قصص قصيرة : الخوف والخجل - بسمان

الخوف والخجل  1
طارق فتحي

تحدث الكثير من المواقف في حياة الإنسان، تتحوّل هذه المواقف إلى قصصٍ واقعيّة تحوي في مضمونها عبراً نتعلّم منها الكثير ، سأسرد  لكم من وحي الذاكرة قصة واقعية فيها الكثير من العبر والمواقف الجميلة والمفيدة. كونوا معنا .
قضى سمير  شطرا من شبابه  متمسكاً باولوياته من الاخلاق الحميدة  حتى اتى على التهام جميع كتب التفسير المتوفرة حينذاك لائمة وفطاحل التفسير وقرأ في سير الرجال الصالحين والقليل من روايات القصص العالمية . عابدا متنسكا  مقيم  الليل كان عمله هذا احب شيء الى قلبه بل الادهى من ذلك ما انفك ان ياتي الليل كعاشق ينتظر معشوقته . وهذا ديدنه مكث على هذه الحال حتى بلغ الخامسة والعشرون من عمره .
احب هذا الشاب لكوني اشترك معه في قواسم مشتركة كثيرة . قراءة الكتب ندرة الاصدقاء واللهو التحلي بالاخلاق الحسنة اضافة الى تجاورنا  في السكن حتى ربطتنا معا صداقة حميمية ظن بعض اصدقائنا من المحلات الاخرى اننا اخوة لتشابهنا في العادات والتقاليد وحتى في ملامح الوجه . ووفاءا مني لذكرى رحيله اكتب جانبا من قصة حياته الغريبة والعجيبة بعض الشيء .
سمير شاب يافع وسيم  حلو الهندام والمظهر قليل الاختلاط بالناس خجول يغلب عليه الحياء مطرق الراس نحو الارض حتى حين محاورته بيد انه يتمتع بثقافة عالية جميعنا يحسده عليها حافظا للقران الكريم والاحاديث النبوية ومتابعا شغوفا لجميع التطورات العلمية بمختلففصولها محبوب من قبل الرجال والنساء على حد سواء .
كانت والدته تاتي لدارنا وقت العصر تتلطف والدتي بان تحكي مع ابنها سمير وتشجعه على الزواج لانهائه  دراسته واتمام  توظيفه من قبل عمه . فلم يبقى له الا ان يتزوج ابنة الحلال لتستمر دورة الحياة  من الاجداد الى الاباء ومنها الى الاحفاد .
سمير رفض فكرة الزواج ويعتبر النساء عالم خاص غامض يشوبه الحذر والترقب لا يعلم عنه أي شيء وهو لا يحسن التعامل  مع اية  فتاة طيلة حياته . مع انه يكتب قصائد عن الحب كعاشق مجنون حتى كنا نناديه بالشاعر العاشق لمداعبته مع علمنا انه منعزل عن الفتيات  بشكل تام . فتيات المحلة في بعض الاحيان يلاطفنه ويبتسمن له ف
كان سمير في حينها يغرق في ملابسة وتحمر وجنتاه وينكس راسه الى الارض واذا الحت معه الفتاة كثيرا بالسؤال عن أي شيء يهرب منها ويدخل داره . الحق اقول لكم كان موضع اعجاب وتندر يحسد عليه من قبل فتيات المحلة يتسابقن للفوز به لحسن خلقته ودماثة اخلاقه .
اخيرا بعد ضغوط كبيرة من اهله واعمامه رضخ للامر الواقع بعد سلسلة من المناورات العديدة منها ان ( الزواج نصف الدين ) و ( لا رهبنة في الاسلام ) وما الى ذلك . اختيرت فتاة صغيرة غاية في الحسن والجمال لتكون زوجة المستقبل له وتمت الترتيبات اللازمة ووصل الامر الى خطبتها رسمياً حدث كل ذلك وسمير لا يعلم أي شيء حتى انه نسي فكرة الزواج وانهمك في عمله وقراءآته .  كلما ذكرت له الامر يجيبني لا يهمني ذلك يظهر ان اهلي نسوا موضوع تزويجي من فتاتهم وهذا الامر يصب في صالحي .
مرت الايام والشهور بطيئة وحل الفراق بيننا بسبب مشاغل الوظيفة والعمل وسكني في داري الجديدة البعيدة كل البعد عن محلتنا القديمة بعد دخولي القفص الذهبي . اشرق نور وجه طفلي البكر مبتسما ضاحكا للحياة . في احد زياراتي الى دارنا القديمة . استبشرت خبر خطبة ذات الفتاة لسمير وسوف ياتون بها الخميس القادم من احد مناطق بغداد حيث دار عمهم الكبير .

الخوف والخجل  2
طارق فتحي
سمير ما بالك يا اخي اراك تلح في طلبي .؟
انا زواجي يوم الخميس القادم ولا اعلم كيف ساتصرف مع اسيل في ليلتنا الاولى . من فضلك انت صديق عمري الوردي وجاري وامين سري . انت تلهمني الكثير وكلامك معي يقوي من عزيمتي ويشد من أزري وانت الشخص الوحيد الذي لا يمازح في الامور الجادة . اضافة الى انك خضت هذه التجربة قبل عام وحتما لك خبرة في كيفية التعامل مع شريكة الحياة . يتنهد بزفرات متقطعة وهو يكلم نفسه بصوت مهموس مسموع  يا لهذه الورطة ,لماذا لا يتركوني انا وحالي .؟ ليست لي رغبة بالزواج وانا لا اجيد التعامل مع النساء ولا اعلم ماهية رغباتهن وافكارهن . كيف سنبني عائلة جديدة وانا لا احسن تدبير نفسي .
لا عليك اخي الحبيب انت تشبهني في امور كثيرة .لا اخت لك مثلي , لم تحاول مرة في حياتك ان تحاور فتيات المحلة باعتبارهن اخوات بديلات لنا لحرماننا منهن , على الاقل شئنا ام ابينا نحن انا وانت طيبين لحد الخرافة .
يطلق سمير ضحكة مدوية وهو يداعب احد زهور حديقتنا  . لم يخطر ببالي يوما ان اتعامل مع عالم غريب لم اعرفه سابقا واشعر برهبة كبيرة , يصمت هنيئة متدبرا متفكرا متذكرا  ثم يردف قائلا هذا الاسبوع على الاخص احاول ان اتماسك مع نفسي فلم افلح شارد الفكر , مطرق الراس , والطامة الكبرى ان اسيل ابنة خالتي فتاة صغيرة جدا وهي الاخرى ليست خبيرة في فنون الحياة تشبهني تماما حيث لا اخت لها وسط خمسة من الذكور .
وما حال المسؤول باعلم منه من حال السائل هذا كان ردي لصديقي سمير . اخي دع القلق وابدأ الحياة  قبل عام مضى مررت بنفس تجربتك وجرت الامور على خير ما يرام تشاورت مع اهل العلم فدلوني على الدرب ومنهم تعلمت كيف اتعامل مع شريكة حياتي والحق اقول لك وان كانت معاملتي لها غير مثالية بالمرة , لكن سلمت الجرة هذه المرة .
كل تصرفاتي معها تحسبها هو القانون الصحيح لمسيرتنا الاسرية حتى رزقت بطفلي الاول فتغيرت المعادلة واصبحت تميل الى تركي اكثر الاحيان لانشغالها مع طفلنا , عدت ذلك نوع من اللامبالات  بي وانه امر غير طبيعي وبدأت الغيوم السوداء تنفخ اوداجها في وجهينا , لم ارد عليها حين تكلمني لاشعارها اني غير راض عن تصرفاتها معي , حاولت المسكينة جاهدة ان ترضيني الا اني كنت وحشا بمعنى الكلمة . شاءت الاقدار ان التقي بشيخ مسن طيب السيرة والسمعة كنت ان تفقهت عنده حين من الزمن , فوجدته ضالتي المنشودة فاخبرته بما اقصه عليك الان .
تبسم الشيخ المسن ابتسامة عريضة , قال يا ولدي هذا امر طبيعي ان تنشغل الام بوليدها لاسباب عديدة منها لتلبية احتياجاته فهو لا لسان له وهي غريزة موجودة في جميع الاناث الم تلاحظ البنات الصغيرات في السن يفضلن اللعب مع الدمى ويتكلمن معها كانها كائنات بشرية حية . حينها عدت الى داري وانهمرت على زوجتي بالقبلات وهي فاغرة فاها لا تعلم ماذا جرى وهذا التحول المفاجي من الغضب والزعل الى الهدوء والرضا .
يوم بعد يوم شهرا بعد شهر ستكون زوجا مثاليا ناجحا واب يتمناه كل ابن , مثلما قلت لك دع القلق وابدأ الحياة . وليس ينبأك مثل خبير , خرج سمير من حديقة دارنا تغمره سعادة طائشة وفهم مشوش , ودعته وانا اربت على كتفيه قائلا له , اسألوا اهل العلم ان كنت لا تعلمون .

الخوف والخجل  3
طارق فتحي
هيا ارتدوا ملابسكم على عجل , حبيبتي اني افتقد ربطة عنقي , مفاتيح سيارتي  وضعتها على المكتب للتو , اين اختفت.؟ يا الهي لماذا يحدث معي كل هذا وانا على عجلة من امري. ابحث جيدا في المدخل لعلك وضعته بقرب المرآة . لا داعي للتزين الان ممكن ان تكملي زينتك عند اهلي . موعد زفاف سمير قد اقترب وليست لنا فسحة من الزمن سوى مسافة الطريق . وجدتها هنا في المدخل قرب المرآة الم اقل لك ذلك , عزيزتي اني تأخرت كثيرا هيا بنا .
السلام عليكم كيف حالك يا امي , الحمد لله انك بخير , سادع ولدي زياد عندك ريثما ننتهي من مراسيم حفل  زفاف جارنا سمير وساعود اليك فورا دون تأخير. اصوات مزامير السيارات تصم الاذآن لاستعجال الموكب في التحرك لجلب العروس سيما وانها تسكن في منطقة بعيدة عنا نسبياً .
بعد اكمال زينة زوجتي استطعنا ان نلحق بموكب السيارات في منتصف الطريق وهرج البنات ومرجهن في المقعد الخلفي جاريا على قدم وساق وبحماسة منقطعة النظير. بعد وصولنا وجهتنا توقفت السيارات جميعها وترجل كل من فيها نساء ورجال بنات وشباب اخذوا بالرقص على انغام الموسيقى الشعبية والدمام يلهب حماسة الراقصين وتشكل صف طويل للدبكة العربية المشهورة والحركات الرتيبة المدروسة على ضربات الطبل والدمام مع المزمار وكان الهرج والمرج والناس يموج بعضهم  ببعض .
اطلق النفير العام في المكان وانتشر الناس كالجراد كل الى سيارته المعلومة بعد جلب العروس وجلوسها في المقعد الخلفي مع العريس في سيارة فارهة تبرع بها احد اغنياء المحلة , اخذت تسير في مقدمة الركب والموسيقى تصدح في شوارع بغداد الجميلة وشرطي المرور يحي العريس ويوقف سير المركبات لعبور موكبنا والناس تبتسم لسبب او بدون سبب والجمهور يحيينا من بعيد ومنهم من رقص في الشارع لحاله  حال اقتراب موكب العرس معارف وغرباء اولاد وبنات الكل في فرح مستمر والفرح والسرور بادي على الجميع .
توقف الموكب ثانية حال وصولنا الى دار العريس وهبط الناس ارضا يصلون اجسادهم باسياط الحب والوله والكل يغني على ليلاه . وزهاء النصف ساعة على هذه الحال من تجمهر ابناء المحلة والمحلات المجاورة للمشاركة في هذه الفرحة الكبيرة  وزغاريد النسوة الكبار تصدح في المكان من جميع الاتجاهات .
انفض الجميع ومن لم يكن له تعلق بالامر وبقيت انا مع العريس بعد ان جلس مع عروسه وسط الصالة المعدة لاستقبالهم والمزينة بالورد والموسيقى تصدح باغاني الطرب الخفيفة  السريعة الايقاع واذا بسمير يشير الي ان اقترب . فتبسمت في سري وقرأت عينية فتبسم هو الآخر , انحنيت باتجاه وهو يهمس في اذني ويديه تداعب ربطة عنقي يسحبها تارة باشارة ان اقترب منه اكثر ويرسلها تارة اخرى حين يصمت عن الكلام .

الخوف والخجل  4
طارق فتحي
ما بالك يا سمير تداعب ربطة عنقي تارة وترسلها اخرى دون ان  تنبس ببنت شفة , صديقي واخي الحبيب هذه هي الليلة الموعودة التي طالما خشيت ان امر بها او تمر بي اخيك سمير لا يعلم ماذا سيفعل وانت بعيد عني في دارك الجديدة ولم يتسنى لي مفاتحة  احدا بالموضوع حيث لم اجرؤ على ذلك . دلني ماذا افعل .؟
اخي عندما تكونا لوحدكما في الغرفة لا ترتبك وتصرف بصورة طبيعية تقدم نحوها وارفع عنها غطاء رأسها ( الدواغ ) ثم قبلها من جبينها وتسمي بالرحمن بعدها اخلع ملابسك قطعة فقطعة ببطيء شديد حتى تفهم عروسك هذه الاشارة فتبادر هي الاخرى بتقليدك عندها سينتهي الامر على خير . ولا تظهر لها انك لا تعلم كيف تداعبها وكن المسيطر على الموقف واحمد الله ان عروسك صغيرة وهي الاخرى لا تعلم عن الامر شيئا . ساتركك الان فقد تاخر الوقت وساعود غدا الجمعة لاطمأن عليك . فقط ثق بنفسك .
هربت من سمير بعد ان ارخى الليل سدوله وصحبت زوجتي وولدي الى دارنا الجديدة وانا متفكر بالكلية كيف سيتصرف سمير هذه الليلة وكلي شوق لمعرفة النتائج يوم غداً. وانا احاور نفسي واقول في سري اثنان لا يتعلمان جاهل ومستحي وصديقي قد تخرج من هاتين المدرستين بامتياز .
صباح الخير يا امي كيف حالك ان شاء الله بخير , ما اخبار جارنا العريس , فتبسمت والدتي وهزت رأسها يمينا وشمالاً . اتت ام سمير تسأل عنك منذ الصباح فقلت لها لم يأتي بعد . لماذا سألت عني .؟ ابو سمير وعمه جالسان في غرفة الضيوف لوحدهما منذ الصباح الباكر والشرر يتطاير من عينهما لم يستطع سمير ان يتم ليلته بسلام وترك عروسه وذهب الى غرفته في الطابق الثاني وسط غضب وصياح وصراخ والده وعمه .
المشكلة في عمه فهو رجل بافكار بدوية قاسي الملامح حاد الطباع عصبي المزاج وقد هرب اخيك الاصغر سمير الى غرفتك القديمة في دارنا بالطابق العلوي عبر سياج سطح المنزل والعم يزبد ويثرثر حاملا مسدسة الاسود الصغير ومصر على ان يقتل ابن اخيه الجبان . لقد اخزى العشيرة وكيف لعمه ان يواجه وجوه القوم بعد الان .
هذا معناه ان سمير في بيتنا بغرفتي في الطابق الثاني .
نعم يا ولدي اصعد اليه فقد تحمل المسكين الكثير الكثير منذ ليلة امس وكلمه بهدوء فهو في حالة هستيرية يعلم الله كيف سينتهي به الامر بعد سماع كلام عمه الصادم والجارح  للمشاعر الانسانية .


الخوف والخجل  5  
طارق فتحي

سمير صديقي العزيز ما هذا الذي اسمع وارى عنك .؟
لابأس يا صديقي ,لا بأس عليك , سوف احل لك هذه المشكلة , عليك ان تصمد ولا تأخذ كلام عمك بالحسبان سأتولى الامر من الآن للتحدث مع ابيك وعمك وسارسل والدي اليهما حالاً. تركته في غرفتي السابقة وهبطت درجات السلم مسرعا فوجدت والدي يحلق ذقنه فرجوته ان يذهب الى دار جارنا ابو سمير ويتحدث معهم حول ولدهم  وانت تعرف باقي الموضوع فتبسم والدي بالموافقة على غير عادته وهو الذي لم نألفه يدخل دار احدا في المحلة .
بعد هنيئة دخل والدي دارنا وطلب من والدتي عمل وليمة غداء لضيوف قد يشرفونا بعد قليل وماهي الا ساعة او ما ينيف فاذا بطارق على الباب استقبل والدي الضيوف وكانا ابو سمير وعمه وجلسا في غرفة الضيوف فالقيت عليهما التحية وانصرفت .
ابشر يا صديقي فاليوم والدك وعمك ضيوف عندنا وسوف يكلمهم والدي بشأنك فقط اطلب منك ان تهدأ وتزيل عنك الافكار السوداوية فالهروب من الامر الواقع يزيد الطين بلة . ارتشفنا معا كوبان من الشاي السيلاني الفاخر . ونحن نضحك ونتمازح كعادتنا ايام الصبا والشباب فاذا بوالدي يفتح علينا باب غرفتي ويقتاد سمير من يديه ويذهب به الى غرفة الضيوف .
بعد عتاب خفيف من عمه اليه وكيف انه لم يستطع ان يمارس حقة الطبيعي كعريس لمدة ثلاثة ايام متتالية وهذا امر يزعجنا كثيرا وتتحكم فينا تقاليد المجتمع والعشيرة , فهون ابي عليه الامر ووقع سمير ارضا يقبل يدي عمه بكل حرارة واعتذر من والده ايضا وخرج منهما مسرعا فتلقفته والدتي وقبلته من جبينة وقالت له هيئت لك الحمام حتى تسترخي وسيكون كل شيء على ما يرام يا ولدي .
بعد مضي ساعة او ساعتين خرج الجميع من منزلنا بصبحة سمير . حيث دخل على عروسه عصر نفس اليوم . ادركنا ذلك حين طرق سمعنا زغاريد ( هلاهل ) والدته الصاخبة والمميزة فابتسم والدي وهو ينظر الى امي وتبسمت هي الاخرى وهي تنظر باتجاهي فما كان علي الا ان اتبسهم لهما . وتنفست الصعداء وانا اقول في سري واخيرا تم لسمير ما اراد .

الخوف والخجل  6
طارق فتحي
مرت الشهور بطيئة تارة ومسرعة تارة اخرى , في احد زياراتي لاهلي بعد انقضاء ثلاثة شهور على زواج صديقي وجاري سمير . وجدت والدته عندنا فالقيت عليها التحية فاذا بها تهب مستنجدة  بي لمساعدتها بشأن ابنها البكر سمير , قلت لها , يا الهي سمير ثانية, ماذا فعل هذه المرة .؟  
قالت سمير ينوي تطليق عروسه الصغيرة  والدموع تترقرق في عينها فاخذتني الدهشة والبهتة  ففغرت فاهي كمن فقد صوابه . يا الهي ما هذا الكلام انتظري لحظة من فضلك سأتي حالاً . خرجت الى دار جارنا سمير مخاصما مغاضباً وبدون القاء التحية سحبته من يده واتيت به الى دارنا واجلسته معي في غرفة الضيوف بصحبة والدته وامي .
قال سمير مللت من زوجتي فانها تشغلني كثيرا عن ما تعودت عليه من تنسكي في محرابي والسهر  في بطون كتبي , قلبت حياتي راساً على عقب  . انا لا تعجبني هذه الحياة فاني اريد ان اطلقها وارجعها الى اهلها .
صعقت والدتي لدى سماعها ما قاله  لها سمير وردت بحدة .
هل انت مجنون .؟
تطلقها ولم يمضي على زواجكما اكثر من ثلاثة اشهر .
ماذا ستقول لاخوتها وبالاخص عشيرتها لو علموا بطلاقها لذبحوها فورا من الوريد الى الوريد . فاختل توازن سمير  تحت مطرقة ضربات والدتي القاسية.
لماذا يذبحونها يا خالة .؟هكذا هي عادة سمير حين يخاطب والدتي
يا ولدي سوف يضنون ان ابنتهم منحرفة وغير سوية فيهدرون دمها ويعتبرونها قضية شرف وفضيحة .
يا الهي ما هذا الذي تقولينه يا خالة  .؟ من اين اتيت بهذا الكلام .؟
يا ولدي انت قضيت حياتك بين طيات صفحات كتبك والحياة  في الواقع غير ذلك بالمرة . انت قضيت حياتك تسبح في عالمك الخاص ولا تعرف عن العالم الحقيقي أي شيء .
لا .. لا يا خالة انت تقولين ذلك من اجل تخويفي خلاص . انا طلقتها في صباح هذا اليوم لتذهب بها امي الى دار اهلها . انا لا اريدها . الفتاة لا ذنب لها انما انا المذنب المفروض ان لا اوافقكم على كل ما دبرتموه لي من اجل تزويجي . فالتف الى والدته غاضبا , اذا لم تفعلي ذلك فاجعليها تنام معك في غرفة نومك . فانا لست بحاجة اليها . حتى اعود الى عالمي الذي احبه بل اعشقه حد الثمالة.
كان لسمير ما اراد واخذت والدته العروسة واخبرت اهلها بان ابنتهم ضيفة عندهم حالما يتماثل سمير للشفاء من مرض معد وخطير وانه الان في احد مراكز الاستشفاء بعيدا عنا. حين شفاؤه سنأتي انا وابني لاصطحابها . وكانت ام سمير قد دبرت الامر بمشورة والدتي وافهمتا الاثنتان العروس بكل التفاصيل فوافقت على كتمان سرهما ريثما يقضي الله امرا كان مفعولا. العروس لا تعلم بامر طلاقها وصدقوا عائلتها هذه الحيلة كونهم ناس طيبين من اهل الله .


الخوف والخجل  7
طارق فتحي

ذهبت العروس الى دار اهلها كضيفة تمكث عدة ايام ريثما يتم شفاء زوجها من مرضه وخروجه من المشفى في مسرحية حبكت خيوطها والدتي مع ام سمير حيث ان باقي افراد الاسرتين لا يعلمون عن هذا الامر أي شيء حتى العريس لا يعلم بخيوط هذه المسرحية .
كنت دائما احاور سمير حول وجوب ارجاع زوجته  ومن انه رجل مستقيم متدين يخاف الله ويخشى ان يظلم احداً بقصد ام بغير قصد . كانت محاوراتي معه تجد آذان صاغية وانا ارغبه بالحياة الاسرية واشير له بين الفينة والاخرى الى ولدي زياد الذي كان يلهو بالقرب منا وهو طفل غاية في الجمال ويحبه سمير كثيرا  كأنه ولده حتى كان يغرقه بالهدايا  في المناسبات والاعياد .
بعد ان اغرقته بابجديات الحب والغرام على قدر الطاقة والسعة ورسمت له حياة وردية لن تجدها الا في المريخ اقتنع اخيرا برد زوجته واشترط هذه المرة ان يعقد قرانه عليها مرة ثانية . عبثا حاولت ان اثنية عن هذا الامر فما افلحت . لماذا هذا الاصرار انت لم تطلقها سوى تطليقة واحدة ممكن ان ترد اليك بلا عقد جديد . الا انه اصر . نقلت الخبر المفرح  لممثلي المسرحية فاستبشروا خيرا .
تهيأ الجميع لجلب العروس من دار اهلها  وافهم  العريس بخيوط المؤامرة بحذافيرها  كي لا يفلت لسانه ويتحدث من تلقاء نفسه ويفسد الامر فوافق سمير على رأيهما والتزم الصمت طيلة وجودنا عند اهل العروس . خرجنا بصحبة عروستنا وذهبنا مباشرة الى الشيخ عبد القادر الكيلاني في منطقة باب الشيخ من العاصمة بغداد وصعدنا الى الطابق الثاني حيث التقينا برجل مسن يدعى عبد الكريم المدرس فاشار الينا ان نذهب الى غرفة مجاورة  له لوجود شيخ يعقد  قرانهما .
حكينا للشيخ امر سمير كما سردها  لكم فقال لا داعي لعقد القران ولكن امام الحاح سمير اضطر الرجل الى عقد القران مرة ثانية . فاخذ يلقن سمير مراسيم ترسيم العقد فقال له امسك بيد زوجتك مصافحا  وكرر ما اقوله لك . فمد الشيخ يده وصافح سمير ليعلمه كيف يتم الامر ومما قاله الشيخ : تقول اني انكحتك نفسي فكرر سمير العبارة بعده مباشرة . فغضب الشيخ كثيرا وكاد ان يطردنا جميعنا . اذ كان سمير ممسكا بيد الشيخ ويقول له اني انكحتك نفسي والمفروض ان يمسك بيد عروسه ويقول لها ذلك مما اثار حفيظة الشيخ المسن .
خلاصة القول خرجنا من عند الشيخ وسمير على غير عادته مستبشرا ضاحكا يلتفت بين الحين والاخرى الى الخلف يخاطب عروسه باعذب الكلام واراد ان انحرف عن الطريق باتجاه شارع النهر المتاخم لنهر دجلة الخالد لشراء هدايا بهذه المناسبة الا اني لم اوافقه الراي ومعنا والدتينا فقلت له ما ان نصل الى البيت  نترك والدتينا ونذهب انا وانت وزوجاتنا الى شارع النهر فاقتنع بترتيبي للامور وكثيرا ما كان ينفذ ما اقترحه عليه .

الخوف والخجل  8
طارق فتحي
المفاجئة التي لم اذكرها الا في هذا الجزء ان العم متزوج من خالة سمير اي ان كل من والد سمير وعمه اخوة متزوجين من اختين هما والدته وخالته , وبما ان العم وزوجته لا ينجبان ابناء بسبب عقم العم فقاموا بتبني سمير الابن البكر لعائلته وتربى عندهم منذ الصغر وتكفلوا بجميع مصاريف الدراسة والعيش حتى انهم اختاروا له عروسته من خاصة معارفهم
عم سمير ومتبناه  ميسور الحال صاحب شركة ناجحة في حينها تدر عليه اموالا وفيرا . قرر ان يهب البيت الفاره الذي يسكنه الى ولده بالتبني سمير , ومع ان سمير من عائلة فقيرة جدا ذات عيال كثيرة خرج ليكمل حياته في بيته الجديد بصحبة عمه وخالته .
كان الفراق بيننا قاسيا ولم اعد اراه لنعيد ذكريات الايام الخوالي ايام الصبا والشباب , وبعد مرور عشرون عاما انقضت وكل منا بعيدا عن الآخر لا يعلم عنه اي شيء , في احد الايام  هممت ان اركن سيارتي امام احد ارصفة شارع الجمهورية من قبل الباب الشرقي . فاذا بشخص مفرط البدانة عبوس الوجه هرم الهيئة يجلس على علبة سمن  كبيرة  فارغة  يحتل مساحة صغيرة من الشارع بينما وضع بسطيته امامه على الرصيف . اطلقت منبه السيارة لتحذيره  كي يفسح امامي الطريق . فاذا به يهب من جلسته ويصرخ بوجهي بصوت عال ويداه تحلقان في الفضاء باشارات تدل على انه منزعج كثيرا لمحاولتي الوقوف في مكانه .
حاولت جاهدا ان اصف سيارتي بجانبه فما افلحت الا بعد جهد جهيد والرجل البدين يرمقني بنظرات شاذة لا تنتمي الى الانسانية  في شيء ولم يكلف نفسه بان يساعدني في الوقوف والسماح لي  حتى اني وقفت على مسافة منه لا تتجاوز عدة سنتمترا ت . قفلت ابواب السيارة  وانا اشيح بوجهي عنه لعلمي باخلاق باعة الشوارع الجوالين .
طارق .. طارق .. طارق .. فالتفت من حولي لاتبين من المنادي وسط  زحام الشارع . فانقطع الصوت , قلت في سري لعلي غير المقصود بالمنادات ولم اهتم للامر ,اخذت احث السير لوجهتي المقصودة . فاذا بكف تقيلة تهبط على كتفي اليمنى كادت ان توقعني ارضاً . ولا اخفيكم سراً اني اخشى كثيرا هذا المكان والناس فيه قد ودعوا الاخلاق من زمن , الا ان الحاجة تدفعني دائما للمرور بهذه السوق الشعبية في الهواء الطلق .
طارق .. طارق .. فاستدرت بسرعة خاطفة فاذا بي اجد الرجل البدين بلحمه وشحمه يطاردني وقد تخاصمت تجاعيد وجهه مع الاتربة والغبار الكوني الذي يحيط بالمكان فاصبح اشبه ما يكون بتماثيل العصر البيزنطي البرونزية  الرائعة , فانشغلت  بفكري حول سيارتي ممكن ان وضع شرطي المرور غرامة على النافذة الامامية , ربما احد لصوص النهار اقتحمها وسرق ما فيها من محتويات على المقعد الخلفي , ربما هناك أمر آخر .
فاردفته مباغتا اياه , يا عم ماذا تريد مني ما خطبك تجري خلفي صارخا اسمي .؟ فضحك ضحكة هستيرية مدوية رجت لها الاركان وياليته  لم يضحك فزادت بشاعة محياه وكشف عن اسنان سوداء متهرئة قد فعل التسوس فيهما فعلته الشنيعة , اضافة الى فقدان بعض الاسنان الامامية وبصورة غير منتظمة ورائحة فمه تزكم الانوف .
طارق .. طارق .. بالله عليك اما عرفتني .؟
ملامحك غير غريبة عني يا عم ولكن صعب علي ان اتذكرك , من الجائز ان تكون انت متوهما , فانا اشبه كثيرا من الناس وقد تعرضت ايضا لمثل هذا الموقف من قبل .!  مع الاسف الشديد لم تتعرف على اخيك وصديق عمرك الوردي كما كنت تقول لي دائما .
يا الهي .. اخي  وجاري حبيب قلبي سمير .
اخذ سمير بالبكاء المر وهو يشهق كالاطفال حتى انه رمى براسه على صدري والحق اقول لكم بلا مكابرة بكيت معه اشد ما يكون البكاء مرارة ونحن على هذه الحالة والمارة يرمقوننا بنظرات فيها الف معنى ومعنى . دون ان ينبس ببنت شفة انسحب سمير من بين احضاني بكل هدوء وانصرف الى محل عمله بينما تسمرت انا في مكاني ارقبه بعيوني من بعيد فحسب بتعجب.!

الخوف والخجل  9  والاخير
طارق فتحي

ملخص ما نشر
تحدث الكثير من المواقف في حياة الإنسان، وبمرور الزمن تتحوّل إلى قصصٍ واقعيّة تحوي في مضمونها عبراً نتعلّم منها الكثير, انا وسمير نشأنا معا ومررنا بجميع مراحل الطفولة والصبا والشباب تربطنا  قواسم مشتركة كثيرة , الخوف والخجل , ندرة الاصدقاء , حب المطالعة والانكفاء على الكتب . الوحدة والانفراد عن الاهل , ممارسة الاخلاق الحميدة مع الناس , ندرة وقلة معرفتنا بالجنس الاخر والهروب من المواجهة ......الخ
وقفت مندهشا وانا ارى سمير يذهب الى محل عمله وهو في حالة نفسية يرثى لها فانسحبت من امامه الى وجهتي في الشارع دون المرور به مودعاً . اذ آثرت ان لا اخدش حياءه مني . تمت تلبية احتياجاتي من السوق الشارع وعدت الى سيارتي فام اجد الرجل البدين سمير وقد اختفت بسطيته من على الرصيف في اوج تعاملات البيع والشراء  .
قفلت عائدا الى داري  والافكار تتقاذفني بجميع الاتجاهات , مر شريط حياتنا من امامي ملؤها الذكريات الجميلة همسات سمير وضحكاته الخجولة وبراءة وجهه الطفولي وحركاته المضحكة , بعدها سرحت بعيدا في خيالي لم يوقظني من احلام اليقظة سوى صوت زوجتي وهي تناديني على مائدة  طعام الغداء , قرأت وجهي وعلامات الدهشة تعلو ملامحها الجميلة وما ان نظرت اليها حتى اجهشت بالبكاء كطفل يجد امه بعد ان اضاعها زمناً . لا اعلم لماذا اهتزت كل مشاعري في حينها ولماذا بكيت بحرقة كانني لم ابكي من قبل .
مرت عشر سنوات أخرى لم احاول فيها ان ارى سمير كي لا نتألم لرؤية بعضنا البعض ولكن مع مرور هذا الزمن الطويل قررت يوما رؤية سمير في محل عمله . فكرت بان يوم الجمعة افضل يوم لرؤيته منها انه يوم عطلة اسبوعية ومنها ان عملية البيع والشراء تكون على اشدها من باقي ايام الاسبوع . وهذه المرة سوف اسطحبه الى منزلي ليتم التعارف عائلياً بيننا.
كالعادة اوقفت سيارتي بجانب الرصيف وانا افتش بنظراتي عن مكان الرجل البدين فاذا بي اشاهده  من بعيد فهممت بالوقوف الى جانبه ومداعبته كما كانت المرة الاولى قبل عشر سنوات . ولمنه لم يلتفت هذه المرة وكأن سيء لم يكن , ترجلت من سيارتي وطوقته بذراعي من الخلف وهو واقف امام بسطيته فالتف الي ويا ليته لم يفعل . وياليته لم يفعل ..
انه سمير بشحمه ولحمه قبل ثلاثون عاما او ما يزيد . يا الهي انه نسخة طبق الاصل من ابيه علمت حينها انه ولده بادرته قائلا . انت ابن سمير .؟  فاجابني نعم عمو انا مهند ابن سمير. هل تعرفني يا ولدي .؟ اجاب نعم عمو ابي رحمه الله كان يتحدث عنك كثيرا , حتى اذا كان يتشاجر مع والدتي تقول له اذهب الى حبيب قلبك طارق .
يا الهي .؟ منذ كم توفى والدك رحمه الله , اجاب قبل عامين اثنين يا عمي . يالك من فتى ذكي اذ عرفتني فورا مع اني لا اتردد على هذه السوق كثيرا . عمي انا رايتك منذ كنت صغيرا في بيت جدتي في المحلة القديمة . اهااا , تمام ,, تمام هو كذلك . تحياتي للاهل ولدي العزيز ,
توفي سمير وهو لا يعلم  شيئا عن الجنس الاخر وكذلك هو الحال بالنسبة  لبني جنسه عاش ومات على هامش الحياة  طويت صفحته ليقلبها من بعده اولاده  وتستمر الحياة ونحن فرحين بها كوننا احياءاً من جنسها ونأمن جانبها وتغدر بنا على حين غرة وترمينا .



بسمان بلا عنوان
طارق فتحي

بسمان رجل ثلاثيني حباه الله بقسط وافر من الوسامة ودماثة الخلق ابيض البشرة متورد الخدين ذا عينين زرقاوين يحاكيان امواج البحر الهادئة . شاء القدر ان يولد ويترعرع  في احدى المناطق الساخنة في العراق . له زوجة شابة لا تقل عنه وسامة وجمالا . عصف بهما الحب والوله حتى باتا تؤأمان سياميان لا يفارق احدهما الاخر . ابتسم لهما القدر وضحكت بوجهيهما الحياة  فكانا بحق من اجمل السمفونيات  البشرية التي تنافس عليها  كل من موزارت وبتهوفن وغيرهما .
ادبرت لهما الحياة بعد ان عصفت بمدينتهما  غربان الشر من ذئاب البشر . فاهلكوا الحرث والعرض والنسل ديدنهم قتل كل جميل بهيج مزدهر . اين المفر ؟ اين المفر ؟ لا مستقر . في جحيم مستعر . قلبوا المجن والحجر قتلوا البشر وقت السحر رموا جثثهم في البحر اقتلعوا الشجر . اطلق بسمان لساقيه الريح  تلهب ظهره فحيح الافاعي بعد ان اودع زوجته عن اهلها .
بسمان بلا عنوان  هاجر من زمان يصبح في دولة ويمسي في اخرى حتى استقر به المكان في بلاد البلقان بعد ان ضاع منه الزمان . زمان الوصل بزوجته الجميلة . وتمر به الشهور وسنين طوال امست فيه صورة محبوبته باهتةً جداً . سياط الحب والوله والعشق تترك اثاراً مدمرة على ظهره ووجه الوسيم . لقيته بائسا حزينا يشبه عجوزا عبوسا قمطريرا .
بسمان كيف حالك يا ولدي . ما هذا الذي اراه على محياك لم ارك هكذا منذ سنوات ذبلت كغصن وردة اجتثت من جذورها . غلب عليه البكاء وحيائه مني منعه من ذلك فلا هو ساكن الملامح ولا هو بقادر ان يكلمني وما ان خرجت كلمة من فيه حتي اخذ يشهق ويبكي بحرقة ومرارة عظيمتين . هدأت من روعة ابكي ثم ابكي ثم ابكي فالبكاء يليق بالرجال العطوفين المحبين للحياة والمنعمين بجمال الطبيعة . نعم يا ولدي بسمان ابكي كما لم تبكي من قبل .
تركت بسمان بعد ان هدأت من روعه وذهبت عنه مغاضبا ان لم يعتني بنفسه جيداً ومرت ايام قلائل بعدها مررت به مصادفة فوجدته مشرق الوجه مبتسم الفاه يضحك مع الهواء ويرد التحية على كل عابر سبيل . لمحته من بعيد قلت في سري يا خسارة لقد جن الرجل . لقد جن الرجل . غيرت مسار طريقي كي لا التقي به  ويؤلمني اكثر مما آلمني سابقاً . فاذا بصاح يجري خلف ويقبلني من راسي تارة ومن وجنتي تارة اخرى كمن مسه الجنون اسقط نظارتي الطبية ارضا ولم اعد ارى شيئاً رفعت راسه من فوق صدري لاتبين من هذا المجنون الذي ارتمى على صدري بكل ثقله حتى كاد ان  يسحقني  فاذا به بسمان بابتسامة عريضة ومياه منهمرة على خديه المتورتدين فزادته حسنا وبهاءاً على حستهما .
ما بالك يا ولدي تضحك وتبكي في آن واحد  اجننت حقاً . ام بقي شيء من عقلك سالما .    آه يا عمي لو تعلم ما بحالي وما بدالي .  تم لم شملنا من جديد وسالتقى بحب حياتي وريحانتي زوجتي العزيزة عما قريب  .

واخيراً بعد معاناة سنوات ابتسم لك الحظ ثانية هنيئا لك يا ولدي ومبروك لكما لقائكما من جديد , قبلني بحرارة والفرحة تعلوا محياه  فقبلته من جبينه شعرت حينها اني شاب في العشرين من عمري لما منحني  اياه بسمان من تذكر ايامي الخوالي مع حب حياتي فقلت في سري وانا احث الخطى سريعا منتفخ الاوداج .. بسمان بلا عنوان سيكون له عنوان كبير بعد الان ..