* اغلاق باب الاجتهاد - اعتقال العقل المسلم - هل القلب بعقل
صفحة 1 من اصل 1
* اغلاق باب الاجتهاد - اعتقال العقل المسلم - هل القلب بعقل
إغلاق باب الاجتهاد في الاسلام*
لقد قطع العقل المسلم مسافة معقولة فى بداية العصر العباسى " أيام هارون الرشيد وابنه المأمون"، ولكنه تباطأ بعد ذلك وما لبث أن توقف عن المسير. ومن يدقق النظر يرى أن هذا العقل يسير الآن القهقرى متوجهاً إلى ماضيه ظناً أنه المستقبل. ويمضى الآخرون بسرعة مذهلة، إذ تتضاعف المعارف الإنسانية مرة كل 18 شهراً تقريباً فى ظل الثورة المعلوماتية الجبارة، وليس بمقدورنا الانتفاع بهذه المعارف فضلاً عن عجزنا عن المشاركة فى إنتاجها. لذا فإن التوقف، مجرد التوقف عن السير، يعتبر انسحاباً للخلف فى حركة تقهقر لن تغفرها لنا أجيالنا القادمة، إذ سنعجز تماماً عن اللحاق بالآخرين، ويقتصر دورنا – كل دورنا – على أداء مهام التبعية وأدوار العبيد للأسياد، وكأننا نكرر تاريخنا أيام الظاهرة المملوكية .
وقد انطفأت وخبت جذوة البعث العلمى الإسلامى والعربى ابتداء من القرن الرابع الهجرى نتيجة غلق باب الاجتهاد، وما صاحب ذلك من ملابسات وظروف عطلت المد العلمى، وإن لم يحل الظلام الدامس تماماً إلا بعد ذلك بمدة ليست بالقصيرة قلّ فيها الإبداع تدريجياً، ونقص عدد العلماء ولكن استمرت حركة المد العلمى بفعل قوة الدفع الأولى .
وفى القرن الرابع الهجرى حصل التفكك السياسى للدولة الإسلامية، فتفتتت إلى كيانات فسيفسائية، وتعددت الصراعات الدينية، واحتدم الصراع بين السنة والشيعة. بل كثيراً ما ثارت خلافات مذهبية تافهة فى الوقت الذى كانت فيه البلاد مهددة بالهجمات الصليبية، خلافات من نوع هل يجوز الجهر فى البسملة، والترجيع فى الآذان، والقنوت فى الفجر، حتى وصل الأمر إلى استعانة الحنابلة بالعميان الذين كانوا يأوون ببعض المساجد لضرب كل شافعى يمر بهم.
وعانى المفكرون: شأنهم فى ذلك شأن عامة الناس، من سوء الأحوال الاقتصادية فى القرن الرابع الهجرى، حتى إن العالم الواسع العلم يعجز عن دفع أجرة مسكنه ولا يجد ما يأكل، " وكان ذلك نتيجة طبيعية لما تردت إليه البلاد من سوء الأحوال الاقتصادية، حيث تجمعت الثروات والسلطات فى أيدى جماعة من الحكام الفاسدين الذين فقدوا كل إحساس بالعدل والاستقامة وتفننوا فى إذلال الفقراء، وغالوا فى الترف والبذخ(1) ".
والكارثة هى أن غلق باب الاجتهاد معناه النفور من كل جديد، والنظر بشك وريبة إلى كل مُبتدع واعتباره بدعة تفضى بصاحبها إلى قعر جهنم. وكان رد الفعل الأول تجاه أى جديد مستحدث هو إبداء الكراهة والنفور دون التروى والنظر فى غايات هذا الجديد ودراسة مرامية وأهدافه، إذ عانى العقل المسلم من الاسترهاب والبطش الذى دفعه إلى طلب الأمان وإيثار السلامة، وردد الناس فى أمثالهم : " من فات قديمه تاه " وقد فوّت هذا الموقف المتشكك فى الجديد، فوت الفرصة على المسلمين من الانتفاع بكثير مما أبدعه الآخرون كما حدث عندما غفلوا عن الانتفاع بالمطبعة، والتى كان اختراعها حدثاً محورياً هاماً فى تاريخ العلم والثقافة والكتاب، وأضاع عليهم غير ذلك من الإبداعات التى أمدت الآخرين بالقوة. ففى الوقت الذى ظهرت فيه المطبعة فى منتصف القرن الخامس عشر، كان إجمالى عدد الكتب فى أوروبا كلها حوالى ثلاثين ألف كتاب معظمها أناجيل وتفاسيرها. وخلال الخمسين سنة التالية زاد هذا العدد إلى تسعين مليون كتاب معظمها فى العلوم العقلية وكان المسلمون مشغولين فى هذا الوقت بمطالعة كتب الصوفية والمواظبة على ترديد كفرياتهم فى حلقات الذكر التى كانوا يقيمونها فى التكايا والخوانق والمساجد. وفى الوقت الذى لم يكفّروا فيه ما جاء فى كتب الصوفية من شرك بالله وازدراء التوحيد، وقبلوها مع الحفاوة والتقديس، نظروا إلى المطبعة على أنها آلة صنعها الكفرة ولا يجوز طباعة القرآن عليها ! الأمر الذى ألحق أضراراً فادحة بأمتنا الإسلامية على صعيد العلم والاستنارة. ومنع السلطان العثمانى بايزيد الثانى اقتناء المواد المطبوعة فى عام 1485م، وتكرر المنع من السلطان سليم الأول عام 1515م. وفى أوائل القرن السادس عشر طبع المسيحيون فى أوروبا أول كتاب باللغة العربية. وكان أول استخدام للمطبعة فى تركيا سنة 1716 وطبع بها أول كتاب عربى سنة 1728، وسرعان ما أغلقت ، وبعد إعادة فتحها كان أول ما طبع فيها كتب التصوف وأهمها الفتوحات المكية لابن عربى !!. ودخلت المطبعة مصر لأول مرة مع الحملة الفرنسية سنة 1798، ولكن لم يزد عدد الكتب العربية المطبوعة بها على خمسين كتاباً حتى نهاية القرن الثامن عشر .
وأنصار غلق باب الاجتهاد هم المتخوفون من كل جديد، وهم عَبَدَة المألوف وأعداء الجديد أياً كان. وهم يظنون أنهم يحتكرون الحقيقة، وأنهم الصفوة التى تختص بالعلم، ومن سواهم يجهل ولا يعلم، لذا جرّموا إعمال العقل من بعدهم، وحرّموا النظر إلى الأمور على نحو مغاير لما يرون، فعندما ظهرت المدرسة كمؤسسة تعليمية فى القرن الخامس الهجرى " لم ترق فى أعين بعض علماء المسلمين، إذ كانوا يفضلون عليها نظام التعليم الحر فى الجامع، وتناولوها بالنقد، ولما بلغهم بناء المدارس فى بغداد، أقاموا مأتم العلم، وقالوا: كان يشتغل به – أى بالعلم والتدريس – أرباب الهمم العالية الذين يقصدون العلم لشرفه وكماله، فيأتون علماء ينتفع بهم وبعلمهم، وإذ صار عليه أجر، تدانى إليه الأخساء – جمع خسيس – وأرباب الكسل، ومن هنا هجرت الحكمة(2) ". لقد تم تأثيم الاجتهاد عندما نظر إليه على أنه طريق الابتداع والبدع الذى يؤدى إلى جهنم وبئس القرار، وأنه مخالفة للفقهاء السابقين الذين أضفوا عليهم قداسات علمية ودينية تحول دون الإتيان بغير ما جاءوا به .
وامتد الخوف من الجديد وكراهية كل مستحدث حتى طال استخدام الأسلحة العصرية الجديدة، فبعد اختراع البندقية، فى زمن كان السيف فيه هو وسيلة القتال الأساسية، شاع استعمال البنادق فى بلاد كثيرة، ولم يستخدمها المماليك فى مصر والشام وعزفوا عنها واعتبروا استخدامها مخالفاً للسنة النبوية إذ لم يستخدمها النبى فى قتاله ولا يجوز مخالفة ذلك !! نعم إلى هذا الحد بلغ تجمد العقل، ويصف لنا شاهد عيان وهو ابن زنبل الرمال واقعة رفض السلطان المملوكى قانصوه الغورى الاستفادة من البندقية عندما عُرضت عليه، فقال : " وقد جاء بهذه البندقية رجل مغربى للسلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى – رحمه الله تعالى وقتل قاتله – وأخبره أن هذه البندقية ظهرت من بلاد البندق، فقد استعملها جميع عساكر الروم والعرب، وهى هذه. فأمره أن يعلمها لبعض مماليكه، ففعل،وجئ بهم فرموا بحضرته، فساءه ذلك . وقال للمغربى: نحن لا نترك سنة نبينا ونتبع سنة النصارى، وقد قال مولانا سبحانه وتعالى :إن ينصركم الله فلا غالب لكم فرجع ذلك المغربى وهو يقول : من عاش ينظر هذا الملك وهو يُؤخذ بهذه البندقية. وقد كان كذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم(3) ".ويصف كيف تأثر جيش المماليك ووقع بهم الضرر من هذه البندقية فيقول : "ولا ضرهم – أى المماليك – إلا البندق فإنه يأخذ الرجل على حين غفلة، لا يعرف من أين جاءه، فقاتل الله أول من صنعها، وقاتل من يرمى بها على من يشهد لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة(3) ". أرأيتم عاقبة أن يتولى سدة الحكم من عَدِم القدرات الإدارية ومُنى بقصر النظر ورداءة الرأى، إنه يورد الأمة موارد الهلكة والبوار. وكان المماليك قد أهملوا الأخذ بأساليب العصر وأسلحته بعد أن زال عنهم خطر الصليبيين والمغول، ولم يتحمسوا لاستخدام الأسلحة النارية التى كانت تتسلح بها الجيوش آنذاك، واعتبروا ان الشجاعة والإقدام فى القتال من فوق الجواد، وإذ كان يتعذر على الفارس استخدام البندقية من فوق صهوة جواده، لذا لم يتحمسوا لاستخدام هذه البنادق، ولم يقدروا خطورة عدم التسلح بالأسلحة النارية التى مكنت الأوروبيين فى ما بعد من فتح البلاد والاستيلاء على الأراضى والمستعمرات .
وبإيصاد باب الاجتهاد بدأ اعتقال العقل العربى، ولم يتم هذا الاعتقال بقرار يصدره حاكم متسلط، وإنما جاء نتيجة مجموعة من الأسباب والدوافع وترتبت عليه كوارث دمرت مستقبل أمتنا وحالت دون تقدمها. وتجمد العقل المسلم عند حدود ما أنتجه السلف، ذلك الإنتاج العقلى الذى كان وليداً لظروفهم وملبياً لاحتياجاتهم. وراح هذا العقل فى سبات عميق بعد تغييبه من مجتمع أصبحت له قيم معرفية أخرى تعتمد بصورة أساسية على اجترار الموروثات وإن لم تناسب العصر، وبفعل تبعية ثقافية للغرب – فى ما بعد – بتأثير الهزيمة الداخلية التى أصابت ضمير المسلم. ويتعين علينا الآن إخضاع هذه الموروثات إلى النقد والتمحيص كى نستبعد منها الغث ونُبقى على السمين. فليس من المعقول مثلاً أن يتم تحقير العقل بحديث موضوع مفاده أن : " أكثر أهل الجنة من البُلْه "، وحاشا لله أن يقول الرسول الكريم هذا، فمعنى ذلك أن إغفال العقل هو الطريق إلى الجنة، وأن السلامة والهُدى فى البلاهة واجتناب إعمال العقل. والبله هم معظم أهل الجنة، أما الكادحون بعقولهم فى المختبرات والمصانع ومراكز البحوث، فليسوا من أهل الجنة. اجتراء على الدين واستهزاء بالحق والعقل. تلك الأضاليل المبثوثة فى كثير من كتبنا "الدينية" انحرفت بالناس وأثّرت سلباً على عقولهم وهى تفسر غفلة هذه الأمة طوال هذه الآماد الطويلة بعد أن صور لها "فقهاؤها" الأمور على هذا النحو الدراويشى .
ولما كانت هذه الأفكار السارية، والموروثات المألوفة تقع من ضمير الأمة موضع الرأس من البدن، لذا يجب قبل الحديث عن أى إصلاح أن نشرع فوراً فى إعادة النظر فى هذه الأفكار الأساسية الحاكمة التى تسير الناس، وذلك على صعيد التعليم والتدين والسلطة، وقبل تصويب وتمحيص هذه الأفكار والثوابت أو ما نظن أنها ثوابت، لن تستطيع هذه الأمة المضى فى الطريق الصحيح أو تجنب الخروج من التاريخ .
ومن الرائع حقاً أن الإسلام الحنيف يحثنا فى غير موضع على إعمال العقل والنظر والتبصر، وجاء فقهاء المسلمين ليصنعوا من تراث السلف وثناً يتعبدون فى محرابه بعد أن أضفوا العصمة على الفقهاء السابقين والتقديس لآرائهم التى اكتفوا بها ورأوها صالحة لكل زمان ومكان. وترتب على ذلك فقدان العقل وظيفته فى العالم الإسلامى الأمر الذى أدى بنا إلى مهاوى التخلف. وإلى جانب فهمنا للكتاب والسنة على ضوء اجتهادات من سبقونا، يجب ألا يقتصر هذا الفهم على اجتهاداتهم، وألا يكون هذا الفهم مقيداً بحدود الغابرين، وعلى ألا يكون هناك محاذير يحظر تخطيها إذ لم يتناولها بالبحث أباؤنا الأولون، :ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين "المؤمنون/24" . يقول جمال الدين الأفغانى: " نعم إن الفحول الأئمة: أبو حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل، ورجال الأمة اجتهدوا وأحسنوا. ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن (4) ". لذا فلابد من إقرار واحترام مبدأ الحق فى إعادة النظر فى كل، وأى، موروث. ومادامت العصمة للأنبياء وحدهم، فخليق بنا ألا نستنكف من إخضاع أى رأى للتمحيص، ومادام الاتفاق على أن الثوابت هى القرآن والسنة النبوية، فلا غرابة فى الدعوة إلى فحص أى موروث إن اقتضت الضرورة ذلك. وغدا العقل المسلم، بعد استرهابه، قاصراً عن القطع بحكم جلى إزاء موروثاته التى ظن أنها مقدسة، سواء أكانت موروثات تاريخية أم سياسية. ويبدو ذلك جلياً، على سبيل المثال، فى عجز أحدهم عن إدانة المخطئ فى الصراع الذى دار فى الفتنة الكبرى، وإن سألت أيهما أخطأ معاوية بن أبى سفيان أم سيدنا على بن أبى طالب " كرم الله وجهه " فإنه يقول لك : معاوية علي حق ولكن علياً أحق ! فاعجب أن يكون طرفا الصراع على حق، صراع قُتل فيه ألوف المسلمين دون أن يكون هناك مخطئ وراء ذلك. إنه العقل الذى تم تجميده بقداسات وهمية مزعومة. لقد غمط أسلافنا العقل حقه، وكأنما انعدمت حاجتهم إليه.
" وتصدى أبو حامد الغزالى للفلسفة العقلية ممثلاً للصوفية والفقهاء، ومن خلفه تعاطف العامة، مما ساعده على إسقاط الاتجاه الفلسفى العقلى، فلم يعد فى الساحة إلا الغزالى والتصوف والاتجاه الوجدانى طريقاً للمعرفة. وتمت الغلبة النهائية للغزالى والتصوف حين دعا لقفل باب الاجتهاد، وحجر على العقل مناقشة الادعاءات الصوفية، وقرر الصلح بين الإسلام والتصوف فى كتابه "إحياء علوم الدين" الذى بعثر فيه بمهارة فذة عقائد التصوف وسط أكوام من الأحاديث الموضوعة بعضها اخترعه الغزالى بنفسه – ثم التأويل للآيات لتشريع التصوف، بالإضافة إلى أسلوبه الوجدانى فى المواعظ والرقائق، وكتابته أبواب الفقه فى الإحياء بمنهج جديد لم يعرفه فقهاء عصره(5) ".
وكان يُنظر إلى علوم الفلسفة بريبة، فتخفّى المشتغلون بها، وحظر نقل ونسخ كتبها، وأُخذت المواثيق الغلاظ على ناسخى الكتب فى بغداد بأن لا ينسخوا كتاباً فى الفلسفة.
وتقلصت حدود إنجازاتنا الحالية، وتراجعت فعالياتنا إلى إنجازات تمت فى أزمان سابقة، إلى بناء الأهرامات وانتصارات حطين وعين جالوت. وتوقفنا عند هذا الحد اكتفاء ورضى باجترار أمجاد الماضى، والتفاخر بمنجزات الأجداد والآباء الأولين، والتغنى بها فى الإذاعة والتليفزيون، بينما ينطلق الآخرون من حولنا بسرعة الصاروخ إلى آفاق جديدة سبق تحديدها بدقة ومهارة ضمن استراتيجيات متكاملة ورؤى استشرافية يقرأون خلالها المستقبل ويخططون له ليصنعوه، عمداً، عن معرفة ودراية والفرق بيّن بين الاعتزاز بماضى أمتنا ومنجزات السلف، وبين الافتتان بهذا الماضى وتقديسه، فنحن لا نرى سوى اجتهادات السابقين، مع عظمتها، ونسقط حقنا فى إعادة النظر فى هذه الاجتهادات فى ضوء المستجدات، وندع هؤلاء السلف يصادرون حقوق الخلف فى سن قوانينهم، وصياغة أفكارهم وفقاً لظروفهم التى تختلف حتماً عن ظروف أجدادهم، وهذا الموقف لهو عين الحجر على الفكر وتكبيل العقل، وكأننا نردد مع شاعر أهل التقليد الأعمى وأتباع السلف :
وكل خير فى أتباع من سلف وكل شر فى ابتداع من خلف
"وكانت سياسة دنلوب التعليمية تهدف إلى تخريج جيل من أنصاف المتعلمين ممن لا يقدرون على القيام بأى عمل فيه تجديد أو ابتكار، ولا بأى نقد منهجى للوضع الراهن ماداموا لا يملكون نظرة تفسيرية نقدية عامة للوجود، ويرون فى الاختلاف والتباين الفكرى لوناً من ألوان الزندقة، ومن الصراع الفكرى جريمة لا تغتفر، ومن دعوة التجديد والتطور بدعة خطرة يجب القضاء عليها بأى ثمن" (6).
وفى عصر العز العلمى للمسلمين كانت المناقشات والمحاورات آلية مقبولة تماماً لاستخلاص الحقائق دونما حظر أو تقييد، فكانت تُعقد المناظرات فى المساجد وقصور الخلفاء والوزراء والأثرياء، ويحضرها فقهاء المسلمين وغيرهم من أهل الملل والنحل الأخرى حتى الصابئة منهم، ويتناقشون ويقلّبون الأمور على أوجهها دون تقييد أو تضييق، وكان الناس يختلفون إلى المساجد ليشهدوا مناظرات الفقهاء وكيف يكون دحض الحجة بالحجة وكيف يُتقبل الرأى الآخر إن كان فيه الصواب، هكذا دون حساسيات، لذا كان ذلك هو المناخ الذى يذكى حركة العلم ويشحذ همم العلماء.
وما وهب الله الإنسان العقل إلا ليستعمله، فهل يتوجب علينا محاذرة ذلك خشية الوقوع فى الخطأ ؟ وإذا تجنب الناس إمضاء آرائهم خشية أن تكون مغايرة للصواب، لآلت أمورهم إلى البوار والكساد. وإذا كان من الخطر تحريم الدفاع عن رأى ما لأننا توارثنا الحكم عليه بالفساد والخطأ، فالأخطر من ذلك هو تنزيه رأى ما عن الخطأ بسبب ذيوع الاعتقاد بصوابه.
يقول جون ستيورات مل : " لو اجتمع الناس على رأى واحد وخالفه فرد فذ، لما كان لهم من الحق فى إخراسه أكثر مما له من الحق في إخراسهم لو استطاع إلى ذلك سبيلا، إذ لا يقدح فى أهمية الرأى قلة المنتصرين له ...، فكأنهم يدعون أن يقينهم هو اليقين المطلق، ولا نزاع فى أن كل إخراس للمناقشة معناه ادعاء العصمة، وذلك أعظم دليل على خطأ القائلين بتقييد حرية الفكر والمناقشة(7) ". وكان ينظر إلى أى جديد على أنه بدعه وابتداع يتعين معه استصدار فتوى من رجال الدين بشأنها، حدث هذا عندما عرف العثمانيون شرب القهوة فى أوائل القرن السادس عشر، وحرمها السلاطين بين " 1511-1546"، ولكن سرعان ما انتشرت فى حلقات الصوفية. كذلك جرى الأمر بالنسبة للدخان "التدخين"، ولكنه انتشر بعد ذلك فى النارجيلة والغليون .
ولقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما أفتى الشيخ محمد عبده بجواز لبس القبعة " البرنيطة الإفرنجية" وعدم تكفير من يرتديها " إذا لم يقصد الخروج من الإسلام أو الدخول فى دين غيره، فإن هذا لا يعد كفراً، وإذا كان لبس البرنيطة لحاجة حجب الشمس أو دفع مضرة أو مكروه أو تيسير مصلحة لم يكن كذلك ( ". كما حاول الشيخ محمد عبده إقناع المسؤولين عن الأزهر بتدريس مقدمة ابن خلدون لطلبة الأزهر لما فيها – على حد قوله من آراء اجتماعية سديدة وما تكشف عنه من الأسباب المؤدية إلى وقاية الأمم من أسباب البوار. إلا أن مشايخ الأزهر رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً وكان سبب الرفض أن (العادة لم تجر بذلك)!
" قال فضيلة الشيخ الأسبق للأزهر فى التليفزيون المصرى على مرأى من الجميع: أخطأ اليونان قديماً حين استمسكوا بالعقل واعتزوا بمنطقه، واخطأنا نحن حين أخذنا عنهم هذه النقيصة ..، وقال فضيلته رداً على سؤال حول رأيه فى الأستاذ الإمام محمد عبده، انه أخطأ حين فسر القرآن الكريم بالعقل، وكان ينبغى أن يفسر القرآن بالقرآن(9)"
ويوافق هذا الرأى رأي البابا جريجورى السادس عشر والبابا بيوس التاسع اللذين قالا بمقاومة حرية النظر العقلى والتصدى للنزوع إلى تحكيم العقل . وماذا عن الحقائق الكونية التى يكشف عنها العلم يوماً بعد آخر ونجد أنها مسطورة فى القرآن الكريم وكلها حقائق وبراهين عقلية تعزز إيمان المسلم وتؤكده، أنقول بنبذ العقل عند تفسير القرآن ؟ وهذه المعجزات العلمية المذكورة فى كتاب الله هى خير ما يدعو الإنسان الغربى المعاصر إلى إسلامنا الحقيقى بعدما نفره منه واقع وسلوكيات المسلمين .
وإذا كان تحقير العقل يقول به كبار رجال الدين – كما رأينا – لذا فليس من الغريب أن يصبح تحقير العقل ونبذه ديناً واعتقاداً ، ويصبح القول بغيره مروقاً من الدين وخروجاً من الملة .
ومضى العالم يستثمر العقل الذى مكنهم من الإطباق على رقابنا التى تحمل رءوسا بلا عقول فملكونا وأذلونا .
" وفى الواقع المعاصر المجاور لنا صدرت فتاوى ملزمة بحرمة القول بكروية الأرض وحرمة الدعوة إلى حقوق الإنسان وحرمة قيادة النساء للسيارات، ونحن نعتبر هذه الفتاوى اجتهادات بشرية خاطئة... كما أصدر شيخ الإسلام العثمانى فتوى بعزل السلطان سليم الثالث لأخذه بالأساليب الغربية فى تنظيم الجيش، وكان نص الفتوى كما يلى : " كل سلطان سيدخل أنظمة الفرنجة وعوائدهم، ويجبر الرعية على اتباعها لا يكون صالحاً للمُلك. ومن قبل أفتى العلماء للسلطان محمد الفاتح بمشروعية إصداره قانوناً بقتل الأمراء حتى لا يتنافسوا على العرش فتعم الفتنة(10)"، تلك الفتنة " المظلومة" ... التى يلوَّح بها " الفقهاء" بغية اتقاء مغبتها، مع أن صلاح الأحوال يكون فى خوض فتنة واحدة وتحمُّل نتائجها التى تحول دون حدوث ألف فتنة بعدها .
يقول الحسن بن الهيثم : إن حسن الظن بالعلماء السابقين مغروس فى طبائع البشر، وأنه كثيراً ما يقود الباحث إلى الضلال، ويعوق قدرته على كشف مغالطاته، وانطلاقه إلى معرفة الجديد من الحقائق، وما عصم الله العلماء من الزلل، ولا حمى علمهم من التقصير والخلل ولو كان ذلك كذلك، لما اختلف العلماء فى شئ من العلوم، ولا تفرقت آراؤهم فى شئ من حقائق الأمور".
اعتقال العقل المسلم وانحطاط المسلمين*
إن الراصد لواقع أمة المسلمين اليوم لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هذه الأمة جادة في البحث لها عن دور فاعل يخرج بها من صفوف دول العالم الثالث المتخلف المفعول به دائماً، أم أنها اكتفت بهذا الانكماش والانبطاح طوال هذه القرون. فليس يعد حكيماً من لم يكن لنفسه خصيماً وحسيباً، لذا آن أوان النظر في أحوالنا كي نعرف أين نحن من السبيل إلى استرداد الاعتبار بعد أن صرنا إلى ما نكره. ترى هل لم يبق لنا من أمل إلا في زمن آخر وعلى يد جيل آخر؟
ولا يحق لنا أن نندهش ونتساءل عن سبب هوان المسلمين ومذلتهم، فذلك أمر حتمي يتيسر فهمه في ضوء السنن والنواميس. فأعداؤنا عملوا واجتهدوا ونحن تكاسلنا وتقاعسنا. هم صنعوا أسلحتهم التي يقهروننا بها، ولم نقو على صنع شئ – أي شئ – لا الطائرة أو السيارة أو المدفع. هم يحسنون استثمار أموالهم، ونحن نودع أموالنا في بنوكهم، فيستثمرونها في تنمية اقتصادهم وتعظيم قوتهم، ويصادرونها إن عصينا أوامرهم. حكمهم ديموقراطي ولا يقوى حاكمهم على نهب أموال العباد ولا يعلو على القانون، وملوك المسلمين ينهبون أموال بيت المال لأنهم السلاطين والمماليك، ويودعونها في بنوك سويسرا وأمريكا. هم يرصدون للبحث العلمي أموالاً طائلة، فغزوا الفضاء وصنعوا الصواريخ والأسلحة الفتاكة والأقمار الاصطناعية، ونحن بأموالنا الطائلة لا نمارس أي أنشطة بحثية جادة. وكأن البحث العلمي عبث والعلم نفسه ترف، فمازلنا نبحث في السماء عن هلال شهر رمضان بالأعين المجردة مثلما كان يفعل البدوي في البادية منذ 1400 سنة، ولا نثق في الحساب والعلم لتحديد أوائل الشهور القمرية، في حين أنهم صعدوا إلى القمر، وحددوا لسفينة الفضاء موضع هبوطها بدقة، فهبطت به ولم تتجاوزه. ومن بين علمائنا ووعاظنا المعاصرين من يتعجب ممن يقول بكروية الأرض، وينفى ذلك، بل يتندر عليه.
وفى العالم الأول كما يسمونه، يعملون أكثر من 8 ساعات يومياً، ومتوسط زمن عمل الموظف عندنا 72 دقيقة يومياً. هم يرسمون إستراتيجياتهم ويقومون على تنفيذها بأنفسهم، لا أن يتولى غيرهم ذلك نيابة عنهم، ونحن نستعين بهم فى وضع مناهجنا التعليمية والتربوية، وتدريب لاعبينا كيف يلعبون الكرة، حتى آثارنا هم الذين ينقبون لنا عنها فى أرضنا، بل إن علم المصريات ذاته من عملهم هم. ونستعين بهم حتى فى التخلص من قمامتنا، ثم نقول فى دهشة – وغباوة – ما سبب انقلاب الموازين؟. هم يزرعون ما يأكلون حتى يزيد إنتاجهم فيرمونه فى البحر حفاظاً على سعره، ونحن نشترى منهم القمح إذ لم نقو بعد على زراعة كل ما نأكل، ناهيك من صنع ما نحتاجه من كل شئ وأى شئ بدءاً من الدراجة الهوائية وأدوات التجميل ولعب الأطفال، وانتهاءً بالطائرة والدبابة والسيارة والكمبيوتر. ثم نندهش ونتساءل: لماذا نحن المهزومون وهم المنتصرون ؟
المسلمون مليار ونصف المليار نسمة تقريباً ويتلقون الصفعات على الأقفاء (جمع قفا) من 6 مليون إسرائيلي، لقد تفقد الأسد المسلم العجوز قوته، فلم يجد بها فضلا، إذ أصبح بلا مخلب ولا ناب، وأغرى به حتى الحملان، وهان على الماعز والقردة، وأصبحنا غرضا يُرمى، ويُغار علينا ولا نُغير إذ تعدو الذئاب على من لا كلاب له. ما سر هذا الهوان ؟ اسمع : هم ديموقراطيون يحترمون القانون الذى يعلو ولا يعلى عليه فى بلدهم وإن أنكرنا ذلك من باب العزة بالإثم. هم ينعمون بالحرية ونحن غير أحرار، إذ لا تكتمل الحرية بدون إنتاج الزاد والزناد. الصهاينة لا يقاتلون بعضهم البعض ونحن نفعل، إذ نضرب رقاب بعضنا البعض منذ 1400 سنة وحتى الآن. وإن حاربونا استعانوا ببعضنا على محاربة البعض الآخر، ثم ندفع لهم تكاليف هذه الحروب التى سُفكت فيها دماؤنا !! وما حرب الخليج عنا ببعيدة. هم – أوروبا – توحدوا اقتصادياً وعسكرياً مع اختلاف الأعراق واللغات والثقافات، ونحن لا نتفق إلا على دوام الخلاف مع توحد لغتنا وثقافتنا وتاريخنا وديننا .
إن أمة المسلمين الآن أشتات متباينة، فمنها الدول البترولية الشديدة الثراء، والدول الفقيرة التى يموت أطفالها جوعاً، ودول كثيفة السكان، ودول لديها أراض شاسعة لا يقوى أهلها على زراعتها. ولو كان هناك حد أدنى من التعاون والتنسيق بين هذه الدول " الإسلامية " ! لأمكن – مثلا – زراعة الأراضى فى بلد ما بأموال بلد آخر بأيدى مزارعى بلد ثالث، ولكننا مختلفون، ومازلنا نردد كالببغاوات، وحبات المسابح بين أصابعنا، دون عقل يفهم أو قلب يخشع، نردد: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
الصهاينة مشغولون بصنع الطائرات والصواريخ والقنابل الذرية، وسلاطيننا مشغولون بسباق الجِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِمال، الصهاينة يصنعون الأقمار الاصطناعية وأثرياء البدو ومليونيرات البترول مشغولون – أى والله – بالرقص بالسيوف على نقر الدفوف وهم يرفلون فى جلابيبهم البيضاء فى احتفالات تبثها الفضائيات بثاً مباشراً وكأنها أحداث جلل!. نشجب انحياز أمريكا ونندد بمساعدتها إسرائيل، ولكن نشترى السيارات والمأكولات والمشروبات الأمريكية. نحن العرب ظاهرة صوتية آن لها أن تفيق من غفلتها أو تخرج تماماً من التاريخ وتصبح أثراً بعد عين. الأجيال القادمة ستلعن آباءها الأولين الذين غفلوا وفرطوا واستهانوا، فهانوا على أنفسهم وأعدائهم .
لو انتصرنا وطاب عيشنا وهذا حالنا، لكان معنى ذلك هزيمة قيمة العلم والعمل والحق. فلا معنى لأن ينتصر الجاهل على العالم، أو الكسول على النشيط. وليس معقولاً أن يتفوق الغبى الذى لا يعرف أنه غبى، على الذكى الذى يعرف أنه ذكى، لقد فشلنا فى فهم منطق العصر ولم نستخدم أدواته. إنهم يألمون لسقوط هرة فى بئر، وتسارع الشرطة لإخراجها منه، ونحن لا نعرف من يقتل من فى الجزائر، فالألوف تُذبح فى الشوارع والمنازل والفاعل مجهول. صحيح أنهم يألمون لموت قططهم، ولكنهم يقصفون عشرات المنازل ويذبحون النساء والأطفال فى فلسطين، ذلك لأنهم يرون أننا أقل شأناً من حيواناتهم. إننا أمة لا تملك سوى بعض القدرة على الطفو فوق سطح الأحداث، وما ذلك لقوة ذاتية لديها، بل بفعل انتفاخ جسدها بغازات التحلل والبوار.
ولابد من امتلاك شجاعة النظر إلى الذات وانتقادها، وتشخيص أدوائها، وجلدها إن اقتضى الأمر ذلك، تلك الذات التى خسرناها منذ قرون طويلة ولم نظفر بعد بامتلاكها مرة أخرى، إذ استغرقنا فى أحلام مزيفة منعتنا من الاستيقاظ للانشغال بواقعنا البائس. لقد أصبحنا نحن المسلمين رقيق
العصر، وما الرقيق والاسترقاق ؟ إنه سيطرة شخص على مقدرات شخص آخر، سيد ومولاه، أو طبقة على طبقة، نبلاء ومواطنون أو إقطاعيون ومزارعون، أو سيطرة دولة على دولة، وذاك هو رق العصر الذى نضطلع فيه بدور العبيد وسادتنا هم الغرب، الغرب القوى الذى تسلح بالعلم وارتاد المحيط وأحدث الانقلاب الصناعى وصنع الأسلحة النارية والدبابات والطائرات، الغرب الذى ينهب أموالنا ويسرق بترولنا. ومنذ أن تخلينا عن ديننا وهويتنا ونحن نمارس دور العبيد حتى وإن تمتعت الدول الإسلامية باستقلال صورى وكان لها علم رسمى ونشيد وطنى تصدح به الفرق الموسيقية، وإن كان لها جيوش وعسكر، فهم لتثبيت العروش وليس لمدافعة السيد الجديد فى علاقة الرق العصرية. ولقد ضللنا إذ وقعنا فى وهم أن أمجادنا التاريخية قابلة للتحقق مرة أخرى دون حاجة إلى رجال يجاهدون من أجل صنع هذه الأمجاد .
ألا ترون عدل أن نكون نحن العبيد وهم السادة ؟ هم المنتصرون ونحن المنهزمون ؟ هم الأعزة ونحن الأذلة ؟ إذ مددنا للذل أعناقنا، وهيأنا ظهورنا للركوب فامتطانا كل راكب. وسيبقى الحال على ماهو عليه حتى إشعار آخر . إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم...
ترى ما علة هذا الهوان، إن العلة تتمثل فى عاملين أساسيين: أولهما هو الاستبداد وقد تناولناه فى كتاب سابق*، وثانيهما هو اعتقال العقل المسلم وتجميده واسترخاصه والحط من شأنه، وهذا هو موضوع كتابنا الذى بين يديك، وقد تم هذا الاعتقال على ثلاثة محاور، هى : التعليم، والتدين، والسلطة . وفى ما يلى تفصيل ما أجملناه . وعلى الله قصد السبيل
*هـل القلـب يعقـل ...؟؟؟
القلب يعقل ويؤمًر
: طارق فتحي
إن المشاهدات والتجارب تثبت لنا عدة نتائج في علم القلب يمكن أن نلخصها في نقاط محددة، وكيف أن القرآن حدثنا عنها بدقة تامة
- يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب يتألف من 40000 خلية عصبية، أي أن ما نسميه العقل موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46].
وهذه الآية حدّدت لنا مكان القلب لكي لا يظن أحد أن القلب في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا،
وكذلك القلب يؤمر من قبل اعصاب فائقة الحسية لاترى لا في العين المجردة ولا في اعتى المجاهر وهذه الاعصاب تدخلنا في عالم غير المادة بالرغم من وجودها في جميع خلايا جسدنا وهذه الاوتار الفائقة هي التي باهتزازها تأمر القلب بان يأمر الدماغ بفعل كذا وكذا .
ومن هنا تنبأ اهل الله بان ذكر الله ثلاثة انواع ذكر اللسان وذكر البنان وذكر الجنان . فباي الاء ربكما تكذبان ..
المصادر :
1- حسن عبد العال/ التربية الإسلامية فى القرن الرابع
الهجرى .
2- أسماء حسن فهمى / مبادئ التربية الإسلامية
3- ابن زنبل الرمال/ آخرة المماليك
4- جمال الدين الأفغانى / الخاطرات
5- د. أحمد صبحى منصور/ العقائد الدينية فى مصر
المملوكية بين الإسلام والتصوف .
6- د. أنور عبد الملك / الشارع المصرى والفكر
7- جون ستيورات مل / الحرية
8- د. توفيق الطويل/ فى تراثنا العربى الإسلامى "عالم
المعرفة"
9- المرجع السابق
10- د. محمد نور فرحات / البحث عن العقل .
لقد قطع العقل المسلم مسافة معقولة فى بداية العصر العباسى " أيام هارون الرشيد وابنه المأمون"، ولكنه تباطأ بعد ذلك وما لبث أن توقف عن المسير. ومن يدقق النظر يرى أن هذا العقل يسير الآن القهقرى متوجهاً إلى ماضيه ظناً أنه المستقبل. ويمضى الآخرون بسرعة مذهلة، إذ تتضاعف المعارف الإنسانية مرة كل 18 شهراً تقريباً فى ظل الثورة المعلوماتية الجبارة، وليس بمقدورنا الانتفاع بهذه المعارف فضلاً عن عجزنا عن المشاركة فى إنتاجها. لذا فإن التوقف، مجرد التوقف عن السير، يعتبر انسحاباً للخلف فى حركة تقهقر لن تغفرها لنا أجيالنا القادمة، إذ سنعجز تماماً عن اللحاق بالآخرين، ويقتصر دورنا – كل دورنا – على أداء مهام التبعية وأدوار العبيد للأسياد، وكأننا نكرر تاريخنا أيام الظاهرة المملوكية .
وقد انطفأت وخبت جذوة البعث العلمى الإسلامى والعربى ابتداء من القرن الرابع الهجرى نتيجة غلق باب الاجتهاد، وما صاحب ذلك من ملابسات وظروف عطلت المد العلمى، وإن لم يحل الظلام الدامس تماماً إلا بعد ذلك بمدة ليست بالقصيرة قلّ فيها الإبداع تدريجياً، ونقص عدد العلماء ولكن استمرت حركة المد العلمى بفعل قوة الدفع الأولى .
وفى القرن الرابع الهجرى حصل التفكك السياسى للدولة الإسلامية، فتفتتت إلى كيانات فسيفسائية، وتعددت الصراعات الدينية، واحتدم الصراع بين السنة والشيعة. بل كثيراً ما ثارت خلافات مذهبية تافهة فى الوقت الذى كانت فيه البلاد مهددة بالهجمات الصليبية، خلافات من نوع هل يجوز الجهر فى البسملة، والترجيع فى الآذان، والقنوت فى الفجر، حتى وصل الأمر إلى استعانة الحنابلة بالعميان الذين كانوا يأوون ببعض المساجد لضرب كل شافعى يمر بهم.
وعانى المفكرون: شأنهم فى ذلك شأن عامة الناس، من سوء الأحوال الاقتصادية فى القرن الرابع الهجرى، حتى إن العالم الواسع العلم يعجز عن دفع أجرة مسكنه ولا يجد ما يأكل، " وكان ذلك نتيجة طبيعية لما تردت إليه البلاد من سوء الأحوال الاقتصادية، حيث تجمعت الثروات والسلطات فى أيدى جماعة من الحكام الفاسدين الذين فقدوا كل إحساس بالعدل والاستقامة وتفننوا فى إذلال الفقراء، وغالوا فى الترف والبذخ(1) ".
والكارثة هى أن غلق باب الاجتهاد معناه النفور من كل جديد، والنظر بشك وريبة إلى كل مُبتدع واعتباره بدعة تفضى بصاحبها إلى قعر جهنم. وكان رد الفعل الأول تجاه أى جديد مستحدث هو إبداء الكراهة والنفور دون التروى والنظر فى غايات هذا الجديد ودراسة مرامية وأهدافه، إذ عانى العقل المسلم من الاسترهاب والبطش الذى دفعه إلى طلب الأمان وإيثار السلامة، وردد الناس فى أمثالهم : " من فات قديمه تاه " وقد فوّت هذا الموقف المتشكك فى الجديد، فوت الفرصة على المسلمين من الانتفاع بكثير مما أبدعه الآخرون كما حدث عندما غفلوا عن الانتفاع بالمطبعة، والتى كان اختراعها حدثاً محورياً هاماً فى تاريخ العلم والثقافة والكتاب، وأضاع عليهم غير ذلك من الإبداعات التى أمدت الآخرين بالقوة. ففى الوقت الذى ظهرت فيه المطبعة فى منتصف القرن الخامس عشر، كان إجمالى عدد الكتب فى أوروبا كلها حوالى ثلاثين ألف كتاب معظمها أناجيل وتفاسيرها. وخلال الخمسين سنة التالية زاد هذا العدد إلى تسعين مليون كتاب معظمها فى العلوم العقلية وكان المسلمون مشغولين فى هذا الوقت بمطالعة كتب الصوفية والمواظبة على ترديد كفرياتهم فى حلقات الذكر التى كانوا يقيمونها فى التكايا والخوانق والمساجد. وفى الوقت الذى لم يكفّروا فيه ما جاء فى كتب الصوفية من شرك بالله وازدراء التوحيد، وقبلوها مع الحفاوة والتقديس، نظروا إلى المطبعة على أنها آلة صنعها الكفرة ولا يجوز طباعة القرآن عليها ! الأمر الذى ألحق أضراراً فادحة بأمتنا الإسلامية على صعيد العلم والاستنارة. ومنع السلطان العثمانى بايزيد الثانى اقتناء المواد المطبوعة فى عام 1485م، وتكرر المنع من السلطان سليم الأول عام 1515م. وفى أوائل القرن السادس عشر طبع المسيحيون فى أوروبا أول كتاب باللغة العربية. وكان أول استخدام للمطبعة فى تركيا سنة 1716 وطبع بها أول كتاب عربى سنة 1728، وسرعان ما أغلقت ، وبعد إعادة فتحها كان أول ما طبع فيها كتب التصوف وأهمها الفتوحات المكية لابن عربى !!. ودخلت المطبعة مصر لأول مرة مع الحملة الفرنسية سنة 1798، ولكن لم يزد عدد الكتب العربية المطبوعة بها على خمسين كتاباً حتى نهاية القرن الثامن عشر .
وأنصار غلق باب الاجتهاد هم المتخوفون من كل جديد، وهم عَبَدَة المألوف وأعداء الجديد أياً كان. وهم يظنون أنهم يحتكرون الحقيقة، وأنهم الصفوة التى تختص بالعلم، ومن سواهم يجهل ولا يعلم، لذا جرّموا إعمال العقل من بعدهم، وحرّموا النظر إلى الأمور على نحو مغاير لما يرون، فعندما ظهرت المدرسة كمؤسسة تعليمية فى القرن الخامس الهجرى " لم ترق فى أعين بعض علماء المسلمين، إذ كانوا يفضلون عليها نظام التعليم الحر فى الجامع، وتناولوها بالنقد، ولما بلغهم بناء المدارس فى بغداد، أقاموا مأتم العلم، وقالوا: كان يشتغل به – أى بالعلم والتدريس – أرباب الهمم العالية الذين يقصدون العلم لشرفه وكماله، فيأتون علماء ينتفع بهم وبعلمهم، وإذ صار عليه أجر، تدانى إليه الأخساء – جمع خسيس – وأرباب الكسل، ومن هنا هجرت الحكمة(2) ". لقد تم تأثيم الاجتهاد عندما نظر إليه على أنه طريق الابتداع والبدع الذى يؤدى إلى جهنم وبئس القرار، وأنه مخالفة للفقهاء السابقين الذين أضفوا عليهم قداسات علمية ودينية تحول دون الإتيان بغير ما جاءوا به .
وامتد الخوف من الجديد وكراهية كل مستحدث حتى طال استخدام الأسلحة العصرية الجديدة، فبعد اختراع البندقية، فى زمن كان السيف فيه هو وسيلة القتال الأساسية، شاع استعمال البنادق فى بلاد كثيرة، ولم يستخدمها المماليك فى مصر والشام وعزفوا عنها واعتبروا استخدامها مخالفاً للسنة النبوية إذ لم يستخدمها النبى فى قتاله ولا يجوز مخالفة ذلك !! نعم إلى هذا الحد بلغ تجمد العقل، ويصف لنا شاهد عيان وهو ابن زنبل الرمال واقعة رفض السلطان المملوكى قانصوه الغورى الاستفادة من البندقية عندما عُرضت عليه، فقال : " وقد جاء بهذه البندقية رجل مغربى للسلطان الملك الأشرف قانصوه الغورى – رحمه الله تعالى وقتل قاتله – وأخبره أن هذه البندقية ظهرت من بلاد البندق، فقد استعملها جميع عساكر الروم والعرب، وهى هذه. فأمره أن يعلمها لبعض مماليكه، ففعل،وجئ بهم فرموا بحضرته، فساءه ذلك . وقال للمغربى: نحن لا نترك سنة نبينا ونتبع سنة النصارى، وقد قال مولانا سبحانه وتعالى :إن ينصركم الله فلا غالب لكم فرجع ذلك المغربى وهو يقول : من عاش ينظر هذا الملك وهو يُؤخذ بهذه البندقية. وقد كان كذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم(3) ".ويصف كيف تأثر جيش المماليك ووقع بهم الضرر من هذه البندقية فيقول : "ولا ضرهم – أى المماليك – إلا البندق فإنه يأخذ الرجل على حين غفلة، لا يعرف من أين جاءه، فقاتل الله أول من صنعها، وقاتل من يرمى بها على من يشهد لله بالوحدانية ولرسوله بالرسالة(3) ". أرأيتم عاقبة أن يتولى سدة الحكم من عَدِم القدرات الإدارية ومُنى بقصر النظر ورداءة الرأى، إنه يورد الأمة موارد الهلكة والبوار. وكان المماليك قد أهملوا الأخذ بأساليب العصر وأسلحته بعد أن زال عنهم خطر الصليبيين والمغول، ولم يتحمسوا لاستخدام الأسلحة النارية التى كانت تتسلح بها الجيوش آنذاك، واعتبروا ان الشجاعة والإقدام فى القتال من فوق الجواد، وإذ كان يتعذر على الفارس استخدام البندقية من فوق صهوة جواده، لذا لم يتحمسوا لاستخدام هذه البنادق، ولم يقدروا خطورة عدم التسلح بالأسلحة النارية التى مكنت الأوروبيين فى ما بعد من فتح البلاد والاستيلاء على الأراضى والمستعمرات .
وبإيصاد باب الاجتهاد بدأ اعتقال العقل العربى، ولم يتم هذا الاعتقال بقرار يصدره حاكم متسلط، وإنما جاء نتيجة مجموعة من الأسباب والدوافع وترتبت عليه كوارث دمرت مستقبل أمتنا وحالت دون تقدمها. وتجمد العقل المسلم عند حدود ما أنتجه السلف، ذلك الإنتاج العقلى الذى كان وليداً لظروفهم وملبياً لاحتياجاتهم. وراح هذا العقل فى سبات عميق بعد تغييبه من مجتمع أصبحت له قيم معرفية أخرى تعتمد بصورة أساسية على اجترار الموروثات وإن لم تناسب العصر، وبفعل تبعية ثقافية للغرب – فى ما بعد – بتأثير الهزيمة الداخلية التى أصابت ضمير المسلم. ويتعين علينا الآن إخضاع هذه الموروثات إلى النقد والتمحيص كى نستبعد منها الغث ونُبقى على السمين. فليس من المعقول مثلاً أن يتم تحقير العقل بحديث موضوع مفاده أن : " أكثر أهل الجنة من البُلْه "، وحاشا لله أن يقول الرسول الكريم هذا، فمعنى ذلك أن إغفال العقل هو الطريق إلى الجنة، وأن السلامة والهُدى فى البلاهة واجتناب إعمال العقل. والبله هم معظم أهل الجنة، أما الكادحون بعقولهم فى المختبرات والمصانع ومراكز البحوث، فليسوا من أهل الجنة. اجتراء على الدين واستهزاء بالحق والعقل. تلك الأضاليل المبثوثة فى كثير من كتبنا "الدينية" انحرفت بالناس وأثّرت سلباً على عقولهم وهى تفسر غفلة هذه الأمة طوال هذه الآماد الطويلة بعد أن صور لها "فقهاؤها" الأمور على هذا النحو الدراويشى .
ولما كانت هذه الأفكار السارية، والموروثات المألوفة تقع من ضمير الأمة موضع الرأس من البدن، لذا يجب قبل الحديث عن أى إصلاح أن نشرع فوراً فى إعادة النظر فى هذه الأفكار الأساسية الحاكمة التى تسير الناس، وذلك على صعيد التعليم والتدين والسلطة، وقبل تصويب وتمحيص هذه الأفكار والثوابت أو ما نظن أنها ثوابت، لن تستطيع هذه الأمة المضى فى الطريق الصحيح أو تجنب الخروج من التاريخ .
ومن الرائع حقاً أن الإسلام الحنيف يحثنا فى غير موضع على إعمال العقل والنظر والتبصر، وجاء فقهاء المسلمين ليصنعوا من تراث السلف وثناً يتعبدون فى محرابه بعد أن أضفوا العصمة على الفقهاء السابقين والتقديس لآرائهم التى اكتفوا بها ورأوها صالحة لكل زمان ومكان. وترتب على ذلك فقدان العقل وظيفته فى العالم الإسلامى الأمر الذى أدى بنا إلى مهاوى التخلف. وإلى جانب فهمنا للكتاب والسنة على ضوء اجتهادات من سبقونا، يجب ألا يقتصر هذا الفهم على اجتهاداتهم، وألا يكون هذا الفهم مقيداً بحدود الغابرين، وعلى ألا يكون هناك محاذير يحظر تخطيها إذ لم يتناولها بالبحث أباؤنا الأولون، :ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين "المؤمنون/24" . يقول جمال الدين الأفغانى: " نعم إن الفحول الأئمة: أبو حنيفة ومالك والشافعى وابن حنبل، ورجال الأمة اجتهدوا وأحسنوا. ولكن لا يصح أن نعتقد أنهم أحاطوا بكل أسرار القرآن (4) ". لذا فلابد من إقرار واحترام مبدأ الحق فى إعادة النظر فى كل، وأى، موروث. ومادامت العصمة للأنبياء وحدهم، فخليق بنا ألا نستنكف من إخضاع أى رأى للتمحيص، ومادام الاتفاق على أن الثوابت هى القرآن والسنة النبوية، فلا غرابة فى الدعوة إلى فحص أى موروث إن اقتضت الضرورة ذلك. وغدا العقل المسلم، بعد استرهابه، قاصراً عن القطع بحكم جلى إزاء موروثاته التى ظن أنها مقدسة، سواء أكانت موروثات تاريخية أم سياسية. ويبدو ذلك جلياً، على سبيل المثال، فى عجز أحدهم عن إدانة المخطئ فى الصراع الذى دار فى الفتنة الكبرى، وإن سألت أيهما أخطأ معاوية بن أبى سفيان أم سيدنا على بن أبى طالب " كرم الله وجهه " فإنه يقول لك : معاوية علي حق ولكن علياً أحق ! فاعجب أن يكون طرفا الصراع على حق، صراع قُتل فيه ألوف المسلمين دون أن يكون هناك مخطئ وراء ذلك. إنه العقل الذى تم تجميده بقداسات وهمية مزعومة. لقد غمط أسلافنا العقل حقه، وكأنما انعدمت حاجتهم إليه.
" وتصدى أبو حامد الغزالى للفلسفة العقلية ممثلاً للصوفية والفقهاء، ومن خلفه تعاطف العامة، مما ساعده على إسقاط الاتجاه الفلسفى العقلى، فلم يعد فى الساحة إلا الغزالى والتصوف والاتجاه الوجدانى طريقاً للمعرفة. وتمت الغلبة النهائية للغزالى والتصوف حين دعا لقفل باب الاجتهاد، وحجر على العقل مناقشة الادعاءات الصوفية، وقرر الصلح بين الإسلام والتصوف فى كتابه "إحياء علوم الدين" الذى بعثر فيه بمهارة فذة عقائد التصوف وسط أكوام من الأحاديث الموضوعة بعضها اخترعه الغزالى بنفسه – ثم التأويل للآيات لتشريع التصوف، بالإضافة إلى أسلوبه الوجدانى فى المواعظ والرقائق، وكتابته أبواب الفقه فى الإحياء بمنهج جديد لم يعرفه فقهاء عصره(5) ".
وكان يُنظر إلى علوم الفلسفة بريبة، فتخفّى المشتغلون بها، وحظر نقل ونسخ كتبها، وأُخذت المواثيق الغلاظ على ناسخى الكتب فى بغداد بأن لا ينسخوا كتاباً فى الفلسفة.
وتقلصت حدود إنجازاتنا الحالية، وتراجعت فعالياتنا إلى إنجازات تمت فى أزمان سابقة، إلى بناء الأهرامات وانتصارات حطين وعين جالوت. وتوقفنا عند هذا الحد اكتفاء ورضى باجترار أمجاد الماضى، والتفاخر بمنجزات الأجداد والآباء الأولين، والتغنى بها فى الإذاعة والتليفزيون، بينما ينطلق الآخرون من حولنا بسرعة الصاروخ إلى آفاق جديدة سبق تحديدها بدقة ومهارة ضمن استراتيجيات متكاملة ورؤى استشرافية يقرأون خلالها المستقبل ويخططون له ليصنعوه، عمداً، عن معرفة ودراية والفرق بيّن بين الاعتزاز بماضى أمتنا ومنجزات السلف، وبين الافتتان بهذا الماضى وتقديسه، فنحن لا نرى سوى اجتهادات السابقين، مع عظمتها، ونسقط حقنا فى إعادة النظر فى هذه الاجتهادات فى ضوء المستجدات، وندع هؤلاء السلف يصادرون حقوق الخلف فى سن قوانينهم، وصياغة أفكارهم وفقاً لظروفهم التى تختلف حتماً عن ظروف أجدادهم، وهذا الموقف لهو عين الحجر على الفكر وتكبيل العقل، وكأننا نردد مع شاعر أهل التقليد الأعمى وأتباع السلف :
وكل خير فى أتباع من سلف وكل شر فى ابتداع من خلف
"وكانت سياسة دنلوب التعليمية تهدف إلى تخريج جيل من أنصاف المتعلمين ممن لا يقدرون على القيام بأى عمل فيه تجديد أو ابتكار، ولا بأى نقد منهجى للوضع الراهن ماداموا لا يملكون نظرة تفسيرية نقدية عامة للوجود، ويرون فى الاختلاف والتباين الفكرى لوناً من ألوان الزندقة، ومن الصراع الفكرى جريمة لا تغتفر، ومن دعوة التجديد والتطور بدعة خطرة يجب القضاء عليها بأى ثمن" (6).
وفى عصر العز العلمى للمسلمين كانت المناقشات والمحاورات آلية مقبولة تماماً لاستخلاص الحقائق دونما حظر أو تقييد، فكانت تُعقد المناظرات فى المساجد وقصور الخلفاء والوزراء والأثرياء، ويحضرها فقهاء المسلمين وغيرهم من أهل الملل والنحل الأخرى حتى الصابئة منهم، ويتناقشون ويقلّبون الأمور على أوجهها دون تقييد أو تضييق، وكان الناس يختلفون إلى المساجد ليشهدوا مناظرات الفقهاء وكيف يكون دحض الحجة بالحجة وكيف يُتقبل الرأى الآخر إن كان فيه الصواب، هكذا دون حساسيات، لذا كان ذلك هو المناخ الذى يذكى حركة العلم ويشحذ همم العلماء.
وما وهب الله الإنسان العقل إلا ليستعمله، فهل يتوجب علينا محاذرة ذلك خشية الوقوع فى الخطأ ؟ وإذا تجنب الناس إمضاء آرائهم خشية أن تكون مغايرة للصواب، لآلت أمورهم إلى البوار والكساد. وإذا كان من الخطر تحريم الدفاع عن رأى ما لأننا توارثنا الحكم عليه بالفساد والخطأ، فالأخطر من ذلك هو تنزيه رأى ما عن الخطأ بسبب ذيوع الاعتقاد بصوابه.
يقول جون ستيورات مل : " لو اجتمع الناس على رأى واحد وخالفه فرد فذ، لما كان لهم من الحق فى إخراسه أكثر مما له من الحق في إخراسهم لو استطاع إلى ذلك سبيلا، إذ لا يقدح فى أهمية الرأى قلة المنتصرين له ...، فكأنهم يدعون أن يقينهم هو اليقين المطلق، ولا نزاع فى أن كل إخراس للمناقشة معناه ادعاء العصمة، وذلك أعظم دليل على خطأ القائلين بتقييد حرية الفكر والمناقشة(7) ". وكان ينظر إلى أى جديد على أنه بدعه وابتداع يتعين معه استصدار فتوى من رجال الدين بشأنها، حدث هذا عندما عرف العثمانيون شرب القهوة فى أوائل القرن السادس عشر، وحرمها السلاطين بين " 1511-1546"، ولكن سرعان ما انتشرت فى حلقات الصوفية. كذلك جرى الأمر بالنسبة للدخان "التدخين"، ولكنه انتشر بعد ذلك فى النارجيلة والغليون .
ولقد قامت الدنيا ولم تقعد عندما أفتى الشيخ محمد عبده بجواز لبس القبعة " البرنيطة الإفرنجية" وعدم تكفير من يرتديها " إذا لم يقصد الخروج من الإسلام أو الدخول فى دين غيره، فإن هذا لا يعد كفراً، وإذا كان لبس البرنيطة لحاجة حجب الشمس أو دفع مضرة أو مكروه أو تيسير مصلحة لم يكن كذلك ( ". كما حاول الشيخ محمد عبده إقناع المسؤولين عن الأزهر بتدريس مقدمة ابن خلدون لطلبة الأزهر لما فيها – على حد قوله من آراء اجتماعية سديدة وما تكشف عنه من الأسباب المؤدية إلى وقاية الأمم من أسباب البوار. إلا أن مشايخ الأزهر رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً وكان سبب الرفض أن (العادة لم تجر بذلك)!
" قال فضيلة الشيخ الأسبق للأزهر فى التليفزيون المصرى على مرأى من الجميع: أخطأ اليونان قديماً حين استمسكوا بالعقل واعتزوا بمنطقه، واخطأنا نحن حين أخذنا عنهم هذه النقيصة ..، وقال فضيلته رداً على سؤال حول رأيه فى الأستاذ الإمام محمد عبده، انه أخطأ حين فسر القرآن الكريم بالعقل، وكان ينبغى أن يفسر القرآن بالقرآن(9)"
ويوافق هذا الرأى رأي البابا جريجورى السادس عشر والبابا بيوس التاسع اللذين قالا بمقاومة حرية النظر العقلى والتصدى للنزوع إلى تحكيم العقل . وماذا عن الحقائق الكونية التى يكشف عنها العلم يوماً بعد آخر ونجد أنها مسطورة فى القرآن الكريم وكلها حقائق وبراهين عقلية تعزز إيمان المسلم وتؤكده، أنقول بنبذ العقل عند تفسير القرآن ؟ وهذه المعجزات العلمية المذكورة فى كتاب الله هى خير ما يدعو الإنسان الغربى المعاصر إلى إسلامنا الحقيقى بعدما نفره منه واقع وسلوكيات المسلمين .
وإذا كان تحقير العقل يقول به كبار رجال الدين – كما رأينا – لذا فليس من الغريب أن يصبح تحقير العقل ونبذه ديناً واعتقاداً ، ويصبح القول بغيره مروقاً من الدين وخروجاً من الملة .
ومضى العالم يستثمر العقل الذى مكنهم من الإطباق على رقابنا التى تحمل رءوسا بلا عقول فملكونا وأذلونا .
" وفى الواقع المعاصر المجاور لنا صدرت فتاوى ملزمة بحرمة القول بكروية الأرض وحرمة الدعوة إلى حقوق الإنسان وحرمة قيادة النساء للسيارات، ونحن نعتبر هذه الفتاوى اجتهادات بشرية خاطئة... كما أصدر شيخ الإسلام العثمانى فتوى بعزل السلطان سليم الثالث لأخذه بالأساليب الغربية فى تنظيم الجيش، وكان نص الفتوى كما يلى : " كل سلطان سيدخل أنظمة الفرنجة وعوائدهم، ويجبر الرعية على اتباعها لا يكون صالحاً للمُلك. ومن قبل أفتى العلماء للسلطان محمد الفاتح بمشروعية إصداره قانوناً بقتل الأمراء حتى لا يتنافسوا على العرش فتعم الفتنة(10)"، تلك الفتنة " المظلومة" ... التى يلوَّح بها " الفقهاء" بغية اتقاء مغبتها، مع أن صلاح الأحوال يكون فى خوض فتنة واحدة وتحمُّل نتائجها التى تحول دون حدوث ألف فتنة بعدها .
يقول الحسن بن الهيثم : إن حسن الظن بالعلماء السابقين مغروس فى طبائع البشر، وأنه كثيراً ما يقود الباحث إلى الضلال، ويعوق قدرته على كشف مغالطاته، وانطلاقه إلى معرفة الجديد من الحقائق، وما عصم الله العلماء من الزلل، ولا حمى علمهم من التقصير والخلل ولو كان ذلك كذلك، لما اختلف العلماء فى شئ من العلوم، ولا تفرقت آراؤهم فى شئ من حقائق الأمور".
اعتقال العقل المسلم وانحطاط المسلمين*
إن الراصد لواقع أمة المسلمين اليوم لا يعرف على وجه اليقين ما إذا كانت هذه الأمة جادة في البحث لها عن دور فاعل يخرج بها من صفوف دول العالم الثالث المتخلف المفعول به دائماً، أم أنها اكتفت بهذا الانكماش والانبطاح طوال هذه القرون. فليس يعد حكيماً من لم يكن لنفسه خصيماً وحسيباً، لذا آن أوان النظر في أحوالنا كي نعرف أين نحن من السبيل إلى استرداد الاعتبار بعد أن صرنا إلى ما نكره. ترى هل لم يبق لنا من أمل إلا في زمن آخر وعلى يد جيل آخر؟
ولا يحق لنا أن نندهش ونتساءل عن سبب هوان المسلمين ومذلتهم، فذلك أمر حتمي يتيسر فهمه في ضوء السنن والنواميس. فأعداؤنا عملوا واجتهدوا ونحن تكاسلنا وتقاعسنا. هم صنعوا أسلحتهم التي يقهروننا بها، ولم نقو على صنع شئ – أي شئ – لا الطائرة أو السيارة أو المدفع. هم يحسنون استثمار أموالهم، ونحن نودع أموالنا في بنوكهم، فيستثمرونها في تنمية اقتصادهم وتعظيم قوتهم، ويصادرونها إن عصينا أوامرهم. حكمهم ديموقراطي ولا يقوى حاكمهم على نهب أموال العباد ولا يعلو على القانون، وملوك المسلمين ينهبون أموال بيت المال لأنهم السلاطين والمماليك، ويودعونها في بنوك سويسرا وأمريكا. هم يرصدون للبحث العلمي أموالاً طائلة، فغزوا الفضاء وصنعوا الصواريخ والأسلحة الفتاكة والأقمار الاصطناعية، ونحن بأموالنا الطائلة لا نمارس أي أنشطة بحثية جادة. وكأن البحث العلمي عبث والعلم نفسه ترف، فمازلنا نبحث في السماء عن هلال شهر رمضان بالأعين المجردة مثلما كان يفعل البدوي في البادية منذ 1400 سنة، ولا نثق في الحساب والعلم لتحديد أوائل الشهور القمرية، في حين أنهم صعدوا إلى القمر، وحددوا لسفينة الفضاء موضع هبوطها بدقة، فهبطت به ولم تتجاوزه. ومن بين علمائنا ووعاظنا المعاصرين من يتعجب ممن يقول بكروية الأرض، وينفى ذلك، بل يتندر عليه.
وفى العالم الأول كما يسمونه، يعملون أكثر من 8 ساعات يومياً، ومتوسط زمن عمل الموظف عندنا 72 دقيقة يومياً. هم يرسمون إستراتيجياتهم ويقومون على تنفيذها بأنفسهم، لا أن يتولى غيرهم ذلك نيابة عنهم، ونحن نستعين بهم فى وضع مناهجنا التعليمية والتربوية، وتدريب لاعبينا كيف يلعبون الكرة، حتى آثارنا هم الذين ينقبون لنا عنها فى أرضنا، بل إن علم المصريات ذاته من عملهم هم. ونستعين بهم حتى فى التخلص من قمامتنا، ثم نقول فى دهشة – وغباوة – ما سبب انقلاب الموازين؟. هم يزرعون ما يأكلون حتى يزيد إنتاجهم فيرمونه فى البحر حفاظاً على سعره، ونحن نشترى منهم القمح إذ لم نقو بعد على زراعة كل ما نأكل، ناهيك من صنع ما نحتاجه من كل شئ وأى شئ بدءاً من الدراجة الهوائية وأدوات التجميل ولعب الأطفال، وانتهاءً بالطائرة والدبابة والسيارة والكمبيوتر. ثم نندهش ونتساءل: لماذا نحن المهزومون وهم المنتصرون ؟
المسلمون مليار ونصف المليار نسمة تقريباً ويتلقون الصفعات على الأقفاء (جمع قفا) من 6 مليون إسرائيلي، لقد تفقد الأسد المسلم العجوز قوته، فلم يجد بها فضلا، إذ أصبح بلا مخلب ولا ناب، وأغرى به حتى الحملان، وهان على الماعز والقردة، وأصبحنا غرضا يُرمى، ويُغار علينا ولا نُغير إذ تعدو الذئاب على من لا كلاب له. ما سر هذا الهوان ؟ اسمع : هم ديموقراطيون يحترمون القانون الذى يعلو ولا يعلى عليه فى بلدهم وإن أنكرنا ذلك من باب العزة بالإثم. هم ينعمون بالحرية ونحن غير أحرار، إذ لا تكتمل الحرية بدون إنتاج الزاد والزناد. الصهاينة لا يقاتلون بعضهم البعض ونحن نفعل، إذ نضرب رقاب بعضنا البعض منذ 1400 سنة وحتى الآن. وإن حاربونا استعانوا ببعضنا على محاربة البعض الآخر، ثم ندفع لهم تكاليف هذه الحروب التى سُفكت فيها دماؤنا !! وما حرب الخليج عنا ببعيدة. هم – أوروبا – توحدوا اقتصادياً وعسكرياً مع اختلاف الأعراق واللغات والثقافات، ونحن لا نتفق إلا على دوام الخلاف مع توحد لغتنا وثقافتنا وتاريخنا وديننا .
إن أمة المسلمين الآن أشتات متباينة، فمنها الدول البترولية الشديدة الثراء، والدول الفقيرة التى يموت أطفالها جوعاً، ودول كثيفة السكان، ودول لديها أراض شاسعة لا يقوى أهلها على زراعتها. ولو كان هناك حد أدنى من التعاون والتنسيق بين هذه الدول " الإسلامية " ! لأمكن – مثلا – زراعة الأراضى فى بلد ما بأموال بلد آخر بأيدى مزارعى بلد ثالث، ولكننا مختلفون، ومازلنا نردد كالببغاوات، وحبات المسابح بين أصابعنا، دون عقل يفهم أو قلب يخشع، نردد: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " .
الصهاينة مشغولون بصنع الطائرات والصواريخ والقنابل الذرية، وسلاطيننا مشغولون بسباق الجِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِمال، الصهاينة يصنعون الأقمار الاصطناعية وأثرياء البدو ومليونيرات البترول مشغولون – أى والله – بالرقص بالسيوف على نقر الدفوف وهم يرفلون فى جلابيبهم البيضاء فى احتفالات تبثها الفضائيات بثاً مباشراً وكأنها أحداث جلل!. نشجب انحياز أمريكا ونندد بمساعدتها إسرائيل، ولكن نشترى السيارات والمأكولات والمشروبات الأمريكية. نحن العرب ظاهرة صوتية آن لها أن تفيق من غفلتها أو تخرج تماماً من التاريخ وتصبح أثراً بعد عين. الأجيال القادمة ستلعن آباءها الأولين الذين غفلوا وفرطوا واستهانوا، فهانوا على أنفسهم وأعدائهم .
لو انتصرنا وطاب عيشنا وهذا حالنا، لكان معنى ذلك هزيمة قيمة العلم والعمل والحق. فلا معنى لأن ينتصر الجاهل على العالم، أو الكسول على النشيط. وليس معقولاً أن يتفوق الغبى الذى لا يعرف أنه غبى، على الذكى الذى يعرف أنه ذكى، لقد فشلنا فى فهم منطق العصر ولم نستخدم أدواته. إنهم يألمون لسقوط هرة فى بئر، وتسارع الشرطة لإخراجها منه، ونحن لا نعرف من يقتل من فى الجزائر، فالألوف تُذبح فى الشوارع والمنازل والفاعل مجهول. صحيح أنهم يألمون لموت قططهم، ولكنهم يقصفون عشرات المنازل ويذبحون النساء والأطفال فى فلسطين، ذلك لأنهم يرون أننا أقل شأناً من حيواناتهم. إننا أمة لا تملك سوى بعض القدرة على الطفو فوق سطح الأحداث، وما ذلك لقوة ذاتية لديها، بل بفعل انتفاخ جسدها بغازات التحلل والبوار.
ولابد من امتلاك شجاعة النظر إلى الذات وانتقادها، وتشخيص أدوائها، وجلدها إن اقتضى الأمر ذلك، تلك الذات التى خسرناها منذ قرون طويلة ولم نظفر بعد بامتلاكها مرة أخرى، إذ استغرقنا فى أحلام مزيفة منعتنا من الاستيقاظ للانشغال بواقعنا البائس. لقد أصبحنا نحن المسلمين رقيق
العصر، وما الرقيق والاسترقاق ؟ إنه سيطرة شخص على مقدرات شخص آخر، سيد ومولاه، أو طبقة على طبقة، نبلاء ومواطنون أو إقطاعيون ومزارعون، أو سيطرة دولة على دولة، وذاك هو رق العصر الذى نضطلع فيه بدور العبيد وسادتنا هم الغرب، الغرب القوى الذى تسلح بالعلم وارتاد المحيط وأحدث الانقلاب الصناعى وصنع الأسلحة النارية والدبابات والطائرات، الغرب الذى ينهب أموالنا ويسرق بترولنا. ومنذ أن تخلينا عن ديننا وهويتنا ونحن نمارس دور العبيد حتى وإن تمتعت الدول الإسلامية باستقلال صورى وكان لها علم رسمى ونشيد وطنى تصدح به الفرق الموسيقية، وإن كان لها جيوش وعسكر، فهم لتثبيت العروش وليس لمدافعة السيد الجديد فى علاقة الرق العصرية. ولقد ضللنا إذ وقعنا فى وهم أن أمجادنا التاريخية قابلة للتحقق مرة أخرى دون حاجة إلى رجال يجاهدون من أجل صنع هذه الأمجاد .
ألا ترون عدل أن نكون نحن العبيد وهم السادة ؟ هم المنتصرون ونحن المنهزمون ؟ هم الأعزة ونحن الأذلة ؟ إذ مددنا للذل أعناقنا، وهيأنا ظهورنا للركوب فامتطانا كل راكب. وسيبقى الحال على ماهو عليه حتى إشعار آخر . إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم صدق الله العظيم...
ترى ما علة هذا الهوان، إن العلة تتمثل فى عاملين أساسيين: أولهما هو الاستبداد وقد تناولناه فى كتاب سابق*، وثانيهما هو اعتقال العقل المسلم وتجميده واسترخاصه والحط من شأنه، وهذا هو موضوع كتابنا الذى بين يديك، وقد تم هذا الاعتقال على ثلاثة محاور، هى : التعليم، والتدين، والسلطة . وفى ما يلى تفصيل ما أجملناه . وعلى الله قصد السبيل
*هـل القلـب يعقـل ...؟؟؟
القلب يعقل ويؤمًر
: طارق فتحي
إن المشاهدات والتجارب تثبت لنا عدة نتائج في علم القلب يمكن أن نلخصها في نقاط محددة، وكيف أن القرآن حدثنا عنها بدقة تامة
- يتحدث العلماء اليوم جدّياًّ عن دماغ موجود في القلب يتألف من 40000 خلية عصبية، أي أن ما نسميه العقل موجود في مركز القلب، وهو الذي يقوم بتوجيه الدماغ لأداء مهامه، ولذلك فإن الله تعالى جعل القلب وسيلة نعقل به، يقول تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج: 46].
وهذه الآية حدّدت لنا مكان القلب لكي لا يظن أحد أن القلب في الرأس وهو الدماغ، أو أن هناك قلباً غير القلب الذي ينبض في صدرنا،
وكذلك القلب يؤمر من قبل اعصاب فائقة الحسية لاترى لا في العين المجردة ولا في اعتى المجاهر وهذه الاعصاب تدخلنا في عالم غير المادة بالرغم من وجودها في جميع خلايا جسدنا وهذه الاوتار الفائقة هي التي باهتزازها تأمر القلب بان يأمر الدماغ بفعل كذا وكذا .
ومن هنا تنبأ اهل الله بان ذكر الله ثلاثة انواع ذكر اللسان وذكر البنان وذكر الجنان . فباي الاء ربكما تكذبان ..
المصادر :
1- حسن عبد العال/ التربية الإسلامية فى القرن الرابع
الهجرى .
2- أسماء حسن فهمى / مبادئ التربية الإسلامية
3- ابن زنبل الرمال/ آخرة المماليك
4- جمال الدين الأفغانى / الخاطرات
5- د. أحمد صبحى منصور/ العقائد الدينية فى مصر
المملوكية بين الإسلام والتصوف .
6- د. أنور عبد الملك / الشارع المصرى والفكر
7- جون ستيورات مل / الحرية
8- د. توفيق الطويل/ فى تراثنا العربى الإسلامى "عالم
المعرفة"
9- المرجع السابق
10- د. محمد نور فرحات / البحث عن العقل .
مواضيع مماثلة
» * نقائص العقل المسلم
» * اعتقال العقل- دعوة"سدوم"- مدن تحت الارض - عصا الجمهورية - المخطوطات اليهوديه.
» * سميراميس والأساطير- عتقال العقل العربي المسلم - اسلحة صامته - حقيقة اليورانيوم
» غير المسلم في القرآن
» * أسرار القلب والروح 1
» * اعتقال العقل- دعوة"سدوم"- مدن تحت الارض - عصا الجمهورية - المخطوطات اليهوديه.
» * سميراميس والأساطير- عتقال العقل العربي المسلم - اسلحة صامته - حقيقة اليورانيوم
» غير المسلم في القرآن
» * أسرار القلب والروح 1
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى