* قصص قصيرة : فزاعة الحب : الاجزاء من ( 1-10 )
صفحة 1 من اصل 1
* قصص قصيرة : فزاعة الحب : الاجزاء من ( 1-10 )
فزاعة الحب 1
طارق فتحي
نشأت جميلة وترعرعت وسط اسرة فقيرة الحال رأس مالها الورع والتقوى والاخلاق الحميدة. كلما تلد لها والدتها شقيقة اخرى يتوفاها الاجل. لذا انصب عليها اهتمام العائلة المتكونة من بضعة ذكور بشكل ملفت للنظر. فهي منذ طفولتها تحت اعينهم لا تغيب عنهم لحظة. لم تبرح باب دارها حتى تم تسجيلها في المدرسة الابتدائية المتاخمة لدارهم. تبعد المدرسة عنها بضع خطوات ومع ذلك تصطحبها امها صباحا وتاتي بها ظهراً.
غالباً ما كانت الام تراقب جميلة اثناء الفسحة بين الدروس من خلال سياج المدرسة الحديدي المتشابك. واحيانا تاتيها برغيف خبز ساخن قد دست بداخله بعض الطعام تناوله اياها خلال الفسحة الكبيرة. استمر الحال هكذا حتى بلوغها السنة الدراسية الابتدائية الاخيرة.
كانت الاستعدادات هائلة للاعداد الجيد لامتحانات البكلوريا. ورغم الجهود المبذولة من قبل جميع اخوتها وبمعية والدتها وجلب اقرانها للمذاكرة معها كنوع من التحفيز والمثابرة على الدرس. الا ان جميلة رسبت بامتياز في امتحان البكلوريا للدراسة الابتدائية. مما جعلها حزينة جدا.
ادى ذلك الى اصابتها بنوع من الاكتآب اصبحت فيما بعد شبه مريضة نفسياً. وحيدة بين اهلها منعزلة عن مجتمعها بالكلية لا صداقات مع اقرانها من البنات. وبالتالي لم ترغب في اكمال دراستها بسبب مفارقة زميلاتها في الصف لانتقالهن الى مدرسة اخرى بعيدة بعض الشيء عنها وصعوبة رؤيتهن وهي التي لم تغادر دارها بتاتاً.
بداهةً من تربت حبيسة البيت وجدران غرفة امها منقطعة عن العالم الخارجي. والالتفاف الشديد نحوها جعل منها طفلة في الثالثة عشر من عمرها. افكارها مفهومها للحياة صفر تكاد لا تفقه شياً بالمرة سوى الخوف من تقريع اخوتها الكبار وتلك المفاهيم التي رسختها والدتها في عقلها منذ طفولتها.
الحلال والحرام. الممنوع والمرغوب. التقاليد والاعراف والعادات وغيرها. واكثر ما اثر بها لفظة كانت تتردد على لسان والدتها مرارا وتكرارا هي لفظة ( العيب ). فاصبحت كل مفرداتها تنظوي تحت هذه اللفظة المقيتة. وهذا ظلم وجور فادح لم تنتبه له والدتها في حينها.
الحياة المعاصرة.. المستقبل..العلاقات المجتمعية..ادارة الازمات.. رسم الخطط وتنفيذها على المدى القريب والبعيد.. الافكار والرؤى وتحقيق الاحلام.. الواجبات والحقوق.. وغيرها الكثير من المفردات التي تتسم بها الثقافة المجتمعية المعاصرة ضمن تقلباتها المتسارعة في جميع الاتجاهات.
تكاد لا تفقه منها شيئأ. بل تركت جميلة الحبل على الغارب في احضان والدتها فهو المكان الوحيد الذي تعتقده صحيحا يحافظ عليها وينقلها الى بر الامان في مواجه المشاكل الاسرية او المجتمعية ان وجدت اضافة الى الدفء الغريزي بين احضان والدتها.
الجمال الساحر والبراءة العفوية والتصرفات الفطرية جعلا من جميلة اسم على مسمى. عندها اصبحت ملفتة للنظر لندرة مشاهدتها حالها حال اقرانها من البنات. واذا ما رغبت جميلة للعب جلبت لها امها بنت او اكثر للعب معها في عقر دارها.
يتبع...
فزاعة الحب 2
طارق فتحي
ودارت الايام حثيثاً وجميلة تزداد حسنا وجمالا وبهاءا تبهر من يراها لاول مرة. شاءت الاقدار ان يراها احد شباب منطقتها بصحبة والدتها للتسوق في العاصمة في احد ايام الاعياد. غير هذا الشاب من محل جلوسه في الباص ليكون قريباً منها لرؤيتها عن كثب. فما انفك يحدق بها وهي لم تشعر به مطلقاً , طفلة تلهو بقراءة اليافطات المعلقة في اعلى المحلات التجارية على طول الطريق. ومن غريب الصدف شاءت الاقدار ان يهبط الجميع سويةً في نفس المحطة وعند تتبعها ووالدتها عن بعد اتضح انها تسكن غير بعيد عن داره. فطار لبه من الفرح وابتسم قليلاً واخذ يفكر كثيراً.
سالم شاب وسيم من اسرة ميسورة الحال يتحلى بكل الصفات التي ترغب فيها كل بنت من وسامة وثقافة عالية ودماثة خلق وتواضع جم والتزام تام بالمبادىء والاخلاق الحميدة. كان هوس بنات محلته الا انه كان يعتبرهن جميعا بمثابة الاخوات له حيث تربى وترعرع ولعب معهن منذ طفولته المبكرة وكثيرا ما كان يجيب على اسألتهن عن الحب والعاطفة وما شابه ذلك امام اسرهن لفرط فرض احترامه على الجميع. يكاد يكون هو الشاب الوحيد الذي تتودد له بنات الحي بحجة او باخرى وهو يتصرف معهن كالاخ الاكبر. حتى باتت جميع العوائل تأتمنه على بناتها وبالطبع فهو صديق كل عائلات الحي اباءا وامهات .. بنات وبنين.
اطرق سالم براسه نحو الارض وهو متفكرا بجميلة بعد ان اعياه ان يعرف عنها شيئاً كونها مجهولة للجميع وبفارق العمر بينهما بما يزيد عن عقداً من السنين. تجرع همه وشغفه كالسم الزعاف حيث اصبحت هوسه تطارده حتى في الاحلام وقلبت حياته رأساً على عقب. والادهى من ذلك انه شغف ووله وحب من طرف واحد من طرفه هو لا غير. ومرت الايام مسرعة ونسي سالم حبه المستحيل. وبصورة ادق لنقل انه تناساها ولم يلتفت لذكراها.
زار دار سالم وفداً من شيوخ عشيرته مستفسرين من والده سبب تأخر سالم عن الزواج رغم انه في منتصف عقده الثاني من عمره. ووجوب حضوره مع العائلة الى القرية بغية تزويجه من احدى قريباته. خوفا عليه من الانحراف وهو ابن العاصمة بغداد التي تحوي اصنافاً شتى من الاخلاق الكريمة منها والرذيلة.
وبعد مكوث اياماً قلائل تم لهم ما ارادوا واصطحبوا الجميع الى القرية بما فيهم سالم اثناء احد العطل المدرسية الصيفية. بعد مضي ما يقارب الشهر ابلغ سالم عن طريق والده وجوب حضوره الى ديوان شيخ العشيرة للنظر في امر تزويجه.
كان الحضور صفين متقابلين يتصدر الشيخ مع بعض شيوخ آخرين صدر المجلس فيما عائلة سالم في الصف المقابل مع الاعمام والخوال. كانت الجلسة مقتصرة على عائلات الطرفين فقط اذ حضرت بعض الامهات ممن لديهن بنات مرشحات للزواج.
يتبع...
فزاعة الحب 3
طارق فتحي
كانت هذه اول جلسة ديوان يحضرها سالم ويقابل فيها شيوخ العشيرة من كلا الطرفين وهو لا يحسن كيف يتصرف او يلقي برأيه , وهل له موقف وسط هذه المعمعة .؟ وهو الذي تربى في العاصمة وعاش حياة حرة كريمة معاصرة لكل انواع الثقافات العامة مع التطورات المجتمعية التي كانت تسير بمتوالية هندسية.
شعر للوهلة الاولى انه قزم صغير امام هولاء العمالقة واعتقد انهم الى الجبابرة اقرب. بدأ الشيخ الحديث ورشح احداهن من الاقارب واتضح انها امية لا تقرأ ولا تكتب يغلب عليها طابع البداوة . ولا تعي من الحياة سوى طاعة اهلها وخدمتهم بالحق والباطل وليس لها رأي او شأن في اعتراض او قبول الامر مرهون بيد الوالد وان عدم فبيد الاخ حتى لو كان اصغر منها سناً.
عقدت الدهشة ولنقل الصدمة لسان سالم ولم يحر جواباً وبينما هو مشغول في تحضير الكلمات ليرد بها عن نفسه حسم الامر من قبل الشيوخ دون ان ينبس ببنت شفة. هنا التفت سالم الى شيخ الجلسة وكانت الصدفة انه جالس مقابله تماماً. حيث ابدى رغبته بهذا الزواج الميمون وانه لشرف لو تعلمون عظيم. الا انه محتار كيف يدير امور زوجته المستقبلية والتكفل بمتطلبات الحياة الزوجية بما فيها من مطعم وملبس وتربية الاولاد وغيرها . وهو لا يزال طالباً في الدراسات العليا. واخيه الاكبر متزوج ايضا ويسكن معهم في الدار نفسها.
تلفت شيخ الجلسة يمينا وشمالا مخاطبا بقية الشيوخ الذين افتوا بزواجه من دون اخذ الاذن من كبيرهم الشيخ. لف الصمت الجميع وهم مطرقي الرأس لشعورهم بالذنب لما ارتكبوه من تسرع في الكلام والموافقة من تلقاء انفسهم دون الالتفات لكبيرهم. نطق الشيخ بكلمات ذهبية لازالت صداها تشنف سماع سالم لغاية يومنا هذا اذ قال للجميع . سالم معه الحق والحق يعلى ولا يعلى عليه. انه لا زال يدرس وياخذ مصروفه من والده كيف يتدبر امر زواجه بكل تفاصيله.
سالم .! لا عليك لقد نطقت بالصواب ونحن نراعي ذمة الله في خلقه. ايها الشيوخ اعرضوا عن امر سالم هذا وزوجوا ابنتكم لمن ترغبون. فاصر الجميع على سالم عندها غضب الشيخ وترك المجلس يموج بعضه في بعض وانتهت الجلسة بمشادات كلامية وعتب ولوم طالت الجميع الا سالم فخرج منها سالماً غانماً ولله في خلقه شؤون.
كان الجو مكفهرا بالقرية بين عائلته واقاربهم مما جعلهم يقطعون اجازتهم ويعودون الى العاصمة باقرب وقت ممكن. دب الخلاف بين والديه بشأن زواجه وسرعان ما اهمل الموضوع وتم نسيانه , واستمر الجميع فيما تعودوا عليه الاولاد انتظموا في المدارس والاب الى عمله صباحا والعودة في المساء والام بين متطلبات العائلة الكبيرة من تسوق وتحضير الطعام وترتيب البيت ونظافته وغيرها من الامور التي تحدث في كل بيت .
يتبع...
فزاعة الحب 4
طارق فتحي
عندما يضجر سالم يذهب الى دار شقيقته الكبرى حيث انها الانسانة المثقفة الواعية التي تعي ما يدور في خلده وبالتالي هي اقرب الناس اليه والى فكره وتطلعاته المستقبلية. فهي مستمع جيد لما يدور في ذهنه وموجه ممتاز لمسيرته في الحياة اضافة الى انها تجيب على جميع اسئلته المتعلقة بالجنس الآخر وهي الوحيدة التي لا يمنعه حياءه من سؤالها نحو كيف يتصرف مع الفتيات وما هي طموحاتهن ورغباتهن وفي بعض الاحيان ببواطن ما يفكرن به . طبعا سالم لا يقصد أي فتاة بعينها بل فقط لتكوين فكرة ومعلومات عامة عنهن.
في احد زياراته لشقيقته وهو يستمتع بكوب الشاي وبعض قطع البسكويت امامه في صالة الدار اذ دخلت عليهم فتاة ممشوقة القد والقوام حسنة المظهر حسناء لا يشق لها غبار شقراء هيفاء زرقاء العين طويلة الرقبة نحيفة الخصر على خدها خال باهت اللون اجتمعت على محياها كل الوان الطيف الشمسي فبهت الذي عنده علما من الكتاب. القت التحية بالاشارة وهي تنظر الى سالم بعيون ملؤها الشوق والحب والوئام هذا ما اعتقده وبتواضع بادي للعيان جلست معهم بعد ان اعدت لها الشقيقة الكبرى كوبا من الشاي الساخن المخلوط مع الحليب.
اتضح له فيما بعد انها قريبة جارة شقيقته اتت لزيارة عمها قادمة من احد البلدان العربية الشقيقة. طالت الجلسة لاكثر من خمسة عشر دقيقة وهي تستمع لسالم تارة ولشقيقته تارة اخرى دون ان تنطق بحرف واحد فقط تؤمي براسها حينا اشارة الى الموافقة على الكلام وترفع كتفيها بصورة متكررة حينا اخر دلالة على رفض القول او عدم قبوله. التفت سالم الى شقيقته وتخاطب معها بلغة العيون فاتضح ان ابنة جارتهم الضيفة خرساء منذ الولادة وانها في كل مرة تاتي لزيارة عمها تمكث عندهم شهر او اثنين تقضي اغلب اوقاتها مع شقيقته التي تعرف عنها الكثير.
ابدت الضيفة الحسناء ارتياحها لسالم وعبرت عن رغبتها في الزواج منه على شرط موافقته على ذلك مما جعل الامر مربكا لسالم ولشقيقته في الوقت ذاته . سرح سالم بعيدا في مخيلته وهو يهتز غضبا لسوء تصرفات احد اولاده الخمسة مع البرود المتقع لامهم الجميلة الحسناء وهي لا تتكلم كونها خرساء. اهتزت اعصابه, فقد السيطرة على نفسه, رفع كفه صافعاً ولده المشاغب بسبب دلال امه, انتبه اخيراً على صوت تهشم كوب الشاي الذي وضع امامه وسط استغراب وذهول الحضور. فابتسم اخيراً معتذرا عن شروده الذهني وظل مبتسما طيلة فترة جلوس الضيفة والكل لا يعلم السبب الا سالم نفسه.
يتبع...
فزاعة الحب 5
طارق فتحي
مرت الايام تباعاً ربما شهور قلائل طرقت دار سالم فتاة هيفاء تعلوها سمرة خفيفة لم يرى مثلها في البلاد. طلبت منه المناداة على الوالدة. بعدها علم انها تسكن عند جارهم المقابل لدارهم ابنة اخت زوجته. اتت من محافضتها لقبولها في احد الكليات في العاصمة بغداد. كانا يتقابلان كثيرا في حديقة الدار الامامية امام مرئى الجميع يتبادلان الاحاديث نحو المستقبل وكيفية خدمة الوطن بشكل افضل وسبل توفير العيش الرغيد. اعجب سالم بثقافتها العالية وهي ابنة المحافظات العراقية.
تدخلت والدة سالم لانهاء العلاقة الاجتماعية التي تربطه بهذه الفتاة بحجة عدم اشغالها عن دراستها وهي تقضي اغلب وقت العصر في حديقة داره الامامية امام اعين وانظار مضيفيها. والحق اقول لكم كانت والدته متشددة في تربيتها بشكل متطرف وكلما حاول سالم ان يكون انساناً عصرياً بمفاهيم العصر الذي يحياه كانت والدته تسحبه وبشدة نحو العصر الحجري القديم. وانتهت هذه العلاقة البريئة الى لا شيء.
شعر سالم انه ينقصه الشيء الكثير ,على الاخص بعد ان تم لفت نظره نحو الجنس الآخر بصورة مغايرة لما كان يعلم عن تلك العلاقات البريئة المؤطرة بالعفوية المبطنة برحم الشرف والقيم الانسانية النبيلة. بات خبيراً جيداً بتحرشات البنات بدعوة التعارف اما في زمالة او جيرة او تعارف عند احدهم. وهكذا جرت سنن القوم فيما بعد.
بينما هو جالسا متفكراً في امر مستقبله ومواصفات الفتاة التي سيقترن بها مستقبلاً. والمؤهلات التي يجب ان تتوفر فيها يتربع على قمتها الجمال الاخاذ والنسب الجيد والتربية الحسنة ولا يهم ان كانت تعمل ام ربة بيت فانه ميسور الحال وقد حصل على وظيفة جيدة تؤهله للعيش بشكل مرضي.
اتته فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الست سنوات, دلفت عليه صومعته في حديقته وسلمته ورقة بيضاء مطوية اكثر من طية. وهربت جرياً دون ان تكلمه او يكلمها وكأن الامر قد تم في بضع ثوان لا غير.
خرج مسرعا خلفها فلم يشاهدها ولم يعلم انها من صغار الحي الذي يسكنه فهي غريبة لم يراها مطلقاً من قبل. فتح الورقة البيضاء فاذا بها رسالة حب وغرام وشوق وهيام كتبت بمفردات ركيكة وباخطاء املائية كثيرة وبكلمات اقرب الى الهيروغليفية منها الى العربية استغرق منه جهد ساعة او ما ينيف عن ذلك لفك طلاسمها. الورقة بصفحتين اقتطعت من وسط دفتر مدرسي لطلاب الدراسة الابتدائية. قلب سالم الورقة وكتب على ظهرها ردا تخشع له جميع البشرية يحوي على مواعظ وحكم وعضة من الانسياق وراء الشهوات الانسانية وترك المثل العليا وصفع الاهل والاحباب عرض الحائط وان دور المراهقة هذا سيزول بعد حين وتعلم كل نفس بما كسبت رهينة.
مر يوماً او يومان فاذا برجل دين كبير ومشهور في حينه يطرق باب دار سالم ويطلب من والدته رؤيته والتحدث معه فاستغربت الامر وابلغت الام ولدها بمراد الشيخ الكبير الوقور. خرج له وجلسا في حديقة الدار وعلى حين غرة نهض الشيخ بشكل مفاجيء وانحنى على راسه يقبله نزولا الى وجنتيه ومن جملة ما قاله .. حفظت شرفنا الله يحفظ شرفك يا ولدي الحبيب.
يتبع
فزاعة الحب 6
طارق فتحي
مر ما يقارب العام على مشاريع سالم الفاشلة في الزواج وكل الذي حصل له انه تيقن اخيراً بان لابد له الزواج وان حياة العزوبية لا تسر الصديق والعدو, وان لا رهبنة في الاسلام كما كان يعتقد سابقا لتعلقه الشديد منذ نعومة اظفاره بالدين والتدين. ومما زاد الطين بلة زواج اغلب اقرانه من اولاد المحلة والمحلات المجاورة لمحلته. فكان التفكير بفتاة ملائمة له شغله الشاغل وان اخفى هذا الاحساس عن الجميع حتى عن اسرته.
يوما ما تأهبت العائلة للذهاب الى القرية للاستجمام والمصالحة مع الاقارب بدعوة الخيرين وكبار القوم من كلا الطرفين. وما ان حطوا الرحال في بيت الجد والجدة حتى اتت وفود الاقارب تباعاً للسلام عليهم وتهنئتهم بسلامة الوصول على خير. لمح سالم فتاة مع القوم تتمتع بجميع المواصفات التي رسمها في مخيلته , جن جنونه بها وزاد من تفائله انها تعود لاحد اسر قريباته . فتاة في عنفوان تألقها مع براءة وعفوية فطريين جمال خرافي كانها من الحور العين. ما استطاع ان يكتم شغفه تكلم مع جده حول الامر. ربت الجد على كتفه, قال له (عيين خير).
تم اعلام بقية العائلة وتأهبوا جميعا للذهاب لخطبة الفتاة باستثناء والده لمشاغله الخاصة. جلس الجميع في دار العروس المستقبلية, امتنعوا عن تناول الشاي الا في حالة الاستجابة لطلبهم سبب مجيئهم. فوافقوهم على ذلك. عندها ارتشف الجميع اكواب الشاي والسعادة بادية على محياهم . تكاد الارض تهتز من تحت اقدام سالم الذي سرعان ما سرح كثيرا كعادته وتخيلها معه في عش الزوجية والموسيقى تصدح باجمل الالحان والناس ترقص من حولهم ومن امامهم غاية في النشوى. وبين الفينة والاخرى تضغط العروس على اصابع يد عريسها المتشابكة مع اصابع يدها الطرية دلالة على القبول والرضا والكل في نشوة عارمة.
انتبه سالم على صراخ الجد وصوته الجهوري العالي اذ صمت الجميع والجد يضرب بعكازه الارض لاعنا القوم وطاعنا اياهم بدونية شرف نسبهم. وانه قد اخطأ في القدوم مع الخطابة لعلو كعب شرفه ونسبه وهكذا تم بالمقابل تقريع الجد من قبل اهل العروس وانهم هم الاعلون شرفا ونسباً. بين المباراة في الانساب وادعاء كل بعلو شرف نسبه على الاخر. ضاعت احلام سالم الوردية. والطامة الكبرى انه لا يعلم سبب غضب الجد لغاية يومنا هذا لانه كان سارحا كعادته في تأملاته الافلاطونية.
يتبع...
فزاعة الحب 7
طارق فتحي
يارب لا تدع في قلبي ما يشغله عن ذكرك يا الله. كانت هذه العبارة تتردد دائما عقب كل صلاة مختتماً بها الدعاء في كل ليلة. ايقن سالم حينها ان الرب استجاب لصلواته ودعائه لكثرة كبوات امر زواجه وفشلها لادنى الاسباب واكثرها واهية. لذا كان مبدأ الرهبنة والعزوبية لتفرغه التام لعبادة الخالق حق عبادته. وانه استسلم لقدره هذا وهناك اكثر من اشارة دالة على الامر منها ما ذكر لكم من فشل زيجاته المستقبلية حتى بدا الامر واقعا ملموسا لديه.
في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل رن جرس الهاتف اليدوي الاسود الكبير في البيت وتم رفعه من قبل سالم على عجل لعدم التشويش على من في البيت في هذه الساعة المتأخرة من الليل. فاذا بصوت ذكوري في الطرف الآخر يطلب طعاماً لانه جائع بعد ان تم تعريفه انه مأمور البدالة الجديد. استجاب لطلبه وعمل له سفرة طعام فاخرة على احسن ما يكون من كرم الضيافة وذهب بها حاملا اياها حيث مقر العمل غير بعيد عن داره.
تم التعارف بينهما اثناء تناولهما طعام العشاء المتأخر نسبياً. وقدم نفسه انه من اهالي المحافظات الجنوبية تم قبوله في احد الكليات في العاصمة العراقية بغداد. وانه يعمل مأمور بدالة ليلي بدوام جزئي ليتمكن من مواجهة مصاريف ونفقات الدراسة. استمرت العلاقة بعد ذلك حتى كان ياتي الى دار سالم في اوقات الطعام اما على الغداء او العشاء ولاقى ترحيبا من جميع افراد العائلة.
مرت الشهور ثقيلة واذا بمأمور البدالة يستسمح سالم بميت والدته واخته عند عائلته الليلة لانه لا يستطيع ترك عمله الليلي وتعريفهم الى دارهم المستأجرة حديثاً. بسب قدومهم من احد الاقطار العربية المجاورة. وكان له ما اراد. يومان او ثلاثة على اكثر تقدير مكثوا في دار سالم حتى تم تجهيز دارهم المؤجرة والانتقال اليها. اصبحت العلاقة وطيدة بين العجوز ووالدة سالم. كانت العجوز كلما تزور دار سالم تصطحب معها ابنتها السمراء الشابة الجميلة.
حاولت الشابة جلب انتباه سالم اليها دون جدوى لعزوفه عن الامر والاكتفاء بذاته مع حبه لصلواته وخلواته الليلة بمناجاة الرحمن لتعلقه الشديد بالله. واستهوى وعشق عبادته ومناجاته ليلا حتى طغى ذلك على كل كياناته. لم تيأس الشابة اذ وجدت فرصتها الذهبية للتعلق بسالم لحسن خلقه واخلاقه وبالتالي ميسورية حالتة المادية والمعنوية وثقافته العالية في محاوراته معها.
ذات يوم ربيعي مشرق آخاذ اتى مأمور البدالة هذا الى دار سالم ليخبره ان والده وابن عمه اتيا من دولة عربية مجاورة لخطبة اخته. وان والده يروم رؤيا سالم لشكره على جميل صنعه مع عائلته. وتم الامر وذهب سالم مساء ذلك اليوم الى حيث دار العجوز واذا به يرى القوم مجتمعين بانتظاره مع استغرابه للامر تبين ان ابن عم الفتاة اتى لخطبتها والفتاة رفضت ابن عمها واعلنت انها على علاقة مع سالم فطلب والدها حضور سالم بنفسه لا ليشكره على جميل صنعه مع عائلته كما قال الابن بل ليتبين صدق كلام ابنته من عدمه.
جلس سالم وسط الحضور مع اخوة الفتاة وامها وابيها وابن عمها. سمع من الاب واردف قائلا ان الفتاة بمثابة اخت لي وهي وامها واخيها الذي اعرفه امانة في عنقي وان بدر مني ما يسؤ الظن بي من قبل الفتاة فلتبين الامر الان والا فهي مدعية علي وليسامحها الله . اوتي بالقرآن الكريم لتحلف الفتاة عليه فما فعلت,نهضت وهربت من الجميع , صعدت الى سطح الدار وهي تلعن وتشتم سالم.
اعتذر الوالد الشيخ الكبير في السن من سالم وكذلك فعل ابن اخيه الخاطب الذي كان يجلس بجانبه. انصرف سالم خارجا بعد تلقيه هذه الصدمة الفاجعة وهو لم يعامل هذه العائلة الا بما حبه الله وارضاه. فوض امره الى الله وانتهى كل شيء على خير ما يرام. واخيرا طرق سمعه ان الفتاة تزوجت من ابن عمها الذي جاء لخطبتها واخذها معه الى البلد الذي كان يعيش فيه.
يتبع...
فزاعة الحب 8
طارق فتحي
دارت الايام وبنات المحلة كبرن فاصبحن في منزلة النساء الجميلات بعد ان اعتدلت تضاريسهن الجسدية وبانت انوثتهن الطافحة بالاغراء ينثرن عبير عطرهن بالغداة والعشي من امام منزل سالم يقذفنه بكلمات التحرش تلك التي يبدوا ظاهرها بريئاً وبداخلها اكثر من دعوة لعقد صداقات وعلاقات بمنظور مختلف عما تعودن عليه معه في سالف الزمان. كثيرا ما كان سالم يرد عليهن وهو متكيء في صومعته حديقته الغناء. بما يشفي غرورهن ويزيد من غنجهن ودلالهن عليه.
نرجس : ترشقه بماء التنظيف كل مامر من امام باب دارها تبلل له سرواله وحذائه الجلدي الفاخر, تعتذر بشدة مدعية انها لم تراه وتفاجئت به حين همت بسكب ماء الدلو عليه مع ابتسامة عريضة ملؤها السموات والارض. وهي تلعن الصدفة لما حدث, لم يلتفت سالم اليها ولم يحاول جهده تفسير فعلتها وصدق بعفويته الفطرية ان ما حدث كان محض مصادفة غريبة, الا ان هذه الصدفة تكررت مرارا وتكرارا علم حينها انها ليست صدفة بالمرة.
اشواق : كانت تغلق باب دارهم بقوة وقسوة شديدتين كل ما مر سالم من امام باب دارها, ملفتة نظره بطريقة عجيبة كانها لا يعجبها ولم تهتم لامره بتاتا والعكس هو الصحيح حيث تبين من اخريات انها تفعل ذلك لجلب انتباهه ليس الا حبا به وليس كرها او بغضا منه .
صباح : كانت تنتهز فرصة وجوده في البيت لتتزين له بزينتها مع اظهار مفاتن جسدها بشكل ملفت للنظر, تدلف عليه وعائلته بحجة الاتصال من الهاتف باخيها او ابيها في العمل, اكثر الاتصالات كانت وهمية عرف ذلك عن طريق صديقه مأمور البدالة الجديد.
دلال : كانت اكثرهن جرأة واعظمهن انوثة تسكن في دار مقابل لداره , ترسل له قبلات هوائيه من على سطح منزلها بحجة نشر الغسيل, مع ان عائلتها صغيرة جدا الا انها تنشر الغسيل مرات عدة في اليوم الواحد وعلى الاخص حين تواجده في حديقة منزله.
نداء : القطة الشرسة والدلوعة المميزة لها اسلوبها الصارخ في جلب انتباهه حيث كثيرا ما كانت تدخل عليه صومعته مستعرضة انوثتها الصارخة ومع انها تضج بالحيوية والشباب وسرعة البديهية اضف الى ذلك جسم سامق تعلوه الهضاب والوديان الضيقة وساقان شامخان الى عنان السماء جذورها ضاربة في الارض. لم يلتفت اليها كونها تفعل ذلك مع الجميع والحق اقول لكم ان عصر سالم هذا كان من ابهى واعطر العصور التي مرت حيث كانت قيم الفضيلة سيدة الموقف.
يتبع ...
فزاعة الحب 9
طارق فتحي
صبايا .. وبنات .. وحتى النساء كن يحترمنه بشدة لفطرته السليمة ويداعبنه بجرأة شديدة لعلمهن بردود افعاله الشريفة باطلاق المواعظ والنصح على الجميع بدون استثناء, مع هذا ود سالم لو اختار قلبه احداهن . عبثا حاول مع نفسه مخاطبا قلبه تارة وعقله تارة اخرى الا ان حيائه الشديد كان يمنعه من الانجراف نحو ما يشتهي من عالم علم عنه الكثير مؤخراً. اما خوفا على سمعته وسمعة عائلته او عشيرته او من المجتمع الذي تربى وترعرع فيه زمنا ليس بالقصير.
يوما ما جلبت انتباهه فتاة تنادي عليه من بعيد وهو حاث الخطى في مركز المدينة بغداد , التفت خلفه عله ليس هو المعني بالنداء فلم يجد احداً, حينها تيقن انها تنادي عليه هو بالذات. انتظر قدومها اليه وهي حاثة الخطى مسرعة بعض الشيء, فاذا بها فتاة جميلة شابة في العشرين من عمرها, سالته كم الساعة من فضلك .؟ رد انها الثانية عشر ظهراً, ابتسمت له فذهب كل منهما الى حال سبيله, اخذت تجري مسرعة خلفه وهي تنادي عليه ثانية فالتفت خلفه وتوقف هنيئة حتى اصبحت بجانبه تماماً. اخبرته انها قادمة من احد المحافظات لقبولها في كلية التربية قسم التاريخ.
طيب ما المطلوب انستي, يظهر انك شاب ابن عائلة كريمة وانا فتاة غريبة لا انتمي لهذا المكان, لي ثلاث طلبات ارجوا ان تلبيها لي من فضلك. ونكست رأسها بعد ذلك حياءا او استحياء منه, طيب ما هي طلباتك, اريد ان ترشدني الى معرض الاجهزة الدقيقة لابتاع لوازم الدراسة , والطلب الثاني ان تدلني على شارع النهر المتاخم لنهر دجلة, وطلبي الاخير ان تدلني على سوق الكاظمية في الكرخ .
عندما انهت كلامها كانا قد اقتربا من ساحة التحرير امام مكتبة هاشم الرجب تحت عمارة تاجريان, وافقها على تلبية جميع طلباتها, عبرا الشارع الى الطرف الاخر وتم ضيافتها في محل مرطبات (كيت كات) , هناك حدثته عن حياتها كيف بدأت حتى لقائها معه,
كانت المحطة الاولى في الاجهزة الدقيقة ابتاعت منها جميع احتياجاتها من قرطاسية ولوازم اخرى, دس سالم يده في جيبه لشراء هدية لها عربونا على الصداقة الجديدة التي جمعتهما الصدفة المحضة , فاذا به لم يعثر سوى على عشرة فلوس معدنية بالكاد توصله بالباص الى محل سكناه. ا
ضطر ان يدفع بها الى البائعة لشراء مسطرة نايلون كتب عليها ( مستوردة خصيصا للاجهزة الدقيقة في العراق ). قدم هديته لها بكل شموخ وانفة, انتهى مشوار التسوق وقد شارفت الساعة على الثانية بعد الظهر والجوع قد رفع راياته في معدته وجيوبه الفارغة من كل شيء الا من الهواء العليل.
سارا قافلين الى الباب الشرقي وهو محمل بالكتب واللوازم المدرسية بشهامة اهل الريف . بعد جهد جهيد وصلا الى ساحة الطيران , كاد ان يغمى عليه ويفتضح امره لولا ان الله انجاه في اللحظات الاخيرة اذ نادى عليه احد رفاق المحلة بسيارته الرينو الحمراء فتنفس سالم الصعداء وركبا السيارة معاً اوصل الفتاة الى دار شقيقتها في بغداد الجديدة , وقفل عائدا بمعية صديقه حيث يسكن.
يتبع ...
فزاعة الحب 10
طارق فتحي
تناول غدائه على عجل وهو الذي كان يتضور من الجوع قبل قليل , خرج الى صومعته في حديقة المنزل بانتظار طقم الشاي الساخن تتهادى به والدته, اخذ يتفكر مليا بما حدث له صباح هذا اليوم, فطن اخيراً انه لم يسألها عن اسمها وفاته ان يعطيها تلفون البيت , ولم يحدد لها موعدا لتنفيذ طلبها الثاني فاخذته الحيرة اذ شعر لاول مرة في حياته كم هو غبي وساذج في علاقته مع النواعم .
مالك يا ولدي تسرح كثيرا, مضطربا في تصرفاتك تنهر اخوتك الصغار بسبب او بدون سبب حاد الطبع عصبي المزاج. ماذا حدث لك اثناء غيابك عنا.؟ من قابلت .؟ وهل حدث لك مكروه ما .؟ اجبني بصدق كعادتك معي دائما. لا شيء يا اماه انها مجرد افكار تراودني نحو مستقبلي الغامض والمجهول.
عاش سالم لحظات حزينة وساعات مرعبة , فكره مشغولا بالكلية بفتاة المسطرة النايلون. ضحك اخيراً كمن مسه نوع من الجنون المؤقت , شعر بالاهانه لانه قدم لها شيء بخس وانها جاملته كثيرا معتزة بهديته التافهة. مرت ايام ثلاثة وحال سالم لا تسر الصديق والعدو, معتكفا اما في غرفته بالطابق العلوي او في حديقة المنزل مساءا كي لا يرى احداً يشغله عن احلامه الوردية.
في اليوم الرابع من اللقاء المجهول قرر سالم ان يذهب الى معرض الاجهزة الدقيقة في نفس توقيت تواجدهما معاً قبل ثلاثة ايام. وكم كانت دهشته عظيمة اذ وجدها امامه تبتسم له بكل الوان الطيف الشمسي , الحمد لله اتيت اخيراً اني انتظرك كل يوم في نفس الزمان والمكان وهذا هو اليوم الرابع ولم أيأس منك لعلمي بعلو كعب اخلاقك , اسفة جدا اذ ارهقتك كثيرا بتحميل الكتب واللوازم. لم ينبس سالم ببنت شفة بسبب الصدمة التي عقدت لسانه وقلبه وعقله وجميع جوارحه , كلما كان يقوم به هو التبحر في وجهها مفترساً كل بقعة فيه.
ازاحا رحليهما في سوق الكاظمية الكبير وهو يسير معها مزهوا نافشا ريشه كالطاووس مستعد لكل امر طاري فجيوبه ملئى بالنقود , قرر ان يدفع لها كل مصاريفها لهذا اليوم لفرحته بانتظاره ثلاثة ايام حسوم. رفضت الفتاة فكرة ان يدفع لها بشكل هستيري كانما لم تكن هي التي عرفها قبل ايام قلائل. اصابت سالم تصرفاتها المفاجئة بالدهشة , عاد الى اكتئابه يكتم حزنه بداخله , تصرف معها بشكل رسمي اكراما للعهد الذي قطعه معها , انه لا يريد ان يخذلها اخيرا لمجرد تصرف غير محسوب منها ربما لها مبرراتها, ربما تشاكلت مع اختها او زوج اختها صباح هذا اليوم.
لو كانت غير مهتمة به لما انتظرته كل هذه الايام وافكار اخرى راودته جعلت منه طفلا بالكاد يحبو حبوا في عالم النساء وكيف انهن غامضات غير بسيطات بالمرة كما كان يتوهم خلال تربيته في محلته مخالطا الجميع. عبثا حاولت ان تميله اليها الا انه اصر على معاملتها رسميا بكل جدية, استدرجته حتى يوصلها الى دار شقيقتها بحجة انها لم تعرف طريق العودة ولربما تتوه وتخشى سؤال احداً غيره لعواقب قد لا تحمد عقباها.
يتبع
طارق فتحي
نشأت جميلة وترعرعت وسط اسرة فقيرة الحال رأس مالها الورع والتقوى والاخلاق الحميدة. كلما تلد لها والدتها شقيقة اخرى يتوفاها الاجل. لذا انصب عليها اهتمام العائلة المتكونة من بضعة ذكور بشكل ملفت للنظر. فهي منذ طفولتها تحت اعينهم لا تغيب عنهم لحظة. لم تبرح باب دارها حتى تم تسجيلها في المدرسة الابتدائية المتاخمة لدارهم. تبعد المدرسة عنها بضع خطوات ومع ذلك تصطحبها امها صباحا وتاتي بها ظهراً.
غالباً ما كانت الام تراقب جميلة اثناء الفسحة بين الدروس من خلال سياج المدرسة الحديدي المتشابك. واحيانا تاتيها برغيف خبز ساخن قد دست بداخله بعض الطعام تناوله اياها خلال الفسحة الكبيرة. استمر الحال هكذا حتى بلوغها السنة الدراسية الابتدائية الاخيرة.
كانت الاستعدادات هائلة للاعداد الجيد لامتحانات البكلوريا. ورغم الجهود المبذولة من قبل جميع اخوتها وبمعية والدتها وجلب اقرانها للمذاكرة معها كنوع من التحفيز والمثابرة على الدرس. الا ان جميلة رسبت بامتياز في امتحان البكلوريا للدراسة الابتدائية. مما جعلها حزينة جدا.
ادى ذلك الى اصابتها بنوع من الاكتآب اصبحت فيما بعد شبه مريضة نفسياً. وحيدة بين اهلها منعزلة عن مجتمعها بالكلية لا صداقات مع اقرانها من البنات. وبالتالي لم ترغب في اكمال دراستها بسبب مفارقة زميلاتها في الصف لانتقالهن الى مدرسة اخرى بعيدة بعض الشيء عنها وصعوبة رؤيتهن وهي التي لم تغادر دارها بتاتاً.
بداهةً من تربت حبيسة البيت وجدران غرفة امها منقطعة عن العالم الخارجي. والالتفاف الشديد نحوها جعل منها طفلة في الثالثة عشر من عمرها. افكارها مفهومها للحياة صفر تكاد لا تفقه شياً بالمرة سوى الخوف من تقريع اخوتها الكبار وتلك المفاهيم التي رسختها والدتها في عقلها منذ طفولتها.
الحلال والحرام. الممنوع والمرغوب. التقاليد والاعراف والعادات وغيرها. واكثر ما اثر بها لفظة كانت تتردد على لسان والدتها مرارا وتكرارا هي لفظة ( العيب ). فاصبحت كل مفرداتها تنظوي تحت هذه اللفظة المقيتة. وهذا ظلم وجور فادح لم تنتبه له والدتها في حينها.
الحياة المعاصرة.. المستقبل..العلاقات المجتمعية..ادارة الازمات.. رسم الخطط وتنفيذها على المدى القريب والبعيد.. الافكار والرؤى وتحقيق الاحلام.. الواجبات والحقوق.. وغيرها الكثير من المفردات التي تتسم بها الثقافة المجتمعية المعاصرة ضمن تقلباتها المتسارعة في جميع الاتجاهات.
تكاد لا تفقه منها شيئأ. بل تركت جميلة الحبل على الغارب في احضان والدتها فهو المكان الوحيد الذي تعتقده صحيحا يحافظ عليها وينقلها الى بر الامان في مواجه المشاكل الاسرية او المجتمعية ان وجدت اضافة الى الدفء الغريزي بين احضان والدتها.
الجمال الساحر والبراءة العفوية والتصرفات الفطرية جعلا من جميلة اسم على مسمى. عندها اصبحت ملفتة للنظر لندرة مشاهدتها حالها حال اقرانها من البنات. واذا ما رغبت جميلة للعب جلبت لها امها بنت او اكثر للعب معها في عقر دارها.
يتبع...
فزاعة الحب 2
طارق فتحي
ودارت الايام حثيثاً وجميلة تزداد حسنا وجمالا وبهاءا تبهر من يراها لاول مرة. شاءت الاقدار ان يراها احد شباب منطقتها بصحبة والدتها للتسوق في العاصمة في احد ايام الاعياد. غير هذا الشاب من محل جلوسه في الباص ليكون قريباً منها لرؤيتها عن كثب. فما انفك يحدق بها وهي لم تشعر به مطلقاً , طفلة تلهو بقراءة اليافطات المعلقة في اعلى المحلات التجارية على طول الطريق. ومن غريب الصدف شاءت الاقدار ان يهبط الجميع سويةً في نفس المحطة وعند تتبعها ووالدتها عن بعد اتضح انها تسكن غير بعيد عن داره. فطار لبه من الفرح وابتسم قليلاً واخذ يفكر كثيراً.
سالم شاب وسيم من اسرة ميسورة الحال يتحلى بكل الصفات التي ترغب فيها كل بنت من وسامة وثقافة عالية ودماثة خلق وتواضع جم والتزام تام بالمبادىء والاخلاق الحميدة. كان هوس بنات محلته الا انه كان يعتبرهن جميعا بمثابة الاخوات له حيث تربى وترعرع ولعب معهن منذ طفولته المبكرة وكثيرا ما كان يجيب على اسألتهن عن الحب والعاطفة وما شابه ذلك امام اسرهن لفرط فرض احترامه على الجميع. يكاد يكون هو الشاب الوحيد الذي تتودد له بنات الحي بحجة او باخرى وهو يتصرف معهن كالاخ الاكبر. حتى باتت جميع العوائل تأتمنه على بناتها وبالطبع فهو صديق كل عائلات الحي اباءا وامهات .. بنات وبنين.
اطرق سالم براسه نحو الارض وهو متفكرا بجميلة بعد ان اعياه ان يعرف عنها شيئاً كونها مجهولة للجميع وبفارق العمر بينهما بما يزيد عن عقداً من السنين. تجرع همه وشغفه كالسم الزعاف حيث اصبحت هوسه تطارده حتى في الاحلام وقلبت حياته رأساً على عقب. والادهى من ذلك انه شغف ووله وحب من طرف واحد من طرفه هو لا غير. ومرت الايام مسرعة ونسي سالم حبه المستحيل. وبصورة ادق لنقل انه تناساها ولم يلتفت لذكراها.
زار دار سالم وفداً من شيوخ عشيرته مستفسرين من والده سبب تأخر سالم عن الزواج رغم انه في منتصف عقده الثاني من عمره. ووجوب حضوره مع العائلة الى القرية بغية تزويجه من احدى قريباته. خوفا عليه من الانحراف وهو ابن العاصمة بغداد التي تحوي اصنافاً شتى من الاخلاق الكريمة منها والرذيلة.
وبعد مكوث اياماً قلائل تم لهم ما ارادوا واصطحبوا الجميع الى القرية بما فيهم سالم اثناء احد العطل المدرسية الصيفية. بعد مضي ما يقارب الشهر ابلغ سالم عن طريق والده وجوب حضوره الى ديوان شيخ العشيرة للنظر في امر تزويجه.
كان الحضور صفين متقابلين يتصدر الشيخ مع بعض شيوخ آخرين صدر المجلس فيما عائلة سالم في الصف المقابل مع الاعمام والخوال. كانت الجلسة مقتصرة على عائلات الطرفين فقط اذ حضرت بعض الامهات ممن لديهن بنات مرشحات للزواج.
يتبع...
فزاعة الحب 3
طارق فتحي
كانت هذه اول جلسة ديوان يحضرها سالم ويقابل فيها شيوخ العشيرة من كلا الطرفين وهو لا يحسن كيف يتصرف او يلقي برأيه , وهل له موقف وسط هذه المعمعة .؟ وهو الذي تربى في العاصمة وعاش حياة حرة كريمة معاصرة لكل انواع الثقافات العامة مع التطورات المجتمعية التي كانت تسير بمتوالية هندسية.
شعر للوهلة الاولى انه قزم صغير امام هولاء العمالقة واعتقد انهم الى الجبابرة اقرب. بدأ الشيخ الحديث ورشح احداهن من الاقارب واتضح انها امية لا تقرأ ولا تكتب يغلب عليها طابع البداوة . ولا تعي من الحياة سوى طاعة اهلها وخدمتهم بالحق والباطل وليس لها رأي او شأن في اعتراض او قبول الامر مرهون بيد الوالد وان عدم فبيد الاخ حتى لو كان اصغر منها سناً.
عقدت الدهشة ولنقل الصدمة لسان سالم ولم يحر جواباً وبينما هو مشغول في تحضير الكلمات ليرد بها عن نفسه حسم الامر من قبل الشيوخ دون ان ينبس ببنت شفة. هنا التفت سالم الى شيخ الجلسة وكانت الصدفة انه جالس مقابله تماماً. حيث ابدى رغبته بهذا الزواج الميمون وانه لشرف لو تعلمون عظيم. الا انه محتار كيف يدير امور زوجته المستقبلية والتكفل بمتطلبات الحياة الزوجية بما فيها من مطعم وملبس وتربية الاولاد وغيرها . وهو لا يزال طالباً في الدراسات العليا. واخيه الاكبر متزوج ايضا ويسكن معهم في الدار نفسها.
تلفت شيخ الجلسة يمينا وشمالا مخاطبا بقية الشيوخ الذين افتوا بزواجه من دون اخذ الاذن من كبيرهم الشيخ. لف الصمت الجميع وهم مطرقي الرأس لشعورهم بالذنب لما ارتكبوه من تسرع في الكلام والموافقة من تلقاء انفسهم دون الالتفات لكبيرهم. نطق الشيخ بكلمات ذهبية لازالت صداها تشنف سماع سالم لغاية يومنا هذا اذ قال للجميع . سالم معه الحق والحق يعلى ولا يعلى عليه. انه لا زال يدرس وياخذ مصروفه من والده كيف يتدبر امر زواجه بكل تفاصيله.
سالم .! لا عليك لقد نطقت بالصواب ونحن نراعي ذمة الله في خلقه. ايها الشيوخ اعرضوا عن امر سالم هذا وزوجوا ابنتكم لمن ترغبون. فاصر الجميع على سالم عندها غضب الشيخ وترك المجلس يموج بعضه في بعض وانتهت الجلسة بمشادات كلامية وعتب ولوم طالت الجميع الا سالم فخرج منها سالماً غانماً ولله في خلقه شؤون.
كان الجو مكفهرا بالقرية بين عائلته واقاربهم مما جعلهم يقطعون اجازتهم ويعودون الى العاصمة باقرب وقت ممكن. دب الخلاف بين والديه بشأن زواجه وسرعان ما اهمل الموضوع وتم نسيانه , واستمر الجميع فيما تعودوا عليه الاولاد انتظموا في المدارس والاب الى عمله صباحا والعودة في المساء والام بين متطلبات العائلة الكبيرة من تسوق وتحضير الطعام وترتيب البيت ونظافته وغيرها من الامور التي تحدث في كل بيت .
يتبع...
فزاعة الحب 4
طارق فتحي
عندما يضجر سالم يذهب الى دار شقيقته الكبرى حيث انها الانسانة المثقفة الواعية التي تعي ما يدور في خلده وبالتالي هي اقرب الناس اليه والى فكره وتطلعاته المستقبلية. فهي مستمع جيد لما يدور في ذهنه وموجه ممتاز لمسيرته في الحياة اضافة الى انها تجيب على جميع اسئلته المتعلقة بالجنس الآخر وهي الوحيدة التي لا يمنعه حياءه من سؤالها نحو كيف يتصرف مع الفتيات وما هي طموحاتهن ورغباتهن وفي بعض الاحيان ببواطن ما يفكرن به . طبعا سالم لا يقصد أي فتاة بعينها بل فقط لتكوين فكرة ومعلومات عامة عنهن.
في احد زياراته لشقيقته وهو يستمتع بكوب الشاي وبعض قطع البسكويت امامه في صالة الدار اذ دخلت عليهم فتاة ممشوقة القد والقوام حسنة المظهر حسناء لا يشق لها غبار شقراء هيفاء زرقاء العين طويلة الرقبة نحيفة الخصر على خدها خال باهت اللون اجتمعت على محياها كل الوان الطيف الشمسي فبهت الذي عنده علما من الكتاب. القت التحية بالاشارة وهي تنظر الى سالم بعيون ملؤها الشوق والحب والوئام هذا ما اعتقده وبتواضع بادي للعيان جلست معهم بعد ان اعدت لها الشقيقة الكبرى كوبا من الشاي الساخن المخلوط مع الحليب.
اتضح له فيما بعد انها قريبة جارة شقيقته اتت لزيارة عمها قادمة من احد البلدان العربية الشقيقة. طالت الجلسة لاكثر من خمسة عشر دقيقة وهي تستمع لسالم تارة ولشقيقته تارة اخرى دون ان تنطق بحرف واحد فقط تؤمي براسها حينا اشارة الى الموافقة على الكلام وترفع كتفيها بصورة متكررة حينا اخر دلالة على رفض القول او عدم قبوله. التفت سالم الى شقيقته وتخاطب معها بلغة العيون فاتضح ان ابنة جارتهم الضيفة خرساء منذ الولادة وانها في كل مرة تاتي لزيارة عمها تمكث عندهم شهر او اثنين تقضي اغلب اوقاتها مع شقيقته التي تعرف عنها الكثير.
ابدت الضيفة الحسناء ارتياحها لسالم وعبرت عن رغبتها في الزواج منه على شرط موافقته على ذلك مما جعل الامر مربكا لسالم ولشقيقته في الوقت ذاته . سرح سالم بعيدا في مخيلته وهو يهتز غضبا لسوء تصرفات احد اولاده الخمسة مع البرود المتقع لامهم الجميلة الحسناء وهي لا تتكلم كونها خرساء. اهتزت اعصابه, فقد السيطرة على نفسه, رفع كفه صافعاً ولده المشاغب بسبب دلال امه, انتبه اخيراً على صوت تهشم كوب الشاي الذي وضع امامه وسط استغراب وذهول الحضور. فابتسم اخيراً معتذرا عن شروده الذهني وظل مبتسما طيلة فترة جلوس الضيفة والكل لا يعلم السبب الا سالم نفسه.
يتبع...
فزاعة الحب 5
طارق فتحي
مرت الايام تباعاً ربما شهور قلائل طرقت دار سالم فتاة هيفاء تعلوها سمرة خفيفة لم يرى مثلها في البلاد. طلبت منه المناداة على الوالدة. بعدها علم انها تسكن عند جارهم المقابل لدارهم ابنة اخت زوجته. اتت من محافضتها لقبولها في احد الكليات في العاصمة بغداد. كانا يتقابلان كثيرا في حديقة الدار الامامية امام مرئى الجميع يتبادلان الاحاديث نحو المستقبل وكيفية خدمة الوطن بشكل افضل وسبل توفير العيش الرغيد. اعجب سالم بثقافتها العالية وهي ابنة المحافظات العراقية.
تدخلت والدة سالم لانهاء العلاقة الاجتماعية التي تربطه بهذه الفتاة بحجة عدم اشغالها عن دراستها وهي تقضي اغلب وقت العصر في حديقة داره الامامية امام اعين وانظار مضيفيها. والحق اقول لكم كانت والدته متشددة في تربيتها بشكل متطرف وكلما حاول سالم ان يكون انساناً عصرياً بمفاهيم العصر الذي يحياه كانت والدته تسحبه وبشدة نحو العصر الحجري القديم. وانتهت هذه العلاقة البريئة الى لا شيء.
شعر سالم انه ينقصه الشيء الكثير ,على الاخص بعد ان تم لفت نظره نحو الجنس الآخر بصورة مغايرة لما كان يعلم عن تلك العلاقات البريئة المؤطرة بالعفوية المبطنة برحم الشرف والقيم الانسانية النبيلة. بات خبيراً جيداً بتحرشات البنات بدعوة التعارف اما في زمالة او جيرة او تعارف عند احدهم. وهكذا جرت سنن القوم فيما بعد.
بينما هو جالسا متفكراً في امر مستقبله ومواصفات الفتاة التي سيقترن بها مستقبلاً. والمؤهلات التي يجب ان تتوفر فيها يتربع على قمتها الجمال الاخاذ والنسب الجيد والتربية الحسنة ولا يهم ان كانت تعمل ام ربة بيت فانه ميسور الحال وقد حصل على وظيفة جيدة تؤهله للعيش بشكل مرضي.
اتته فتاة صغيرة لا يتجاوز عمرها الست سنوات, دلفت عليه صومعته في حديقته وسلمته ورقة بيضاء مطوية اكثر من طية. وهربت جرياً دون ان تكلمه او يكلمها وكأن الامر قد تم في بضع ثوان لا غير.
خرج مسرعا خلفها فلم يشاهدها ولم يعلم انها من صغار الحي الذي يسكنه فهي غريبة لم يراها مطلقاً من قبل. فتح الورقة البيضاء فاذا بها رسالة حب وغرام وشوق وهيام كتبت بمفردات ركيكة وباخطاء املائية كثيرة وبكلمات اقرب الى الهيروغليفية منها الى العربية استغرق منه جهد ساعة او ما ينيف عن ذلك لفك طلاسمها. الورقة بصفحتين اقتطعت من وسط دفتر مدرسي لطلاب الدراسة الابتدائية. قلب سالم الورقة وكتب على ظهرها ردا تخشع له جميع البشرية يحوي على مواعظ وحكم وعضة من الانسياق وراء الشهوات الانسانية وترك المثل العليا وصفع الاهل والاحباب عرض الحائط وان دور المراهقة هذا سيزول بعد حين وتعلم كل نفس بما كسبت رهينة.
مر يوماً او يومان فاذا برجل دين كبير ومشهور في حينه يطرق باب دار سالم ويطلب من والدته رؤيته والتحدث معه فاستغربت الامر وابلغت الام ولدها بمراد الشيخ الكبير الوقور. خرج له وجلسا في حديقة الدار وعلى حين غرة نهض الشيخ بشكل مفاجيء وانحنى على راسه يقبله نزولا الى وجنتيه ومن جملة ما قاله .. حفظت شرفنا الله يحفظ شرفك يا ولدي الحبيب.
يتبع
فزاعة الحب 6
طارق فتحي
مر ما يقارب العام على مشاريع سالم الفاشلة في الزواج وكل الذي حصل له انه تيقن اخيراً بان لابد له الزواج وان حياة العزوبية لا تسر الصديق والعدو, وان لا رهبنة في الاسلام كما كان يعتقد سابقا لتعلقه الشديد منذ نعومة اظفاره بالدين والتدين. ومما زاد الطين بلة زواج اغلب اقرانه من اولاد المحلة والمحلات المجاورة لمحلته. فكان التفكير بفتاة ملائمة له شغله الشاغل وان اخفى هذا الاحساس عن الجميع حتى عن اسرته.
يوما ما تأهبت العائلة للذهاب الى القرية للاستجمام والمصالحة مع الاقارب بدعوة الخيرين وكبار القوم من كلا الطرفين. وما ان حطوا الرحال في بيت الجد والجدة حتى اتت وفود الاقارب تباعاً للسلام عليهم وتهنئتهم بسلامة الوصول على خير. لمح سالم فتاة مع القوم تتمتع بجميع المواصفات التي رسمها في مخيلته , جن جنونه بها وزاد من تفائله انها تعود لاحد اسر قريباته . فتاة في عنفوان تألقها مع براءة وعفوية فطريين جمال خرافي كانها من الحور العين. ما استطاع ان يكتم شغفه تكلم مع جده حول الامر. ربت الجد على كتفه, قال له (عيين خير).
تم اعلام بقية العائلة وتأهبوا جميعا للذهاب لخطبة الفتاة باستثناء والده لمشاغله الخاصة. جلس الجميع في دار العروس المستقبلية, امتنعوا عن تناول الشاي الا في حالة الاستجابة لطلبهم سبب مجيئهم. فوافقوهم على ذلك. عندها ارتشف الجميع اكواب الشاي والسعادة بادية على محياهم . تكاد الارض تهتز من تحت اقدام سالم الذي سرعان ما سرح كثيرا كعادته وتخيلها معه في عش الزوجية والموسيقى تصدح باجمل الالحان والناس ترقص من حولهم ومن امامهم غاية في النشوى. وبين الفينة والاخرى تضغط العروس على اصابع يد عريسها المتشابكة مع اصابع يدها الطرية دلالة على القبول والرضا والكل في نشوة عارمة.
انتبه سالم على صراخ الجد وصوته الجهوري العالي اذ صمت الجميع والجد يضرب بعكازه الارض لاعنا القوم وطاعنا اياهم بدونية شرف نسبهم. وانه قد اخطأ في القدوم مع الخطابة لعلو كعب شرفه ونسبه وهكذا تم بالمقابل تقريع الجد من قبل اهل العروس وانهم هم الاعلون شرفا ونسباً. بين المباراة في الانساب وادعاء كل بعلو شرف نسبه على الاخر. ضاعت احلام سالم الوردية. والطامة الكبرى انه لا يعلم سبب غضب الجد لغاية يومنا هذا لانه كان سارحا كعادته في تأملاته الافلاطونية.
يتبع...
فزاعة الحب 7
طارق فتحي
يارب لا تدع في قلبي ما يشغله عن ذكرك يا الله. كانت هذه العبارة تتردد دائما عقب كل صلاة مختتماً بها الدعاء في كل ليلة. ايقن سالم حينها ان الرب استجاب لصلواته ودعائه لكثرة كبوات امر زواجه وفشلها لادنى الاسباب واكثرها واهية. لذا كان مبدأ الرهبنة والعزوبية لتفرغه التام لعبادة الخالق حق عبادته. وانه استسلم لقدره هذا وهناك اكثر من اشارة دالة على الامر منها ما ذكر لكم من فشل زيجاته المستقبلية حتى بدا الامر واقعا ملموسا لديه.
في تمام الساعة الواحدة بعد منتصف الليل رن جرس الهاتف اليدوي الاسود الكبير في البيت وتم رفعه من قبل سالم على عجل لعدم التشويش على من في البيت في هذه الساعة المتأخرة من الليل. فاذا بصوت ذكوري في الطرف الآخر يطلب طعاماً لانه جائع بعد ان تم تعريفه انه مأمور البدالة الجديد. استجاب لطلبه وعمل له سفرة طعام فاخرة على احسن ما يكون من كرم الضيافة وذهب بها حاملا اياها حيث مقر العمل غير بعيد عن داره.
تم التعارف بينهما اثناء تناولهما طعام العشاء المتأخر نسبياً. وقدم نفسه انه من اهالي المحافظات الجنوبية تم قبوله في احد الكليات في العاصمة العراقية بغداد. وانه يعمل مأمور بدالة ليلي بدوام جزئي ليتمكن من مواجهة مصاريف ونفقات الدراسة. استمرت العلاقة بعد ذلك حتى كان ياتي الى دار سالم في اوقات الطعام اما على الغداء او العشاء ولاقى ترحيبا من جميع افراد العائلة.
مرت الشهور ثقيلة واذا بمأمور البدالة يستسمح سالم بميت والدته واخته عند عائلته الليلة لانه لا يستطيع ترك عمله الليلي وتعريفهم الى دارهم المستأجرة حديثاً. بسب قدومهم من احد الاقطار العربية المجاورة. وكان له ما اراد. يومان او ثلاثة على اكثر تقدير مكثوا في دار سالم حتى تم تجهيز دارهم المؤجرة والانتقال اليها. اصبحت العلاقة وطيدة بين العجوز ووالدة سالم. كانت العجوز كلما تزور دار سالم تصطحب معها ابنتها السمراء الشابة الجميلة.
حاولت الشابة جلب انتباه سالم اليها دون جدوى لعزوفه عن الامر والاكتفاء بذاته مع حبه لصلواته وخلواته الليلة بمناجاة الرحمن لتعلقه الشديد بالله. واستهوى وعشق عبادته ومناجاته ليلا حتى طغى ذلك على كل كياناته. لم تيأس الشابة اذ وجدت فرصتها الذهبية للتعلق بسالم لحسن خلقه واخلاقه وبالتالي ميسورية حالتة المادية والمعنوية وثقافته العالية في محاوراته معها.
ذات يوم ربيعي مشرق آخاذ اتى مأمور البدالة هذا الى دار سالم ليخبره ان والده وابن عمه اتيا من دولة عربية مجاورة لخطبة اخته. وان والده يروم رؤيا سالم لشكره على جميل صنعه مع عائلته. وتم الامر وذهب سالم مساء ذلك اليوم الى حيث دار العجوز واذا به يرى القوم مجتمعين بانتظاره مع استغرابه للامر تبين ان ابن عم الفتاة اتى لخطبتها والفتاة رفضت ابن عمها واعلنت انها على علاقة مع سالم فطلب والدها حضور سالم بنفسه لا ليشكره على جميل صنعه مع عائلته كما قال الابن بل ليتبين صدق كلام ابنته من عدمه.
جلس سالم وسط الحضور مع اخوة الفتاة وامها وابيها وابن عمها. سمع من الاب واردف قائلا ان الفتاة بمثابة اخت لي وهي وامها واخيها الذي اعرفه امانة في عنقي وان بدر مني ما يسؤ الظن بي من قبل الفتاة فلتبين الامر الان والا فهي مدعية علي وليسامحها الله . اوتي بالقرآن الكريم لتحلف الفتاة عليه فما فعلت,نهضت وهربت من الجميع , صعدت الى سطح الدار وهي تلعن وتشتم سالم.
اعتذر الوالد الشيخ الكبير في السن من سالم وكذلك فعل ابن اخيه الخاطب الذي كان يجلس بجانبه. انصرف سالم خارجا بعد تلقيه هذه الصدمة الفاجعة وهو لم يعامل هذه العائلة الا بما حبه الله وارضاه. فوض امره الى الله وانتهى كل شيء على خير ما يرام. واخيرا طرق سمعه ان الفتاة تزوجت من ابن عمها الذي جاء لخطبتها واخذها معه الى البلد الذي كان يعيش فيه.
يتبع...
فزاعة الحب 8
طارق فتحي
دارت الايام وبنات المحلة كبرن فاصبحن في منزلة النساء الجميلات بعد ان اعتدلت تضاريسهن الجسدية وبانت انوثتهن الطافحة بالاغراء ينثرن عبير عطرهن بالغداة والعشي من امام منزل سالم يقذفنه بكلمات التحرش تلك التي يبدوا ظاهرها بريئاً وبداخلها اكثر من دعوة لعقد صداقات وعلاقات بمنظور مختلف عما تعودن عليه معه في سالف الزمان. كثيرا ما كان سالم يرد عليهن وهو متكيء في صومعته حديقته الغناء. بما يشفي غرورهن ويزيد من غنجهن ودلالهن عليه.
نرجس : ترشقه بماء التنظيف كل مامر من امام باب دارها تبلل له سرواله وحذائه الجلدي الفاخر, تعتذر بشدة مدعية انها لم تراه وتفاجئت به حين همت بسكب ماء الدلو عليه مع ابتسامة عريضة ملؤها السموات والارض. وهي تلعن الصدفة لما حدث, لم يلتفت سالم اليها ولم يحاول جهده تفسير فعلتها وصدق بعفويته الفطرية ان ما حدث كان محض مصادفة غريبة, الا ان هذه الصدفة تكررت مرارا وتكرارا علم حينها انها ليست صدفة بالمرة.
اشواق : كانت تغلق باب دارهم بقوة وقسوة شديدتين كل ما مر سالم من امام باب دارها, ملفتة نظره بطريقة عجيبة كانها لا يعجبها ولم تهتم لامره بتاتا والعكس هو الصحيح حيث تبين من اخريات انها تفعل ذلك لجلب انتباهه ليس الا حبا به وليس كرها او بغضا منه .
صباح : كانت تنتهز فرصة وجوده في البيت لتتزين له بزينتها مع اظهار مفاتن جسدها بشكل ملفت للنظر, تدلف عليه وعائلته بحجة الاتصال من الهاتف باخيها او ابيها في العمل, اكثر الاتصالات كانت وهمية عرف ذلك عن طريق صديقه مأمور البدالة الجديد.
دلال : كانت اكثرهن جرأة واعظمهن انوثة تسكن في دار مقابل لداره , ترسل له قبلات هوائيه من على سطح منزلها بحجة نشر الغسيل, مع ان عائلتها صغيرة جدا الا انها تنشر الغسيل مرات عدة في اليوم الواحد وعلى الاخص حين تواجده في حديقة منزله.
نداء : القطة الشرسة والدلوعة المميزة لها اسلوبها الصارخ في جلب انتباهه حيث كثيرا ما كانت تدخل عليه صومعته مستعرضة انوثتها الصارخة ومع انها تضج بالحيوية والشباب وسرعة البديهية اضف الى ذلك جسم سامق تعلوه الهضاب والوديان الضيقة وساقان شامخان الى عنان السماء جذورها ضاربة في الارض. لم يلتفت اليها كونها تفعل ذلك مع الجميع والحق اقول لكم ان عصر سالم هذا كان من ابهى واعطر العصور التي مرت حيث كانت قيم الفضيلة سيدة الموقف.
يتبع ...
فزاعة الحب 9
طارق فتحي
صبايا .. وبنات .. وحتى النساء كن يحترمنه بشدة لفطرته السليمة ويداعبنه بجرأة شديدة لعلمهن بردود افعاله الشريفة باطلاق المواعظ والنصح على الجميع بدون استثناء, مع هذا ود سالم لو اختار قلبه احداهن . عبثا حاول مع نفسه مخاطبا قلبه تارة وعقله تارة اخرى الا ان حيائه الشديد كان يمنعه من الانجراف نحو ما يشتهي من عالم علم عنه الكثير مؤخراً. اما خوفا على سمعته وسمعة عائلته او عشيرته او من المجتمع الذي تربى وترعرع فيه زمنا ليس بالقصير.
يوما ما جلبت انتباهه فتاة تنادي عليه من بعيد وهو حاث الخطى في مركز المدينة بغداد , التفت خلفه عله ليس هو المعني بالنداء فلم يجد احداً, حينها تيقن انها تنادي عليه هو بالذات. انتظر قدومها اليه وهي حاثة الخطى مسرعة بعض الشيء, فاذا بها فتاة جميلة شابة في العشرين من عمرها, سالته كم الساعة من فضلك .؟ رد انها الثانية عشر ظهراً, ابتسمت له فذهب كل منهما الى حال سبيله, اخذت تجري مسرعة خلفه وهي تنادي عليه ثانية فالتفت خلفه وتوقف هنيئة حتى اصبحت بجانبه تماماً. اخبرته انها قادمة من احد المحافظات لقبولها في كلية التربية قسم التاريخ.
طيب ما المطلوب انستي, يظهر انك شاب ابن عائلة كريمة وانا فتاة غريبة لا انتمي لهذا المكان, لي ثلاث طلبات ارجوا ان تلبيها لي من فضلك. ونكست رأسها بعد ذلك حياءا او استحياء منه, طيب ما هي طلباتك, اريد ان ترشدني الى معرض الاجهزة الدقيقة لابتاع لوازم الدراسة , والطلب الثاني ان تدلني على شارع النهر المتاخم لنهر دجلة, وطلبي الاخير ان تدلني على سوق الكاظمية في الكرخ .
عندما انهت كلامها كانا قد اقتربا من ساحة التحرير امام مكتبة هاشم الرجب تحت عمارة تاجريان, وافقها على تلبية جميع طلباتها, عبرا الشارع الى الطرف الاخر وتم ضيافتها في محل مرطبات (كيت كات) , هناك حدثته عن حياتها كيف بدأت حتى لقائها معه,
كانت المحطة الاولى في الاجهزة الدقيقة ابتاعت منها جميع احتياجاتها من قرطاسية ولوازم اخرى, دس سالم يده في جيبه لشراء هدية لها عربونا على الصداقة الجديدة التي جمعتهما الصدفة المحضة , فاذا به لم يعثر سوى على عشرة فلوس معدنية بالكاد توصله بالباص الى محل سكناه. ا
ضطر ان يدفع بها الى البائعة لشراء مسطرة نايلون كتب عليها ( مستوردة خصيصا للاجهزة الدقيقة في العراق ). قدم هديته لها بكل شموخ وانفة, انتهى مشوار التسوق وقد شارفت الساعة على الثانية بعد الظهر والجوع قد رفع راياته في معدته وجيوبه الفارغة من كل شيء الا من الهواء العليل.
سارا قافلين الى الباب الشرقي وهو محمل بالكتب واللوازم المدرسية بشهامة اهل الريف . بعد جهد جهيد وصلا الى ساحة الطيران , كاد ان يغمى عليه ويفتضح امره لولا ان الله انجاه في اللحظات الاخيرة اذ نادى عليه احد رفاق المحلة بسيارته الرينو الحمراء فتنفس سالم الصعداء وركبا السيارة معاً اوصل الفتاة الى دار شقيقتها في بغداد الجديدة , وقفل عائدا بمعية صديقه حيث يسكن.
يتبع ...
فزاعة الحب 10
طارق فتحي
تناول غدائه على عجل وهو الذي كان يتضور من الجوع قبل قليل , خرج الى صومعته في حديقة المنزل بانتظار طقم الشاي الساخن تتهادى به والدته, اخذ يتفكر مليا بما حدث له صباح هذا اليوم, فطن اخيراً انه لم يسألها عن اسمها وفاته ان يعطيها تلفون البيت , ولم يحدد لها موعدا لتنفيذ طلبها الثاني فاخذته الحيرة اذ شعر لاول مرة في حياته كم هو غبي وساذج في علاقته مع النواعم .
مالك يا ولدي تسرح كثيرا, مضطربا في تصرفاتك تنهر اخوتك الصغار بسبب او بدون سبب حاد الطبع عصبي المزاج. ماذا حدث لك اثناء غيابك عنا.؟ من قابلت .؟ وهل حدث لك مكروه ما .؟ اجبني بصدق كعادتك معي دائما. لا شيء يا اماه انها مجرد افكار تراودني نحو مستقبلي الغامض والمجهول.
عاش سالم لحظات حزينة وساعات مرعبة , فكره مشغولا بالكلية بفتاة المسطرة النايلون. ضحك اخيراً كمن مسه نوع من الجنون المؤقت , شعر بالاهانه لانه قدم لها شيء بخس وانها جاملته كثيرا معتزة بهديته التافهة. مرت ايام ثلاثة وحال سالم لا تسر الصديق والعدو, معتكفا اما في غرفته بالطابق العلوي او في حديقة المنزل مساءا كي لا يرى احداً يشغله عن احلامه الوردية.
في اليوم الرابع من اللقاء المجهول قرر سالم ان يذهب الى معرض الاجهزة الدقيقة في نفس توقيت تواجدهما معاً قبل ثلاثة ايام. وكم كانت دهشته عظيمة اذ وجدها امامه تبتسم له بكل الوان الطيف الشمسي , الحمد لله اتيت اخيراً اني انتظرك كل يوم في نفس الزمان والمكان وهذا هو اليوم الرابع ولم أيأس منك لعلمي بعلو كعب اخلاقك , اسفة جدا اذ ارهقتك كثيرا بتحميل الكتب واللوازم. لم ينبس سالم ببنت شفة بسبب الصدمة التي عقدت لسانه وقلبه وعقله وجميع جوارحه , كلما كان يقوم به هو التبحر في وجهها مفترساً كل بقعة فيه.
ازاحا رحليهما في سوق الكاظمية الكبير وهو يسير معها مزهوا نافشا ريشه كالطاووس مستعد لكل امر طاري فجيوبه ملئى بالنقود , قرر ان يدفع لها كل مصاريفها لهذا اليوم لفرحته بانتظاره ثلاثة ايام حسوم. رفضت الفتاة فكرة ان يدفع لها بشكل هستيري كانما لم تكن هي التي عرفها قبل ايام قلائل. اصابت سالم تصرفاتها المفاجئة بالدهشة , عاد الى اكتئابه يكتم حزنه بداخله , تصرف معها بشكل رسمي اكراما للعهد الذي قطعه معها , انه لا يريد ان يخذلها اخيرا لمجرد تصرف غير محسوب منها ربما لها مبرراتها, ربما تشاكلت مع اختها او زوج اختها صباح هذا اليوم.
لو كانت غير مهتمة به لما انتظرته كل هذه الايام وافكار اخرى راودته جعلت منه طفلا بالكاد يحبو حبوا في عالم النساء وكيف انهن غامضات غير بسيطات بالمرة كما كان يتوهم خلال تربيته في محلته مخالطا الجميع. عبثا حاولت ان تميله اليها الا انه اصر على معاملتها رسميا بكل جدية, استدرجته حتى يوصلها الى دار شقيقتها بحجة انها لم تعرف طريق العودة ولربما تتوه وتخشى سؤال احداً غيره لعواقب قد لا تحمد عقباها.
يتبع
مواضيع مماثلة
» *قصص قصيرة - فزاعة الحب : الاجزاء من ( 11-20 )
» * فزاعة الحب : من 1 - 10
» * فزاعة الحب : من 11 - 14 - كبرنا وياليتنا لم نكبر؟
» * قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها
» * قصص قصيرة : السرداب والسجادة المسحورة
» * فزاعة الحب : من 1 - 10
» * فزاعة الحب : من 11 - 14 - كبرنا وياليتنا لم نكبر؟
» * قصص قصيرة : جنون حمهوري - قصص رعب قصيرة جدا - خروج الروح وعودتها
» * قصص قصيرة : السرداب والسجادة المسحورة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى