غير المسلم في القرآن
صفحة 1 من اصل 1
غير المسلم في القرآن
غير المسلم في القرآن وموقف المسلم من غير المسلم ..
هل كل غير مسلم سيدخل النار؟
ليس المسلم وحده من يعرف الله، فكل عبادات البشر مردها لله بحتمية المنطق, قال تعالى: {الله الصمد}, و قال: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} وقال:{أينما تولوا فثم وجه الله}, فالله الذي عبده الاغريق هو الذي يعبده المسيحيون والهندوس، الخالق البارئ المصور القدير المنتقم، فالناس ليسوا مجانين ليعبدوا خشب أو طيور أو أحجار وحدها ويتركوا خالق الكون، فهم يعلمون أن هذا الحجر مثلا ليس هو خالقهم لكنهم عبدوه لظنهم أن له علاقة بالله خالق و مدبر الكون لكن أشركوا به لتعصب قومي أو وطني أو قبلي, فلا عبادة بدون مفهوم الخلق و الأمر.
كل إنسان ستوزن أعماله, قال تعالى: {لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ}، و ليس فقط المسلم من ستوزن أعماله و أتباع الديانات الأخرى كل عملهم باطل, فكل إنسان سوف يحاسب ويأخذ كتابه بيده إما يمينه أو شماله فيه تفصيل كل ما فعل في حياته كما ذكر القرآن, فالحساب في الآخرة على النية والعمل الصالح لوجه الله وليس على العقيدة المجردة فقط، و لا يمكن أن يكون العمل فاضلا إلا اذا كان لوجه الله و إلا يكون نفاقا والنفاق رذيلة.
لا يصح ان نقول أن أي احد ليس على عقيدة المسلمين بعد محمد صلى الله عليه وسلم كل أعماله باطلة، الله تعالى قال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فالإله الذي تدور حوله الديانات هو واحد لا سمي له ولا شبيه له وأسماءه لم تجتمع لغيره: الخالق القادر المحيط الحكيم الرحيم الإله..., لكن المشركين يخطئون في النظرة لله فإما يسقطون بعض أسمائه وصفاته على غيره أو ينسبون بعض قدراته إلى غيره, أو ينسبون له صفات غيره كالتوالد والتكاثر, أو يخصصونه بشأن معين مثل يهوه إله اليهود فقط, أو تجزئة صفاته وقدراته على آلهة متعددة مثل آلهة المطر وآلهة الحرب..إلخ عند البابليين واليونان وغيرهم. ومن هنا نفهم معنى الشرك من اشتراك الألوهية مع البشرية. لكن وجود موجد أول هذه حتمية فلسفية ويعرفها كل البشر, أي أن الكل يعبد الله وهو الأساس في العبادة فهو الصمد في عبادة اليونانيين القدماء والهندوس وغيرها من الديانات، فأساس العبادة كله هو خالق الكون فلا عاقل يتركه ويعبد حجرا أو طوطما، ولم يوجد شبيه له في كل أسمائه أي في كل صفاته. لكن لماذا أشركوا معه غيره ولم يخلصوا العبادة لله وحده؟ هذا يدًخل فيه المجتمع والمصالح والسياسة والقومية والتعصب وتعظيم الأسلاف...إلخ، والله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء, فهم أخذوا حق خالق الكون وأعطوه من لا يستحق بسبب نعراتهم وصراعاتهم وتعصباتهم, أي أن السبب دنيوي وليس شريفا. خالق الكون لو كل الناس تعبده مباشرة لاتحد الناس وصاروا إخوانا, مع أنهم ضمنا وفي الأخير يرجعون إليه, كان الأجدى أن يوحدوا العبادة له من البداية.
كل الآلهة التي عبدها البشر مرجعها إلى الله من باب الوسائط والشفعاء والزلفى, فآلهة اليونانيين مرجعها في الأخير زيوس إله الكون, والمسيح الذي يعبده النصارى هو لأنه ابن الله كما يعتقدون, فلابد من خالق الكون الواحد هذا ما يفرضه المنطق, فالإنسان يعبد خالقه ولا يعقل أن يعبد شجرة مخلوقة مثله, هذا لا يفعله ولا المجنون, وإن عبدوها فهو لاعتقادهم أن لها علاقة بالله خالق الكون وقدسيتها منه.
التفريق بين الإلوهية والربوبية لا يمكن أن يفعله بشر, فرب العالمين هو إله العالمين ويتقبل من العالمين, فهو رب الناس وملك الناس وإله الناس قال تعالى : {قل أعوذ برب الناس, ملك الناس, إله الناس}, ففكرة أن هناك فرق بين توحيد الإلوهية وتوحيد الربوبية أسقطته هذه الآية, فالرب والإله هو شيء واحد, ولا يمكن أن يعتقد أحد بوجود إله لكنه يكفر بربوبيته, أو وجود رب لكنه يكفر بإلوهيته. لكنهم كثيرا ما يخطئون الطريق إليه, وهذا الخطأ ليس بريئا, فهؤلاء الشركاء الذين يضعون مع الله هم يقدمونهم عليه لأن لهؤلاء السدنة مصالح أكثر من عبادة إله مجرد, ولهم نعرة تعصبية لجعله إلها خاصا بهم. كل هذا الفساد العقدي على حساب حق الله الواحد, لهذا وصف الله الشرك بأنه ظلم عظيم.
الإله هو الذي سيحاسب الناس على حسناتهم وسيئاتهم إذن هو سيحاسب الجميع, فهل غير المسلمين لن يحاسَبون ولن يؤتون كتاب أعمالهم يوم القيامة؟ كلا, الجميع سيحاسبون يوم القيامة كما يذكر القرآن, إذن من يعمل خيرا وقد أسلم وجهه لله فلن يضيع الله أجره من أي دين ومذهب: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن} و مثله من أساء, يقول سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}, والجميع يعرف بالعقل والمنطق والأخلاق أن الشرك خطأ وظلم و فساد, مادام أن الله خالق كل شيء والقادر على كل شيء إذن لماذا لا تكون العبادة له وحده وهو يعلم بكل شيء ويسمع من كل خلقه؟ الحجة بالمنطق قائمة على كل مشرك, قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} ومع ذلك يعودون للشرك وعبادة أحجار!
قد يقول أحد ماذا عن آية: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} ألا تعني أن كل النصارى كفار؟ وآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ألا تعني أن المشركين كفار ولا يُقبل منهم أي شيء؟ لكن المتبع لدين ما ليس شرطا أن يكون مختارا لكل ما في دينه فقد يكون مسلما وجهه لله لكنه يتبع عقيدة فاسدة, ولو كان كلٌّ يحاسَب على العقيدة فقط لكان كل من قال أنه مسلم سيكون في الجنة حتى المنافق وهذا غير صحيح, هناك من المسلمين من هم أفسد من أتباع ديانات أخرى ولم يعطوا لكلمة إسلام أي حق, وهناك من غير المسلمين من يضحي بحياته وسلامته لإنقاذ مسلمين يريد وجه الله على حسب ديانته و علمه, والله ليس بناكر للجميل بحيث يحبط كل الأعمال حتى لو كانت خيّرة ويُقصَد بها وجهه. الله يحاسب كل إنسان على أنه إنسان يعرف سريرته و نيته, هذا شيء بين الرب وعباده, لهذا جعل الله حساب الناس موكولا به وحده لأنه هو الذي يعلم من خلق, ولم يخلقهم ليعذبهم بلا حساب, وأكثر البشر من غير المسلمين والله عادل لا يظلم أحدا.
وإذا كنا نحن نستطيع أن نعلم من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار ما قيمة معرفة الله بالسرائر؟ وما قيمة أن يكون الحساب لله؟ بهذه الحال صار الحساب لنا وليس لله وصرنا نعلم ما يعلم الله! والحكم بأن كل من ليس محسوبا من المسلمين بأن كل أعماله باطلة مهما كانت خيرة ومهما كان يريد بها وجه الله وأنه مخلد في النار هذا ظلم وتألي على الله ومخالفة للقرآن: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿١١٣﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَـٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١١٤﴾ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} ليس بعد هذا شيء, فالله لا يكفر الخير ممن كان إذا كان مخلصا فيه لله حتى لو كان على أخطاء في عقيدته التي تلقاها وتعلمها ممن حوله, المهم هو القلب, وسيحاسبه الله على أخطائه أيضا بما فيها عقيدته, لكن العمل الذي يُقصد به وجه الله لا يضيع من أيٍّ كان, والله سبحانه قال : "لا يغفر أن يشرك به" أي لا يغفر الشرك نفسه وليس عمل الخير, وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّـهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ}. كيف أن الله يحث عباده على الإيمان وعمل الصالحات ثم يحبط ويقذف بالنار من يفعلونها لأنهم ليسوا أتباعا لملة محمد صلى الله عليه وسلم؟ مع أن الإسلام جاء لأجل الصالحات والإيمان بالله.
من الخطأ الفصل بين الشرك المعتبَر في القرآن و بين الكفر, لأن القرآن سماهم مشركين وسماهم كافرين بنفس الوقت أي أن إدانتهم ليست بالشرك فقط, بل أكثر ما وصفهم بالكفر وأتبعه بلوازم الكفر وهي سوء الأخلاق التي لا ينفك الكفر عنها, فلا يوجد كفر بدون سوء أخلاق ظاهرة أو مضمرة, مثل دع اليتيم ومنع الماعون والكبر والحسد وقسوة القلب والهمز واللمز وأن يحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا...إلخ, وهي لوزام لا بد منها للكفر والدليل هو القرآن, والقرآن لم يذكر كافرا أو كافرين يعملون خيرا أو ينوونه, بل دائما يوصفون بسوء الخلق كمطففين أو شاذين أو ظالمين أو مستكبرين أو كذابين أو آكلين لأموال الناس بالباطل..إلخ. السيئ سيئ والطيب طيب والله سيميز الخبيث من الطيب.
نحن نستدل على المؤمن من القرآن, ومن صفات المؤمنين في القرآن نعرف كيف نميزهم, إذن المشركين والكفار بنفس الطريقة وضحهم القرآن و وضح صفاتهم الأخلاقية مثلما وضح صفات المؤمنين, فلا يمكن أن نأخذ الإيمان بدون صفات المؤمنين ولا يمكن أن نأخذ الكفر بدون صفات الكافرين.
الكفر لا يكون إلا بعد علم لأنه جحود وتغطية بدافع الكبر. القرآن إذا تكلم عن الشرك هو يتكلم عن كفار عالِمين بشركهم ومصرين عليه, ولاحظ أن الآيتين التي ذكر فيهما الله سبحانه أنه لا يغفر أن يشرك به كانتا مسبوقتين بالكلام عن الكفار : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ}, وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿١١٥﴾ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ..}. وعلى هذا قد يكون شرك بلا علم لكن لا يكون كفر بلا علم. وربما يدخل في هذا حال أهل الكتاب كالنصارى مثلا الذين قال الله عنهم: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فلاحظ قوله "ليمسن الذين كفروا منهم" أي ليس كلهم بل من اختاروا الشرك عن قصد و ليس تبنوا المسيحية عن جهل. لهذا تقترن كثيرا في القرآن كلمة "الذين كفروا" مع "أهل الكتاب" {الذين كفروا من أهل الكتاب} وليس الذين أشركوا من أهل الكتاب, لأن الكفر على علم بينما ليس كل مشرك أشرك على علم.
الله هو إلهنا و إله غيرنا. الإله الخاص لا يأتي إلا بنعرة قومية مثل يهوه إله لليهود لوحدهم فجعلوا رب العالمين ربهم هم فقط, ومثلها فكرة أن الله رب المسلمين وحدهم. هناك من لم يتبلغ الإسلام كله أصلا أو من تبلغه مشوه فما ذنبه؟ وهل أعماله الخيرة كلها تذهب سدى؟ وهل سكان أمريكا قبل اكتشافها مثلا كلهم في النار مع أنه لم يكن لهم أي اتصال بالعالم ولم يتبلغوا عن الإسلام شيء ولا عن غيره؟! العالَم كبير, هناك أناس في مناطق نائية وفي أعالي جبال وفي جزر نائية ومنعزلة ومن لا يأتيهم إلا شيء مشوه ومزور و بتحذيرات من مجتمعاتهم, فكيف يحاسَب لماذا لم تكن مسلما مثله مثل من وُلد والمئذنة فوق رأسه؟ وهل من قالوا نحن مسلمون برئوا من ذنوبهم؟ كلا, إذن لا بد من فكرة واضحة تستطيع أن ترد على كل التناقضات, الفكرة هي رب العالمين وليس رب خاص بأحد {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ الأماني تعني معاملة خاصة وقسوة وتنحية للآخرين مثلما قالوا :{لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}.
القرآن أخبر أن كلاًّ سيجد كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, لماذا يوضع له كتاب وهو عقيدته كلها فاسدة وكل أعماله باطلة؟ كيف يكون إنسان عمل أعمالا صالحة لوجه الله لكنها كلها تبطل؟ هو عمل صالحا حسب فهمه, ومادام عمِل صالحا إذن سيجازى عليه. قال تعالى يخاطب المؤمنين: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿١٢٣﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} فالله لن يظلم من يعمل خيرا ونيته وجه الله من أي ملة بهذا الشرط, لكن أيضا سيحاسَب لماذا لم يبحث عن الدين الأحسن {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}, هذا هو الأفضل, والإنسان مطالب أن يبحث عن الأفضل ويحاسَب حال تقاعسه.
الله لا يريد أن يكون المسلمون أهل كتاب مرة أخرى من ليس على عقيدتهم في النار : {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}, بل يدخل في رحمة الله كل من أسلم وجهه لله وهو محسن ومن جاء بقلب سليم, وهنا نفهم عالمية الإسلام وعظمته وأن الدين قائم على الخيرية أصلا والتواضع لله والاعتراف به وليس على المعتقدات والجغرافيا والانتماءات والمذاهب. لاحظ القرآن يمدح فئاما من غير المسلمين بأعمالهم الخيرة وفي زمن محمد عليه الصلاة والسلام, وهذا دليل أنه دين عالمي وغير ضيق ومرتبط بالخير والنية الصالحة, هذا الطريق هو الذي يقرب إلى ملة إبراهيم الحنيفية والتي وصفها الله بأنها هي الأحسن, والتي تميل مع الحق أينما مال. وذكر الله ملة إبراهيم لأنها تجمع الديانات التي جاءت بعد إبراهيم عليه السلام, ومن هنا نفهم سعة رحمة الله فلم يقل ملة محمد حتى تشمل رحمته سبحانه السابقين و اللاحقين, ويؤيدها قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} أي أن لهم بابا للوصول إلى الله حتى لو لم يدخلوا الإسلام وإلا لما جُمعوا على كلمة سواء.
هكذا يكون الإسلام محرضا على الخير للمسلمين وغير المسلمين, و يجعل الخير والإيمان بالله طريقا للنجاة حتى لو لم تكن مسلما, وهكذا الإسلام يدعم الخير وينشره بدون تعصب, فما أروع هذا الدين العالمي الوحيد.. هذا لم تقله أي ديانة أخرى ولا مذهب فإما أن يمشي الإنسان على شروطها وإلا لن تقبل الخير الذي فيه. وهكذا نرى أن الإسلام ليس ديانة بشرية بل هو دين الله رب العالمين كلهم الذي يسع الخير عند كل عباده مالم يكن نفاقا أو شركا.
هنا قد يقول أحد: إذن ما الفرق بين الإسلام وغيره من الديانات؟ الفرق أن الإسلام هو الأفضل والأصح والخالص من الضلالات, ومن واجب كل إنسان أن يبحث عن الأفضل مع ربه, لماذا يبحث عن الأفضل في أمور الدنيا ولا يبحث عن الأفضل في أمور الدين؟ لذلك أرسل الله الرسول مجددا للإسلام, و من عرف الإسلام ورفضه بعد أن عرف أن هو الصواب هنا يكون قد كفر, ولن يفعل هذا إلا وفيه صفات الكفار الأخلاقية التي ذكرها القرآن من كذب وتكبر وعنت وقسوة ..إلخ, لكن من لم يصلهم الإٍسلام أو لم يتبين لهم أنه الحق أو أتاهم مشوها و بصورة شر فهؤلاء وضعهم مختلف.
تلاحظ أن القرآن لما يناقش عقائد المسيحيين مثلا يناقشها ويرفضها بقوة, لكن لما يتكلم عن الأفراد المسيحيين فلا يرفضهم كلهم, {ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} ففيهم أناس طيبون وقلوبهم ترق لذكر الله, لكن من ناحية العقيدة فهي باطلة, أن يضعون نبي الله أنه ابن الله ويعطونه ما لله وهو عبد فقير هنا العقيدة فاسدة.
الدين مثل المبنى كلما تضع فيه شيء يزيده حتى يكتمل, قال تعالى عن الإسلام : {اليوم أكملت لكم دينكم}, فكل ما تعمل من صالح: أليس يزيد حسناتك ويزيدك قرب من الله؟ إذن الدين تراكمي و ليس عبارة عن كتلة تركيبية تؤخذ كلها أو تُترك كلها ولا يكون عندك منه أي شيء! لكن الدين حتى يبدأ يكون دين يجب أن يكون لله أما لغير الله فلا يكون دين أصلا, إذن كل الذين يعبدون غير الله مقصدهم دنيوي وليس مقصدهم ديني, حتى الإشراك بالله مقصده دنيوي, فيؤمنون بإله يعلم كل شيء ثم يبحثون له عن واسطة! هذا غير منطقي! بل وتكون قبرا أو حجرا أو شجرة صماء بكماء ليس بيدها نفع ولا ضرر! العقل لا يقبل هذا الشيء, هو يقول أن الله عادل ويعلم السر والغيب ويبحث له عن واسطة؟! هذا ليس من المنطقية, إذن كل انحراف عقدي هو أساسا انحراف أخلاقي وجاء الدين ليصلح هذا الانحراف الأخلاقي. معنى هذا أنه لما مسيحي مثلا يتوجه لله بعمل طيب ويذهب ليساعد فقراء أو ينقذ حيوانا هل سيضيع عمله هذا؟ طبعا لا, لكن أيضا هل لن يحاسَب على الأشياء الأخرى كاختياره العقيدة الخطأ؟ بلى سيحاسَب, فلماذا لم يبحث عن الأفضل؟ و حسابه على الله وليس لنا :{ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.
من يبطل عمله هو من عمل باسم الله وهو في الحقيقة لغير الله, هذا كله باطل حتى لو كان عمر كامل من العبادات والأعمال الخيرة, لكن من أسلم وجهه لله وهو محسن هذا لن يضيع الله عمله حتى لو كانت الطريقة فيها خلل. هذا كلام منطقي وأخلاقي, لو كانت المسألة مسألة أن الله لا يقبل إلا كامل في تفاصيل العقيدة إذن لطُلب أيضا الكمال في العمل, فلماذا يطالَب بالكمال في العقيدة ولا يطالب بالكمال في العمل؟ إذن بناء على هذا التفكير يجب أن يكون عملك كله كامل وإلا سيكون كله باطل! هذا التكليف فوق طاقة البشر, أما التكليف العقدي فقط فهذا نفاق وسوء أخلاق أن تعتقد ولا تفعل : {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} فلا فائدة منه أبدا والله رفضه, إذن يجب أن تعمل مع العقيدة وإلا فما فائدة العقيدة الكاملة بلا عمل؟ و من هو مصر على الكمال في العقيدة يجب أن يكمل العمل وإلا سيبطل! نعم الكمال مطلوب في العقيدة وفي العمل, لكن من الصعب والمحرج لكل الناس أن نقيسهم على ما نعرف وما تعلمنا بدون مراعاة الفروق البيئية والجغرافية والثقافية...إلخ, مثلما أن يقاس عملك على عمل أحد رغم اختلاف ظروفكم.
الفرد على قدر ما يسلم نفسه لله يكون مسلما وليس الإسلام كلمة تقال دون التزام, وعلى هذا قد يكون إنسان بوذي مسلّم نفسه لله أكثر من إنسان يقول أنه مسلم ومسلّم نفسه للشيطان. الكلمة لها قيمة إذا قُرنت بالعمل أما الكلام للكلام فهو لا يخدع الله تعالى.
هكذا نفهم أن الإسلام عالمي وليس دين مخصوص بشعب معين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}, أي يضم الجميع ويرغّب الجميع في الأفضل, لهذا المسلم لله لا يكره الملحد مثلا كإنسان بل فقط يكره أفكاره, إلا إذا اعتدى فهذا موضوع آخر. ولهذا أيضا أصحاب الديانات أفضل من الملاحدة عند المسلم لله لأنهم أقرب له وأكثر أخلاقا مع الله وإن كانت عندهم أخطاء, لكن بالنسبة لمن لا يؤمن بالله أصلا يكونون أفضل.
من هذا الكلام نفهم آية : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} فهو لم يقل تخلوا عن كل دينكم واتبعوا كل ديننا, فهذه ليست كلمة سواء بل طلبٌ أن يكونوا مثلنا تماما, لكنه قال تعالوا إلى كلمة سواء وأرضية مشتركة تجمعنا وأنتم على يهوديتكم أو مسيحيتكم. المشكلة أن البعض يتصور أن المسيحي مثلا إذا لم يؤمن بتفاصيل العقيدة الإسلامية لا يعتبر مسلما, فيجب أن يؤمن بمحمد وبصحة القرآن ويصلي مثل صلاة المسلمين ويحج لمكة ويؤمن بسنة الختان..إلخ, وإلا لا يعتبر مسلما بل ويعتبر كافرا, وهذا ليس صحيحا بالضرورة, فقد يكون من المسيحيين أو الصابئين أو غيرهم من هم أقرب للإسلام من بعض المسلمين : {ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} ويوجد من المسلمين من هم مستكبرين وطاغين. وإلا لماذا الله يدعوهم إلى كلمة سواء؟ وهكذا يجب أن نفعل أن ندعوهم إلى الإسلام أو على الأقل إلى كلمة سواء, فهذا عنصر مهم في الدعوة لكنه مهمَل بينما القرآن دعا إليه وهو دعوة أتباع الأديان إلى كلمة سواء وهم على أديانهم, ونأمرهم بالمعروف و ننهاهم عن المنكر حتى من خلال أديانهم, وأن نحثهم على كل ما هو خيّر حتى في أديانهم ونقول أن الله لن يضيع من يعمل صالحا لوجه الله, هذا سيرغبهم في الإسلام لأن النفس تبحث عن الأفضل, مثلما ننبههم لأخطاء أديانهم في الأخلاق مع الله أو مع الناس, وهم منهم أيضا -كما أخبر القرآن- أمة قائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, وقائمة أي مستمرة ولو كانت قليلة.
تصنيف الناس على أنهم مسلمين وكفار وبناء عليه تقسيم الأرض إلى قسمين إلى دار حرب ودار سلم لا يتفق مع وصفنا للإسلام بدين السلام ولا مع كونه رحمة للعالمين ولا مع قول الله: {لا تعتدوا} وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}, وكيف نلومهم إذا اعتدوا على أرضنا ونحن ننظر إلى أرضهم بهذا الشكل؟! هذا غير أن الإيمان والكفر من شؤون الله وبين الله وعباده وليس من شؤوننا, لأن المسالة مسألة سرائر, نحن لا شأن لنا إلا بمن اعتدى علينا فنرد اعتداءه كما هو واضح في القرآن.
إذن ليست العقيدة هي الحكَم في الحساب بل السرائر, وربما شخص عقيدته فيها تلوث لكن سريرته أصفى من عقيدته التي لقنوها إياه, ومسلم لله أكثر من آخَرٍ عقيدته صافية يؤمن بمحمد وبوجوب الصلاة والحج...إلخ لكنه يعبد الدنيا ومصالحها ويبيع دينه لعرض من الدنيا ويؤول لنفسه ويعوض عن فساد نيته ببعض الأعمال, بل ربما لم يضر أحد الإسلام كما ضره بعض المسلمين, والله يقول :{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} فالله أمر ببر أناس يتبعون ديانات اخرى وليس فقط التعامل معهم بالقسط, فكيف نسميهم كفارا وأعداءا لله ورسوله وأرضهم ارض حرب ومالهم ملك لنا متى تمكنا منه, والله أمرنا ببرهم؟! وهنا تستغرب من بعض المسلمين الذين يتعمدون حتى عدم رد التحية ممن يتبع ديانة أخرى بحجة أنه كافر, بينما الله يأمر ببر الذين لم يقاتلوننا في ديننا بل وبدفع الزكاة لمن لم يدخلوا في الإٍسلام من المؤلفة قلوبهم, ولو كانوا كفارا يجب قتالهم ونهب أموالهم لما دُفِعت زكاة المسلمين لهم, فهذا عكس من يرى أن أموالهم للمسلمين في حين أن أموال المسلمين تُعطى لهم! لن تنصلح الأمة حتى تعود إلى رسالتها السماوية وتمشي دبر آياتها وليس أمامها, فالله أعلم وأحكم و أولى بالاتباع.
قد يقول أحد أن هذا الكلام يؤدي إلى تمييع الفرق بين الإسلام وغيره من الأديان وبالتالي لا قيمة لرسالة محمد, ولكن هذا غير صحيح, فرسالة محمد قدمت الدين الأفضل والأكمل والخالي من التحريفات البشرية, وهو النموذج الذي يُدعى إليه ويوصَل إليه حتى بالتدريج وبدون إكراه بل بالإقناع لمن شاء أن يستقيم, فالقرآن جاء للأفضل وهو الاستقامة, كما هي حكمة صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم لكي يصلوا الإسلام بالتدريج ودون ضغوط أي بالتي هي أحسن, ولو كان دخول الإسلام بالقوة لما فُرضت هذه الزكاة, لأن الإسلام بالقوة يعني أخذ أموالهم وليس أن تدفع لهم أموال! قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وكون الإنسان لا يتبع الدين الأكمل لا يعني بالشرط أن ما يتبعه كله فاسد, ففي كل الأديان مشتركات مع الإسلام الحقيقي كالعبودية لله و الحياة بعد الموت و الحساب في الآخرة والجنة والنار والتركيز على الأخلاق والاعتراف بالأنبياء..إلخ, لكن في كلها تحريفات بشرية أدخلت سوء الأخلاق من ضمن الدين كما جعل اليهود الله خادما للشعب اليهودي ويندم إذا عاقبهم ولا يندم إذا عاقب غيرهم ويخلقهم من نوره ويخلق غيرهم من الطين, أو ما فعل المسيحيون بتأليه عيسى عليه السلام هو وأمه, فالدين مبنى تراكمي وليس كتلة واحدة إما تفعلها كلها أو تتركها كلها. حتى في العقيدة الإسلامية نفسها يوجد مشتركات مع العقائد الأخرى -باستثناء الإلحاد الذي لا يتفق معه الإسلام في أي شيء-, عقيدة الإسلام تنص على وجود خالق للكون وهذا ما نجده في كل الديانات, الإسلام يؤمن بالأنبياء السابقين والديانات السماوية تؤمن بالأنبياء, وغيرها من المشتركات التي لا تضيع على الله لأن الله عادل, ولهذا صار أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين خصوصا المسيحيين بسبب وجود المشتركات. هل شخص يؤمن بوجود إله مثل من لا يؤمن بوجوده؟!
هكذا نعلم أن أبعد الديانات عن الله هو الإلحاد لأن كل الديانات تؤمن بوجود إله رغم الأخطاء وتطالب بالأخلاق أو بعضها أما الإلحاد فهو خال من كل هذا, وبالتالي الإلحاد هو الأكمل في كفر العقيدة من كل الديانات الأخرى, فاليهودية إن كفرت بمحمد فهي تؤمن بموسى ونوح أما الإلحاد فهو يكفر بالجميع ولا يؤمن بحساب ولا بآخرة ولا بجنة ولا بنار ولا ملائكة ولا كتب ولا نبيين, وأنا أتكلم عن الكفر العقدي, فالملحد هو فعلا الأكفر من اليهود والنصارى وغيرهم, وأقصد من ناحية العقيدة, لكن لا تنطبق عليه قتال الكافر لأنه ملحد ولا يعامل معاملة سيئة قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم}, فلا يقاتَل حتى يعتدي لأن القتال في الإسلام هو دفع أذى, وهذا هو القتال الأخلاقي فالله لا يحب المعتدين وهذا واضح, وأي شيء لا يحبه الله لن يكون أخلاقيا, وللملحد حق الدعوة بالحسنى كما حصل مع فرعون الذي أنكر وجود الله. مع أنك ربما تجد البعض يشمئز من عابد صنم أو مقدس بقر أكثر من ملحد وهذا شيء عجيب, لأن ذاك على الأقل له دين بينما الملحد لا دين له يقيده بشيء. أما الحكم بأن كل ملحد كافر عينا فهذا شيء بعلم الله ليس من شؤوننا و معروف الحكم في تكفير المعيّن, الإلحاد هو كفر عقيدة كامل لكن لا نعلم عن سريرة الشخص الملحد فربما يلجأ إلى الله دون أن يعلن ذلك للناس.
و من يقول أننا يجب نكفر كل أتباع الديانات الأخرى لأن عندهم شركيات, فكثير ممن يسمون مسلمين أيضا لا يخلون من الشرك, والرياء أحد صور الشرك كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم, مثل من يصلي من أجل أن يراه الناس ويثنوا عليه فهو هنا أشرك الناس مع الله, فهل نخرجهم من الإسلام أيضا؟! وكذلك شرك الخوف والرغبة, بل حتى المعصية على هذا الأساس قد تكون شركا, لأنه آثر لذته على الله أي فضل شيئا على الله وعصى الله لأجله! إذن لا يكتمل تحقق الشرك إلا بوجود الكفر والنية, لأن الشرك هو شرك بالله ليس فقط شرك في عبادة الله, قد يوجد من هو يشرك بالله لكن العبادة يصرفها لله فقط, ألا يسمى مشركا؟!
الله لم يخلق عباده ليضيعهم, حساب الله دقيق واختباره دقيق, وعدالته واسعة ورحمته واسعة, ولم يخلق الله الخلق ليرميهم في جهنم بسبب الجغرافيا, والأنبياء لم يركزوا على التفاصيل العقدية مثلما ركزوا على: اعبدوا الله وحده واعملوا صالحا, و لم يشترطوا على الناس أنه يجب أن يختتنوا أو يغتسلوا أو يعتمروا أو يصوموا أياما معينة وإلا لا يكونوا مسلمين لله, هذه هي الأفضل لمن أرادها لكنها ليست هي الأساس بالدين ومن لا يفعلها لا يعتبر خارجا عن الدين كله, والدين أمرنا باتباع الأفضل حتى مما أُنزل إلينا : {اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم}, مثل العفو والأخذ بالثأر كلاهما مُنزَل لكن العفو أحسن.
من المفترض أن تخاطب غير المسلم كالمسيحي مثلا خطابا ينطلق من المشتركات (كلمة سواء) بينك وبينه كقول : أنت الآن تفعل شيئا يقلل من أخلاقيتك مع الله وبالتالي عملك هذا قد يبطل ولا تستفيد منه, لماذا لا تصحح هذه النقطة؟ أليس يوجد إله الكون الواحد الذي تشعر بوجوده, وتشعر أنه واحد؟ لماذا تغير إحساسك على حسب ما علمك بشر؟ أنت تشعر أن الله لا يمكن أن يكون أكثر من واحد ولا يحتاج أن يغير نفسه من اقنوم إلى اقنوم, من يحتاج للتغيير هو الضعيف. ثم كلمة ولد كلمة بشرية فالله من خلق الزوجين ومن خلق التناسل فكيف يكون له ولد؟!
فيجب أن يحاوَر المسيحي مثلا أو أي متبع لدين ما دون أن نَكرَهه لأنه متدين ويريد الدين, لهذا أبعد الدرجات عن المسلم هو الملحد لأنه فكره يجعله آلة وليس إنسان, وحتى الملحد قد يكون متأُثرا بلا إدراك كامل أو قد يكون منطلقا من ردة فعل وهذا الأكثر. أما أتباع الأديان, فكل الأديان أساسها أصلا هو الإسلام لكن من تحويرهم لدينهم سموا أنفسهم مسيحيين أو يهود مثلا, مع أن كلمة مسلم هي الأجمل, أجمل من كلمة مسيحي أو بوذي, فبوذا بشر ويهوذا بشر والمسيح بشر وكونفوشيوس بشر وزرادشيت بشر بينما الدين لله فلماذا ينتسبون لهم؟ وكلمة مسلم ليس فيها نسبة لبشر, المسلم لا يسمى محمـديا بل مسلما لله, وهي كلمة واحدة تلخص كل الدين وهو علاقة عبودية وتسليم بين العبد وربه.
من المفترض أن العقائد الفاسدة تناقَش من ناحية أخلاقية, كأن تقول: مادامت أخلاقك هي التي دفعتك لتعبد الإله إذن صحح الأخلاق مع الإله وانظر أيهما أفضل أخلاقيا ما أقوله لك أم ما أنت عليه, أما إذا أنت تؤمن بأنه أكثر من إله خلق الكون فهذا خطأ منطقي, مع ان كل الأديان التي تؤمن بتعدد الآلهة تؤمن بإله كبير, إذن هذا هو الإله فلماذا لا تعبده مباشرة!
ورد في الآثار : "لو آمن أحدكم بحجر لنفعه" أي نفعه كونه يؤمن وليس الحجر, والمؤمن أساسا هو إنسان فاضل مترفع عن المادية والاستهلاك اليومي, وهو محترَم أكثر من الملحد لأن الملحد لو اتبع أفكاره لصار وحشا أكالاً وشهوانيا يترجم الحياة بطريقته هو ويبنيها على صراع وبقاء للأقوى وينتهك كل القيم والمحرمات إذا وقفت في طريق مصلحته, فالملحد المخلص لإلحاده لم يصل لدرجة الإنسان, لكن أهل الديانات أساسهم إنساني ويريدون الإنسانية لكنهم يخطئون الطريق كثيرا و تدخلهم العلمانية التي هي في جوهرها إلحاد.
التفرقة الحادة بين أتباع الإسلام وأتباع الديانات الأخرى والنظرة لهم بعدائية وعلى أنهم كلهم في النار هي المشكلة وهي التي تعيق التواصل معهم, لكن هذه النظرة القرآنية لأتباع الأديان الأخرى تجعل المسلم مفتوحا للعالم أكثر.
مشكلة الديانات الأخرى أنها مليئة بالعلمانية, فالمسيحية مثلا بوضعها الحالي هي كأنها بياعة كلام, يتكلمون كثيرا عن الفضائل و عن الرب لكن ليس في دينهم التزامات تذكر و لا يكاد يكون فيه محرمات, وهذا يتعب الصادقين منهم ويجعلهم قابلين لأن يسمعوا عن دين أفضل, لهذا لو يقدَّم لهم الإسلام على حقيقته ستهفو قلوبهم إليه, مثل ذلك المسيحي الألماني الذي أعلن إسلامه لأنه كان يشعر بأفضال الله عليه وأن الله يعطيه الكثير لكن لم يجد في المسيحية طريقة لشكر الله بغير الكلام. أو ذلك المسيحي الأمريكي الذي كان يتجول وحيدا في الغابة ولما غابت الشمس و أقبل الليل قال: أشعر أن هذا الوقت وقت عبادة لابد أن أفعل به شيئا لله, ولاحقا بينما هو يقرأ في الأديان وجد عند المسلمين صلاة المغرب فشدت اهتمامه للتعرف على الإسلام و أسلم.
المسلم لله لا يكره الذي سبقوه في الإيمان ويريد أن يمتلئ العالم خيرا ويريد أن يسود السلام والمحبة والتفاهم بين الأديان ويجتمعوا على كلمة سواء وعلى الأشياء الصالحة والمعروف و الطيب ولا يحب التفرق والتحزبات, لكن كيف يكون هناك مسلمين يكرهون هذا الشيء؟! شخص مثل غاندي لماذا أكرهه؟ حتى المسلمين وقف معهم وهو غير مسلم بل وقُتل بسبب وقفته مع المسلمين, ولما قالوا له لماذا لا تلحد قال الإلحاد صحراء قاحلة, وكان يصوم ويحرم نفسه من الطعام, لمن؟ لله! صحيح أن عنده أخطاء لكن الله من سيحاسبه ولن يضيع الله أجر عامل, فكل من التفت قلبه لله وترك مصالحه له هل سيضيعه الله؟ كيف يغضب الله على إنسان نشأ في أدغال الهند أو سيبيريا لا يعرف لغة ولا إسلاما لكنه خشع قلبه ذات يوم وأراد أن يتقرب إلى الله وأراد أن يفهم ومستعد أن يعبد لكن لا يدري كيف؟! اعتبره إنسانا حن قلبه لك لكنه لا يعرف وسيلة مناسبة ليعبر عن شوقه لك, هل ستكرهه؟ النظرة الأخلاقية أنك لن تكرهه, إذن الله سبحانه من باب أولى لن يكرهه. لهذا السبب لم يرسل الله نبيا لكل قرية ومدينة في العالم, لأنه ليس فقط من بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوها هم من يرضى الله عنهم, بل حتى ممن لم يبلغوا أو وصلتهم مشوهة يوجد أناس يؤمنون بالله وسريرتهم صافية ويعملون صالحا, فالله سبحانه تعامله أخلاقي مع البشر.
هكذا تكون نظرة المسلم نظرة رحمة للعالمين مثلما كانت نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم, فمحمد كان يرحم الناس لهذا قال له الله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} لماذا تذهب نفسه حسرات؟ لأنه يرحمهم! بل قال له: {لعلك باخع نفسك على آثارهم} أي كدت تقتل نفسك من الهم على آثارهم, ولم يقل صب جام غضبك عليهم وعذبهم! ولم يقل أنت رسول ملحمة وبعثت بالسيف! بهذا الفهم الأخلاقي للدين ستتحول إلى الرحمة بالناس, فتقول مثلا: يا أخي يا مسيحي ارحم نفسك كيف تحب الله وتعمل عمل غير أخلاقي معه؟! عمل قال الله عنه: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} فأنت تخطئ بحقه وتحسب أنك مصيب! خطاب المشفق عليك غير خطاب من يعاديك ويكرهك ويشتمك بل ويستحل دمك ومالك! فكيف سيقنعك وهو هكذا؟
لا يوجد تعليم إلا بحب فلا بد أن تحب الناس حتى تعلمهم, والحب هنا يتحول إلى رحمة, فالحب والخوف (سحب الحب) هما أساس الشعور الإنساني, الحب وهو يخرج للعالم الخارجي يأخذ أشكالا متعددة, فأحيانا يأخذ شكل رحمة و أحيانا شوق أو تأمل أو إعجاب أو تعليم أو صبر أو تحمل..., فمن يحبك يصبر عليك ويشتاق لك ويرحمك ويشفق عليك.... وهكذا.
حوار أتباع الأديان الأخرى بالأخلاق والعقل سيجذبهم إلى الإسلام, أما الكافر منهم فلا يريد إقامة علاقة مع الله ولا يريد أخلاق أصلا فالكافر كافر بالأخلاق, ويؤمن بالمصلحة والمادة واللحظة العاجلة.
يتصور الكثير من المسلمين أنه حين يذهب ليدعو إلى الإسلام في دول غير مسلمة عليه بالدرجة الأولى أن يقنع الناس بأن محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء وبصحة القرآن وببطلان دياناتهم, لكن الطريق الأسهل هو ما دعا إليه القرآن : {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} فليس شرطا أن يغير دينه من البداية, لكن نناقشه في الأخطاء الأخلاقية والمنطقية في أفكاره ومعتقده, فنقول له مثلا: ما دمت تريد الصواب والخُلُق القويم إذن لنصحح معا أخطاءنا وأفكارنا مستبعدين الأنانيات والتعصبات, أيهما أجمل أن نعبد الله مباشرة أو عبر واسطة من البشر الذين لا ندري ولا حتى عن نيتهم؟ هل يليق بالإله أن يكون أصما لا يسمع أم يعلم بكل شيء؟ هل يليق بالإله أن يكفيه أن تؤمن به أنه مخلص وينتهي الأمر؟ بينما لزوجتك حقوق ولولدك حقوق ولمجتمعك حقوق إلا الله خالق كل شيء ليس له حقوق! هذا غير منطقي فهو من خلق ولدك وزوجتك وابنتك.
وهكذا يتم النقاش بالمنطق والأخلاق, ومن لا يريد هو حر والله سيحاسبه إن كفر. لكن بعض المسلمين تجده يقول للناس : أولا حتى تسلم يجب أن تذهب للمستشفى وتجري عملية ختان و تستحم وتنطق الشهادتين بالعربية ويجب أن تجبر زوجتك على الحجاب, و بعضهم يحرّمون الفن ويعتبرونه مخالفا للإسلام بينما في أوروبا بالذات الفن عندهم شيء معظم وبالتالي يكون هذا الأمر غريبا وصادما, وكذلك الإلزام بالحجاب فيُذكر أن امرأة أرادت أن تسلم لكنها لم ترد أن تتحجب لأنها تعودت على وضعها لسنوات طويلة, ولما سألت قالوا لها أن الإسلام لا يتم إلا بالحجاب و بشكل معين فتخلت عن الإسلام! وأيضا يجعلونهم يغيرون أسماءهم, ولماذا يغيرون أسماءهم؟ بل بعض المسلمين يطالبونه بتغيير اسم أبيه وجده! هذا انتهاك لثقافته, فأحد اسمه ويليامز يجعلون اسمه مصعب! مصعب اسم من ثقافة أخرى ما دخله بها؟! فمصعب تعني الجمل الذي لم يروض! هذا عمل غير أخلاقي أن تنتهك ثقافته, فمثلما لك آباء تفتخر بهم هو له آباؤه, فأبوه وأمه الذين يحبهم هم من سموه, إلا إن كان الاسم نفسه هو لا يريده ويرى انه مخالف لدينه. مع أن الاسم يبقى لا قيمة له والقيمة للفعل, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعدل أسماء الصحابة رغما عنهم, و لم يعدل أسماء آبائهم ونسبهم, والأسماء التي بدلها كانت أسماء قاسية أو قبيحة أو فيها عبادة لغير الله.
و كوننا نطالبهم أن يرفضوا كل دينهم الأول هذا لم يقل به القرآن, مع أنهم ليسوا فقط يجعلونهم يرفضون كل دينهم السابق بل حتى لباسهم واسمهم وثقافتهم كلها! هذا انتهاك كامل! من جاء باحثا عن الإسلام لم يأت لأجل هذه الرتوش فحرام أن نقف في وجه من يريد أن يصل إلى ربه ونعسر عليه, هو جاء للإسلام لأنه رأى في دينه أخطاء ونقص ورأى في الإسلام تلقائية ووضوحا وشفافية ولا يوجد فيه طبقات دينية و لا إكليروس والعبادة مباشرة مع الله, إله واحد لهذا الكون لم يلد ولم يولد. معاني القرآن هي التي جاءت بهم فلا يصح أن ننفرهم ونبعدهم بدقائق في السنّة أو آراء علماء, تخيل لو أن المبشرين المسيحيين يقولون للناس مثل هذا, فحتى يكون العربي مسيحي عليه أن يغير اسمه من صالح إلى تشارلز!
لا يوجد همزة وصل مع العالم بسبب العلمانية الداخلة في الإسلام, لكن يبقى القرآن هو الذي جذب قلوب الناس إلى الإسلام وليس آراء المسلمين واقوال الفقهاء, فلما يسمع {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} هذا يعني أن كل المعابد والقديسين والمزارات لا داعي لها, الله يسمعك وقريب منك, لست بحاجة إلى أن تدفع لأحد حتى تعبد ولا يوجد أحد يستغلك, العبادة كلها بينك وبين ربك, فلا يوجد عبادة لا تتم إلا بجماعة, فتصلي بينك وبين ربك وتصوم بينك وبين ربك وتدفع زكاة بينك وبين ربك حتى لغير المسلمين ممن فيهم خير وطيبة, فالدين مركب للفرد وليس فيه إلزام لأحد وكل الجمال موجود فيه, فيحرم الخمر والربا والميسر والعصبية والتفرقة والعنصرية بين البشر والغيبة والتجسس والنميمة وأكل أموال اليتيم والفقراء, هذه كلها آفات في المجتمعات, ويحث على الصدقات ويأمر بالمعروف أيّ معروف وأيّ صواب تتجه له وكل هذا بينك وبين ربك. امتلاكك لمثل هذا الدين شيء رائع, فدينك لا علاقة لأحد به وخاص بك و بينك وبين ربك, وربك يبتلي السرائر ويعلم ما في داخلك.
الإسلام هو أجمل الأديان وأوضح الأديان إذا نظرت إليه من منظار القرآن وما والاه, أما إذا خرجت عن القرآن هنا يبدأ يتحول إلى دين بشري.
هل كل غير مسلم سيدخل النار؟
ليس المسلم وحده من يعرف الله، فكل عبادات البشر مردها لله بحتمية المنطق, قال تعالى: {الله الصمد}, و قال: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} وقال:{أينما تولوا فثم وجه الله}, فالله الذي عبده الاغريق هو الذي يعبده المسيحيون والهندوس، الخالق البارئ المصور القدير المنتقم، فالناس ليسوا مجانين ليعبدوا خشب أو طيور أو أحجار وحدها ويتركوا خالق الكون، فهم يعلمون أن هذا الحجر مثلا ليس هو خالقهم لكنهم عبدوه لظنهم أن له علاقة بالله خالق و مدبر الكون لكن أشركوا به لتعصب قومي أو وطني أو قبلي, فلا عبادة بدون مفهوم الخلق و الأمر.
كل إنسان ستوزن أعماله, قال تعالى: {لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ}، و ليس فقط المسلم من ستوزن أعماله و أتباع الديانات الأخرى كل عملهم باطل, فكل إنسان سوف يحاسب ويأخذ كتابه بيده إما يمينه أو شماله فيه تفصيل كل ما فعل في حياته كما ذكر القرآن, فالحساب في الآخرة على النية والعمل الصالح لوجه الله وليس على العقيدة المجردة فقط، و لا يمكن أن يكون العمل فاضلا إلا اذا كان لوجه الله و إلا يكون نفاقا والنفاق رذيلة.
لا يصح ان نقول أن أي احد ليس على عقيدة المسلمين بعد محمد صلى الله عليه وسلم كل أعماله باطلة، الله تعالى قال: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} فالإله الذي تدور حوله الديانات هو واحد لا سمي له ولا شبيه له وأسماءه لم تجتمع لغيره: الخالق القادر المحيط الحكيم الرحيم الإله..., لكن المشركين يخطئون في النظرة لله فإما يسقطون بعض أسمائه وصفاته على غيره أو ينسبون بعض قدراته إلى غيره, أو ينسبون له صفات غيره كالتوالد والتكاثر, أو يخصصونه بشأن معين مثل يهوه إله اليهود فقط, أو تجزئة صفاته وقدراته على آلهة متعددة مثل آلهة المطر وآلهة الحرب..إلخ عند البابليين واليونان وغيرهم. ومن هنا نفهم معنى الشرك من اشتراك الألوهية مع البشرية. لكن وجود موجد أول هذه حتمية فلسفية ويعرفها كل البشر, أي أن الكل يعبد الله وهو الأساس في العبادة فهو الصمد في عبادة اليونانيين القدماء والهندوس وغيرها من الديانات، فأساس العبادة كله هو خالق الكون فلا عاقل يتركه ويعبد حجرا أو طوطما، ولم يوجد شبيه له في كل أسمائه أي في كل صفاته. لكن لماذا أشركوا معه غيره ولم يخلصوا العبادة لله وحده؟ هذا يدًخل فيه المجتمع والمصالح والسياسة والقومية والتعصب وتعظيم الأسلاف...إلخ، والله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء, فهم أخذوا حق خالق الكون وأعطوه من لا يستحق بسبب نعراتهم وصراعاتهم وتعصباتهم, أي أن السبب دنيوي وليس شريفا. خالق الكون لو كل الناس تعبده مباشرة لاتحد الناس وصاروا إخوانا, مع أنهم ضمنا وفي الأخير يرجعون إليه, كان الأجدى أن يوحدوا العبادة له من البداية.
كل الآلهة التي عبدها البشر مرجعها إلى الله من باب الوسائط والشفعاء والزلفى, فآلهة اليونانيين مرجعها في الأخير زيوس إله الكون, والمسيح الذي يعبده النصارى هو لأنه ابن الله كما يعتقدون, فلابد من خالق الكون الواحد هذا ما يفرضه المنطق, فالإنسان يعبد خالقه ولا يعقل أن يعبد شجرة مخلوقة مثله, هذا لا يفعله ولا المجنون, وإن عبدوها فهو لاعتقادهم أن لها علاقة بالله خالق الكون وقدسيتها منه.
التفريق بين الإلوهية والربوبية لا يمكن أن يفعله بشر, فرب العالمين هو إله العالمين ويتقبل من العالمين, فهو رب الناس وملك الناس وإله الناس قال تعالى : {قل أعوذ برب الناس, ملك الناس, إله الناس}, ففكرة أن هناك فرق بين توحيد الإلوهية وتوحيد الربوبية أسقطته هذه الآية, فالرب والإله هو شيء واحد, ولا يمكن أن يعتقد أحد بوجود إله لكنه يكفر بربوبيته, أو وجود رب لكنه يكفر بإلوهيته. لكنهم كثيرا ما يخطئون الطريق إليه, وهذا الخطأ ليس بريئا, فهؤلاء الشركاء الذين يضعون مع الله هم يقدمونهم عليه لأن لهؤلاء السدنة مصالح أكثر من عبادة إله مجرد, ولهم نعرة تعصبية لجعله إلها خاصا بهم. كل هذا الفساد العقدي على حساب حق الله الواحد, لهذا وصف الله الشرك بأنه ظلم عظيم.
الإله هو الذي سيحاسب الناس على حسناتهم وسيئاتهم إذن هو سيحاسب الجميع, فهل غير المسلمين لن يحاسَبون ولن يؤتون كتاب أعمالهم يوم القيامة؟ كلا, الجميع سيحاسبون يوم القيامة كما يذكر القرآن, إذن من يعمل خيرا وقد أسلم وجهه لله فلن يضيع الله أجره من أي دين ومذهب: {بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن} و مثله من أساء, يقول سبحانه : {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}, والجميع يعرف بالعقل والمنطق والأخلاق أن الشرك خطأ وظلم و فساد, مادام أن الله خالق كل شيء والقادر على كل شيء إذن لماذا لا تكون العبادة له وحده وهو يعلم بكل شيء ويسمع من كل خلقه؟ الحجة بالمنطق قائمة على كل مشرك, قال تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} ومع ذلك يعودون للشرك وعبادة أحجار!
قد يقول أحد ماذا عن آية: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} ألا تعني أن كل النصارى كفار؟ وآية {إن الله لا يغفر أن يشرك به} ألا تعني أن المشركين كفار ولا يُقبل منهم أي شيء؟ لكن المتبع لدين ما ليس شرطا أن يكون مختارا لكل ما في دينه فقد يكون مسلما وجهه لله لكنه يتبع عقيدة فاسدة, ولو كان كلٌّ يحاسَب على العقيدة فقط لكان كل من قال أنه مسلم سيكون في الجنة حتى المنافق وهذا غير صحيح, هناك من المسلمين من هم أفسد من أتباع ديانات أخرى ولم يعطوا لكلمة إسلام أي حق, وهناك من غير المسلمين من يضحي بحياته وسلامته لإنقاذ مسلمين يريد وجه الله على حسب ديانته و علمه, والله ليس بناكر للجميل بحيث يحبط كل الأعمال حتى لو كانت خيّرة ويُقصَد بها وجهه. الله يحاسب كل إنسان على أنه إنسان يعرف سريرته و نيته, هذا شيء بين الرب وعباده, لهذا جعل الله حساب الناس موكولا به وحده لأنه هو الذي يعلم من خلق, ولم يخلقهم ليعذبهم بلا حساب, وأكثر البشر من غير المسلمين والله عادل لا يظلم أحدا.
وإذا كنا نحن نستطيع أن نعلم من سيدخل الجنة ومن سيدخل النار ما قيمة معرفة الله بالسرائر؟ وما قيمة أن يكون الحساب لله؟ بهذه الحال صار الحساب لنا وليس لله وصرنا نعلم ما يعلم الله! والحكم بأن كل من ليس محسوبا من المسلمين بأن كل أعماله باطلة مهما كانت خيرة ومهما كان يريد بها وجه الله وأنه مخلد في النار هذا ظلم وتألي على الله ومخالفة للقرآن: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّـهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ ﴿١١٣﴾ يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَـٰئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴿١١٤﴾ وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ} ليس بعد هذا شيء, فالله لا يكفر الخير ممن كان إذا كان مخلصا فيه لله حتى لو كان على أخطاء في عقيدته التي تلقاها وتعلمها ممن حوله, المهم هو القلب, وسيحاسبه الله على أخطائه أيضا بما فيها عقيدته, لكن العمل الذي يُقصد به وجه الله لا يضيع من أيٍّ كان, والله سبحانه قال : "لا يغفر أن يشرك به" أي لا يغفر الشرك نفسه وليس عمل الخير, وقال تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّـهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّـهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۗ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ}. كيف أن الله يحث عباده على الإيمان وعمل الصالحات ثم يحبط ويقذف بالنار من يفعلونها لأنهم ليسوا أتباعا لملة محمد صلى الله عليه وسلم؟ مع أن الإسلام جاء لأجل الصالحات والإيمان بالله.
من الخطأ الفصل بين الشرك المعتبَر في القرآن و بين الكفر, لأن القرآن سماهم مشركين وسماهم كافرين بنفس الوقت أي أن إدانتهم ليست بالشرك فقط, بل أكثر ما وصفهم بالكفر وأتبعه بلوازم الكفر وهي سوء الأخلاق التي لا ينفك الكفر عنها, فلا يوجد كفر بدون سوء أخلاق ظاهرة أو مضمرة, مثل دع اليتيم ومنع الماعون والكبر والحسد وقسوة القلب والهمز واللمز وأن يحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا...إلخ, وهي لوزام لا بد منها للكفر والدليل هو القرآن, والقرآن لم يذكر كافرا أو كافرين يعملون خيرا أو ينوونه, بل دائما يوصفون بسوء الخلق كمطففين أو شاذين أو ظالمين أو مستكبرين أو كذابين أو آكلين لأموال الناس بالباطل..إلخ. السيئ سيئ والطيب طيب والله سيميز الخبيث من الطيب.
نحن نستدل على المؤمن من القرآن, ومن صفات المؤمنين في القرآن نعرف كيف نميزهم, إذن المشركين والكفار بنفس الطريقة وضحهم القرآن و وضح صفاتهم الأخلاقية مثلما وضح صفات المؤمنين, فلا يمكن أن نأخذ الإيمان بدون صفات المؤمنين ولا يمكن أن نأخذ الكفر بدون صفات الكافرين.
الكفر لا يكون إلا بعد علم لأنه جحود وتغطية بدافع الكبر. القرآن إذا تكلم عن الشرك هو يتكلم عن كفار عالِمين بشركهم ومصرين عليه, ولاحظ أن الآيتين التي ذكر فيهما الله سبحانه أنه لا يغفر أن يشرك به كانتا مسبوقتين بالكلام عن الكفار : {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ}, وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ﴿١١٥﴾ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ..}. وعلى هذا قد يكون شرك بلا علم لكن لا يكون كفر بلا علم. وربما يدخل في هذا حال أهل الكتاب كالنصارى مثلا الذين قال الله عنهم: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فلاحظ قوله "ليمسن الذين كفروا منهم" أي ليس كلهم بل من اختاروا الشرك عن قصد و ليس تبنوا المسيحية عن جهل. لهذا تقترن كثيرا في القرآن كلمة "الذين كفروا" مع "أهل الكتاب" {الذين كفروا من أهل الكتاب} وليس الذين أشركوا من أهل الكتاب, لأن الكفر على علم بينما ليس كل مشرك أشرك على علم.
الله هو إلهنا و إله غيرنا. الإله الخاص لا يأتي إلا بنعرة قومية مثل يهوه إله لليهود لوحدهم فجعلوا رب العالمين ربهم هم فقط, ومثلها فكرة أن الله رب المسلمين وحدهم. هناك من لم يتبلغ الإسلام كله أصلا أو من تبلغه مشوه فما ذنبه؟ وهل أعماله الخيرة كلها تذهب سدى؟ وهل سكان أمريكا قبل اكتشافها مثلا كلهم في النار مع أنه لم يكن لهم أي اتصال بالعالم ولم يتبلغوا عن الإسلام شيء ولا عن غيره؟! العالَم كبير, هناك أناس في مناطق نائية وفي أعالي جبال وفي جزر نائية ومنعزلة ومن لا يأتيهم إلا شيء مشوه ومزور و بتحذيرات من مجتمعاتهم, فكيف يحاسَب لماذا لم تكن مسلما مثله مثل من وُلد والمئذنة فوق رأسه؟ وهل من قالوا نحن مسلمون برئوا من ذنوبهم؟ كلا, إذن لا بد من فكرة واضحة تستطيع أن ترد على كل التناقضات, الفكرة هي رب العالمين وليس رب خاص بأحد {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ الأماني تعني معاملة خاصة وقسوة وتنحية للآخرين مثلما قالوا :{لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}.
القرآن أخبر أن كلاًّ سيجد كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, لماذا يوضع له كتاب وهو عقيدته كلها فاسدة وكل أعماله باطلة؟ كيف يكون إنسان عمل أعمالا صالحة لوجه الله لكنها كلها تبطل؟ هو عمل صالحا حسب فهمه, ومادام عمِل صالحا إذن سيجازى عليه. قال تعالى يخاطب المؤمنين: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّـهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿١٢٣﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} فالله لن يظلم من يعمل خيرا ونيته وجه الله من أي ملة بهذا الشرط, لكن أيضا سيحاسَب لماذا لم يبحث عن الدين الأحسن {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}, هذا هو الأفضل, والإنسان مطالب أن يبحث عن الأفضل ويحاسَب حال تقاعسه.
الله لا يريد أن يكون المسلمون أهل كتاب مرة أخرى من ليس على عقيدتهم في النار : {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}, بل يدخل في رحمة الله كل من أسلم وجهه لله وهو محسن ومن جاء بقلب سليم, وهنا نفهم عالمية الإسلام وعظمته وأن الدين قائم على الخيرية أصلا والتواضع لله والاعتراف به وليس على المعتقدات والجغرافيا والانتماءات والمذاهب. لاحظ القرآن يمدح فئاما من غير المسلمين بأعمالهم الخيرة وفي زمن محمد عليه الصلاة والسلام, وهذا دليل أنه دين عالمي وغير ضيق ومرتبط بالخير والنية الصالحة, هذا الطريق هو الذي يقرب إلى ملة إبراهيم الحنيفية والتي وصفها الله بأنها هي الأحسن, والتي تميل مع الحق أينما مال. وذكر الله ملة إبراهيم لأنها تجمع الديانات التي جاءت بعد إبراهيم عليه السلام, ومن هنا نفهم سعة رحمة الله فلم يقل ملة محمد حتى تشمل رحمته سبحانه السابقين و اللاحقين, ويؤيدها قوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء} أي أن لهم بابا للوصول إلى الله حتى لو لم يدخلوا الإسلام وإلا لما جُمعوا على كلمة سواء.
هكذا يكون الإسلام محرضا على الخير للمسلمين وغير المسلمين, و يجعل الخير والإيمان بالله طريقا للنجاة حتى لو لم تكن مسلما, وهكذا الإسلام يدعم الخير وينشره بدون تعصب, فما أروع هذا الدين العالمي الوحيد.. هذا لم تقله أي ديانة أخرى ولا مذهب فإما أن يمشي الإنسان على شروطها وإلا لن تقبل الخير الذي فيه. وهكذا نرى أن الإسلام ليس ديانة بشرية بل هو دين الله رب العالمين كلهم الذي يسع الخير عند كل عباده مالم يكن نفاقا أو شركا.
هنا قد يقول أحد: إذن ما الفرق بين الإسلام وغيره من الديانات؟ الفرق أن الإسلام هو الأفضل والأصح والخالص من الضلالات, ومن واجب كل إنسان أن يبحث عن الأفضل مع ربه, لماذا يبحث عن الأفضل في أمور الدنيا ولا يبحث عن الأفضل في أمور الدين؟ لذلك أرسل الله الرسول مجددا للإسلام, و من عرف الإسلام ورفضه بعد أن عرف أن هو الصواب هنا يكون قد كفر, ولن يفعل هذا إلا وفيه صفات الكفار الأخلاقية التي ذكرها القرآن من كذب وتكبر وعنت وقسوة ..إلخ, لكن من لم يصلهم الإٍسلام أو لم يتبين لهم أنه الحق أو أتاهم مشوها و بصورة شر فهؤلاء وضعهم مختلف.
تلاحظ أن القرآن لما يناقش عقائد المسيحيين مثلا يناقشها ويرفضها بقوة, لكن لما يتكلم عن الأفراد المسيحيين فلا يرفضهم كلهم, {ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} ففيهم أناس طيبون وقلوبهم ترق لذكر الله, لكن من ناحية العقيدة فهي باطلة, أن يضعون نبي الله أنه ابن الله ويعطونه ما لله وهو عبد فقير هنا العقيدة فاسدة.
الدين مثل المبنى كلما تضع فيه شيء يزيده حتى يكتمل, قال تعالى عن الإسلام : {اليوم أكملت لكم دينكم}, فكل ما تعمل من صالح: أليس يزيد حسناتك ويزيدك قرب من الله؟ إذن الدين تراكمي و ليس عبارة عن كتلة تركيبية تؤخذ كلها أو تُترك كلها ولا يكون عندك منه أي شيء! لكن الدين حتى يبدأ يكون دين يجب أن يكون لله أما لغير الله فلا يكون دين أصلا, إذن كل الذين يعبدون غير الله مقصدهم دنيوي وليس مقصدهم ديني, حتى الإشراك بالله مقصده دنيوي, فيؤمنون بإله يعلم كل شيء ثم يبحثون له عن واسطة! هذا غير منطقي! بل وتكون قبرا أو حجرا أو شجرة صماء بكماء ليس بيدها نفع ولا ضرر! العقل لا يقبل هذا الشيء, هو يقول أن الله عادل ويعلم السر والغيب ويبحث له عن واسطة؟! هذا ليس من المنطقية, إذن كل انحراف عقدي هو أساسا انحراف أخلاقي وجاء الدين ليصلح هذا الانحراف الأخلاقي. معنى هذا أنه لما مسيحي مثلا يتوجه لله بعمل طيب ويذهب ليساعد فقراء أو ينقذ حيوانا هل سيضيع عمله هذا؟ طبعا لا, لكن أيضا هل لن يحاسَب على الأشياء الأخرى كاختياره العقيدة الخطأ؟ بلى سيحاسَب, فلماذا لم يبحث عن الأفضل؟ و حسابه على الله وليس لنا :{ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}.
من يبطل عمله هو من عمل باسم الله وهو في الحقيقة لغير الله, هذا كله باطل حتى لو كان عمر كامل من العبادات والأعمال الخيرة, لكن من أسلم وجهه لله وهو محسن هذا لن يضيع الله عمله حتى لو كانت الطريقة فيها خلل. هذا كلام منطقي وأخلاقي, لو كانت المسألة مسألة أن الله لا يقبل إلا كامل في تفاصيل العقيدة إذن لطُلب أيضا الكمال في العمل, فلماذا يطالَب بالكمال في العقيدة ولا يطالب بالكمال في العمل؟ إذن بناء على هذا التفكير يجب أن يكون عملك كله كامل وإلا سيكون كله باطل! هذا التكليف فوق طاقة البشر, أما التكليف العقدي فقط فهذا نفاق وسوء أخلاق أن تعتقد ولا تفعل : {كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} فلا فائدة منه أبدا والله رفضه, إذن يجب أن تعمل مع العقيدة وإلا فما فائدة العقيدة الكاملة بلا عمل؟ و من هو مصر على الكمال في العقيدة يجب أن يكمل العمل وإلا سيبطل! نعم الكمال مطلوب في العقيدة وفي العمل, لكن من الصعب والمحرج لكل الناس أن نقيسهم على ما نعرف وما تعلمنا بدون مراعاة الفروق البيئية والجغرافية والثقافية...إلخ, مثلما أن يقاس عملك على عمل أحد رغم اختلاف ظروفكم.
الفرد على قدر ما يسلم نفسه لله يكون مسلما وليس الإسلام كلمة تقال دون التزام, وعلى هذا قد يكون إنسان بوذي مسلّم نفسه لله أكثر من إنسان يقول أنه مسلم ومسلّم نفسه للشيطان. الكلمة لها قيمة إذا قُرنت بالعمل أما الكلام للكلام فهو لا يخدع الله تعالى.
هكذا نفهم أن الإسلام عالمي وليس دين مخصوص بشعب معين {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}, أي يضم الجميع ويرغّب الجميع في الأفضل, لهذا المسلم لله لا يكره الملحد مثلا كإنسان بل فقط يكره أفكاره, إلا إذا اعتدى فهذا موضوع آخر. ولهذا أيضا أصحاب الديانات أفضل من الملاحدة عند المسلم لله لأنهم أقرب له وأكثر أخلاقا مع الله وإن كانت عندهم أخطاء, لكن بالنسبة لمن لا يؤمن بالله أصلا يكونون أفضل.
من هذا الكلام نفهم آية : {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} فهو لم يقل تخلوا عن كل دينكم واتبعوا كل ديننا, فهذه ليست كلمة سواء بل طلبٌ أن يكونوا مثلنا تماما, لكنه قال تعالوا إلى كلمة سواء وأرضية مشتركة تجمعنا وأنتم على يهوديتكم أو مسيحيتكم. المشكلة أن البعض يتصور أن المسيحي مثلا إذا لم يؤمن بتفاصيل العقيدة الإسلامية لا يعتبر مسلما, فيجب أن يؤمن بمحمد وبصحة القرآن ويصلي مثل صلاة المسلمين ويحج لمكة ويؤمن بسنة الختان..إلخ, وإلا لا يعتبر مسلما بل ويعتبر كافرا, وهذا ليس صحيحا بالضرورة, فقد يكون من المسيحيين أو الصابئين أو غيرهم من هم أقرب للإسلام من بعض المسلمين : {ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} ويوجد من المسلمين من هم مستكبرين وطاغين. وإلا لماذا الله يدعوهم إلى كلمة سواء؟ وهكذا يجب أن نفعل أن ندعوهم إلى الإسلام أو على الأقل إلى كلمة سواء, فهذا عنصر مهم في الدعوة لكنه مهمَل بينما القرآن دعا إليه وهو دعوة أتباع الأديان إلى كلمة سواء وهم على أديانهم, ونأمرهم بالمعروف و ننهاهم عن المنكر حتى من خلال أديانهم, وأن نحثهم على كل ما هو خيّر حتى في أديانهم ونقول أن الله لن يضيع من يعمل صالحا لوجه الله, هذا سيرغبهم في الإسلام لأن النفس تبحث عن الأفضل, مثلما ننبههم لأخطاء أديانهم في الأخلاق مع الله أو مع الناس, وهم منهم أيضا -كما أخبر القرآن- أمة قائمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر, وقائمة أي مستمرة ولو كانت قليلة.
تصنيف الناس على أنهم مسلمين وكفار وبناء عليه تقسيم الأرض إلى قسمين إلى دار حرب ودار سلم لا يتفق مع وصفنا للإسلام بدين السلام ولا مع كونه رحمة للعالمين ولا مع قول الله: {لا تعتدوا} وقوله تعالى: {لا إكراه في الدين}, وكيف نلومهم إذا اعتدوا على أرضنا ونحن ننظر إلى أرضهم بهذا الشكل؟! هذا غير أن الإيمان والكفر من شؤون الله وبين الله وعباده وليس من شؤوننا, لأن المسالة مسألة سرائر, نحن لا شأن لنا إلا بمن اعتدى علينا فنرد اعتداءه كما هو واضح في القرآن.
إذن ليست العقيدة هي الحكَم في الحساب بل السرائر, وربما شخص عقيدته فيها تلوث لكن سريرته أصفى من عقيدته التي لقنوها إياه, ومسلم لله أكثر من آخَرٍ عقيدته صافية يؤمن بمحمد وبوجوب الصلاة والحج...إلخ لكنه يعبد الدنيا ومصالحها ويبيع دينه لعرض من الدنيا ويؤول لنفسه ويعوض عن فساد نيته ببعض الأعمال, بل ربما لم يضر أحد الإسلام كما ضره بعض المسلمين, والله يقول :{ لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم} فالله أمر ببر أناس يتبعون ديانات اخرى وليس فقط التعامل معهم بالقسط, فكيف نسميهم كفارا وأعداءا لله ورسوله وأرضهم ارض حرب ومالهم ملك لنا متى تمكنا منه, والله أمرنا ببرهم؟! وهنا تستغرب من بعض المسلمين الذين يتعمدون حتى عدم رد التحية ممن يتبع ديانة أخرى بحجة أنه كافر, بينما الله يأمر ببر الذين لم يقاتلوننا في ديننا بل وبدفع الزكاة لمن لم يدخلوا في الإٍسلام من المؤلفة قلوبهم, ولو كانوا كفارا يجب قتالهم ونهب أموالهم لما دُفِعت زكاة المسلمين لهم, فهذا عكس من يرى أن أموالهم للمسلمين في حين أن أموال المسلمين تُعطى لهم! لن تنصلح الأمة حتى تعود إلى رسالتها السماوية وتمشي دبر آياتها وليس أمامها, فالله أعلم وأحكم و أولى بالاتباع.
قد يقول أحد أن هذا الكلام يؤدي إلى تمييع الفرق بين الإسلام وغيره من الأديان وبالتالي لا قيمة لرسالة محمد, ولكن هذا غير صحيح, فرسالة محمد قدمت الدين الأفضل والأكمل والخالي من التحريفات البشرية, وهو النموذج الذي يُدعى إليه ويوصَل إليه حتى بالتدريج وبدون إكراه بل بالإقناع لمن شاء أن يستقيم, فالقرآن جاء للأفضل وهو الاستقامة, كما هي حكمة صرف الزكاة للمؤلفة قلوبهم لكي يصلوا الإسلام بالتدريج ودون ضغوط أي بالتي هي أحسن, ولو كان دخول الإسلام بالقوة لما فُرضت هذه الزكاة, لأن الإسلام بالقوة يعني أخذ أموالهم وليس أن تدفع لهم أموال! قال تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم} والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
وكون الإنسان لا يتبع الدين الأكمل لا يعني بالشرط أن ما يتبعه كله فاسد, ففي كل الأديان مشتركات مع الإسلام الحقيقي كالعبودية لله و الحياة بعد الموت و الحساب في الآخرة والجنة والنار والتركيز على الأخلاق والاعتراف بالأنبياء..إلخ, لكن في كلها تحريفات بشرية أدخلت سوء الأخلاق من ضمن الدين كما جعل اليهود الله خادما للشعب اليهودي ويندم إذا عاقبهم ولا يندم إذا عاقب غيرهم ويخلقهم من نوره ويخلق غيرهم من الطين, أو ما فعل المسيحيون بتأليه عيسى عليه السلام هو وأمه, فالدين مبنى تراكمي وليس كتلة واحدة إما تفعلها كلها أو تتركها كلها. حتى في العقيدة الإسلامية نفسها يوجد مشتركات مع العقائد الأخرى -باستثناء الإلحاد الذي لا يتفق معه الإسلام في أي شيء-, عقيدة الإسلام تنص على وجود خالق للكون وهذا ما نجده في كل الديانات, الإسلام يؤمن بالأنبياء السابقين والديانات السماوية تؤمن بالأنبياء, وغيرها من المشتركات التي لا تضيع على الله لأن الله عادل, ولهذا صار أهل الكتاب أقرب إلى المسلمين خصوصا المسيحيين بسبب وجود المشتركات. هل شخص يؤمن بوجود إله مثل من لا يؤمن بوجوده؟!
هكذا نعلم أن أبعد الديانات عن الله هو الإلحاد لأن كل الديانات تؤمن بوجود إله رغم الأخطاء وتطالب بالأخلاق أو بعضها أما الإلحاد فهو خال من كل هذا, وبالتالي الإلحاد هو الأكمل في كفر العقيدة من كل الديانات الأخرى, فاليهودية إن كفرت بمحمد فهي تؤمن بموسى ونوح أما الإلحاد فهو يكفر بالجميع ولا يؤمن بحساب ولا بآخرة ولا بجنة ولا بنار ولا ملائكة ولا كتب ولا نبيين, وأنا أتكلم عن الكفر العقدي, فالملحد هو فعلا الأكفر من اليهود والنصارى وغيرهم, وأقصد من ناحية العقيدة, لكن لا تنطبق عليه قتال الكافر لأنه ملحد ولا يعامل معاملة سيئة قال تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم}, فلا يقاتَل حتى يعتدي لأن القتال في الإسلام هو دفع أذى, وهذا هو القتال الأخلاقي فالله لا يحب المعتدين وهذا واضح, وأي شيء لا يحبه الله لن يكون أخلاقيا, وللملحد حق الدعوة بالحسنى كما حصل مع فرعون الذي أنكر وجود الله. مع أنك ربما تجد البعض يشمئز من عابد صنم أو مقدس بقر أكثر من ملحد وهذا شيء عجيب, لأن ذاك على الأقل له دين بينما الملحد لا دين له يقيده بشيء. أما الحكم بأن كل ملحد كافر عينا فهذا شيء بعلم الله ليس من شؤوننا و معروف الحكم في تكفير المعيّن, الإلحاد هو كفر عقيدة كامل لكن لا نعلم عن سريرة الشخص الملحد فربما يلجأ إلى الله دون أن يعلن ذلك للناس.
و من يقول أننا يجب نكفر كل أتباع الديانات الأخرى لأن عندهم شركيات, فكثير ممن يسمون مسلمين أيضا لا يخلون من الشرك, والرياء أحد صور الشرك كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم, مثل من يصلي من أجل أن يراه الناس ويثنوا عليه فهو هنا أشرك الناس مع الله, فهل نخرجهم من الإسلام أيضا؟! وكذلك شرك الخوف والرغبة, بل حتى المعصية على هذا الأساس قد تكون شركا, لأنه آثر لذته على الله أي فضل شيئا على الله وعصى الله لأجله! إذن لا يكتمل تحقق الشرك إلا بوجود الكفر والنية, لأن الشرك هو شرك بالله ليس فقط شرك في عبادة الله, قد يوجد من هو يشرك بالله لكن العبادة يصرفها لله فقط, ألا يسمى مشركا؟!
الله لم يخلق عباده ليضيعهم, حساب الله دقيق واختباره دقيق, وعدالته واسعة ورحمته واسعة, ولم يخلق الله الخلق ليرميهم في جهنم بسبب الجغرافيا, والأنبياء لم يركزوا على التفاصيل العقدية مثلما ركزوا على: اعبدوا الله وحده واعملوا صالحا, و لم يشترطوا على الناس أنه يجب أن يختتنوا أو يغتسلوا أو يعتمروا أو يصوموا أياما معينة وإلا لا يكونوا مسلمين لله, هذه هي الأفضل لمن أرادها لكنها ليست هي الأساس بالدين ومن لا يفعلها لا يعتبر خارجا عن الدين كله, والدين أمرنا باتباع الأفضل حتى مما أُنزل إلينا : {اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم}, مثل العفو والأخذ بالثأر كلاهما مُنزَل لكن العفو أحسن.
من المفترض أن تخاطب غير المسلم كالمسيحي مثلا خطابا ينطلق من المشتركات (كلمة سواء) بينك وبينه كقول : أنت الآن تفعل شيئا يقلل من أخلاقيتك مع الله وبالتالي عملك هذا قد يبطل ولا تستفيد منه, لماذا لا تصحح هذه النقطة؟ أليس يوجد إله الكون الواحد الذي تشعر بوجوده, وتشعر أنه واحد؟ لماذا تغير إحساسك على حسب ما علمك بشر؟ أنت تشعر أن الله لا يمكن أن يكون أكثر من واحد ولا يحتاج أن يغير نفسه من اقنوم إلى اقنوم, من يحتاج للتغيير هو الضعيف. ثم كلمة ولد كلمة بشرية فالله من خلق الزوجين ومن خلق التناسل فكيف يكون له ولد؟!
فيجب أن يحاوَر المسيحي مثلا أو أي متبع لدين ما دون أن نَكرَهه لأنه متدين ويريد الدين, لهذا أبعد الدرجات عن المسلم هو الملحد لأنه فكره يجعله آلة وليس إنسان, وحتى الملحد قد يكون متأُثرا بلا إدراك كامل أو قد يكون منطلقا من ردة فعل وهذا الأكثر. أما أتباع الأديان, فكل الأديان أساسها أصلا هو الإسلام لكن من تحويرهم لدينهم سموا أنفسهم مسيحيين أو يهود مثلا, مع أن كلمة مسلم هي الأجمل, أجمل من كلمة مسيحي أو بوذي, فبوذا بشر ويهوذا بشر والمسيح بشر وكونفوشيوس بشر وزرادشيت بشر بينما الدين لله فلماذا ينتسبون لهم؟ وكلمة مسلم ليس فيها نسبة لبشر, المسلم لا يسمى محمـديا بل مسلما لله, وهي كلمة واحدة تلخص كل الدين وهو علاقة عبودية وتسليم بين العبد وربه.
من المفترض أن العقائد الفاسدة تناقَش من ناحية أخلاقية, كأن تقول: مادامت أخلاقك هي التي دفعتك لتعبد الإله إذن صحح الأخلاق مع الإله وانظر أيهما أفضل أخلاقيا ما أقوله لك أم ما أنت عليه, أما إذا أنت تؤمن بأنه أكثر من إله خلق الكون فهذا خطأ منطقي, مع ان كل الأديان التي تؤمن بتعدد الآلهة تؤمن بإله كبير, إذن هذا هو الإله فلماذا لا تعبده مباشرة!
ورد في الآثار : "لو آمن أحدكم بحجر لنفعه" أي نفعه كونه يؤمن وليس الحجر, والمؤمن أساسا هو إنسان فاضل مترفع عن المادية والاستهلاك اليومي, وهو محترَم أكثر من الملحد لأن الملحد لو اتبع أفكاره لصار وحشا أكالاً وشهوانيا يترجم الحياة بطريقته هو ويبنيها على صراع وبقاء للأقوى وينتهك كل القيم والمحرمات إذا وقفت في طريق مصلحته, فالملحد المخلص لإلحاده لم يصل لدرجة الإنسان, لكن أهل الديانات أساسهم إنساني ويريدون الإنسانية لكنهم يخطئون الطريق كثيرا و تدخلهم العلمانية التي هي في جوهرها إلحاد.
التفرقة الحادة بين أتباع الإسلام وأتباع الديانات الأخرى والنظرة لهم بعدائية وعلى أنهم كلهم في النار هي المشكلة وهي التي تعيق التواصل معهم, لكن هذه النظرة القرآنية لأتباع الأديان الأخرى تجعل المسلم مفتوحا للعالم أكثر.
مشكلة الديانات الأخرى أنها مليئة بالعلمانية, فالمسيحية مثلا بوضعها الحالي هي كأنها بياعة كلام, يتكلمون كثيرا عن الفضائل و عن الرب لكن ليس في دينهم التزامات تذكر و لا يكاد يكون فيه محرمات, وهذا يتعب الصادقين منهم ويجعلهم قابلين لأن يسمعوا عن دين أفضل, لهذا لو يقدَّم لهم الإسلام على حقيقته ستهفو قلوبهم إليه, مثل ذلك المسيحي الألماني الذي أعلن إسلامه لأنه كان يشعر بأفضال الله عليه وأن الله يعطيه الكثير لكن لم يجد في المسيحية طريقة لشكر الله بغير الكلام. أو ذلك المسيحي الأمريكي الذي كان يتجول وحيدا في الغابة ولما غابت الشمس و أقبل الليل قال: أشعر أن هذا الوقت وقت عبادة لابد أن أفعل به شيئا لله, ولاحقا بينما هو يقرأ في الأديان وجد عند المسلمين صلاة المغرب فشدت اهتمامه للتعرف على الإسلام و أسلم.
المسلم لله لا يكره الذي سبقوه في الإيمان ويريد أن يمتلئ العالم خيرا ويريد أن يسود السلام والمحبة والتفاهم بين الأديان ويجتمعوا على كلمة سواء وعلى الأشياء الصالحة والمعروف و الطيب ولا يحب التفرق والتحزبات, لكن كيف يكون هناك مسلمين يكرهون هذا الشيء؟! شخص مثل غاندي لماذا أكرهه؟ حتى المسلمين وقف معهم وهو غير مسلم بل وقُتل بسبب وقفته مع المسلمين, ولما قالوا له لماذا لا تلحد قال الإلحاد صحراء قاحلة, وكان يصوم ويحرم نفسه من الطعام, لمن؟ لله! صحيح أن عنده أخطاء لكن الله من سيحاسبه ولن يضيع الله أجر عامل, فكل من التفت قلبه لله وترك مصالحه له هل سيضيعه الله؟ كيف يغضب الله على إنسان نشأ في أدغال الهند أو سيبيريا لا يعرف لغة ولا إسلاما لكنه خشع قلبه ذات يوم وأراد أن يتقرب إلى الله وأراد أن يفهم ومستعد أن يعبد لكن لا يدري كيف؟! اعتبره إنسانا حن قلبه لك لكنه لا يعرف وسيلة مناسبة ليعبر عن شوقه لك, هل ستكرهه؟ النظرة الأخلاقية أنك لن تكرهه, إذن الله سبحانه من باب أولى لن يكرهه. لهذا السبب لم يرسل الله نبيا لكل قرية ومدينة في العالم, لأنه ليس فقط من بلغتهم رسالة محمد صلى الله عليه وسلم واتبعوها هم من يرضى الله عنهم, بل حتى ممن لم يبلغوا أو وصلتهم مشوهة يوجد أناس يؤمنون بالله وسريرتهم صافية ويعملون صالحا, فالله سبحانه تعامله أخلاقي مع البشر.
هكذا تكون نظرة المسلم نظرة رحمة للعالمين مثلما كانت نظرة الرسول صلى الله عليه وسلم, فمحمد كان يرحم الناس لهذا قال له الله: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات} لماذا تذهب نفسه حسرات؟ لأنه يرحمهم! بل قال له: {لعلك باخع نفسك على آثارهم} أي كدت تقتل نفسك من الهم على آثارهم, ولم يقل صب جام غضبك عليهم وعذبهم! ولم يقل أنت رسول ملحمة وبعثت بالسيف! بهذا الفهم الأخلاقي للدين ستتحول إلى الرحمة بالناس, فتقول مثلا: يا أخي يا مسيحي ارحم نفسك كيف تحب الله وتعمل عمل غير أخلاقي معه؟! عمل قال الله عنه: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} فأنت تخطئ بحقه وتحسب أنك مصيب! خطاب المشفق عليك غير خطاب من يعاديك ويكرهك ويشتمك بل ويستحل دمك ومالك! فكيف سيقنعك وهو هكذا؟
لا يوجد تعليم إلا بحب فلا بد أن تحب الناس حتى تعلمهم, والحب هنا يتحول إلى رحمة, فالحب والخوف (سحب الحب) هما أساس الشعور الإنساني, الحب وهو يخرج للعالم الخارجي يأخذ أشكالا متعددة, فأحيانا يأخذ شكل رحمة و أحيانا شوق أو تأمل أو إعجاب أو تعليم أو صبر أو تحمل..., فمن يحبك يصبر عليك ويشتاق لك ويرحمك ويشفق عليك.... وهكذا.
حوار أتباع الأديان الأخرى بالأخلاق والعقل سيجذبهم إلى الإسلام, أما الكافر منهم فلا يريد إقامة علاقة مع الله ولا يريد أخلاق أصلا فالكافر كافر بالأخلاق, ويؤمن بالمصلحة والمادة واللحظة العاجلة.
يتصور الكثير من المسلمين أنه حين يذهب ليدعو إلى الإسلام في دول غير مسلمة عليه بالدرجة الأولى أن يقنع الناس بأن محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم الأنبياء وبصحة القرآن وببطلان دياناتهم, لكن الطريق الأسهل هو ما دعا إليه القرآن : {تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا} فليس شرطا أن يغير دينه من البداية, لكن نناقشه في الأخطاء الأخلاقية والمنطقية في أفكاره ومعتقده, فنقول له مثلا: ما دمت تريد الصواب والخُلُق القويم إذن لنصحح معا أخطاءنا وأفكارنا مستبعدين الأنانيات والتعصبات, أيهما أجمل أن نعبد الله مباشرة أو عبر واسطة من البشر الذين لا ندري ولا حتى عن نيتهم؟ هل يليق بالإله أن يكون أصما لا يسمع أم يعلم بكل شيء؟ هل يليق بالإله أن يكفيه أن تؤمن به أنه مخلص وينتهي الأمر؟ بينما لزوجتك حقوق ولولدك حقوق ولمجتمعك حقوق إلا الله خالق كل شيء ليس له حقوق! هذا غير منطقي فهو من خلق ولدك وزوجتك وابنتك.
وهكذا يتم النقاش بالمنطق والأخلاق, ومن لا يريد هو حر والله سيحاسبه إن كفر. لكن بعض المسلمين تجده يقول للناس : أولا حتى تسلم يجب أن تذهب للمستشفى وتجري عملية ختان و تستحم وتنطق الشهادتين بالعربية ويجب أن تجبر زوجتك على الحجاب, و بعضهم يحرّمون الفن ويعتبرونه مخالفا للإسلام بينما في أوروبا بالذات الفن عندهم شيء معظم وبالتالي يكون هذا الأمر غريبا وصادما, وكذلك الإلزام بالحجاب فيُذكر أن امرأة أرادت أن تسلم لكنها لم ترد أن تتحجب لأنها تعودت على وضعها لسنوات طويلة, ولما سألت قالوا لها أن الإسلام لا يتم إلا بالحجاب و بشكل معين فتخلت عن الإسلام! وأيضا يجعلونهم يغيرون أسماءهم, ولماذا يغيرون أسماءهم؟ بل بعض المسلمين يطالبونه بتغيير اسم أبيه وجده! هذا انتهاك لثقافته, فأحد اسمه ويليامز يجعلون اسمه مصعب! مصعب اسم من ثقافة أخرى ما دخله بها؟! فمصعب تعني الجمل الذي لم يروض! هذا عمل غير أخلاقي أن تنتهك ثقافته, فمثلما لك آباء تفتخر بهم هو له آباؤه, فأبوه وأمه الذين يحبهم هم من سموه, إلا إن كان الاسم نفسه هو لا يريده ويرى انه مخالف لدينه. مع أن الاسم يبقى لا قيمة له والقيمة للفعل, والرسول صلى الله عليه وسلم لم يعدل أسماء الصحابة رغما عنهم, و لم يعدل أسماء آبائهم ونسبهم, والأسماء التي بدلها كانت أسماء قاسية أو قبيحة أو فيها عبادة لغير الله.
و كوننا نطالبهم أن يرفضوا كل دينهم الأول هذا لم يقل به القرآن, مع أنهم ليسوا فقط يجعلونهم يرفضون كل دينهم السابق بل حتى لباسهم واسمهم وثقافتهم كلها! هذا انتهاك كامل! من جاء باحثا عن الإسلام لم يأت لأجل هذه الرتوش فحرام أن نقف في وجه من يريد أن يصل إلى ربه ونعسر عليه, هو جاء للإسلام لأنه رأى في دينه أخطاء ونقص ورأى في الإسلام تلقائية ووضوحا وشفافية ولا يوجد فيه طبقات دينية و لا إكليروس والعبادة مباشرة مع الله, إله واحد لهذا الكون لم يلد ولم يولد. معاني القرآن هي التي جاءت بهم فلا يصح أن ننفرهم ونبعدهم بدقائق في السنّة أو آراء علماء, تخيل لو أن المبشرين المسيحيين يقولون للناس مثل هذا, فحتى يكون العربي مسيحي عليه أن يغير اسمه من صالح إلى تشارلز!
لا يوجد همزة وصل مع العالم بسبب العلمانية الداخلة في الإسلام, لكن يبقى القرآن هو الذي جذب قلوب الناس إلى الإسلام وليس آراء المسلمين واقوال الفقهاء, فلما يسمع {اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا} هذا يعني أن كل المعابد والقديسين والمزارات لا داعي لها, الله يسمعك وقريب منك, لست بحاجة إلى أن تدفع لأحد حتى تعبد ولا يوجد أحد يستغلك, العبادة كلها بينك وبين ربك, فلا يوجد عبادة لا تتم إلا بجماعة, فتصلي بينك وبين ربك وتصوم بينك وبين ربك وتدفع زكاة بينك وبين ربك حتى لغير المسلمين ممن فيهم خير وطيبة, فالدين مركب للفرد وليس فيه إلزام لأحد وكل الجمال موجود فيه, فيحرم الخمر والربا والميسر والعصبية والتفرقة والعنصرية بين البشر والغيبة والتجسس والنميمة وأكل أموال اليتيم والفقراء, هذه كلها آفات في المجتمعات, ويحث على الصدقات ويأمر بالمعروف أيّ معروف وأيّ صواب تتجه له وكل هذا بينك وبين ربك. امتلاكك لمثل هذا الدين شيء رائع, فدينك لا علاقة لأحد به وخاص بك و بينك وبين ربك, وربك يبتلي السرائر ويعلم ما في داخلك.
الإسلام هو أجمل الأديان وأوضح الأديان إذا نظرت إليه من منظار القرآن وما والاه, أما إذا خرجت عن القرآن هنا يبدأ يتحول إلى دين بشري.
مواضيع مماثلة
» * رد شبهات النصارى حول وضع المرأة في شرائع المجتمع المسلم - اعجاز القرآن
» * قصص القرآن - يونس - نساء من القرآن - زواج عمر وهجرته - وفاة فاطمة
» * صلاه التراويح-اهمية القرآن-اصل كلمة قرأن ومعناها-اول وآخر ما انزل من القرآن
» * في القرآن أسرار الحروف -اسرار غامضة - رسم القرآن- آية معجزة
» * الإعجاز العددي في القرآن- الرقمان17,19 - القرآن نصفان .
» * قصص القرآن - يونس - نساء من القرآن - زواج عمر وهجرته - وفاة فاطمة
» * صلاه التراويح-اهمية القرآن-اصل كلمة قرأن ومعناها-اول وآخر ما انزل من القرآن
» * في القرآن أسرار الحروف -اسرار غامضة - رسم القرآن- آية معجزة
» * الإعجاز العددي في القرآن- الرقمان17,19 - القرآن نصفان .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى