* ما هي المسيحية وبماذا يؤمن المسيحيون؟
صفحة 1 من اصل 1
* ما هي المسيحية وبماذا يؤمن المسيحيون؟
الديانة المسيحية
أو النصرانيّة، هي ديانة إبراهيمية، وتوحيدية، متمحورة في تعاليمها حول الكتاب المقدس، وبشكل خاص يسوع الذي هو في العقيدة متمم النبؤات المنتظر، وابن الله المتجسد؛ الذي قدّم في العهد الجديد ذروة التعاليم الاجتماعية والأخلاقية، وأيّد أقواله بمعجزاته؛ وكان مخلّص العالم بموته وقيامته، والوسيط الوحيد بين الله والبشر؛ وينتظر معظم المسيحيين مجيئه الثاني، الذي يختم بقيامة الموتى، حيث يثيب الله الأبرار والصالحين بملكوت أبدي سعيد.
المسيحية تعتبر أكبر دين معتنق في البشرية، ويبلغ عدد أتباعها 2.2 مليار أي حوالي ثلث البشر، كذلك فالمسيحية دين الأغلبية السكانية في 126 بلدًا من أصل 197 بلدًا في العالم؛[9] ويعرف أتباعها باسم المسيحيين؛ جذر كلمة مسيحية تأتي من كلمة المسيح التي تعني "المختار"؛ وتعرف أيضًا لناطقي العربية باسم النَّصرانية، من كلمة الناصرة بلدة المسيح.[مت 2:23 نشأت المسيحية من جذور وبيئة يهودية فلسطينية، وخلال أقل من قرن بعد المسيح وجدت جماعات مسيحية في مناطق مختلفة من العالم القديم حتى الهند شرقًا بفضل التبشير، وخلال القرنين التاليين ورغم الاضطهادات الرومانية، غدت المسيحية دين الإمبراطورية؛ وساهم انتشارها ومن ثم اكتسابها الثقافة اليونانية لا بانفصالها عن اليهودية فحسب، بل بتطوير سمتها الحضارية الخاصة. المسيحية تصنّف في ثلاث عائلات كبيرة: الكاثوليكية، والأرثوذكسية المشرقية والشرقية، والبروتستانتية؛وإلى جانب الطوائف، فإنّ للمسيحية إرثًا ثقافيًا دينيًا واسعًا يدعى طقسًا، وأشهر التصنيفات، وأعرقها في هذا الخصوص المسيحية الشرقية، والمسيحية الغربية.
الثقافة المسيحية، تركت تأثيرًا كبيرًا في الحضارة الحديثة وتاريخ البشرية على مختلف الأصعدة
ما هي المسيحية وبماذا يؤمن المسيحيون؟
السؤال: ما هي المسيحية وبماذا يؤمن المسيحيون؟
الجواب: كورنثوس الأولي 1:15 – 4 يقول "علي أني أذكركم، أيها الأخوة بالأنجيل الذي بشرتكم به، وقبلتموه ومازلتم قائمين فيه، وبه أيضا أنتم مخلصون، ان كنتم تتمسكون بالكلمة التي بشرتكم بها، الا اذا كنتم قد آمنتم عبثا. فالواقع أني سلمتكم، في أول الأمر، ما كنت قد تسلمته، وهو أن المسيح مات من أجل خطايانا وفقا لما في الكتاب ".
باختصار هذا هو المعتقد المسيحي. وما يميز المسيحية عن جميع الأديان الأخري هو أنها تعتمد علي العلاقة مع الله وليس علي مجرد ممارسة طقوس معينة للعبادة. وبدلا من اتباع ما هو محلل وما هو محرم فأنها تركز علي بناء وتوطيد علاقة حقيقية مع الله الآب. وهذه العلاقة ممكنة بسبب عمل يسوع المسيح، وبسبب تواجد الروح القدس في حياة المسيحي المؤمن .
المسيحيون يؤمنون أن الكتاب المقدس موحي به من الله، وأنه كلمة الله التي بلا عيب ، وأن تعاليم الكتاب المقدس هي السلطة العليا لحياة المسيحي (تيموثاوس الثانية 16:3، وبطرس الثانية 20:1- 21). وايضا يؤمن المسيحيون بأن الله واحد ويظهر لنا شخصه من خلال الثالوث الأقدس : الآب، والأبن (يسوع المسيح)، والروح القدس .
ويؤمن المسيحيون بأن الأنسان قد خلق ليتمتع بعلاقة مع الله، ولكن الخطيئة تفصل كل البشر عن الله (رومية 12:5، ورومية 23:3). وتعلم المسيحية أن يسوع المسيح عاش علي الأرض بكامل ألوهيته ولكن في صورة انسان (فيليبي 6:2 -11)، ومات علي الصليب، وأن المسيح دفن، ولكنه قام من بين الأموات، والأن يعيش علي يمين الآب، كشفيع للبشر الي الأبد (عبرانيين25:7). وتعلن المسيحية أن موت المسيح علي الصليب كان كافيا لدفع ثمن الخطيئة والدين الواجب علي البشر بصورة كاملة وأن بموته تم مصالحة الله مع الانسان واعادة علاقته معه (عبرانيين 11:9 -14، وعبرانيين 10:10، ورومية 23:6، ورومية 8:5).
لكي نخلص، يحب علينا أن نضع ثقتنا وايماننا في الله وعمله علي الصليب من أجلنا. ان آمن أحد بأن المسيح مات علي الصليب بدلا عنه وأنه بذلك دفع ثمن ذنوبه، وأنه قام من الأموات، فهذا الشخص قد نال الخلاص. لا يمكن أن يفعل أي شخص أي شيء للحصول علي الخلاص. لا يمكن أن يكون أي أحد "صالح" بمجرد أعماله، لأننا كلنا خطاة (أشعياء 4:64-7، وأشعياء 6:53). ثانيا، لا يوجد أي شيء أخر يحتاج اليه الأنسان. فالله أكمل عمله. و من كلمات الرب يسوع علي الصليب قال: "قد أكمل" (يوحنا 30:19).
وبما أنه لا يمكن للانسان أن يحصل علي الخلاص بأعماله ولكن بمجرد وضع ثقته وايمانه في الله، فبنفس الطريقة لا يستطيع الأنسان أن يفقد خلاصه بأعماله. يوحنا 27:10-29 يقول: "خرافي تصغي لصوتي، وأنها أعرفها وهي تتبعني، وأعطيها حياة أبدية، فلا تهلك الي الأبد، ولا ينتزعها أحد من يدي. ان الآب الذي أعطاني اياها هو أعظم من الجميع، ولا يقدر أحد أن ينتزع من يد الآب شيئا ".
ربما يفكر البعض، "هذا رائع، بما أنني حصلت علي الخلاص، فيمكنني أن أفعل ما أريده، ولن أفقد خلاصي!" ولكن الخلاص هو ليس الحرية أن تفعل ما تريد. الخلاص هو التحرر من الطبيعة الخاطئة، والتفرغ للتمتع بعلاقة حقيقية مع الله. وطالما يعيش المؤمنون علي الأرض فمن المؤكد أنهم سيواجهون صراعا مع الجسد والخطيئة. الخطيئة تحول بين الانسان وبين التمتع بالعلاقة التي يرغبها الله معه. ولكن المسيحي المؤمن يمكنه الانتصار علي الخطيئة بدراسة وتطبيق وصايا الله (الكتاب المقدس) في حياته، وبالخضوع للروح القدس فمن خلال ذلك يسمح الانسان لله بقيادة حياته في كل الظروف .
ففي حين أن معظم الأديان الأخري تزود الانسان بما يجب أو لا يجب أن يفعله، فأن المسيحية مبنية علي أساس العلاقة الدائمة مع الله. المسيحية مبنية علي الايمان بأن الله المسيح مات علي الصليب دافعا ثمن خطايانا، وقام ثانية. يمكنك أن تحصل علي شركة مع الله. يمكنك الانتصار علي طبيعتك الخاطئة وأن تعيش في شركة واطاعة الله. هذه هي المسيحية الحقيقية المبنية علي الكتاب المقدس وتعاليمه.
الاختلافات في سلسلتيّ الأنساب للسيد المسيح ع
سؤال: هناك ثلاثة إختلافات في سلسلة الأنساب بين ما سجله متى الإنجيلي، وما سجله لوقا الإنجيلي, نريد أن نسأل عنها الآن. وهي:
1- يوجد خلاف بين الأسماء التي يوردها كل من الإنجيليين.
2- القديس متى يبدأ سيرة السيد المسيح بسلسلة الأنساب. أما القديس لوقا فلا يعرض لها إلا بعد أن يروى قصة العماد.
3- القديس متى يسرد الأنساب نازلًا من الآباء أولًا إلي الأبناء. بينما القديس لوقا يصعد بالأنساب من الرب يسوع إلي آدم إلي الله.
فهل من شرح لكل هذه الإختلافات؟
الإجابة:
1- الخلاف في الأسماء:-
في الواقع أن متى Mathew الإنجيلي سرد من جانبه النسب الطبيعي للسيد المسيح، بينما سرد لوقا Luke النسب الشرعي أو الرسمي. ولتفسير هذا نقول الآتي:
نصت شريعة موسى علي أنه إن توفى رجل بدون نسل، يجب أن يدخل أخو المتوفي علي أرملة أخيه، وينجب لأخيه المتوفي نسلًا منها، أي أن الابن الذي ينجبه يصبح من الناحية الشرعية ابنًا رسميًا لأخيه المتوفي، وإن كان يعتبر ابنًا غير طبيعيًا لهذا الأخ الذي أنجبه من صلبه.
وبهذا يكون لمثل هذا الابن أبوان: أب طبيعي وهو الذي أنجبه وأب شرعي وهو عمه المتوفي بدون نسل.
وهذا هو ما ورد في سفر التثنية عن هذا الأمر:
"إذا سكن أخوة معًا، ومات منهم وليس له ابن, فلا تصر امرأة الميت إلي خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجه، ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه المتوفي، لئلا يمحى اسمه من إسرائيل" (تثنية 25: 5،6).
فإذا حدث أن هذا المتوفي بدون أولاد لم يكن له أخ, فإن أقرب أقربائه يأخذ امرأته ليقيم له نسلًا، لأن الابن الذي يولد ينسب لهذا المتوفي حسب الناموس، وإذا كان النسيب الأقرب لا يريد أن يأخذ زوجة المتوفي حسبما كلف، فإن النسيب الذي يليه في القرابة لا بُدّ أن يقبل هذا الزواج، لأن الشريعة تحرص علي إقامة نسل لذلك المتوفي بدون إنجاب بنين. وهذا النوع من الزواج يسمى (الفك)، وله مَثَل واضح في سفر راعوث في قصتها مع بوعز. وفي تفصيل ذلك يقول القديس ساويرس بطريرك أنطاكية:
"وبهذه الطريقة فإن يوسف خطيب القديسة العذراء ينتسب في الواقع إلي أبوين اثنين: لأنه حيث أن هالي اتخذ له امرأة ومات دون أن ينجب بنين، فإن يعقوب -الذي كان أقرب الأنسباء إليه- تزوج امرأته لكي ينجب له نسلًا منها حسبما أمرت الشريعة. فلما أنجب منها يوسف، صار يوسف هذا إبنًا شرعيًا لهالي المتوفي، وفي نفس الوقت ابنًا طبيعيًا ليعقوب". ومن أجل هذا قال متى من جانبه إن يوسف هو ابن يعقوب. ولوقا من الجانب الآخر قال إنه ابن هالي. أحدهما أورد النسب الطبيعي, والآخر أورد النسب الشرعي. مصدر المقال: موقع الأنبا تكلا.
ومتى من جانبه ذكر الآباء الطبيعيين ليوسف ولوقا من الجانب الآخر ذكر الآباء الشرعيين. ووصل لوقا بالنسب الشرعي للمسيح حتى ناثان بن داود, ومتى وصل بالنسب الطبيعي حتى سليمان بن داود. وتلاقي الاثنان عن داود.. وبين متى ولوقا كان المجرى يتشابه أحيانًا، ثم ينقسم متنوعًا، ثم يعود فيتحد ثم ينفصل..
وبهذا سواء من الناحية الطبيعية أو الشرعية يثبت نسب المسيح.. من حيث أنه ابن لداود وابن لإبراهيم وابن لآدم???
2، 3 – الخلاف في الصعود والهبوط، وعلاقة ذلك بالعماد:
وبدأ متى إنجيله بقوله "كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن إبراهيم.." (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وبعد هذا مباشرة شرح الأنساب إذ قال "إبراهيم ولد اسحق، واسحق ولد يعقوب". وبعد أن ذكر أولئك الذين ولدوا من معاشرات فيها أخطاء, أتى في النهاية إلي إحصاء الأجيال. ثم قال مباشرة "وأما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا.."
وهكذا بعد أن شرح الفساد والموت الذي مرت به كل تلك الأجيال، وصل إلي ولادة السيد المسيح الطاهرة التي من الروح القدس ومن العذراء مريم.
أما لوقا فروى البشارة, وميلاد المعمدان, وميلاد المسيح وتدرج حتى وصل إلي عماد الرب في سن الثلاثين. وهنا ذكر الأنساب الشرعيين..
ويشرح القديس ساويرس بطريرك أنطاكية هذا الموضوع فيقول:
إن لوقا شرح الأنساب الشرعية, التي تذكرنا بمن مات دون نسل, ثم أقيم اسمه بعد موته, بابن ينتسب إليه, بطريقه فيها مثال للتبني والقيامة..
وذكر تلك الأنساب بعدما أورد قصة العماد.. ذلك لأن المعمودية تعطي التبني الحقيقي السمائي, في إظهار أولاد الله لذلك ذكر الأنساب الشرعية التي تعطي للتبني. لإظهار أن هذا المثال قد تثبت بالحقيقة, وأن الحالة المرضية التي للناس, قد أعيدت إلي الصحة بواسطة النعمة.
ولهذا السبب صعد بالأنساب من أسفل إلي فوق وأوصلها إلي الله، ليظهر أن النعمة التي تأتي بالمعمودية ترفعنا وتصعد بنا إلي النسب الإلهي، حيث تجعلنا أولادًا لله.
تمامًا كما أن اتحاد الزواج الذي تم بعد كسر آدم وحواء للوصية وإنجاب البنين الذي نتج عن ذلك, جعلنا نهبط إلي أسفل. لإتمام هذه الصورة نزل متى بالأنساب الطبيعية إلي أسفل.
ويقول القديس أوغسطينوس:
متى ينزل بالأنساب, مشيرًا إلي ربنا يسوع المسيح نازلًا ليحمل خطايانا. لأنه من نسل إبراهيم تتبارك جميع الشعوب (تكوين 12: 3). وهكذا لم يبدأ من آدم.
أغلاط مجمع نيقية العام
لما اعتبرت كتب العهد القديم منسوخة (3) ولم يكن للمتقين من المسيحيين كتاب لا محل للشك فيه ولا شبهة في صحته ، يهديهم صراط السلامة المستقيم ككتاب المسلمين الموصوف في الآية الكريمة بقوله تعالى { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } - تفرقت النصرانية إلى مئات المذاهب أو الملل المتضادة ذلك بأن الكنيسة التي كانت تملك كتاب مرقس لم تكن مطلة على صفة ولادة المسيح ولا على قيامه من القبر . لان هذا الكتاب كان يحتوي على كثير من الوقائع كانت قد وقعت من مبدأ نبوة المسيح إلى أن وضع في القبر فقط (*4) وكذلك الجماعة اليونانية التي كانت تملك كتاب يوحنا لا يمكنها أن تحيط خبراً بصفة ولادة المسيح ولا (الاعتماد) و(قربان القديس) من الأسرار السبعة . فلنفكر في حالة الكنيسة التي بقيت اكثر من ثلاثة عصور وهي بغير كتاب ولا صاحب كتاب كيتيم مهمل لا كافل له ... لا نريد أن نبحث هنا عن العقائد والمذاهب العيسوية القديمة ، لكننا نبحث باختصار عن مجموعة الكتب التي برزت للوجود في العصر الرابع : إذ كان من تلك المسائل غير المتناهية والعويصة التي حلها وقررها مجمع نيقية المشهور المار الذكر ، ذلك المعمى العائد إلى (كتب العهد الجديد) .
يجب التفكير في دين بقي من تاريخ نشأته إلى 325 عاماً بغير كتاب ، كم يتأثر بالعقائد المتولدة من المنابع الخارجية وكيف يختل نظامه ويكدر صفاؤه الأصلي بالخرافات والروايات الكاذبة .
ان أغلاط مجمع نيقية العام كثيرة جداً ، تمكن (أثاناثيوس) - ألقديس اثناسيوس الرسولي - الراهب الشاب من نصارى الإسكندرية إذ كان شماساً من حضور المجمع المذكور . فجعل تاريخ الأديان السماوية شذر مذر . واجتهد ( آريوس ) رئيس الموحدين بالبرهنة على أن المسيح مخلوق) وأنه (عبدالله) مستدلاً بما لديه من الآيات الإنجيلية وبتفاسير الأعزة والأباء من ايقليسيا (5) واعترف بهذه الحقيقة الثلثان وهم الموحدون الذين كانت تتألف منهم الأكثرية العظيمة في المجمع . ومن الجهة الأخرى قام رؤساء التثلثيين (6) وعلى رأسهم اثاناسيوس للبرهنة على أن المسيح إله تام وانه متحد الجوهر (7) مع الله ، مستنداً على آيات إنجيلية أخرى وعلى تفاسير الآباء من إقليسيا.
ادعى الموحدون أن كل الآيات والمحررات القديمة التي يدعى انها تؤيد التثليث وتجسد المسيح (Cool محرفة وزائفة ، وبناء على ذلك طلبوا بكل شدة طي تلك الآيات والمحررات الكاذبة. وقد كان الممكن الأقرب إلى الحق أن تحل هذه المسئلة المهمة بأكثرية آراء (الآباء) المقدسة المتجاوز عددهم الألف بكونهم الممثلين لعالم النصرانية أجمع ومندوبيه ولكن لم يقترب ملتزموا التثليث الذي بقوا في هذه الأقلية من هذه الصورة من الحل ، فدخل قسطنطين (9) قسطنطينوس الذي يريد الأمن والراحة لرعيته بأنه أول إمبراطور عيسوي ، ووصاهم بالكف عن الشقاق والنفاق ، وبأن يحلوا المسائل المتنازع فيها وفق الحق والأسس الإنجيلية ، بيد أن الحزبين المتخالفين كانا على ضد ذلك حتى انهم تدرجوا من المنازعة إلى المشاتمة ، ومن المجادلة إلى المجالدة والمضاربة ، وكان المأمول حينئذ تدخل سلطة جبرية من الخارج أو توسط صداقة ، بل كانت الحاجة أو الضرورة إذ ذاك داعية إلى أن يهبط ويحل على هؤلاء الآباء الروح القدس الذي حل على الحواريين بشكل ألسنة من نار وجعلهم بغتة يتكلمون أربعة عشر لسانا في (عيد الخمسين)(10) ولم يكن الذوات الحاضرون في المجمع الكبير واقفين على أربعة عشر لساناً فقط ، بل على نحو خمسين لساناً ، ومعظمهم غرباء عن اللسان اليوناني ، ولكن هيهات ! لم يأت ولم يظهر الروح القدس ولا الفار قليط كما يتدارك دين المسيح وكتابه وكنيسته ويحول دون هذا الانقلاب المدهش ! فقرر الإمبراطور أن يفصل في الأمر بالتدابير الشديدة بعد أن تبطن رأي صديقه ووطنيه البابا كاهن رومية الأعظم الذي يقال انه هو الذي قبله وأدخله في دين النصارى وكنيستهم .
وقد أخرج بأمر هذا الإمبراطور أكثر من سبعمائة من الرؤساء الروحانيين الموحدين من المجمع ونفي الكثير منهم ، وقتل آريوس مع المتقدمين منهم (11*) ثم افترق الـ 318 عضواً الباقون أيضاً ثلاث فرق . وكان اعتراض فرقتين منهم على تعبير أثناسيوس (هوموسيون) أي (من جوهر واحد وإحدى الجوهر عيني الجوهر) ؟ وأخيراً تمكن المعارضون الخائفون من جند الإمبراطور وجلاده الشاهر السيف من النجاة بوضع امضاآتهم مع نواب البابا وفرقة اثناسيوس على الوثيقة المشهورة بعنوان (عقيدة نيقية)(12) المصرحة بالتثليث وبألوهية المسيح .
وهناك تقرر تعيين وتصديق كتب العهد الجديد على أساس رفض الكتب المسيحية الكثيرة المشتملة على تعاليم غير موافقة لعقيدة نيقية وإحراقها كلها . إذاً فانتخاب واختيار الكتب السبعة والعشرين وحدها من بين تلك الأكوام العظيمة من الكتب التي لا تسعها أية خزانة واحدة ورد الباقية منها ومحوها يجب أن تتحرى أسبابها في الأساس التاريخي الذي أجملناه هنا .
ان الجهة المستغربة بالماثلة للعينين فوق جميع مقررات المجمع الكبير وأعماله هي ان يعلم كيف انتحل الإمبراطور قسطنطينيوس لنفسه قبل الاعتماد بالنصرانية - أي في حالة كونه مشركاً - ذلك المقام الأعلى الخاص بنفخ الروح القدس وتعليمه وتصرفه في أثناء انعقاد مجمع رسمي له الصلاحية التامة لحل مشكلات العقائد الدينية والفصل فيها .
إن بسقبوس قيصرية ( يوسابيوس القيصري ) الذي تقدسه الكنيسة وتمنحه لقب (سلطان المؤرخين)(13) كان صديق الإمبراطور فلا يمكن أن يكتب في حقه ما يغاير الحقيقة أو ما هو عبارة عن مفتريات .
وهذا المؤرخ يقول ان قسطنطين اعتمد حين كان أسير الفراش قبيل وفاته وان الذي عمده (أي نصره) صديقه الحميم (أبو سيبوس) بسقبوس (نيقوميديا) وأما الرواية القائلة بأن الإمبراطور المومى إليه قد اعتمد من قبل البابا داماسيوس في رومية فتعارض صحتها الرواية الأخرى القائلة بان المشار إليه توفي ولم يتعمد ، وعلى كل حال فان قول المؤرخ القيصري وثيقة اجدر بالقبول وأحرى بالاعتماد عليها ، وبنا ء على ذلك فان مؤسس عقيدة نيقية ليس الروح القدس بل هو ملك غير مسيحي (أي وثني أو ما حد هرطوقي) .
والغلط الثالث المدهش الذي ارتكبه مجمع نيقية الكبير ، هو كيفية تأسيسه (شكل حكومة)(14) للكنيسة ، فلو كان المجمع عرف أوامر المسيح الصريحة المنافية لهذا العمل في الأناجيل التي قررها واعتمدها بنفسه ، لم يكن ليجترىء على إحداث مقام خمس بطركيات قبل أن يحمر وجهه خجلاً ، لان عيسى عليه السلام لم يجوز البتة ابتداع أنظمة (تشكيلات) روحانية كهذه . بل قال صراحة لتلاميذه (رؤساء الأمم يسودونهم ، والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكن هذا فيكم) (15).
هكذا عينوا ثلاثة بطاركة : الأول بسقبوس (بطرك) رومية ، والثاني بسقبوس إنطاكية ، والثالث بسقبوس الإسكندرية ، وبعد عصر واحد رفع إلى هذا المقام نفسه بسقبوس بيزانس - الذي اكتسب نفوذاً كبيراً بسبب إقامته في عاصمة الإمبراطورية القسطنطينية - وبسقبوس القدس ، حتى أن بطريرك بيزانس رفع إلى الترتيب الثاني ، ولم يزل في رقابة مع بسقبوس رومية حتى لقب نفسه أخيراً بلقب (البطريرك العام) وأما البروتستانت فبما أنهم يرفضون الرهبانية من أصلها وأساسها لا يقبلون كثيراً من أحكام نيقية ومقرراتها .
كاتبوا الرسائل
لم يكونوا على علم ما بهذه الأناجيل الأربعة
يتحقق لدى من أمعن النظر مرة في مطالعة الرسائل السبع والعشرين - أن كاتبي الثلاث والعشرين منها لم يكونوا على علم بوجود الأناجيل الأربعة ، وان كل ما تحكيه الأناجيل من الأمثال والنصوص والوقائع والحكايات والمعجزات تكاد تكون كلها مجهولة لدى كاتبي الثلاث والعشرين رسالة . إذاً فالأناجيل الأربعة لم تكن موجودة في زمن الحواريين الخمسة أو الستة الذين كتبوا تلك الرسائل لأنها لا تبحث عن محتويات هذه الأناجيل قطعاً .
ربما يدعي مدع أن بولص أشار إلى بحث أو بحثين من الأناجيل ، ولكن لا يجوز قطعاً أن يدعي انه اقتبس من الأناجيل أو كتب بالاستناد إليه ، مثلاً أن بولص أيضاً يبحث عما بحثت عنه الأناجيل الثلاثة (السينوبتيكية) (1) من تقديس المسيح الخبز والشراب اللذين شبههما بلحمه ودمه في آخر ليلة من حياته وتوزيعه إياهما على التلاميذ الأثني عشر ، ولكن لا نجد في رسائل بولص العبارة الواجب ذكرها كقوله (على الوجه الذي كتب في الإنجيل الفلاني أو إنجيل (فلان) فلو وجد كتاب إنجيل في زمن كتابة بولص وبطرس (2) رسائلهما ، لكان من البديهي أن يبحثا عنه (أو يقتبسا منه) .
ان الكاتب المسلم الباحث عن (أبابيل) أو عن (انشقاق القمر) لا يمكنه أن يكتب خبرهما بدون أن يتذكر القرآن وينقل عنه ، فكذلك لا يتصور من كاتب مسيحي يبحث عن واقعة ذكرها الإنجيل ولا يتذكر الإنجيل ويقتبس منه ويستشهد به ، إذن فلا شبهة في أن الزمن الذي كتب فيه حضرات بولص وبطرس ويوحنا ويعقوب ويهوذا رسائلهم ، لم يكن يوجد فيه الأربعة الأناجيل المعزوة إلى متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، التي في أيدينا .
فاذا ثبت أنه لم يوجد أي كتاب باسم إنجيل لا هذه الأربعة المواعظ ولا غيرها في زمن الخمسة الرسل مؤلفي الرسائل ، فبأي جرأة تعبر الكنائس - المضطرة إلى الاعتراف بذلك - عن الكتب المذكورة بلفظ (مقدسة) ؟ وأي علاقة للوحي والإلهام بهذه الأناجيل التي لم تكن موجودة في زمن الحواريين ؟
وبأي حياء وجسارة يعبرون عن هذه الأربع المواعظ التي كان يجهلها الخمسة الحورايون بأنها (كلام الله) ويضعون أيديهم عليها يحلفون بها ؟ وأخيراً يدعون أنها كتبت بالهام من الروح القدس ؟
ولما كان من المحقق أن الرسائل التي تحمل أسماء بعض الحواريين أقدم تاريخاً من الأناجيل الأربعة ، فبالطبع يجب أن لا تعتبر الرسائل والأناجيل معاً من زمرة الكتب المقدسة .
لا نرى في هذه الرسائل شيئاً عن ولادة المسيح عليه السلام ولا عن طفولته وشبابه ولا عن أفعاله ومعجزاته ، ولا عن مواعظه وتعاليمه ، ولا عن الوقائع أو الأحوال التي كانت في حياته وأثناء صلبه ، ولا ذكر فيها لاسم مريم والدة المسيح عليهما السلام أيضاً . فهي عبارة عن مجموعة من كتابات عن رجل موهوم خيالي يسمى عيسى المسيح قتل مصلوباً ، وبهذه الواسطة تتخذ صيرورته ذبيحة مكفرة قد خلصت نوع البشر من (الذنب المغروس) الموروث أي من الخطيئة الفطرية . وعلى هذا تبحث على طريقة الوعظ والنصيحة بوجوب الإيمان (بالمصلوب) الفادي وعن وجوب محبته وطاعته .
ولا شبهة في أن من يقرأ هذه الرسائل ولم يقرأ الأناجيل الأربعة يصرخ متعجباً (حسناً! ولكن من كان عيسى المسيح هذا ؟) لأنها لا تبحث عن ترجمة حاله ، بل تنوه ببعض الأعمال التخليصيه الفدائية التي قام بها خدمة للإنسانية . فهي عبارة دعوى لسانية لا تزيد عن قولك (بما أن زيداً خلص العالم بدمه من عذاب جهنم ، يجب أن يكون ممدوحاً وعظيماً جداً عند الله والناس) وأن موضـوع كل هــذه الرسائل هو أن شخصاً عالياً سماوياً (روح الله بشكل إنسان - وإذا كان من الممكن تصوره - فهو أكبر من ذلك أي هو الله ابن الله ، وحاش لله) قد صلب ومات ، وقد وهب بدمه نجاة أبدية للعالم ، ويجب أن لا نسأل لماذا لا يبحث فيها عمن هو المسيح ، أم ماذا قال وماذا فعل ، وبأي أحكام وشريعة أتى ، وبمن التقى ؟ مات المسيح وحي لا غير
فثبت إذن انه لم يكن هناك من أنجيل ! أهكذا ؟ نعم ! إذ ليس لدينا برهان قوي على وجود إنجيل بهيئة كتاب مصدق من قبل عيسى المسيح عليه السلام بل (نزل على المسيح إنجيل) فحسب ، ولكن ماذا كان ذلك الإنجيل ، وماذا صار إليه أمره ؟
لا علم لمؤلفي الرسائل
لا علم لمؤلفي بعض هذه الرسائل بما كتبه البعض الآخر
من الظاهر انه لم يكن لكتاب الرسائل الإنجيلية علم بوجود الأناجيل الأربعة كما انه لم يكن بعضهم على علم من كتابات البعض الآخر . فان في هذه الرسائل بعض العقائد والبيانات الغريبة التي يتفرد بها كاتب تلك الرسالة ومن هذا القبيل قول بطرس أن المسيح قضى عقب موته ثلاثة أيام في جهنم بين الأرواح المحبوسة في السجن ، ولكن هذه المسألة العجيبة لم تذكرها بقية الرسائل الست والعشرين الأخرى التي تألف منها كتاب العهد الجديد .
فكيف يمكن أن يكون الخمسة الحواريون غير واقف أحد منهم على ما كتبه الآخرون مع القول بأنهم كتبوا رسائلهم بتلقي الوحي ملهمين من الروح القدس ؟ كيف لا يكون لبطرس الذي كشف الغطاء عن دخول المسيح الجحيم ثلاثة أيام - خبر ولا علم له برسالة يعقوب الذي يدعي أن دعاء الكاهن للمريض المحتضر مع دلكه بالزيت يشفيه وكذلك يغفر ذنوبه بهذه المداواة ؟ وعلى كل حال كان على بطرس وهو رئيس الحواريين أن يفتش ويعاين مؤلفات الرسل الذين هم تحت رئاسته ولا شبهة في أن المعقول والموافق للعدل أن يملي الروح القدس على كل منهم جميع الحقائق التي يرى ان إلهامها ضروري . هل من عالم يستطيع أن يبين أية حكمة وعدالة استندت إليها هذه الإلهامات من الروح القدس ، أعني كتمان حقيقة عظيمة عن النصارى الساكنين في بعض الأقطار وإظهارها والإفضاء بها إلى سكنه ديار أخرى ، ثم كشفها وإلقائها إلى 318 راهباً بعد 325 سنة ؟ لان ظهور ما ينيف على الثلاثمائة فرقة في الثلاثة أو الأربعة الأعصر الأولى الميلادية كل منها لا يقبل غير الكتاب الذي في يده ، وتشعب العقائد والمذاهب المختلفة والمتضادة ولعن بعضها بعضاً - كله كان بسبب هذه الرسائل ، وإلا فان الروح القدس لا يدعو إلى الضلالة والاختلاف ولا يكون سبباً لهما أبداً .
يسوع الثائر والمحرّر
"خلصني يا ربّ" (إش20:38)
من أبرز ميّزات عصرنا وعي الإنسان لحريته وكرامته، ونجاح مجتمعات عدّة في التخلّص من أشكال العبوديّة التي ما برحت مجتمعات أخرى ترزح تحت وطأتها، وتضحّي بما هو ضروري لعيشها.
لقد بشّر البعض في ما مضى وبشّر غيرهم اليوم بشرعيّة العنف على أساس أنّ يسوع لم يتوانَ في تبشيره عن سلوك يُستدل منه أنّه كان بالفعل ثائراً ومعنفّاً، واعتقاداً منهم أنّه دعا إلى اللجوء إلى الثورة أو حتى إلى العنف للتخلص من الظلم. فهل هذا ما علّمه يسوع بالفعل وعاشه؟ هل كان ثائراً ورافضاً؟ وإذا كان هكذا، فعلى من ثارَ وماذا رفض؟ وأيّة طرق اتخذها لبلوغ هدفه؟
لقد ارتبطت حياة يسوع بتحقيق ملكوت الله على الأرض، وكان أمامه خياران لبلوغ هذه الغاية السامية: إمّا السّلاح في اليد لدحرِ الغرباء المحتلين، وإمّا العمل على تخفيف البؤس والشقاء وإحلال العدالة والحقّ وتضميد الجراح.
"أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (لو27:6-28). تشكّل هذه الوصيّة العظيمة بعض ما هو في الحقيقة ثوريّ في رسالة يسوع. لقد أنكرَ يسوع على الإنسان الحقّ في أن يكون ديّاناً للآخر، أو أن يأخذ بالثأر لقضية حتى ولو كانت عادلة، فالحكم الأخير على البشر في مجال الخطيئة والعدالة عائد إلى الخالق وحده؛ الله الآب السماوي. ويندّد يسوع بأولئك الذين يعملون على تحقيق عدالتهم الخاصّة بأنفسهم والذين ينصّبون أنفسهم ديّانين على الآخرين واضعين أنفسهم مكان الله. "أنتَ بلا عذر أيّها الإنسان كلُّ من يدين. لأنّك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك. لأنّك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2 : 1)
إنّ الثورة التي دعا إليها يسوع هي محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين، ومباركة اللاعنين ومسامحة المسيئين، والتخلي عن الرداء وإعطاء السائل. لم تكن شريعة العين بالعين والسنّ بالسنّ صالحة في ملكوت يسوع.
ثارَ يسوع أيضاً ضدّ التقاليد التي أبطلت كلمة الله، والتي بها كان فريق من اليهود يخرقون وصيّة الله متعدّين الناموس ومحبّة الله فصاروا "يكرّمون الله بشفاههم وقلبهم بعيد منه" (إش 29 : 13)
لقد وطدَّ يسوع علاقته مع الذين كانوا مبغَضين، ومع العشارين والخطأة والمضطَهدين والمنبوذين. لم يكن في وارد يسوع على الإطلاق رفض إنسان أيّاً كان وكيفما كان، فالكلّ مدعو إلى فرح ملكوت الله. وهذه هي الثورة الحقّة التي وضعت حَداً لنبذ إنسان ما لسبب أو لآخر. فقد ردَّ يسوع للبشريّة بهاءها الأول فانتفضَ على كلّ ما يستعبد الإنسان محرراً إيّاه جذرياً من الخطيئة والموت، ودعا إلى ملكوته كلّ البشر الذي شاءَهم أحباء لأبيه السماوي.
المسيح المحرّر هو اللقب الأصح مع عمل المسيح الخلاصي. فهو محرّر الضمير من كلّ أشكال العبودية: عبودية الحرف، عبودية الخضوع لإله مجهول أو بعيد، عبودية ظالم، عبودية البؤس والخوف، عبودية الانغلاق على العالم والآخر، وعلى الله.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط
أو النصرانيّة، هي ديانة إبراهيمية، وتوحيدية، متمحورة في تعاليمها حول الكتاب المقدس، وبشكل خاص يسوع الذي هو في العقيدة متمم النبؤات المنتظر، وابن الله المتجسد؛ الذي قدّم في العهد الجديد ذروة التعاليم الاجتماعية والأخلاقية، وأيّد أقواله بمعجزاته؛ وكان مخلّص العالم بموته وقيامته، والوسيط الوحيد بين الله والبشر؛ وينتظر معظم المسيحيين مجيئه الثاني، الذي يختم بقيامة الموتى، حيث يثيب الله الأبرار والصالحين بملكوت أبدي سعيد.
المسيحية تعتبر أكبر دين معتنق في البشرية، ويبلغ عدد أتباعها 2.2 مليار أي حوالي ثلث البشر، كذلك فالمسيحية دين الأغلبية السكانية في 126 بلدًا من أصل 197 بلدًا في العالم؛[9] ويعرف أتباعها باسم المسيحيين؛ جذر كلمة مسيحية تأتي من كلمة المسيح التي تعني "المختار"؛ وتعرف أيضًا لناطقي العربية باسم النَّصرانية، من كلمة الناصرة بلدة المسيح.[مت 2:23 نشأت المسيحية من جذور وبيئة يهودية فلسطينية، وخلال أقل من قرن بعد المسيح وجدت جماعات مسيحية في مناطق مختلفة من العالم القديم حتى الهند شرقًا بفضل التبشير، وخلال القرنين التاليين ورغم الاضطهادات الرومانية، غدت المسيحية دين الإمبراطورية؛ وساهم انتشارها ومن ثم اكتسابها الثقافة اليونانية لا بانفصالها عن اليهودية فحسب، بل بتطوير سمتها الحضارية الخاصة. المسيحية تصنّف في ثلاث عائلات كبيرة: الكاثوليكية، والأرثوذكسية المشرقية والشرقية، والبروتستانتية؛وإلى جانب الطوائف، فإنّ للمسيحية إرثًا ثقافيًا دينيًا واسعًا يدعى طقسًا، وأشهر التصنيفات، وأعرقها في هذا الخصوص المسيحية الشرقية، والمسيحية الغربية.
الثقافة المسيحية، تركت تأثيرًا كبيرًا في الحضارة الحديثة وتاريخ البشرية على مختلف الأصعدة
ما هي المسيحية وبماذا يؤمن المسيحيون؟
السؤال: ما هي المسيحية وبماذا يؤمن المسيحيون؟
الجواب: كورنثوس الأولي 1:15 – 4 يقول "علي أني أذكركم، أيها الأخوة بالأنجيل الذي بشرتكم به، وقبلتموه ومازلتم قائمين فيه، وبه أيضا أنتم مخلصون، ان كنتم تتمسكون بالكلمة التي بشرتكم بها، الا اذا كنتم قد آمنتم عبثا. فالواقع أني سلمتكم، في أول الأمر، ما كنت قد تسلمته، وهو أن المسيح مات من أجل خطايانا وفقا لما في الكتاب ".
باختصار هذا هو المعتقد المسيحي. وما يميز المسيحية عن جميع الأديان الأخري هو أنها تعتمد علي العلاقة مع الله وليس علي مجرد ممارسة طقوس معينة للعبادة. وبدلا من اتباع ما هو محلل وما هو محرم فأنها تركز علي بناء وتوطيد علاقة حقيقية مع الله الآب. وهذه العلاقة ممكنة بسبب عمل يسوع المسيح، وبسبب تواجد الروح القدس في حياة المسيحي المؤمن .
المسيحيون يؤمنون أن الكتاب المقدس موحي به من الله، وأنه كلمة الله التي بلا عيب ، وأن تعاليم الكتاب المقدس هي السلطة العليا لحياة المسيحي (تيموثاوس الثانية 16:3، وبطرس الثانية 20:1- 21). وايضا يؤمن المسيحيون بأن الله واحد ويظهر لنا شخصه من خلال الثالوث الأقدس : الآب، والأبن (يسوع المسيح)، والروح القدس .
ويؤمن المسيحيون بأن الأنسان قد خلق ليتمتع بعلاقة مع الله، ولكن الخطيئة تفصل كل البشر عن الله (رومية 12:5، ورومية 23:3). وتعلم المسيحية أن يسوع المسيح عاش علي الأرض بكامل ألوهيته ولكن في صورة انسان (فيليبي 6:2 -11)، ومات علي الصليب، وأن المسيح دفن، ولكنه قام من بين الأموات، والأن يعيش علي يمين الآب، كشفيع للبشر الي الأبد (عبرانيين25:7). وتعلن المسيحية أن موت المسيح علي الصليب كان كافيا لدفع ثمن الخطيئة والدين الواجب علي البشر بصورة كاملة وأن بموته تم مصالحة الله مع الانسان واعادة علاقته معه (عبرانيين 11:9 -14، وعبرانيين 10:10، ورومية 23:6، ورومية 8:5).
لكي نخلص، يحب علينا أن نضع ثقتنا وايماننا في الله وعمله علي الصليب من أجلنا. ان آمن أحد بأن المسيح مات علي الصليب بدلا عنه وأنه بذلك دفع ثمن ذنوبه، وأنه قام من الأموات، فهذا الشخص قد نال الخلاص. لا يمكن أن يفعل أي شخص أي شيء للحصول علي الخلاص. لا يمكن أن يكون أي أحد "صالح" بمجرد أعماله، لأننا كلنا خطاة (أشعياء 4:64-7، وأشعياء 6:53). ثانيا، لا يوجد أي شيء أخر يحتاج اليه الأنسان. فالله أكمل عمله. و من كلمات الرب يسوع علي الصليب قال: "قد أكمل" (يوحنا 30:19).
وبما أنه لا يمكن للانسان أن يحصل علي الخلاص بأعماله ولكن بمجرد وضع ثقته وايمانه في الله، فبنفس الطريقة لا يستطيع الأنسان أن يفقد خلاصه بأعماله. يوحنا 27:10-29 يقول: "خرافي تصغي لصوتي، وأنها أعرفها وهي تتبعني، وأعطيها حياة أبدية، فلا تهلك الي الأبد، ولا ينتزعها أحد من يدي. ان الآب الذي أعطاني اياها هو أعظم من الجميع، ولا يقدر أحد أن ينتزع من يد الآب شيئا ".
ربما يفكر البعض، "هذا رائع، بما أنني حصلت علي الخلاص، فيمكنني أن أفعل ما أريده، ولن أفقد خلاصي!" ولكن الخلاص هو ليس الحرية أن تفعل ما تريد. الخلاص هو التحرر من الطبيعة الخاطئة، والتفرغ للتمتع بعلاقة حقيقية مع الله. وطالما يعيش المؤمنون علي الأرض فمن المؤكد أنهم سيواجهون صراعا مع الجسد والخطيئة. الخطيئة تحول بين الانسان وبين التمتع بالعلاقة التي يرغبها الله معه. ولكن المسيحي المؤمن يمكنه الانتصار علي الخطيئة بدراسة وتطبيق وصايا الله (الكتاب المقدس) في حياته، وبالخضوع للروح القدس فمن خلال ذلك يسمح الانسان لله بقيادة حياته في كل الظروف .
ففي حين أن معظم الأديان الأخري تزود الانسان بما يجب أو لا يجب أن يفعله، فأن المسيحية مبنية علي أساس العلاقة الدائمة مع الله. المسيحية مبنية علي الايمان بأن الله المسيح مات علي الصليب دافعا ثمن خطايانا، وقام ثانية. يمكنك أن تحصل علي شركة مع الله. يمكنك الانتصار علي طبيعتك الخاطئة وأن تعيش في شركة واطاعة الله. هذه هي المسيحية الحقيقية المبنية علي الكتاب المقدس وتعاليمه.
الاختلافات في سلسلتيّ الأنساب للسيد المسيح ع
سؤال: هناك ثلاثة إختلافات في سلسلة الأنساب بين ما سجله متى الإنجيلي، وما سجله لوقا الإنجيلي, نريد أن نسأل عنها الآن. وهي:
1- يوجد خلاف بين الأسماء التي يوردها كل من الإنجيليين.
2- القديس متى يبدأ سيرة السيد المسيح بسلسلة الأنساب. أما القديس لوقا فلا يعرض لها إلا بعد أن يروى قصة العماد.
3- القديس متى يسرد الأنساب نازلًا من الآباء أولًا إلي الأبناء. بينما القديس لوقا يصعد بالأنساب من الرب يسوع إلي آدم إلي الله.
فهل من شرح لكل هذه الإختلافات؟
الإجابة:
1- الخلاف في الأسماء:-
في الواقع أن متى Mathew الإنجيلي سرد من جانبه النسب الطبيعي للسيد المسيح، بينما سرد لوقا Luke النسب الشرعي أو الرسمي. ولتفسير هذا نقول الآتي:
نصت شريعة موسى علي أنه إن توفى رجل بدون نسل، يجب أن يدخل أخو المتوفي علي أرملة أخيه، وينجب لأخيه المتوفي نسلًا منها، أي أن الابن الذي ينجبه يصبح من الناحية الشرعية ابنًا رسميًا لأخيه المتوفي، وإن كان يعتبر ابنًا غير طبيعيًا لهذا الأخ الذي أنجبه من صلبه.
وبهذا يكون لمثل هذا الابن أبوان: أب طبيعي وهو الذي أنجبه وأب شرعي وهو عمه المتوفي بدون نسل.
وهذا هو ما ورد في سفر التثنية عن هذا الأمر:
"إذا سكن أخوة معًا، ومات منهم وليس له ابن, فلا تصر امرأة الميت إلي خارج لرجل أجنبي. أخو زوجها يدخل عليها ويتخذها لنفسه زوجه، ويقوم لها بواجب أخي الزوج. والبكر الذي تلده يقوم باسم أخيه المتوفي، لئلا يمحى اسمه من إسرائيل" (تثنية 25: 5،6).
فإذا حدث أن هذا المتوفي بدون أولاد لم يكن له أخ, فإن أقرب أقربائه يأخذ امرأته ليقيم له نسلًا، لأن الابن الذي يولد ينسب لهذا المتوفي حسب الناموس، وإذا كان النسيب الأقرب لا يريد أن يأخذ زوجة المتوفي حسبما كلف، فإن النسيب الذي يليه في القرابة لا بُدّ أن يقبل هذا الزواج، لأن الشريعة تحرص علي إقامة نسل لذلك المتوفي بدون إنجاب بنين. وهذا النوع من الزواج يسمى (الفك)، وله مَثَل واضح في سفر راعوث في قصتها مع بوعز. وفي تفصيل ذلك يقول القديس ساويرس بطريرك أنطاكية:
"وبهذه الطريقة فإن يوسف خطيب القديسة العذراء ينتسب في الواقع إلي أبوين اثنين: لأنه حيث أن هالي اتخذ له امرأة ومات دون أن ينجب بنين، فإن يعقوب -الذي كان أقرب الأنسباء إليه- تزوج امرأته لكي ينجب له نسلًا منها حسبما أمرت الشريعة. فلما أنجب منها يوسف، صار يوسف هذا إبنًا شرعيًا لهالي المتوفي، وفي نفس الوقت ابنًا طبيعيًا ليعقوب". ومن أجل هذا قال متى من جانبه إن يوسف هو ابن يعقوب. ولوقا من الجانب الآخر قال إنه ابن هالي. أحدهما أورد النسب الطبيعي, والآخر أورد النسب الشرعي. مصدر المقال: موقع الأنبا تكلا.
ومتى من جانبه ذكر الآباء الطبيعيين ليوسف ولوقا من الجانب الآخر ذكر الآباء الشرعيين. ووصل لوقا بالنسب الشرعي للمسيح حتى ناثان بن داود, ومتى وصل بالنسب الطبيعي حتى سليمان بن داود. وتلاقي الاثنان عن داود.. وبين متى ولوقا كان المجرى يتشابه أحيانًا، ثم ينقسم متنوعًا، ثم يعود فيتحد ثم ينفصل..
وبهذا سواء من الناحية الطبيعية أو الشرعية يثبت نسب المسيح.. من حيث أنه ابن لداود وابن لإبراهيم وابن لآدم???
2، 3 – الخلاف في الصعود والهبوط، وعلاقة ذلك بالعماد:
وبدأ متى إنجيله بقوله "كتاب ميلاد يسوع المسيح بن داود بن إبراهيم.." (اقرأ مقالًا آخرًا عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). وبعد هذا مباشرة شرح الأنساب إذ قال "إبراهيم ولد اسحق، واسحق ولد يعقوب". وبعد أن ذكر أولئك الذين ولدوا من معاشرات فيها أخطاء, أتى في النهاية إلي إحصاء الأجيال. ثم قال مباشرة "وأما ولادة يسوع المسيح فكانت هكذا.."
وهكذا بعد أن شرح الفساد والموت الذي مرت به كل تلك الأجيال، وصل إلي ولادة السيد المسيح الطاهرة التي من الروح القدس ومن العذراء مريم.
أما لوقا فروى البشارة, وميلاد المعمدان, وميلاد المسيح وتدرج حتى وصل إلي عماد الرب في سن الثلاثين. وهنا ذكر الأنساب الشرعيين..
ويشرح القديس ساويرس بطريرك أنطاكية هذا الموضوع فيقول:
إن لوقا شرح الأنساب الشرعية, التي تذكرنا بمن مات دون نسل, ثم أقيم اسمه بعد موته, بابن ينتسب إليه, بطريقه فيها مثال للتبني والقيامة..
وذكر تلك الأنساب بعدما أورد قصة العماد.. ذلك لأن المعمودية تعطي التبني الحقيقي السمائي, في إظهار أولاد الله لذلك ذكر الأنساب الشرعية التي تعطي للتبني. لإظهار أن هذا المثال قد تثبت بالحقيقة, وأن الحالة المرضية التي للناس, قد أعيدت إلي الصحة بواسطة النعمة.
ولهذا السبب صعد بالأنساب من أسفل إلي فوق وأوصلها إلي الله، ليظهر أن النعمة التي تأتي بالمعمودية ترفعنا وتصعد بنا إلي النسب الإلهي، حيث تجعلنا أولادًا لله.
تمامًا كما أن اتحاد الزواج الذي تم بعد كسر آدم وحواء للوصية وإنجاب البنين الذي نتج عن ذلك, جعلنا نهبط إلي أسفل. لإتمام هذه الصورة نزل متى بالأنساب الطبيعية إلي أسفل.
ويقول القديس أوغسطينوس:
متى ينزل بالأنساب, مشيرًا إلي ربنا يسوع المسيح نازلًا ليحمل خطايانا. لأنه من نسل إبراهيم تتبارك جميع الشعوب (تكوين 12: 3). وهكذا لم يبدأ من آدم.
أغلاط مجمع نيقية العام
لما اعتبرت كتب العهد القديم منسوخة (3) ولم يكن للمتقين من المسيحيين كتاب لا محل للشك فيه ولا شبهة في صحته ، يهديهم صراط السلامة المستقيم ككتاب المسلمين الموصوف في الآية الكريمة بقوله تعالى { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } - تفرقت النصرانية إلى مئات المذاهب أو الملل المتضادة ذلك بأن الكنيسة التي كانت تملك كتاب مرقس لم تكن مطلة على صفة ولادة المسيح ولا على قيامه من القبر . لان هذا الكتاب كان يحتوي على كثير من الوقائع كانت قد وقعت من مبدأ نبوة المسيح إلى أن وضع في القبر فقط (*4) وكذلك الجماعة اليونانية التي كانت تملك كتاب يوحنا لا يمكنها أن تحيط خبراً بصفة ولادة المسيح ولا (الاعتماد) و(قربان القديس) من الأسرار السبعة . فلنفكر في حالة الكنيسة التي بقيت اكثر من ثلاثة عصور وهي بغير كتاب ولا صاحب كتاب كيتيم مهمل لا كافل له ... لا نريد أن نبحث هنا عن العقائد والمذاهب العيسوية القديمة ، لكننا نبحث باختصار عن مجموعة الكتب التي برزت للوجود في العصر الرابع : إذ كان من تلك المسائل غير المتناهية والعويصة التي حلها وقررها مجمع نيقية المشهور المار الذكر ، ذلك المعمى العائد إلى (كتب العهد الجديد) .
يجب التفكير في دين بقي من تاريخ نشأته إلى 325 عاماً بغير كتاب ، كم يتأثر بالعقائد المتولدة من المنابع الخارجية وكيف يختل نظامه ويكدر صفاؤه الأصلي بالخرافات والروايات الكاذبة .
ان أغلاط مجمع نيقية العام كثيرة جداً ، تمكن (أثاناثيوس) - ألقديس اثناسيوس الرسولي - الراهب الشاب من نصارى الإسكندرية إذ كان شماساً من حضور المجمع المذكور . فجعل تاريخ الأديان السماوية شذر مذر . واجتهد ( آريوس ) رئيس الموحدين بالبرهنة على أن المسيح مخلوق) وأنه (عبدالله) مستدلاً بما لديه من الآيات الإنجيلية وبتفاسير الأعزة والأباء من ايقليسيا (5) واعترف بهذه الحقيقة الثلثان وهم الموحدون الذين كانت تتألف منهم الأكثرية العظيمة في المجمع . ومن الجهة الأخرى قام رؤساء التثلثيين (6) وعلى رأسهم اثاناسيوس للبرهنة على أن المسيح إله تام وانه متحد الجوهر (7) مع الله ، مستنداً على آيات إنجيلية أخرى وعلى تفاسير الآباء من إقليسيا.
ادعى الموحدون أن كل الآيات والمحررات القديمة التي يدعى انها تؤيد التثليث وتجسد المسيح (Cool محرفة وزائفة ، وبناء على ذلك طلبوا بكل شدة طي تلك الآيات والمحررات الكاذبة. وقد كان الممكن الأقرب إلى الحق أن تحل هذه المسئلة المهمة بأكثرية آراء (الآباء) المقدسة المتجاوز عددهم الألف بكونهم الممثلين لعالم النصرانية أجمع ومندوبيه ولكن لم يقترب ملتزموا التثليث الذي بقوا في هذه الأقلية من هذه الصورة من الحل ، فدخل قسطنطين (9) قسطنطينوس الذي يريد الأمن والراحة لرعيته بأنه أول إمبراطور عيسوي ، ووصاهم بالكف عن الشقاق والنفاق ، وبأن يحلوا المسائل المتنازع فيها وفق الحق والأسس الإنجيلية ، بيد أن الحزبين المتخالفين كانا على ضد ذلك حتى انهم تدرجوا من المنازعة إلى المشاتمة ، ومن المجادلة إلى المجالدة والمضاربة ، وكان المأمول حينئذ تدخل سلطة جبرية من الخارج أو توسط صداقة ، بل كانت الحاجة أو الضرورة إذ ذاك داعية إلى أن يهبط ويحل على هؤلاء الآباء الروح القدس الذي حل على الحواريين بشكل ألسنة من نار وجعلهم بغتة يتكلمون أربعة عشر لسانا في (عيد الخمسين)(10) ولم يكن الذوات الحاضرون في المجمع الكبير واقفين على أربعة عشر لساناً فقط ، بل على نحو خمسين لساناً ، ومعظمهم غرباء عن اللسان اليوناني ، ولكن هيهات ! لم يأت ولم يظهر الروح القدس ولا الفار قليط كما يتدارك دين المسيح وكتابه وكنيسته ويحول دون هذا الانقلاب المدهش ! فقرر الإمبراطور أن يفصل في الأمر بالتدابير الشديدة بعد أن تبطن رأي صديقه ووطنيه البابا كاهن رومية الأعظم الذي يقال انه هو الذي قبله وأدخله في دين النصارى وكنيستهم .
وقد أخرج بأمر هذا الإمبراطور أكثر من سبعمائة من الرؤساء الروحانيين الموحدين من المجمع ونفي الكثير منهم ، وقتل آريوس مع المتقدمين منهم (11*) ثم افترق الـ 318 عضواً الباقون أيضاً ثلاث فرق . وكان اعتراض فرقتين منهم على تعبير أثناسيوس (هوموسيون) أي (من جوهر واحد وإحدى الجوهر عيني الجوهر) ؟ وأخيراً تمكن المعارضون الخائفون من جند الإمبراطور وجلاده الشاهر السيف من النجاة بوضع امضاآتهم مع نواب البابا وفرقة اثناسيوس على الوثيقة المشهورة بعنوان (عقيدة نيقية)(12) المصرحة بالتثليث وبألوهية المسيح .
وهناك تقرر تعيين وتصديق كتب العهد الجديد على أساس رفض الكتب المسيحية الكثيرة المشتملة على تعاليم غير موافقة لعقيدة نيقية وإحراقها كلها . إذاً فانتخاب واختيار الكتب السبعة والعشرين وحدها من بين تلك الأكوام العظيمة من الكتب التي لا تسعها أية خزانة واحدة ورد الباقية منها ومحوها يجب أن تتحرى أسبابها في الأساس التاريخي الذي أجملناه هنا .
ان الجهة المستغربة بالماثلة للعينين فوق جميع مقررات المجمع الكبير وأعماله هي ان يعلم كيف انتحل الإمبراطور قسطنطينيوس لنفسه قبل الاعتماد بالنصرانية - أي في حالة كونه مشركاً - ذلك المقام الأعلى الخاص بنفخ الروح القدس وتعليمه وتصرفه في أثناء انعقاد مجمع رسمي له الصلاحية التامة لحل مشكلات العقائد الدينية والفصل فيها .
إن بسقبوس قيصرية ( يوسابيوس القيصري ) الذي تقدسه الكنيسة وتمنحه لقب (سلطان المؤرخين)(13) كان صديق الإمبراطور فلا يمكن أن يكتب في حقه ما يغاير الحقيقة أو ما هو عبارة عن مفتريات .
وهذا المؤرخ يقول ان قسطنطين اعتمد حين كان أسير الفراش قبيل وفاته وان الذي عمده (أي نصره) صديقه الحميم (أبو سيبوس) بسقبوس (نيقوميديا) وأما الرواية القائلة بأن الإمبراطور المومى إليه قد اعتمد من قبل البابا داماسيوس في رومية فتعارض صحتها الرواية الأخرى القائلة بان المشار إليه توفي ولم يتعمد ، وعلى كل حال فان قول المؤرخ القيصري وثيقة اجدر بالقبول وأحرى بالاعتماد عليها ، وبنا ء على ذلك فان مؤسس عقيدة نيقية ليس الروح القدس بل هو ملك غير مسيحي (أي وثني أو ما حد هرطوقي) .
والغلط الثالث المدهش الذي ارتكبه مجمع نيقية الكبير ، هو كيفية تأسيسه (شكل حكومة)(14) للكنيسة ، فلو كان المجمع عرف أوامر المسيح الصريحة المنافية لهذا العمل في الأناجيل التي قررها واعتمدها بنفسه ، لم يكن ليجترىء على إحداث مقام خمس بطركيات قبل أن يحمر وجهه خجلاً ، لان عيسى عليه السلام لم يجوز البتة ابتداع أنظمة (تشكيلات) روحانية كهذه . بل قال صراحة لتلاميذه (رؤساء الأمم يسودونهم ، والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكن هذا فيكم) (15).
هكذا عينوا ثلاثة بطاركة : الأول بسقبوس (بطرك) رومية ، والثاني بسقبوس إنطاكية ، والثالث بسقبوس الإسكندرية ، وبعد عصر واحد رفع إلى هذا المقام نفسه بسقبوس بيزانس - الذي اكتسب نفوذاً كبيراً بسبب إقامته في عاصمة الإمبراطورية القسطنطينية - وبسقبوس القدس ، حتى أن بطريرك بيزانس رفع إلى الترتيب الثاني ، ولم يزل في رقابة مع بسقبوس رومية حتى لقب نفسه أخيراً بلقب (البطريرك العام) وأما البروتستانت فبما أنهم يرفضون الرهبانية من أصلها وأساسها لا يقبلون كثيراً من أحكام نيقية ومقرراتها .
كاتبوا الرسائل
لم يكونوا على علم ما بهذه الأناجيل الأربعة
يتحقق لدى من أمعن النظر مرة في مطالعة الرسائل السبع والعشرين - أن كاتبي الثلاث والعشرين منها لم يكونوا على علم بوجود الأناجيل الأربعة ، وان كل ما تحكيه الأناجيل من الأمثال والنصوص والوقائع والحكايات والمعجزات تكاد تكون كلها مجهولة لدى كاتبي الثلاث والعشرين رسالة . إذاً فالأناجيل الأربعة لم تكن موجودة في زمن الحواريين الخمسة أو الستة الذين كتبوا تلك الرسائل لأنها لا تبحث عن محتويات هذه الأناجيل قطعاً .
ربما يدعي مدع أن بولص أشار إلى بحث أو بحثين من الأناجيل ، ولكن لا يجوز قطعاً أن يدعي انه اقتبس من الأناجيل أو كتب بالاستناد إليه ، مثلاً أن بولص أيضاً يبحث عما بحثت عنه الأناجيل الثلاثة (السينوبتيكية) (1) من تقديس المسيح الخبز والشراب اللذين شبههما بلحمه ودمه في آخر ليلة من حياته وتوزيعه إياهما على التلاميذ الأثني عشر ، ولكن لا نجد في رسائل بولص العبارة الواجب ذكرها كقوله (على الوجه الذي كتب في الإنجيل الفلاني أو إنجيل (فلان) فلو وجد كتاب إنجيل في زمن كتابة بولص وبطرس (2) رسائلهما ، لكان من البديهي أن يبحثا عنه (أو يقتبسا منه) .
ان الكاتب المسلم الباحث عن (أبابيل) أو عن (انشقاق القمر) لا يمكنه أن يكتب خبرهما بدون أن يتذكر القرآن وينقل عنه ، فكذلك لا يتصور من كاتب مسيحي يبحث عن واقعة ذكرها الإنجيل ولا يتذكر الإنجيل ويقتبس منه ويستشهد به ، إذن فلا شبهة في أن الزمن الذي كتب فيه حضرات بولص وبطرس ويوحنا ويعقوب ويهوذا رسائلهم ، لم يكن يوجد فيه الأربعة الأناجيل المعزوة إلى متى ، ومرقس ، ولوقا ، ويوحنا ، التي في أيدينا .
فاذا ثبت أنه لم يوجد أي كتاب باسم إنجيل لا هذه الأربعة المواعظ ولا غيرها في زمن الخمسة الرسل مؤلفي الرسائل ، فبأي جرأة تعبر الكنائس - المضطرة إلى الاعتراف بذلك - عن الكتب المذكورة بلفظ (مقدسة) ؟ وأي علاقة للوحي والإلهام بهذه الأناجيل التي لم تكن موجودة في زمن الحواريين ؟
وبأي حياء وجسارة يعبرون عن هذه الأربع المواعظ التي كان يجهلها الخمسة الحورايون بأنها (كلام الله) ويضعون أيديهم عليها يحلفون بها ؟ وأخيراً يدعون أنها كتبت بالهام من الروح القدس ؟
ولما كان من المحقق أن الرسائل التي تحمل أسماء بعض الحواريين أقدم تاريخاً من الأناجيل الأربعة ، فبالطبع يجب أن لا تعتبر الرسائل والأناجيل معاً من زمرة الكتب المقدسة .
لا نرى في هذه الرسائل شيئاً عن ولادة المسيح عليه السلام ولا عن طفولته وشبابه ولا عن أفعاله ومعجزاته ، ولا عن مواعظه وتعاليمه ، ولا عن الوقائع أو الأحوال التي كانت في حياته وأثناء صلبه ، ولا ذكر فيها لاسم مريم والدة المسيح عليهما السلام أيضاً . فهي عبارة عن مجموعة من كتابات عن رجل موهوم خيالي يسمى عيسى المسيح قتل مصلوباً ، وبهذه الواسطة تتخذ صيرورته ذبيحة مكفرة قد خلصت نوع البشر من (الذنب المغروس) الموروث أي من الخطيئة الفطرية . وعلى هذا تبحث على طريقة الوعظ والنصيحة بوجوب الإيمان (بالمصلوب) الفادي وعن وجوب محبته وطاعته .
ولا شبهة في أن من يقرأ هذه الرسائل ولم يقرأ الأناجيل الأربعة يصرخ متعجباً (حسناً! ولكن من كان عيسى المسيح هذا ؟) لأنها لا تبحث عن ترجمة حاله ، بل تنوه ببعض الأعمال التخليصيه الفدائية التي قام بها خدمة للإنسانية . فهي عبارة دعوى لسانية لا تزيد عن قولك (بما أن زيداً خلص العالم بدمه من عذاب جهنم ، يجب أن يكون ممدوحاً وعظيماً جداً عند الله والناس) وأن موضـوع كل هــذه الرسائل هو أن شخصاً عالياً سماوياً (روح الله بشكل إنسان - وإذا كان من الممكن تصوره - فهو أكبر من ذلك أي هو الله ابن الله ، وحاش لله) قد صلب ومات ، وقد وهب بدمه نجاة أبدية للعالم ، ويجب أن لا نسأل لماذا لا يبحث فيها عمن هو المسيح ، أم ماذا قال وماذا فعل ، وبأي أحكام وشريعة أتى ، وبمن التقى ؟ مات المسيح وحي لا غير
فثبت إذن انه لم يكن هناك من أنجيل ! أهكذا ؟ نعم ! إذ ليس لدينا برهان قوي على وجود إنجيل بهيئة كتاب مصدق من قبل عيسى المسيح عليه السلام بل (نزل على المسيح إنجيل) فحسب ، ولكن ماذا كان ذلك الإنجيل ، وماذا صار إليه أمره ؟
لا علم لمؤلفي الرسائل
لا علم لمؤلفي بعض هذه الرسائل بما كتبه البعض الآخر
من الظاهر انه لم يكن لكتاب الرسائل الإنجيلية علم بوجود الأناجيل الأربعة كما انه لم يكن بعضهم على علم من كتابات البعض الآخر . فان في هذه الرسائل بعض العقائد والبيانات الغريبة التي يتفرد بها كاتب تلك الرسالة ومن هذا القبيل قول بطرس أن المسيح قضى عقب موته ثلاثة أيام في جهنم بين الأرواح المحبوسة في السجن ، ولكن هذه المسألة العجيبة لم تذكرها بقية الرسائل الست والعشرين الأخرى التي تألف منها كتاب العهد الجديد .
فكيف يمكن أن يكون الخمسة الحواريون غير واقف أحد منهم على ما كتبه الآخرون مع القول بأنهم كتبوا رسائلهم بتلقي الوحي ملهمين من الروح القدس ؟ كيف لا يكون لبطرس الذي كشف الغطاء عن دخول المسيح الجحيم ثلاثة أيام - خبر ولا علم له برسالة يعقوب الذي يدعي أن دعاء الكاهن للمريض المحتضر مع دلكه بالزيت يشفيه وكذلك يغفر ذنوبه بهذه المداواة ؟ وعلى كل حال كان على بطرس وهو رئيس الحواريين أن يفتش ويعاين مؤلفات الرسل الذين هم تحت رئاسته ولا شبهة في أن المعقول والموافق للعدل أن يملي الروح القدس على كل منهم جميع الحقائق التي يرى ان إلهامها ضروري . هل من عالم يستطيع أن يبين أية حكمة وعدالة استندت إليها هذه الإلهامات من الروح القدس ، أعني كتمان حقيقة عظيمة عن النصارى الساكنين في بعض الأقطار وإظهارها والإفضاء بها إلى سكنه ديار أخرى ، ثم كشفها وإلقائها إلى 318 راهباً بعد 325 سنة ؟ لان ظهور ما ينيف على الثلاثمائة فرقة في الثلاثة أو الأربعة الأعصر الأولى الميلادية كل منها لا يقبل غير الكتاب الذي في يده ، وتشعب العقائد والمذاهب المختلفة والمتضادة ولعن بعضها بعضاً - كله كان بسبب هذه الرسائل ، وإلا فان الروح القدس لا يدعو إلى الضلالة والاختلاف ولا يكون سبباً لهما أبداً .
يسوع الثائر والمحرّر
"خلصني يا ربّ" (إش20:38)
من أبرز ميّزات عصرنا وعي الإنسان لحريته وكرامته، ونجاح مجتمعات عدّة في التخلّص من أشكال العبوديّة التي ما برحت مجتمعات أخرى ترزح تحت وطأتها، وتضحّي بما هو ضروري لعيشها.
لقد بشّر البعض في ما مضى وبشّر غيرهم اليوم بشرعيّة العنف على أساس أنّ يسوع لم يتوانَ في تبشيره عن سلوك يُستدل منه أنّه كان بالفعل ثائراً ومعنفّاً، واعتقاداً منهم أنّه دعا إلى اللجوء إلى الثورة أو حتى إلى العنف للتخلص من الظلم. فهل هذا ما علّمه يسوع بالفعل وعاشه؟ هل كان ثائراً ورافضاً؟ وإذا كان هكذا، فعلى من ثارَ وماذا رفض؟ وأيّة طرق اتخذها لبلوغ هدفه؟
لقد ارتبطت حياة يسوع بتحقيق ملكوت الله على الأرض، وكان أمامه خياران لبلوغ هذه الغاية السامية: إمّا السّلاح في اليد لدحرِ الغرباء المحتلين، وإمّا العمل على تخفيف البؤس والشقاء وإحلال العدالة والحقّ وتضميد الجراح.
"أحبوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم" (لو27:6-28). تشكّل هذه الوصيّة العظيمة بعض ما هو في الحقيقة ثوريّ في رسالة يسوع. لقد أنكرَ يسوع على الإنسان الحقّ في أن يكون ديّاناً للآخر، أو أن يأخذ بالثأر لقضية حتى ولو كانت عادلة، فالحكم الأخير على البشر في مجال الخطيئة والعدالة عائد إلى الخالق وحده؛ الله الآب السماوي. ويندّد يسوع بأولئك الذين يعملون على تحقيق عدالتهم الخاصّة بأنفسهم والذين ينصّبون أنفسهم ديّانين على الآخرين واضعين أنفسهم مكان الله. "أنتَ بلا عذر أيّها الإنسان كلُّ من يدين. لأنّك في ما تدين غيرك تحكم على نفسك. لأنّك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2 : 1)
إنّ الثورة التي دعا إليها يسوع هي محبة الأعداء والإحسان إلى المبغضين، ومباركة اللاعنين ومسامحة المسيئين، والتخلي عن الرداء وإعطاء السائل. لم تكن شريعة العين بالعين والسنّ بالسنّ صالحة في ملكوت يسوع.
ثارَ يسوع أيضاً ضدّ التقاليد التي أبطلت كلمة الله، والتي بها كان فريق من اليهود يخرقون وصيّة الله متعدّين الناموس ومحبّة الله فصاروا "يكرّمون الله بشفاههم وقلبهم بعيد منه" (إش 29 : 13)
لقد وطدَّ يسوع علاقته مع الذين كانوا مبغَضين، ومع العشارين والخطأة والمضطَهدين والمنبوذين. لم يكن في وارد يسوع على الإطلاق رفض إنسان أيّاً كان وكيفما كان، فالكلّ مدعو إلى فرح ملكوت الله. وهذه هي الثورة الحقّة التي وضعت حَداً لنبذ إنسان ما لسبب أو لآخر. فقد ردَّ يسوع للبشريّة بهاءها الأول فانتفضَ على كلّ ما يستعبد الإنسان محرراً إيّاه جذرياً من الخطيئة والموت، ودعا إلى ملكوته كلّ البشر الذي شاءَهم أحباء لأبيه السماوي.
المسيح المحرّر هو اللقب الأصح مع عمل المسيح الخلاصي. فهو محرّر الضمير من كلّ أشكال العبودية: عبودية الحرف، عبودية الخضوع لإله مجهول أو بعيد، عبودية ظالم، عبودية البؤس والخوف، عبودية الانغلاق على العالم والآخر، وعلى الله.
المقالات المنشورة على هذا الموقع تعبر عن آراء أصحابها فقط
مواضيع مماثلة
» * المسيحية حسب دول العالم - المسيحية والأديان الأخرى - نبوءات عن المسيح
» * تاريخ المسيحيون العرب في الدولة العثمانية
» * تاريخ المسيحيون العرب في الخليج والمغرب العربي
» تحريف المسيحية
» * تاريخ المسيحيون العرب في الجاهلية - في الاسلام - في عصرالأمويون والعباسيون
» * تاريخ المسيحيون العرب في الدولة العثمانية
» * تاريخ المسيحيون العرب في الخليج والمغرب العربي
» تحريف المسيحية
» * تاريخ المسيحيون العرب في الجاهلية - في الاسلام - في عصرالأمويون والعباسيون
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى