ت* فسير سورة السجدة 1
صفحة 1 من اصل 1
ت* فسير سورة السجدة 1
اعداد : طارق فتحي
قال تعالى : ( الم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) .
---------------------------
( الم ) هذه من الحروف المقطعة التي تكون في أول بعض السور .
وقد اختلف العلماء في الحروف المقطعة التي وردت في أوائل بعض السور على أقوال كثيرة :
فقيل : لها معنى ، واختلف في معناها : فبعض العلماء : قال هي أسماء للسور ، وبعضهم قال : هي أسماء لله ، وبعضهم قال غير ذلك .
وقيل : هي حروف هجائية ليس لها معنى ، ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين وقال : ” وحجة هذا القول : أن القرآن نزل بلغة العرب ، وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية “ .
وأما الحكمة منها : فأرجح الأقوال أنها إشارة إلى إعجاز القرآن العظيم ، ورجح هذا القول ابن كثير في تفسيره فقال :
” وقال آخرون إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ، وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين ، وإليه ذهب الشيخ أبو العباس بن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عـن ابن تيميـة “ . [ تفسير ابن كثير : 1 / 51 ] .
وقد رجح هذا الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان حيث قال بعد أن ذكر الخلاف : ” أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو : أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله .... ثم قال رحمه الله : ووجه استقراء القرآن لهذا القول : أن السور التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائماً عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وأنه حق ، قال تعالى في البقرة ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ، وقال في آل عمران ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق ) ، وقال في الأعراف ( ألمص كتاب أنزل إليك ) ، وقال في يونس ( الر تلك آيات الكتاب الحكيم ) ، وقال في هود ( الر كتاب أحكمت آياته .. ) ، وقال في يوسف ( الر تلك آيات الكتاب المبين . إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) “ .
ثم ذكر رحمه الله بقية السور .
ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال بعدما رجح هذا القول : ” ... أن هذا القرآن لم يأت بكلمات ، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر ، وإنما هي من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر ، ومع ذلك فقد أعجزهم “ .
• وأما قول من قال إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور ، فهذا ضعيف ، لأن الفصل حاصل بدونها .
• وقول من قال : بل ابتدىء بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذا تواصوا بالإعراض عن القرآن إذا تلا عليهم ، وهذا ضعيف ، لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها . [ تفسير ابن كثير : 1 / 51 ] .
• عدد الحروف المقطعة ( 14 ) حرفاً يجمعها قولهم : نص حكيم قاطع له سر .
• افتتح الله عز وجل ( 29 ) سورة بالحروف المقطعة .
( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) أي هذا الكتاب وهو القرآن الموفى به إليك يا محمد لا شك ولا ريب أنه من عند الله الذي هو رب العالمين وخالقهم ومدبرهم .
• ( تنزيل الكتاب ) أن من أسماء القرآن الكتاب ، وسمي بذلك لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ كما قال تعالى
( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) أي اللوح المحفوظ ، وهو كتاب في الصحف التي بأيدي الملائكة قال تعالى ( فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ) ، وهو كتاب في الصحف التي بأيدينا ، فهو مكتوب بأيدينا ونقرؤه من هذه الكتب .
• فيه اسم من أسماء القرآن وهو الكتاب ، ومن أسماء القرآن :
الاسم الأول : الفرقان ، كما قال تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) ، وقال تعالى ( وأنزل الفرقان ) .
وسمي بذلك : قيل : لأنه يفرق بين الحـق والباطل ، والخير والشر ، وقيل : لأنه نزل متفرقاً في حين أن سائر الكتب نزلت جملة واحـدة ، وقيل : الفرقان هو النجـاة ، وذلك لأن الخلق في ظلمات الضـلالات فبالقرآن وجدوا النجاة .
[ مفاتيح الغيب : 2 / 14]
وكل هذه الأقوال صحيحة .
الاسم الثاني : القرآن ، كما قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ، وقال تعالى ( لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتـوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) .
الاسم الثالث : الكتاب ، كما في قوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ، وقوله تعالى ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ) ، وسبق لماذا سمي بذلك .
الاسم الرابع : الذكر ، كما قال تعالى ( وأنـزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ، وقال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر ) .
قال ابن جرير في وجه تسميته بالذكر : إنه محتمل معنيين :
أحدهما : أنه ذكر من الله جل ذكره ، ذكّر به عباده ، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه ، وسائر ما أودعه من حكمه .
والآخر : أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه ، كما قال جل ثناؤه ( وإنه لذكر لك ولقومك ، يعني أنه شرف به شرف له ولقومه . [ تفسير الطبري : 1 / 70 ]
قوله تعالى ( لا ريب فيه ) الريب هو الشك مع القلق فهو أخص من الشك .
فالقرآن لا شك ولا ريب أنه موحى من عند الله ، كما قال تعالى ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) .
والقرآن لا شك أنه يبعث على عدم الريب والشك .
والقرآن لا شك ولا ريب أنه واقع موقعـه .
والقرآن لا يتضمن أموراً تبعث على الريب والشك .
والقرآن لا يوجد فيه متناقضـات .
والقرآن لا ريب فيه وإن ارتاب فيه المرتابون .
1- نفي الريب عن القرآن ، وهذا النفي متضمن ثبوت كمال ضده ، وهو أنه مشتمل على كمال اليقين .
قال الشيخ السعدي : ” لا ريب فيه : ونفي الريب عنه يستلزم ضده ، إذ ضد الريب والشك اليقين ، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين ، المزيل للشك والريب ، وهذه قاعدة مفيدة : أن النفي المقصود به المدح ، لا بد أن يكون متضمناً لضده ، وهو الكمال ، لأن النفي عدم ، والعدم المحض لا مدح فيه “ . [ تفسير السعدي : 1 / 23 ]
( أم يقولون افتراه ) يقول تعالى مخبراً عن المشركين أنهم قالوا أن محمداً اختلقه من تلقاء نفسه .
قال السعدي رحمه الله : ” قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك : افتراه محمد ، واختلقه من عند نفسه ، وهذا من كبر الجراءة على إنكار كلام الله ، ورمي محمد بأعظم الكذب “ .
قال تعالى راداً على من قال افتراه :
( بل هو الحق ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
( من ربك ) أنزله رحمة للعباد .
( لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك ) أي أنزله إليك لتنذر به قوماً ما جاءهم رسول قبلك يا محمد .
والإنذار : الإخبار المقرون بالتخويف .
( لعلهم يهتدون ) أي يتبعون الحق ويؤثرونه .
الفوائد :
1- بيان إعجاز القرآن ، حيث أن القرآن يكون من هذه الحروف المقطعة [ الم ، ق ، ص ] ومع ذلك يتحدى القرآن أن يأتوا بمثله .
2- الثناء على القرآن .
3- أن القرآن منزل غير مخلوق ، لقوله : ( تنزيل ) .
4- إثبات علو الله بذاته ، لقوله : ( تنزيل ) . [ وقد سبقت أدلة العلو في سورة البقرة ] .
5- إثبات اسم من أسماء القرآن ، وهو الكتاب .
6- الثناء على القرآن بأنه لا ريب ولا شك فيه بوجه من الوجوه .
7- وجوب تعظيم القرآن .
8- الرد على من قال إن محمداً افترى هذا القرآن ، حيث ذكر الله أموراً تدل على كذبهم :
قوله تعالى : ( هو الحق ) على كل الوجوه .
( من ربك ) من رب العالمين .
( لا ريب فيه ) بوجه من الوجوه ، فليس فيه ما يوجب الريبة .
9- أن مهمة الرسل الإنذار والتبشير .
قال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) .
وقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) .
10- أنه ما من أمة إلا وجاءها نذير ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) .
وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
11- أن مهمة الرسل البلاغ ، والهداية بيد الله .
12- أن النذارة سبب للهداية .
13- إثبات رحمة الله للخلق ، حيث أرسل إليهم الرسل من أجل هدايتهم .
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ . ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) .
---------------------------
( الذي خلق السموات والأرض وما بينهما ) أي أوجدهما من العدم على وجه الإحكام والإتقان .
وما بينهما : يعني بين السماء والأرض ، وهذه المخلوقات منها ما هو معلوم لنا كالشمس والقمر والنجوم والسحاب ، ومنها ما هو مجهول إلى الآن .
( في ستة أيام ) أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة .
• وقد اختلف في مقدار هذه الأيام :
فقيل : كأيامنا هذه .
لأن الله أطلقها ، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود وهي أيامنا هذه .
وقيل : كل يوم مقدار خمسين ألف سنة .
وقيل : المراد باليوم لحظة .
والراجح الأول .
• فإن قيل : أليس الله بقادر على أن يخلقها في لحظة ؟
فالجواب : بلى ، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وإنما خلقها في ستة أيام لحكمتين :
الحكمة الأولى : أن هذه المخلوقات يترتب بعضها على بعض ، فرتب الله بعضها على بعض حتى أحكمها .
الحكمة الثانية : أن الله علم عباده التؤدة والتأني ، وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه .
- هذه الأيام أربعة منها للأرض ، ويومان للماء ، كما فصل ذلك في سورة فصلت : ((قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) .
( ثم استوى على العرش ) أي علا وارتفع على العرش ، وأما كيفية ذلك فالله أعلم بكيفيته .
• والعرش : ذلك السقف المحيط بالمخلوقات ، وهو من أعظم المخلوقات .
- في هذه الآيات إثبات أن الله مستو على عرشه ، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة ، استواء يليق بجلاله من غير تكييف .
( ما لكم من دونه من ولي ) أي ليس لكم أيها الناس من غير الله من ولي .
• والولي : من يتولى أمر الإنسان بجلب الخير ودفع الشر .
وإذا قرنت بالنصر صارت خاصة بجلب الخير .
• والنصر يدفع الشر .
( ولا شفيع ) يشفع لكم أن توجه إليكم العقاب .
والشفاعة : هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة .
( أفلا تذكرون ) فتعلمون أن خالق السموات والأرض ، المستوي على العرش العظيم ، الذي انفرد بتدبيركم وتوليكم ، وله الشفاعة كلها ، هو المستحق لجميع أنواع العبادة .
( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ) أي تنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى الأرض ، كما قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) .
• قال الشيخ السعدي رحمه الله : ” فيُسعد ويُشقي ، ويُغني ويُفقر ، ويُعز ويُذل ، ويُكرم ويُهين ، ويرفع أقواماً ويضـع آخرين ، ويُنزل الأرزاق “ .
( ثم يعرج إليه ) أي ما يترتب على ذلك الأمر يصعد إلى الله .
( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) أي في يوم من أيام الدنيا ، فيكون الملك قد قطع في يوم واحد من أيام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي .
وعلى هذا القول فالمراد ( ألف سنة ) أي في أيام الدنيا ، ومن المعلوم أن بين كل سماء وأرض خمسمائة عام .
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد : يدبر أمر الدنيا مدة أيام الدنيا ، فينزل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض ( ثم يعرج إليه ) أي يعود إليه الأمر والتدبير يوم القيامة في يوم كان مقداره ألف سنة ، وذلك يوم القيامة ، لأن كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة .
والراجح الأول ، ورجحه ابن كثير وقال :
” أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة ، وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة بينهما وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وقال مجاهد وقتادة والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام ، ولكنه يقطعها في طرفة عين “ .
( ذلك عالم الغيب والشهادة ) أي المدبر لهذه الأمور ، الذي هو شهيد على أعمال عباده ، يعلم ما غاب عن المخلوقين وما هو مشاهد لهم .
• قال القرطبي : ” وفي الآية معنى التهديد والوعيد ، كأنه يقول : أخلصوا أعمالكم وأقوالكم فإني مجازيكم عليها ، ومعنى ( الغيب والشهادة ) ما غاب عن الخلق وما حضرهم “ .
( العزيز ) العزة ثلاثة أنواع : عزة القهر : فالله قاهر كل شيء ، وعزة القدرة : أي أن الله ذو قدر شريف عظيم ،
وعزة الامتناع : أي يمتنع أن يناله سوء أو نقص .
( الرحيم ) الذي وسعت رحمته كل شيء ، أرحم بعبده من الوالدة بولدها .
الفوائد :
1- إثبات أن الخالق هو الله .
2- عظم خلق السموات والأرض .
3- إثبات العرش .
العرش : لغة عبارة عن السرير الذي للملك ، سمي عرشاً لارتفاعــه عليه
وشرعاً : هو العرش الذي أضافه الله لنفسه وهو سرير عظيم ذو قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على العالم ، وهو سقف هذه المخلوقات ، وقد وصفه الله بأوصاف عظيمة .
وصفه بالعظمة :
قال تعالى ( ورب العرش العظيم ) .
ووصفه بأنه كريم :
قال تعالى ( فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم ) .
ومدح نفسه سبحانه بأنه ذو عرش :
كما قال تعالى (رفيع الدرجات ذو العرش ) .
وأخبر سبحانه أن للعرش حملة :
قال تعالى ( الذين يحملون العرش ومن حوله ... ) .
وقال تعالى ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) .
وأخبر سبحانه أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض :
قال تعالى ( وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ) .
وأخبر النبي أن العرش فوق الفردوس :
قال ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ) .
وله قوائم :
قال ( لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ... ) .
وهو أعظم المخلوقات .
4- إثبات أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله من غير تحريف ولا تكييف .
وقد ذكر الله استوائه على العرش في سبع مواضع من القرآن .
وقد فسر أهل التعطيل الاستواء بمعنى الاستيلاء ، واستدلوا بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو درهم راق
لكن هذا البيت لا يعرف قائله .
5- عظم قدرة الله .
6- أن بين السموات والأرض من الآيات شيئاً كثيراً .
7- أن خلق السموات والأرض في ستة أيام .
8- إثبات علو الله .
9- أنه ليس للخلق ولي من دون الله .
10- إبطال تعلق المشركين بآلهتهم .
11- أن أمر السماء شامل للسماء والأرض .
12- عموم علم الله .
13- أنه لا يعلم الغيب إلا الله .
كما قال تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) .
14- إثبات هذين الاسمين من أسماء الله : العزيز الرحيم .
قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ . وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ . قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) .
---------------------------
( الذي أحسن كل شيء خلقه ) يخبر تعالى أنه أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها .
• قال السعدي رحمه الله : ” أي كل مخلوق خلقه الله ، فإن الله أحسن خلقه ، وخلقه خلقاً يليق به ويوافقه “ .
( وبدأ خلق الإنسان من طين ) يعني خلق أبا البشر آدم من طين .
( ثم جعل نسله ) أي ذرية آدم ناشئة .
( من سلالة من ماء مهين ) السلالة الخالص من الشيء ، أي جعل ذريته يتناسـلون من خلاصة من ماء ضعيف حقير هو المني .
( ثم سواه ) يعني آدم لما خلقه من تراب ، خلقه سوياً مستقيماً .
( ونفخ فيه من روحه ) أي نفخ فيه بعد ذلك الروح .
• وقوله ( من روحه ) ليس معناه أن آدم شيء من روح الله فيكون جزءاً من الله ، فإن هذا مستحيل ، وإنما الإضافة هنا إضافة خلق وتشريف ، كما قال تعالى : ( وطهر بيتي ) .
( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) أي ما زال يعطيكم من المنافع شيئاً فشيئاً حتى أعطاكم السمع لتسمعون به الأصوات ، والبصر لتبصروا به ، والعقل لتدركوا به الحق والهدى .
( قليلاً ما تشكرون ) أي قليل شكركم لربكم على هـذه القوى التي رزقكموها الله ، فإن السعيد من استعملها في طاعة الله .
( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض ) يقول تعالى مخبراً عن المشركين في استبعادهم المعاد ، حيث قالوا ( أإذا ضللنا في الأرض ) أي تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت .
( أإنا لفي خلق جديد ) أي أئنا لنعود بعد تلك الحال ؟ يستبعدون ذلك ، وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرهم العاجزة لا بالنسبة إلى قدرة الله الذي بدأهم وخلقهم من العدم ، الذي إنما إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، ولهذا قال تعالى :
( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) أي بل هناك ما هو أبلغ وأشـنع من الاستهزاء وهـو كفرهم وجحودهم بلقاء الله في دار الجزاء .
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) أي قل لهم رداً على مزاعمهم الباطلة ، يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم هو وأعوانه .
( ثم إلى ربكم ترجعون ) فيجازيكم بأعمالكم ، وقد أنكرتم البعث ، فانظروا ما ذا يفعل الله بكم .
• في هذه الآية أن الذي يتولى قبض الأرواح هو ملك الموت ، وجاء في آيات أخر أن الناس تتوفاهم الملائكة ، كقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) .
والجمع بين هذه الآيات :
أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد هو المذكور هنا ، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم ، وكل ذلك بأمر الله ومشيئته .
الفوائد :
1- حسن خلق الله وتدبيره .
2- أن آدم مخلوق من طين .
وقد جاء آيات تبين أنه خلق من تراب :
كما قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .
وجاء آيات أنه خلق من طين :
كما في هذه الآية .
وجاء في آيات أنه خلق من صلصال من حمإ مسنون .
كما قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) .
وهذا كله حق ولا تعارض فيه ، فالتراب إذا خلط بالماء صار طيناً ، والصلصال طين مخصوص ، وإذا يبس صار فخاراً ، فهذه أطوار في الخلق .
3- أن أصل الإنسان من ماء مهين .
4- أن الخالق هو الله .
5- حكمة الله في خلق الإنسان على أطوار .
6- بيان فضل آدم ، حيث سواه الله ونفخ فيه من روحه .
ولذلك في حديث الشفاعة يقول الناس لآدم : ( يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، اشفع لنا عند ربك ) .
7- من أعظم النعم نعمة السمع والبصر والقلب .
8- أن القليل من الناس من يشكر الله .
كما قال تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) .
9- استبعاد المشركين للبعث .
كما قال تعالى : (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) .
وقال تعالى عنهم : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ . هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ . إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) .
وقال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) .
وقال تعالى : (وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ . أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) .
10- إثبات لقاء الله والبعث والجزاء .
11- أن للموت ملك خاص به ، وقد ورد أن اسمه عزرائيل لكنه لا يصح .
12- إثبات الملائكة .
13- إثبات أن لكل ملك وظيفة تخصه .
14- إثبات الموت ، وأن كل نفس ذائقة الموت .
15- أن من الملائكة من لا نعرف أسماءهم .
قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ . وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .
---------------------------
( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ) يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وحالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عز وجل ، حقيرين ذليلين ناكسي رؤوسهم ذلاً وصغاراً .
( ربنا أبصرنا وسمعنا ) أي نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك ، كما قال تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) .
قال الشنقيطي : ” معنى الآية : أن الكفار يوم القيامة يسمعون ويبصرون الحقائق التي أخبرتهم بها الرسل سمعاً وإبصاراً عجيبين ، وأنهم في دار الدنيا في ظلال وغفلة لا يسمعون الحق ولا يبصرونه “ .
وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) .
( فارجعنا ) أي إلى دار الدنيا .
( نعمل صالحاً إنا موقنون ) أي قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق ولقاؤك حق .
• وقد علم الرب تبارك وتعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفاراً يكذبون بآيات الله ويخالفون رسله ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ) وقال تعالى : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا ) .
• والعمل الصالح ما اجتمع فيه : الإخلاص والمتابعة .
( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) أي لهدينا الناس كلهم ، وجمعناهم على الهدى ، فمشيئتنا صالحة لذلك ، ولكن الحكمة تأبى أن يكونوا كلهم على الهدى ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) .
( ولكن حق القول مني ) أي وجب وثبت ثبوتاً لا تغير فيه .
( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) أي لأملأن جهنم من الصنفين [ الجن والإنس ] فدارهم النار لا محيد لهم عنها ولا محيص لهم منها ، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك .
( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ : ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم واستبعادكم وقوعه وتناسيكم له إذ عاملتموه معاملة من هو ناسٍ له .
( إنا نسيناكم ) أي تركناكم بالعذاب ، جزاء من جنس عملكم ، فكما نَسِتم نُسِتُم .
( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) أي العذاب الغير المنقطع ، بسبب كفركم وتكذيبكم .
الفوائد :
1- بيان شدة حال الكافرين يوم القيامة .
2- أن الكفار يعرفون الحق يوم القيامة ويعترفون أنهم كانوا على باطل ، لكن لا ينفعهم .
كما قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) .
وقال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) .
3- أن الكافر يتمنى العمل الصالح يوم القيامة .
والكافر يتمنى العمل الصالح في موضعين :
الأول : عند احتضاره .
كما قال تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ) .
الثاني : في النار يوم القيامة .
كما في هذه الآية .
وكما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ... وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ) .
4- أهمية العمل الصالح ، والعمل الصالح له فضائل :
أولاً : يتمناه الكافر يوم القيامة .
كما في الآية التي سبقت .
ثانياً : أن الله أمر بالمسارعة إليه .
قال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ... ) .
ثالثاً : هو من يدخل معك القبر .
قال : ( يتبع الميت ثلاث : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) .
5- على المسلم أن يحرص على الإكثار من العمل الصالح ، لأنه إذا مات سيندم على تفريطه .
6- الحرص على الاستفادة من الأوقات بالعمل الصالح .
7- أن الكافر يوم القيامة ينسى الدنيا وحطامها ولا يريد إلا العمل الصالح الذي فرط فيه .
8- أن العبرة بالإيمان واليقين في دار الدنيا ، فهي موطن العمل والاختبار لا يوم القيامة ، حين يرى الإنسان العذاب والنار .
9- إثبات مشيئة الله .
10- إثبات جهنم وأنها اسم من أسماء النار .
11- أن النار ستمتلئ من كفار الإنس والجن .
كما قال تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) .
12- إثبات الجن ، وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) .
وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
وقال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) .
وعن أبي سعيد قال : قال لي رسول الله : ( إني أراك تحب الغنم والبادية ، فغذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء ، فإنه لا يسمع صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) .
وعن ابن عباس أن النبي كان يقول : ( أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت والجن والإنس يموتون ) . رواه البخاري
وقال : ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ) . رواه مسلم
13- أن الجني الكافر يدخل النار ، وهذا بالإجماع .
للآية التي معنا .
ولقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) .
واختلف العلماء في مؤمنهم على قولين :
القول الأول : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار .
وهذا قول أبي حنيفة .
لقوله تعالى : (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .
القول الثاني : أنهم يدخلون الجنة .
وهذا مذهب الجمهور .
لقوله تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) والخطاب للإنس والجن .
ولقوله تعالى : ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) .
ولقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) .
المصدر : الشبخ اللهيميد
قال تعالى : ( الم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) .
---------------------------
( الم ) هذه من الحروف المقطعة التي تكون في أول بعض السور .
وقد اختلف العلماء في الحروف المقطعة التي وردت في أوائل بعض السور على أقوال كثيرة :
فقيل : لها معنى ، واختلف في معناها : فبعض العلماء : قال هي أسماء للسور ، وبعضهم قال : هي أسماء لله ، وبعضهم قال غير ذلك .
وقيل : هي حروف هجائية ليس لها معنى ، ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين وقال : ” وحجة هذا القول : أن القرآن نزل بلغة العرب ، وهذه الحروف ليس لها معنى في اللغة العربية “ .
وأما الحكمة منها : فأرجح الأقوال أنها إشارة إلى إعجاز القرآن العظيم ، ورجح هذا القول ابن كثير في تفسيره فقال :
” وقال آخرون إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله هذا مع أنه مركب من هذه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها ، وقد حكى هذا المذهب الرازي في تفسيره عن المبرد وجمع من المحققين ، وإليه ذهب الشيخ أبو العباس بن تيمية وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي وحكاه لي عـن ابن تيميـة “ . [ تفسير ابن كثير : 1 / 51 ] .
وقد رجح هذا الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان حيث قال بعد أن ذكر الخلاف : ” أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو : أن الحروف المقطعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن ، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله .... ثم قال رحمه الله : ووجه استقراء القرآن لهذا القول : أن السور التي افتتحت بالحروف المقطعة يذكر فيها دائماً عقب الحروف المقطعة الانتصار للقرآن وبيان إعجازه وأنه حق ، قال تعالى في البقرة ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ، وقال في آل عمران ( ألم الله لا إله إلا هو الحي القيوم نزل عليك الكتاب بالحق ) ، وقال في الأعراف ( ألمص كتاب أنزل إليك ) ، وقال في يونس ( الر تلك آيات الكتاب الحكيم ) ، وقال في هود ( الر كتاب أحكمت آياته .. ) ، وقال في يوسف ( الر تلك آيات الكتاب المبين . إنا أنزلناه قرآناً عربياً ) “ .
ثم ذكر رحمه الله بقية السور .
ورجح هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال بعدما رجح هذا القول : ” ... أن هذا القرآن لم يأت بكلمات ، أو بحروف خارجة عن نطاق البشر ، وإنما هي من الحروف التي لا تعدو ما يتكلم به البشر ، ومع ذلك فقد أعجزهم “ .
• وأما قول من قال إنما ذكرت ليعرف بها أوائل السور ، فهذا ضعيف ، لأن الفصل حاصل بدونها .
• وقول من قال : بل ابتدىء بها لتفتح لاستماعها أسماع المشركين إذا تواصوا بالإعراض عن القرآن إذا تلا عليهم ، وهذا ضعيف ، لأنه لو كان كذلك لكان ذلك في جميع السور لا يكون في بعضها . [ تفسير ابن كثير : 1 / 51 ] .
• عدد الحروف المقطعة ( 14 ) حرفاً يجمعها قولهم : نص حكيم قاطع له سر .
• افتتح الله عز وجل ( 29 ) سورة بالحروف المقطعة .
( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) أي هذا الكتاب وهو القرآن الموفى به إليك يا محمد لا شك ولا ريب أنه من عند الله الذي هو رب العالمين وخالقهم ومدبرهم .
• ( تنزيل الكتاب ) أن من أسماء القرآن الكتاب ، وسمي بذلك لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ كما قال تعالى
( إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ) أي اللوح المحفوظ ، وهو كتاب في الصحف التي بأيدي الملائكة قال تعالى ( فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ) ، وهو كتاب في الصحف التي بأيدينا ، فهو مكتوب بأيدينا ونقرؤه من هذه الكتب .
• فيه اسم من أسماء القرآن وهو الكتاب ، ومن أسماء القرآن :
الاسم الأول : الفرقان ، كما قال تعالى ( تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ) ، وقال تعالى ( وأنزل الفرقان ) .
وسمي بذلك : قيل : لأنه يفرق بين الحـق والباطل ، والخير والشر ، وقيل : لأنه نزل متفرقاً في حين أن سائر الكتب نزلت جملة واحـدة ، وقيل : الفرقان هو النجـاة ، وذلك لأن الخلق في ظلمات الضـلالات فبالقرآن وجدوا النجاة .
[ مفاتيح الغيب : 2 / 14]
وكل هذه الأقوال صحيحة .
الاسم الثاني : القرآن ، كما قال تعالى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ) ، وقال تعالى ( لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتـوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً ) .
الاسم الثالث : الكتاب ، كما في قوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه ) ، وقوله تعالى ( الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا ) ، وسبق لماذا سمي بذلك .
الاسم الرابع : الذكر ، كما قال تعالى ( وأنـزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) ، وقال تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر ) .
قال ابن جرير في وجه تسميته بالذكر : إنه محتمل معنيين :
أحدهما : أنه ذكر من الله جل ذكره ، ذكّر به عباده ، فعرفهم فيه حدوده وفرائضه ، وسائر ما أودعه من حكمه .
والآخر : أنه ذكر وشرف وفخر لمن آمن به وصدق بما فيه ، كما قال جل ثناؤه ( وإنه لذكر لك ولقومك ، يعني أنه شرف به شرف له ولقومه . [ تفسير الطبري : 1 / 70 ]
قوله تعالى ( لا ريب فيه ) الريب هو الشك مع القلق فهو أخص من الشك .
فالقرآن لا شك ولا ريب أنه موحى من عند الله ، كما قال تعالى ( تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) .
والقرآن لا شك أنه يبعث على عدم الريب والشك .
والقرآن لا شك ولا ريب أنه واقع موقعـه .
والقرآن لا يتضمن أموراً تبعث على الريب والشك .
والقرآن لا يوجد فيه متناقضـات .
والقرآن لا ريب فيه وإن ارتاب فيه المرتابون .
1- نفي الريب عن القرآن ، وهذا النفي متضمن ثبوت كمال ضده ، وهو أنه مشتمل على كمال اليقين .
قال الشيخ السعدي : ” لا ريب فيه : ونفي الريب عنه يستلزم ضده ، إذ ضد الريب والشك اليقين ، فهذا الكتاب مشتمل على علم اليقين ، المزيل للشك والريب ، وهذه قاعدة مفيدة : أن النفي المقصود به المدح ، لا بد أن يكون متضمناً لضده ، وهو الكمال ، لأن النفي عدم ، والعدم المحض لا مدح فيه “ . [ تفسير السعدي : 1 / 23 ]
( أم يقولون افتراه ) يقول تعالى مخبراً عن المشركين أنهم قالوا أن محمداً اختلقه من تلقاء نفسه .
قال السعدي رحمه الله : ” قال المكذبون للرسول الظالمون في ذلك : افتراه محمد ، واختلقه من عند نفسه ، وهذا من كبر الجراءة على إنكار كلام الله ، ورمي محمد بأعظم الكذب “ .
قال تعالى راداً على من قال افتراه :
( بل هو الحق ) الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
( من ربك ) أنزله رحمة للعباد .
( لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك ) أي أنزله إليك لتنذر به قوماً ما جاءهم رسول قبلك يا محمد .
والإنذار : الإخبار المقرون بالتخويف .
( لعلهم يهتدون ) أي يتبعون الحق ويؤثرونه .
الفوائد :
1- بيان إعجاز القرآن ، حيث أن القرآن يكون من هذه الحروف المقطعة [ الم ، ق ، ص ] ومع ذلك يتحدى القرآن أن يأتوا بمثله .
2- الثناء على القرآن .
3- أن القرآن منزل غير مخلوق ، لقوله : ( تنزيل ) .
4- إثبات علو الله بذاته ، لقوله : ( تنزيل ) . [ وقد سبقت أدلة العلو في سورة البقرة ] .
5- إثبات اسم من أسماء القرآن ، وهو الكتاب .
6- الثناء على القرآن بأنه لا ريب ولا شك فيه بوجه من الوجوه .
7- وجوب تعظيم القرآن .
8- الرد على من قال إن محمداً افترى هذا القرآن ، حيث ذكر الله أموراً تدل على كذبهم :
قوله تعالى : ( هو الحق ) على كل الوجوه .
( من ربك ) من رب العالمين .
( لا ريب فيه ) بوجه من الوجوه ، فليس فيه ما يوجب الريبة .
9- أن مهمة الرسل الإنذار والتبشير .
قال تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ) .
وقال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً) .
10- أنه ما من أمة إلا وجاءها نذير ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) .
وقال تعالى : (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ) .
11- أن مهمة الرسل البلاغ ، والهداية بيد الله .
12- أن النذارة سبب للهداية .
13- إثبات رحمة الله للخلق ، حيث أرسل إليهم الرسل من أجل هدايتهم .
(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ . ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) .
---------------------------
( الذي خلق السموات والأرض وما بينهما ) أي أوجدهما من العدم على وجه الإحكام والإتقان .
وما بينهما : يعني بين السماء والأرض ، وهذه المخلوقات منها ما هو معلوم لنا كالشمس والقمر والنجوم والسحاب ، ومنها ما هو مجهول إلى الآن .
( في ستة أيام ) أولها يوم الأحد ، وآخرها يوم الجمعة .
• وقد اختلف في مقدار هذه الأيام :
فقيل : كأيامنا هذه .
لأن الله أطلقها ، وإذا أطلق يحمل على المعروف المعهود وهي أيامنا هذه .
وقيل : كل يوم مقدار خمسين ألف سنة .
وقيل : المراد باليوم لحظة .
والراجح الأول .
• فإن قيل : أليس الله بقادر على أن يخلقها في لحظة ؟
فالجواب : بلى ، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، وإنما خلقها في ستة أيام لحكمتين :
الحكمة الأولى : أن هذه المخلوقات يترتب بعضها على بعض ، فرتب الله بعضها على بعض حتى أحكمها .
الحكمة الثانية : أن الله علم عباده التؤدة والتأني ، وأن الأهم إحكام الشيء لا الفراغ منه .
- هذه الأيام أربعة منها للأرض ، ويومان للماء ، كما فصل ذلك في سورة فصلت : ((قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ) .
( ثم استوى على العرش ) أي علا وارتفع على العرش ، وأما كيفية ذلك فالله أعلم بكيفيته .
• والعرش : ذلك السقف المحيط بالمخلوقات ، وهو من أعظم المخلوقات .
- في هذه الآيات إثبات أن الله مستو على عرشه ، وهذا معتقد أهل السنة والجماعة ، استواء يليق بجلاله من غير تكييف .
( ما لكم من دونه من ولي ) أي ليس لكم أيها الناس من غير الله من ولي .
• والولي : من يتولى أمر الإنسان بجلب الخير ودفع الشر .
وإذا قرنت بالنصر صارت خاصة بجلب الخير .
• والنصر يدفع الشر .
( ولا شفيع ) يشفع لكم أن توجه إليكم العقاب .
والشفاعة : هي التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة .
( أفلا تذكرون ) فتعلمون أن خالق السموات والأرض ، المستوي على العرش العظيم ، الذي انفرد بتدبيركم وتوليكم ، وله الشفاعة كلها ، هو المستحق لجميع أنواع العبادة .
( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ) أي تنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى الأرض ، كما قال تعالى : (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ) .
• قال الشيخ السعدي رحمه الله : ” فيُسعد ويُشقي ، ويُغني ويُفقر ، ويُعز ويُذل ، ويُكرم ويُهين ، ويرفع أقواماً ويضـع آخرين ، ويُنزل الأرزاق “ .
( ثم يعرج إليه ) أي ما يترتب على ذلك الأمر يصعد إلى الله .
( في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) أي في يوم من أيام الدنيا ، فيكون الملك قد قطع في يوم واحد من أيام الدنيا في نزوله وصعوده مسافة ألف سنة من مسيرة الآدمي .
وعلى هذا القول فالمراد ( ألف سنة ) أي في أيام الدنيا ، ومن المعلوم أن بين كل سماء وأرض خمسمائة عام .
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد : يدبر أمر الدنيا مدة أيام الدنيا ، فينزل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض ( ثم يعرج إليه ) أي يعود إليه الأمر والتدبير يوم القيامة في يوم كان مقداره ألف سنة ، وذلك يوم القيامة ، لأن كل يوم من أيام الآخرة كألف سنة .
والراجح الأول ، ورجحه ابن كثير وقال :
” أي يتنزل أمره من أعلى السماوات إلى أقصى تخوم الأرض السابعة ، وترفع الأعمال إلى ديوانها فوق سماء الدنيا ومسافة بينهما وبين الأرض مسيرة خمسمائة سنة ، وقال مجاهد وقتادة والضحاك : النزول من الملك في مسيرة خمسمائة عام وصعوده في مسيرة خمسمائة عام ، ولكنه يقطعها في طرفة عين “ .
( ذلك عالم الغيب والشهادة ) أي المدبر لهذه الأمور ، الذي هو شهيد على أعمال عباده ، يعلم ما غاب عن المخلوقين وما هو مشاهد لهم .
• قال القرطبي : ” وفي الآية معنى التهديد والوعيد ، كأنه يقول : أخلصوا أعمالكم وأقوالكم فإني مجازيكم عليها ، ومعنى ( الغيب والشهادة ) ما غاب عن الخلق وما حضرهم “ .
( العزيز ) العزة ثلاثة أنواع : عزة القهر : فالله قاهر كل شيء ، وعزة القدرة : أي أن الله ذو قدر شريف عظيم ،
وعزة الامتناع : أي يمتنع أن يناله سوء أو نقص .
( الرحيم ) الذي وسعت رحمته كل شيء ، أرحم بعبده من الوالدة بولدها .
الفوائد :
1- إثبات أن الخالق هو الله .
2- عظم خلق السموات والأرض .
3- إثبات العرش .
العرش : لغة عبارة عن السرير الذي للملك ، سمي عرشاً لارتفاعــه عليه
وشرعاً : هو العرش الذي أضافه الله لنفسه وهو سرير عظيم ذو قوائم تحمله الملائكة وهو كالقبة على العالم ، وهو سقف هذه المخلوقات ، وقد وصفه الله بأوصاف عظيمة .
وصفه بالعظمة :
قال تعالى ( ورب العرش العظيم ) .
ووصفه بأنه كريم :
قال تعالى ( فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش العظيم ) .
ومدح نفسه سبحانه بأنه ذو عرش :
كما قال تعالى (رفيع الدرجات ذو العرش ) .
وأخبر سبحانه أن للعرش حملة :
قال تعالى ( الذين يحملون العرش ومن حوله ... ) .
وقال تعالى ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ) .
وأخبر سبحانه أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السموات والأرض :
قال تعالى ( وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ) .
وأخبر النبي أن العرش فوق الفردوس :
قال ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ) .
وله قوائم :
قال ( لا تخيروا بين الأنبياء ، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ... ) .
وهو أعظم المخلوقات .
4- إثبات أن الله مستو على عرشه استواء يليق بجلاله من غير تحريف ولا تكييف .
وقد ذكر الله استوائه على العرش في سبع مواضع من القرآن .
وقد فسر أهل التعطيل الاستواء بمعنى الاستيلاء ، واستدلوا بقول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو درهم راق
لكن هذا البيت لا يعرف قائله .
5- عظم قدرة الله .
6- أن بين السموات والأرض من الآيات شيئاً كثيراً .
7- أن خلق السموات والأرض في ستة أيام .
8- إثبات علو الله .
9- أنه ليس للخلق ولي من دون الله .
10- إبطال تعلق المشركين بآلهتهم .
11- أن أمر السماء شامل للسماء والأرض .
12- عموم علم الله .
13- أنه لا يعلم الغيب إلا الله .
كما قال تعالى : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) .
14- إثبات هذين الاسمين من أسماء الله : العزيز الرحيم .
قال تعالى : (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ . ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ . ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ . وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ . قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) .
---------------------------
( الذي أحسن كل شيء خلقه ) يخبر تعالى أنه أحسن خلق الأشياء وأتقنها وأحكمها .
• قال السعدي رحمه الله : ” أي كل مخلوق خلقه الله ، فإن الله أحسن خلقه ، وخلقه خلقاً يليق به ويوافقه “ .
( وبدأ خلق الإنسان من طين ) يعني خلق أبا البشر آدم من طين .
( ثم جعل نسله ) أي ذرية آدم ناشئة .
( من سلالة من ماء مهين ) السلالة الخالص من الشيء ، أي جعل ذريته يتناسـلون من خلاصة من ماء ضعيف حقير هو المني .
( ثم سواه ) يعني آدم لما خلقه من تراب ، خلقه سوياً مستقيماً .
( ونفخ فيه من روحه ) أي نفخ فيه بعد ذلك الروح .
• وقوله ( من روحه ) ليس معناه أن آدم شيء من روح الله فيكون جزءاً من الله ، فإن هذا مستحيل ، وإنما الإضافة هنا إضافة خلق وتشريف ، كما قال تعالى : ( وطهر بيتي ) .
( وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة ) أي ما زال يعطيكم من المنافع شيئاً فشيئاً حتى أعطاكم السمع لتسمعون به الأصوات ، والبصر لتبصروا به ، والعقل لتدركوا به الحق والهدى .
( قليلاً ما تشكرون ) أي قليل شكركم لربكم على هـذه القوى التي رزقكموها الله ، فإن السعيد من استعملها في طاعة الله .
( وقالوا أإذا ضللنا في الأرض ) يقول تعالى مخبراً عن المشركين في استبعادهم المعاد ، حيث قالوا ( أإذا ضللنا في الأرض ) أي تمزقت أجسامنا وتفرقت في أجزاء الأرض وذهبت .
( أإنا لفي خلق جديد ) أي أئنا لنعود بعد تلك الحال ؟ يستبعدون ذلك ، وهذا إنما هو بعيد بالنسبة إلى قدرهم العاجزة لا بالنسبة إلى قدرة الله الذي بدأهم وخلقهم من العدم ، الذي إنما إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، ولهذا قال تعالى :
( بل هم بلقاء ربهم كافرون ) أي بل هناك ما هو أبلغ وأشـنع من الاستهزاء وهـو كفرهم وجحودهم بلقاء الله في دار الجزاء .
( قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ) أي قل لهم رداً على مزاعمهم الباطلة ، يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بقبض أرواحكم هو وأعوانه .
( ثم إلى ربكم ترجعون ) فيجازيكم بأعمالكم ، وقد أنكرتم البعث ، فانظروا ما ذا يفعل الله بكم .
• في هذه الآية أن الذي يتولى قبض الأرواح هو ملك الموت ، وجاء في آيات أخر أن الناس تتوفاهم الملائكة ، كقوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) .
والجمع بين هذه الآيات :
أن الموكل بقبض الأرواح ملك واحد هو المذكور هنا ، ولكن له أعوان يعملون بأمره ينتزعون الروح إلى الحلقوم ، وكل ذلك بأمر الله ومشيئته .
الفوائد :
1- حسن خلق الله وتدبيره .
2- أن آدم مخلوق من طين .
وقد جاء آيات تبين أنه خلق من تراب :
كما قال تعالى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) .
وجاء آيات أنه خلق من طين :
كما في هذه الآية .
وجاء في آيات أنه خلق من صلصال من حمإ مسنون .
كما قال تعالى : (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ) .
وهذا كله حق ولا تعارض فيه ، فالتراب إذا خلط بالماء صار طيناً ، والصلصال طين مخصوص ، وإذا يبس صار فخاراً ، فهذه أطوار في الخلق .
3- أن أصل الإنسان من ماء مهين .
4- أن الخالق هو الله .
5- حكمة الله في خلق الإنسان على أطوار .
6- بيان فضل آدم ، حيث سواه الله ونفخ فيه من روحه .
ولذلك في حديث الشفاعة يقول الناس لآدم : ( يا آدم أنت أبو البشر ، خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، اشفع لنا عند ربك ) .
7- من أعظم النعم نعمة السمع والبصر والقلب .
8- أن القليل من الناس من يشكر الله .
كما قال تعالى : ( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) .
9- استبعاد المشركين للبعث .
كما قال تعالى : (وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً) .
وقال تعالى عنهم : (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ . هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ . إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) .
وقال تعالى : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ) .
وقال تعالى : (وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ . أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) .
10- إثبات لقاء الله والبعث والجزاء .
11- أن للموت ملك خاص به ، وقد ورد أن اسمه عزرائيل لكنه لا يصح .
12- إثبات الملائكة .
13- إثبات أن لكل ملك وظيفة تخصه .
14- إثبات الموت ، وأن كل نفس ذائقة الموت .
15- أن من الملائكة من لا نعرف أسماءهم .
قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ . وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) .
---------------------------
( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ) يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وحالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عز وجل ، حقيرين ذليلين ناكسي رؤوسهم ذلاً وصغاراً .
( ربنا أبصرنا وسمعنا ) أي نحن الآن نسمع قولك ونطيع أمرك ، كما قال تعالى : (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا ) .
قال الشنقيطي : ” معنى الآية : أن الكفار يوم القيامة يسمعون ويبصرون الحقائق التي أخبرتهم بها الرسل سمعاً وإبصاراً عجيبين ، وأنهم في دار الدنيا في ظلال وغفلة لا يسمعون الحق ولا يبصرونه “ .
وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم : (وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ) .
( فارجعنا ) أي إلى دار الدنيا .
( نعمل صالحاً إنا موقنون ) أي قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق ولقاؤك حق .
• وقد علم الرب تبارك وتعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفاراً يكذبون بآيات الله ويخالفون رسله ، كما قال تعالى : (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا ) وقال تعالى : ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا ) .
• والعمل الصالح ما اجتمع فيه : الإخلاص والمتابعة .
( ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ) أي لهدينا الناس كلهم ، وجمعناهم على الهدى ، فمشيئتنا صالحة لذلك ، ولكن الحكمة تأبى أن يكونوا كلهم على الهدى ، كما قال تعالى : (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً ) .
( ولكن حق القول مني ) أي وجب وثبت ثبوتاً لا تغير فيه .
( لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) أي لأملأن جهنم من الصنفين [ الجن والإنس ] فدارهم النار لا محيد لهم عنها ولا محيص لهم منها ، نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك .
( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا ) أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ : ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم واستبعادكم وقوعه وتناسيكم له إذ عاملتموه معاملة من هو ناسٍ له .
( إنا نسيناكم ) أي تركناكم بالعذاب ، جزاء من جنس عملكم ، فكما نَسِتم نُسِتُم .
( وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون ) أي العذاب الغير المنقطع ، بسبب كفركم وتكذيبكم .
الفوائد :
1- بيان شدة حال الكافرين يوم القيامة .
2- أن الكفار يعرفون الحق يوم القيامة ويعترفون أنهم كانوا على باطل ، لكن لا ينفعهم .
كما قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ) .
وقال تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) .
3- أن الكافر يتمنى العمل الصالح يوم القيامة .
والكافر يتمنى العمل الصالح في موضعين :
الأول : عند احتضاره .
كما قال تعالى : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ . لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ ) .
الثاني : في النار يوم القيامة .
كما في هذه الآية .
وكما في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ... وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً ) .
4- أهمية العمل الصالح ، والعمل الصالح له فضائل :
أولاً : يتمناه الكافر يوم القيامة .
كما في الآية التي سبقت .
ثانياً : أن الله أمر بالمسارعة إليه .
قال تعالى : (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ... ) .
ثالثاً : هو من يدخل معك القبر .
قال : ( يتبع الميت ثلاث : أهله وماله وعمله ، فيرجع اثنان ويبقى واحد ، يرجع أهله وماله ويبقى عمله ) .
5- على المسلم أن يحرص على الإكثار من العمل الصالح ، لأنه إذا مات سيندم على تفريطه .
6- الحرص على الاستفادة من الأوقات بالعمل الصالح .
7- أن الكافر يوم القيامة ينسى الدنيا وحطامها ولا يريد إلا العمل الصالح الذي فرط فيه .
8- أن العبرة بالإيمان واليقين في دار الدنيا ، فهي موطن العمل والاختبار لا يوم القيامة ، حين يرى الإنسان العذاب والنار .
9- إثبات مشيئة الله .
10- إثبات جهنم وأنها اسم من أسماء النار .
11- أن النار ستمتلئ من كفار الإنس والجن .
كما قال تعالى : ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) .
12- إثبات الجن ، وهذا ثابت بالكتاب والسنة والإجماع .
قال تعالى : (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) .
وقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
وقال تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ ) .
وعن أبي سعيد قال : قال لي رسول الله : ( إني أراك تحب الغنم والبادية ، فغذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء ، فإنه لا يسمع صوت المؤذن إنس ولا جن ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) .
وعن ابن عباس أن النبي كان يقول : ( أعوذ بعزتك الذي لا إله إلا أنت الذي لا يموت والجن والإنس يموتون ) . رواه البخاري
وقال : ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من مارج من نار ) . رواه مسلم
13- أن الجني الكافر يدخل النار ، وهذا بالإجماع .
للآية التي معنا .
ولقوله تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ) .
واختلف العلماء في مؤمنهم على قولين :
القول الأول : لا ثواب لهم إلا النجاة من النار .
وهذا قول أبي حنيفة .
لقوله تعالى : (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) .
القول الثاني : أنهم يدخلون الجنة .
وهذا مذهب الجمهور .
لقوله تعالى : (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) والخطاب للإنس والجن .
ولقوله تعالى : ( لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) .
ولقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً) .
المصدر : الشبخ اللهيميد
مواضيع مماثلة
» * تفسير سورة السجدة 2
» * تفسير سورة النور 1
» * في تفسير سورة الفاتحة 1
» * تفسير سورة النور 2
» * في تفسير سورة الفاتحة 2
» * تفسير سورة النور 1
» * في تفسير سورة الفاتحة 1
» * تفسير سورة النور 2
» * في تفسير سورة الفاتحة 2
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى