* الجزء الخامس :أحلام الصهيونية بين الواقع والخيال ص 3
صفحة 1 من اصل 1
* الجزء الخامس :أحلام الصهيونية بين الواقع والخيال ص 3
(3) الجواسيس
(أ) هاري سانت جون بريدجر فيلبي
هاري سانت جون بريدجر فيلبي (بالإنجليزية: Harry St. John Bridger Phillby) (3 أبريل 1885 - 30 سبتمبر 1960)، ويعرف أيضاً باسم "جون فيلبي" أو الشيخ عبد الله، هو مستعرب، مستكشف، كاتب، وعميل مخابرات بمكتب المستعمرات البريطاني. لعب دوراً محورياً في إزاحة العثمانيين عن المشرق العربي وخاصة عن السعودية والعراق والأردن وفلسطين. أعلن إسلامه وخطب الجمعة في الحرم المكي عن فضائل آل سعود على الهاشميين حكام الحجاز سابقاً . لعب دورا فعال في قيام شركة أرامكو تزوج من امرأة نجدية وأنجب ابنه الوحيد كيم فيلبي.
يبدو أنه غير ولاءه من بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية في ثلاثينات القرن العشرين, مما دفع المخابرات البريطانية والروسية للتجسس عليه لدوره المحوري في المشرق العربي بتجنيد ابنه كيم فيلبي وغيره. ارتقى ابنه سُلم المناصب في المخابرات البريطانية حتى رشح رسمياً لرئاستها عام 1963, وعندها انكشف أنه عميل للاتحاد السوفيتي كانت فضيحة مدوية (25)
ونسوق هذا الجزء من مذكرات جون فيلبي حتى نُدرك مدى التأثير الذي بلغه ذلك الرجل في علاقاته مع الأمير عبد الله بن الشريف حسين، و عبد العزيز آل سعود، ومدى سعيه لخدمة قضية اليهود، والدور الذي لعبه في القضاء على الحكم العثماني في شبة الجزيرة العربية:
يقول جون فيلبي في ذلك : (( بعد شهرين من وصولي الأردن قمت بجولة في أنحاء فلسطين , وكانت الثورة الفلسطينية في بدايتها, ويعيش الإنجليز في قلق منها, فحاول بعضهم توسيط الأمير عبد الله لدى الثوار الفلسطينيين بإيقاف الثورة(ثورة 1936) فحبذت الفكرة لعلمي أن عبد الله سيفشل في وساطته لعدم نفوذه بين الفلسطينيين, وبالتالي سيكون الجو مهيئا لصديقنا العزيز عبد العزيز فتنجح وساطته وترتفع أسهمه لدى الإنجليز, وهذا ما تم فعلا بعد فشل عبد الله في وساطته, اقترحت توسيط عبد العزيز الذي اقسم لثوار فلسطين بأن أصدقاءنا الإنجليز تعهدوا بحل القضية لصالح الفلسطينيين وانه يتحمل مسؤولية هذه العهد, وقد نقل لهم ذلك ابنه فيصل ( الذي أصبح بعد ذلك ملكا فيما بعد ), وقد كان لنجاح هذه الوساطة صداها لدى الإنجليز واليهود, وكانت المنعطف الأكبر في تاريخ فلسطين, وعزز ذلك النجاح الباهر كافة أرائي عن عبد العزيز أمام رؤسائي بل وحتى خصومي الذين ما زال بعضهم يؤيد الهاشميين ويعتبرهم أصلح للمصالح الغربية من أل سعود
ويضيف فيلبي: (( أثناء رحلتي عرجت علي تل أبيب وقابلت ديفيد بن جوريون الذي كان فرحا لنجاح وساطة أل سعود التي أوقفت الثورة الفلسطينية، إلا انه أبدى قلقه عن ابتعادي عن عبد العزيز, فقلت لبن جوريون إننا لم نعد نخشى علي عبد العزيز أل سعود, فلديه من الحصانة ما يكفي لتطعيمي وتطعيمك, ...كما أن ابتعادي هذه الأيام لصالحه من اجل ترويض خصومه شرق الأردن ))
ولتطمين بن جوريون قلت له : (( قبل أيام أخرجت جيش الإخوان الوهابيين لتأديب عبد الله حتى هددوا كيانه, وعندما استنجد بي أوعزت إلي عبد العزيز بإيقاف جيش الإخوان قبل أن يدخلوا الأردن, وقد وجدوا صعوبة في صد هذا الجيش البدوي الشرس, فاضطررت إلي إعطاء الأمر للطائرات الحربية البريطانية المرابطة في الأردن لتأديبهم, وبعد ذلك تخلي عبد الله عن أفكاره الوطنية والقومية في غزو الحجاز واكتفي بما قسم الله له)), ويستطرد جون فيلبي في مذكراته قائلا : (( عندما قررت الذهاب إلي الحجاز في مهمة حج لقضاء حاجة, حملني بن جوريون رسالة إلي عبد العزيز أل سعود نصها: ((( يا صاحب الجلالة... يا آخى في الله والوطن, إن مبلغ العشرين ألف جنيه إسترليني ما هو إلا إعانة منا لدعمك فيما تحتاج إليه في تصريف شئون ملكك الجديد في هذه المملكة الشاسعة المباركة, و إني أحب أن أؤكد لك : انه ليس في هذا المبلغ ذرة من الحرام, فكله من تبرعات يهود بريطانيا وأوروبا الذين قد دعموك لدى الحكومة البريطانية.
(ب) توماس ادوارد لورانس
أو لورانس العرب وقد سبق ترجمته ودوره في خديعة الشريف حسين للثورة ضد الدولة العثمانية على أمل مساعدة بريطانيا له في إقامة دولة عربية تحت قيادته وإعلان نفسه خليفة للمسلمين.
ثانيا: ما يخص الجانب العربي:
(ا) الصراع الفلسطيني الداخلي القديم الحديث
قديما ومن خلال ما وصلنا من معلومات محدودة كنا نُلقي باللوم على ضياع فلسطين، وقيام دولة إسرائيل على الزعماء العرب قديما من أمثال الشريف حسين ثم ابنه عبد الله من بعده، وعلى مؤسس الدولة السعودية عبد العزيز آل سعود، وعلى الملك فاروق والعصابة من حوله التي ساهمت في خسارة الجيش المصري في حرب 1948. إلى أخره من الاتهامات التي كانت جميعها تصب جام الغضب على حكام العرب، دون أدنى لوم على أهل فلسطين، وزعماء العائلات فيها، ودائما ما كانت نظرة المواطن العربي للفلسطينيين على أنهم أفراد معذبون ضائعون بفعل الخُذلان العربي.
ولكن للأسف الشديد ما أشبة اليوم بالبارحة، فكما تتناحر الفصائل الفلسطينية اليوم من: فتح وحماس وجهاد فيما بينها طلبا للزعامة قبل الطلب لحل القضية الفلسطينية حتى أصبح الفلسطينيون يُعرفون، بالحمساوي، والفتحاوي والجهادي قبل الفلسطيني فظهرت بينهم الأحقاد والضغائن، فصوبوا السلاح إلى صدور بعضهم البعض، بدلا من أن يصبوها إلى صدر العدو الصهيوني إلى أن وصل الأمر في النهاية إلى أن أصبحت فلسطين: غزة الحمساوية، وأريحا الفتحاوية.
فضاعت القضية الفلسطينية بين متاهات التقسيم في الحاضر، كما ضاعت أرض فلسطين في الماضي بفضل الانقسامات العائلية، والصراع على الزعامة، فلقد استثمرت السياسات البريطانية واقع الثقافة المحلية عند الفلسطينيين المتمثلة في التقاليد العائلية التي تولي عائلات بعينها بعض المناصب الموروثة عائليا جيلا بعد جيل في المجتمع الفلسطيني، لتعميق الانقسامات المحلية بين الفلسطينيين، إيذانا بحرب التنافس التي تغذيها بريطانيا. كما عمدت إلى خلق الانقسامات الدينية والطبقية والسياسية عبر خلق أحزاب سياسية موالية.
فعندما وقف موسى كاظم الحسيني مع مظاهرات القدس أقالته السلطات البريطانية من منصب مدير بلدية القدس وعينت بدلا عنه راغب النشاشيبي، زعيم عائلة النشاشيبي المنافسة لعائلة الحسيني، كما طاردت الحسيني هو وزميله عارف العارف وحكمت عليه غيابيا
لقد لعبت العائلات دوراً رجعياً في حركة المقاومة، إذ حاولت دائماً توجيه مشاعر غضب الجماهير الفلسطينية تجاه اليهود فقط وتفادي الصراع مع فوات الاحتلال البريطاني. وعمدت في معظم الأحوال إلى إتباع أساليب سلبية غير راديكالية اقتصرت على المذكرات والعرائض والاحتجاجات المكتوبة والمؤتمرات التي تعقد بتصريح من حكومة الانتداب التي كانت تخرج في النهاية بقرارات "معتدلة" (26)
وفي وقت الأزمات الثورية حرصت العائلات على كبح حركة الجماهير، إذ كانوا في حالة خوف دائمة من احتمالية خروج زمام الأمور من أيديها، وخوف من أن ازدياد راديكالية فلاحينها قد ينقلب عليها بسبب الأوضاع المزرية التي عاشها الفلاح الفلسطيني نتيجة للقهر والاستغلال الذي مورس ضده بواسطة هذه العائلات.
وتسابقت العائلات ـ في ظل المنافسة والصراع بينهما ـ إلى محاولة التقرب من البريطانيين من أجل الحصول على رضا المندوب السامي وتولي مناصب قيادية محلية. واستغلت كل عائلة الحركة الوطنية لتحقيق مكاسب عائلية لها على حساب الآخرين. واستفاد البريطانيون من هذه المنافسة وعملوا على تعميقها لإضعاف وتفريق صفوف الحركة. (27)
راغب النشاشيبي
لم تمنع سيطرة العائلات على الحياة السياسية الانتفاضات والثورات العفوية التي كانت تندلع من وقت لآخر بين صفوف الجماهير الفلسطينية. فشهدت الفترة (1919 ـ 1921) اشتباكات عنيفة بين العرب والصهاينة، وهجوم على مستوطنات صهيونية، وأهداف بريطانية. وتعد انتفاضتي القدس 1920 ويافا 1921 أشهر هذه الانتفاضات. وكان موقف العائلات الفلسطينية منهما هو موقف "المتفرج أو المهدئ" (28)
(2) المجلس الإسلامي الأعلى
شهد عام 1921 إنشاء مؤسسة لعبت لاحقاً دوراً هاماً في الساحة السياسية ألا وهي "المجلس الإسلامي الأعلى" برئاسة الحاج أمين الحسيني. وكان الحاج أمين الحسيني قد نجح في تبوُّء منصب مفتي القدس بمساعدة المندوب السامي البريطاني، فقد "طبخ" المندوب انتخابات الإفتاء وتحايل على القانون كي يتمكن الحاج أمين الحسيني من هزيمة منافسيه من العائلات الأخرى، وذلك لاستبقاء التنافس بين الحسينية والنشاشيبية إذ كان راغب النشاشيبي يشغل رئاسة بلدية القدس، وبالتالي كان وجود الحاج أمين الحسيني في منصب الإفتاء بنفس المدينة سيزيد حتماً من سعار التنافس على الزعامة في القدس ـ وهو ما حدث لاحقاً بالفعل. وفي مقابل تعيينه وعد الحاج أمين بعدم "إثارة الاضطرابات".(29)
انقسمت على إثر ذلك الحركة الوطنية الفلسطينية إلى كتلتين: "المجلسيون" أنصار آل الحسيني وقيادة الحاج أمين للمجلس الإسلامي الأعلى؛ و"المعارضون" أنصار آل النشاشيبي المعارضون للحسينية والمجلس الإسلامي. اشتعل سعار التنافس والعراك على الزعامة السياسية بين الفريقين، وامتد إلى جميع جوانب الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية بفلسطين. ووصل العراك إلى الحد الذي دفع بعض الشخصيات السياسية العربية للتدخل. فعلى سبيل المثال كتب أحد الكتاب العرب في جريدة "الجامعة العربية" الصادرة في القدس:
وإذا كان لكلمتي العربية الصريحة الصادقة ـ التي لم تخرج مرة عن كونها عربية صريحة صادقة ـ شيء من التأثير فجل ما أبغيه أن يكون ذلك في سبيل التوحيد، بل في سبيل القوة الكامنة في التوحيد، أما إذا كان الحسينيون أو النشاشيبيون أو الطوقانيون أو العبد هادون أو غيرهم من السلائل الفلسطينية المعروفة، لا يرون في الأحزاب غير تلك الوطنية التي لا تقوم إلا بهم ولا تعزز إلا باسمهم، ولا يرون في الجامعة العربية غير جامعة بيتية ومصلحة عائلية، فخير لهم أن ينضموا إلى الحزب الصهيوني، وأن يرسلوا أولادهم إلى الجامعة العبرية في جبل الزيتون.
يقول الحسينيون أن النشاشيبيين يمالئون الصهاينة ويساومونهم على حقوق الأمة، ويقول النشاشيبيون هذا القول في الحسينيين، وأنا لا أصدق ـ ولا أحب أن أصدق ـ القولين… أرى من واجب الأمة أن تنبذ الزعامتين وأن تؤلف من الصالح في الحزبين زعامة جديدة (30)
فقد تدخل شكيب أرسلان أكثر من مرة للصلح بين زعماء فلسطين لرأب الصدع بينهم وللتفرغ لمقارعة الاستعمار البريطاني والهجرة اليهودية. حيث كان الصراع على أشده في عشرينات القرن الماضي بين السياسيين الفلسطينيين بسبب الزعامات ولاسيما بين آل الحسيني وآل النشاشيبي وكان الصراع يومها على منصب الإفتاء وعلى المجلس الإسلامي الأعلى ومن ثم السيطرة على الأحزاب الفلسطينية وغير ذلك من مراكز القيادة!!
وفي عام 1925 اضطرت اللجنة التنفيذية تحت ضغط شديد إلى الدعوة لإضراب عام بمناسبة وصول اللورد بلفور لافتتاح الجامعة العبرية، ونجح الإضراب نجاحاً ساحقاً إذ لقي تجاوباً ضخماً من العمال في أرجاء فلسطين. (31)
ولكن اتسمت الفترة اللاحقة (1925 ـ 1928) بصراع عائلي حاد حاول خلاله "المجلسيون" استبعاد "المعارضين" من الحركة الوطنية، إلا أنهم فشلوا في مسعاهم، بل ونجح "المعارضون" في مواجهة المجلس الإسلامي، والتأثير على انتخاباته، وفرض مندوبين لهم عن كل مدينة في المؤتمر الوطني السابع عام 1928. وأدى هذا العراك المستمر والتنافس الحاد إلى خمود الحركة الجماهيرية تماماً خلال تلك الفترة، فلم تشهد فلسطين مظاهرات أو إضرابات.
(3) المؤتمر العربي السابع:
وجاء المؤتمر العربي السابع عام 1928 ليفضح تخاذل العائلات وانشغالهم بالنزاعات العصبية عن النضال من أجل الاستقلال. شارك في المؤتمر عدد ضخم من المندوبين لم يسبق لهم العمل بالسياسة، ولكنهم ـ نتيجة للعصبية الحزبية والعائلية ـ أتوا ترضيةً لهذه العائلة أو تلك. وتواجد "معارض" في المقابل عن كل مدينة مثّلها "مجلسي". وانكب أعضاء المؤتمر يناقشون بعض القضايا الزراعية مثل القروض، والضرائب، وقضية الجنسية، والمهاجرين الفلسطينيين، وقضية امتياز مشروع البحر الميت، وضرورة تشكيل حكومة نيابية وديمقراطية. لم يتعرض المؤتمر لقضية الاستقلال، أو إلغاء الانتداب، أو اتخاذ إجراءات حاسمة ضد التواجد البريطاني/الصهيوني. ورفض المؤتمر تماماً الاقتراح ـ الذي قدمه عضو واحد فقط ـ الداعي لتأسيس جمعيات للعمال العرب. واكتفى المؤتمر في النهاية بإرسال برقية مليئة بالأشواق الحارة والعويل لعصبة الأمم ووزارة المستعمرات البريطانية تطالب بتشكيل حكومة برلمانية في فلسطين بموجب الوعود والعهود المقطوعة للعرب من الحلفاء! (32)
(4) إخوان القسام:
شهد عام 1931 تطوراً جديداً للمقاومة الفلسطينية، فقد أسس الشيخ عز الدين القسام ـ رئيس جمعية الشبان المسلمين في حيفا ـ منظمة عسكرية سميت "إخوان القسام"، وكان للقساميين أيديولوجية جمعت بين الإسلام والقومية العربية. ونشطوا في أوساط الطلبة والفلاحين المعدمين الذين هاجروا إلى المدن. ثم بدأ القساميون حملة هجمات مسلحة استهدفت المستوطنات الصهيونية ومواقع بريطانية متبعين استراتيجية حرب العصابات. (33)
ودخلت الطبقة العاملة الفلسطينية إلى الساحة السياسية بقوة، وقامت بموجة عاتية من الإضرابات في الفترة (1930 ـ 1935). وبدأت اللجنة التنفيذية تشعر بأن البساط يُسحب من تحت قدميها، وبأن عزلتها عن الجماهير تزداد، وأصبحت موضع سخط الكثيرين. ورأت قيادة اللجنة التنفيذية في مطلع عام 1933 أنها إذا لم تتحرك فستفقد زمام الأمور، فدعت لاجتماع بالقدس في 24 فبراير لمناقشة قضيتي بيع الأراضي والهجرة اليهودية. اتخذ المؤتمر قراراً بإتباع سياسة "عدم التعاون" مع المندوب السامي. وعقد مؤتمر آخر بيافا في 26 مارس لتقرير مبدأ "عدم التعاون" وتحديد آليات تنفيذه. ولكن انتهى المؤتمر كما بدأ، فقد اتفق الجميع على المبدأ ولكنهم تعاركوا حول آليات تنفيذه، فتم ترك تحديد الآليات للجنة خاصة! ولم يقتنع الحاج أمين الحسيني بأن فكرة "عدم التعاون" قد آن أوانها! ومرت 6 أشهر ولم يتم الاتفاق على شيء، فالشيء الوحيد الذي قرر "المجلسيون" فعله هو مقاطعة حفلات البريطانيين الاجتماعية!! أما "المعارضون" فقد استمروا في حضور هذه الحفلات!!! (34)
وفي النهاية انهارت اللجنة التنفيذية مع وفاة موسى كاظم الحسيني في عام 1934. ولم يكن مستغرباً أن تنعاه صحيفة "بالستاين بوست" الصادرة عن "الوكالة اليهودية"، وتكيل له المديح حيث أن سياساته "المعتدلة" قد ساهمت في كبح حركة المقاومة الجماهيرية الفلسطينية، ومنعتها من اتخاذ أي منعطف راديكالي. (35)
وزاد الطين بلة مجيء انتخابات بلدية القدس ـ التي كان يسيطر عليها راغب النشاشيبي ـ في أواخر عام 1934. فقد أدى تحالف الحاج أمين الحسيني مع مرشح عائلة الخالدي إلى سقوط النشاشيبي في الانتخابات وحصول الخالدي على المنصب، فجن جنون النشاشيبية واشتد سعار المنافسة بينهم وبين الحسينية بطريقة غير مسبوقة. (36)
وفي محاولة لاحتواء الحركة الجماهيرية المتصاعدة عمدت النخبة التقليدية الفلسطينية إلى تكوين أحزابٍ وطنية. ولكن عكست هذه الأحزاب العصبيات العائلية، فأسس آل النشاشيبي "حزب الدفاع الوطني" في عام 1934، وأسس الحاج أمين الحسيني "الحزب العربي الفلسطيني" في عام 1935. وتأسس "حزب الاستقلال" الذي ضم في عضويته عناصر برجوازية وبرجوازية صغيرة. وكان حزب الاستقلال أقرب في تكوينه إلى "حزب الوفد المصري"، إلا أنه لم ينل نفس التأييد الجماهيري، ولم يستطع لعب الدور الذي لعبه حزب الوفد في تلك الفترة. ورغم شعاراته الأكثر راديكالية مقارنة بأحزاب كبار الملاك إلا أنه كان أكثرهم ضعفاً. (37)
الهيئة العربية العليا سنة 1936
(5) اللجنة العربية العليا
اشتدت حركة الكفاح المسلح التي أطلقها القساميون، واتخذت بحلول عام 1935 شكل عمليات فدائية مسلحة على نطاق واسع. واستمر القساميون في عملياتهم بالرغم من استشهاد زعيمهم الشيخ عز الدين في عام 1935. واشتدت سخونة الأحداث مع زيادة معدل الهجرة اليهودية بسبب صعود الفاشية للحكم في أوروبا. وشهدت الفترة من 15 إلى 19 إبريل 1936 اشتباكات وحوادث عنف فردي بين العرب والصهاينة، ويجئ 20 إبريل لتدخل يافا في إضراب عام أغلق الأسواق والميناء، أعقبها اندلاع اشتباكات عنيفة في شوارع المدينة. وقوبلت تحركات الفلسطينيين على الفور بالقمع الوحشي من القوات البريطانية، فما كان من زعماء الأحزاب السياسية إلا أن قاموا بمقابلة المندوب السامي معبرين له عن أسفهم على أحداث العنف التي وقعت! وفي غضون أيام قليلة ظهرت إلى الوجود "لجان قومية" ـ مكونة من الشباب ومواطنين عاديين ـ في نابلس التي انضمت إلى الإضراب العام وعمتها مظاهرات حاشدة في 24 إبريل. ولم يُسمع أي صوت للقيادة التقليدية خلال الأيام الستة الأولى. واستمر الإضراب في الانتشار والتصاعد، وبدأت اللجان القومية في الظهور بالمدن والقرى في باقي أنحاء فلسطين. وانضم الطلبة وأعضاء النقابات إلى الحركة، فأضرب المحامون عن العمل بالمحاكم، وقرر الأطباء معالجة الجرحى والفقراء الذين يحملون توصيات من لجان الإسعاف مجاناً. (38)
تحت وطأة الأحداث اضطرت العائلات للتحرك سريعاً متخوفين من فقدان السيطرة على مجريات الأمور، فقامت بتشكيل "اللجنة العربية العليا" برئاسة الحاج أمين الحسيني. لم يكن هناك مفر أمام القيادات التقليدية من تأييد الإضراب والعدول عن إرسال الوفود المعتادة للندن بسبب الضغط الجماهيري الشديد القادم من الشارع الفلسطيني. واضطرت إلى القيام بتمويل جزئي للإضراب. (39)
لم تتوقف الثورة رغم شدة القمع، إلا أن تحقيق الأهداف البريطانية/الصهيونية بوقف الانتفاضة تم تسهيلها بواسطة اللجنة العربية العليا نفسها ـ التي دب الرعب في أوصال قياداتها بسبب نجاح العمال والفلاحين في لعب الدور الأكثر نضالية في المعارك مثبتين قدرة عالية على تنظيم أنفسهم ذاتياً بعيداً عن اللجنة. لقد مثل نهوض الجماهير تهديداً ضخماً لمصالح البرجوازية وملاك الأراضي الفلسطينيين الذين خافوا من فقدان أرباحهم وخسارتهم لموسم الموالح بسبب الإضرابات، وكان رفض اللجنة العربية العليا لخيار الكفاح المسلح انعكاساً لخشيتها من احتمالية أن يوجه السلاح ضدها لاحقاً! (40)
ويعلق أحد المسئولين بسلطة الانتداب على تخاذل ومهادنة اللجنة العربية العليا بقوله:
إنه لمن الحماقة تصور أن أعضاء اللجنة ملائكة بدون مصالح. فالعديد منهم على استعداد لبيع الإضراب، وخيانة أتباعهم، والتوصل لحلول وسط مع الحكومة [البريطانية] إذا سنحت لهم الفرصة: وينطبق ذلك أيضاً على العديد من الزعماء المحليين. ولكن لم تسنح لهم الفرصة حتى الآن. إنهم محمولون الآن على ظهور الثوار العرب المصرّين على استمرار النضال حتى الحصول على مطالبهم من الحكومة أو أن يهزموا على يد الحكومة. (41)
الجنود البريطانيون في باحة كنيسة المهد سنة 1938
في سبتمبر بدأت البرجوازية في الامتناع عن تمويل الإضراب العام كمقدمة للقضاء على الإضراب، وما لبثت اللجنة العربية العليا أن اقترحت على حكام الدول العربية المجاورة أن يصدروا بياناً يطالبون فيه الجماهير الفلسطينية بإنهاء الإضراب لمساعدة اللجنة في السيطرة على الثورة.(42)
وكانت اللجنة العربية العليا تحاول جاهدة منذ البداية أن تسيطر على اللجان القومية. وفي الوقت الذي كان يتساقط فيه آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيون برصاص وقنابل القوات البريطانية والعصابات الصهيونية اقتصر نشاط اللجنة على القنوات السياسية "المحترمة" ـ مثل إرسال برقية حارة لملك بريطانيا في 14 يونيو تطالب "جلالته" بالعدل والإنصاف وتنفيذ العهود والوفاء بالوعود! واجتمعت اللجنة عدة مرات بالمندوب السامي لمحاولة التوصل لحل وسط من أجل إيقاف الثورة. بل وقامت بإرسال وفوداً "للتباحث" مع الملوك العرب عملاء الاستعمار لحثهم على الوساطة مع بريطانيا. وكانت تصل أعضاء هذه الوفود برقيات تهديد بالقتل والانتقام إذا خانوا الثورة الشعبية، وذيلت تلك البرقيات بإمضاء "عزرائيل وجبرائيل الأمة". (43)
وبالفعل أصدر الملوك العرب نداء إلى الجماهير الفلسطينية بإنهاء الإضراب في أكتوبر 1936 لإعطاء "الفرصة للجهود الدبلوماسية"، فهرولت اللجنة العربية العليا لإصدار دعوة لإنهاء الإضراب "امتثالاً لإرادة أصحاب الجلالة والسمو". (44)
وتوقف الإضراب أخيراً في 13 أكتوبر بعدما استمر لمدة 176 يوماً.(45)
أمريكا الماضي هي أمريكا الحاضر في الدعم الامحدود لإسرائيل
قول بن غوريون أول رئيس وزراء لليهود: "أما السيف الذي أعددناه إلى غمده، فإنّه لم يعد إلا مؤقتاً، إننا سنستله حين تتهدد حريتنا في وطننا، وحين تتهدد رؤى أنبياء التوراة، فالشعب اليهودي بأسره سيعود إلى الاستيطان في أرض الآباء والأجداد من النيل إلى الفرات"، ويقول: "تستمد الصهيونية وجودها من مصدرين: مصدر عميق عاطفي دائم، وهو مستقل عن الزمان والمكان، وهو قديم قد الشعب اليهودي ذاته، وهذا المصدر: هو الوعد الإلهي والأمل بالعودة، يرجع الوعد إلى قصة اليهودي الأول - يقصد إبراهيم عليه السلام - الذي أبلغته السماء أن: "سأعطيك ولذريتك من بعدك جميع أرض بني كنعان ملكاً خالداً لك".
ويقول إيغال ألون نائب رئيسة وزراء إسرائيل السابقة - غولدا مائير-: "جاء اليهود إلى البلاد لكي يستردوا الأرض التي يعتقدون أنها كانت أرض آبائهم، الأرض التي وعدها الله لهم ولذراريهم في العهد القديم المبرم قبل آلاف السنين بين الله وإبراهيم".
يتردد دائماً وأبداً علي ألسنة زعماء أبناء صهيون وحاخاماتهم, أن بيت المقدس ملك لشعب يهود, وأن القدس الشريف عاصمة دولتهم المزعومة, ونذكر ضمن هذه التصريحات ما جاء على لسان أحد رؤساء وزرائهم السابقين وهو إيهود باراك الذي لم يكتف بالقول بأن "ستكون هناك أورشليم أكبر مما كانت عليه منذ الملك داود, وستكون موحدة ومعترفا بها من العالم كعاصمة لإسرائيل"، حتى أتبع القول بالعمل فسمح وقت أن كان رئيساً للوزراء لزعيم الحزب المتطرف المعارض والذي أضحى رئيساً للوزراء فيما بعد آريل شارون، باعتباره أول زعيم يهودي يتعامل مع قضية القدس بجدية ويسعى للقضاء على الوجود العربي والإسلامي بها, بإرسال كتيبة من العسكر يبلغ قوامها ثلاثة آلاف, لحمايته أثناء اقتحام المسجد الأقصى في غرة رجب1421هـ الموافق 29سبتمبر لعام 2000م، أي في ذكرى تحرير صلاح الدين للقدس في رجب 583هـ سبتمبر 1187م، ومنذ تلك اللحظة والعالم يشهد - دون أن يحرك ساكناً- حرب الإبادة الجماعية الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني المسلم، وحجم التدمير الذي تتعرض له بلاده بكل همجية وعنصرية، كما يراقب الانحياز الأمريكي الأعمى والصمت الغربي المريب لإسرائيل وما تقوم به من أعمال عدوانية حتى على الأطفال والنساء والعجزة في بقعة هي من أطهر بقاع الأرض.
منذ بضعة أيام صرح " بن تسيون نتنياهو " والد رئيس الوزراء الصهيوني الحالي أن حديث ابنه فى خطابه في 14 يونيو الماضي 2009 في جامعة بار إيلان ، بقبول قيام الدولة الفلسطينية هو مجرد كلام
ثم عقب قائلا : دولة فلسطينية ؟ لا..لا.. هذا غير ممكن . هرتزل ونوردو (مؤسسا الحركة الصهيونية) لم يعملا من أجل أن تقوم في النهاية دولة فلسطينية . هذه بلاد يهودية وليست للعرب . لم يكن هنا عرب ولا يوجد مكان للعرب .
وإذا حدث هذا في الماضي نجد أن الحاضر أكثر وضوحاً؛ إذ إن الصهيونية المسيحية مسيطرةٌ على مواقع القرار الأمريكي، بل إن الرؤساء الأمريكيين أجمعهم من هذه المدرسة.
إن "هنري كسنجر" عمل جاهداً بتحويل النصر العربي عام 1973م على جبـهات القتال إلى هزيمة سياسية، وجعل مصر توقِّعُ على معاهدة كامب ديفيد التي تُكبِّل مصر تكبيلاً؛ حتى أنـها تدخَّلت في المناهج التعليمية والآيات القرآنية التي تتعلق باليهود.
ويقول المسيحي الصهيوني جيم روبنسون - وقد كان شخصية متمكنة في الحكومة الأمريكية-: "لن يكون سلام حتى يعود المسيح، وكل من يؤمن بالسلام فهو ضد كلمة الله، ضد المسيح".
ويقول نصارى أوروبا: "إنّنا نحن المسيحيين نؤخر وصول المسيح من خلال عدم مساعدة اليهود على مصادرة مزيد من الأراضي".
ويقول المبشر المسيحي الصهيوني فرانك جناوي: "إنّ هجرة اليهود إلى أرض كنعان تمثل التحقيق المطلق لتلك النبوءات في ما يتعلق بعودة اليهود إلى أرضهم قبل مجيء المسيح المنتظر إلى العالم".
وجّه أحد الزعماء المسيحيين الصهاينة نداءً إلى اليهود جاء فيه: "إنه لا يجوز أن يبقى اليهود أوفياء إلى هذه المبادئ البراقة –يقصد القوانين الدولية- إذ أنّه على إسرائيل أن تكسر من وقت لآخر القوانين الدولية، وأن تقرر بنفسها ما هو قانوني وما هو أخلاقي وذلك على قاعدة واحدة، هي: ما هو جيد لليهود، ما يكون هو في مصلحة اليهود"
يقول بن غوريون:"إذا كان ينبغي من أجل خير أرض أجدادنا أن نغزو أمماً أجنبية ونستعبدها ونبيدها، فيجب أن لا تمنعنا من ذلك اعتبارات إنسانية".
ويقول الدكتور إسرائيل شاحاك عضو جمعية حقوق الإنسان الإسرائيلية: "إن اليمين المسيحي الجديد يبرر أي عمل عسكري أو إجرامي تقوم به إسرائيل، وبالتالي فهو يؤيد هذه الأعمال".
وهذا الرئيس "بيل كلينتون" الذي عمل جاهداً ليرغم الفلسطينيين على توقيع المعاهدات التي تصب في صالح اليهود بالرغم من الفضائح الجنسية التي ورَّطه بـها اليهود، فيصرح قائلاً: (إنني أحب إسرائيل لذلك عملت من أجلها)
ونجد الرئيس الأمريكي بوش الابن يدافع عن اليهود مدافعةً شديدةً، ويصف الفلسطينيين بأنـهم مجرمين وقتلة، ويهيبُ العالم بالوقوف إلى جانب إسرائيل...تصريح في يوم 5/8/2002م، بل إنـه قاد العالم كله لحرب العراق من أجل إسرائيل فقط، وكل الادعاءات التي ساقها لتبرير الحرب كاذبة.
وهذا الرئيس أوباما في 22 مارس 2013:
فى زيارة خاطفة لم يكن لها معنى سوى رغبة جارفة من الإدارة الأمريكية فى دعم نتنياهو وتثبيت حكومته الجديدة . وإعادة الحياة إلى الحلف التركي – الإسرائيلي نجح أوباما فى تحقيق المهمتين دعم مطلق لنتنياهو واعترافا غير مسبوق بالقدس عاصمة لإسرائيل ضارباً بعرض الحائط الحقوق الفلسطينية والمطالب العربية المشروعة .
يقول الفريق سعد الدين الشاذليجاءت أزمة الخليج لتزيد الموقف وضوحاً، ولتفضح المنافقين الذين كانوا يريدون أن يفرقوا بين أمريكا "وإسرائيل" فيدعون أن صداقتهم لأمريكا شيء وعداءهم لإسرائيل شيء آخر . وهذا وهم وخداع لم يعد ينطلي على أحد ، فإما أن يقف الفرد في صف الشعوب العربية الإسلامية، فيجد نفسه بالضرورة في الصف المعادي لأمريكا ، وإما أن يختار أن يقف في صف أمريكا فيجد نفسه بالضرورة في صف إسرائيل أيضاً اعترف بذلك أو أنكر).
ولكن دعنا نتساءل هل تغير شيء ما في الآونة الأخيرة؟ إنه لم يتغير شيء كل ما في الأمر أن الأوراق كشفت ولم يعد بالإمكان ممارسة اللعبة على الطريقة القديمة. فالحقيقة التي لا غبار عليها هي أن ما يسمى إسرائيل هي الولاية الواحدة والخمسون من الولايات المتحدة الأمريكية من أجل ازدهارها ورفاهيتها.
وهي بالنسبة لأمريكا الصهيونية الغاية والوسيلة:غاية لأنها تحقق حلم اليهود بوطنهم القومي ووسيلة لأنها تضبط جيرانها العرب وتلعب دور الشرطي بل دور الشيطان لمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن العرب والمسلمين اليوم لا يواجهون ما يسمى إسرائيل فحسب بل يواجهون ما يسمى إسرائيل وحلفاءها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية الصهيونية. (46)
وفي الختام:
لقد رأينا فيما مضى كيف أخلص بضعة ألاف من الصهاينة لقضيتهم، فعملوا بجد ومثابرة كفريق واحد من أجل هدف محدد، فتمكنوا في النهاية من تحقيق هدفهم من إقامة إسرائيل الصغرى على أرض فلسطين، وتحول شعبهم من الشتات إلى التجمع والاستقرار، وهم الآن حسب بعض المصادر قد بلغ عددهم عام 1967 نحو 13.8 مليوناً في مختلف أنحاء العالم, وفي عام 1982 بلغوا 12.9 مليونًا بنقص بلغ قرابة مليون دون إبادة بل من خلال تناقص طبيعي, وأن عدد اليهود في عام 2008 يصل إلى 13 مليونًا، ومن المتوقع حسب معهد اليهودية المعاصرة التابع للجامعة العبرية في القدس, أن يزيد عددهم بنحو أربعمائة ألف نسمة عام 2010
هذا العدد أو قد يزيد قليلا يسعى الآن لإنشاء إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات في خطوة ثانية نحو حكم وتسيد العالم بناء على عقيدتهم الزائفة، ولو استمر بهم الإخلاص في السعي، واستمر بناء الإنقسام والتشتت فلسوف يتمكنوا من تحقيق أهدافهم.
رأينا فيما مضى كيف تلاعب الإنجليز بزعماء العائلات الفلسطينية، من عائلات الحسيني والنشاشيبي، ثم بزعماء القبائل العربية، فيقربون هذا ويبعدون ذلك، يمنحوا العهود والمواثيق، وفي كل مرة يضربونا ببعضنا البعض حتى يتهربوا من العهود والمواثيق، قربوا الشريف حسين حتى أدى دوره في إعلان ثورة العرب الكبرى أو خيبة العرب الكبرى ضد الدولة العثمانية، فما انتهى دوره قربوا أبناءه فيصل فجعلوه ملكا على العراق ثم الحجاز فلما أدى دوره تخلصوا منه، وتعاونوا ما أخيه عبد الله بن الشريف حسين، ووعدوه بأرض جزيرة العرب، فلما أدى دوره ساعدوا عبد العزيز أل سعود ضده، بعد أن أنجز هو الآخر ما عليه من القضاء على القبائل العربية المناوئة للإنجليز كحكم ابن رشيد.
رأينا كيف أضاع العرب أمجاد أجدادهم ، بعد أن غلبتهم الدنيا فسعى كل زعيم قبيلة إلى قطعة من التراب يُقيم عليها مملكة أو إمارة، تنافسوا في الدنيا، ووضعوا الإسلام خلف ظهورهم وتعاونوا مع الغرب الصليبي أملا في العز والملك، فعاشوا في دروب من الذل لأنهم نسوا أن عز العرب لم يتحقق إلا على يد الإسلام، فإن بحثوا عن العز في غيره أذلهم الله، عاشوا في ذل وخذي وعار رغم أنهم سكنوا القصور بعد الخيام، وتلذذوا بالجواري الحسان، فلهثوا خلف الشهوات، وصاروا أمراء وملوك ولكن كنمر من ورق، أو غصن في مهب الريح لا يملك من أمره شيئا، يتحرك من خلال إشارة بالبنان من الغرب الصهيوني الصليبي، وللأسف على ذات الفلك وذات المنوال يحيى أبنائهم وأحفادهم ومنْ جاء من أصلابهم.
إخواني وبني جلدتي
وسط هذا الركام من الظلام الدامس، والصورة القاتمة من دروب الغدر والخيانة والعار،كان هناك بطل لم يتحالف مع الغرب الصهيوني الصليبي ورضى بحياة النفي وفضلها على أن يبيع دينه ليسكن القصور ليضرب لنا مثلا يحتذي به كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله و هم كذلك " .(47)
إنه الأمير عجمي السعدون (شيخ مشايخ قبائل إمارة المنتفق) الذي وقف في الحرب العالمية الأولى إلى جانب الدولة العثمانية وحارب الإنجليز ما يقارب أربع سنوات 1914-1918 , وفي عام 1915 رفض الأمير عجمي عرض السير برسي كوكس والذي يعده فيه بالحكم وهو العرض الذي مازال أحفاده يحتفظون بوثيقته حتى الآن نصها:
(((إلى شيخ العرب الأمير السعدوني,نبارك النسب الهاشمي في الجزيرة العربية وشجاعة آبائكم وإخوانكم ونقدر موقفكم من الأتراك نعرض عليكم كأمير عربي ونود أن نعلمكم أن الشيخ مبارك أمير الكويت وعبد العزيز أمير أرضه تخلو عن الأتراك وأننا نعرض عليكم أميرا على أرضك لا تضيع الفرص على أهليكم يا شجاع نقدر فيك الموقف نعرض عليك لأنك أحق من غيرك))) (48)
وثيقة رسالة روبرت كوكس للشيخ عجمي السعدون
وبعد رفض العرض واستمرار المعارك حتى خسارة المنتفق الحرب فقد تم مصادرة أغلب أملاك وأراضي آل سعدون. وقد سنت بريطانيا العظمى قانونا لم يطبق إلا في أراضي المنتفق وتقوم بموجبه بمصادرة 92,5% من أراضي أسرة السعدون وتعطيها إلى شيوخ المناطق والقبائل في العراق الذين تعاونوا معهم والذين كانوا سابقا تحت حكم أسرة السعدون وتبقي فقط 7,5% للمالك الأصلي من أسرة السعدون (49)
يقول ماكس فرايهير الألماني
(((كان عجمي أعظم أن لم يكن في الواقع العبقرية العسكرية الوحيدة التي أنجبها العرب خلال الحرب وكانت صفاته تستحق اعترافا أفضل ونجاحا أكبر حظا . وعلى الرغم من أنه كان عدونا لا يمكننا إنكار تقديرنا للطريقة والشكل اللذين استمر فيهما في خدمة قضية خاسرة ولا مستقبل لها على مدى سنوات الحرب في الصحراء , على الجانب الأخر من الفرات , كان دوما سهما في لحمنا وعاملا توجب علينا أن نحسب له حسابا ))).(50)
وقد هاجر الأمير عجمي بعد الحرب إلى تركيا وتم منحه مقاطعة زراعية هناك. يذكر الكاتب فهد المارك, نص الرسالة التي وجهها كمال أتاتورك للأمير عجمي عند قدومه لتركيا , وذلك في الفترة التي سبقت انقلاب أتاتورك على العثمانيين وقد ترجمها للعربية الدكتور أمين رويحة ((( حضرة شيخ مشايخ العراق عجمي باشا . استبشرت بتشريفكم إلى ديار بكر , وكنت قد سمعت عن سجاياكم ورجولتكم وارتباطكم بمقام الخلافة المقدس , .....))) ويكمل المؤلف بعد نص الرسالة ((( وهكذا ذهب البطل ضحية لوفائه حيث خسر زعامته في العراق وأملاكه التي لا تحصى وبقي في تركيا لاجئا ))). (51)
بعد سقوط المنتفق في الحرب العالمية الأولى ذهب الكثير من أبناء الأسرة الحاكمة في المنتفق (آل سعدون) إلى الرياض وقد شارك من قدم منهم - في وقت معارك توحيد المملكة- إلى جانب الملك عبد العزيز في هذه المعارك. وأبناء أسرة آل سعدون في المملكة متزوجون من الأسرة الحاكمة في المملكة (آل سعود) ومن أسر مشايخ القبائل مثل الشعلان شيوخ الرولة من عنزة والعريعر شيوخ بني خالد وغيرهم من أسر المشيخة في القبائل العربية.
والآن أي طريق سيختار قادتنا طريق الأمير عجمي السعدون؟! أم طريق عائلتي الحسيني والنشاشيبي في فلسطين؟! أم طريق الشريف حسين وولديه فيصل وعبد الله؟! أم طريق عبد العزيز أل سعود؟! أرجوا أن نستوعب دروس الماضي وعبرة لنُحسن اختيار القرار في الحاضر.
(2) الخطة الشيطانية:تاسعا: فلسطين ما بين هجرة اليهود وتهويد القدس:الصهيونية: الفصل السادس: بني صهيون
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى