* عظماء في الاسلام : الشعراني - عمر ابن الفارض - احمد الدرديري - المرسي - الشاذلي
صفحة 1 من اصل 1
* عظماء في الاسلام : الشعراني - عمر ابن الفارض - احمد الدرديري - المرسي - الشاذلي
الامام الشعراني
- مولده و نشأته:
ولد الشعراني علي أصح الروايات و أشهرها في السابع و العشرين من شهر رمضان سنة ثمان و تسعين و ثمانمائة ق. ببلدة قلقشندة، و هي قرية جده لأمه، ثم انتقل بعد أربعين يوماً من مولده إلي قرية أبيه ـ ساقية أبي شعرة ـ و إليها ينتسب، فلقب بالشعراني، و عرف بهذا اللقب و اشتهر به، و إن كان قد سمي نفسه في مؤلفاته بالشعراوي.
توفي والده قبل أن يبلغ العاشرة فنشأ يتيماً من الأبوين، و كان الله وحده ـ كما يقول ـ هو نصيره و وليه.
حفظ القرآن الكريم و هو في التميز، و كان مواظباً علي الصلوات الخمس في أوقاتها منذ كان عمره ثمان سنوات. و قد هاجر من الريف إلي مصر لقراءة العلم فحفظ الآجرومية و متون العلم علي يد أخيه الشيخ عبدالقادر.
اضطرب رجال التاريخ في الحديث عن طفولته و نشأته، فبعض المستشرقين «كرويمر و نيكلسون» ذهب إلي أنه اشتغل في مطلع حياته بالنسيج كما تذكر ذلك دائرة المعارف الإسلامية، ولكن المستشرق «فولز» يرد علي هذا القول بقوله: «إن حياة الشعراني كانت زاخرة دائما بالعبادة، حافلة بالتعليم، فلم يكن من الميسور أن يجد و قتا لينجز فيه عملا». و يؤكد هذا الإمام الشعراني نفسه مجيبا عن هذا الموضوع من خلال كتابه «لطائف المنن و الأخلاق»: إن من منن الله علي أنه لم يكن هناك عوائق تعيقني عن طلب العلم و العبادة منذ طفولتي، و كانت القناعة من الدنيا باليسير سداي و لحمتي، و هذه القناعة أغنتني عن الوقوع في الذل لأحد من أبناء الدنيا، و لم يقع لي أنني باشرت حرفة و لا وظيفة لها معلوم دنيوي منذ بلغت، و لم يزل الحقيرزقني من حيث لا أحتسب إلي وقتي هذا.
و عن تاريخ حضوره إلي القاهرة، و مقامه بالمسجد الغمري، يقص علينا بأسلوبه الأخاذ ذلك فيقول: «… ، و كان مجيئي إلي القاهرة افتتاح سنة عشر و تسعمائة و عمري إذ ذاك اثنتا عشرة سنة، فأقمت في جامع سيدي أبي العباس الغمري، و حنن الله علي شيخ الجامع و أولاده فمكثت بينهم كأني واحد منهم، آكل مما يأكلون، و ألبس مما يلبسون، أقمت عندهم حتي حفظت متون الكتب الشرعية و آلاتها علي الأشياخ».
و لبث في مسجد الغمري يعلم و يتعلم، و يتهجد و يتعبد سبعة عشر عاما. ثم انتقل إلي مدرسة أم خوند، و في تلك المدرسة بزغ نجمه و تألق.
2ـ أساتذته و شيوخه:
ظل الإمام الشعراني تحت ظلال المساجد طالبا للعلم و العبادة، باحثا عمن يأخذه بيده إلي العلم و العمل، مجاهدا في سبيل الكمال العلمي و الخلقي.
و منذ يومه الأول بالقاهرة اتصل بصفوة علمائها كجلال الدين السيوطي و زكريا الأنصاري و ناصرالدين اللقاني و شهاب الدين الرملي و السمانودي و أضرابهم.
و قد أفاض في ذكر أساتذته في كتبه كما أفاض في ذكر إجلالهم و تعظيمهم و الثناء عليهم و حبهم له. يقول في كتابه «لطائف المنن و الأخلاق»: «و ممن كان يبالغ في محبتي و يمنحني الفوائد و التكسب من العلوم لمكان أدبي معه شيخ الإسلام زكريا، و كان يقول لي: و الله إني أود أن لو أسقيك جميع ما عندي من العلوم في مجلس واحد، و كذلك الشيخ نورالدين المحلي، و الشيخ أمين الدين الإمام بجامع الغمري، و الشيخ عبدالحق السنباطي، و الشيخ برهان الدين بن أبي شريف، و الشيخ شمس الدين السمانودي، و الشيخ شهاب الدين الرملي، فكانوا كلهم يحبونني». لقد أدرك الإمام الشعراني نحو سبعين شيخا مربيا. يقول: «و قد أدركنا بحمدالله جملة من أشياخ الطريق أول هذا القرن، و كانو علي قدم عظيم في العبادة و النسك و الورع و الخشية و كف الجوارح الظاهرة و الباطنة عن الآثام حتي لاتجد أحدهم قط يعمل شيئا يكتبه كاتب الشمال، و كان للطريق حرمة و هيبة». و عن آخر شيخ أدركه و هو علي المرصفي يقول: «و كان آخر الأشياخ الذين أدركناهم سيدي الشيخ علي المرصفي، فلما توفي في جمادي الأولي سنة ثلاثين و تسعمائة، انحل نظام الطريق في مصر و قراها، و جلس كثير للمشيخة بأنفسهم من غير إذن من أشياخهم، فلا حول و لا قوة إلا بالله العظيم».[1]
كان الإمام الشعراني كثير المطالعة لكتب الشريعة و آلاتها من تفسير و حديث و أصول و فقه و تصوف، اطلع علي كتب المذاهب الثلاثة و مذهبه الشافعي، يقول في «لطائف المنن و الأخلاق»: … ثم مطالعتي لكتب مذاهب الأئمة الثلاثة زيادة علي مذهبي لأتحرز من مخالفة الأئمة في أعمالي كلها و بكون عملي موافقا لهم حسب الطاقة. ثم كثرة توجيهي و تقريري لمذاهب المجتهدين حين تبحرت في العلم حتي كأني واحد من أمهر فحول مقلدي ذلك المذهب».
إذن علي يد هؤلاء الأعلام درس العلوم الإنسانية و الثقافة بشتي فنونها في التفسير و الحديث و الأدب و الأصول و الفقه و التصوف و اللغة… حتي غدا لايتصور أحد من معاصريه أحاط بما أحاط به علما، أو تخلق بما تخلق به عملا.
و مع هذه الدراسة الشاملة كان يتطلع دائما إلي سلوك الطريق المضيء، الطريق الصاعد إلي الله، المتقرب من حضرته العلية، طريق التصوف كما رسمه شيوخه و تذوقه سالكوه.
3ـ تصوفه:
كان صوفيا في منهجه الذي ارتضاه و أخذ نفسه به طول حياته. يقول في المنن: «إن من منن الله علي أن ألهمني مجاهدة نفسي من غير شيخ منذ طفولتي» و مع ذلك كان ينشد الشيخ الذائق الواصل صاحب البصيرة ليعينه علي اختصار الطريق، و علي إزالة عقبة النفس الخفية.
لقد بحث طويلا عن ضالته إذ كان يتصل بشيوخ التصوف يلتمس عندهم المفاتيح و الأبواب ـ كما يقول ـ فلم يجد عند أحد منهم أمله. يقول: «و لقد اجتمعت بخلائق لاتحصي من أهل الطريق ألتمس لديهم المفاتيح و الأبواب فلم يكن لي وديعة عند أحد منهم».
و أخيرا يجد داله على الله الشيخ سيدي على الخواص. لقد فتح الله علي الشعراني بلقائه و اجتماعه به. و لقد كان سيدي علي الخواص أميا و الشعراني عالما.
و نجد سيدي عبد الوهاب الشعراني يصف شيخه بأبلغ الأوصاف و أدقها فيقول في هذا الصدد: «رجل غلب عليه الخفاء فلا يكاد يعرفه بالولاية و العلم إلا العلماء العاملون لأنه رجل كامل عندنا بلاشك و الكامل أذا بلغ مقام الكمال في العرفان صار غريبا في الأكوان».
و يتحدث عن بحار علوم شيخه و عما بلغه من العلوم علي يده فيقول:
«و كانت مجاهدتي علي يد سيدي علي الخواص كثيرة و متنوعة، منها أنه أمرني أول اجتماعي به ببيع جميع كتبي و التصدق بثمنها علي الفقراء ففعلت! و كانت كتبا نفيسة مما يساوي عادة ثمنا كثيرا فبعتها و تصدقت بثمنها، فصار عندي التفات إليها لكثرة تعبي فيها و كتابة الحواشي و التعليقات عليها، حتي صرت كأنني سلبت العلم فقال لي: اعمل علي قطع التفاتك إليها بكثرة ذكر، فإنهم قالوا: «ملتفت لايصل» فعملت علي قطع الالتفات إليها حتي خلصت بحمدالله من ذلك، ثم أمرني بالعزلة عن الناس حتي صفا وقتي. و كنت أهرب من الناس و أري نفسي خيرا منهم فقال لي: اعمل علي قطع أنك خير منهم، فجاهدت نفسي حتي صرت أري أرذلهم خيرا مني، ثم أمرني بالاختلاط بهم و الصبر علي أرذلهم و عدم مقابلتهم بالمثل، فعملت علي ذلك حتي قطعته، فرأيت نفسي حينئذ أنني صرت أفضل مقاما منهم، فقال لي اعمل علي قطع ذلك فعملت حتي قطعته. ثم أمرني بالاشتغال بذكر الله سرا و علانية و الانقطاع إليه، و كل خاطر خطر لي مما سوي الله صرفته عن خاطري فورا فمكثت علي ذلك عدة أشهر».
و بهذا أصبح الشعراني إمام عصره، ذوقا و علما، و غدا قطبا تدور حوله الأحاديث. لقد أسس زاوية يلتقي فيها طلاب العلوم الشرعية مع أذواق و أشواق، و غدت زاويته من أكبر منارات العلوم و الثقافة و التوجيه في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، ملجأ للعلماء و الأدباء، و منبرا للدعوة و الإرشاد، و ساحة للذكر و العبادة، و ملاذا لطلاب العلم و الذوق، و ملجأ لأصحاب الحاجات و الشفاعات.
لقد تخلق بخلق القوم أهل التصوف و تأدب بأدبهم و أخذ نفسه بكل ما كتب و سطر في كتبه، فكان خلقه صورة رسالته، و كان المدافع الأول عن الشعب في وجه الطغاة من الولاة، و كان يشارك المسلمين في أحزانهم و آلامهم، و هو لايري الإنسان إنسانا إلا إذا شارك الناس أحزانهم و آلامهم؛ يقول: «من ضحك أو استمتع بزوجه أو لبس مبخرا أو ذهب إلي مواضع المنتزهات أيام نزول البلاء علي المسلمين فهو و البهائم سواء». ثم يقول واصفا خلقه و سلوكه:«… ثم غيرتي علي أذني أن تسمع زورا، و عيني أن تنظر محرما، و لساني أن يتكلم باطلا». و يقول أيضا: «مما أنعم الله به علي عدم خروجي من بيتي إلا إذا علمت من نفسي القدرة بإذن الله علي هذه الثلاث خصال، تحمل الأذي عن الناس، و تحمل الأذي منهم، و جلب الراحة لهم».
و مازال يتحدث عن نفسه مما وفقه الله إليه من علم و عمل فيقول: «مما أنعم الله علي به تقديم الأهم فالمهم من المأمورات الشرعية من حيث كنت صغيرا إلي وقتي هذا، و لذلك لم أعول قط على علم من غير عمل، و لا على نافلة قبل العمل على إكمال الفريضة الكمال النسبي الذي يصل إليه أمثالنا و قد قالوا: «من اشتغل بالنوافل عن الفرائض فهو أحمق».
و رغم هذه القيم و الأخلاق التي من الله بها عليه فإنه لايركن إلي نفسه و لايزكيها مستندا إلي وصية الجيلي، يقول: «و مما أنعم الله تبارك و تعالي به علي، عدم استبعادي علي نفسي وقوعها في الكبائر فضلا عن الصغائر، و لو صارت يقتدي بها في مثل هذا الزمان المبارك. فإن من وصية سيدي عبد القادر الجيلي، إياك أن تستبعد وقوعك في أكبر الكبائر و لو توالت عليك المراقبة لله آناء الليل و أطراف النهار، لأن باب العصمة مسدود علي غير الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و كمل اتباعهم علي الصحيح، فلا أمان لنا مادمنا في هذه الدار، و قد أغوي إبليس خلقا كثيرا حيث ظنوا بأنفسهم الخير و وقعوا في أكبر الفواحش و بعضهم أوقعه في عمل الزغل و شنقوه أو نفوه»[2].
4ـعلوم الشعراني و مصنفاته:
ألف الإمام الشعراني في كل أفق من آفاق المعرفة العلمية و الذوقية، فكتب في التفسير و الحديث و الفقه و التصوف و النحو و الطب و الكيمياء و غيرها من ألوان العلوم و المعارف.
و قد استغرقت بعض كتبه خمسة مجلدات و وقع الكثير منها في مجلدين. و أكثرها موجود في دور الكتب. و قد أحصي المستشرق بركلمان أكثر من ستين محفوظة في دور العلم العالمية. يقول الشعراني في هذا الصدد: «و مما من الله تبارك و تعالي به علي تأليفي كتبا كثيرة في الشريعة، و غالبها ابتكرته و لم أسبق إليه، و ذلك ككتاب البحر المورود في المواثيق و العهود، و كتاب كشف الغمة عن جميع الأمة، جمعت فيه أدلة المذاهب الأربعة من غير عزو إلي من خرجها من الحفاظ، ثم صنفت بعده كتاب المنهج المبين في بيان أدلة المجتهدين، عزوت فيه كل حديث إلي من رواه، فكان كالتخريج لأحاديث كتاب كشف الغمة، و كتاب البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير، و كتاب مشارف الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية… ، و كتاب قواعد الصوفية، و كتاب مختصر قواعد الزركشي، و كتاب منهاج الوصول إلي علم الأصول، و كتاب اليواقيت و الجواهر في بيان عقائد الكبائر، و كتاب الجوهر المصون في علوم كتاب الله المكنون، و كتاب طبقات الصوفية، و كتاب مفحم الأكباد في بيان مواد الاجتهاد، و كتاب لوائح الخذلان علي كل من لم يعمل بالقرآن، و كتاب حد الحسام علي من أوجب العمل بالإلهام، و كتاب التتبع و الفحص علي حكم الإلهام إذا خالف النص، و كتاب البروق الخواطف لبصر من عمل بالهواتف، و كتاب كشف الحجاب و الران عن وجه أسئلة الجان، و كتاب فرائد القلائد في علم العقائد، و كتاب الجواهر و الدرر، جمعت فيه ماسمعت من العلوم و الأسرار من سيدي علي الخواص رحمه الله تعالي، و كتاب الكبريت الأحمر في بيان علوم الكشف الأكبر، و كتاب الاقتباس في علم القياس، و كتاب تنبيه المغتربين في القرن العاشر علي ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر، و غير ذلك مما سارت به الركبان إلي بلاد التكرو.
نبذة عن رسالة الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية:
ألف الشعراني هذا الكتاب بعد كتابه الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية. و قد كتبه في أواخر حياته، و جاء صورة كاملة لمجاهداته و أذواقه و علومه، فهو أحد كتب التربية الصوفية رسم فيه صاحبه آداب الطريق، و عقباته و مزالقه و فتوحاته، و حشد فيه مجموعة طيبة من أقوال و آراء كبار رجال التربية الصوفية كإبراهيم الدسوقي، و علي وافا، و علي المرصفي، و الإمام القشيري، و محمد الشناوي، و محمد الغمري، و إبراهيم المتولي. وانتهي من تأليفه في عشري ذي الحجة الحرام سنة إحدي و ستين و تسعمائة بمصر المحروسة.
و عن سبب تأليفه لرسالته هاته قال في المقدمة: «و كان من الباعث لي علي تأليف هذه الرسالة طلب النصح لنفسي و لإخواني حيث تحلينا بخلال الأشياخ و مشينا علي مراسمهم الطاهرة، و ظن كل واحد منا نفسه أنه صار من أشياخ الطريق، فوضعت هذه الرسالة كالميزان التي يوزن بها المحق و المبطل، فمن وافق حاله ما فيها فليحمدالله، و إلا فليستغفر من دعاويه الكاذبة».
و قد افتتح رسالته بمبحث تحت عنوان «سند التلقين الصوفي» بين فيه سند القوم في تلقينهم لمريديهم الذكر، و عززه بأحاديث عن رسول الله، ثم بمبحث آخر يتعلق بآذاب الذكر. يقول في الصفحة 34 و ما بعدها: «و أما بيان آداب الذكر و بيان ثمرة التلقين فاعلم يا أخي: أن كل عبادة خلت من الآداب فهي قليلة الجدوي، و أجمع الأشياخ أن العبد يصل بعبادته إلي حصول الثواب، و دخول الجنة، و لايصل إلي حضرة ربه، إلا إن صحبه الأدب في تلك العبادة…»، و يستشهد لذلك بأحاديث قدسية، ثم يلخص آداب الذكر في عشرين إدبا أجمع عليها الشيوخ، خمسة منها سابقة علي الذكر، و اثنا عشر حال الذكر، و ثلاثة بعد الفراغ من الذكر.
كما يؤكد أن فوائد الذكر لاتحصر لأن الذاكر يصير جليس الله. و بعد استشهاده بأحاديث المصطفييستعين ببعض أقوال الشيوخ كذي النون المصري و الكتاني، يقول: «و كان الكتاني يقول: من شرط الذكر أن يصحبه الإجلال لله و التعظيم له و إلا لم يفلح صاحبه في مقامات الرجال، و كان يقول: و الله لو لا أنهفرض علي ذكره لما تجرأت أن أذكره إجلالا له، مثلي يذكر الحقو لم يغسل فمه بألف ثوبة مما سواه قبل ذكره».
و بالذكر تعالج النفس و تتحلي بالأخلاق الحميدة. «و من شأن العبد مكابدة خواطره و معالجة أخلاقه و نفي الغفلة عن قلبه بمداومة الذكر، و من شأنه أن يحث إخوانه علي دوام الحمية في الأبدان و القلوب و النفوس و ذلك بترك المخالفات و عدم الركون إلي الأغيار و ترك الدعاوي فإن من وقع في واحدة من هذه الخصال و لم يحجم عنها فهو معدود من رعاع الناس و أراذلهم، فكما أن قلوب من يحتمي تكون معمورة بذكر الله كذلك يكون قلب من لايحتمي محلا للغفلة و الوسواس».[/color]
و عن آداب المريد يقول: «اعلم يا أخي أن جميع آداب المريد يعسر حصرها و ضبطها في عبارة علي وجه التفصيل، و لكن نذكر لها طرفا من ذلك علي أن وظيفة الشيخ أنه يستخرج للمريد ما هو كامن فيه لاغير، فإن اللهقد بث في كل روح جميع مايتعلق بصاحبها من المحامد و المزايا، فما من أمر أمره به شيخه أو نهاه عنه إلا و هو كامن في روحه، و ليس مع الشيخ شيء يعطيه للمريد خارجا عنه، فإن حكم المريد في ابتداء أمره، حكم النواة الكامنة فيها النخلة التي هي هنا عبارة عن الصدق في الطريق أو الكذب فيها، و من أدبه ألا يكثر الكلام إلا لضرورة، و من شأنه أن لايتكلم و لايسكت إلا بضرورة أو لحاجة شرعية، أو سد باب الكلام اللغو جملة، و قد عدوا قلة الكلام أحد أركان الرياضة».[3] و كان بشربن الحارث يقول: «إذا أعجبك الكلام فاسكت، و أذا أعجبك السكوت فتكلم، فإن في الكلام حظ النفس و إظهار صفات المدح».[4]
و الطريقة التي ينتمي إليها الإمام الشعراني مبنية علي أسس متينة و مشيدة بالكتاب و السنة. يقول في كتابه الطبقات الكبري المسمي بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار: «إن طريق القوم مشيدة بالكتاب و السنة، و إنها مبنية علي سلوك أخلاق الأنبياء و الأصفياء و بيان أنها لاتكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لاغير، و أما إذا لم تخالف فغاية الكلام أنه فهم أوتيه رجل مسلم فمن شاء فليعمل به و من شاء تركه … و أركانها أربعة: الجوع و العزلة و الصمت و السهر، و مازاد علي هذه الأربعة فهو من التوابع، و قالوا: «من ضيع الأصول حرم الوصول».
و يقول أيضا في هذا الصدد: «إن من شرط من يطلب طريق القوم أن يكون متضلعا من علوم الشريعة المطهرة حتي لايصير عنده التفات الي غير الطريق التي سلكها و ان طريق القوم محررة علي الكتاب و السنة، تحرير الذهب و الجوهر، فمن لم يكن من أكابر العلماء لايفلح فيها، لأن له في كل حركة و سكون ميزانا شرعيا يجب عليه عمله قبل الفعل و الله أعلم».
و عند الإمام الشعراني أن المريد قبل أن يدخل الطريق ينبغي أن يتفقه في دينه لأن الفقه مفتاح الطريق، يقول: «و من هنا قالوا للمريد تفقه في دينك أولا ثم تعال ادخل الطريق و ذلك ليقل التفاته إلي غير الطريق… و من شأنه يخرج من خلاف العلماء إلي وفاقهم ما أمكن، مبادرة منه علي وقوع عباداته صحيحة علي جميع المذاهب أو أكثرها، فإن رخص الشريعة إنما جعلت للضعفاء و أصحاب الضرورات و الأشغال…».
و إذا تساءلنا لماذا لمم يتخذ أهل العصر الأول شيوخا؟ أجاب الشعراني: «و كان أهل العصر الأول لقلة أمراضهم و عللهم لايحتاجون إلي شيخ، فلما ذهبوا و حدثت الأمراض احتاج الفقيه إلي شيخ ضرورة ليسهل عليه طريق العمل بما علم»
سلطان العاشقين عمر بن الفارض
هو عمر ابن الفارض حموي الأصل، ولد في القاهرة سنة (1181م)، نشأ في كنف والديه في عفاف وصيانة وتزهد، واشتغل بالفقه الشافعي، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم انحاز إلى التصوف، فاعتزل الناس عدة سنوات، وانفرد للعبادة والتأمل والتجرد، ولما توفي والده قصد مكة، وأقام فيها خمس عشرة سنة، فنضجت شاعريته وكملت مواهبه الروحية.
فعاد الى مصر فاحتفل الناس به احتفالا عظيما، وأكرموه على اختلاف طبقاتهم إكراما جزيلا، حتى روي أن الملك الكامل نفسه كان ينزل لزيارته بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر. وقد توفي في القاهرة سنة 1237م,وفن ابن الفارض في الحب فن الشاعر الذي اضطرم فيه الحب اضطراما حتى أذهله أحيانا، وقد أراد التعبير عن ذلك الحب والإفصاح عما يجول في نفسه منه، فكان كلامه شعرا تضيق بحوره، وقوافيه عن اندفاع الحب وثورته، وتقصر الألفاظ عن تصوير حقيقته، ويحاول أن يحمل اللفظ مثل ما يحمل المعنى، فيحشر فيه وجوه البديع من جناس وطباق، ويغالي في ذلك مغالاة قلما وصل إليها شاعر، ويعمد إلى التصغير فيكثر منه كما يعمد إلى أساليب الوجدان من مناجاة ومناداة.
ان ابن الفارض شاعر سامي الروح، صادق العاطفة، متدفق المعاني، جمع من الموسيقا الشعرية، وعذوبة الكلام الشيء الكثير، وإن لم يخل شعره من ثقل وغموض بسبب الصنعة التي انتشرت في عصره انتشارا شديدا فتسربت إلى الشعر بنزعة من التقليد.
لا تزال أشعار الشاعر العباسي عمر بن الفارض موضع اختلاف في تفسير ماهية الحب الذي قصده، فمن قراء ديوان شعره من فهموا معانيه على ظاهر لفظه، وادعوا أن حب ابن الفارض أرضي مادي، وأن غزله كغزل أبي نواس وغيره، ومنهم من تفهموا معاني غزله الحقيقية، ووقفوا على أسرار نفس صاحبه المتجردة، ففسروه تفسيراً صوفياً. حتى دعي ابن الفارض (سلطان العاشقين) إلا أن حبه هو ذلك الحب الرفيع الذي يسمو على المادة وينفلت من قيودها للحاق بمبدع الجمال، وينبوع كل بهاء، ولابن الفارض مذهب خاص في الحب كما له فيه انصراف شديد الوطأة على نفسه، وهو أن يستسلم الإنسان للحب الإلهي استسلاماً كاملاً، وأن يتلاشى فيه، فإن الموت فيه حياة، والتلاشي نعيم وسعادة.
وابن الفارض يريد أيضا أن يخلع المرء الحياة في اتباع ذلك الحب السامي، فهو لا يخفي أنه قتال وأن "أوله سقم وآخره قتل". هذا القتل هو أن تحلل إرادة المحب في إرادة المحبوب، وأن ينوب المحب في حقيقة المحبوب. وحبه ليس له مثل، كما أنه ليس لمحبوبه مثل، وليس له بعد، ولا قبل، وهو حب سخي، وقد استولى على كل جوارح روح صاحبه، فأسعده من حيث أشقاه وعذبه.
وفي ديوان ابن الفارض مقطوعات كثيرة. وقد تغنى فيها الشاعر بخمرة الوحدة الإلهية، وبالسكر الروحي! وقد ضمنها الشاعر تجاربه الصوفية فكانت نشيدا من أناشيد الوجد الصوفي، وتمثيلا للعراك المستمر بين الثنائية الضدية الصلاح والشر، والفوز النهائي بمشاهدة الجمال المطلق، جمال الخالق الذي يتجلى في كل ما هو جميل في الطبيعة وكذا في الإنسان
سيدي أحمد الدرديري
الإمام العالم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدرديري
الإمام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ أهل الإسلام وبركة الأنام الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدرديري ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع الأولية عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل درسه حتى أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتية من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الأخلاق
وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلًا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الأخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول الوفائية: يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم.
وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الاستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريفة اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل الخلائق والتوجه الأسنى بنظم الأسماء الحسنى.
ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحًا على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك الآية وله غير ذلك.
ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخًا على المالكية ومفتيًا وناظرًا على وقف الصعايدة وشيخًا على طائفة الرواق بل شيخًا على أهل مصر بأسرها في وقته حسًا ومعنى.
فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله في السعي على الخير يد بضياء تعلل أيامًا ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها أرسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الأضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغًا وللشيخ المترجم قدرًا معينًا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفد ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم يتمكن من ذلك فقال: والله هذا لا يجوز وكيف أننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي.
فأعطاه ذلك ولما رجع رسول أبيه أخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة أمثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقي ودفن بها رحمه الله ولم يخلف بعده مثله.)
سيدي أبو العباس المرسي
رضي الله عنه
نسبه
هو سيدي أحمد بن عمر الأنصاري المرسي الشاذلي المالكي المرشد المربي العارف بالله قطب الزمان وارث سر سيدي أبي الحسن الشاذلي وخليفته رضي الله عنهما.
اشتهر بكنيته أبو العباس وبلقبه المرسي نسبة إلى بلدة مرسية التي ولد فيها سنة 616 هجرية.
سلوكه
تلقى سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه التصوف على يد شيخه الصوفي الأشهر سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه الذي التقى به سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه في تونس في سنة 640 هجرية، بعدما تزوَّد بعلوم عصره كالفقه والتفسير والحديث والمنطق والفلسفة، وجاء أوان دخوله في الطريق الصوفي وتلقيه تاج العلوم : التصوف. وصحَّت صحبة سيدي أبى العباس رضي الله عنه لشيخه الشاذلي، وصار من بعده إماماً للطريقة الشاذلية، وكان قبلها قد تزوَّج بابنة شيخه. ومن المأثورات المروية عن سيدي أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه، الدالة على المكانة الروحية لتلميذه سيدي أبى العباس رضي الله عنه قوله: يا أَبَا العبَاَّسِ ؛ واللهِ ما صَحَبْتُكَ إِلاَّ لِتَكُـــونَ أَنْتَ أَنَـــا ، وأَنـَـا أَنْتَ .. يا أَبـَــا العَبَّـــاسِ؛ فِيكَ مَا فِى الأَوْلِيَاءِ، وَليْسَ فِى الأَوْليَاءِ مَا فِيكَ.
ومن مأثورات سيدي أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه التي اشتهرت بين الصوفية، عبر مئات السنين ، قوله: أبُو العبَّاسِ مُنْذُ نَفــَــذَ إِلى اللهِ لَمْ يُحْجَبْ، وَلَوْ طَلَبَ الحِجَابَ لَمْ يجـِــدْهُ.. وأَبُو العبَّاسِ بِطُرُقِ السَّمَاءِ، أَعْلَمُ مِنـْـهُ بِطُرُقِ الأَرْضِ!
كان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول مفتخراً بسيدي أبو العباس يأتي الأعرابي إليه يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله . يقول سيدي أبو العباس مفتخراً ومتحدثاً بنعمة الله عليه والله لو حجبت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عيناي طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين . كان يقول رضي الله عنه والله ما سار الأولياء من قاف إلى قاف حتى يلقوا واحداً مثلنا فإذا رأوه كان يغنيهم . وكان يقول رضي الله عنه شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه فكان رضي الله عنه يتكلم في سائر العلوم وكل اللغات والألسن وكان لا يتحدث إلا في العقل الأكبر والاسم الأعظم والأسماء والحروف ودوائر الأولياء والمقامات والمقربين من العرش وعلوم الأسرار . وكان يقول رضي الله عنه وهو يمسك بلحيته ويقول لو علم علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو على وجوههم . وكان يقول رضي الله عنه والله ما دخل بطني حرام أبداً وكان له ستون عرقا ينفض ويضطرب إذا اقتربت يده من طعام فيه شبهة وكان النور يتلألأ من بين أصابعه .
مُقامه في الاسكندرية
وفى سنة 642 هجرية، وصل سيدي أبو العباس رضي الله عنه مع شيخه الشاذلى قدس الله سره إلى الإسكندرية، واستقرا بحى كوم الدِّكة. وبلغ من زهده أنه أقام بالاسكندرية ستاً وثلاثين سنة ما رأى وجه واليها ولا أرسل إليه وطلبه الوالي للاجتماع فأبى . قال رضي الله عنه أطلعني الله عز وجل على الملائكة ساجدة لآدم عليه السلام فأخذت قسطي من ذلك ثم أشد يقول
ذاب رسمي وصح صدق فنائي وتجلت للسر شمس سمائي
و تنزّلت في العوالم أبدي ما انطوى في الصفات بعد صفائي
تولَّى سيدي أبو العباس رضي الله عنه مشيخة الطريقة الشاذلية بعد وفاة سيدي أبى الحسن الشاذلى رحمه الله سنة 656 هجرية وكان عمره آنذاك أربعين سنة. وظلَّ يحمل لواء العلم والتصوف حتى وفاته 686 هجرية، بعد أن قضى أربعةً وأربعين عاماً فى الإسكندرية ، سطع خلالها نجم الطريقة الشاذلية فى الآفاق.
وفاته رحمه الله
كانت وفاته رحمه الله سنة 680 هـ عند وفاته ، دُفن سيدي أبو العباس رحمه الله فى الموضع الذى يحتله اليوم مسجده الكبير بالإسكندرية . وكان هذا الموضع وقت وفاته، جبانةً يُدفن فيها الأولياء. وقد أُقيم سنة 706 هجرية بناءً على مدفنه؛ ليتَميَّز عن بقية القبور من حوله، فصار البناءُ مزاراً،ثم صار مسجداً صغيراً بناه زين الدين القَطَّان وأوقف عليه أوقافاً؛ وأُعيد بناء المسجد وتم ترميمه وتوسيعه سنة 1189 هجرية.
سيدي أبو الحسن الشاذلي
الشيخ الكبير والغوث الشهير المربي المرشد الكامل شيخ الطريقة الشاذلية وإمامها سيدي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي يصل نسبه إلى سيدنا عبد الله بن الحسن المثنى بن سيدنا الحسن رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم بن سيدنا علي رضي الله عنه وسيدتنا فاطمة البتول رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الإمام البوصيري رضي الله عنه صاحب البردة في مدح سيدي أبي الحسن رضي الله عنه
أما الإمام الشاذلي طريقه في الفضل واضحة لعين المهتدي
قطب الزمان وغوثه وإمامه عين الوجود لسان سرّ الموجدي
ساد الرجال فقصّرت عن شأوه همم المآرب للعلى والسؤدد
فتلقّ ما يلقي أليك فنطقه نطق بروح القــدس أي مؤيد
ولادته ومنشؤه وطلبه للعلم
ولد رضي الله عنه سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بقبيلة الأخماس الغمارية وببلدته نشأ وحفظ القرآن وطلب العلم ورحل لفاس فقرأ على كبار علماء وقته حتى أصبح من كبار العلماء بحيث كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة ، ثم تاقت نفسه لعبادة الله عز و جل فتزهد وتنسك وجاهد نفسه وراضها صياماً وقياماً وتلاوة وذكراً وساح وجال ولزم الخلوة والانقطاع عن الناس , أخذ أولاً الطريقة على وجه التبرك بفاس عن الشيخ ولي الله سيدي محمد بن حرا زم بن سيدي علي بن حرازم
بحثه عن المرشد الكامل
ثم جعل يطلب القطب فبلغ به المطاف إلى العراق فاجتمع بالعارف بالله أبي الفتح الواسطي فقال له تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك فرجع إلى المغرب فوصف له وليّ هناك وكان برأس الجبل فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلاً وكان الشيخ سيدي عبد السلام بن مشيش فأفاض الشيخ عليه من العلوم مما لا يحصيه مخلوق وأخبره بما سيحدث له وأنه سوف يؤذى في الله وسيتكلم عليه الناس فتركه وتوجه إلى الديار الشرقية فمر في طريقه على تونس وأقام بها مدة في شاذلة حيث نسب إليها
معاناته والفتنة التي حدثت له
ولما شاع أمره وذاع سيطه في بلاد المغرب وأصبح عارفاً بالله وتصدّر للإرشاد تكالب عليه الأعداء والحسدة من كل جانب ورموه بالعظائم وبلغوا في أذيته حتى منعوا الناس من مجالسته وقالوا إنه زنديق ولما أراد السفر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات : إنه سيقدم عليكم من مصر مغربي من الزنادقة أخرجناه من بلادنا حين أتلف عقائد المسلمين وإياكم أن يخدعكم بحلاوة منطقه فإنه من كبار الملحدين ومعه استخدامات من الجن فما وصل الشيخ إلى مدينة الإسكندرية حتى وجد الخبر بذلك سابقاً على مقدمه فقال حسبنا الله ونعم الوكيل فبالغ أهل الإسكندرية في إيذائه ثم رفعوا أمره إلى سلطان مصر وأخرجوا له مراسيم فيها ما يباح به دم الشيخ فمد يده إلى سلطان المغرب وأتى منه بمراسيم تناقض ذلك فيها من التعظيم والتبجيل ما لا يوصف فتحير السلطان وقال العمل بهذا أولى وأكرمه ورده إلى الإسكندرية مكرماً
معاصروه وتلامذته
لقد عاصر سيدي أبا الحسن عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين كانوا تلاميذ له أيضاً يحضرون درسه ويمشون بين يديه من هؤلاء
1 - ابن الحاجب فقيه مالكي واسمه عثمان بن عمر نشأ بالقاهرة وسكن دمشق وتوفي بالإسكندرية عام 646 ه
2 - العز ابن عبد السلام سلطان العلماء الفقيه الشافعي الذي بلغ رتبة الاجتهاد نشأ في دمشق ونقم على حاكمها فخرج منها قاصداً مصر لتجمعه الأقدار مع قطب الزمان سيدي أبي الحسن رضي الله عنه الذي لما سمع كلامه خرج من مجلسه قائلاً اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد بالله توفي رحمه الله بالقاهرة
3 - ابن دقيق العيد الذي انتهت إليه رئاسة الفتوى في المذهب الشافعي توفي بالقاهرة وقبره هناك
4 - عبد العظيم المنذري الحافظ الكبير الذي تولى مشيخة دار الحديث في القاهرة صاحب كتاب الترغيب والترهيب توفي بالقاهرة عام 656
5 - ابن الصلاح عثمان ابن عبد الرحمن أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه صاحب كتاب أنواع علم الحديث الذي عرف بمقدمة ابن الصلاح
وأما تلاميذه الذين سلكوا على يديه فأكثر من أن يحصوا فلقد هوت أفئدة أهل مصر إليه وكان له عدة تلاميذ حملوا عنه الدعوة إلى الدين من هؤلاء :
سيدي أبو العباس المرسي صاحب سره رضي الله عنه دفين الإسكندرية ذو الحال العجيب والوجه الصبوح الذي باهى به شيخه سيدي أبو الحسن الشاذلي عليكم بأبي العباس يأتي إليه الأعرابي يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله توفي سنة 686 ولو لم يوجد غيره لكفى
أقواله
عليك بالاستغفار ولو لم يكن هنالك ذنب فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله وهو المعصوم عن الخطأ فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب والذنب
إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف فإن الله عز وجل قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في الكشف ولا ينبغي العمل بالكشف إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة
إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فاثبت
إذا كثرت عليك الوساوس فقل سبحان الملك الخلاق{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } .
لا تجد الروح والمدد ولا يصح لك مقام الرجال حتى لا يبقى في قلبك تعلق بعلمك ولا جدك ولا اجتهادك وتيأّس من الكل دون الله عز وجل .
لا تشم رائحة الولاية وأنت غير زاهد في الدنيا وأهلها
أسباب القبض ثلاثة ذنب أحدثته أو دنيا ذهبت عنك أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك
من دلك على المعبود فقد أراحك ومن دلك على العبادة فقد أتعبك والشيخ من دلك على الراحة لا من دلك على التعب
من أراد عز الدارين فليدخل في مذهبنا يومين فقال له قائل كيف لي بذلك قال فرّق الأصنام من قلبك وأرح من الدنيا بدنك ثم كن كيف شئت فإن الله لا يعذب العبد على مد رجليه مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب إنما يعذبه على تعب يصحبه التكبر
من لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً إلى الله وتواضعاً لخلقه فهو هالك
إن كنت مؤمناً موقناً فاتخذ الكل عدواً كما قال إبراهيم عليه السلام { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }.
الصادق الموقن لو كذبه أهل الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكيناً
لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس وانشر علمك ليصدقك الله تعالى
العلوم على القلوب كالدراهم والدنانير في الأيدي إن شاء الله تعالى نفعك بها وإن شاء ضرك
مريد واحد يصلح أن يكون محلاً لوضع أسرارك خير من ألف مريد لا يكونون محلاً لوضع أسرارك
من ادعى فتح عين قلبه وهو يتصنّع بطاعة الله تعالى أو يطمع فيما أيدي خلق الله فهو كاذب
التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية
أبى المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود القيومية وإحاطة الديمومية
لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيآته
إن من أشقى الناس من يحب أن يعامله بكل ما يريد وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد وطالب نفسك بإكرامك لهم ولا تطالبهم بإكرامهم لك { لا تكلف إلا نفسك }
إن أردت أن تكون مرتبطاً بالحق فتبرأ من نفسك واخرج عن حولك وقوتك
أربع لا ينفع معهم علم حب الدنيا ونسيان الآخرة وخوف الفقر و وخوف الناس
لا تسرف بترك الدنيا فيغشاك ظلمتها وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة
خصلتان إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره الإعراض عن الدنيا واحتمال الأذى من أهلها
خصلة واحدة تحبط الأعمال لا ينتبه لها كثير من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }
كل حسنة لا تثمر نوراً أو علماً في الوقت فلا تعدلها أجر وكل سيئة أثمرت خوفاً من الله تعالى ورجوعاً إليه فلا تعد لها وزراً
حسنتان لا يضر معهما كثرة الذنوب الرضا بقضاء الله والصفح عن عباد الله
من اعترض على أحوال الرجال فلا بد أن يموت قبل أجله ثلاث ميتات أخر موت بالذل وموت بالفقر وموت بالحاجة إلى الناس ثم لا يجد من يرحمه منهم
سألت الله أن يجعل القطب من طريقتي فإذا النداء : يا علي قد استجبنا لك
كان رضي الله عنه يقول:إذا عرضت لك حاجة فأقسم على الله بي
لا يكمل عالم في مقام العلم حتى يبتلى بأربع : شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهال وحسد العلماء , فإن صبر جعله الله إماماً يقتدى به
* كلامه رضي الله عنه كثير وعال وكبير تركناه مخافة التطويل والله الموفق.
كتبه
ليس لسيدي أبي الحسن الشاذلي أية كتب لكن لديه مقولة مشهورة عندما سأله أحد الناس هل لديك كتب فقال سيدي أبي الحسن رضي الله عنه { كتبي أصحابي }
أقوال العلماء فيه
أخبر مكين الدين الأسمر سيدنا ابن عطاء الله السكندري ما ذكره في كتابه ( لطائف المنن ) الذي دونه في سيرة سيدي أبي الحسن وتلميذه سيدي أبي العباس المرسي قال : حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ محي الدين بن سراقة والشيخ محمي الدين الأخيمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم .
فقال الأسمر يا سيدي نريد أن نسمع منك فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا لا بد أن نسمع منك قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين بن عبد السلام وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
وقال مكين الدين الأسمر أيضاً الناس يدعون إلى باب الله عز وجل وأبو الحسن رضي الله عنه يدخلهم على الله
قال وارث سره سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه لقد صحبت رأساً من رؤوس الصديقين وأخذت عنه سراً لا ينال إلا لواحد بعد واحد وإليه أنتسب وبه أفتخر إنه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال تقي الدين بن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال الشيخ أبو عبد الله الشاطبي كنت أترضى على الشيخ في كل ليلة كذا وكذا مرة وأسأل الله به في جميع حوائجي فأجد القبول في ذلك معجلاً فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله إني أترضى على الشيخ أبي الحسن في كل ليلة وأسأل الله به في حوائجي أفترى عليّ في ذلك شيئاً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الحسن ولدي حس ومعنى والولد جزء من الوالد فمن تمسك بالجزء فقد تمسك بالكل وإذا سألت الله بأبي الحسن فقد سألته بي
ولسره العجيب وحاله المهيب كان يحضر مجلسه أكابر العلماء في عصره كابن الحاجب المالكي وابن عبد السلام عز الدين سلطان العلماء وابن دقيق العيد الفقيه الشافعي وعبد العظيم المنذري صاحب كتاب الترغيب والترهيب وابن الصلاح المحدث المعروف وابن عصفور حامل لواء العربية في الأندلس فكانوا يحضرون درسه في المدرسة الكاملية في القاهرة ويمشون بين يديه إذا خرج
حجه ووفاته
توفي سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بصحراء عيذاب بمصر في طريقه للحج سنة ست وخمسين وستمائة ولا يزال ضريحه موجوداً إلى الآن وقد جدد بناؤه مع غرف للزوار في هذا العصر على يد بعض المصريين تغمده الله بواسع مغفرته وأدخله فسيح جناته وجعلنا من السائرين على نهجه والملتزمين بطريقته و الحمد لله رب العالمين
- مولده و نشأته:
ولد الشعراني علي أصح الروايات و أشهرها في السابع و العشرين من شهر رمضان سنة ثمان و تسعين و ثمانمائة ق. ببلدة قلقشندة، و هي قرية جده لأمه، ثم انتقل بعد أربعين يوماً من مولده إلي قرية أبيه ـ ساقية أبي شعرة ـ و إليها ينتسب، فلقب بالشعراني، و عرف بهذا اللقب و اشتهر به، و إن كان قد سمي نفسه في مؤلفاته بالشعراوي.
توفي والده قبل أن يبلغ العاشرة فنشأ يتيماً من الأبوين، و كان الله وحده ـ كما يقول ـ هو نصيره و وليه.
حفظ القرآن الكريم و هو في التميز، و كان مواظباً علي الصلوات الخمس في أوقاتها منذ كان عمره ثمان سنوات. و قد هاجر من الريف إلي مصر لقراءة العلم فحفظ الآجرومية و متون العلم علي يد أخيه الشيخ عبدالقادر.
اضطرب رجال التاريخ في الحديث عن طفولته و نشأته، فبعض المستشرقين «كرويمر و نيكلسون» ذهب إلي أنه اشتغل في مطلع حياته بالنسيج كما تذكر ذلك دائرة المعارف الإسلامية، ولكن المستشرق «فولز» يرد علي هذا القول بقوله: «إن حياة الشعراني كانت زاخرة دائما بالعبادة، حافلة بالتعليم، فلم يكن من الميسور أن يجد و قتا لينجز فيه عملا». و يؤكد هذا الإمام الشعراني نفسه مجيبا عن هذا الموضوع من خلال كتابه «لطائف المنن و الأخلاق»: إن من منن الله علي أنه لم يكن هناك عوائق تعيقني عن طلب العلم و العبادة منذ طفولتي، و كانت القناعة من الدنيا باليسير سداي و لحمتي، و هذه القناعة أغنتني عن الوقوع في الذل لأحد من أبناء الدنيا، و لم يقع لي أنني باشرت حرفة و لا وظيفة لها معلوم دنيوي منذ بلغت، و لم يزل الحقيرزقني من حيث لا أحتسب إلي وقتي هذا.
و عن تاريخ حضوره إلي القاهرة، و مقامه بالمسجد الغمري، يقص علينا بأسلوبه الأخاذ ذلك فيقول: «… ، و كان مجيئي إلي القاهرة افتتاح سنة عشر و تسعمائة و عمري إذ ذاك اثنتا عشرة سنة، فأقمت في جامع سيدي أبي العباس الغمري، و حنن الله علي شيخ الجامع و أولاده فمكثت بينهم كأني واحد منهم، آكل مما يأكلون، و ألبس مما يلبسون، أقمت عندهم حتي حفظت متون الكتب الشرعية و آلاتها علي الأشياخ».
و لبث في مسجد الغمري يعلم و يتعلم، و يتهجد و يتعبد سبعة عشر عاما. ثم انتقل إلي مدرسة أم خوند، و في تلك المدرسة بزغ نجمه و تألق.
2ـ أساتذته و شيوخه:
ظل الإمام الشعراني تحت ظلال المساجد طالبا للعلم و العبادة، باحثا عمن يأخذه بيده إلي العلم و العمل، مجاهدا في سبيل الكمال العلمي و الخلقي.
و منذ يومه الأول بالقاهرة اتصل بصفوة علمائها كجلال الدين السيوطي و زكريا الأنصاري و ناصرالدين اللقاني و شهاب الدين الرملي و السمانودي و أضرابهم.
و قد أفاض في ذكر أساتذته في كتبه كما أفاض في ذكر إجلالهم و تعظيمهم و الثناء عليهم و حبهم له. يقول في كتابه «لطائف المنن و الأخلاق»: «و ممن كان يبالغ في محبتي و يمنحني الفوائد و التكسب من العلوم لمكان أدبي معه شيخ الإسلام زكريا، و كان يقول لي: و الله إني أود أن لو أسقيك جميع ما عندي من العلوم في مجلس واحد، و كذلك الشيخ نورالدين المحلي، و الشيخ أمين الدين الإمام بجامع الغمري، و الشيخ عبدالحق السنباطي، و الشيخ برهان الدين بن أبي شريف، و الشيخ شمس الدين السمانودي، و الشيخ شهاب الدين الرملي، فكانوا كلهم يحبونني». لقد أدرك الإمام الشعراني نحو سبعين شيخا مربيا. يقول: «و قد أدركنا بحمدالله جملة من أشياخ الطريق أول هذا القرن، و كانو علي قدم عظيم في العبادة و النسك و الورع و الخشية و كف الجوارح الظاهرة و الباطنة عن الآثام حتي لاتجد أحدهم قط يعمل شيئا يكتبه كاتب الشمال، و كان للطريق حرمة و هيبة». و عن آخر شيخ أدركه و هو علي المرصفي يقول: «و كان آخر الأشياخ الذين أدركناهم سيدي الشيخ علي المرصفي، فلما توفي في جمادي الأولي سنة ثلاثين و تسعمائة، انحل نظام الطريق في مصر و قراها، و جلس كثير للمشيخة بأنفسهم من غير إذن من أشياخهم، فلا حول و لا قوة إلا بالله العظيم».[1]
كان الإمام الشعراني كثير المطالعة لكتب الشريعة و آلاتها من تفسير و حديث و أصول و فقه و تصوف، اطلع علي كتب المذاهب الثلاثة و مذهبه الشافعي، يقول في «لطائف المنن و الأخلاق»: … ثم مطالعتي لكتب مذاهب الأئمة الثلاثة زيادة علي مذهبي لأتحرز من مخالفة الأئمة في أعمالي كلها و بكون عملي موافقا لهم حسب الطاقة. ثم كثرة توجيهي و تقريري لمذاهب المجتهدين حين تبحرت في العلم حتي كأني واحد من أمهر فحول مقلدي ذلك المذهب».
إذن علي يد هؤلاء الأعلام درس العلوم الإنسانية و الثقافة بشتي فنونها في التفسير و الحديث و الأدب و الأصول و الفقه و التصوف و اللغة… حتي غدا لايتصور أحد من معاصريه أحاط بما أحاط به علما، أو تخلق بما تخلق به عملا.
و مع هذه الدراسة الشاملة كان يتطلع دائما إلي سلوك الطريق المضيء، الطريق الصاعد إلي الله، المتقرب من حضرته العلية، طريق التصوف كما رسمه شيوخه و تذوقه سالكوه.
3ـ تصوفه:
كان صوفيا في منهجه الذي ارتضاه و أخذ نفسه به طول حياته. يقول في المنن: «إن من منن الله علي أن ألهمني مجاهدة نفسي من غير شيخ منذ طفولتي» و مع ذلك كان ينشد الشيخ الذائق الواصل صاحب البصيرة ليعينه علي اختصار الطريق، و علي إزالة عقبة النفس الخفية.
لقد بحث طويلا عن ضالته إذ كان يتصل بشيوخ التصوف يلتمس عندهم المفاتيح و الأبواب ـ كما يقول ـ فلم يجد عند أحد منهم أمله. يقول: «و لقد اجتمعت بخلائق لاتحصي من أهل الطريق ألتمس لديهم المفاتيح و الأبواب فلم يكن لي وديعة عند أحد منهم».
و أخيرا يجد داله على الله الشيخ سيدي على الخواص. لقد فتح الله علي الشعراني بلقائه و اجتماعه به. و لقد كان سيدي علي الخواص أميا و الشعراني عالما.
و نجد سيدي عبد الوهاب الشعراني يصف شيخه بأبلغ الأوصاف و أدقها فيقول في هذا الصدد: «رجل غلب عليه الخفاء فلا يكاد يعرفه بالولاية و العلم إلا العلماء العاملون لأنه رجل كامل عندنا بلاشك و الكامل أذا بلغ مقام الكمال في العرفان صار غريبا في الأكوان».
و يتحدث عن بحار علوم شيخه و عما بلغه من العلوم علي يده فيقول:
«و كانت مجاهدتي علي يد سيدي علي الخواص كثيرة و متنوعة، منها أنه أمرني أول اجتماعي به ببيع جميع كتبي و التصدق بثمنها علي الفقراء ففعلت! و كانت كتبا نفيسة مما يساوي عادة ثمنا كثيرا فبعتها و تصدقت بثمنها، فصار عندي التفات إليها لكثرة تعبي فيها و كتابة الحواشي و التعليقات عليها، حتي صرت كأنني سلبت العلم فقال لي: اعمل علي قطع التفاتك إليها بكثرة ذكر، فإنهم قالوا: «ملتفت لايصل» فعملت علي قطع الالتفات إليها حتي خلصت بحمدالله من ذلك، ثم أمرني بالعزلة عن الناس حتي صفا وقتي. و كنت أهرب من الناس و أري نفسي خيرا منهم فقال لي: اعمل علي قطع أنك خير منهم، فجاهدت نفسي حتي صرت أري أرذلهم خيرا مني، ثم أمرني بالاختلاط بهم و الصبر علي أرذلهم و عدم مقابلتهم بالمثل، فعملت علي ذلك حتي قطعته، فرأيت نفسي حينئذ أنني صرت أفضل مقاما منهم، فقال لي اعمل علي قطع ذلك فعملت حتي قطعته. ثم أمرني بالاشتغال بذكر الله سرا و علانية و الانقطاع إليه، و كل خاطر خطر لي مما سوي الله صرفته عن خاطري فورا فمكثت علي ذلك عدة أشهر».
و بهذا أصبح الشعراني إمام عصره، ذوقا و علما، و غدا قطبا تدور حوله الأحاديث. لقد أسس زاوية يلتقي فيها طلاب العلوم الشرعية مع أذواق و أشواق، و غدت زاويته من أكبر منارات العلوم و الثقافة و التوجيه في العالم الإسلامي في ذلك الوقت، ملجأ للعلماء و الأدباء، و منبرا للدعوة و الإرشاد، و ساحة للذكر و العبادة، و ملاذا لطلاب العلم و الذوق، و ملجأ لأصحاب الحاجات و الشفاعات.
لقد تخلق بخلق القوم أهل التصوف و تأدب بأدبهم و أخذ نفسه بكل ما كتب و سطر في كتبه، فكان خلقه صورة رسالته، و كان المدافع الأول عن الشعب في وجه الطغاة من الولاة، و كان يشارك المسلمين في أحزانهم و آلامهم، و هو لايري الإنسان إنسانا إلا إذا شارك الناس أحزانهم و آلامهم؛ يقول: «من ضحك أو استمتع بزوجه أو لبس مبخرا أو ذهب إلي مواضع المنتزهات أيام نزول البلاء علي المسلمين فهو و البهائم سواء». ثم يقول واصفا خلقه و سلوكه:«… ثم غيرتي علي أذني أن تسمع زورا، و عيني أن تنظر محرما، و لساني أن يتكلم باطلا». و يقول أيضا: «مما أنعم الله به علي عدم خروجي من بيتي إلا إذا علمت من نفسي القدرة بإذن الله علي هذه الثلاث خصال، تحمل الأذي عن الناس، و تحمل الأذي منهم، و جلب الراحة لهم».
و مازال يتحدث عن نفسه مما وفقه الله إليه من علم و عمل فيقول: «مما أنعم الله علي به تقديم الأهم فالمهم من المأمورات الشرعية من حيث كنت صغيرا إلي وقتي هذا، و لذلك لم أعول قط على علم من غير عمل، و لا على نافلة قبل العمل على إكمال الفريضة الكمال النسبي الذي يصل إليه أمثالنا و قد قالوا: «من اشتغل بالنوافل عن الفرائض فهو أحمق».
و رغم هذه القيم و الأخلاق التي من الله بها عليه فإنه لايركن إلي نفسه و لايزكيها مستندا إلي وصية الجيلي، يقول: «و مما أنعم الله تبارك و تعالي به علي، عدم استبعادي علي نفسي وقوعها في الكبائر فضلا عن الصغائر، و لو صارت يقتدي بها في مثل هذا الزمان المبارك. فإن من وصية سيدي عبد القادر الجيلي، إياك أن تستبعد وقوعك في أكبر الكبائر و لو توالت عليك المراقبة لله آناء الليل و أطراف النهار، لأن باب العصمة مسدود علي غير الأنبياء عليهم الصلاة و السلام، و كمل اتباعهم علي الصحيح، فلا أمان لنا مادمنا في هذه الدار، و قد أغوي إبليس خلقا كثيرا حيث ظنوا بأنفسهم الخير و وقعوا في أكبر الفواحش و بعضهم أوقعه في عمل الزغل و شنقوه أو نفوه»[2].
4ـعلوم الشعراني و مصنفاته:
ألف الإمام الشعراني في كل أفق من آفاق المعرفة العلمية و الذوقية، فكتب في التفسير و الحديث و الفقه و التصوف و النحو و الطب و الكيمياء و غيرها من ألوان العلوم و المعارف.
و قد استغرقت بعض كتبه خمسة مجلدات و وقع الكثير منها في مجلدين. و أكثرها موجود في دور الكتب. و قد أحصي المستشرق بركلمان أكثر من ستين محفوظة في دور العلم العالمية. يقول الشعراني في هذا الصدد: «و مما من الله تبارك و تعالي به علي تأليفي كتبا كثيرة في الشريعة، و غالبها ابتكرته و لم أسبق إليه، و ذلك ككتاب البحر المورود في المواثيق و العهود، و كتاب كشف الغمة عن جميع الأمة، جمعت فيه أدلة المذاهب الأربعة من غير عزو إلي من خرجها من الحفاظ، ثم صنفت بعده كتاب المنهج المبين في بيان أدلة المجتهدين، عزوت فيه كل حديث إلي من رواه، فكان كالتخريج لأحاديث كتاب كشف الغمة، و كتاب البدر المنير في غريب أحاديث البشير النذير، و كتاب مشارف الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية… ، و كتاب قواعد الصوفية، و كتاب مختصر قواعد الزركشي، و كتاب منهاج الوصول إلي علم الأصول، و كتاب اليواقيت و الجواهر في بيان عقائد الكبائر، و كتاب الجوهر المصون في علوم كتاب الله المكنون، و كتاب طبقات الصوفية، و كتاب مفحم الأكباد في بيان مواد الاجتهاد، و كتاب لوائح الخذلان علي كل من لم يعمل بالقرآن، و كتاب حد الحسام علي من أوجب العمل بالإلهام، و كتاب التتبع و الفحص علي حكم الإلهام إذا خالف النص، و كتاب البروق الخواطف لبصر من عمل بالهواتف، و كتاب كشف الحجاب و الران عن وجه أسئلة الجان، و كتاب فرائد القلائد في علم العقائد، و كتاب الجواهر و الدرر، جمعت فيه ماسمعت من العلوم و الأسرار من سيدي علي الخواص رحمه الله تعالي، و كتاب الكبريت الأحمر في بيان علوم الكشف الأكبر، و كتاب الاقتباس في علم القياس، و كتاب تنبيه المغتربين في القرن العاشر علي ما خالفوا فيه سلفهم الطاهر، و غير ذلك مما سارت به الركبان إلي بلاد التكرو.
نبذة عن رسالة الأنوار القدسية في معرفة قواعد الصوفية:
ألف الشعراني هذا الكتاب بعد كتابه الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية. و قد كتبه في أواخر حياته، و جاء صورة كاملة لمجاهداته و أذواقه و علومه، فهو أحد كتب التربية الصوفية رسم فيه صاحبه آداب الطريق، و عقباته و مزالقه و فتوحاته، و حشد فيه مجموعة طيبة من أقوال و آراء كبار رجال التربية الصوفية كإبراهيم الدسوقي، و علي وافا، و علي المرصفي، و الإمام القشيري، و محمد الشناوي، و محمد الغمري، و إبراهيم المتولي. وانتهي من تأليفه في عشري ذي الحجة الحرام سنة إحدي و ستين و تسعمائة بمصر المحروسة.
و عن سبب تأليفه لرسالته هاته قال في المقدمة: «و كان من الباعث لي علي تأليف هذه الرسالة طلب النصح لنفسي و لإخواني حيث تحلينا بخلال الأشياخ و مشينا علي مراسمهم الطاهرة، و ظن كل واحد منا نفسه أنه صار من أشياخ الطريق، فوضعت هذه الرسالة كالميزان التي يوزن بها المحق و المبطل، فمن وافق حاله ما فيها فليحمدالله، و إلا فليستغفر من دعاويه الكاذبة».
و قد افتتح رسالته بمبحث تحت عنوان «سند التلقين الصوفي» بين فيه سند القوم في تلقينهم لمريديهم الذكر، و عززه بأحاديث عن رسول الله، ثم بمبحث آخر يتعلق بآذاب الذكر. يقول في الصفحة 34 و ما بعدها: «و أما بيان آداب الذكر و بيان ثمرة التلقين فاعلم يا أخي: أن كل عبادة خلت من الآداب فهي قليلة الجدوي، و أجمع الأشياخ أن العبد يصل بعبادته إلي حصول الثواب، و دخول الجنة، و لايصل إلي حضرة ربه، إلا إن صحبه الأدب في تلك العبادة…»، و يستشهد لذلك بأحاديث قدسية، ثم يلخص آداب الذكر في عشرين إدبا أجمع عليها الشيوخ، خمسة منها سابقة علي الذكر، و اثنا عشر حال الذكر، و ثلاثة بعد الفراغ من الذكر.
كما يؤكد أن فوائد الذكر لاتحصر لأن الذاكر يصير جليس الله. و بعد استشهاده بأحاديث المصطفييستعين ببعض أقوال الشيوخ كذي النون المصري و الكتاني، يقول: «و كان الكتاني يقول: من شرط الذكر أن يصحبه الإجلال لله و التعظيم له و إلا لم يفلح صاحبه في مقامات الرجال، و كان يقول: و الله لو لا أنهفرض علي ذكره لما تجرأت أن أذكره إجلالا له، مثلي يذكر الحقو لم يغسل فمه بألف ثوبة مما سواه قبل ذكره».
و بالذكر تعالج النفس و تتحلي بالأخلاق الحميدة. «و من شأن العبد مكابدة خواطره و معالجة أخلاقه و نفي الغفلة عن قلبه بمداومة الذكر، و من شأنه أن يحث إخوانه علي دوام الحمية في الأبدان و القلوب و النفوس و ذلك بترك المخالفات و عدم الركون إلي الأغيار و ترك الدعاوي فإن من وقع في واحدة من هذه الخصال و لم يحجم عنها فهو معدود من رعاع الناس و أراذلهم، فكما أن قلوب من يحتمي تكون معمورة بذكر الله كذلك يكون قلب من لايحتمي محلا للغفلة و الوسواس».[/color]
و عن آداب المريد يقول: «اعلم يا أخي أن جميع آداب المريد يعسر حصرها و ضبطها في عبارة علي وجه التفصيل، و لكن نذكر لها طرفا من ذلك علي أن وظيفة الشيخ أنه يستخرج للمريد ما هو كامن فيه لاغير، فإن اللهقد بث في كل روح جميع مايتعلق بصاحبها من المحامد و المزايا، فما من أمر أمره به شيخه أو نهاه عنه إلا و هو كامن في روحه، و ليس مع الشيخ شيء يعطيه للمريد خارجا عنه، فإن حكم المريد في ابتداء أمره، حكم النواة الكامنة فيها النخلة التي هي هنا عبارة عن الصدق في الطريق أو الكذب فيها، و من أدبه ألا يكثر الكلام إلا لضرورة، و من شأنه أن لايتكلم و لايسكت إلا بضرورة أو لحاجة شرعية، أو سد باب الكلام اللغو جملة، و قد عدوا قلة الكلام أحد أركان الرياضة».[3] و كان بشربن الحارث يقول: «إذا أعجبك الكلام فاسكت، و أذا أعجبك السكوت فتكلم، فإن في الكلام حظ النفس و إظهار صفات المدح».[4]
و الطريقة التي ينتمي إليها الإمام الشعراني مبنية علي أسس متينة و مشيدة بالكتاب و السنة. يقول في كتابه الطبقات الكبري المسمي بلواقح الأنوار في طبقات الأخيار: «إن طريق القوم مشيدة بالكتاب و السنة، و إنها مبنية علي سلوك أخلاق الأنبياء و الأصفياء و بيان أنها لاتكون مذمومة إلا إن خالفت صريح القرآن أو السنة أو الإجماع لاغير، و أما إذا لم تخالف فغاية الكلام أنه فهم أوتيه رجل مسلم فمن شاء فليعمل به و من شاء تركه … و أركانها أربعة: الجوع و العزلة و الصمت و السهر، و مازاد علي هذه الأربعة فهو من التوابع، و قالوا: «من ضيع الأصول حرم الوصول».
و يقول أيضا في هذا الصدد: «إن من شرط من يطلب طريق القوم أن يكون متضلعا من علوم الشريعة المطهرة حتي لايصير عنده التفات الي غير الطريق التي سلكها و ان طريق القوم محررة علي الكتاب و السنة، تحرير الذهب و الجوهر، فمن لم يكن من أكابر العلماء لايفلح فيها، لأن له في كل حركة و سكون ميزانا شرعيا يجب عليه عمله قبل الفعل و الله أعلم».
و عند الإمام الشعراني أن المريد قبل أن يدخل الطريق ينبغي أن يتفقه في دينه لأن الفقه مفتاح الطريق، يقول: «و من هنا قالوا للمريد تفقه في دينك أولا ثم تعال ادخل الطريق و ذلك ليقل التفاته إلي غير الطريق… و من شأنه يخرج من خلاف العلماء إلي وفاقهم ما أمكن، مبادرة منه علي وقوع عباداته صحيحة علي جميع المذاهب أو أكثرها، فإن رخص الشريعة إنما جعلت للضعفاء و أصحاب الضرورات و الأشغال…».
و إذا تساءلنا لماذا لمم يتخذ أهل العصر الأول شيوخا؟ أجاب الشعراني: «و كان أهل العصر الأول لقلة أمراضهم و عللهم لايحتاجون إلي شيخ، فلما ذهبوا و حدثت الأمراض احتاج الفقيه إلي شيخ ضرورة ليسهل عليه طريق العمل بما علم»
سلطان العاشقين عمر بن الفارض
هو عمر ابن الفارض حموي الأصل، ولد في القاهرة سنة (1181م)، نشأ في كنف والديه في عفاف وصيانة وتزهد، واشتغل بالفقه الشافعي، وأخذ الحديث عن ابن عساكر، ثم انحاز إلى التصوف، فاعتزل الناس عدة سنوات، وانفرد للعبادة والتأمل والتجرد، ولما توفي والده قصد مكة، وأقام فيها خمس عشرة سنة، فنضجت شاعريته وكملت مواهبه الروحية.
فعاد الى مصر فاحتفل الناس به احتفالا عظيما، وأكرموه على اختلاف طبقاتهم إكراما جزيلا، حتى روي أن الملك الكامل نفسه كان ينزل لزيارته بقاعة الخطابة في الجامع الأزهر. وقد توفي في القاهرة سنة 1237م,وفن ابن الفارض في الحب فن الشاعر الذي اضطرم فيه الحب اضطراما حتى أذهله أحيانا، وقد أراد التعبير عن ذلك الحب والإفصاح عما يجول في نفسه منه، فكان كلامه شعرا تضيق بحوره، وقوافيه عن اندفاع الحب وثورته، وتقصر الألفاظ عن تصوير حقيقته، ويحاول أن يحمل اللفظ مثل ما يحمل المعنى، فيحشر فيه وجوه البديع من جناس وطباق، ويغالي في ذلك مغالاة قلما وصل إليها شاعر، ويعمد إلى التصغير فيكثر منه كما يعمد إلى أساليب الوجدان من مناجاة ومناداة.
ان ابن الفارض شاعر سامي الروح، صادق العاطفة، متدفق المعاني، جمع من الموسيقا الشعرية، وعذوبة الكلام الشيء الكثير، وإن لم يخل شعره من ثقل وغموض بسبب الصنعة التي انتشرت في عصره انتشارا شديدا فتسربت إلى الشعر بنزعة من التقليد.
لا تزال أشعار الشاعر العباسي عمر بن الفارض موضع اختلاف في تفسير ماهية الحب الذي قصده، فمن قراء ديوان شعره من فهموا معانيه على ظاهر لفظه، وادعوا أن حب ابن الفارض أرضي مادي، وأن غزله كغزل أبي نواس وغيره، ومنهم من تفهموا معاني غزله الحقيقية، ووقفوا على أسرار نفس صاحبه المتجردة، ففسروه تفسيراً صوفياً. حتى دعي ابن الفارض (سلطان العاشقين) إلا أن حبه هو ذلك الحب الرفيع الذي يسمو على المادة وينفلت من قيودها للحاق بمبدع الجمال، وينبوع كل بهاء، ولابن الفارض مذهب خاص في الحب كما له فيه انصراف شديد الوطأة على نفسه، وهو أن يستسلم الإنسان للحب الإلهي استسلاماً كاملاً، وأن يتلاشى فيه، فإن الموت فيه حياة، والتلاشي نعيم وسعادة.
وابن الفارض يريد أيضا أن يخلع المرء الحياة في اتباع ذلك الحب السامي، فهو لا يخفي أنه قتال وأن "أوله سقم وآخره قتل". هذا القتل هو أن تحلل إرادة المحب في إرادة المحبوب، وأن ينوب المحب في حقيقة المحبوب. وحبه ليس له مثل، كما أنه ليس لمحبوبه مثل، وليس له بعد، ولا قبل، وهو حب سخي، وقد استولى على كل جوارح روح صاحبه، فأسعده من حيث أشقاه وعذبه.
وفي ديوان ابن الفارض مقطوعات كثيرة. وقد تغنى فيها الشاعر بخمرة الوحدة الإلهية، وبالسكر الروحي! وقد ضمنها الشاعر تجاربه الصوفية فكانت نشيدا من أناشيد الوجد الصوفي، وتمثيلا للعراك المستمر بين الثنائية الضدية الصلاح والشر، والفوز النهائي بمشاهدة الجمال المطلق، جمال الخالق الذي يتجلى في كل ما هو جميل في الطبيعة وكذا في الإنسان
سيدي أحمد الدرديري
الإمام العالم العلامة الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدرديري
الإمام العالم العلامة أوحد وقته في الفنون العقلية والنقلية شيخ أهل الإسلام وبركة الأنام الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي الأزهري الخلوتي الشهير بالدرديري ولد ببني عدي كما أخبر عن نفسه سنة 1127 وحفظ القرآن وجوده وحبب إليه طلب العلم فورد الجامع الأزهر وحضر دروس العلماء وسمع الأولية عن الشيخ محمد الدقري بشرطه والحديث على كل من الشيخ أحمد الصباغ وشمس الدين الحفني وبه تخرج في طريق القوم وتفقه على الشيخ علي الصعيدي ولازمه في جل درسه حتى أنجب وتلقن الذكر وطريق الخلوتية من الشيخ الحفني وصار من أكبر خلفائه كما تقدم وأفتى في حياة شيوخه مع كمال الصيانة والزهد والعفة والديانة وحضر بعض دروس الشيخين الملوي والجوهري وغيرهما ولكن جل اعتماده وانتسابه على الشيخين الحفني والصعيدي وكان سليم الباطن مهذب النفس كريم الأخلاق
وذكر لنا عن لقبه أن قبيلة من العرب نزلت ببلده كبيرهم يدعى بهذا اللقب فولد جده عند ذلك فلقب بلقبه تفاؤلًا لشهرته وله مؤلفات منها شرح مختصر خليل أورد فيه خلاصة ما ذكره الأجهوري والزرقاني واقتصر فيه على الراجح من الأقوال ومتن في فقه المذهب سماه أقرب المسالك لمذهب مالك ورسالة في متشابهات القرآن ونظم الخريدة السنية في التوحيد وشرحها وتحفة الأخوان في آداب أهل العرفان في التصوف وله شرح على ورد الشيخ كريم الدين الخلوتي وشرح مقدمة نظم التوحيد للسيد محمد كمال الدين البكري ورسالة في المعاني والبيان ورسالة أفرد فيها طريقة حفص ورسالة في المولد الشريف ورسالة في شرح قول الوفائية: يا مولاي يا واحد يا مولاي يا دائم يا علي يا حكيم.
وشرح على مسائل كل صلاة بطلت على الإمام والأصل للشيخ البيلي وشرح على رسالة في التوحيد من كلام دمرداش ورسالة في الاستعارات الثلاث وشرح على آداب البحث ورسالة في شرح صلاة السيد أحمد البدوي وشرح على الشمائل لم يكمل ورسالة في صلوات شريفة اسمها المورد البارق في الصلاة على أفضل الخلائق والتوجه الأسنى بنظم الأسماء الحسنى.
ومجموع ذكر فيه أسانيد الشيوخ ورسالة جعلها شرحًا على رسالة قاضي مصر عبد الله أفندي المعروف بططر زاده في قوله تعالى: يوم يأتي بعض آيات ربك الآية وله غير ذلك.
ولما توفي الشيخ علي الصعيدي تعين المترجم شيخًا على المالكية ومفتيًا وناظرًا على وقف الصعايدة وشيخًا على طائفة الرواق بل شيخًا على أهل مصر بأسرها في وقته حسًا ومعنى.
فإنه كان رحمه الله يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ولا يأخذه في الله لومة لائم وله في السعي على الخير يد بضياء تعلل أيامًا ولزم الفراش مدة حتى توفي في سادس شهر ربيع الأول من هذه السنة وصلي عليه بالأزهر بمشهد عظيم حافل ودفن بزاويته التي أنشأها بخط الكعكيين بجوار ضريح سيدي يحيى بن عقب وعندما أسسها أرسل إلي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب على القبلة فكان كذلك وسبب إنشائه للزاوية أن مولاي محمد سلطان المغرب كان له صلات يرسلها لعلماء الأزهر وخدمة الأضرحة وأهل الحرمين في بعض السنين وتكرر منه ذلك فأرسل على عادته في سنة ثمان وتسعين مبلغًا وللشيخ المترجم قدرًا معينًا له صورة وكان لمولاي محمد ولد تخلف بعد الحج وأقام بمصر مدة حتى نفد ما عنده من النفقة فلما وصلت تلك الصلة أراد أخذها ممن هي في يده فامتنع عليه وشاع خبر ذلك في الناس وأرباب الصلات وذهبوا إلى الشيخ بحصته فسأل عن قضية بن السلطان فأخبروه عنها وعن قصده وأنه لم يتمكن من ذلك فقال: والله هذا لا يجوز وكيف أننا نتفكه في مال الرجل ونحن أجانب وولده يتلظى من العدم هو أولى مني وأحق أعطوه قسمي.
فأعطاه ذلك ولما رجع رسول أبيه أخبر السلطان والده بما فعل الشيخ الدردير فشكره على فعله وأثنى عليه واعتقد صلاحه وأرسل له في ثاني عام عشرة أمثال الصلة المتقدمة مجازاة للحسنة فقبلها الأستاذ وحج منها ولما رجع من الحج بنى هذه الزاوية مما بقي ودفن بها رحمه الله ولم يخلف بعده مثله.)
سيدي أبو العباس المرسي
رضي الله عنه
نسبه
هو سيدي أحمد بن عمر الأنصاري المرسي الشاذلي المالكي المرشد المربي العارف بالله قطب الزمان وارث سر سيدي أبي الحسن الشاذلي وخليفته رضي الله عنهما.
اشتهر بكنيته أبو العباس وبلقبه المرسي نسبة إلى بلدة مرسية التي ولد فيها سنة 616 هجرية.
سلوكه
تلقى سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه التصوف على يد شيخه الصوفي الأشهر سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه الذي التقى به سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه في تونس في سنة 640 هجرية، بعدما تزوَّد بعلوم عصره كالفقه والتفسير والحديث والمنطق والفلسفة، وجاء أوان دخوله في الطريق الصوفي وتلقيه تاج العلوم : التصوف. وصحَّت صحبة سيدي أبى العباس رضي الله عنه لشيخه الشاذلي، وصار من بعده إماماً للطريقة الشاذلية، وكان قبلها قد تزوَّج بابنة شيخه. ومن المأثورات المروية عن سيدي أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه، الدالة على المكانة الروحية لتلميذه سيدي أبى العباس رضي الله عنه قوله: يا أَبَا العبَاَّسِ ؛ واللهِ ما صَحَبْتُكَ إِلاَّ لِتَكُـــونَ أَنْتَ أَنَـــا ، وأَنـَـا أَنْتَ .. يا أَبـَــا العَبَّـــاسِ؛ فِيكَ مَا فِى الأَوْلِيَاءِ، وَليْسَ فِى الأَوْليَاءِ مَا فِيكَ.
ومن مأثورات سيدي أبى الحسن الشاذلي رضي الله عنه التي اشتهرت بين الصوفية، عبر مئات السنين ، قوله: أبُو العبَّاسِ مُنْذُ نَفــَــذَ إِلى اللهِ لَمْ يُحْجَبْ، وَلَوْ طَلَبَ الحِجَابَ لَمْ يجـِــدْهُ.. وأَبُو العبَّاسِ بِطُرُقِ السَّمَاءِ، أَعْلَمُ مِنـْـهُ بِطُرُقِ الأَرْضِ!
كان سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه يقول مفتخراً بسيدي أبو العباس يأتي الأعرابي إليه يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله . يقول سيدي أبو العباس مفتخراً ومتحدثاً بنعمة الله عليه والله لو حجبت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عيناي طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين . كان يقول رضي الله عنه والله ما سار الأولياء من قاف إلى قاف حتى يلقوا واحداً مثلنا فإذا رأوه كان يغنيهم . وكان يقول رضي الله عنه شاركنا الفقهاء فيما هم فيه ولم يشاركونا فيما نحن فيه فكان رضي الله عنه يتكلم في سائر العلوم وكل اللغات والألسن وكان لا يتحدث إلا في العقل الأكبر والاسم الأعظم والأسماء والحروف ودوائر الأولياء والمقامات والمقربين من العرش وعلوم الأسرار . وكان يقول رضي الله عنه وهو يمسك بلحيته ويقول لو علم علماء العراق والشام ما تحت هذه الشعرات لأتوها ولو على وجوههم . وكان يقول رضي الله عنه والله ما دخل بطني حرام أبداً وكان له ستون عرقا ينفض ويضطرب إذا اقتربت يده من طعام فيه شبهة وكان النور يتلألأ من بين أصابعه .
مُقامه في الاسكندرية
وفى سنة 642 هجرية، وصل سيدي أبو العباس رضي الله عنه مع شيخه الشاذلى قدس الله سره إلى الإسكندرية، واستقرا بحى كوم الدِّكة. وبلغ من زهده أنه أقام بالاسكندرية ستاً وثلاثين سنة ما رأى وجه واليها ولا أرسل إليه وطلبه الوالي للاجتماع فأبى . قال رضي الله عنه أطلعني الله عز وجل على الملائكة ساجدة لآدم عليه السلام فأخذت قسطي من ذلك ثم أشد يقول
ذاب رسمي وصح صدق فنائي وتجلت للسر شمس سمائي
و تنزّلت في العوالم أبدي ما انطوى في الصفات بعد صفائي
تولَّى سيدي أبو العباس رضي الله عنه مشيخة الطريقة الشاذلية بعد وفاة سيدي أبى الحسن الشاذلى رحمه الله سنة 656 هجرية وكان عمره آنذاك أربعين سنة. وظلَّ يحمل لواء العلم والتصوف حتى وفاته 686 هجرية، بعد أن قضى أربعةً وأربعين عاماً فى الإسكندرية ، سطع خلالها نجم الطريقة الشاذلية فى الآفاق.
وفاته رحمه الله
كانت وفاته رحمه الله سنة 680 هـ عند وفاته ، دُفن سيدي أبو العباس رحمه الله فى الموضع الذى يحتله اليوم مسجده الكبير بالإسكندرية . وكان هذا الموضع وقت وفاته، جبانةً يُدفن فيها الأولياء. وقد أُقيم سنة 706 هجرية بناءً على مدفنه؛ ليتَميَّز عن بقية القبور من حوله، فصار البناءُ مزاراً،ثم صار مسجداً صغيراً بناه زين الدين القَطَّان وأوقف عليه أوقافاً؛ وأُعيد بناء المسجد وتم ترميمه وتوسيعه سنة 1189 هجرية.
سيدي أبو الحسن الشاذلي
الشيخ الكبير والغوث الشهير المربي المرشد الكامل شيخ الطريقة الشاذلية وإمامها سيدي أبو الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار بن تميم بن هرمز بن حاتم بن قصي يصل نسبه إلى سيدنا عبد الله بن الحسن المثنى بن سيدنا الحسن رضي الله عنه سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم بن سيدنا علي رضي الله عنه وسيدتنا فاطمة البتول رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الإمام البوصيري رضي الله عنه صاحب البردة في مدح سيدي أبي الحسن رضي الله عنه
أما الإمام الشاذلي طريقه في الفضل واضحة لعين المهتدي
قطب الزمان وغوثه وإمامه عين الوجود لسان سرّ الموجدي
ساد الرجال فقصّرت عن شأوه همم المآرب للعلى والسؤدد
فتلقّ ما يلقي أليك فنطقه نطق بروح القــدس أي مؤيد
ولادته ومنشؤه وطلبه للعلم
ولد رضي الله عنه سنة إحدى وسبعين وخمسمائة بقبيلة الأخماس الغمارية وببلدته نشأ وحفظ القرآن وطلب العلم ورحل لفاس فقرأ على كبار علماء وقته حتى أصبح من كبار العلماء بحيث كان يعد للمناظرة في العلوم الظاهرة ، ثم تاقت نفسه لعبادة الله عز و جل فتزهد وتنسك وجاهد نفسه وراضها صياماً وقياماً وتلاوة وذكراً وساح وجال ولزم الخلوة والانقطاع عن الناس , أخذ أولاً الطريقة على وجه التبرك بفاس عن الشيخ ولي الله سيدي محمد بن حرا زم بن سيدي علي بن حرازم
بحثه عن المرشد الكامل
ثم جعل يطلب القطب فبلغ به المطاف إلى العراق فاجتمع بالعارف بالله أبي الفتح الواسطي فقال له تطلب القطب بالعراق وهو في بلادك فرجع إلى المغرب فوصف له وليّ هناك وكان برأس الجبل فصعدت إليه فما وصلت إليه إلا ليلاً وكان الشيخ سيدي عبد السلام بن مشيش فأفاض الشيخ عليه من العلوم مما لا يحصيه مخلوق وأخبره بما سيحدث له وأنه سوف يؤذى في الله وسيتكلم عليه الناس فتركه وتوجه إلى الديار الشرقية فمر في طريقه على تونس وأقام بها مدة في شاذلة حيث نسب إليها
معاناته والفتنة التي حدثت له
ولما شاع أمره وذاع سيطه في بلاد المغرب وأصبح عارفاً بالله وتصدّر للإرشاد تكالب عليه الأعداء والحسدة من كل جانب ورموه بالعظائم وبلغوا في أذيته حتى منعوا الناس من مجالسته وقالوا إنه زنديق ولما أراد السفر إلى مصر كتبوا إلى سلطان مصر مكاتبات : إنه سيقدم عليكم من مصر مغربي من الزنادقة أخرجناه من بلادنا حين أتلف عقائد المسلمين وإياكم أن يخدعكم بحلاوة منطقه فإنه من كبار الملحدين ومعه استخدامات من الجن فما وصل الشيخ إلى مدينة الإسكندرية حتى وجد الخبر بذلك سابقاً على مقدمه فقال حسبنا الله ونعم الوكيل فبالغ أهل الإسكندرية في إيذائه ثم رفعوا أمره إلى سلطان مصر وأخرجوا له مراسيم فيها ما يباح به دم الشيخ فمد يده إلى سلطان المغرب وأتى منه بمراسيم تناقض ذلك فيها من التعظيم والتبجيل ما لا يوصف فتحير السلطان وقال العمل بهذا أولى وأكرمه ورده إلى الإسكندرية مكرماً
معاصروه وتلامذته
لقد عاصر سيدي أبا الحسن عدد كبير من العلماء والفقهاء الذين كانوا تلاميذ له أيضاً يحضرون درسه ويمشون بين يديه من هؤلاء
1 - ابن الحاجب فقيه مالكي واسمه عثمان بن عمر نشأ بالقاهرة وسكن دمشق وتوفي بالإسكندرية عام 646 ه
2 - العز ابن عبد السلام سلطان العلماء الفقيه الشافعي الذي بلغ رتبة الاجتهاد نشأ في دمشق ونقم على حاكمها فخرج منها قاصداً مصر لتجمعه الأقدار مع قطب الزمان سيدي أبي الحسن رضي الله عنه الذي لما سمع كلامه خرج من مجلسه قائلاً اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد بالله توفي رحمه الله بالقاهرة
3 - ابن دقيق العيد الذي انتهت إليه رئاسة الفتوى في المذهب الشافعي توفي بالقاهرة وقبره هناك
4 - عبد العظيم المنذري الحافظ الكبير الذي تولى مشيخة دار الحديث في القاهرة صاحب كتاب الترغيب والترهيب توفي بالقاهرة عام 656
5 - ابن الصلاح عثمان ابن عبد الرحمن أحد الفضلاء المقدمين في التفسير والحديث والفقه صاحب كتاب أنواع علم الحديث الذي عرف بمقدمة ابن الصلاح
وأما تلاميذه الذين سلكوا على يديه فأكثر من أن يحصوا فلقد هوت أفئدة أهل مصر إليه وكان له عدة تلاميذ حملوا عنه الدعوة إلى الدين من هؤلاء :
سيدي أبو العباس المرسي صاحب سره رضي الله عنه دفين الإسكندرية ذو الحال العجيب والوجه الصبوح الذي باهى به شيخه سيدي أبو الحسن الشاذلي عليكم بأبي العباس يأتي إليه الأعرابي يبول على ساقيه فيخرج من عنده عارفاً بالله توفي سنة 686 ولو لم يوجد غيره لكفى
أقواله
عليك بالاستغفار ولو لم يكن هنالك ذنب فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يستغفر الله وهو المعصوم عن الخطأ فما ظنك بمن لا يخلو عن العيب والذنب
إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف فإن الله عز وجل قد ضمن لي العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها لي في الكشف ولا ينبغي العمل بالكشف إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة
إذا عرض لك عارض يصدك عن الله فاثبت
إذا كثرت عليك الوساوس فقل سبحان الملك الخلاق{ إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز } .
لا تجد الروح والمدد ولا يصح لك مقام الرجال حتى لا يبقى في قلبك تعلق بعلمك ولا جدك ولا اجتهادك وتيأّس من الكل دون الله عز وجل .
لا تشم رائحة الولاية وأنت غير زاهد في الدنيا وأهلها
أسباب القبض ثلاثة ذنب أحدثته أو دنيا ذهبت عنك أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك
من دلك على المعبود فقد أراحك ومن دلك على العبادة فقد أتعبك والشيخ من دلك على الراحة لا من دلك على التعب
من أراد عز الدارين فليدخل في مذهبنا يومين فقال له قائل كيف لي بذلك قال فرّق الأصنام من قلبك وأرح من الدنيا بدنك ثم كن كيف شئت فإن الله لا يعذب العبد على مد رجليه مع استصحاب التواضع للاستراحة من التعب إنما يعذبه على تعب يصحبه التكبر
من لم يزدد بعلمه وعمله افتقاراً إلى الله وتواضعاً لخلقه فهو هالك
إن كنت مؤمناً موقناً فاتخذ الكل عدواً كما قال إبراهيم عليه السلام { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين }.
الصادق الموقن لو كذبه أهل الأرض لم يزدد بذلك إلا تمكيناً
لا تركن إلى علم ولا مدد وكن بالله واحذر أن تنشر علمك ليصدقك الناس وانشر علمك ليصدقك الله تعالى
العلوم على القلوب كالدراهم والدنانير في الأيدي إن شاء الله تعالى نفعك بها وإن شاء ضرك
مريد واحد يصلح أن يكون محلاً لوضع أسرارك خير من ألف مريد لا يكونون محلاً لوضع أسرارك
من ادعى فتح عين قلبه وهو يتصنّع بطاعة الله تعالى أو يطمع فيما أيدي خلق الله فهو كاذب
التصوف تدريب النفس على العبودية وردها لأحكام الربوبية
أبى المحققون أن يشهدوا غير الله تعالى لما حققهم به من شهود القيومية وإحاطة الديمومية
لن يصل العبد إلى الله وبقي معه شهوة من شهواته ولا مشيئة من مشيآته
إن من أشقى الناس من يحب أن يعامله بكل ما يريد وهو لا يجد من نفسه بعض ما يريد وطالب نفسك بإكرامك لهم ولا تطالبهم بإكرامهم لك { لا تكلف إلا نفسك }
إن أردت أن تكون مرتبطاً بالحق فتبرأ من نفسك واخرج عن حولك وقوتك
أربع لا ينفع معهم علم حب الدنيا ونسيان الآخرة وخوف الفقر و وخوف الناس
لا تسرف بترك الدنيا فيغشاك ظلمتها وتنحل أعضاؤك لها فترجع لمعانقتها بعد الخروج منها بالهمة أو بالفكرة أو بالإرادة أو بالحركة
خصلتان إذا فعلها العبد صار إمام الناس من أهل عصره الإعراض عن الدنيا واحتمال الأذى من أهلها
خصلة واحدة تحبط الأعمال لا ينتبه لها كثير من الناس وهي سخط العبد على قضاء الله تعالى { ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم }
كل حسنة لا تثمر نوراً أو علماً في الوقت فلا تعدلها أجر وكل سيئة أثمرت خوفاً من الله تعالى ورجوعاً إليه فلا تعد لها وزراً
حسنتان لا يضر معهما كثرة الذنوب الرضا بقضاء الله والصفح عن عباد الله
من اعترض على أحوال الرجال فلا بد أن يموت قبل أجله ثلاث ميتات أخر موت بالذل وموت بالفقر وموت بالحاجة إلى الناس ثم لا يجد من يرحمه منهم
سألت الله أن يجعل القطب من طريقتي فإذا النداء : يا علي قد استجبنا لك
كان رضي الله عنه يقول:إذا عرضت لك حاجة فأقسم على الله بي
لا يكمل عالم في مقام العلم حتى يبتلى بأربع : شماتة الأعداء وملامة الأصدقاء وطعن الجهال وحسد العلماء , فإن صبر جعله الله إماماً يقتدى به
* كلامه رضي الله عنه كثير وعال وكبير تركناه مخافة التطويل والله الموفق.
كتبه
ليس لسيدي أبي الحسن الشاذلي أية كتب لكن لديه مقولة مشهورة عندما سأله أحد الناس هل لديك كتب فقال سيدي أبي الحسن رضي الله عنه { كتبي أصحابي }
أقوال العلماء فيه
أخبر مكين الدين الأسمر سيدنا ابن عطاء الله السكندري ما ذكره في كتابه ( لطائف المنن ) الذي دونه في سيرة سيدي أبي الحسن وتلميذه سيدي أبي العباس المرسي قال : حضرت بالمنصورة في خيمة فيها الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ محي الدين بن سراقة والشيخ محمي الدين الأخيمي والشيخ أبو الحسن الشاذلي ورسالة القشيري تقرأ عليهم وهم يتكلمون والشيخ أبو الحسن صامت إلى أن فرغ كلامهم .
فقال الأسمر يا سيدي نريد أن نسمع منك فقال أنتم سادات الوقت وكبراؤه وقد تكلمتم فقالوا لا بد أن نسمع منك قال فسكت الشيخ ساعة ثم تكلم بالأسرار العجيبة والعلوم الجليلة فقام الشيخ عز الدين بن عبد السلام وخرج من صدر الخيمة وفارق موضعه وقال اسمعوا هذا الكلام الغريب القريب العهد من الله
وقال مكين الدين الأسمر أيضاً الناس يدعون إلى باب الله عز وجل وأبو الحسن رضي الله عنه يدخلهم على الله
قال وارث سره سيدي أبو العباس المرسي رضي الله عنه لقد صحبت رأساً من رؤوس الصديقين وأخذت عنه سراً لا ينال إلا لواحد بعد واحد وإليه أنتسب وبه أفتخر إنه سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال تقي الدين بن دقيق العيد ما رأيت أعرف بالله من الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله عنه
قال الشيخ أبو عبد الله الشاطبي كنت أترضى على الشيخ في كل ليلة كذا وكذا مرة وأسأل الله به في جميع حوائجي فأجد القبول في ذلك معجلاً فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له يا رسول الله إني أترضى على الشيخ أبي الحسن في كل ليلة وأسأل الله به في حوائجي أفترى عليّ في ذلك شيئاً فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو الحسن ولدي حس ومعنى والولد جزء من الوالد فمن تمسك بالجزء فقد تمسك بالكل وإذا سألت الله بأبي الحسن فقد سألته بي
ولسره العجيب وحاله المهيب كان يحضر مجلسه أكابر العلماء في عصره كابن الحاجب المالكي وابن عبد السلام عز الدين سلطان العلماء وابن دقيق العيد الفقيه الشافعي وعبد العظيم المنذري صاحب كتاب الترغيب والترهيب وابن الصلاح المحدث المعروف وابن عصفور حامل لواء العربية في الأندلس فكانوا يحضرون درسه في المدرسة الكاملية في القاهرة ويمشون بين يديه إذا خرج
حجه ووفاته
توفي سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بصحراء عيذاب بمصر في طريقه للحج سنة ست وخمسين وستمائة ولا يزال ضريحه موجوداً إلى الآن وقد جدد بناؤه مع غرف للزوار في هذا العصر على يد بعض المصريين تغمده الله بواسع مغفرته وأدخله فسيح جناته وجعلنا من السائرين على نهجه والملتزمين بطريقته و الحمد لله رب العالمين
مواضيع مماثلة
» * عظماء في الاسلام : احمد البوني - احمد التيجاني
» * عظماء في الاسلام : علي بن أبي طالب - القطب احمد البدوي
» * أأئمة الاسلام والمسلمين - احمد بن حنبل - ابو حنيفة النعمان
» * عظماء في الاسلام :عبد العزيز بن باز- ابو ذر الغفاري
» * عظماء في الاسلام : مالك بن انس - الليث بن سعد
» * عظماء في الاسلام : علي بن أبي طالب - القطب احمد البدوي
» * أأئمة الاسلام والمسلمين - احمد بن حنبل - ابو حنيفة النعمان
» * عظماء في الاسلام :عبد العزيز بن باز- ابو ذر الغفاري
» * عظماء في الاسلام : مالك بن انس - الليث بن سعد
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى