة على المحتويات امامه , منها رزمة صغيرة بمغلف ابيض , دفع الفضول بالدكتور لفض المغلف الا ان يد ابن عمه منعه وكف كفه عن ملامسة المظروف وهو يحاوره من اجل ذلك دعوتك للمكتب ,
تسمر الدكتور في مكانه اذ لم يعتد هذه الحركة من ابن عمه الذي يصغره بعشر سنين على اقل تقدير واعتبرها وقاحه منه لكنه كتم غيظه وغضبه في سره بانتظار القادم من الاحوال وما سيؤول اليه حوارهما مع بعض , تم استرجاع جميع الاشياء لمحفظته ثانية باستثناء عقد الزواج النسخة الاصلية والمغلف الابيض .
بدأ ابن عمه الحديث وهو منهمك بمداعبة المغلف بين اصابع يديه حتى فضه اخيرا واخرج مجموعة من الصور كانت قد التقطت اثناء حفل زفافهما في نفس الدار . اخفى بعض الصور واظهر اخرى للدكتور طارحا اياها امامه على الطاولة التي تفصل بينهما .
التقط الدكتور الصور عاينها بسرعة ثم اعادها الى الطاولة وهو يهز بكفيه ماذا في الامر انها صور حفل زفافك لماذا تريني اياها . امعن النظر جيدا دكتور من فضلك . اعاد مشاهدة الصور ولكن ببطيء شديد هذه المرة ممعنا بشخوصها فردا فرداً . ثم اعاد كلامه مؤكدا صحة اقواله السابقة , ابتسم ابن عمه ابتسامة صفراء فيها الكثير من الشك ,
قرأ الدكتور ابتسامته ولم يتمالك نفسه هذه المرة فصرخ به ماذا دهاك لماذا تتلاعب بي من حين دخولنا المكتب ولغاية هذه اللحظة . يظهر انك نسيت مقامك امامي . نهض ابن عمه معتذرا عن سوء الفهم الذي حصل بينهما للتو فتقدم نحو الدكتور مقبلا راسه مسترضيا اياه,هدأ الدكتور قليلا وقبل اعتذاره ولكنه طالبه بشرح لما يجري الان . اخفى ابن عمه يده في احد جيوب سترته الداخلية واخرج منها حزمة من الصور . وهو يقول هذه الصور لم يراها احدا قط غيري .
لم ينتظر الدكتور ان يضع الصور على الطاولة بل التقطها من بين يده بسرعة فائقة واخذ يتطلع اليها وعلامات الدهشة والعجب بادية على محياه واخذ وجهه يتلون بجميع الوان الطيف الشمسي وكاد ان ينهار تماما ويعترف لابن عمه لما يحدث معه منذ شراء هذا البيت المسكون ولغاية لحظة جلوسهما معاً , الا ان كبريائه منعته بشدة ولا يفوت على ابن عمه التغيرات الرهيبة التي حدثت للدكتور اثناء معاينته للصور, كان الاثنان صامتان حتى شق صوت ابن عمه عباب السكون .
ما تفسيرك دكتور اخذ احد الصور بشكل عشوائي من تلك الصور التي رمى بها الدكتور وهو في حالة ذهول واستغراب للامر فاذا بها صورة لصفين من الاشخاص يتوسط الصف الاول العروسان بينما يتوسط الصف الثاني عروسان آخران ايضاُ احدهما الدكتور حازم وعروسة لم يسبق له ان رأها في الحفل وقتئذ. ومع ان الصف الثاني ظهرت صورتهم بشكل باهت كان هناك ضوء ساطع سقط عليهم اثنان التقاط عدسة الكامرة للحدث , الا ان ملابس الدكتور وبذلته البيضاء الانيقة وصورته الشخصية واضحة تماما مما لا لبس فيه ولا ادنى شك .
عبثا حاول الدكتور ان يشرح الامر فيزيائيا وكيميائيا وتداخل العوالم مع بعضمها الا ان تكرار صوره مرتين في الصورة الواحدة حير الجميع اذ انه بالصف الاول ظهر ممسكا بيد العريس من جهة اليمين باعتباره السردوج ( المرافق الرسمي للعريس) وفي الصف الثاني ظهر الدكتور ثانية يتوسط اناس لم يكونوا موجودين اصلا في الحفل لغرابة ملبسهم وزينتهم التي تنتمي لعصور سحيقة في القدم وبجانبه عروسه الغامضة.
خرج الاثنان من المكتبة وهما في غاية الانشراح .قابل كل منهم عائلته بشكل طبيعي . انتبهت زوجة الدكتور حازم , اخذت تفكر بماذا تقول لزوجها .؟ فالتفت اليها حازم وقال لها ما لي اراك تكادين ان تتكلمين ولما تخرج الحروف من فاك . ردت عليه والان بعد ان اصبحت شاعراً , وظهرت لنا وعلامات الانشراح ملء شدقيك , ولم تغضب كعادتك في كل مرة وتصب جام غضبك عليً , لماذا يا امرأة .؟ ماذا دهاك اليوم .؟ تكلميني بالالغاز تارةً وبالاشارة تارة اخرى .
زوجي العزيز لم لم تغضب هذه المرة وتصرخ وتعربد كعادتك منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت.؟ لماذا اصرخ بك وما الذي يحثني على ذلك .؟ يبدو ان امرا جلللا حدث في الداخل انستك اني لم اقدم لك طقم الشاي اللذيذ كعادتك في كل مرة عندما تدخل المكتب .؟ لقد كشفت اوراق لعبتك هذه المرة وعليك اخباري لماذا لم تغضب .؟ ما سركما انتما الاثنان اولاد العمومة .
بداهة ان يمتقع وجه الدكتور حازم ولم يحر جوابا اكراما للحاضرين . احس ابن عمه ان الامر سيتطور الى معارك كلامية ضارية وان زوجة الدكتور ليست امراءة ساذجة وبسيطة كما كان يخبره الدكتور حازم سلفاً عند لقائهما مع بعض . انسحب من الحفل الصغير معتذرا بالارهاق والتعب وانه وصل يوم امس من سفرته في اوربا وعليه ان ياخذ قسطاً من الراحة فاصطحب معه عروسه وعائلته التي حضرت معه .
تم توديع الجميع بتمثيلية فاشلة لا يحسن ادائها عائلة الدكتور حازم كونهم ناس عمليين وجادين في حياتهم ولم يتملقوا احدا قط في حياتهم لثقلهم الاجتماعي بين عشيرتيهما وبين المجتمع المحيط بهما اينما حلوا وارتحلوا في أي زمان ومكان .
عاد الجميع الى داخل الدار غادر الاولاد الى الصالة واحدهم ذهب الى غرفة نومه بينما كانا واقفين امام فناء المكتبة من الخارج فاذا بصوت ارتطام مسموع لدى الجميع كان شيئا قد سقط من على المكتب نحو الارض . طمأن الدكتور زوجته المرتعبة حيث قال لها ربما المروحة اسقطت بعض الاغراض ساطلع عليها الان . كل ما كان يخشاه الدكتور حازم ان تدخل زوجته معه وتكشف سر الصور الموضوعة على الطاولة الصغيرة وتكشف سره الدفين الذي حاول جاهدا اخفائه عنها منذ حدوثه . الا انها اعتذرت منه قائلة سوف اعوضك طقم الشاي بافضل منه ولا تؤاخذني حبيبي اذ نسيت ذلك وانت سيد العارفين كيف النساء يحببن الثرثرة اذا ما اجتمعنا مع بعض .
لم ينبس ببنت شفه مجرد ابتسامة صغيرة لو اجتمعت الانس والجن على فك طلاسمها لما افلحت بالمرة . دلف الى مكتبه وعيناه تجولان في المكان متفحصا الزوايا البعيدة والقريبة اذ كان موقنا انها حضرت من جديد بعد غياب شهرا كاملا او ما يزيد قليلا . الا ان سعيه ذهب سدى . انتبه الى الصور حيث كانت موضوعة على المكتب الكبير امام مقعده الاسود الفخم وليست على الطاولة مثلما تركها وخرج بمعية ابن عمه من المكتبة .
اخذ يتوسل اليها بالظهور بصوت خفيض , تكاد الدموع تترقرق من عينة في حالة ذل وانكسار وخشوع شابكا كفية تحت ذقنه كمن يتوسل بسيده العظيم . وهو في هذه الحالة المزرية يتكلم بهمس مسموع وعيون مغمضة وانكسار بادي للعيان فاذا بزوجته تدخل عليه حاملة طقم الشاي خاصته .
دكتور ماذا تفعل ولما هذا كله . فتح عينية ليواجه استغراب زوجته ودهشتها من تصرفاته وتوسلاته التي لم تعهدها فيه عقودا مضت . ما الذي جرى لك .؟ مسح الدكتور الدموع من وجنتيه وقال بصوت رخيم كنت ادعوا الله على تمام النعمة وكمال خلق الاولاد وان الله وهبني زوجة مستقيمة دكتورة مثلي متفهمة وضعي وجعلني امتلك هذا القصر المنيف قصر الاحلام في فترة الصبا والشباب وتحققت كل امنياتي تقريبا . حتى رق قلب الزوجة وكادت ان تبكي هي الاخرى . في الحقيقة كانت هذه اول كذبة في تاريخ حياتهما الزوج
الدكتور حازم في مكتبه يجلس وحيدا بعد منتصف الليل منتظرا ظهورها . بعد ان اعتذر من زوجته على غير عادته الا يشاركها هذه الليلة الفراش . فهو يرغب في التعبد قليلا والتضرع الى الله لاستجابة دعواته وتوسلاته . طبعا هو يقصد عشيقته الجنية , اذ بلغ عنده السيل الزبى ولم يعد قادرا على فراقها ساعة واحدة فما بالك بايام ولربما تمتد الى شهور او سنة كاملة .
جميع العلامات التي تسبق ظهورها يراها ويسمعها ولكن بدون حضورها الصفير الخفيف تقليب الاوراق من على المكتب انارة واطفاء المصباح المنضدي هبوب نسيم بارد يلامس وجنتيه . علامات التجسيم بادية له الا انها سرعان ما تتبخر في الهواء على شكل حلقات اهليليجية لا يفقه منها شيئاً . اخيرا اخذ منه التعب مأخذه فارتمى على سريره النصفي الذي اعده مسبقا في المكتب لمثل هذه الحالات كيما يزعج زوجته اذا ما شاطرها الفراش بعد منتصف الليل .
ما كادت عيني الدكتور تغمضان حتى سمع قهقهة بصوت ملائكي رخيم فتح عينية المتثاقلتين بصعوبة فاذا به يجدها منتصبة امامه وفي يدها طبق فيه ما لذ وطاب من انواع الفواكه . نهض من نومته سريعا احتضنها كالمجنون واخذ يقبلها في وجنتيها وعلى راسها ويديها بحركات جنونية لا تمت لطبيعته الاعتيادية باي صلة فاندلق طبق الفواكه على الارض متبعثرة حباته في كل الاتجاهات .
سحبها بقوة وهو يستشيط غضباً ولهفةً ووله افقدته توازنه وطار لها عقله الى سريره فارتمت بين احضانه هادئة وادعة تمسه مسا خفيفا واخيرا طبعت قبلة على شفتيه يقسم انه ما زال يشعر بحلاوتها لغاية يومنا هذا . استيقظ في الصباح الباكر على اثر الضجة في البيت لاعداد طقوس الفطور مثل صباح كل يوم ,فاذا به يجد نفسه في سرير غرفة نومه .
القى التحية الصباحية على زوجته وهو يمسح وجهه بمنشفة قد رماها على كتفيه . ردت له التحية باحسن منها . اشاح بنظره مستطلعا مستكشفا المطبخ فاذا به يجد نفس طبق الفواكه موضوع على الكاونتر قرب براد الماء . ولما استفسر عن سبب وجود هذا الطبق اجابته الم تجلبه انت يوم امس مع انك لا تحب الفواكه وقلت هذه للاولاد فيها فيتامينات ومكملات غذائية . تقرب خطوة واحدة ثم خطوتين وهو محدق بطبق الفواكه ليجده نفس الطبق الذي وهبته اياه معشوقته الاثيرية , ابتسم ابتسامة خفيفة في سره , انتبهت له زوجته فابتسمت هي الاخرى ورمقته ثانية بنظرات الشك والريبة من تصرفاته الاخيرة المجنونه .
غادر بعدها الى غرفة الطعام بانتظار الافطار وهنا كانت المفاجئة الكبرى , بعد ان ذهب الاولاد كل الى حال سبيله لم يبقى في البيت سواه وزوجته الانسية . وجد زوجته الجنية منتصبة على مقعدها بجوار مقعده . حدق فيها مليا لعله يهذي او شيء من هذا القبيل الا انها اشارت له بالسكوت ودعته للجلوس بقربها ففعل ما امرته به , دقائق قليلة فاذا بزوجته تدخل عليه بكل مستلزمات الفطور اللذيذة والشهية وضعته امامه وانصرفت لتجلب عدة الشاي وطقمه المحبب لدية .
جلس الثلاثة على مائدة الافطار متجاورين وانهمكوا في الطعام وهو يتكلم تارة مع زوجته واخرى مع عشيقته دون ان يرى احدهما الاخر , بعد هنيئة همست زوجته في اذنة لماذا تداعب فخذي من اسفل الطاولة على غير عادتك وحشمتك , الم اكفيك ليلة امس وادفء لك سريرك . اجابها وعلامات الدهشة والاستنكار بادية عليه . وهل انا قضيت الليلة الفائته في سرير نومنا .؟ بلى وهو كذلك وكنت تداعبني على غير عادتك واغتصبتني اكثر من مرة . ماذا .؟ ماذا تقولين .؟ اغتصبتك .؟ كيف ذلك ونحن متزوجون منذ اكثر من ثلاثون عاما .
نعم دكتور ان مضاجعة الزوجة دون رضاها واجبارها على ذلك قسرا يعد بالاعراف والقوانين الوضعية اغتصاباً وان كانا متزوجين رسمياً . ام نسيت اني طبيبة نسائية اعرف تماما ما هي حقوقي وواجباتي . صرخت به عاليا ما هذا الذي تفعله دكتور حازم وكان الخطاب رسمي .؟ مابك .؟ انك تلمسني في المناطق الحساسة من جسدي ما بالك .؟ ايها المراهق الكبير.
نهض حازم من فطوره وهو يقسم لها بالايمانات المغلظة انه لم يلمسها بتاتا ولم تمتد يديه لاي عضو من اعضاء جسدها رافعا كلتا يديه للاعلى ليبرهن لها انه ليس الفاعل وفي هذه اللحظة بالذات هبت الزوجة مذعورة وجرت على عجل لمغادرة مائدة الطعام . فلما استفسر منها , ما بالها وما جرى لها , قالت اقسم انك لمستني بالرغم من ان ذراعاك مروفعتان للاعلى . من لمسني .؟ من لمسني .؟ من لمسني .
بعد مشادة حامية الوطيس بين الدكتور حازم وزوجته على مائدة الافطار نهضت الزوجة مذعورة وهي تصرخ من لمسني . من لمسني . حتى غابت في داخل غرفة نومها تصرخ وتبكي بشدة . التفت الدكتور الى جنيته معاتباً . لماذا فعلت ذلك بها .؟ لنذهب الى المكتب وساخبرك . ذهبا سوية الى مكتبه فوجد صحن الفواكه مازال على الطاولة . ما هذه الفواكه اللعينة , الم تعلمين اني لا احب الفواكه بتاتاً , باستثناء التمر فهو عشقي الوحيد .
رفعت جنيته صحن الفواكه واخذت تلف وتدور حول نفسها ممسكة الصحن بيدها . واذا بها تقدمه له مملؤاً بافخر انواع التمور تلك المفضلة لدى الدكتور. فاجابها هل انتم قريبون منا؟ احابته لا نحن بعيدين جدا ولكن لنا القدرة على طي المسافات بلمح البصر. صدقها الدكتور لما كان يسمع في ما مضى من الزمان عن عادات وتقاليد وطاقات الجن المغيبة عن البشر تماما وانهم من عالم آخر لا تدركه حواسنا الخمسة .
اقتربت جنيته منه كثيرا فالتصقت بجسده كما تلتصق الزوجة بزوجها . فاح اريج عطرها في مخيلته فالهبت مشاعره وشحذت قواه , اخذت تخلع عنه ملابسه قطعة فقطعة وهو هائما حبا بها يداعب خصلات شعرها المتدلية من فوق اكتافها . عطر انفاسها وهي تلثمه بقبلة ساخنة افقدته صوابه فحلق عاليا في عالم آخر عالم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
اغمضت عينيه برفق باناملها الملساء الناعمة فاذا به يجد نفسه في بستان واسع الاطراف فيه ما لذ وطاب من الفواكه والاشجار . كان القائم على هذه الجنة الارضية مخلوق من اقبح ما يكون . سأل عنه . قالت ليس كلنا بهذا القبح , انهم اجراء يعملون عندنا . اما من يتمتع بالجمال والوسامة من قومنا فهم صنف من ارقى الانواع والاصناف الاثيرية . التف حولهم قوم كثيرون ادعوا القرابة والنسب في ما بينهم كما كانوا يسخرون بشكل مستمر من كل شيء .
قدم رجل وامراءة حاملة سيف بيدها وكانوا مرئيين بشكل جيد خلافا عن القوم الذين كانوا اقرب الى الظلال منهم الى التجسيم . قدمتهما عشيقته على انهما امها وابيها . مدت امها يدها لتصافحه ثم ضربته بالسيف جرحته جرحا غائراً فاذا بالجرح ينزف عسلا صافيا نقيا.
يا الهي .! انه عسل حقيقي ..؟؟ يا للهول ما هذا .؟ هل تحول دمي الى عسل .؟ هكذا كان يصرخ الدكتور في جنيته . اجابته امها نعم ما دمت معنا سيكون دمك عسل . اشاح الدكتور حازم وحهه باتجاه معشوقته الغير مرئية وهمس في اذنها لنذهب الى البيت لقد مللت من رؤية هذه المخلوقات الغريبة التي توفد علينا لتبارك لنا زواجنا في عالم مجهول وغريب مخلوقات شبة بشرية ومنها مركبة بين البشر والحيوان ناهيك عن المخلوقات الحيوانية الخرافية التي كنا نسمع عنها في حكايات جدتي من اساطير الاولين وخرافاتهم .
بعد ان اخذ الرعب مأخذه منه وهو يشاهد هذه المخلوقات الغريبة والعجيبة والمرعبة بشكل لم يسبق له ان رأها او حتي سمع بها . صفقت جنيته بيدها فتحول الجميع الى مخلوقات جميلة غاية في الهدوء والوداعة وكان به يعرفهم سابقا في حياة اخرى . اطمأن قلبه بعض الشي . اخذ يتوسل بها ليعودا معا الى البيت المسكون . الا انها ضحكت بشدة وقالت له انت زوجي الان ولا يمكنك الانتقال الى عالمك ستبقى معي ونحيا ونحب معا والى الابد. اجابها الدكتور . كيف وانا مرتبط بغيرك . انا لا رغبة لي بالبقاء معك الى الابد وترك عائلتي التي افنيت عمري في الحفاظ عليها . انا لا يمكنني هدم هذه الاسرة بعد هذا الجهد والوقت المضني . هذه كانت عبارات الدكتور وهو يخاطب جنونه .
عدلت عن فكرتها وارجعته الى بيته بعد ان طلبت الصفح منه فوافقها بشرط الرجوع الى عالمه . وما هي الا لحظات كلمح في البصر فاذا به يجد نفسه مرميا في مكتبه على الارض تعلوه معشوقته الغير مرئية وهي تهمس في اذنه اعذب كلمات الحب والوله اضافة الى انها كانت عارية تماما على غير عادتها ورأى منها العجب العجاب من فنون المداعبة والعلاقات الحميمية . اخذ يتقلبان فوق بعضهما البعض على ارضية المكتب .
هنا حدثت المفاجئة اذ دخلت عليه زوجته ومعها طبيب العائلة بصحبة اثنان من المساعدين يرتدون الملاءات البيضاء وكان الوقت عصراً فوجدوه على هذه الحالة يتقلب على ارضية مكتبه كالمصروع حيث كانوا يروه فقط ولا يرون جنيته . القوا عليه قميصا ابيضا فضفاضا كبلوا فيه يديه الى الخلف واصطحبوه خارجا حيث سيارة الاسعاف كانت تنتظره . رحل معهم دون مقاومه وهو يمط بشفتيه كمن يقبل احدا في الهواء ويداعب جسده بذراعيه كالشواذ .
رافقته زوجته في سيارة الاسعاف بصحبة طبيب العائلة . التفت الطبيب نحوها . الم اقل لك ان هذا البيت ليس مسكونا اطلاقاً وليس فيه جن وعفاريت كما كان يدعي زوجك وجيرانكم الذين تقبلوا هواجس زوجك على مضض واخذوا يرددون كلامه بين الجميع كالببغاء
عزيزتي ان زوجك هو المسكون بالجن والعفاريت .
النهاية ....... وللقصة تتمة في الجزء الثاني من مسلسل الدكتور حازم وجنونه المرئي.
شكرا لانتصاتكم تابعونا في الجزء القادم .. القادماجمب باذن الله تعالى ...
وقف الدكتور حازم مكتوف الايدي الى الخلف ملفوف في صدرية بيضاء طويلة الاكمام امام مدير مشفى الامراض العقلية في مكتبه. ما ان انهى المدير قراءة مذكرة استلامه ووقع عليها حتى غادر الجميع المكتب واتجهوا به الى احد غرف المشفى بصحبة المدير . الممر طويل بعض الشيء يقارب الخمسون مترا طولاً واربعة امتار عرضاً , رصفت على جوانبه غرف المرضى بابواب حديدية مشبكة وفتحات صغيرة في الجدران لتقديم الطعام والشراب.
استوقفه منظرا له العجب العجاب اذ رأى احد الغرف فيها عشر أسرًة فارغة ومريض واحد فقط يجثم على احدها وهو ينتفض بشدة بين الحين والآخر مستلقيا على ظهره رافعا يديه وارجله الى الاعلى والاسفل بتكرار هذه الحركات عدة مرات متتالية . فاخبر المدير المرافق , ما هذا .؟ رد عليه مريض مثله مثلك وانه على هذه الحالة منذ عشر سنوات مصاب بنوع من انواع الصرع تأتيه كل خمس او ست ساعات .
التفت الدكتور حازم اليه قال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك . مر ايضا على غرفة اخرى ورأى فيها اكثر من ثلاثين شخصا وقوفا وهم في احوال شتى منهم من يغني وآخر يرقص وثالث يؤذن للصلاة والاخر يكبر . وآخر يلقي خطبته بصوت مسموع اقرب الى الصراخ منه الى الكلام العادي يتفوه بكلام مبهم وغامض بسبب خرسه لانه ابكم . باستثناء ثلاثة منهم جالسون مربوطي الايد ي والارجل على مقاعدهم . ولما استعلم عنهم اخبره المدير ان هولاء نحن نربطهم من الصباح حتى المساء فهم شريرون ومؤذون يكسرون الشبابيك والمراوح وكل شيء يقع امامهم .
لما رأى مدير مشفى الامراض العقلية اسئلة الدكتور حازم واجوبته الذكية ومعلوماته الثرة , امر مرافقيه ان يفكوا وثاقه وان يتركوه معه لوحدهم وتم له ما اراد .اخذا يتحاوران مع بعضها رواحا ومجيئا في الممر الطويل فاذا بمدير المشفى يرى ان الذي امامه رجل عبقري عاقل تماما له المام واطلاع واسع حول جميع العلوم المعرفية المادية منها والروحية بشكل ملفت للنظر.
اصطحبه ثانية الى مكتبه للتاكد من حالته النفسية واجراء بعض التجارب عليه دون علما منه ليتبين امره ولماذا جيء به الى هنا.؟ اثناء عودتهم الى المكتب مخترقين الممر الطويل اذ نادى عليه احد النزلاء باسمه .. دكتور حازم .. دكتور حازم .. اندهش المدير بعض الشيء فالتفت للدكتور وقال له هل تعرفه .؟ اجابه بالنفي .
فاردف النزيل صارخا به باعلى صوته انا الدكتور صبري صبار الذي ناقشت اطروحته في الدكتوراه ومنحتني درجة عالية بامتياز الا تذكر هذا الاسم صبري صبار .. صبري صبار . تذكر الاسم . بروفيسور حازم من فضلك لم يصدقني احد وجيء بي الى هنا بمؤامرة خسيسة من قبل عمادة الكلية . اكد مدير المشفى سؤاله ثانية ما اذا كان يعرفه ام لا , لم يحري الدكتور حازم جواباً , بل اطلق زفيراً حاداً فيه الكثير من الحسرات والعبرات . حتى استويا الاثنان على مقعديهما في المكتب .
كان النقاش بينهما يحتدم تارة ويهدأ اخرى باسلوب الطبيب النفسي المتمرس ليستشف من اجوبة الدكتور ما اذا كان سليم العقل او ان هناك امرا ما مخفي سبب قدومه الى هذه المشفى ما هو يا ترى .؟ تحير المدير فيه ورأى ان حازم هذا الذي جالساً قبالته في المكتب اعقل منه واعلم منه باشواط لا يمكن طيها او اللحاق بها. ضغط بيدة على زر صغير موضوع فوق منضدة المكتب فاذا باحد الحراس ياتية مهرولا . طلب منه ان يجلب لهما طعام الغداء المخصص للادارة ,
امتقع وجه الدكتور حازم واردفه قائلا ماذا .؟ طعام الغداء في هذه المشفى .!! وعلامات التعجب والاستهجان بادية عليه . ابتسم مدير المشفى ببطيء شديد وقال له لا عليك اليوم انت ضيفي وسنتناول الطعام في بيتي القريب نسبيا من المشفى . ما رأيك دكتور حازم . انتبه حازم لاسلوب المخاطبة الجديد وعلم ان فكرة كونه مجنون استبعدت تماما من عقل مدير المشفى , والدليل انه سوف يصطحبه الى بيته لتناول طعام الغداء مع اسرته .
في اقل من ساعة واحدة رتب مدير المشفى امره باصدار التوجيهات اللازمة لجميع اقسام المشفى بعد ان اجتمع بمديري الفروع والاقسام كافة . امسك بكف الدكتور حازم لينهضه من كرسيه وسارا معا حتى كراج المشفى وانطلقا سريعا . ترجل المدير من سيارته وهو يركنها في كراجه المختص لوقوفه كل يوم . ترك دكتور حازم في السيارة ودخل الدار من باب المطبخ . قابل زوجته واخبرها عن ضيفه الجديد الذي ما زال قابعا بسيارته في كراج البيت.
بدت علامات الخيبة والكأبة تظهر على وجه زوجته وهي تعاتبه . اما يكفيني تزوجت بمجنون مثلك حتى تأتي بمرضاك من المجانين الى بيتي . الم تعاهدني انك سوف لن تجلب احدا ثانية الى بيتنا . هذا البيت له قدسية وحرم ليس على كل من هب ودب دخوله. مع ان شخصية مدير المشفى قوية جدا وصارمه الا انه انهار امام وعيد زوجته وتهديداتها .
ادخل المدير ضيفه الى الصالة وجلسا مباشرة الى منضدة الطعام وتصدر كل منهما المكان . جاء ولدان يافعان وبنت شابة جلسا ايضاً على المائدة بعد ان توزع عليها طعام الغداء بشكل جميل وبتنسيق لطيف . اخذ الدكتور يجلب ويبعد عنه بعض الصحون حتى قدم لنفسه ما يرغبه ويشتهيه . الكل بانتظار ربة البيت ليبدؤا بالطعام . لحظات صمت رهيب صاحب دخولها وما ان القت نظرة على ضيفها حتى وقع من يدها صحن الفاكهة وتبعثر في الصالة وهي خامشة وجنتيها بكلتا يديها.
طارق فتحي
هرع بكل ما يمتلك من قوة وطاقة كبيرة للامساك بالشبح الذي رأى سطوع نوره من على صحن السلم العلوي وهو يصرخ امسكت بك.. امسكت بك . فاذا بالنور يتوهج ثانيةً بسطوع حاد كاد ان يعمي بصره متجهاً صوب احد الغرف العلوية فتبعه الدكتور حازم دخل الغرفة خلفه مباشرةً وهو يسحب انفاسه بتثاقل ويجتر لهاثه بصعوبة . فاذا به لم يرى شيئا البتة . خرج من فوره بعد ان اطفأ مصباح الغرفة . عندها انارت مصابيح جميع الغرف العلوية .
جلس القرفصاء بين بابين من غرف النوم ليرتاح قليلاً , ماذا عساه ان يفعل الان .؟ ما ان استراح هنيئة حتى اخذ يطفيء مصابيح الغرف الواحدة تلوه الاخرى , جلب انتباهه ان احد الغرف قد تم العبث بها بشكل جنوني لا يصدق . الملابس منتشرة على الارضية بشكل عشوائي والكرسي مع المكتب الصغير قد انقلب جانباً والاثاث مبعثر كأنها معركة حامية الوطيس حدثت قبل قليل .
استغرب الامر , لم لم يسمع اصوات تبعثر الاثاث بهذا الشكل الجنوني .؟ من انار مصابيح الغرف العلوية .؟ هل حقا اصبح يهلوس من جديد .؟ وما السبب .؟ اتكون الوحدة القاتلة .؟ ام حكايات جدتي التي ما برحت تغادر عقله .؟ وغيرها من قصص سبق له ان سمعها ، و ربطها مع ما يُحكى و يقال عن هذه الدار و ما فيها من أرواح و جن و ملائكة ، و رؤية ابنته للشبح ، و ما سبق ذلك من توالي موت الحيوانات . لابد ان يكون مَلَكاً صالحاً لِما سبق ان بدرت منه كرائحة البخور و الشاي و النسمة الباردة و الرائحة الزكيّة ، إذن لابد من حصول حالة من الاتصال بهذه الروح الخيّرة ، وما ان هبط بعض الدرجات حتى عاد وصعد ثانية الى الاعلى بين التوجّس والخوف مرة ، و رغبة في مصاحبة هذه الروح الخيّرة أخرى. مرة
سمع همسا خفيفاً يطرق سمعه لم يتبين ماهيته جيداً , ما لبت ان سمع صراخاً عنيفا بلغة لم يفهمها , كأن اشخاصاً كثيرين في حالة من الصراع والهرج والمرج , بعدها اعقبتها قهقهات عالية ثم نواح وبكاء وعويل يصم الآذان . كأن الطابق العلوي اصبح مرتعا خصباً وسوق رائجة للاشباح او الجن او حتى الشياطين .
قدم خطوة وأخر أخرى خوفاً و رهبة ورغبة في حصول حالة من المعرفة الخارجة عن المألوف ، تقدّم ، فوجد الغرف العلوية مضاءة من جديد وبفعل فاعل بعد ان كانت مظلمة ، فتح باب الغرفة فلم يرى شيئاً ، لكن وجد الفوضى و الارتباك في تنظيم هذه الغرف على غير المألوف بأسثناء رائحة غريبة تعبق في الغرف، كالرائحة الزكية التي دخلت الصالة قبل حين من الزمن .
دخل الى الغرفة المبعثر اثاثها وهو يقول في سره يجب ان انتهز هذه الصدفة لاكلم اشباحي او الارواح التي اخذت تطاردني منذ ثلاث ليالي مضت . فاستدعاها بقوله ( ايتها الارواح الطاهره العلوية المشعشعة النورانية اقسمت عليكم بالحضور , احضروا .. احضروا.. احضروا.. وان كنتم من الارواح الشريرة , فانصرفوا .. انصرفو.. انصرفوا ..) . فتح عينيه عند انتهائه من الاقسام وعزيمة حضور وطرد الارواح فاذا به يفاجأ ان جميع اثاث الغرفة رتبت بعناية كان شيئا لم يكن .
توسل الدكتور حازم كثيراً بالارواح كي تكلمه حتى يتمكن من رفع تلك اللعنة عن بيته المسكون دون جوى وعلى مر ساعات الليل الطويلة وهو يقسم عليهم تارة ويعزم بايات قرآنية تارة اخرى ويوكل بالاملاك الصالحة دون جدوى. وبعد ان احتدم الامر عنده اخذ يخاطب اشباحه بتوتر وعصبيه بادية للعيان واخذ يزجرهم زجرا عنيفا ويهددهم وتوعدهم بحرقه جميع من يسكن منهم في هذه الدار الملعونة , وهو في سره خائفاً وجلاً مرتعباً بشكل رهيب لم يسبق له ان مر بهكذا موقف مخيف ومرعب في نفس الوقت . كل ما كان يخشاه ان تلبى دعوته وان يظهر له احدهم ترى كيف ستكون هيئته .؟ وكيف سيتشكل له باي صورة يا ترى.
ولما استنفذ كل قوته وطاقته بعد ان غلبه النعاس هبط درجات السلم بتثاقل غريب وتوجه نحو الصالة وكالعادة رأى التلفاز في حالة التشغيل والعين السحرية مطفأة . ومصابيح المطبخ تنور وتنطفي من تلقاء نفسها وهمسات تعلوا تارة وتخفت تارة اخرى مع صراخ وعويل ودربكة عظيمة تحدث في الاعلى . سار على قدمية المتثاقلتين وهو لا يبالي بكل هذه الخوارق والعجائب تلك التي تعود على حدوثها آلفته وأأتلف معها . مطرق الرأٍس باتجاه غرفه نومه وهو يهز راسه يميناً وشمالاً مصفقا كفيه على بعضهما وابتسامة عريضة ترتسم على محياه , وضع رأسه على الوسادة فانتقل الى عالم آخر , عالم ما وراء الطبيعة بشيء من الفنتازيا الرائعة والصور البوهيمية الغامضة . آخر ما وقعت عيناه قبل اغماضهما على عبارة مكتوبة في ورقة صغيرة خطت بقلم عريض وجدها فوق التلفاز مذكور فيها ( سأعود مرة أخرى ) .؟
هذا ما توقفنا عنده في سرد حكاية الدكتور حازم في جزئها الاول, انتظرونا للمزيد من حكاياته في الجزء الثاني . علما ان الدكتور مازال يعيش بين ظهرانينا حياً يرزق ولم يغادر بيته المسكون منذ ثلاثين عاماً مضت .
بينما نحن والقراء منغمسون في قراءة الجزء الاول من قصة الدكتور حازم . بعث الينا الجزء الثاني من قصته التي اسماها ( حلم لم يتحقق ) اترككم احبتي لمتابعته من لسانه حيث يقول :
حلم لم يتحقق
بما اني أعيش لوحدي بسبب زواج بناتي و ولدي الكبير و سفر ابني الصغير خارج العراق و ذهاب زوجتي لتعيش مع إبنها المتزوج لمدة غير محددة ، فلابد ان أتخيل الكثير من الامور الخارجة عن المألوف ، و أغلبها تدور حول الجن او الملائكة . من هذه الامور هي اني كنت لم أصدق ما أسمع من حركات و أصوات رقيقة ،
اليوم بدا لي الصوت واضحاً ، ان هناك من تناديني باسمي الصريح لكن بصوت خافت ، عندها تحققت إني المَعْنِي ، فذهبت حيث مصدر الصوت ، فلم أجد شيئاً ، بل صرت ألُوم نفسي بأني كبرت بالعمر و صرت أخرّف في كثير من الامور وهذه الحالة قد بدأت الان . فلم أعِرْ الامر أهمية .
تكرر الصوت بدعوتي للقائها بصوت رقيق ، ذهبت مرة أخرى ، فلم أجد شيئاً حينها عدت الى مكاني السابق ، تكرر الصوت بإلحاح ، صدرت عني كلمات غاضبة مفتعله مع الخوف الشديد من المجهول (إني سوف لم ألبي دعوتكِ مهما كنت) ، فإذا رغبتي باللقاء تعالي انت الى حيث أنا ، فانقطع الصوت لتصوري انه خيال ، ثم توجهت الى فراش نومي لتأخري لساعة متأخرة من تلك الليلة الرهيبة.
هناك وجدت الفراش منتظماً ومرتباً فخلدت الى النوم ، ثم أحسست أن هناك من يعمل على إيقاضي ، رغم عدم وجود أحد معي في الدار ، اصبحت أخاطب نفسي ، في اني قد اشتريت هذه الدار الملعونة رغم اني سمعت عنها انها مسكونة منذ أكثر من 30 ثلاثين سنة ، و لم يحصل أي شيء سوى بعض الوفيات للبلبل و الدجاجات و الخروف و أخيراً الوالدة ، فانقطع كل شيء بعد ذلك ،
هل حصل الحنين من قبل هذه الارواح بعد مرور هذه السنوات الطِوال ؟ نعم ربما ما يحصل هو حقيقة لم أكن أهتم لها طيلة هذه السنوات – ربما – كانت موجودة لكن لم أهتم لها لكثرة انشغالاتي ، قلت بصوت عالٍ أخاطب الهواء او لمن أعتقده سيفهم ما أقول : إذهب عني بعيداً فلست كما تظن او تظنين ، فهل انتَ او انتي او مهما كنتم ، لا أرغب بكم .
كان صوتاً انثوياً رقيقاً ينساب قريباً مني ، فعرفت انها انثى ، إنزوت خوفاً و رعباً مني في طرف السرير ، سمعت ضحكة دافئة تخترق آذني ، قلت : لم أستجب مهما كنت . فَعَلَت الضحكة رنيناً بصوت هامس ( لا تخف فانا إخترت ان أكون معك طيلة الحياة ) انا لا أرغب بمن لا أعرفها مهما تكونين ، ربما غداً ستتغيرين و تنقلبين عليَّ ، صدرت الضحكة مع ذاتها(انت واهم ، و خائف ، لأنك لم تراني ) نعم هو كذلك انا لا أريد التواصل مع من لا أعرفها او أراها ، فظهرت لي غزالة رائعة ،
استدركت نفسي فخاطبتها : كفاكَ يا دكتور تخريفاً ، انها لا تعدو خيالات من مخرِّف . فلقد كانت الضحكة الرقيقة قد عادت من الغزالة ، ( ألَم ترى غزالة بحياتك ؟ ) قلت حتى لو رأيتُ غيركِ لم أستجب . فتحولت الغزالة الى فتاة لا يزيد عمرها عن ال 30 عاماً ، و للحقيقة أقول : بأني قد هويتها رغم رعبي الذي أعيشه حينها ، لكن لم أرتاح لهذه المخلوقة من غير البشر ، قلت : هل لي ان أعرف اسمك و من هو أبوكِ و أهلكِ ، و لماذا أنتي معي الان ؟ أتمنى ان تبتعدي عني ، فلست أهواكِ . فكان الصوت الرخيم قد عاود مع صوت الضحكة التي أرغبها حقاً .
قالت انا لست من البشر فأنا من غير قومك ، لماذا أنت مُتعب و تشعر بانك لوحدك ، انا معك منذ أكثر من 30 ثلاثين عاما أخاطبك لكن لم تهتم لي و لم ترد ؟ الحقيقة تحيَّرت بالجواب ، لخوفي الشديد الذي إعتراني . فضلاً عن اني لم أفكر بها و لم أشعر بها أبداً ، اليوم أراها و أسمعها و أعرف انها ليست من البشر فكيف سأتصرف معها ؟ لم تتركني أتمادى فيما أشعر ، بل وصلني صوتها و هي تقول (ما بالك انا صحيح لست من البشر لكني أعرف لغتك و أعرف أهلك كلهم).
اليوم أنتَ لوحدك ، و لأول مرة في حياتك ، لذلك اخذت أتحدث معك ، فهل ترغب ان نذهب من هنا الى حيثُ أسكن ؟ قلت : لا ... كيف لي ان أترك بيتي الى مكان لا أعرفه و لم أزوره سابقاً ؟ كيف سألتقي أقواماً لم يسبق لي ان رأيتهم ؟ فأنتم مخيفون لي مهما تكونوا . ثم كيف لي أن أصاحبك فأنتي لست لي زوجة ؟ قالت : ليس صعباً ما تقول فكل شيء قد رتبته من مدة طويلة . و اليوم سيكون . و لست أدري لماذا
هذا التَّمَنّع قد صدر مني تجاه هذه الفتاة غير البشرية ؟
قالت : لعلك تخافني و تخاف قومي ، لكن لا تهتم لكل شيء ، و لك الحق الان فقط ، لكن بعد اللقاء سارتاح صرفتها بعد ان عرفت منها الكيفية ، و لم أعرف كيفية استدعائها ثانية ،رغم من خوفي الذي ما زال مسيطراً عليَّ لكني صرت أهواها ان تكون قربي دائماً بدل الوحدة التي انا أعيشها .
لكنها بَدَّدَت كل ما فكرت به بقولها : سأعود مرة اخرى
مرت الاسابيع والشهور بطيئة نسي فيها امر اشباحه . مارس خلالها حياة طبيعية لا يكتنفها الغموض او التكلم مع الارواح , باستثناء طيف روح هذه الفتاة الهائمة التي تجسدت له لبضع ثواني بصورتها البشرية . تمنى من كل قلبه ان تعود الى محاورته مرة اخرى لما شعر به من متعة كبيرة في الامر ومن انه متميزاً كثيرا عن اقرانه من الاصدقاء والخلان.
بينما هو على هذا الحال من التفكر والتدبر سمع صوتها بوضوح فابتسم في سره وهو جالس في مكتبه اطفأ الانارة القوية وابقى على مصباح صغير فوق منضدته الفاخرة المطعمة بالفسيفساء والمزينة بقطع العاج الجميلة .
شعر بخوف شديد وهو يتمتم في سره ان يكون ظهورها بهيئة بشرية لانه يخاف الاشكال المجهولة ويعدها مخيفة لا يطيق استيعاب وجودها او رؤيتها. فلما ظهرت له كطيف بشري هدأ باله واستوى جيدا في جلسته . اخذ يحاورها ليتعرف عليها اكثر فاكثر . كلمها بادب مبالغاً به, من انت من فضلك .؟ لماذا اخترتني انا بالذات دوناً عن العالمين؟ فكان الرد صاعقاً ومخيفاً , انا زوجتك منذ ثلاثين عاما . الم تذكر. . لعبنا..مرحنا.. حبنا العفوي الطفولي منذ ان كنت شاباً يافعاً. اليوم بعد ان انجبت منك خمسة اولاد ثلاثة ذكور واثنان بنات من اجمل ما خلق الله .تسألني هذه الاسئلة الباهته.
انا لا اتذكر كل هذا الذي تقولينه باستثناء الاولاد فانهم كما وصفت تماما بالهيئة والاسماء. ايكون اولادي اشباحاً متجسدين في الهيئات البشرية , مع انهم لا يملكون اية قوة خارقة تميزهم عن الاخرين, اجابته بلى تتذكر وانا الان اقراء افكارك عندما كنت مراهقا نزقاً اغتصبتني برضا وقبول مني لاني كنت اهيم بك بشكل جنوني في مقبرة وادي السلام تحت احد اقبية القبور قبيل المغرب بقليل , حينها اقسمت لي ان تتزوجني لاصلاح خطأك الشنيع وفعلا تم القران في دار ابيك , شخصت له المكان والزمان وسماء المدعوين من الرجال والنساء.
اطرق الدكتور حازم مليا متذكرا ايام عرسه وكل ما قالته له صحيح باستثناء حادثة الاغتصاب كونه كان على خلق وتربية حسنة مما يستحيل معها قيامه بهذا العمل الفظيع, نعم كل ما تفوهت به صحيح الا ان ذاك كان زواجه الحقيقي من زوجته الحقيقية اخذته حالة من التلبس لم يعهدها سابقا في نفسه . تصلبت اعضاء جسده وتخشب على مقعده .
كيف علمت بما افكر ؟ انك تجيبين على اسئلتي دون سؤالك, الم اقل لك سابقاً اني اقرأ افكارك واعلم بما تفكر به . انت الان تفكر بي وترغب بالاجتماع معي ولكنك خائف من ان اتركك ثانية كما فعلت خلال السنين الثلاثين الماضية, ها انا الان امامك وقد قرر قومي الاتصال بك وكذلك عائلتي فقرروا جميعاً انك تناسبني وهذا سبب حضوري هذه الليلة .
لا تنسى انك ابديت رغبتك بي من سنين طويلة امام المجلس المحلي للقوم . بعدها اخذت على عاتقي حمايتك من كل ما يوذيك في صباك وشبابك والى الآن . اتذكر.؟ الحادثة الفلانية تلك التي اخذت تتذرع بها الى الله ان ينجيك منها ويخرجك بسلام او باقل الاضرار على اكثر تقدير . نعم اقسم بالله اتذكر هذا الامر وقد زال ببركة دعائي وتذرعي الى الله .
دعائك وتذرعك الى الله.. قهقه خفيفة .؟ ما علينا , المهم انا وقومي انقذناك وباعترافك انت الان, اخذت بعدها تسرد له المواقف المحرجة والمشاكل التي وقع فيها , منها ما كاد يفقد حياته بسببها . فاستعرضت له شريط حياته لثلاثين عاما خلت. كان الدكتور مستمع جيد ولم يكذب أي حادثة ذكرتها وهو في حالة ذهول وتعجب رهيبين. يا الهي : ان كل ما ذكرته صحيح , يا الهي من تكون هذه. على الاخص اجتماعه في المجلس المحلي الذي اخذ يتوعدهم بظهور الحق وكانوا غير راضين عنه بالمرة فقرروا الانتقام منه وتخويفه بوضع قنبلة صوتية في فناء منزله مع مضروف ابيض يحوي بقايا اطلاقة نارية فقط دون كلمات وكان المقرر ان تمر من فوق القنبلة بحسب الخطة الا اني قمت بتعطيل سيارتك ,
قبل الوصول الى المنزل بمدة مناسبة كي تنفجر القنبلة دون احداث اضرارا لا بالمنزل ولا بعائلتك التي هي اصلا عائلتي . كان هذا آخر الكلام التي تفوهت بها شبح او روح او قرين الدكتور حازم . الحق اقول لكم انه كان مستمعاً جيداً, بعدها وقبل ظهور الفجر الصادق ودعته بطبع قبلة على جبينه وهو جاثم في مقعده لا يحسن الحركة مكفهر الوجه شديد القسمات تائه الفكر غائر العينين . سمع قهقه خفيفة اعقبتها عبارتها المعهودة ( ساعود مرة اخرى )
مرت الايام ثقيلة والدكتور حازم يهنأ في بيته المسكون بعيشة راضية والهدوء الذي يسبق العاصفة ضاربا بجناحيه على الزوجة والاولاد . تمنى فيها عودة اشباحه للتحدث معهم مع انه كثيرا ما كان يستدعيهم بعد منتصف الليل دون جدوى . ان العوالم الخفية والكائنات المجهولة تستهويه لحد النخاع . التقط خرطوم المياه ليسقي وروده وازهاره قبل مغيب الشمس بقليل . فاذا به يرى تشكلات بشرية تخرج من رذاذ الماء المتطاير في المكان .
طرق سمعه قهقهة خفيفة بالكاد التقطها فعلم انها هي عادت مرة اخرى . رفع يديه لتحية رذاذا الماء وبدأ الحديث معها وزوجته تراقبه من نافذة المطبخ المطلة على الحديقة لم تنبهه زوجته بل اخذت تراقبه بحذر بعد ما ان تركت ما في ايديها من اعمال منزلية . مع من يتكلم الدكتور ؟ القت نظرها قدر المستطاع من جميع الزوايا لترى مساحة اكبر من الحديقة عل شيئاً ما جاثم في ركن قصي لا تتمكن من رؤيته من خلال النافذة .
ها قد عدت ثانية . اذهبي الان ولنلتقي بعد منتف الليل اشتقت اليك كثيراً , لماذا هذا الغياب الطويل اصبحت امقت هذه اللعبة مع انني اخذت اشعر بالارتياح لكلامك الصادق والمعسول . لم اعد اخافك مطلقاً, فقط ادعائك بانك تحمينني ,هذا ما انا ضجر منه ولا يعجبني البتة , تنسبين كل ما اقوم به اليك . قهقهة عالية وصراخ دون مبرر مما جعلت الدكتور يتلفت يمينا وشمالا لعل احد لم يسمعها او يراها مثله وعلى الاخص زوجته , لظهورها غير العادي هذه المرة.
هل تنكر انك ابلغت اعمامك .؟ فعددت له اسماء الاعمام وعناوينهم واحدا تلوه الاخر؟ فاصبحت محميا من قبل ابناء عمومتك وعشيرتك . عندها اصبحت اتابع حياتك لحين تقديم استقالتك والتفرغ للعمل في الجامعة . حينها شعرت بالراحة لابتعادك عن المجلس المحلي ولم تعد تشارك هولاء القتلة اهوائهم وفتنهم واجرامهم . حاولت كثيرا ان اجعل منك انسان غير مرئي تختفي وقت ما تشاء وتظهر نفسك وقت ما تشاء الا اني لم افلح في ذلك وهذا محال طبعا في بني جنسكم انتم البشر المرئيين . ان دهشتكم واستغرابك بالماورائيات مما تعدوه انتم البشر من المسلمات التي لم يجد لها العلم الحديث تفسيرا هي امور عادية تجري لنا يوميا نحن الجنس الغير مرئي من قبلكم .
لانكم تؤمنون بما تلمسونه فقط . فقد فاتكم الكثير للانتفاع به وان اعتمادكم على حواسكم الخمسة ما ظهر منها وما بطن لن يكفي لتفسير الامور الجسام التي تحدث في العالمين . خذ مثلا حضرتك الدكتور حازم رجل جامعي مرموق مثقف بشكل لائق متفوق على اقرانه وجلسائه متزوج وله اولاد منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت . علاقته الزوجية ناجحة يحب اولاده ويحبوه يتودد له اهل عشيرته وعشيرة اهل زوجته وجه اجتماعي مرموق في منطقته يشار اليه بالبنان .
قاطعها الدكتور بقوله , ما الحل .؟ ماذا تريدين مني الان .؟ ردت عليه ليس لي الا ما تريده انت , انا طوع امرك في كل حين , ولك ان تفكر بما تريد , وانا بانتظار قرارك الاخير او على الاقل ما تتوصل اليه , ارتعب الدكتور كثيرا اذ انه راى بعقله وبصيرته امرا جلل سيحدث بعد هذه المحاورة بينه وبين جنونه العقلي المؤقت , وبينما هو متفكر بالامر وبماذا يرد اذ سمعها تقول ( ساعود مرة اخرى )
حصل للدكتور حالة من الوجد والخوف المشوب برعب كبير قادم لا محاله . ولكنه لم يستطيع استنباط هذا الشيء او معرفة ماهيته . وبينما هو مستغرق بالكلية في شعب الافكار العقلية لا النقلية . فاذا به يسمع قهقهاتها من بعيد وكلما اقترب صوت ضحكاتها كلما ازداد رعبا على غير عادته معها عندما يحاورها . هل فكرت بما تريد ؟ اني اقرأ افكارك انك ترغب بالاقتران بي . وانا لا مانع لدي بشرط ان تكون حفلة زفافي في هذا البيت السعيد .
صرخ بها الدكتور بانفعال وعصبية شديدة , البيت السعيد .! انها اجمل نكته سمعتها في حياتي . اقسم بانك لا تفكر بي ولا تحبني ولا تريد الاقتران بي . فساتركك والى الابد ولن اؤذيك او احد افراد عائلتك . فقط اقسم لي اني مخطئة . حاول الرد عليها فورا حال اكمال جملتها الاخيرة , ولكن تلعثم وتغيرت سحنة وجهه مع ان شفاهه تتحرك كمن يلقي خطابا الا ان صوته المكتوم لم يصل حتى لسماع اذنيه .
عندها احس بفشله في الرد وصواب قولها بما كان يتمنى في قرارة نفسه واعترف لها بكل حرف قالته انه صحيح ولا يستطيع ان يكذب عليها لانها تقرأ افكاره بكل بساطة . تم الاتفاق بينهما على الزواج من بعضهما ليتخلص الدكتور حازم من كوابيسه التي تؤرقه ليلاً . اشترطت عليه ان يجد اللحظة المناسبة لاستدعاء قومه وعشيرته المقربين وهي كذلك سوف تخبر قبيلتها وتستدعيهم .
اقنعته ان لا احد يرى شيئا سواه وسيكون الحفل عاديا ولن يعرف الحاضرون من الانس ما يحصل بينهما وعليه ان يتحمل رؤية قبيلتها بدون ان تبدوا عليه علامات الخوف والرعب لئلا يكتشف امره من قبل اهله فيصبح منبوذا من كلا الطرفين . ربما هذه المرة سيصاب بنوع من الجنون او الوسواس القسري وهذا ما لا يحمد عقباه لشخصية محترمة مثل شخصية الدكتور حازم .
مرت الايام سريعا لحقتها الاسابيع وما من مناسبة لعمل حفل كبير في بيته الفاره . حتى قدم ابن عم له يعمل حديثا في بغداد . اخبره انه يروم الزواج قريبا ويا حبذا لو يكون الحفل في بيته , بالرغم من اصطناع الدكتور التفكير مع بعض الممانعة البسيطة امام توسلات ابن عمه الذي يصغره بعشر سنوات وافق على الامر وتم تحديد يوم معين لحضور الاحتفال الذي سوف يقتصر على اولاد العمومة والاهل حصراً وعلى هذا اتفق الطرفان. امتلات الصالتين الكبيرة والصغيرة بالمدعوين والزينة تعج بالمكان والموسيقى تصدح باعذب الالحان وتوسط صدر الصالة كرسيين نصبا على منصة مرتفعة بعض الشيء. احدهما للعروس والاخر للعريس .
عم الصخب المكان والناس مختلطين مع بعض وصحون الطعام تجري على قدم وساق بين المطبخ والصالة والموسيقى تصدح كان حفلا بهيجا الكل فيه بين مبتسم وبين من يطلق العنان لقهقهاته حتى يسمعها الجميع والفرحة بادية على العروسين . الشخص الوحيد الذي لم يتكلم او يبتسم او يتحدث مع الاخرين هو الدكتور حازم شارد الفكر باحثا بعينه الفاحصة الحضور واحدا تلوه الاخر مما جلب انتباهه زوجته التي كانت تراقبه عن كثب .
ما بك عزيزي الدكتور ارى انك مرتبكا جدا على غير عادتك هل تشكو من علة او مرض , نادى عليه العريس لالتقاط بعض الصور التذكارية باعتباره ( سردوج) العريس . فانقذه من هذا الموقف المحرج اذ استطاع ان يتملص من زوجته ام اولاده باتجاه العروسين ليقف خلفهما حتى تمكن الجميع من التقاط صور تذكارية مع العروسين . انتهت الحفلة بسلام في ساعة متاخرة من الليل . واتجه كل من المدعوين الى سياراتهم المركونة على الرصيف المجاور والمقابل للبيت المسكون .
البيت المسكون 4
طارق فتحي
حلم لم يتحقق
مر شهر العسل سريعا وعاد ابن عمه وعروسه من الخارج , تمت دعوتهما من قبل الدكتور حازم على وليمة عشاء في اليوم التالي بعد استراحتهم من السفر . تم تلبية طلبه من قبل العروسين لتفضله عليهما في يوم زفافهما استحياءا منه . اجتمعت العائلتين في صالة استقبال ذلك البيت الملعون اخذت النسوة كعادتهن يطنبون في شرح مزايا وفضائل العريس الاسطورية .
تشاور معه ابن عمه الذي كان جالسا بجواره مستدعيا اياه الى مكتبته الفاخرة . استأذنا الجميع ونهضا من على الطاولة باتجاه غرفة المكتب . ظنت النسوة انهم ذاهبون للتدخين او ما شابه ذلك . التفت الدكتور حازم الى زوجته وهو ماسكا بمقبض باب المكتب القريب نسبيا من صالة الطعام ليخبرها ان لا تسهوا عن اتحافهم بطقم الشاي اللذيذ . ابتسم الجميع بينما هزت الزوجة رأسها علامة على الموافقة والقبول .
استويا في جلستهما على مقعدين متقابلين امام مكتبه , وبدأ ابن عمه يخرج اشياء من حقيبته الصغيرة ويرمى بها امام الطاولة والدكتور حازم يلقي بنظراته الحادة على المحتويات امامه , منها رزمة صغيرة بمغلف ابيض , دفع الفضول بالدكتور لفض المغلف الا ان يد ابن عمه منعه وكف كفه عن ملامسة المظروف وهو يحاوره من اجل ذلك دعوتك للمكتب ,
تسمر الدكتور في مكانه اذ لم يعتد هذه الحركة من ابن عمه الذي يصغره بعشر سنين على اقل تقدير واعتبرها وقاحه منه لكنه كتم غيظه وغضبه في سره بانتظار القادم من الاحوال وما سيؤول اليه حوارهما مع بعض , تم استرجاع جميع الاشياء لمحفظته ثانية باستثناء عقد الزواج النسخة الاصلية والمغلف الابيض .
بدأ ابن عمه الحديث وهو منهمك بمداعبة المغلف بين اصابع يديه حتى فضه اخيرا واخرج مجموعة من الصور كانت قد التقطت اثناء حفل زفافهما في نفس الدار . اخفى بعض الصور واظهر اخرى للدكتور طارحا اياها امامه على الطاولة التي تفصل بينهما .
التقط الدكتور الصور عاينها بسرعة ثم اعادها الى الطاولة وهو يهز بكفيه ماذا في الامر انها صور حفل زفافك لماذا تريني اياها . امعن النظر جيدا دكتور من فضلك . اعاد مشاهدة الصور ولكن ببطيء شديد هذه المرة ممعنا بشخوصها فردا فرداً . ثم اعاد كلامه مؤكدا صحة اقواله السابقة , ابتسم ابن عمه ابتسامة صفراء فيها الكثير من الشك ,
قرأ الدكتور ابتسامته ولم يتمالك نفسه هذه المرة فصرخ به ماذا دهاك لماذا تتلاعب بي من حين دخولنا المكتب ولغاية هذه اللحظة . يظهر انك نسيت مقامك امامي . نهض ابن عمه معتذرا عن سوء الفهم الذي حصل بينهما للتو فتقدم نحو الدكتور مقبلا راسه مسترضيا اياه,هدأ الدكتور قليلا وقبل اعتذاره ولكنه طالبه بشرح لما يجري الان . اخفى ابن عمه يده في احد جيوب سترته الداخلية واخرج منها حزمة من الصور . وهو يقول هذه الصور لم يراها احدا قط غيري .
لم ينتظر الدكتور ان يضع الصور على الطاولة بل التقطها من بين يده بسرعة فائقة واخذ يتطلع اليها وعلامات الدهشة والعجب بادية على محياه واخذ وجهه يتلون بجميع الوان الطيف الشمسي وكاد ان ينهار تماما ويعترف لابن عمه لما يحدث معه منذ شراء هذا البيت المسكون ولغاية لحظة جلوسهما معاً , الا ان كبريائه منعته بشدة ولا يفوت على ابن عمه التغيرات الرهيبة التي حدثت للدكتور اثناء معاينته للصور, كان الاثنان صامتان حتى شق صوت ابن عمه عباب السكون .
ما تفسيرك دكتور اخذ احد الصور بشكل عشوائي من تلك الصور التي رمى بها الدكتور وهو في حالة ذهول واستغراب للامر فاذا بها صورة لصفين من الاشخاص يتوسط الصف الاول العروسان بينما يتوسط الصف الثاني عروسان آخران ايضاُ احدهما الدكتور حازم وعروسة لم يسبق له ان رأها في الحفل وقتئذ. ومع ان الصف الثاني ظهرت صورتهم بشكل باهت كان هناك ضوء ساطع سقط عليهم اثنان التقاط عدسة الكامرة للحدث , الا ان ملابس الدكتور وبذلته البيضاء الانيقة وصورته الشخصية واضحة تماما مما لا لبس فيه ولا ادنى شك .
عبثا حاول الدكتور ان يشرح الامر فيزيائيا وكيميائيا وتداخل العوالم مع بعضمها الا ان تكرار صوره مرتين في الصورة الواحدة حير الجميع اذ انه بالصف الاول ظهر ممسكا بيد العريس من جهة اليمين باعتباره السردوج ( المرافق الرسمي للعريس) وفي الصف الثاني ظهر الدكتور ثانية يتوسط اناس لم يكونوا موجودين اصلا في الحفل لغرابة ملبسهم وزينتهم التي تنتمي لعصور سحيقة في القدم وبجانبه عروسه الغامضة.
خرج الاثنان من المكتبة وهما في غاية الانشراح .قابل كل منهم عائلته بشكل طبيعي . انتبهت زوجة الدكتور حازم , اخذت تفكر بماذا تقول لزوجها .؟ فالتفت اليها حازم وقال لها ما لي اراك تكادين ان تتكلمين ولما تخرج الحروف من فاك . ردت عليه والان بعد ان اصبحت شاعراً , وظهرت لنا وعلامات الانشراح ملء شدقيك , ولم تغضب كعادتك في كل مرة وتصب جام غضبك عليً , لماذا يا امرأة .؟ ماذا دهاك اليوم .؟ تكلميني بالالغاز تارةً وبالاشارة تارة اخرى .
زوجي العزيز لم لم تغضب هذه المرة وتصرخ وتعربد كعادتك منذ اكثر من ثلاثين عاما مضت.؟ لماذا اصرخ بك وما الذي يحثني على ذلك .؟ يبدو ان امرا جلللا حدث في الداخل انستك اني لم اقدم لك طقم الشاي اللذيذ كعادتك في كل مرة عندما تدخل المكتب .؟ لقد كشفت اوراق لعبتك هذه المرة وعليك اخباري لماذا لم تغضب .؟ ما سركما انتما الاثنان اولاد العمومة .
بداهة ان يمتقع وجه الدكتور حازم ولم يحر جوابا اكراما للحاضرين . احس ابن عمه ان الامر سيتطور الى معارك كلامية ضارية وان زوجة الدكتور ليست امراءة ساذجة وبسيطة كما كان يخبره الدكتور حازم سلفاً عند لقائهما مع بعض . انسحب من الحفل الصغير معتذرا بالارهاق والتعب وانه وصل يوم امس من سفرته في اوربا وعليه ان ياخذ قسطاً من الراحة فاصطحب معه عروسه وعائلته التي حضرت معه .
تم توديع الجميع بتمثيلية فاشلة لا يحسن ادائها عائلة الدكتور حازم كونهم ناس عمليين وجادين في حياتهم ولم يتملقوا احدا قط في حياتهم لثقلهم الاجتماعي بين عشيرتيهما وبين المجتمع المحيط بهما اينما حلوا وارتحلوا في أي زمان ومكان .
عاد الجميع الى داخل الدار غادر الاولاد الى الصالة واحدهم ذهب الى غرفة نومه بينما كانا واقفين امام فناء المكتبة من الخارج فاذا بصوت ارتطام مسموع لدى الجميع كان شيئا قد سقط من على المكتب نحو الارض . طمأن الدكتور زوجته المرتعبة حيث قال لها ربما المروحة اسقطت بعض الاغراض ساطلع عليها الان . كل ما كان يخشاه الدكتور حازم ان تدخل زوجته معه وتكشف سر الصور الموضوعة على الطاولة الصغيرة وتكشف سره الدفين الذي حاول جاهدا اخفائه عنها منذ حدوثه . الا انها اعتذرت منه قائلة سوف اعوضك طقم الشاي بافضل منه ولا تؤاخذني حبيبي اذ نسيت ذلك وانت سيد العارفين كيف النساء يحببن الثرثرة اذا ما اجتمعنا مع بعض .
لم ينبس ببنت شفه مجرد ابتسامة صغيرة لو اجتمعت الانس والجن على فك طلاسمها لما افلحت بالمرة . دلف الى مكتبه وعيناه تجولان في المكان متفحصا الزوايا البعيدة والقريبة اذ كان موقنا انها حضرت من جديد بعد غياب شهرا كاملا او ما يزيد قليلا . الا ان سعيه ذهب سدى . انتبه الى الصور حيث كانت موضوعة على المكتب الكبير امام مقعده الاسود الفخم وليست على الطاولة مثلما تركها وخرج بمعية ابن عمه من المكتبة .
اخذ يتوسل اليها بالظهور بصوت خفيض , تكاد الدموع تترقرق من عينة في حالة ذل وانكسار وخشوع شابكا كفية تحت ذقنه كمن يتوسل بسيده العظيم . وهو في هذه الحالة المزرية يتكلم بهمس مسموع وعيون مغمضة وانكسار بادي للعيان فاذا بزوجته تدخل عليه حاملة طقم الشاي خاصته .
دكتور ماذا تفعل ولما هذا كله . فتح عينية ليواجه استغراب زوجته ودهشتها من تصرفاته وتوسلاته التي لم تعهدها فيه عقودا مضت . ما الذي جرى لك .؟ مسح الدكتور الدموع من وجنتيه وقال بصوت رخيم كنت ادعوا الله على تمام النعمة وكمال خلق الاولاد وان الله وهبني زوجة مستقيمة دكتورة مثلي متفهمة وضعي وجعلني امتلك هذا القصر المنيف قصر الاحلام في فترة الصبا والشباب وتحققت كل امنياتي تقريبا . حتى رق قلب الزوجة وكادت ان تبكي هي الاخرى . في الحقيقة كانت هذه اول كذبة في تاريخ حياتهما الزوج
الدكتور حازم في مكتبه يجلس وحيدا بعد منتصف الليل منتظرا ظهورها . بعد ان اعتذر من زوجته على غير عادته الا يشاركها هذه الليلة الفراش . فهو يرغب في التعبد قليلا والتضرع الى الله لاستجابة دعواته وتوسلاته . طبعا هو يقصد عشيقته الجنية , اذ بلغ عنده السيل الزبى ولم يعد قادرا على فراقها ساعة واحدة فما بالك بايام ولربما تمتد الى شهور او سنة كاملة .
جميع العلامات التي تسبق ظهورها يراها ويسمعها ولكن بدون حضورها الصفير الخفيف تقليب الاوراق من على المكتب انارة واطفاء المصباح المنضدي هبوب نسيم بارد يلامس وجنتيه . علامات التجسيم بادية له الا انها سرعان ما تتبخر في الهواء على شكل حلقات اهليليجية لا يفقه منها شيئاً . اخيرا اخذ منه التعب مأخذه فارتمى على سريره النصفي الذي اعده مسبقا في المكتب لمثل هذه الحالات كيما يزعج زوجته اذا ما شاطرها الفراش بعد منتصف الليل .
ما كادت عيني الدكتور تغمضان حتى سمع قهقهة بصوت ملائكي رخيم فتح عينية المتثاقلتين بصعوبة فاذا به يجدها منتصبة امامه وفي يدها طبق فيه ما لذ وطاب من انواع الفواكه . نهض من نومته سريعا احتضنها كالمجنون واخذ يقبلها في وجنتيها وعلى راسها ويديها بحركات جنونية لا تمت لطبيعته الاعتيادية باي صلة فاندلق طبق الفواكه على الارض متبعثرة حباته في كل الاتجاهات .
سحبها بقوة وهو يستشيط غضباً ولهفةً ووله افقدته توازنه وطار لها عقله الى سريره فارتمت بين احضانه هادئة وادعة تمسه مسا خفيفا واخيرا طبعت قبلة على شفتيه يقسم انه ما زال يشعر بحلاوتها لغاية يومنا هذا . استيقظ في الصباح الباكر على اثر الضجة في البيت لاعداد طقوس الفطور مثل صباح كل يوم ,فاذا به يجد نفسه في سرير غرفة نومه .
القى التحية الصباحية على زوجته وهو يمسح وجهه بمنشفة قد رماها على كتفيه . ردت له التحية باحسن منها . اشاح بنظره مستطلعا مستكشفا المطبخ فاذا به يجد نفس طبق الفواكه موضوع على الكاونتر قرب براد الماء . ولما استفسر عن سبب وجود هذا الطبق اجابته الم تجلبه انت يوم امس مع انك لا تحب الفواكه وقلت هذه للاولاد فيها فيتامينات ومكملات غذائية . تقرب خطوة واحدة ثم خطوتين وهو محدق بطبق الفواكه ليجده نفس الطبق الذي وهبته اياه معشوقته الاثيرية , ابتسم ابتسامة خفيفة في سره , انتبهت له زوجته فابتسمت هي الاخرى ورمقته ثانية بنظرات الشك والريبة من تصرفاته الاخيرة المجنونه .
غادر بعدها الى غرفة الطعام بانتظار الافطار وهنا كانت المفاجئة الكبرى , بعد ان ذهب الاولاد كل الى حال سبيله لم يبقى في البيت سواه وزوجته الانسية . وجد زوجته الجنية منتصبة على مقعدها بجوار مقعده . حدق فيها مليا لعله يهذي او شيء من هذا القبيل الا انها اشارت له بالسكوت ودعته للجلوس بقربها ففعل ما امرته به , دقائق قليلة فاذا بزوجته تدخل عليه بكل مستلزمات الفطور اللذيذة والشهية وضعته امامه وانصرفت لتجلب عدة الشاي وطقمه المحبب لدية .
جلس الثلاثة على مائدة الافطار متجاورين وانهمكوا في الطعام وهو يتكلم تارة مع زوجته واخرى مع عشيقته دون ان يرى احدهما الاخر , بعد هنيئة همست زوجته في اذنة لماذا تداعب فخذي من اسفل الطاولة على غير عادتك وحشمتك , الم اكفيك ليلة امس وادفء لك سريرك . اجابها وعلامات الدهشة والاستنكار بادية عليه . وهل انا قضيت الليلة الفائته في سرير نومنا .؟ بلى وهو كذلك وكنت تداعبني على غير عادتك واغتصبتني اكثر من مرة . ماذا .؟ ماذا تقولين .؟ اغتصبتك .؟ كيف ذلك ونحن متزوجون منذ اكثر من ثلاثون عاما .
نعم دكتور ان مضاجعة الزوجة دون رضاها واجبارها على ذلك قسرا يعد بالاعراف والقوانين الوضعية اغتصاباً وان كانا متزوجين رسمياً . ام نسيت اني طبيبة نسائية اعرف تماما ما هي حقوقي وواجباتي . صرخت به عاليا ما هذا الذي تفعله دكتور حازم وكان الخطاب رسمي .؟ مابك .؟ انك تلمسني في المناطق الحساسة من جسدي ما بالك .؟ ايها المراهق الكبير.
نهض حازم من فطوره وهو يقسم لها بالايمانات المغلظة انه لم يلمسها بتاتا ولم تمتد يديه لاي عضو من اعضاء جسدها رافعا كلتا يديه للاعلى ليبرهن لها انه ليس الفاعل وفي هذه اللحظة بالذات هبت الزوجة مذعورة وجرت على عجل لمغادرة مائدة الطعام . فلما استفسر منها , ما بالها وما جرى لها , قالت اقسم انك لمستني بالرغم من ان ذراعاك مروفعتان للاعلى . من لمسني .؟ من لمسني .؟ من لمسني .
بعد مشادة حامية الوطيس بين الدكتور حازم وزوجته على مائدة الافطار نهضت الزوجة مذعورة وهي تصرخ من لمسني . من لمسني . حتى غابت في داخل غرفة نومها تصرخ وتبكي بشدة . التفت الدكتور الى جنيته معاتباً . لماذا فعلت ذلك بها .؟ لنذهب الى المكتب وساخبرك . ذهبا سوية الى مكتبه فوجد صحن الفواكه مازال على الطاولة . ما هذه الفواكه اللعينة , الم تعلمين اني لا احب الفواكه بتاتاً , باستثناء التمر فهو عشقي الوحيد .
رفعت جنيته صحن الفواكه واخذت تلف وتدور حول نفسها ممسكة الصحن بيدها . واذا بها تقدمه له مملؤاً بافخر انواع التمور تلك المفضلة لدى الدكتور. فاجابها هل انتم قريبون منا؟ احابته لا نحن بعيدين جدا ولكن لنا القدرة على طي المسافات بلمح البصر. صدقها الدكتور لما كان يسمع في ما مضى من الزمان عن عادات وتقاليد وطاقات الجن المغيبة عن البشر تماما وانهم من عالم آخر لا تدركه حواسنا الخمسة .
اقتربت جنيته منه كثيرا فالتصقت بجسده كما تلتصق الزوجة بزوجها . فاح اريج عطرها في مخيلته فالهبت مشاعره وشحذت قواه , اخذت تخلع عنه ملابسه قطعة فقطعة وهو هائما حبا بها يداعب خصلات شعرها المتدلية من فوق اكتافها . عطر انفاسها وهي تلثمه بقبلة ساخنة افقدته صوابه فحلق عاليا في عالم آخر عالم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
اغمضت عينيه برفق باناملها الملساء الناعمة فاذا به يجد نفسه في بستان واسع الاطراف فيه ما لذ وطاب من الفواكه والاشجار . كان القائم على هذه الجنة الارضية مخلوق من اقبح ما يكون . سأل عنه . قالت ليس كلنا بهذا القبح , انهم اجراء يعملون عندنا . اما من يتمتع بالجمال والوسامة من قومنا فهم صنف من ارقى الانواع والاصناف الاثيرية . التف حولهم قوم كثيرون ادعوا القرابة والنسب في ما بينهم كما كانوا يسخرون بشكل مستمر من كل شيء .
قدم رجل وامراءة حاملة سيف بيدها وكانوا مرئيين بشكل جيد خلافا عن القوم الذين كانوا اقرب الى الظلال منهم الى التجسيم . قدمتهما عشيقته على انهما امها وابيها . مدت امها يدها لتصافحه ثم ضربته بالسيف جرحته جرحا غائراً فاذا بالجرح ينزف عسلا صافيا نقيا.
يا الهي .! انه عسل حقيقي ..؟؟ يا للهول ما هذا .؟ هل تحول دمي الى عسل .؟ هكذا كان يصرخ الدكتور في جنيته . اجابته امها نعم ما دمت معنا سيكون دمك عسل . اشاح الدكتور حازم وحهه باتجاه معشوقته الغير مرئية وهمس في اذنها لنذهب الى البيت لقد مللت من رؤية هذه المخلوقات الغريبة التي توفد علينا لتبارك لنا زواجنا في عالم مجهول وغريب مخلوقات شبة بشرية ومنها مركبة بين البشر والحيوان ناهيك عن المخلوقات الحيوانية الخرافية التي كنا نسمع عنها في حكايات جدتي من اساطير الاولين وخرافاتهم .
بعد ان اخذ الرعب مأخذه منه وهو يشاهد هذه المخلوقات الغريبة والعجيبة والمرعبة بشكل لم يسبق له ان رأها او حتي سمع بها . صفقت جنيته بيدها فتحول الجميع الى مخلوقات جميلة غاية في الهدوء والوداعة وكان به يعرفهم سابقا في حياة اخرى . اطمأن قلبه بعض الشي . اخذ يتوسل بها ليعودا معا الى البيت المسكون . الا انها ضحكت بشدة وقالت له انت زوجي الان ولا يمكنك الانتقال الى عالمك ستبقى معي ونحيا ونحب معا والى الابد. اجابها الدكتور . كيف وانا مرتبط بغيرك . انا لا رغبة لي بالبقاء معك الى الابد وترك عائلتي التي افنيت عمري في الحفاظ عليها . انا لا يمكنني هدم هذه الاسرة بعد هذا الجهد والوقت المضني . هذه كانت عبارات الدكتور وهو يخاطب جنونه .
عدلت عن فكرتها وارجعته الى بيته بعد ان طلبت الصفح منه فوافقها بشرط الرجوع الى عالمه . وما هي الا لحظات كلمح في البصر فاذا به يجد نفسه مرميا في مكتبه على الارض تعلوه معشوقته الغير مرئية وهي تهمس في اذنه اعذب كلمات الحب والوله اضافة الى انها كانت عارية تماما على غير عادتها ورأى منها العجب العجاب من فنون المداعبة والعلاقات الحميمية . اخذ يتقلبان فوق بعضهما البعض على ارضية المكتب .
هنا حدثت المفاجئة اذ دخلت عليه زوجته ومعها طبيب العائلة بصحبة اثنان من المساعدين يرتدون الملاءات البيضاء وكان الوقت عصراً فوجدوه على هذه الحالة يتقلب على ارضية مكتبه كالمصروع حيث كانوا يروه فقط ولا يرون جنيته . القوا عليه قميصا ابيضا فضفاضا كبلوا فيه يديه الى الخلف واصطحبوه خارجا حيث سيارة الاسعاف كانت تنتظره . رحل معهم دون مقاومه وهو يمط بشفتيه كمن يقبل احدا في الهواء ويداعب جسده بذراعيه كالشواذ .
رافقته زوجته في سيارة الاسعاف بصحبة طبيب العائلة . التفت الطبيب نحوها . الم اقل لك ان هذا البيت ليس مسكونا اطلاقاً وليس فيه جن وعفاريت كما كان يدعي زوجك وجيرانكم الذين تقبلوا هواجس زوجك على مضض واخذوا يرددون كلامه بين الجميع كالببغاء
عزيزتي ان زوجك هو المسكون بالجن والعفاريت .
النهاية ....... وللقصة تتمة في الجزء الثاني من مسلسل الدكتور حازم وجنونه المرئي.
شكرا لانتصاتكم تابعونا في الجزء القادم .. القادماجمب باذن الله تعالى ...
وقف الدكتور حازم مكتوف الايدي الى الخلف ملفوف في صدرية بيضاء طويلة الاكمام امام مدير مشفى الامراض العقلية في مكتبه. ما ان انهى المدير قراءة مذكرة استلامه ووقع عليها حتى غادر الجميع المكتب واتجهوا به الى احد غرف المشفى بصحبة المدير . الممر طويل بعض الشيء يقارب الخمسون مترا طولاً واربعة امتار عرضاً , رصفت على جوانبه غرف المرضى بابواب حديدية مشبكة وفتحات صغيرة في الجدران لتقديم الطعام والشراب.
استوقفه منظرا له العجب العجاب اذ رأى احد الغرف فيها عشر أسرًة فارغة ومريض واحد فقط يجثم على احدها وهو ينتفض بشدة بين الحين والآخر مستلقيا على ظهره رافعا يديه وارجله الى الاعلى والاسفل بتكرار هذه الحركات عدة مرات متتالية . فاخبر المدير المرافق , ما هذا .؟ رد عليه مريض مثله مثلك وانه على هذه الحالة منذ عشر سنوات مصاب بنوع من انواع الصرع تأتيه كل خمس او ست ساعات .
التفت الدكتور حازم اليه قال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك . مر ايضا على غرفة اخرى ورأى فيها اكثر من ثلاثين شخصا وقوفا وهم في احوال شتى منهم من يغني وآخر يرقص وثالث يؤذن للصلاة والاخر يكبر . وآخر يلقي خطبته بصوت مسموع اقرب الى الصراخ منه الى الكلام العادي يتفوه بكلام مبهم وغامض بسبب خرسه لانه ابكم . باستثناء ثلاثة منهم جالسون مربوطي الايد ي والارجل على مقاعدهم . ولما استعلم عنهم اخبره المدير ان هولاء نحن نربطهم من الصباح حتى المساء فهم شريرون ومؤذون يكسرون الشبابيك والمراوح وكل شيء يقع امامهم .
لما رأى مدير مشفى الامراض العقلية اسئلة الدكتور حازم واجوبته الذكية ومعلوماته الثرة , امر مرافقيه ان يفكوا وثاقه وان يتركوه معه لوحدهم وتم له ما اراد .اخذا يتحاوران مع بعضها رواحا ومجيئا في الممر الطويل فاذا بمدير المشفى يرى ان الذي امامه رجل عبقري عاقل تماما له المام واطلاع واسع حول جميع العلوم المعرفية المادية منها والروحية بشكل ملفت للنظر.
اصطحبه ثانية الى مكتبه للتاكد من حالته النفسية واجراء بعض التجارب عليه دون علما منه ليتبين امره ولماذا جيء به الى هنا.؟ اثناء عودتهم الى المكتب مخترقين الممر الطويل اذ نادى عليه احد النزلاء باسمه .. دكتور حازم .. دكتور حازم .. اندهش المدير بعض الشيء فالتفت للدكتور وقال له هل تعرفه .؟ اجابه بالنفي .
فاردف النزيل صارخا به باعلى صوته انا الدكتور صبري صبار الذي ناقشت اطروحته في الدكتوراه ومنحتني درجة عالية بامتياز الا تذكر هذا الاسم صبري صبار .. صبري صبار . تذكر الاسم . بروفيسور حازم من فضلك لم يصدقني احد وجيء بي الى هنا بمؤامرة خسيسة من قبل عمادة الكلية . اكد مدير المشفى سؤاله ثانية ما اذا كان يعرفه ام لا , لم يحري الدكتور حازم جواباً , بل اطلق زفيراً حاداً فيه الكثير من الحسرات والعبرات . حتى استويا الاثنان على مقعديهما في المكتب .
كان النقاش بينهما يحتدم تارة ويهدأ اخرى باسلوب الطبيب النفسي المتمرس ليستشف من اجوبة الدكتور ما اذا كان سليم العقل او ان هناك امرا ما مخفي سبب قدومه الى هذه المشفى ما هو يا ترى .؟ تحير المدير فيه ورأى ان حازم هذا الذي جالساً قبالته في المكتب اعقل منه واعلم منه باشواط لا يمكن طيها او اللحاق بها. ضغط بيدة على زر صغير موضوع فوق منضدة المكتب فاذا باحد الحراس ياتية مهرولا . طلب منه ان يجلب لهما طعام الغداء المخصص للادارة ,
امتقع وجه الدكتور حازم واردفه قائلا ماذا .؟ طعام الغداء في هذه المشفى .!! وعلامات التعجب والاستهجان بادية عليه . ابتسم مدير المشفى ببطيء شديد وقال له لا عليك اليوم انت ضيفي وسنتناول الطعام في بيتي القريب نسبيا من المشفى . ما رأيك دكتور حازم . انتبه حازم لاسلوب المخاطبة الجديد وعلم ان فكرة كونه مجنون استبعدت تماما من عقل مدير المشفى , والدليل انه سوف يصطحبه الى بيته لتناول طعام الغداء مع اسرته .
في اقل من ساعة واحدة رتب مدير المشفى امره باصدار التوجيهات اللازمة لجميع اقسام المشفى بعد ان اجتمع بمديري الفروع والاقسام كافة . امسك بكف الدكتور حازم لينهضه من كرسيه وسارا معا حتى كراج المشفى وانطلقا سريعا . ترجل المدير من سيارته وهو يركنها في كراجه المختص لوقوفه كل يوم . ترك دكتور حازم في السيارة ودخل الدار من باب المطبخ . قابل زوجته واخبرها عن ضيفه الجديد الذي ما زال قابعا بسيارته في كراج البيت.
بدت علامات الخيبة والكأبة تظهر على وجه زوجته وهي تعاتبه . اما يكفيني تزوجت بمجنون مثلك حتى تأتي بمرضاك من المجانين الى بيتي . الم تعاهدني انك سوف لن تجلب احدا ثانية الى بيتنا . هذا البيت له قدسية وحرم ليس على كل من هب ودب دخوله. مع ان شخصية مدير المشفى قوية جدا وصارمه الا انه انهار امام وعيد زوجته وتهديداتها .
ادخل المدير ضيفه الى الصالة وجلسا مباشرة الى منضدة الطعام وتصدر كل منهما المكان . جاء ولدان يافعان وبنت شابة جلسا ايضاً على المائدة بعد ان توزع عليها طعام الغداء بشكل جميل وبتنسيق لطيف . اخذ الدكتور يجلب ويبعد عنه بعض الصحون حتى قدم لنفسه ما يرغبه ويشتهيه . الكل بانتظار ربة البيت ليبدؤا بالطعام . لحظات صمت رهيب صاحب دخولها وما ان القت نظرة على ضيفها حتى وقع من يدها صحن الفاكهة وتبعثر في الصالة وهي خامشة وجنتيها بكلتا يديها.
مواضيع مماثلة
» * البيت المسكون :الجزء 1 - 2
» * البيت المسكون : الجزء 5 - 6
» * ترتيب البيت العراقي - العوامل المساعدة والمعرقلة لترتيب البيت العراقي.
» * كفاح كفيف - الجزء الثاني
» * رحمة وبيت الاحلام- منزل قتيبة المسكون-العالم الاخر-وضاع الحلم
» * البيت المسكون : الجزء 5 - 6
» * ترتيب البيت العراقي - العوامل المساعدة والمعرقلة لترتيب البيت العراقي.
» * كفاح كفيف - الجزء الثاني
» * رحمة وبيت الاحلام- منزل قتيبة المسكون-العالم الاخر-وضاع الحلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى