* تفسير سورة النور 1
صفحة 1 من اصل 1
* تفسير سورة النور 1
اعداد : طارق فتحي
سورة النور مدنية .
قال ابن الجوزي : ” هي مدنية كلها بإجماعهم “ .
سميت بذلك :
أولاً : لأنها تحوي قوانين اجتماعية ، ونظماً تربوية تملأ حياة من التزمها نوراً وسعادة .
ثانياً : لأن فيها قول الله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) .
يتركز موضوع سورة النور عموماً في علاج جريمة الزنا [ العقوبة – الوقاية ] .
سورة النور
قال الله تعالى سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .
------------------------------------
قوله ( سورة ) أي هذه السورة .
والسورة مجموعة من الآيات لها فاتحة وخاتمة .
سميت بذلك :
قيل : لشرفها ومنزلتها وفضلها على غيرها من الكلام ، إذ هي كلام الله .
وقيل : سميت بذلك لإحاطتها بآياتها كإحاطة السور بالمدينة والسوار بالساعد .
عدد سور القرآن :
قال الزركشي : ” اعلم أن عدد سور القرآن العظيم باتفاق أهل الحل والعقد ، مائة وأربعة عشرة كما في المصحف العثماني ، أولها الفاتحة وآخرها الناس “ .
مصدر تسمية السور :
اختلف العلماء في ذلك :
فقيل : إنها اجتهادية .
وقيل : توقيفية ، وهو الراجح .
قال السيوطي : ” وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار “ .
حكمة تسوير القرآن وجعله إلى سور :
- التيسير والتشويق لمدارسة القرآن الكريم ، وحفظه .
- الدلالة على موضوع السورة وأهدافها ، إذ أن لكل سورة موضوعاً خاصاً وأهدافاً معينة .
- التنبيه إلى أن الطول ليس شرطاً من شروط الإعجاز والتحدي .
- التدرج في تعليم الأطفال من السور القصار إلى السور الطوال تيسيراً من الله لعباده لحفظ كتابه .
- أن الكتاب إذا انطوى تحته أنواع وأصناف وأبواب وفصول كان أحسن وأفخم من أن يكون باباً واحداً .
- أن القارئ إذا ختم سورة أو جزءاً كان أنشط له وأبعث على التحصيل والاستمرار في التلاوة منه لو استمر على الكتاب بطوله .
قوله تعالى ( أنزلناها ) أي هذه سورة من كتاب الله أنزلناها على رسولنا محمد .
من المعلوم أن الله أنزل جميع سور القرآن ، فلم خص هذه السورة بقوله : ( أنزلناها ) ؟
قال الشنقيطي : ” بين تعالى أنه هو الذي أنزلها معبراً عن نفسه بصيغة الجمع التي تدل على عظمته تعالى ، وذلك يتضمن عظمة هذه السورة ، ويدل على وجوب امتثال أوامرها ، وما فيها من حدود وأحكام وآداب “ .
- إذاً خصها بالتنزيل تشريفاً وتعظيماً لشأنها .
قوله تعالى ( وفرضناها ) أي ألزمنا خلقنا بما فيها من الأحكام من الحدود واللعان ، والآداب الاجتماعية كالاستئذان والتوبة وغير ذلك من العجائب والغرائب التي اشتملت عليها السورة .
قال بعض العلماء :
فرضنا العمل بها .
وفرضنا الإيمان بها .
وفرضنا الاستسلام لها والانقياد لها .
وفرضنا التحاكم إليها .
قوله تعالى ( وأنزلنا فيها آيات بينات ) أي واضحات محكمات لا لبس فيها .
كرر الإنزال ، وفائدة ذلك لكمال العناية بهذه السورة بما تضمنته من حدود وأحكام .
الآيات جمع آية ، وهي في اللغة العلامة ، قال تعالى : ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ... ) .
واصطلاحاً : طائفة ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن .
سميت بذلك لأنها آية على صدق النبي فيما جاء به من القرآن الكريم ، بمعنى أنها معجزة ومظهرة صدقه .
معنى كونها آيات بينات :
قيل : واضحات الدلالة على ما تضمنته من الأحكام مثل : حد الزنى ، والقذف ، وحكم اللعان ... وغير ذلك ، [ ويكون المراد بالآيات هنا الآيات القرآنية ] .
وقيل : واضحات الدلالات على وحدانية الله وكمال قدرته ، مثل : تأليف السحاب وإنزال المطر ، وتقليب الليل والنهار
[ ويكون المراد بالآيات هنا الآيات الكونية التي ذكرت في السورة ] .
ويجمع بين القولين : ويكون معنى ( آيات بينات ) هو أنها واضحة الدلالة على مدلولها ، فيشمل ذلك الآيات القرآنية الدالة على الأحكام والآيات الكونية .
عدد آيات القرآن الكريم: أجمع العلماء على أن عدد آيات القرآن الكريم ستة آلاف ومائتا آية ، ثم اختلفوا في الزيادة.
( أنزلناها ) أي من الله لا من عقول البشر ، فهي وحي من الله لا تقبل الاعتراض ولا الاستدراك ولا يمكن لأحد أن يقدح به .
قوله تعالى ( لعلكم تذكرون ) لعل للتعليل ، أي لأجل أن تذكروا وتتعظوا . والتذكر : الاتعاظ وهو لين القلوب .
فوائد عامة :
1- أن القرآن منزل .
2- مكانة سورة النور العظيمة .
3- وجوب العمل بما أنزل الله .
4- إثبات علو الله عز وجل .
5- أن ما أنزل الله من الأحكام في سورة النور هي أحكام بينة واضحة .
6- الحكمة من هذه الأحكام والآداب التذكر .
قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ . الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) .
------------------------------------
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) أي المرأة الزانية والرجل الزاني إذا زنيا فاجلدوا كل واحد منهما الحد ، وهو مائة جلدة .
تعريف الزنا : غيبوبة حشفة الرجل في فرج امرأة لا تحل له .
والزانية : هي المرأة التي مكنت من نفسها مطاوعة لا مكرهة .
أن حد الزاني مائة جلدة ، وهذا بالاتفاق ، سواء المرأة أو الرجل ، وهذا خاص بالبكر ، وجاءت السنة بالتغريب .
قال : ( خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر جلد مائة وتغريب عام ) .
وقد كان حد الزانيين في أول الإسلام ما جاء في سورة النساء : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) [النساء : 15]
فكان حد المرأة الحبس في البيت والأذى بالتعيير ، وكان حد الرجل الأذى بالتعيير ، ثم أنزل الله حد الزنا في سورة النور ، فكان هذا هو السبيل الذي أشار إليه من قبل في آية النساء .
قوله ( الزانية والزاني ) قدم الزانية على الزاني ، بينما في السرقة قال : ( والسارق والسارقة ) فقدم الرجل ، والحكمة :
قيل : لأن الزنا في ذلك الزمان كان منتشراً عند النساء أكثر منه عند الرجال ، وفيه ضعف .
وقيل : إن الشهوة في حق المرأة أقوى منها في حق الرجل ، وهو قول بعيد جداً .
وقيل : إن الزنا في حق المرأة أشنع والتبعة عليها أفظع ، لما يترتب عليه من الحمل والولادة والفضيحة والعار عليها وعلى عشيرتها كما هو معلوم ، وهذا تعليل واضح .
وقيل : لأن الزنا إنما يبتدئ عادة من المرأة ، لأن الرجل قد لا يجترئ عادة على المرأة المحجبة المحتشمة ، التي لا تتكلم بكلام مائع مع الرجال ، فإن كانت تظهر زينتها وجسمها وتتبرج وتضاحك الرجال وتزين القول ، فعند ذلك يجترئ الرجال عليها .
قوله ( الزانية والزاني ) هذه الآية عامة شاملة لكل زان ، لكن هذا العموم دخلته تخصيصات متعددة .
فيستثنى الزانية الأمة ، فإنها تجلد نصف جلد الحرة .
قال تعالى : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) .
والأئمة الأربعة أن العبد كالأمة .
ويستثنى الثيب ، فإنه يرجم .
لقوله تعالى : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) وهذه الآية منسوخة اللفظ باق حكمها .
وقد ثبت الرجم عن النبي وعن أصحابه ، فقد رجم ماعزاً والغامدية والجهنية والتي زنا بها العسيف ( الأجير ) .
قوله ( الزانية والزاني ) إن قيل : لماذا ذكرت الزانية مع الزاني ولم يكتف بذكر الزاني وكانت الزانية داخلة فيه ؟
الجواب : حتى لا يظن ظان أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها الحد ، فذكرها دفعاً للإشكال .
قوله ( فاجلدوا كل واحد منهما ) لم يقل فاجلدوهما مائة جلدة ؟
الجواب : لأنه لو قال ذلك لربما توهم متوهم أن الحد منتصف [ للرجل النصف ، وللمرأة النصف ] .
فلما قال : ( لكل واحد منهما ... ) رفع هذا التوهم .
قوله تعالى ( الزانية والزاني ... ) فيه دليل على تحريم الزنا ، وأنه كبيرة من الكبائر .
قوله تعالى ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قولان للعلماء :
قيل : لا تأخذكم بهما رأفة فتسقطوا الحد عنهما ، بل أقيموا الحدود على الزناة .
وقيل : لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، شدة الجلد ، أي اجلدوهما جلداً شديداً وأوجعوهما ضرباً .
والراجح الأول .
قال الطبري : ” وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حد الله عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما ، وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب لدلالة قول الله بعده : ( في دين الله ) يعني في طاعة الله التي أمركم بها ، ومعلوم أن دين الله الذي أمر به في الزانيين إقامة الحد عليهما على ما أمر من جلد كل واحد منهما مائة جلدة “ . ( تفسير الطبري : 18 / 85 )
فالرأفة الممنوعة هي التي تؤدي إلى ترك الحد أو التهاون في تنفيذه لا رقة القلب المطبوع عليها البشر .
الرأفة بأهل الفواحش فيها محاذير :
أولاً : يؤذن بتفشي الفاحشة وذهاب الشرف والفضيلة إذا ترك إقامة الحد عليهم .
ثانياً : العقوبات أدوية للناس والمجتمعات .
قوله تعالى ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فيه تهييج وإلهاب على إقامة الحدود ، وهو أسلوب معروف تستعمل في الحث على الفعل كما تقول للرجل : إن كنت رجلاً فافعل كذا .
وذكر الله اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة لتذكير ما فيه من العقاب في مقابل المسامحة في إقامة الحدود أو تعطيلها .
قوله تعالى ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) أي وليحضر وليعاين عذابهما : أي الحد وهو الجلد ، طائفة من المؤمنين .
اختلفوا في مقدار هذه الطائفة :
قيل : رجل في قوم .
وقيل : ثلاثة ، لأن أقل الجمع ثلاثة .
وقيل : لا بد من أربعة قياساً على الشهادة على الزنا .
الحكمة من حضور الطائفة :
أولاً : الإغلاظ والتوبيخ للزاني .
ثانياً : الإيقاظ والاتعاظ .
ثالثاً : ذكر بعضهم الدعاء له بالتوبة والرحمة .
قال ابن القيم : ” وخص سبحانه حد الزنا من بين سائر الحدود بثلاث خصائص :
أحدها : القتل فيه بأشنع القتلات ، وحيث خففه فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سَنة .
الثاني : أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم ، فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة .
الثالث : أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين ، فلا يكون في خلوة حيث لا يراهما أحد وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر “ . [ الجواب الكافي ( 223 ]
قوله ( لا تأخذكم بهما رأفة ) هذا وإن كان عاماً لكن ذكر في حد الزنا خاصة لعلل :
أولاً : أن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر ، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيرهم من أرباب الجرائم والوقائع ، والواقع شاهد على ذلك .
ثانياً : أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأراذل وفي النفوس أقوى الدواعي إليه ، والمشارك إليه كثير .
ثالثاً : أن هذا الذنب غالباً ما يقع مع التراضي من الجانبين ، فلا يقع فيه من العدوان والظلم واغتصاب ما تنفر النفوس منه .
( الزاني لا ينكح إلا زانية ... )
أن المراد بالنكاح في الآية الكريمة هو الوطء ( أي الجماع ) فالمعنى أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزانٍ أو مشرك .
أو بتعبير آخر : الزاني لا يطاوعه على زناه إلا زانية مثله أو مشركة لا ترى حرمة الزنا ، والزانية لا يطاوعها على الزنا بها إلا زانٍ أو مشرك .
وهذا القول ، وهو أن المراد بالنكاح بالآية هو الوطء ، هو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة بن زيد ، واختاره ابن جرير والطبري ، حيث قال :” وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بالنكاح في هذا الموضع
الوطء “ . [ تفسير الطبري : 18 / 92 ]
وهناك قول ثاني في المسألة ، وهو أن المراد بالنكاح عقد النكاح ( أي عقد التزويج ) ، لكنه قول ضعيف .
( وحرم ذلك على المؤمنين )
قيل : الزنا .
وقيل : نكاح البغايا والزنا ، وهذا الصحيح .
فوائد عامة :
1- تحريم الزنا .
قال تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) .
وقال تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) .
وقال النبي : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) .
2- أن الزنا كبيرة من الكبائر ، لأن الله أوجب به الحد .
3- حكمة الله عز وجل في شرعية الحدود .
4- أن الزاني غير المحصن حده الجلد مائة ، وجاءت السنة بالتغريب .
5- تحريم الرأفة في إقامة الحد ، والعطف في ذلك .
6- أن الحكمة من الحدود تطهير العصاة وحماية المجتمعات .
7- أن من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر عدم الرأفة في إقامة الحد .
8- وجوب إقامة الحدود .
9- إثبات يوم القيامة .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) )
------------------------------------
قال ابن جرير : ” والذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين فيرمونهم بالزنا ، ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهن رأوهن يفعلن ذلك ، فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها “ . ( تفسير الطبري : 18 / 93 )
( الذين يرمون ) الرمي هو القذف بالشيء المؤذي سواء كان حسياً أو معنوياً .
والمراد به في الآية الكريمة القذف بجريمة الزنا خاصة ، ويدل على هذا التخصيص أمور ، منها :
أولاً : تقدم ذكر الزنا في الآيتين السابقتين ، فيدل هذا على تخصيص الرمي به دون غيره .
ثانياً : أن الله ذكر رمي المحصنات وهن العفائف ، فدل ذلك على أن المراد رميهن بضد الإحصان وهو الزنا .
ثالثاً : اشتراط أربعة شهداء في قوله تعالى : ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ) وهذا العدد لا يشترط في غير الزنا .
( المحصنات ) يطلق الإحصان في القرآن الكريم بالنسبة للنساء ، على معان :
بمعنى العفاف .
كما في هذه الآية .
وكذلك قوله تعالى : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ
أَخْدَانٍ ) .
ويطلق على التزويج .
قال تعالى : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
ويطلق على الحرية .
ومنه قوله تعالى : (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ) .
فالمحصنات هنا الحرائر ، بدليل مقابلتهن بالإماء .
فالمراد بالمحصنات في آية النور العفائف .
فائدة : إذا وردت الكلمة ولها عدة معاني فإن السياق هو الذي يبين المراد .
قوله ( المحصنات ) أي والذين يرمون النساء المحصنات .
ويقاس على ذلك الرجال لعدم الفارق ، فلو قذف رجلاً لاستحق العقاب ، فلا فرق بين قذف الذكور للذكور ، والإناث للإناث ، أو الإناث للذكور ، لعدم الفارق .
قال القرطبي : ” وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى وإجماع الأمة على ذلك “ . ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 115 )
قال الحافظ ابن حجر: ” وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصن من النساء “.
واختلف لماذا خص المحصنات من النساء دون الرجال ؟
قيل : لأن قذف النساء أشنع وأشد من قذف الرجال ، فلهذا السبب خصهن بالذكر .
قال القرطبي : ” ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هنّ أهم ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس “ . ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 115 )
( المحصنات ) دليل على أن من قذف غير العفيفة لا حد عليه ، كمن اشتهرت بالفاحشة والمجون ، لكن ليس هذا معناه أنه يجوز أن يقذفها ، لا ، ولكن الكلام على إقامة الحد ، فلا يقام الحد إذا قذف غير محصنة .
شروط القاذف :
أن يكون مكلف ( بالغ عاقل ) ، سواء كان هذا البالغ ذكراً أو أنثى .
شروط المقذوف :
أن يكون محصناً ، وهو هنا : ( الحر ، المسلم ، العاقل ، العفيف ، الذي يجامع مثله ، وهو ابن عشر سنين ، وبنت تسع سنين ) .
- لو قذف صغيراً لم يبلغ فلا حد عليه ، لأنه لا يجامع مثله ، فلا يلحقه العار بذلك .
- لو قذف الحر عبداً فلا يقام عليه الحد عند الجمهور .
( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) قال الشنقيطي : ” وفي الآية دليل على أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة عدول ، وقد نص على ذلك أيضاً في سورة النساء “ .
فلو شهد أقل من أربعة لم يثبت الزنا ، ويحد الشهود حد القذف .
( فاجلدوهم ثمانين ... ) تضمنت هذه الآية حد القاذف :
أولاً : الحد ( 80 ) جلدة .
ثانياً : عدم قبول شهادته أبداً .
ثالثاً : الحكم بفسقه .
الفسق لغة : الخروج من الشيء .
واصطلاحاً : الترك لأمر الله والخروج عن طاعته .
ويطلق على الكفر ، وعلى ما دونه من المعاصي .
فمن إطلاقه على معصية الكفر ، قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) .
ومن إطلاقه على ما دون الكفر قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) .
( إلا الذين تابوا وأصلحوا ) أي رجعوا من المعصية على الطاعة وأصلحوا العمل .
والتوبة هي الرجوع ، ولها شروط لكي تصح :
أولاً : الندم على ما فات .
ثانياً : الإقلاع عن الذنب .
ثالثاً : العزم على عدم الرجوع مرة ثانية .
وإذا كانت بين العباد فتزيد شرطاً رابعاً : وهو إرجاع المظالم إلى أهلها أو التحلل منهم .
اختلف العلماء على ما ذا يرجع الاستثناء :
أولاً : الجلد ، لا يرجع إليه الاستثناء بالإجماع .
ثانياً : الفسق ، يرجع إليه الاستثناء بالإجماع ، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
ثالثاً : قبول الشهادة ، اختلف العلماء إذا تاب القاذف هل تقبل شهادته أم لا على قولين :
القول الأول : تقبل شهادته .
وهذا مذهب الجمهور ، الشافعي وأحمد ومالك .
واستدلوا :
- أن الاستثناء في الآية يعود إلى الجملتين المتعاطفتين قبله في قوله تعالى : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ولا يعود على الجملة الأولى وهي قوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) لإجماع المسلمين على أن حد القذف لا يسقط بالتوبة .
- قالوا : إن القذف ليس أعظم من الكفر ، والكافر إذا تاب من كفره قبلت شهادته .
- قول عمر عند ما جلد قذفة المغيرة : ( من تاب قبلت شهادته ) . رواه البخاري
القول الثاني : لا تقبل شهادته مطلقاً .
وهذا مذهب أبي حنيفة .
لقوله تعالى : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ) .
قالوا : إن الله أبّد المنع من قبول شهادتهم بقوله : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ) .
قالوا : ولأن المنع من قبول شهادته من تمام عقوبته .
والراجح القول الأول .
( إلا الذين تابوا ) أن التوبة تجب ما قبلها .
وللتوبة فضائل :
أولاً : أن الله يحب التوابين .
قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) .
ثانياً : أن الله أمر بها .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً ) .
ثالثاً : سبب للفلاح .
قال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
رابعاً : سبب للنعم .
قال تعالى عن نوح : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ... ) .
خامساً : الله يفرح بتوبة عبده .
قال رسول الله : ( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ) . متفق عليه
( فإن الله غفور رحيم ) إثبات اسمين من أسماء الله ، وهما : الغفور – الرحيم .
الغفور : قال الخطابي : ” الغفار الستار لذنوب عباده والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته “ .
قال السعدي : ” الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً ، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً ، كل أحد مفتقر إلى رحمته وكرمه ، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها “ .
الرحيم : ذو الرحمة الواسعة الشاملة .
فوائد عامة :
1- تحريم القذف وأنه من الكبائر .
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
وقال : ( اجتنبوا السبع الموبقات : ... وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ... ) . متفق عليه
2- حماية الشريعة الإسلامية للأعراض والأنفس .
3- التحذير من اللسان .
4- وجوب حفظ اللسان .
5- أن حد القذف حد مقدر بالقرآن الكريم .
6- فضل التوبة .
7- سعة رحمة الله وفضله .
8- لا يقبل في الشهادة فاسق .
9- أن التوبة تمحو جميع الذنوب .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) )
------------------------------------
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) أي والذين يقذفون أزواجهم بالزنا خاصة .
(وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ ) جملة حالية ، أي والحال أنهم لا شهود لهم .
والشاهد : العالم الذي يبين ما علمه ، ويخبر بما شاهده .
(فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ) أي فشهادة أحدهم التي تسقط عنه حد القذف أن يشهد أربع شهادات بالله .
(إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) أي فيما رماها به من الفاحشة .
والصدق : مطابقة الكلام للحقيقة والواقع .
(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) أي ويشهد الشهادة الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رمى به زوجته من الزنا .
واللعن : هو الطرد والإبعاد من رحمة الله .
والكذب : هو الإخبار بخلاف الحقيقة والواقع .
(وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ ) أي ويدفع عنها إقامة الحد شهادتها أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين .
فالمراد بالعذاب هو الحد ، وقول من قال : هو الحبس ضعيف .
(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أي وتشهد الخامسة بأن غضب الله عليها ( إن كان ) أي الزوج ( من الصادقين ) فيما رماها به من الزنا .
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) ذكر الله رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكسون بهم من الضيق ، فقال : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) أي لخرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم .
(وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ ) أي على عباده .
(حَكِيمٌ ) فيما يشرعه ويأمر به ، وفيما ينهى عنه .
سبب النزول :
عن ابن عباس : ( أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي بِشَرِيك بن سَحماء ، فقال النبي : البيّنة أو حد في ظهرك، فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البيّنة ؟ فجعل النبي يقول : البيّنة وإلا حد في ظهرك ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، فلينزلن الله ما يبرّئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه :
( والذين يرمون المحصنات ... ) فقرأ حتى بلغ : ( إن كان من الصادقين ) ) .رواه البخاري
هذه تسمى آيات اللعان .
واللعان هو : شهادات مؤكدة من الجانبين مقرونة بلعن الزوج وغضب الزوجة .
وسببه : أن يقذف الرجل زوجته بالزنا، سواء قذفها بمعين ، كقوله: زنى بك فلان، أو قذفها بغير معين، كقوله: يا زانية .
فإذا قذف زوجته بالزنا :
- فإن أقرت أقيم عليها الحد .
- أو يأتي الزوج ببينة فيقام عليها الحد .
- وإما أن تنكر ، فإذا أنكرت إما أن تلاعن أو يقام عليها الحد ، فإن لاعنت ثبت اللعان .
قوله ( والذين يرمون أزواجهم ) فيه أن اللعان يكون بين الزوجين فقط .
قال في المغني : ” لا لعان بين غير الزوجين ، فإذا قذف أجنبية محصنة ، حد ولم تلاعن “ .
قوله ( والذين يرمون أزواجهم ... ) فيه أن سبب اللعان رمي الرجل زوجته بالزنا .
قوله ( فشهادة أحدهم ... ) أنه لا بد في اللعان أن يبدأ الزوج به أولاً ، وذلك لأمور :
- لأن الله بدأ به ( فشهادة أحدهم ... ) .
- ولحديث اللعان : ( فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات ) .
- ولأن لعان الرجل بينة لإثبات زناها ، ولعان المرأة للإنكار ، فقدمت بينة الإثبات .
- ولأن لعان المرأة لدرء العذاب عنها ، ولا يتوجه عليها ذلك إلا بلعان الرجل .
قوله ( فشهادة أحدهم أربع شهادات ... ) الحكمة في كونها أربع شهادات ، لأنها في مقابل أربعة شهود .
لماذا خص الرجل باللعن ، والمرأة بالغضب ( والغضب أشد من اللعن ) ؟
قال ابن كثير : ” فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور ، وهي تعلم صدقه فيما رماها به ، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها ، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحد ثم يحيد عنه “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 236 )
قوله ( ولم يكن لهم شهداء ) مفهومه أنه لو جاء بأربعة شهود ثبت الزنا ، ولا حاجة إلى اللعان إلا إذا لم يأت بأربعة شهود .
قوله ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد ) مفهومه أنها إذا لم تشهد ثبت عليها العذاب .
واختلف بالمراد بالعذاب هنا :
فقيل : هو الحد ، وهو الراجح .
وقيل : هو الحبس .
والذين يرمون أزواجهم ... ) فلو قذف امرأة ثم تزوجها فلا لعان .
قوله ( إن كان ... ) جواز الدعاء معلقاً بالشرط .
مسألة : إذا قذف الرجل زوجته برجل معين ، فهل يحد الزوج أم لا ؟
الصحيح أنه لا يحد .
لأن النبي لم يقذف الزوج .
والسبب : أن الأصل والمقصود قذف الزوجة ، وهو لم يقذف الرجل ، لكن قصد قذف زوجته .
قوله ( فشهادة أحدهم ... ) إن نكل الزوج وامتنع عن الأيمان ، فعليه حد القذف ، لقوله : ( البينة وإلا حد في ظهرك ) .
إذا تم اللعان فإنه يفرق بينهما أبداً .
ففي حديث ابن عمر : ( ... فأمرهما رسول الله فتلاعنا ، وفرق بين المتلاعنين ) .
وعن علي وابن مسعود قالا : ( مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبداً ) . رواه البيهقي
فوائد عامة :
1- حرص الشريعة على حماية الأعراض .
2- أن الزنا لا يثبت إلا بشهود أربعة .
3- حكمة الشرع في مشروعية اللعان .
4- أن غضب الله أشد من لعنه .
5- البيّنة على المدعي .
6- إثبات اسمين من أسماء الله : التواب – الحكيم .
7- الحكمة من ختم الله بالحكيم ، لأن هذه الأحكام صادرة عن حكمة وعلم .
8- أن القاضي يحكم بما ظهر له ، فإنه من المعلوم في اللعان : أحدهما صادق والآخر كاذب ، ومع ذلك إذا تم اللعان لا يحد أحد منهما .
9- أن الرسول لا يعلم الغيب ، حيث أن الرسول أقام اللعان بين الرجل وزوجته ، ولو كان يعلم الغيب لعلم من الكاذب من الصادق .
10- فضل الله عظيم .
11- أن هذه الأحكام رحمة من الله .
قال تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) )
------------------------------------
قال الشنقيطي : ” هذه الآيات نزلت في قصة قوم رموا أم المؤمنين عائشة ، وكون هذا سبب نزولها مجمع عليه “ .
سبب النزول :
عن عائشة قالت : كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي فخرجت معه ، بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقف ، ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني ، أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحسبني ابتغاؤه ، فأقبل الذين يرحلون لي ، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ، ولم يغشهن اللحم ، وإنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فأممت منزلي الذي كنت به ، فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستقظت باسترجاعه ، حين أناخ راحلته ، فوطئ يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك ، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت بها شهراً ... الحديث بطوله ) . رواه البخاري
وقد اختلف متى كانت هذه الغزوة على أقوال :
فقيل : سنة ست .
ورجحه ابن إسحاق وابن جرير وابن حزم وابن عبد البر وابن العربي وابن الأثير .
وقيل : سنة خمس .
ورجحه الذهبي والغزالي .
والراجح الأول ، ويؤيده :
أن قصة الإفك كانت بعد نزول الحجاب ، والحجاب كان بعد زواج النبي بزينب بنت جحش ، وكان زواجه بها في السنة الخامسة من ذي القعدة .
(إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) أي الذين جاءوا بأسوأ الكذب وأشنع صور البهتان ، وهو قذف عائشة بالفاحشة .
قال الإمام الفخر : ” الإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء “ .
( عصبة منكم ) أي جماعة منكم أيها المؤمنون .
والذين تكلموا بالإفك هم :
حسان بن ثابت ، مِسْطَح ، حَمْنة بنت جحش ، وعبد الله بن أبي بن سلول .
- لكن كيف قال ( منكم ) ومنهم عبد الله بن أبي وهو منافق ؟
فقيل : هذا باعتبار الظاهر ، فقد كان يتظاهر أنه من المؤمنين .
( منكم ) دليل على أنهم لم يخرجوا من الإيمان ، لأنه صدر منهم قبل أن ينزل الحكم في هذا .
هل أقيم عليهم الحد ؟
قال القرطبي : ” المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حُدَّ حسان ومسطح وحمنة “ . ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 134 )
وقد جاء عند أبي داود عن عائشة قالت : ( لما نزل عذري قام النبي على المنبر فذكر ذاك وتلا – يعني القرآن – فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين فضربوا حدهم ) .
واختلف العلماء في سبب ترك إقامة الحد على ابن سلول :
قيل : لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة ، والخبيث ليس أهلاً لذلك ، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة .
وقيل : بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه ويخرجه في قوالب من لا يُنسب إليه .
وقيل : الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو بينة ، وهو لم يقر بالقذف ولا شهد به عليه أحد . ( زاد المعاد : 3 / 236 )
قوله تعالى ( لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم ) الحسبان الظن .
والضمير في قوله ( لا تحسبوه ) يعود على كل من يسوؤه حديث الإفك ويدخل في هذا دخولاً أولياً عائشة وأبوها وأمها ورسول الله وصفوان بن المعطل .
ووجه كون حديث الإفك خيراً لمن ساءه ذلك من وجوه :
أولاً : أنه يحصل لهم الأجر الكبير على مصيبتهم وصبرهم .
وقد قال : ( ما يصيب المسلم من تعب ولا نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ) . متفق عليه
ثانياً : ظهرت براءة عائشة ونزاهتها ظهوراً لا يعادلها شيء ، شهد الله ببراءتها .
ولهذا لما دخل عليها ابن عباس وهي في سياق الموت قال لها : ( أبشري فإنك زوجة رسول الله ، وكان يحبك ولم يتزوج بكراً غيرك ، ونزلت براءتك من السماء ) .
ثالثاً : رفعة شأن النبي وكون الله يدافع عنه .
المصدر : الشيخ اللهيميد
سورة النور مدنية .
قال ابن الجوزي : ” هي مدنية كلها بإجماعهم “ .
سميت بذلك :
أولاً : لأنها تحوي قوانين اجتماعية ، ونظماً تربوية تملأ حياة من التزمها نوراً وسعادة .
ثانياً : لأن فيها قول الله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض ) .
يتركز موضوع سورة النور عموماً في علاج جريمة الزنا [ العقوبة – الوقاية ] .
سورة النور
قال الله تعالى سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) .
------------------------------------
قوله ( سورة ) أي هذه السورة .
والسورة مجموعة من الآيات لها فاتحة وخاتمة .
سميت بذلك :
قيل : لشرفها ومنزلتها وفضلها على غيرها من الكلام ، إذ هي كلام الله .
وقيل : سميت بذلك لإحاطتها بآياتها كإحاطة السور بالمدينة والسوار بالساعد .
عدد سور القرآن :
قال الزركشي : ” اعلم أن عدد سور القرآن العظيم باتفاق أهل الحل والعقد ، مائة وأربعة عشرة كما في المصحف العثماني ، أولها الفاتحة وآخرها الناس “ .
مصدر تسمية السور :
اختلف العلماء في ذلك :
فقيل : إنها اجتهادية .
وقيل : توقيفية ، وهو الراجح .
قال السيوطي : ” وقد ثبت جميع أسماء السور بالتوقيف من الأحاديث والآثار “ .
حكمة تسوير القرآن وجعله إلى سور :
- التيسير والتشويق لمدارسة القرآن الكريم ، وحفظه .
- الدلالة على موضوع السورة وأهدافها ، إذ أن لكل سورة موضوعاً خاصاً وأهدافاً معينة .
- التنبيه إلى أن الطول ليس شرطاً من شروط الإعجاز والتحدي .
- التدرج في تعليم الأطفال من السور القصار إلى السور الطوال تيسيراً من الله لعباده لحفظ كتابه .
- أن الكتاب إذا انطوى تحته أنواع وأصناف وأبواب وفصول كان أحسن وأفخم من أن يكون باباً واحداً .
- أن القارئ إذا ختم سورة أو جزءاً كان أنشط له وأبعث على التحصيل والاستمرار في التلاوة منه لو استمر على الكتاب بطوله .
قوله تعالى ( أنزلناها ) أي هذه سورة من كتاب الله أنزلناها على رسولنا محمد .
من المعلوم أن الله أنزل جميع سور القرآن ، فلم خص هذه السورة بقوله : ( أنزلناها ) ؟
قال الشنقيطي : ” بين تعالى أنه هو الذي أنزلها معبراً عن نفسه بصيغة الجمع التي تدل على عظمته تعالى ، وذلك يتضمن عظمة هذه السورة ، ويدل على وجوب امتثال أوامرها ، وما فيها من حدود وأحكام وآداب “ .
- إذاً خصها بالتنزيل تشريفاً وتعظيماً لشأنها .
قوله تعالى ( وفرضناها ) أي ألزمنا خلقنا بما فيها من الأحكام من الحدود واللعان ، والآداب الاجتماعية كالاستئذان والتوبة وغير ذلك من العجائب والغرائب التي اشتملت عليها السورة .
قال بعض العلماء :
فرضنا العمل بها .
وفرضنا الإيمان بها .
وفرضنا الاستسلام لها والانقياد لها .
وفرضنا التحاكم إليها .
قوله تعالى ( وأنزلنا فيها آيات بينات ) أي واضحات محكمات لا لبس فيها .
كرر الإنزال ، وفائدة ذلك لكمال العناية بهذه السورة بما تضمنته من حدود وأحكام .
الآيات جمع آية ، وهي في اللغة العلامة ، قال تعالى : ( إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ... ) .
واصطلاحاً : طائفة ذات مطلع ومقطع مندرجة في سورة من القرآن .
سميت بذلك لأنها آية على صدق النبي فيما جاء به من القرآن الكريم ، بمعنى أنها معجزة ومظهرة صدقه .
معنى كونها آيات بينات :
قيل : واضحات الدلالة على ما تضمنته من الأحكام مثل : حد الزنى ، والقذف ، وحكم اللعان ... وغير ذلك ، [ ويكون المراد بالآيات هنا الآيات القرآنية ] .
وقيل : واضحات الدلالات على وحدانية الله وكمال قدرته ، مثل : تأليف السحاب وإنزال المطر ، وتقليب الليل والنهار
[ ويكون المراد بالآيات هنا الآيات الكونية التي ذكرت في السورة ] .
ويجمع بين القولين : ويكون معنى ( آيات بينات ) هو أنها واضحة الدلالة على مدلولها ، فيشمل ذلك الآيات القرآنية الدالة على الأحكام والآيات الكونية .
عدد آيات القرآن الكريم: أجمع العلماء على أن عدد آيات القرآن الكريم ستة آلاف ومائتا آية ، ثم اختلفوا في الزيادة.
( أنزلناها ) أي من الله لا من عقول البشر ، فهي وحي من الله لا تقبل الاعتراض ولا الاستدراك ولا يمكن لأحد أن يقدح به .
قوله تعالى ( لعلكم تذكرون ) لعل للتعليل ، أي لأجل أن تذكروا وتتعظوا . والتذكر : الاتعاظ وهو لين القلوب .
فوائد عامة :
1- أن القرآن منزل .
2- مكانة سورة النور العظيمة .
3- وجوب العمل بما أنزل الله .
4- إثبات علو الله عز وجل .
5- أن ما أنزل الله من الأحكام في سورة النور هي أحكام بينة واضحة .
6- الحكمة من هذه الأحكام والآداب التذكر .
قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ . الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) .
------------------------------------
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) أي المرأة الزانية والرجل الزاني إذا زنيا فاجلدوا كل واحد منهما الحد ، وهو مائة جلدة .
تعريف الزنا : غيبوبة حشفة الرجل في فرج امرأة لا تحل له .
والزانية : هي المرأة التي مكنت من نفسها مطاوعة لا مكرهة .
أن حد الزاني مائة جلدة ، وهذا بالاتفاق ، سواء المرأة أو الرجل ، وهذا خاص بالبكر ، وجاءت السنة بالتغريب .
قال : ( خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلاً ، البكر جلد مائة وتغريب عام ) .
وقد كان حد الزانيين في أول الإسلام ما جاء في سورة النساء : ( وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ) [النساء : 15]
فكان حد المرأة الحبس في البيت والأذى بالتعيير ، وكان حد الرجل الأذى بالتعيير ، ثم أنزل الله حد الزنا في سورة النور ، فكان هذا هو السبيل الذي أشار إليه من قبل في آية النساء .
قوله ( الزانية والزاني ) قدم الزانية على الزاني ، بينما في السرقة قال : ( والسارق والسارقة ) فقدم الرجل ، والحكمة :
قيل : لأن الزنا في ذلك الزمان كان منتشراً عند النساء أكثر منه عند الرجال ، وفيه ضعف .
وقيل : إن الشهوة في حق المرأة أقوى منها في حق الرجل ، وهو قول بعيد جداً .
وقيل : إن الزنا في حق المرأة أشنع والتبعة عليها أفظع ، لما يترتب عليه من الحمل والولادة والفضيحة والعار عليها وعلى عشيرتها كما هو معلوم ، وهذا تعليل واضح .
وقيل : لأن الزنا إنما يبتدئ عادة من المرأة ، لأن الرجل قد لا يجترئ عادة على المرأة المحجبة المحتشمة ، التي لا تتكلم بكلام مائع مع الرجال ، فإن كانت تظهر زينتها وجسمها وتتبرج وتضاحك الرجال وتزين القول ، فعند ذلك يجترئ الرجال عليها .
قوله ( الزانية والزاني ) هذه الآية عامة شاملة لكل زان ، لكن هذا العموم دخلته تخصيصات متعددة .
فيستثنى الزانية الأمة ، فإنها تجلد نصف جلد الحرة .
قال تعالى : ( فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ) .
والأئمة الأربعة أن العبد كالأمة .
ويستثنى الثيب ، فإنه يرجم .
لقوله تعالى : ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم ) وهذه الآية منسوخة اللفظ باق حكمها .
وقد ثبت الرجم عن النبي وعن أصحابه ، فقد رجم ماعزاً والغامدية والجهنية والتي زنا بها العسيف ( الأجير ) .
قوله ( الزانية والزاني ) إن قيل : لماذا ذكرت الزانية مع الزاني ولم يكتف بذكر الزاني وكانت الزانية داخلة فيه ؟
الجواب : حتى لا يظن ظان أن الرجل لما كان هو الواطئ والمرأة محل ليست بواطئة فلا يجب عليها الحد ، فذكرها دفعاً للإشكال .
قوله ( فاجلدوا كل واحد منهما ) لم يقل فاجلدوهما مائة جلدة ؟
الجواب : لأنه لو قال ذلك لربما توهم متوهم أن الحد منتصف [ للرجل النصف ، وللمرأة النصف ] .
فلما قال : ( لكل واحد منهما ... ) رفع هذا التوهم .
قوله تعالى ( الزانية والزاني ... ) فيه دليل على تحريم الزنا ، وأنه كبيرة من الكبائر .
قوله تعالى ( ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) قولان للعلماء :
قيل : لا تأخذكم بهما رأفة فتسقطوا الحد عنهما ، بل أقيموا الحدود على الزناة .
وقيل : لا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، شدة الجلد ، أي اجلدوهما جلداً شديداً وأوجعوهما ضرباً .
والراجح الأول .
قال الطبري : ” وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : معنى ذلك ولا تأخذكم بهما رأفة في إقامة حد الله عليهما الذي افترض عليكم إقامته عليهما ، وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب لدلالة قول الله بعده : ( في دين الله ) يعني في طاعة الله التي أمركم بها ، ومعلوم أن دين الله الذي أمر به في الزانيين إقامة الحد عليهما على ما أمر من جلد كل واحد منهما مائة جلدة “ . ( تفسير الطبري : 18 / 85 )
فالرأفة الممنوعة هي التي تؤدي إلى ترك الحد أو التهاون في تنفيذه لا رقة القلب المطبوع عليها البشر .
الرأفة بأهل الفواحش فيها محاذير :
أولاً : يؤذن بتفشي الفاحشة وذهاب الشرف والفضيلة إذا ترك إقامة الحد عليهم .
ثانياً : العقوبات أدوية للناس والمجتمعات .
قوله تعالى ( إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) فيه تهييج وإلهاب على إقامة الحدود ، وهو أسلوب معروف تستعمل في الحث على الفعل كما تقول للرجل : إن كنت رجلاً فافعل كذا .
وذكر الله اليوم الآخر الذي هو يوم القيامة لتذكير ما فيه من العقاب في مقابل المسامحة في إقامة الحدود أو تعطيلها .
قوله تعالى ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) أي وليحضر وليعاين عذابهما : أي الحد وهو الجلد ، طائفة من المؤمنين .
اختلفوا في مقدار هذه الطائفة :
قيل : رجل في قوم .
وقيل : ثلاثة ، لأن أقل الجمع ثلاثة .
وقيل : لا بد من أربعة قياساً على الشهادة على الزنا .
الحكمة من حضور الطائفة :
أولاً : الإغلاظ والتوبيخ للزاني .
ثانياً : الإيقاظ والاتعاظ .
ثالثاً : ذكر بعضهم الدعاء له بالتوبة والرحمة .
قال ابن القيم : ” وخص سبحانه حد الزنا من بين سائر الحدود بثلاث خصائص :
أحدها : القتل فيه بأشنع القتلات ، وحيث خففه فجمع فيه بين العقوبة على البدن بالجلد وعلى القلب بتغريبه عن وطنه سَنة .
الثاني : أنه نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دينه بحيث تمنعهم من إقامة الحد عليهم ، فإنه سبحانه من رأفته بهم ورحمته بهم شرع هذه العقوبة .
الثالث : أنه سبحانه أمر أن يكون حدهما بمشهد من المؤمنين ، فلا يكون في خلوة حيث لا يراهما أحد وذلك أبلغ في مصلحة الحد وحكمة الزجر “ . [ الجواب الكافي ( 223 ]
قوله ( لا تأخذكم بهما رأفة ) هذا وإن كان عاماً لكن ذكر في حد الزنا خاصة لعلل :
أولاً : أن الناس لا يجدون في قلوبهم من الغلظة والقسوة على الزاني ما يجدونه على السارق والقاذف وشارب الخمر ، فقلوبهم ترحم الزاني أكثر مما ترحم غيرهم من أرباب الجرائم والوقائع ، والواقع شاهد على ذلك .
ثانياً : أن هذا ذنب يقع من الأشراف والأوساط والأراذل وفي النفوس أقوى الدواعي إليه ، والمشارك إليه كثير .
ثالثاً : أن هذا الذنب غالباً ما يقع مع التراضي من الجانبين ، فلا يقع فيه من العدوان والظلم واغتصاب ما تنفر النفوس منه .
( الزاني لا ينكح إلا زانية ... )
أن المراد بالنكاح في الآية الكريمة هو الوطء ( أي الجماع ) فالمعنى أن الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة ، والزانية لا تزني إلا بزانٍ أو مشرك .
أو بتعبير آخر : الزاني لا يطاوعه على زناه إلا زانية مثله أو مشركة لا ترى حرمة الزنا ، والزانية لا يطاوعها على الزنا بها إلا زانٍ أو مشرك .
وهذا القول ، وهو أن المراد بالنكاح بالآية هو الوطء ، هو قول ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة بن زيد ، واختاره ابن جرير والطبري ، حيث قال :” وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: عني بالنكاح في هذا الموضع
الوطء “ . [ تفسير الطبري : 18 / 92 ]
وهناك قول ثاني في المسألة ، وهو أن المراد بالنكاح عقد النكاح ( أي عقد التزويج ) ، لكنه قول ضعيف .
( وحرم ذلك على المؤمنين )
قيل : الزنا .
وقيل : نكاح البغايا والزنا ، وهذا الصحيح .
فوائد عامة :
1- تحريم الزنا .
قال تعالى : (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) .
وقال تعالى : (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) .
وقال النبي : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) .
2- أن الزنا كبيرة من الكبائر ، لأن الله أوجب به الحد .
3- حكمة الله عز وجل في شرعية الحدود .
4- أن الزاني غير المحصن حده الجلد مائة ، وجاءت السنة بالتغريب .
5- تحريم الرأفة في إقامة الحد ، والعطف في ذلك .
6- أن الحكمة من الحدود تطهير العصاة وحماية المجتمعات .
7- أن من علامات الإيمان بالله واليوم الآخر عدم الرأفة في إقامة الحد .
8- وجوب إقامة الحدود .
9- إثبات يوم القيامة .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) )
------------------------------------
قال ابن جرير : ” والذين يشتمون العفائف من حرائر المسلمين فيرمونهم بالزنا ، ثم لم يأتوا على ما رموهن به من ذلك بأربعة شهداء عدول يشهدون عليهن أنهن رأوهن يفعلن ذلك ، فاجلدوا الذين رموهن بذلك ثمانين جلدة ، ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً ، وأولئك هم الذين خالفوا أمر الله وخرجوا من طاعته ففسقوا عنها “ . ( تفسير الطبري : 18 / 93 )
( الذين يرمون ) الرمي هو القذف بالشيء المؤذي سواء كان حسياً أو معنوياً .
والمراد به في الآية الكريمة القذف بجريمة الزنا خاصة ، ويدل على هذا التخصيص أمور ، منها :
أولاً : تقدم ذكر الزنا في الآيتين السابقتين ، فيدل هذا على تخصيص الرمي به دون غيره .
ثانياً : أن الله ذكر رمي المحصنات وهن العفائف ، فدل ذلك على أن المراد رميهن بضد الإحصان وهو الزنا .
ثالثاً : اشتراط أربعة شهداء في قوله تعالى : ( ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ) وهذا العدد لا يشترط في غير الزنا .
( المحصنات ) يطلق الإحصان في القرآن الكريم بالنسبة للنساء ، على معان :
بمعنى العفاف .
كما في هذه الآية .
وكذلك قوله تعالى : (فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ
أَخْدَانٍ ) .
ويطلق على التزويج .
قال تعالى : (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ )
ويطلق على الحرية .
ومنه قوله تعالى : (وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ ) .
فالمحصنات هنا الحرائر ، بدليل مقابلتهن بالإماء .
فالمراد بالمحصنات في آية النور العفائف .
فائدة : إذا وردت الكلمة ولها عدة معاني فإن السياق هو الذي يبين المراد .
قوله ( المحصنات ) أي والذين يرمون النساء المحصنات .
ويقاس على ذلك الرجال لعدم الفارق ، فلو قذف رجلاً لاستحق العقاب ، فلا فرق بين قذف الذكور للذكور ، والإناث للإناث ، أو الإناث للذكور ، لعدم الفارق .
قال القرطبي : ” وقذف الرجال داخل في حكم الآية بالمعنى وإجماع الأمة على ذلك “ . ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 115 )
قال الحافظ ابن حجر: ” وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصن من النساء “.
واختلف لماذا خص المحصنات من النساء دون الرجال ؟
قيل : لأن قذف النساء أشنع وأشد من قذف الرجال ، فلهذا السبب خصهن بالذكر .
قال القرطبي : ” ذكر الله تعالى في الآية النساء من حيث هنّ أهم ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس “ . ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 115 )
( المحصنات ) دليل على أن من قذف غير العفيفة لا حد عليه ، كمن اشتهرت بالفاحشة والمجون ، لكن ليس هذا معناه أنه يجوز أن يقذفها ، لا ، ولكن الكلام على إقامة الحد ، فلا يقام الحد إذا قذف غير محصنة .
شروط القاذف :
أن يكون مكلف ( بالغ عاقل ) ، سواء كان هذا البالغ ذكراً أو أنثى .
شروط المقذوف :
أن يكون محصناً ، وهو هنا : ( الحر ، المسلم ، العاقل ، العفيف ، الذي يجامع مثله ، وهو ابن عشر سنين ، وبنت تسع سنين ) .
- لو قذف صغيراً لم يبلغ فلا حد عليه ، لأنه لا يجامع مثله ، فلا يلحقه العار بذلك .
- لو قذف الحر عبداً فلا يقام عليه الحد عند الجمهور .
( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء ) قال الشنقيطي : ” وفي الآية دليل على أن الزنا لا يثبت إلا بأربعة عدول ، وقد نص على ذلك أيضاً في سورة النساء “ .
فلو شهد أقل من أربعة لم يثبت الزنا ، ويحد الشهود حد القذف .
( فاجلدوهم ثمانين ... ) تضمنت هذه الآية حد القاذف :
أولاً : الحد ( 80 ) جلدة .
ثانياً : عدم قبول شهادته أبداً .
ثالثاً : الحكم بفسقه .
الفسق لغة : الخروج من الشيء .
واصطلاحاً : الترك لأمر الله والخروج عن طاعته .
ويطلق على الكفر ، وعلى ما دونه من المعاصي .
فمن إطلاقه على معصية الكفر ، قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا ) .
ومن إطلاقه على ما دون الكفر قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) .
( إلا الذين تابوا وأصلحوا ) أي رجعوا من المعصية على الطاعة وأصلحوا العمل .
والتوبة هي الرجوع ، ولها شروط لكي تصح :
أولاً : الندم على ما فات .
ثانياً : الإقلاع عن الذنب .
ثالثاً : العزم على عدم الرجوع مرة ثانية .
وإذا كانت بين العباد فتزيد شرطاً رابعاً : وهو إرجاع المظالم إلى أهلها أو التحلل منهم .
اختلف العلماء على ما ذا يرجع الاستثناء :
أولاً : الجلد ، لا يرجع إليه الاستثناء بالإجماع .
ثانياً : الفسق ، يرجع إليه الاستثناء بالإجماع ، لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
ثالثاً : قبول الشهادة ، اختلف العلماء إذا تاب القاذف هل تقبل شهادته أم لا على قولين :
القول الأول : تقبل شهادته .
وهذا مذهب الجمهور ، الشافعي وأحمد ومالك .
واستدلوا :
- أن الاستثناء في الآية يعود إلى الجملتين المتعاطفتين قبله في قوله تعالى : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ولا يعود على الجملة الأولى وهي قوله تعالى : (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) لإجماع المسلمين على أن حد القذف لا يسقط بالتوبة .
- قالوا : إن القذف ليس أعظم من الكفر ، والكافر إذا تاب من كفره قبلت شهادته .
- قول عمر عند ما جلد قذفة المغيرة : ( من تاب قبلت شهادته ) . رواه البخاري
القول الثاني : لا تقبل شهادته مطلقاً .
وهذا مذهب أبي حنيفة .
لقوله تعالى : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ) .
قالوا : إن الله أبّد المنع من قبول شهادتهم بقوله : (وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً ) .
قالوا : ولأن المنع من قبول شهادته من تمام عقوبته .
والراجح القول الأول .
( إلا الذين تابوا ) أن التوبة تجب ما قبلها .
وللتوبة فضائل :
أولاً : أن الله يحب التوابين .
قال تعالى : ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ) .
ثانياً : أن الله أمر بها .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً ) .
ثالثاً : سبب للفلاح .
قال تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) .
رابعاً : سبب للنعم .
قال تعالى عن نوح : (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً ... ) .
خامساً : الله يفرح بتوبة عبده .
قال رسول الله : ( لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة ) . متفق عليه
( فإن الله غفور رحيم ) إثبات اسمين من أسماء الله ، وهما : الغفور – الرحيم .
الغفور : قال الخطابي : ” الغفار الستار لذنوب عباده والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته “ .
قال السعدي : ” الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً ، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً ، كل أحد مفتقر إلى رحمته وكرمه ، وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها “ .
الرحيم : ذو الرحمة الواسعة الشاملة .
فوائد عامة :
1- تحريم القذف وأنه من الكبائر .
قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
وقال : ( اجتنبوا السبع الموبقات : ... وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ... ) . متفق عليه
2- حماية الشريعة الإسلامية للأعراض والأنفس .
3- التحذير من اللسان .
4- وجوب حفظ اللسان .
5- أن حد القذف حد مقدر بالقرآن الكريم .
6- فضل التوبة .
7- سعة رحمة الله وفضله .
8- لا يقبل في الشهادة فاسق .
9- أن التوبة تمحو جميع الذنوب .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ ( وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10) )
------------------------------------
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) أي والذين يقذفون أزواجهم بالزنا خاصة .
(وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ ) جملة حالية ، أي والحال أنهم لا شهود لهم .
والشاهد : العالم الذي يبين ما علمه ، ويخبر بما شاهده .
(فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ) أي فشهادة أحدهم التي تسقط عنه حد القذف أن يشهد أربع شهادات بالله .
(إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ) أي فيما رماها به من الفاحشة .
والصدق : مطابقة الكلام للحقيقة والواقع .
(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) أي ويشهد الشهادة الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رمى به زوجته من الزنا .
واللعن : هو الطرد والإبعاد من رحمة الله .
والكذب : هو الإخبار بخلاف الحقيقة والواقع .
(وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ ) أي ويدفع عنها إقامة الحد شهادتها أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين .
فالمراد بالعذاب هو الحد ، وقول من قال : هو الحبس ضعيف .
(وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) أي وتشهد الخامسة بأن غضب الله عليها ( إن كان ) أي الزوج ( من الصادقين ) فيما رماها به من الزنا .
(وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) ذكر الله رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكسون بهم من الضيق ، فقال : (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ) أي لخرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم .
(وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ ) أي على عباده .
(حَكِيمٌ ) فيما يشرعه ويأمر به ، وفيما ينهى عنه .
سبب النزول :
عن ابن عباس : ( أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي بِشَرِيك بن سَحماء ، فقال النبي : البيّنة أو حد في ظهرك، فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البيّنة ؟ فجعل النبي يقول : البيّنة وإلا حد في ظهرك ، فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، فلينزلن الله ما يبرّئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه :
( والذين يرمون المحصنات ... ) فقرأ حتى بلغ : ( إن كان من الصادقين ) ) .رواه البخاري
هذه تسمى آيات اللعان .
واللعان هو : شهادات مؤكدة من الجانبين مقرونة بلعن الزوج وغضب الزوجة .
وسببه : أن يقذف الرجل زوجته بالزنا، سواء قذفها بمعين ، كقوله: زنى بك فلان، أو قذفها بغير معين، كقوله: يا زانية .
فإذا قذف زوجته بالزنا :
- فإن أقرت أقيم عليها الحد .
- أو يأتي الزوج ببينة فيقام عليها الحد .
- وإما أن تنكر ، فإذا أنكرت إما أن تلاعن أو يقام عليها الحد ، فإن لاعنت ثبت اللعان .
قوله ( والذين يرمون أزواجهم ) فيه أن اللعان يكون بين الزوجين فقط .
قال في المغني : ” لا لعان بين غير الزوجين ، فإذا قذف أجنبية محصنة ، حد ولم تلاعن “ .
قوله ( والذين يرمون أزواجهم ... ) فيه أن سبب اللعان رمي الرجل زوجته بالزنا .
قوله ( فشهادة أحدهم ... ) أنه لا بد في اللعان أن يبدأ الزوج به أولاً ، وذلك لأمور :
- لأن الله بدأ به ( فشهادة أحدهم ... ) .
- ولحديث اللعان : ( فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات ) .
- ولأن لعان الرجل بينة لإثبات زناها ، ولعان المرأة للإنكار ، فقدمت بينة الإثبات .
- ولأن لعان المرأة لدرء العذاب عنها ، ولا يتوجه عليها ذلك إلا بلعان الرجل .
قوله ( فشهادة أحدهم أربع شهادات ... ) الحكمة في كونها أربع شهادات ، لأنها في مقابل أربعة شهود .
لماذا خص الرجل باللعن ، والمرأة بالغضب ( والغضب أشد من اللعن ) ؟
قال ابن كثير : ” فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور ، وهي تعلم صدقه فيما رماها به ، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها ، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحد ثم يحيد عنه “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 236 )
قوله ( ولم يكن لهم شهداء ) مفهومه أنه لو جاء بأربعة شهود ثبت الزنا ، ولا حاجة إلى اللعان إلا إذا لم يأت بأربعة شهود .
قوله ( ويدرأ عنها العذاب أن تشهد ) مفهومه أنها إذا لم تشهد ثبت عليها العذاب .
واختلف بالمراد بالعذاب هنا :
فقيل : هو الحد ، وهو الراجح .
وقيل : هو الحبس .
والذين يرمون أزواجهم ... ) فلو قذف امرأة ثم تزوجها فلا لعان .
قوله ( إن كان ... ) جواز الدعاء معلقاً بالشرط .
مسألة : إذا قذف الرجل زوجته برجل معين ، فهل يحد الزوج أم لا ؟
الصحيح أنه لا يحد .
لأن النبي لم يقذف الزوج .
والسبب : أن الأصل والمقصود قذف الزوجة ، وهو لم يقذف الرجل ، لكن قصد قذف زوجته .
قوله ( فشهادة أحدهم ... ) إن نكل الزوج وامتنع عن الأيمان ، فعليه حد القذف ، لقوله : ( البينة وإلا حد في ظهرك ) .
إذا تم اللعان فإنه يفرق بينهما أبداً .
ففي حديث ابن عمر : ( ... فأمرهما رسول الله فتلاعنا ، وفرق بين المتلاعنين ) .
وعن علي وابن مسعود قالا : ( مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبداً ) . رواه البيهقي
فوائد عامة :
1- حرص الشريعة على حماية الأعراض .
2- أن الزنا لا يثبت إلا بشهود أربعة .
3- حكمة الشرع في مشروعية اللعان .
4- أن غضب الله أشد من لعنه .
5- البيّنة على المدعي .
6- إثبات اسمين من أسماء الله : التواب – الحكيم .
7- الحكمة من ختم الله بالحكيم ، لأن هذه الأحكام صادرة عن حكمة وعلم .
8- أن القاضي يحكم بما ظهر له ، فإنه من المعلوم في اللعان : أحدهما صادق والآخر كاذب ، ومع ذلك إذا تم اللعان لا يحد أحد منهما .
9- أن الرسول لا يعلم الغيب ، حيث أن الرسول أقام اللعان بين الرجل وزوجته ، ولو كان يعلم الغيب لعلم من الكاذب من الصادق .
10- فضل الله عظيم .
11- أن هذه الأحكام رحمة من الله .
قال تعالى : ( إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ (12) لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ (20) )
------------------------------------
قال الشنقيطي : ” هذه الآيات نزلت في قصة قوم رموا أم المؤمنين عائشة ، وكون هذا سبب نزولها مجمع عليه “ .
سبب النزول :
عن عائشة قالت : كان رسول الله إذا أراد أن يخرج سفراً أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ، فأقرع بيننا في غزاة غزاها ، فخرج سهمي فخرجت معه ، بعد ما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه ، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله من غزوته تلك وقف ، ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني ، أقبلت إلى الرحل ، فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحسبني ابتغاؤه ، فأقبل الذين يرحلون لي ، فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه ، وكان النساء إذ ذاك خفافاً لم يثقلن ، ولم يغشهن اللحم ، وإنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منزلهم وليس فيه أحد ، فأممت منزلي الذي كنت به ، فظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي من وراء الجيش ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم فأتاني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستقظت باسترجاعه ، حين أناخ راحلته ، فوطئ يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا معرسين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك ، وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت بها شهراً ... الحديث بطوله ) . رواه البخاري
وقد اختلف متى كانت هذه الغزوة على أقوال :
فقيل : سنة ست .
ورجحه ابن إسحاق وابن جرير وابن حزم وابن عبد البر وابن العربي وابن الأثير .
وقيل : سنة خمس .
ورجحه الذهبي والغزالي .
والراجح الأول ، ويؤيده :
أن قصة الإفك كانت بعد نزول الحجاب ، والحجاب كان بعد زواج النبي بزينب بنت جحش ، وكان زواجه بها في السنة الخامسة من ذي القعدة .
(إنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) أي الذين جاءوا بأسوأ الكذب وأشنع صور البهتان ، وهو قذف عائشة بالفاحشة .
قال الإمام الفخر : ” الإفك أبلغ ما يكون من الكذب والافتراء “ .
( عصبة منكم ) أي جماعة منكم أيها المؤمنون .
والذين تكلموا بالإفك هم :
حسان بن ثابت ، مِسْطَح ، حَمْنة بنت جحش ، وعبد الله بن أبي بن سلول .
- لكن كيف قال ( منكم ) ومنهم عبد الله بن أبي وهو منافق ؟
فقيل : هذا باعتبار الظاهر ، فقد كان يتظاهر أنه من المؤمنين .
( منكم ) دليل على أنهم لم يخرجوا من الإيمان ، لأنه صدر منهم قبل أن ينزل الحكم في هذا .
هل أقيم عليهم الحد ؟
قال القرطبي : ” المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حُدَّ حسان ومسطح وحمنة “ . ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 134 )
وقد جاء عند أبي داود عن عائشة قالت : ( لما نزل عذري قام النبي على المنبر فذكر ذاك وتلا – يعني القرآن – فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين فضربوا حدهم ) .
واختلف العلماء في سبب ترك إقامة الحد على ابن سلول :
قيل : لأن الحدود تخفيف عن أهلها وكفارة ، والخبيث ليس أهلاً لذلك ، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة .
وقيل : بل كان يستوشي الحديث ويجمعه ويحكيه ويخرجه في قوالب من لا يُنسب إليه .
وقيل : الحد لا يثبت إلا بالإقرار أو بينة ، وهو لم يقر بالقذف ولا شهد به عليه أحد . ( زاد المعاد : 3 / 236 )
قوله تعالى ( لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم ) الحسبان الظن .
والضمير في قوله ( لا تحسبوه ) يعود على كل من يسوؤه حديث الإفك ويدخل في هذا دخولاً أولياً عائشة وأبوها وأمها ورسول الله وصفوان بن المعطل .
ووجه كون حديث الإفك خيراً لمن ساءه ذلك من وجوه :
أولاً : أنه يحصل لهم الأجر الكبير على مصيبتهم وصبرهم .
وقد قال : ( ما يصيب المسلم من تعب ولا نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه ) . متفق عليه
ثانياً : ظهرت براءة عائشة ونزاهتها ظهوراً لا يعادلها شيء ، شهد الله ببراءتها .
ولهذا لما دخل عليها ابن عباس وهي في سياق الموت قال لها : ( أبشري فإنك زوجة رسول الله ، وكان يحبك ولم يتزوج بكراً غيرك ، ونزلت براءتك من السماء ) .
ثالثاً : رفعة شأن النبي وكون الله يدافع عنه .
المصدر : الشيخ اللهيميد
مواضيع مماثلة
» * تفسير سورة النور 2
» * تفسير سورة النور 3
» * تفسير سورة النور 4
» * تفسير سورة النور 5
» * تفسير سورة مريم 3
» * تفسير سورة النور 3
» * تفسير سورة النور 4
» * تفسير سورة النور 5
» * تفسير سورة مريم 3
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى