مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* رستاو ، وأصول الديانة المصرية القديمة

اذهب الى الأسفل

 *  رستاو ، وأصول الديانة المصرية القديمة Empty * رستاو ، وأصول الديانة المصرية القديمة

مُساهمة  طارق فتحي الإثنين أغسطس 15, 2016 1:19 pm

تأليف: عيسى عبدالرحمن
ربما يظن البعض أن فك رموز اللغة المصرية القديمة (الكتابة الهيروغليفية)، وترجمة نصوصها، قد كشف عن معتقدات الديانة المصرية القديمة كلها. الحقيقة هي ان معرفة الكتابة الهيروغليفية قد أظهرت جزءا من "تاريخ" مصر القديمة وسيرة ملوكهم، أمّا ديانتهم فلا يزال الكثير منها الى اليوم طلاسم ورموز مبهمة. وما هو معروف ومتداول عن تلك الديانة هو ما كتبه المؤرخين الاغريق عنها. حتى أن أسماء ألهتهم المستخدمة حاليا هي الاسماء الاغريقية. ولولا كتابات المؤرخين الاغريق، لما عُرف عن تلك الديانة شيئ يمكن فهمه!
السبب في ذلك عائد الى ان كتاباتهم الدينية قد كتبوها لأنفسهم، وليس للغرباء. وهم يعرفون ديانتهم بالتواصل الشفهي. وما يُعرف بالبرديات هي عبارة عن أدعية وابتهالات توضع في كفن الميت، ظنّا منهم أن الميت سوف يقرأ ما في تلك الصحف بعد موته!
بالاضافة للبرديات، يوجد ما يسمى بنصوص الاهرامات (Pyramid Texts)، وهي النصوص المكتوبة على جدران الاهرامات والمقابر والمعابد، وليس فقط الاهرامات.
وبجانب نصوص البرديات ونصوص الاهرامات والأكفان، تأتي الرسوم. وهي تشبه رسوم الكاريكاتير في عصرنا هذا. فإذا كان المطلع على الرسم لا يعرف ما يدور في ذهن الرسام، فلن يعرف المقصود من الكاريكاتير. وكذلك من يقرأ نصا من غير معرفة الشخصيات أو المعالم أو المعتقدات التي يذكرها النص، فلن يتمكن من معرفة المقصود بالضبط.
وبالاضافة الى ما هو موجود في التراث المصري ، فقد كتب المؤرخين الاغريق عن جوانب في تلك الديانة ، ومن الخطأ اهمال ما كتبوه ، وذلك انهم عاشوا في زمن كانت فيه الديانة قائمة. ولابد من الجمع بين كل هذا الركام لكي تخرج بنتيجة معقوله.
أمّا النظر من جانب واحد فقط ، كالنص المكتوب مثلا ، فلن يأتي بنتيجة صحيحة. إذا كانت التراجم بين اللغات الحية المتداولة لا تسلم من الاخطاء ، فما بالك من ترجمة لغة منقرضة أكل عليها الدهر وشرب.
لا يوجد شيئ اسمه ترجمة حرفية كلمة بكلمة وحرف بحرف، في كل لغات العالم -- يجب معرفة أفكار الكاتب أو القوم الذي ينتمي إليهم حتى يمكن اختيار المعنى المناسب للكلمة المترجمة والتعابير المستخدمة. فمثلا يوجد من الناس من يقول (اضرب تليفون) عندما يريد منك الاتصال به هاتفيا، فهل تستطيع ان تترجم عبارة (اضرب تليفون) للغة الانجليزية ترجمة حرفية؟
عدم وضوح الرؤية، وغياب الفكرة، تمثلان حجر عثرة أمام أي مترجم. الصورة المقابلة مثالا وليس حصرا. وهي من كتاب الموتى المصري لـ (واليس بدج). هذا الكتاب نقله للعربية فيليب عطيه، وأسماه: كتاب الموتى الفرعوني. هذه الصورة من ترجمة عطية، فصل 81، ص 90. تعليق المؤلف موجود تحت الصورة منسوخ من الكتاب: "رأس انسان يبزغ من زهرة لوتس على بحيرة ماء". وهو نفس ما كتبه بدج:
طبعا لا تحتاج الى تراجم برديات هيروغليفية لكي تعرف ان هذا الرجل موجود في زهرة لوتس، ولابد للزهور ان تكون في الماء!
السؤال الان: لماذا هذا الرجل يجلس في زهرة؟
إذا كان هواة الرسم لا يرسمون الا للتعبير عن أفكار وخواطر، فهل يُعقل ان أولئك الذين كان الرسم عندهم "دين" قصدهم من هذا الرسم هو فقط ما يظهر في الصورة، انسان في زهرة؟
فلو كان كل ما كتبه المترجم صحيح، ولديه صورة واضحة ومتكاملة عن معتقدات القوم، لكان أعطانا تفسير لوجود الرجل الميت في زهرة.
وطبعا نحن لا ننكر المجهود الكبير الذي قام به المترجمون في تدوين التراث المصري ونشره على الملاء ليكون في متناول الجميع، ولكن لابد من وضع النقاط على الحروف، ومن الخطأ الافتراض انهم وصلوا في تراجمهم الى درجة الكمال التي لا يمكن الجدال فيها، ولا حتى ما نسبته خمسين بالميه.
ومع ذلك ، سوف نعتمد في هذا التقرير على ما هو منشور ومتداول، ولكن بدلا من الاخذ من مصدر واحد، نفرق المصادر، حتى نرى الصورة من جوانب مختلفة وزوايا متعددة، وما فات عن مصدر أكمله غيره.
والان: ما هذا المبنى الجميل الظاهر في الصورة على اليسار؟
هذه هي العين الحمئة ، عين الشمس ، رستاو ، بوابة السماء الى العالم السفلي. الحروف الهيروغليفية في اعلى الرسم تلفظ رستاو. سوف نعود لها لاحقا.
لقد وضع قدماء المصريين لعين الشمس تصورات وتخيلات، وقسموها الى طوابق وأقسام ، فيها نقاط تفتش ، وثعابين ، وجن ، وعفاريت.
الجزء الظاهر منها فوق الارض (الخطوط العمودية في الصورة) هو عين الشمس، ولكن التشكيلة بكل ما فيها من أقسام (بما فيها الجزء العلوي) تسمى (رستاو).
كانت لديهم بوابتين، احداهما في هليوبولس القديمه، والاخرى في الارض الخفية (في واحة سيوه في الصحراء الغربية).
ربما لا يوجد معبد واحد ، ولا قبر واحد ، ولا بردية واحدة ، وحيثما وليت وجهك في الديانة المصرية وجدت رستاو أمامك. وهي في الحقيقة عماد الدين ، ومن غيرها ينتهي الدين ، ومع ذلك لا تزال حقيقتها مجهولة!
الحضارة المصرية كلها على بعضها، وما شيده أهلها لها من أهرام وتماثيل وصروح عظيمة، مبنية على مبدأ الحياة بعد الموت. نقطة الوصل بين هذه الحياة والحياة بعد الموت هي رستاو

عين الشمس. ولا تزال حلقة الوصل (رستاو) الى الان مفقودة
وبما ان هذا المقال ، والذي قبله أيضا ، مكتوب للاطلاع العام ، فلن نفترض ان المطلع على معرفة مسبقة بشخصيات أو قصص أو معالم الديانة المصرية. لذا سنبدأ بجولة سريعة على بعض الجوانب المهمة في الديانة المصرية التي لم نتطرق إليها في الجزء الاول ، لنرى كيف نشأت تلك الديانة ، ثم بعد ذلك سنعود الى النقطة الرئيسية التي بدأنا بها، رستاو. وإن كنت لا تريد أي مقدمات ، ابدأ من هنا.
لقد رأينا في الجزء الأول من هذه المقالات أن قدماء المصريين قسموا الشمس الى روح وجسد. الجسد هو قرص الشمس ، تبتلعه آلهة السماء نوت في نهاية اليوم، وتلده في صباح اليوم التالي. أمّا الروح فتذهب الى العالم السفلي المسمى عالم توات (أو دوات)، وهو عالم الموتى. يدخل الى العالم السفلي بواسطة زهرة اللوتس عندما تغطس في الوحل في عين الشمس التي كانت موجودة في مدينة هليوبولس القديمه، ويخرج من العالم السفلي (يولد من جديد) من عين أخرى في واحة سيوه في الصحراء الغربية.
تعليق المؤلف تحت الصورة المقابلة: "الشمس تبزغ من زهرة لوتس متفتحة على شكل الطفل حورس."
كانت الشمس في ثقافتهم مُذكر، وهو الإله رع. كلمة "رع" تعني الشمس، وبغض النظر سواءا كان الحديث عن قرص الشمس أو روح الشمس. مثل الانسان لا فرق في اسمه بين روحه وجسده، فقد كانت الشمس بالنسبة لهم اسمها (أو بالاصح أسمه) رع، ولا فرق في الاسم بين روحه وجسده.
يصورونه في المساء على شكل أتم (أبو أوزايريس و سيت)، وفي الصباح على شكل حورس ابن أوزايريس.
كما تدل رسومات ونحوت ونصوص على انه ليس فقط الاله رع هو الوحيد الذي يولد من زهرة، بل آلهة أخرى والبشر أيضا، الصورة في الاسفل مثال:
وإذا كان الاله الشمس (رع) يظهر على شكل حورس ، فكيف يمكن التمييز بين حورس الحقيقي وبين إلاله؟ يمكن التمييز بينهما من الشعار الذي فوق الرأس.
رموز الاله: صقر، قرص الشمس، جعران، جعران مُجنح
وقبل أن يخرج من الزهرة بلحظات ، يصورونه على شكل جعران، ويسمى خبرع (خب رع)، أو جعران مجنح (winged scarab). ويُعتقد ان تشبيه الاله بالجعران جاء نتيجة ملاحظة المصريين للجعران وهو يدحرج روث البقر، وفجأة تطلع جعارين صغيرة من الروث، فظنوا ان صغار الجعران قد ولدوا من العدم، ولم يعلموا ان انثى الجعران تخزن بيضها داخل الروث.
أثناء وجود الاله في العالم السفلي ، يظهر أحيانا على شكل خروف له قرنين، مثل الصورة أعلاه، ويُسمى أوف أو أفو (Afu) ، والقرون في ذلك الزمن كانت ترمز للقوة، وهذا يدل على ان العالم السفلي يحتاج الى قوة غير طبيعية حتى يمكن اجتيازه. ففيه ثعابين و أرواح شريره وشياطين سيت (أخو أوزيريس) يطاردون رع من أول دخوله الى العالم السفلي ويحاولون منعه من الخروج حتى يحل الظلام على الارض مدى الحياة.
ولأن رحلة العالم السفلي فيها مخاطر كثيره، وضعوا في كفن الميت البردية المسماة بكتاب الميت، يقرأ الميت ما فيها من أدعية وابتهالات على حسب الموقع أو البوابة التي يمر فيها، واذا فشل في اجتياز أي من المواقع أو البوابات، فسوف يبقى في العالم السفلي تلعب به الشياطين، أو يُلقى به في بحيرة من بحيرات النار، أو ينال اشد العذاب.
أمّا أتم فهو أبو أوزايريس وأخاه الشرير سيت، وأيضا أبو الأختين أيزيس ونفتيس.
كما يصورون الاله أيضا على شكل صقر على رأسه قرص الشمس، أو قرص الشمس فقط. أو جعران بجناحين، أو جعران من غير أجنحه.
قرود البابون دائما تعبر عن طلوع الشمس، ولا تطلع أبدا في مشهد غروب الشمس. تجدها في الصورة في مشهد الصقر ومشهد قرص الشمس.
المرأتين الظاهرتين في الصورة على يسار ويمين إله الشمس (الصقر، قرص الشمس، والجعران) هما الاخوات أيزيس ونفتيس. ويمكن التمييز بينهما بالشعار الذي فوق الرأس أيضا. المرأة على اليمين هي نفتيس، والاخرى أيزيس.
الصورة الاخيرة فيها حتحور، بالاضافة الى أيزيس ونفتيس. حتحور هي ابنة رع، على رأسها قرص شمس الصباح بين قرني بقرة، وهذا هو شعارها. أمّا الاشكال، فجميعهم نفس الشكل (حتحور، أيزيس، ونفتيس)، لأن الالهة بالنسبة للمصرين هي أرواح لا شكل لهم ولا صورة، وهذه الصور هي مجرد أشكال رمزية ليس المقصود منها التعبير عن أشكال الالهة الحقيقية.
الرمزية في بعض الاحيان يمكن معرفتها، فمثلا اذا صوروا الاله على شكل جعران، فهو يشبه الجعران في بعض تصرفاته، وليس لأنه هو بنفسه يصبح جعران. وتصويره على شكل طائر الصقر لأنه يأخذ شيئا من صفاته. وكذلك الادوات التي يحملها في يده كالعصى والعنخ، والشعارات التي يتقلدها كالقرون وقرص الشمس -- وكل شيئ له رمزيته.
لقد سبق ورأينا صورة آلهة السماء (نوت) الظاهرة في الاعلى في الجزء الاول. وهي صورة مركبة تلخص دورة الشمس، روح وجسد. نجد فيها الاله رع بعدة أشكال. عندما يدخل في عين الشمس الاولى نراه على شكل قرص الشمس. وهو في العالم السفلي مصور على شكل انسان برأس صقر (مثل حورس). وشكله صقر عندما يطلع من العين الثانية. وعلى شكل جعران مُجنح عندما يتحد بالقرص الذي تلده آلهة السماء نوت.
من العادات التي توارثتها الاجيال في كافة شعوب الارض أن يضعوا تمثالين لأسدين أمام البوابات!
الاسد الظاهر في الصورة اعلاه عند زهور اللوتس بين أيزيس ونفتيس يُسمى أكير (Aker)، أسد توأم (أسدين)، وهو من آلهة الارض بالاتفاق.
إقتباس: "أكير يفتح بوابة الارض للملك حتى يمر الى العالم السفلي"
وكما فتح أكير بوابة الارض للملك ، هو أيضا يفتح بوابة الارض للاله ، ولكل البشر الصالحين ، ليدخلوا الى العالم السفلي.
من الملاحظ في الاقتباس أعلاه استخدام مصطلح "البوابة" . وجود تمثالين لأسدين على البوابات ليس حكرا على المصريين. لقد عرفت شعوب الارض هذه العادة منذ القدم وإلى يومنا الحاضر، ولكن في هذا الوقت يضعونها للزينة فقط ، ومن غير معرفة السبب! وليس معروف إن كانت الشعوب أخذت هذا التقليد من المصريين ، أم أن المصريين أخذوه عن غيرهم. ولكن إذا كان التراث المكتوب يعتبر مصدر ، فهذا يرجح كفة المصريين.
وقفة الاسدين ظهر بظهر ربما يدل عن بعدهما مسافة عن بعض ، كوقفة الاسدين على البوابات.
وأحيانا يرسمونه أسد واحد فقط ، كالصورة المقابلة ، وكذلك على نقش أبوالهول. ربما قصدوا من ذلك تبسيط الرسم ، لأن المتعارف عليه لديهم اسدين وليس واحد، كما أن النصوص تصرح انهما آلهة اسدين .
يظهر في الصورة المقابلة الاله أنوبيس، وهو كلب بري كان يعيش في افريقيا وأسيا، والان مهدد بالانقراض.
أنوبيس هو اسمه الاغريقي، وإسمه المصري أنبو. اسمه ورمزه الهيروغليفي ظاهر في أعلى الصورة وظيفته حماية ارواح الموتى الداخلين الى رستاو..
كما يظهر أيضا على التوابيت والقبور، بما يدل على انه يحمي الموتى في هذه الاشياء أيضا.
يبدو ان قدماء المصريين رأوا هذه الحيوانات تدخل الى المقابر فظنوا ان الإله الشمس (رع) بعثها لحماية الموتى فيها، فجعلوها آلهة مقدسة.
وطبعا عندما يصورنه بهذه الاشكال، لا يعني بالضرورة انه يحميها بالجلوس عليها مباشرة، وإنما مسئول عن حراستها بطريقة أو بأخرى، روحية أو مادية.
إقتباس: "الذي على جبله (أنبو) عينه عليك، جاهز للحظة التي فيها أعداؤك يهجمون عليك، وسوف يردهم عنك"
نجد في الاقتباس اعلاه عبارة "الذي على جبله" -- تم تفسير الرمز الهيروغليفي في هذه الفقرة بالغلط. والصحيح: "الذي على عين الشمس (رستاو)" -- سوف نعود للحديث عن هذا النقطة لاحقا.
هذا الرمز هو أحد الرموز الكتابية لبوابة السماء (رستاو)، وأي إله يظهر معه هذا الرمز فهو له علاقة مباشرة به. التعريف الحالي لهذا الرمز هو انه منصة -- أي منصة دون تحديد. الوصف لصورة انوبيس في الاعلى (الصورة وليس الرمز) انه يجلس على منصة.
من الممكن صناعة رستاو على شكل منصه. وإن حصل ذلك فهو من باب ما يسمى بالعينة الصغيرة أو النموذج المصغر من شيئ حقيقي. فمثلا ان تقوم بعمل نموذج مصغر لعمارة حقيقية موجودة على ارض الواقع. وصورة انوبيس في الاعلى تبدو انه تمثال موضوع على منصه، ولكن القضية هي لماذا المنصة تأخذ هذا الشكل بالذات، ولماذا يوجد تحت المنصة باب؟
ديانتهم بإيجاز تتمحور حول قصة أوزايريس وأخيه سيت، وأختهما أيزيس. بالاضافة الى كونها أختهما، هي أيضا زوجة أخيها أوزايريس. قرر سيت قتل أخيه أوزايريس لكي يجلس على عرشه ويتزوج زوجته. أوزايريس (Osiris) هو الاسم الاغريقي، واسمه المصري "أزار" (Asar).
الفقرة التالية من كتاب أصدره المتحف البريطاني، وفيها القصة التي تشكل الجذور التي نشأت عليها ديانتهم. النص المكتوب في اصدار المتحف البريطاني ملخص عمّا كتبه المؤرخ الاغريقي بلوتارك، وهو من مؤرخي القرن الثاني الميلادي، عاش في زمن كانت ديانتهم موجودة، وعلى هذا الاساس فهو يُعتبر مؤرخ عاصر الحدث.
"كان لأوزيرايس شقيق توأم يسمى سيت، ويسميه بلوتارك سيث، وكان غيورا جدا من أخيه، ولا يضيع فرصة في تقويض سلطته، وكان يتمنى ازالته من طريقه، لكي يجلس على عرشه ويأخذ زوجته. وبعد فترة تمكن سيت من قتل أوزايريس، وذلك بإغراقه في النيل. سحب النهر جثة أوزايريس الى مستنقعات البردي في الدلتا، ثم أودعته المياه تحت أغصان شجرة السنط ، فكبرت الشجرة حوله وأخفته تحت اغصانها --- أيزيس، وبوسائل سحرية، اكتشفت المكان الذي فيه جثة زوجها، فذهبت الى المكان وأخذت الجثه. أرادت الذهاب الى ابنها حورس لكي تحثه على الانتقام لوالده من سيت. أخفت الجثة في مكان سري، وذهبت الى حورس في مدينة بتو. أثناء غيابها، وبينما كان سيت يتصيد في ليلة ما، وجد جثة أوزايريس وتعرف عليها، فقام وقطع الجثة الى 14 قطعه، ووزع القطع في انحاء متفرقة من البلد. سمعت أيزيس بما فعله سيت، فذهبت تجمع القطع، وحيثما وجدت قطعه، بنت في مكانها مزار. الان أيزيس ساحرة كبيرة، فقد تعلمت من تحوت اقامة الطقوس السحرية، وكلمات تعطيها طاقة قويه. كانت قادرة على تحويل نفسها الى أي نوع من المخلوقات، وتتنقل خلال الارض، الهواء، النار، أو الماء، وبنفس السهولة. بتعليمات من والدته، قام حورس مع مجموعة من اتباعه بعمل مراسيم الدفن لوالده، وكان لها تأثير في قيامة والده من الموت، ثم تنصيبه ملكا على أمنتي، المكان الخفي، أو العالم الآخر." (دليل المجموعات المصرية في المتحف البريطاني، ص 138 - 139)
وماذا حدث بعد أن تم تنصيبه ملكا على أمنتي، الارض الخفيه؟ نجد جانب آخر من القصة في التراث المصري. فنقرأ في قاموس «واليس بدج» ما يلي: "أزار (Asar) ... أغرقه أخاه في النهر وتشوه جسده، ولكنه قام من الموت. وبعد أن أعلن الآلهة انه بريئ من جميع التهم التي اتهمه إياها سيت، قاموا بتنصيبه ملكا على الموتى، ومعطيا الحياة الابدية لكل من آمن به." (بدج، القاموس، الجزء الاول، ص 83)
نحن الان عرفنا أصول عقيدتهم، ونواة هذه العقيدة هو أوزايريس، تم تنصيبه ملكا على الموتى، معطيا الحياة الابدية لكل من آمن به.
الاقامة من الموت التي وردت في القصة هي إقامة روحية وليست جسديه، لأنهم كانوا يعتقدون أن الروح تموت!
أوزايريس قتل في الدلتا، وتم تنصيبه ملكا على أمنتي (وتلفظ أيضا أمنتا وأمنتت)، الارض الخفيه.
وهل هي صدفة ان تكون مدينة هليوبولس، الموجودة في الدلتا، الارض التي قتل فيها أوزايريس، أعظم الاماكن المقدسة في ديانتهم؟
وعلى هذا الاساس فلابد من الافتراض مبدئيا ان الارض الخفية أيضا مكانا مقدسا.
الديانة قائمة على أوزايريس، وأي فصل بينهما يعتبر خطأ جسيم. ولكن تجد الان ان الذين يكتبون عن الديانة المصرية لا يعيرون أي اهتمام لقصة أوزيريس، ويمرون عليها مرور الكرام، ولا يذكرون علاقة أوزايريس بالديانة المصرية نهائيا، مع انه معطي الحياة الابدية لكل من آمن به!
وبسبب عدم الأخذ في الاعتبار قصة أوزيريس، تعاملوا مع المعتقدات المصرية على اساس الشمس فقط ، تطلع من الشرق وتغيب في الغرب. لذا كان الظن ان العالم السفلي يسير تحت الارض بالعكس، من الغرب الى الشرق. مع ان البرديات تقولها بصريح العبارة ان الشرق مقر الشياطين، فكيف يمكن اذن ان يكون الشرق جنتهم ونعيمهم؟
وإذا افترضنا جدلا ان الاله هو الوحيد الذي يذهب الى الشرق، فهذه الفرضية لا يمكن تطبيقها، لأن الجميع في نفس القارب.
يقول آني (كاتب البردية) مخاطبا الاله رع:
"الان، لا تجعلني أُحمل في قارب، أو يُقبض علي بعنف وأحمل الى الشرق، لتحتفل بي شياطين سيبو."
الفصل الذي تضمن النص المقتبس في الاعلى، كل الفصل على بعضه يحتوي على تعاويذ من الشرق، وشياطين الشرق!
رحلة الموتى ليس لها أدنى علاقة بشرق وغرب، ولن تجد نص واحد يؤيد طلوع الاله من الشرق، ولا حتى إشاره. ثم ان الرحلة الليلية تخص الارواح، والقرص تبتلعه آلهة السماء. والروح يمكن ان تطير بسرعة البرق، من أي مكان في الارض، ثم تتحد مع القرص. فإذا كانت روح الانسان تذهب بسرعة البرق الى الموقع الذي يحط فيه رع في نهاية اليوم، حتى تبدأ رحلة العالم السفلي مع قدومه، فالأولى أن لا تواجه روح الاله أية مشكلة في الانتقال في الفضاء من مكان الى آخر بسرعة البرق.

عين الشمس ....
"تحتوي مدينة هليوبولس على النظير الارضي لشجرة الجنة، شجرة الپيرسيا المقدسة، و«البئر المقدسة»، والتي تسمى الى يومنا هذا بئر الشمس «عين شمس»، ويُعتقد ان الشمس إمّا انها تأتي للسباحة فيها صباحا ومساءا أو أنها وُلدت فيها في بداية الخلق، عندما طلعت من الجحيم." -- (دبليو ماكس مولر، الميثولوجيا لكل الاجناس، الجزء 12، ص 31).
الاقتباس اعلاه يلخص التصورات عن عين الشمس التي كانت موجودة في هليوبولس القديمه: إمّا ان الاله رع (الشمس) ولد فيها في بداية الخلق، أو انه يأتي للسباحة فيها صباحا ومساءا. هذه الاحتمالات ليست مكتوبة في أي صحيفة ، وإنما مبنية على تفسير الرسوم والاستنباط فقط. والذين قالوا بهذه التصورات لا يبدو انهم أخذوا في حسابهم وجود الاله اثناء النهار في السماء، ووجوده أثناء الليل في العالم السفلي. وبهذه الطريقة تصبح عملية السباحة في هليوبولس غير منسقه.
لذا ، وبدلا من القول انه يأتي للسباحة فيها صباحا ومساءا، سنقول انه يدخل الى العالم السفلي من عين الشمس التي في هليوبولس (مساءا)، عندما تغطس الزهرة في الوحل، ثم يخرج من العالم السفلي من عين أخرى تشبهها موجودة في موقع ثاني (صباحا)، ثم سنأتي بالشواهد التي تؤيد هذا القول من التراث المصري نفسه. وقد سبق ورأينا أحد هذه الشواهد في الصورة التي يظهر فيها إله الوحل نو، وكان فيها عدد العيون اثنتين.
وبعد أن علمنا أن أوزايريس تم تنصيبه ملكا على أمنتا، ثم بعد ذلك نجد رسوم تدل على وسيلة مواصلات، أو انتقال من مكان الى آخر، ألا يدل ذلك على شيئ؟
وهل هي صدفة أن يحمل زورق العالم السفلي اسم ماعت (زورق ماعت)، وقاعة المحكمة التي يجلس فيها أوزيرايس تسمى قاعة ماعت؟ كلمة ماعت تعني الحقيقة، أي زورق الحقيقة، وقاعة الحقيقة، وهي القاعة التي رأيناها في الجزء الاول.
وإن كان اسم الزورق على اسم القاعة، فهل يمكن أن تكون محطة الزورق الاخيرة في مكان آخر غير المكان الذي فيه قاعة المحكمة؟
إذا حاولنا الان معرفة المقصود من الرسوم الثلاثة على اليسار، على ضوء القصة التي كتبها بلوتارك، وما كتبه عالم المصريات «واليس بدج» في قاموسه، والرسوم الاخرى التي تم استعراضها، نجد أن أوزايرس انتقل من الدلتا الى أمنتا في العالم السفلي بواسطة زورق الشمس، تحت رعاية زوجته أيزيس.
ومثلما يدخل إله الشمس الى العالم السفلي بواسطة زهرة لوتس، فإن أوزايرس أيضا دخل الى العالم السفلي بواسطة زهرة لوتس، ثم انتقل في زورق الشمس، وهذا ظاهر في الرسم الثاني.
الرسم الثالث يظهر فيه آني كاتب البردية المسماة «بردية آني»، دخل الى العالم السفلي بواسطة زهرة لوتس، ثم ركب في زورق العالم السفلي، وسيخرج منه بواسطة زهرة لوتس أخرى، مثل الشمس ومثل أوزايريس، وتحت اشراف أيزيس. هذا المشهد الذي فيه الكاتب آني هو تقليد لقصة أوزايريس وطريقة انتقاله من هليوبولس الى أمنتا.
تدل بعض نصوص البرديات على معركة حدثت في هليوبولس (إنو) في الليلة التي انتقل فيها أوزايريس من هليوبولس الى أمنتا. أحد هذه النصوص في بردية نبسني، حيث يقول كاتب البردية: "مرحبا بك يا تحوت، يا من جعلت كلمة أوزايريس حق ضد أعدائه، إجعل كلمة الكاتب نبسيني حق ضد أعدائه، بالضبط كما جعلت كلمة أوزايريس حق ضد أعدائه، في حضور قادة تشا تشا الذين كانوا مع رع وأوزايريس في أنو [هليوبولس]، في الليلة التي (فيها أشياء الليل)، وفي ليلة المعركة، وتقييد شياطين سيبو، وفي اليوم الذي تم فيه تدمير أعداء نيبرچار."
نص آخر يتحدث عن نفس المعركة، ولكن يحدد انها حصلت في رستاو: "يا تحوت... يا من جعلت أوزايريس منتصرا على خصومه أمام الدائرة العظمى من الآلهة في رستاو..."
نجد في الصورة في الاعلى قط يقتل ثعبان. هذا القط هو رع. كتب عنه الكاتب آني ما يلي: "أنا القط الذي قاتل بجانب شجرة البرسيا في أنو [هليوبولس] في الليلة التي تم فيها تدمير أعداء نيبرچار [رب الكون]. من يكون هذا القط؟ هذا القط هو رع شخصيا..."
في الاقتباس الذي تم عرضه عن عين الشمس، وصف المصدر شجرة البرسيا بأنها شجرة الجنة. شجرة البرسيا ليست شجرة الجنة، وإنما هي الشجرة التي ذكرها النص في الاعلى، التي بجانبها قاتل رع وقتل الثعبان. النص الثاني يحدد ان المعركة حدثت في رستاو، بما يعني ان شجرة البرسيا موجودة داخل رستاو. وسوف نرى لاحقا نصا آخر يذكر الشجرة بصريح العبارة، ويحدد ان مكانها داخل رستاو، ووظيفتها حفظ الاسرار.
هذه المعركة التي حدثت في أنو (هليوبولس)، داخل رستاو، تتكرر يوميا مع كل ميت يسافر مع رع في زورق العالم السفلي، وأيضا مع رع لأنه من ضمن الموتى.
في الصورة المقابلة نجد تصوير لإنسان ميت، وهو آني كاتب البرديه، يقف على رستاو وشكله طائر البا (طائر بوجه انسان، رمز روح الانسان)، ثم يدخل فيها ولكن لا يظهر في الصورة وقت دخوله، بعد ذلك يخرج من باب ويقاتل الثعبان. هذا الثعبان هو نفس الثعبان الذي قتله رع وهو على هيئة قط ، في الليلة التي تم فيها تدمير أعداء نيبرچار، و هي الليلة التي انتقل فيها أوزايريس من أنو الى أمنتي.
في الصورة المقابلة اله الشمس، على صورة أتم، يقاتل الثعبان. وهنا لابد ان تضع فرضية بديهية انه دخل الى هذا المكان بواسطة العين التي دخل منها الانسان.
وكل هذا مشهد متكرر لما حدث مع أوزايريس.
الكلب البري أنبو، والاسد الأفريقي أكير، والصقر والجعران، كانو موجودين أصلا في المحيط المصري. الثعبان هنا هو ثعبان النيل، ويُسمى عبب، جعل له قدماء المصريين وظيفة شيطانية، ومهمة شريره.
وبعد أن عرفنا بعض الجوانب والمقدمات التي لها علاقة مباشرة بموضوعنا، سنعود الان الى رستاو.
وكما هو الحال مع أي لغة، فإن حروف الكتابة الهيروغليفية تغيرت بعض الشيئ على مر العصور، كما أن الكلمات الهيروغليفية تعتمد على اللفظ ، والمهم هو المعنى المفهوم من سياق النص.
وبما ان كل المراجع في التراث المصري اجنبية، نضع الحروف الانجليزية هنا لمن اراد ان يبحث عنها. وبعد ان ننهي موضوعنا هذا بالكامل ان شاء الله، سوف نضع المراجع المستخدمة على احد المواقع المجانية لمن يريد تحميلها والاحتفاظ بها.
بعض الاقسام والأبواب والمعالم الموجودة في رستاو نجدها في قاموس (واليس بدج).
كما نجد اشارات في كتاب الموتى عمّا يحدث في راستاو، منها النص التالي، وفيه الميت يتوسل ربه ان يحميه من الدودة في راستاو: "مرحبا بك، يا من تسكن المنطقة المقدسة في أمنتا، أوزايريس، [الميت] يعرفك ويعرف إسمك، إحمه من تلك الديدان الموجودة في ريستاو، التي تعيش على لحم الميت وتشرب من دمه"
هذه هي الديدان التسعة التي ذكرها قاموس (واليس بدج).
منطقة حارة جدا في رستاو: "المنطقة الثانية عشر. يا منطقة أونت، داخل رستاو، التي حرارتها مثل النار. لا إله يدخلك، والممجدين لا يجتمعون فيك، لأن الثعابين الاربعة سوف يدمرون أسمائهم."
الموتى يُولدون في رستاو: "أنا الذي وُلدت في رستاو. المجد أعطيَ لي من قِبل أولئك الذين في أشكال المومياء في بو، في حرم أوزايريس.
النص التالي يدل على وجود لهيب نار في راستاو، وفي هذا النص يشبه الميت نفسه بأوزايريس: "أنا أوزايريس، رب رستاو، الذي هو نفسه على رأس السلم. لقد جئت لعمل ارادة قلبي، من خلال خزان اللهب، الذي أطفئه عندما أخرج

*

أنوبيس وهو جالس على رستاو ب
  طارق فتحي في الإثنين 28 سبتمبر 2015 - 9:30

تكاد لا تخلو مقبرة أو معبد من تصوير أنوبيس وهو جالس على رستاو بصورة أو بأخرى. فإذا كان عنوانه الرئيسي "الذي على جبله"، فلابد ان تكون صورته المنتشره تدل على وظيفته. ولكن الموجود يختلف تمام الاختلاف عن الجبال! وطبعا ليس من المستبعد ان تجد تمثال لانوبيس على تابوت في قبر، وهذا القبر موجود تحت جبل، ولكن في هذه الحاله هو على التابوت، وليس على الجبل نفسه.
استنادا للمراجع التي كتبها المترجمين أنفسهم، فإن المصطلحات التي فسروها بأبعد نقطة في الشرق وابعد نقطة في الغرب لا تعني في الحقيقة ذلك.
فمثلا كتب بدج ملاحظة في كتاب الموتى يشرح فيها مصطلح بخو (Bakhau) ومانو (Manu)، انظر الصورة في الاعلى. يقول فيها انهما ابعد نقطة شرقية وابعد نقطة غربية لدورة الشمس، حيث الشمس تشرق وتغرب.
المربع الثاني منسوخ من القاموس (انظر الصورة)، يُعرف فيه مصطلح (Bakhau) بأنه أرض الشروق، التي فيها يقوم رع بطعن سيت.
مصطلح باخو (Bakhau) مشتق من كلمة بخ (Bakh)، وتعني ولادة ، أي ولادة ، شمس أو غيرها. هذا الرمز: يدل على الولاده. في الكتابة الهيروغليفية يكتبون الكلمة ثم يتبعونها برمز يحمل المعنى المقصود. فمثلا اذا كانت الكلمة تعني طاولة، يكتبون طاولة ثم يرسمون طاولة بعد الكلمة. ولكن لا يستخدمون هذا الاجراء في كل كلمة يكتبونها اذا كان سياق النص معروف.
وعلى هذا الاساس، فإن المصطلح الذي يُفسر بأبعد نقطة شرقية يعني ارض الولادة فقط. ولا علاقة له بالشرق ابدا.
للتأكيد على معنى الولادة، نجد في كتاب الموتى لمؤلف آخر التعليق التالي:
يقول المؤلف ان هضبة باخو وردت في النصوص المتأخرة برمز حاسم، امرأة أو بقرة في حالة ولادة، مع كلمة أخرى تدل على الفجر. وقد قلنا في فقرة سابقة انه ليس من الضروري كتابة الرمز بعد الكلمة. الان يقول المؤلف ان النصوص المتأخرة حسمت المسألة، الولادة في وقت الفجر. وهذا بكل تأكيد لا علاقة له بشرق وغرب. ولكن تفسير المترجمين فقط هو ان الولادة تحصل في الشرق، استنادا للمفهوم العام لمشرق الشمس، وليس على اساس النص أو المصطلحات المستخدمة.
من الملاحظ أيضا انهم يفسرون الرمز بما يعني جبل أو هضبة، وهو يختلف عن رمز القوس الواحد الذي سبق الحديث عنه! وبحسب قاموس (واليس بدج) فإن الرمز ذو القوسين يمكن أن يعني "ارض صحراوية" أيضا، بالاضافة الى جبل أو هضبة. وفي الاقتباس قبل الاخير، كتبها بدج (Bekhatet)، الاحرف الثلاثة الاخيرة (tet) لا تعني جبل، وإنما أرض.
المصطلح الذي يستخدمه المترجمون لأرض الغروب هو مانو (Manu). من سياق النصوص يتضح ان المقصود به الافق الغربي.
ما نراه في النص أعلاه ان مانو شيئ ، وأرض الحياة شيئ آخر. الاله يغرب في أرض الحياة، ومتحد مع أمه آلهة السماء في مانو. الاتحاد هو اتحاد الروح بالجسد، وجسد الاله هو قرص الشمس. وهذا يدل على ان مانو أفق السماء الغربي، أو اسم منطقة كانت تقع غرب النيل، واسمها يُطلق على أفق السماء المُطل عليها ، وليس جبل أو أرض تغرب فيها الشمس.
وكان الاولى أن يقولوا أن أبعد نقطة غربية تغرب فيها الشمس هي أرض الحياة، لأن النص يصرح بهذه الارض دون أدنى التباس.
المشكلة هي أن أرض الحياة بمعناها العام تعني المقبرة، أرض الاموات. والمعنى الخاص هو أن أرض الحياة كانت في الاصل مدينة أو قطعة أرض موجودة في هليوبولس.
الصورة المقابلة من قاموس (واليس بدج). وهي نفس الصورة التي رأيناها في الجزء الاول. الحروف الهيروغليفية تعني «أرض الحياة» ، (Ta en ankh) يُعرفها بدج بقوله: مقاطعة من هليوبولس. الحروف المعلمة بالاصفر تعني الحياة، والحروف الاخرى تدل على انها أرض حقيقية.
المشكلة بالدرجة الاولى ليست مشكلة ترجمة، وإنما مشكلة اختلاف مفاهيم. ولو حاول المترجمون أن يعيشوا بتصورات أولئك القوم وتعابير لغتهم ، لما وجدوا مشكلة في استيعاب ان الشمس تغرب في هليوبولس! وقد تحدثنا عن هذه النقطة في الجزء الاول ، وانهم كانوا يستخدمون مصطلح الغروب للتعبير عن دخول الاله الى العالم السفلي. من الملاحظ أيضا في كتابات الدارسين في التراث المصري انهم يتعاملون مع معالم التراث كلٍ على حدة ، ولا كأنه تراث متكامل ومتصل ، فمثلهم كمثل من يقرأ رسالة فيتوقف على كل فقرة فيها ليبني عليها نتيجة ، حتى ولو أدت هذه النتيجة الى تناقض مع نتيجة أخرى مبنية على فقرة سابقة!
تغرب الشمس في أرض الحياة، وتطلع في الارض الخفية، وهي المكان الذي فيه تم تنصيب أوزايريس ملكا على الموتى، طبقا للمؤرخ الاغريقي بلوتارك في القصة التي سبق ذكرها، أمنتي (أمنتت، أمنتا)، المكان الخفي، أو العالم الآخر.
أمن = خفي (Amen)
تا = تت = تي = أرض (ta, tet, ti)
أمنتا = أمنتت = أمنتي = الأرض الخفية (hidden land, Amenta, Amentet, Amenti)
وكيف يمكن أن تكون مجرد عنوان تشريفي وفيها يطلع الاله من تحت الارض، ويخرجون فيها الموتى كالعصافير المفقسين من البيض؟
أمنتا موجودة ، وليست عنوان تشريفي فقط ، ولكنها خفية. وحتى لا تتشتت الافكار بينها وبين رستاو ، سوف نترك أمرها لجزء مستقبلي مستقل ، إن شاء الله تعالى.
نجد في الصورة المقابلة الاميرة نفرتاري تلعب لعبة السينيت (senet)، في غرفة الاموات، لأنها هي الان ميتة، وتنتظر قدوم الاله في نهاية اليوم لتسافر معه في رحلته الليلية في العالم السفلي.
ونراها بعد ذلك تقف على رستاو، وشكلها إمرأة كبيرة السن ، على هيئة طائر البا (رمز روح الانسان).
ثم تعود شابة، تجلس على ركبتيها وترفع يديها. رفعة اليدين والجلوس على الركبتين بهذه الطريقة تدل على انها تؤدي التحية لإله ، أو لملك الموتى أوزايريس ، بما يدل على انها عبرت العالم السفلي بسلام، واجتازت الحساب بنجاح.
بعد ذلك يأخذها حورس ويقدمها للاله رع (الشمس)، وعلى رأسه قرص الشمس الذي تلفه حية الكوبرى، قرص شمس الصباح. تجلس بجانبه الالهة أمنت، وهي الآلهة المختصة بالعناية بالموتى القادمين الى الأرض الخفية الجميلة.
وأخيرا تخرج نفرتاري من تحت الارض لتقابلها الآلهة حتحور، إبنة رع، وكأنها تقول للأميرة: هدئي من روعك، انتي الآن بين أهلك وناسك.وجود رسوم لموتى يؤدون التحية لأله الشمس يدل على انهم يقابلونه بعد اجتيازهم الحساب ، وقبل صعود الاله للسماء والاتحاد بالقرص.
يمكن أن يُطلق على هذه المقابلات مصطلح اللقاء الصباحي!
رأينا في الجزء الاول عدة صور لنساء عاريات مرسومة على جدران المقابر، وانهم كانوا يستقبلون الموتى ، بما فيهم الاله رع ، بالغناء والرقص وهم عرايا
السبب في هذه الطقوس عائد الى حتحور ابنة رع. بحسب الاسطورة، عندما احتدم الصراع على السلطة بين حورس وسيت، غضب الاله رع من أفعالهم وجلس حزينا، فقامت ابنته حتحور بخلع ملابسها وبدأت ترقص أمامه وهي عارية من الملابس حتى ذهب حزنه وانفجر من الضحك.
هذا الرقص والتعري لا علاقة له بالجنس ، وإنما طقوس شاذة فقط.
يبدو أن المرأة الظاهرة في الصورة هي حتحور ، وذلك نظرا للشعارات الظاهرة في أعلى الصورة من جهة اليمين: قرون البقرة ، وقرص الشمس الذي تلفه حية الكوبرى، وهي شعاراتها.
لقد سبق ورأينا الصورة المقابلة وتحدثنا عنها. المنصة الدائرية (عين الشمس، رستاو) التي يقفان عليها رع وأوزايريس هي نفس المنصة الدائرية التي تقف عليها الاميرة نفرتاري.
ما تفعله الاميرة، وكل ميت يرحل مع رع في عالمه السفلي، هو تقليد لما حصل مع أوزايريس. وبما أن رع هو من تولى عملية نقل أوزايريس الى أمنتا، فلابد أن يقوم بنفس المهمة مع كل الموتى الذين يذهبون الى أوزايريس. وهذا ما نراه مع الاميرة نفرتاري. وكل هذه الصور حقيقية، طبق الاصل، وقد تم التأكد من صحتها.
الديانة المصرية لا تقتصر فقط على قصة أوزايريس ، ورستاو عين الشمس ، وزهور اللوتس الازرق ، ولكن هذه الاشياء هي الاسس التي قامت عليها الديانة.
أموات يُمسكون زهور لوتس روحانية لحفظ أنفاسهم. كانت هذه الزهور الروحانية مستقرة على خياشيم الاله رع، والان على خياشيم الموتى.
كما أن لديهم اعتقاد بأن زهرة اللوتس لها روح وجسد، وعندما تُقتلع من الارض المقدسة (هليوبولس)، تطير روحها وتستقر على خياشيم رع. هذه الزهور الروحانية التي تستقر على خياشيم رع توفر حماية لأنفاس الموتى عندما يعبرون العالم السفلي -- إقتباس: "أنا زهرة اللوتس التي خرجت من الارض المقدسة [هليوبولس]. عندما أقتلع، أذهب وأستقر على خياشيم الشخص العظيم [الاله رع].".
وكانت لديهم أيضا زهور اللوتس الابيض، تطلع في الليل وتغطس تحت الماء في النهار، وهي على ما يبدو زهور القمر، ولكن لا يوجد عنها ما يكفي من المعلومات لكي يمكن معرفة وظيفتها
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى