* مقتطفات عجيبة - طوق جديد حول إيران - إيران النووية - الأحمديون في دائرة الاستهداف
صفحة 1 من اصل 1
* مقتطفات عجيبة - طوق جديد حول إيران - إيران النووية - الأحمديون في دائرة الاستهداف
مقتطفات عجيبة
مُساهمة طارق فتحي في الإثنين 3 يناير 2011 - 2:02
ثمة من يؤمن بما يسمى غالباً بالخوارق ومن يؤمن فقط بما يمكن إثباته بالعلم. نكشف مع المؤمنين والمشككين الحقيقة والقصص المخيفة عن القتلة المسرنمين وجروح المسيح والأقزام والحيوانات المفترسة الليلية مصاصة الدماء بحيث يمكنكم وحدكم تحديد، هل هذا حقيقي؟
في حلقة "القتلة المسرنمون"، يضرب رجل من مانشستر والده حتى الموت ويصيبه بـ90 جرحاً مختلفاً. في كندا يقود رجل 22 كيلومتراً ويقتل حماته. فيما في أميركا يطعن والد سعيد بزواجه زوجته 44 مرة ويغرقها في حوضهما للسباحة، دفاعهم؟ كانوا نائمين حينها، هذا الوثائقي الآسر يسأل إن كان من الممكن أن يرتكب الناس جرائم عنيفة ومعقدة فيما هم نائمون ويلتقي بمركمجين بريطانيين ينامون كل ليلة وهم يعرفون أنهم قد يعيثون الفوضى بدون قصد قبل أن يستيقظوا لقرون، لجأ الإنسان لتنبؤ مستقبله مستشيراً العرافين والمنجمين، إن كان "شيفرة الإنجيل" "شيفرة المايا" أو
"سيليستين بروفيسي" وهي كتب تدعي تنبؤ المستقبل تستمر في كونها شعبية نوستراداموس هو أحد الأنبياء الأكثر شهرة في العالم، يشرح علماء الرياضيات كيف يمكن لـ"كتاب شيفرة الإنجيل" تنبؤ أي شيء من تواريخ الحروب والاغتيالات إلى اسم كلبكم.
في كتاب "نوستراداموس إيفيكت" نتعقب تنبؤات أهم العرافين اليوم مثل سيلفيا براون كتاب دان براون الديني المشوق سحر الملايين محطماً أرقاماً قياسية في المبيعات ومنتجاً نسخة هوليوودية محتمة، انضموا إلينا فيما نستكشف ادعاءات براون ونلتقي بواضعي نظريات متآمرة آخرين يظنون أن أخلاف يسوع لا يزالون موجودين.
يقال إنه تم تناقل السر عبر أجيال من المؤمنين بمن فيهم ليوناردو دافينشي السير آيزك نيوتن وفيكتور هوغو، "دافينشيز كود" يجد ثغرات في هذا المفهوم الرومنسي بالإضافة إلى حقائق محتملة، إذ كانت هذه النظريات المتآمرة صحيحة أيمكن لأخلاف يسوع ومريم المجدلية أن يكونوا أحياء اليوم؟
عندما تم اكتشاف بقايا جنس أقزام جديد في جزيرة إندونيسية بعيدة، هُزّ عالم الأنثربولوجيا وُنتن، لكن بالنسبة إلى علماء الحيوانات غير المكتشفة، كان الخبر دليلاً إضافياً على وجود الـ"أورانغ بينوك" الأسطوري أو "الرجل القزم" الذي يزعم أنه سكن الأدغال الإندونيسية في حلقة "رجل القرد في سوماترا" نرى إن كان من الممكن إن كان أولئك الأقزام لا يزالون موجودين في أعماق أدغال سوماترا أو ماليزيا.
زمن الدبلوماسية انتهى
مسلسل ويكيليكس:الانقلاب المذهل
زمن الأسرار الدبلوماسية انتهى
كيف يفكر جوليان اسانج مهندس تسريبات «ويكيليكس» بعد حملة التسريبات الأخيرة؟ هل إن الرجل فار من وجه العدالة، هل إنه مهدد في حياته، وكيف ينوي اليوم التعامل مع اخصامه السياسيين وقد كثروا الى حد لا يحتمل؟
استطراداً: هل اختزل «ويكيليكس» كل وسائل الاعلام العالمية وتحول الى المصدر الأول - والأخير- لأخبار العالم، وهل انتهى عصر الدبلوماسية التقليدية بعدما نزع الموقع الشهير القناع عن الوجه الأميركي الحقيقي؟
بين ليلة وضحاها تحولت شبكة «سي ان ان» من «ام الاخبار» الى ملحق اعلامي ثانوي يعيد نشر ما نشرته «ويكيليكس» عن افغانستان والعراق وباكستان وايران، بعدما كانت ابان الحروب الصورة الوحيدة للمشاهد حول العالم والمصدر الرئيس للخبر، وبعدما سبقت قناة «الجزيرة» ونظيراتها بأشواط في نقل الاحداث المباشرة في مواقع الخطر، وكانت الشاشة التي يشاهد عليها ما لا تشاهد في وسيلة اعلامية أخرى. «سي ان ان» الآن مجرد ناقل للوثائق السرية التي عممها الموقع الالكتروني الخطير. و«الحقيبة الدبلوماسية» التي نظمت طوال ثلاثة قرون العلاقات بين الدول بعيدا عن الرقابة، صارت فجأة شيئا من الماضي وانتفى دورها او يكاد حين أمطرت سماء «ويكيليكس» مئات آلاف من الاوراق الدبلوماسية المصنفة «خاصة» او «سرية» لاكبر دولة في العالم، وباتت في متناول اي شخص يتقن فك الحرف بكبسة زر على الانترنت.
منذ اسابيع، لم نعد ننتظر ما ستنقله لنا «رويترز»، أو «الاسوشيتدبرس» أو «الـفوكس نيوز» او «اي بي سي» أو «النيويورك تايمز» و«الغارديان» و«لو موند» من انباء وتحقيقات وتحليلات لنعرف ما هو الجديد في العالم. صرنا ننتظر ما ستنقله لنا الوكالات وأقنية التلفزيون والصحف من جديد، كشفته او ستكشفه «ويكيليكس». بسرعة قياسية تحول هذا الموقع الى منبع رئيسي لتغذية الشرايين الاعلامية حول العالم ليس فقط بالاخبار، بل بالاسرار التي تكاد أن تغير وجه العالم وتصنع عصراً جديداً. ومن المفارقات ان «ويكيليكس» لم تحتكر الاسرار، بل تعاونت مع وسائل إعلام دولية عدة، لتسهيل عملية النشر وايصال المعلومات الى ارجاء الدنيا، الأمر الذي وصفته منظمة «مراسلون بلا حدود» بانه مثال ناجح للتعاون بين «الصحافة التقليدية» و«وسائل الإعلام الجديدة».
قبل «الانقلاب الاعلامي التاريخي» الذي احدثته «ويكيليكس»، كان الصحافي يجهد نفسه شهورا وسنوات ليتمكن من الاستحواذ على وثيقة واحدة من الوثائق المتداولة اليوم، وقد يكلفه نشرها حياته، واذا بموقع الكتروني على الشبكة العنقودية يغطي الكرة الارضية بالوثائق السرية، ويشغل كل وسائل الاعلام في نقلها وترجمتها والتعليق عليها، ويهز دولا كما يهز أعصاب السياسيين حول العالم بضجيجها وارتداداتها، ويلهي الجمهور العريض بالجدل حولها حتى صار «مسلسل ويكيليكس» اشهر برنامج اعلامي في العالم ينتظر الناس حلقاته حلقة حلقة وصفحة صفحة. وهكذا صار موقع «كشف الغيب الدبلوماسي» مالئ الدنيا وشاغل الناس، وصار مديره الاوسترالي الاصل جوليان اسانج المطارد من عاصمة الى أخرى، والمتهم بهتك الاسرار والملاحق بتهمة اخرى، أعجوبة ومثار كره نصف السياسيين في العالم ومثار حسد معظم الصحافيين.
باختصار «ويكيليكس» هو اليوم بوابة الاعلام الاولى في العالم بلا منازع. وبغض النظر عمن يقف وراءه وما هي دوافعه للنشر وطريقة حصوله على المنشورات، فان هذا الموقع ظاهرة اعلامية تستحق البحث والتأمل والتساؤل بعدما ألغى ببساطة ما عداه من وسائل اعلام اخرى وجعلها تابعة له تعيد نقل ما ينشره.
مع «ويكيليكس» لم تعد المسألة حكايات الحرب في العراق وافغانستان، وما نقله هذا الدبلوماسي عن هذا الملك او ذاك الرئيس في شأن ايران او باكستان، وما هي الاوصاف التي يطلقها السفراء الاميركيون على بوتين او ساركوزي او برلوسكوني، بل صارت مسألة: من يعيد التحكم في مصادر الاعلام في العالم ومن يعيد السطوة على الآلة الجبارة لصنع الرأي العام في العالم بعدما كثر المتنافسون على منابع الاخبار؟
نهاية حقبة
هذا على المستوى الاعلامي، أما على المستوى الدبلوماسي فتلك مسألة اخرى، ذلك ان تسريبات «ويكيليكس» سيكون لها ما قبلها وما بعدها، وستغير إلى حد كبير قواعد اللعبة وأشكال التواصل بين الدول في علاقاتها السياسية على المديين القصير والمتوسط، وبهذه الاشكالية وضع موقع «ويكيليكس» نهاية لعصر الدبلوماسية التقليدية، وغيّر قواعد اللعبة، خصوصا بالنسبة الى الدبلوماسية الأميركية التي تملك أكبر شبكة بعثات حول العالم. والتحدي الكبير للديبلوماسية الأميركية منذ اليوم هو: كيف تستعيد زمام الأمور، وكيف تقنع المسؤولين ومصادرها ومن يتردد على سفارات واشنطن حول العالم، بأن مثل هذه الفضائح لن يتكرر؟ وأن التحاور مع الدبلوماسيين والمسؤولين الأميركيين لن يخرج الى العلن ويحرج ويفضح؟ فمن يطمئن بعد الآن بأن المكاشفات الخاصة بينه وبين اي دبلوماسي اميركي او غير اميركي في الغرف المغلقة، لن تكون في اليوم التالي عنوانا رئيساً في كبريات الصحف ومواقع الإنترنت في العالم؟ ومن يثق بعد الآن بأنه إذا ما دخل سفارة دولة اخرى، فإنه سيخرج منها سالـماً بالمقاييس السياسية؟
على المدى القصير سيعاني الدبلوماسيون الأميركيون من صعوبات ومن جفاء وتحفظ وتردد أكثر ممن اعتادوا أن يكونوا منفتحين معهم وشفافين وصريحين.
هذا الكسح الاعلامي الذي قابله انهيار دبلوماسي، دفع بالكثيرين الى طرح السؤال البديهي: كيف تمكن اسانج وفريقه الصغير في «ويكيليكس» من ذلك كله؟
اذا دقق مدقق في تسريب كل هذا الكم من الوثائق السرية من خزنة الاسرار العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية الاميركية، فانه سيجد استحالة في استيعاب حصوله. واذا كان هذا التسريب هو نتيجة خرق كبير لمؤسسة من المؤسسات الاميركية (وهذا ممكن ومعقول)، فهل من المعقول ان تكون كل المؤسسات الاميركية المحاطة بالسرية وأجهزة الأمان الشديدة التعقيد، مخترقة بالطريقة نفسها وبالسهولة نفسها وبالتزامن نفسه؟ واذا كان الأمر يتعلق بخرق فني كبير أتاح دخول الشبكات المعلوماتية كلها، فهذا أمر لا يصدق، ذلك اننا امام مؤسسات يميزها تقدمها التكنولوجي خصوصا في مجال المعلوماتية، سيما وان بعضها - خصوصا العسكرية منها - هي من اخترع الانترنت وأحدث أكبر الانقلابات العلمية في التاريخ الانساني، بل هي من يملك اكثر اجهزة الكومبيوتر تطورا في العالم.
واذا سلمنا بأن مثل هذا الخرق حصل فعلا (ولو كان ذلك مستحيلا)، فإن هذا يستتبع حتما عاصفة سياسية داخل الادارة الاميركية أين منها عواصف فضيحتي «ووترغيت» و«ايران غيت»؟ لكن رد الفعل الرسمي الاميركي حتى الآن خجول ولا يدل أبدا على ان واشنطن تواجه امرا جللا. واسانج «الاعجوبة» ملاحق... لكن بتهمة اغتصاب فتاة في السويد وليس بتهمة اغتصاب اسرار البشرية وهتك اعراضها!
هل يعتقل اسانج؟
بالتزامن مع صدور السلة الجديدة من التسريبات التي أثارت بلبلة عالمية، تواصل الغموض حول حوافز ونيات ومكان اقامة مهندس التسريبات، صاحب موقع «ويكيليكس» الالكتروني جوليان اسانج.
ورغم مزاعم قالت ان اسانج اصبح فاراً من وجه العدالة، فقد علمت صحيفة «اندبندنت» ان شرطة سكوتلانديارد كانت على اتصال مع فريقه القانوني لمدة اكثر من شهر، لكنها في انتظار المزيد من المعلومات قبل توقيفه. وقد طلب من قوى الشرطة في العالم كله، اعتقال مؤسس «ويكيليكس» المثير للجدل، المطلوب في السويد بسبب سلسلة من الاتهامات الجنسية.
والاسترالي البالغ من العمر 39 سنة، زود الشرطة البريطانية بعناوين وارقام للاتصال به لدى وصوله الى المملكة المتحدة في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي. وقد اكدت مصادر الشرطة ان لديها رقم هاتف خاصا بأسانج، وانها على معرفة تامة بالمكان الذي يتواجد فيه.
«الاندبندنت» كشفت ايضا ان «الوكالة البريطانية للجريدة الخطيرة المنظمة «سوكا» (SOCA)، تلقت ما يعرف باسم «البلاغ الاحمر»- اي مذكرة التوقيف الدولية- لكنها رفضت، حتى الآن، السماح باعتقال اسانج، الذي يقال انه يقيم حاليا في جنوب- شرق انكلترا، وقبل حصولها على الاذن، لا تستطيع الشرطة القيام بأي تحرك.
ويقال ان هذا التأخير هو تقني فقط، فيما اشارت مصادر «سوكا» الى انها تحتاج الى توضيحات حول مذكرة التوقيف الاوروبية، الصادرة عن النيابة العامة السويدية في حق اسانج، وقد اضيف اسمه الى لائحة المطلوبين لدى شرطة الانتربول الدولية في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لكن الاعلان عن ذلك لم يحصل الا في الاسبوع الفائت.
وذكر مقربون من اسانج انه كان يعمل خلال الليل الذي سبق الاعلان عن مذكرة التوقيف الدولية، من اجل حماية موقعه الالكتروني، من المحاولات المتكررة، من جانب «الهاكرز» لتعطيله، واوضحوا ان موقع «امازون» قد وافق على التوقف عن استضافة ويكيليكس، عقب ضغوط مارسها عليه، عدد من اعضاء الكونغرس الاميركي. وكان «ويكيليكس» قد نقل نشاطاته الى مقدمي الخدمة على موقع «امازون» مؤقتاً، خلال تعرضه للهجمات السيبرنيتيكية.
وقد رفض شركاء اسانج الكشف عن اماكن تواجده، بسبب التهديدات التي صدرت بقتله. واصر محاميه مارك ستيفنز، على ان موكله ليس هاربا من وجه العدالة، وقال ان جواليان اجرى مقابلات صحافية قصيرة انطلاقاً من مكان تواجده الحالي.
ومعلوم ان اسانج مطلوب في السويد بتهم الاغتصاب، والتحرش الجنسي، لكن لم يتم تقديم دعوى رسمية ضده. وقد نفى اسانج كل هذه الاتهامات زاعماً انه اجرى علاقات جنسية مع امرأتين بكامل رضاهما. خلال زيارة قام بها الى السويد في شهر آب (اغسطس) الماضي.
غير ان الأعداء الذين اسهم هو نفسه في تجميعهم ضده، احاطوا به مؤخراً، من كل جانب. وقد ألمح أحد المستشارين السابقين لرئيس وزراء كندا، ستيفن هاربر الى ضرورة قتل اسانج. كما ان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية قالت ان الموقع تصرف بشكل يخرق القانون، ولذلك ستكون هناك «خطوات قاسية» سيتم اتخاذها في حق الذين سربوا ونشروا المعلومات.
طوق جديد حول إيران
قمة لشبونة الأطلسية
ما حدث في لشبونة خلال اجتماع قادة حلف شمال الأطلسي يعني بكل بساطة أننا أمام مشهد جديد ومعادلة استراتيجية جديدة. زمن الحرب الباردة ولّى الى غير رجعة وحجم المصالح الروسية مع الغرب هو بالتأكيد اكبر من حجم الصفقات المعقودة مع ايران أو فنزويلا. وعندما تفتح تركيا أراضيها للدرع الصاروخية يبدأ زمن آخر يحق معه لطهران ان تقلق من الطوق الأطلسي المحكم حول حدودها.
افغانستان شغلت الحيز الاكبر من قرارات قمة برشلونة. وزعماء حلف شمال الاطلسي حددوا العام 2014 موعداً لتسليم القوات الافغانية الدور الرئيس في مكافحة حركة «طالبان»، مع سحب معظم جنودهم من افغانستان بحلول تلك السنة، والتزموا دعم حكومة كابول على المدى البعيد، وذلك مع تصريح الرئيس الاميركي باراك أوباما للمرة الأولى بأن هدفه انهاء المهمات القتالية الاميركية في أفغانستان بحلول ذلك الموعد، وإن يكن حذّر من أنه «من الصعب التكهن» بالدور الاميركي الفعلي في تلك البلاد بعد أربع سنوات.
لكن الاهتمام بأفغانستان لم يقلل من انهماك القادة الاطلسيين في بلورة المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف «الناتو». انها المراجعة الثالثة التي يقوم بها الحلف لتبرير بقائه ودوره في عالم تغير بعد غياب الاتحاد السوفياتي وظهور تحديات جديدة ومختلفة في العالم لا سيما بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) وما اعقبها في افغانستان والعراق. ولا شك في ان قمة برشلونة سجلت خرقا بارزا في هذا المجال اذ شهدت انطلاقة جديدة للعلاقة بين الحلف وموسكو مع انعقاد القمة الأولى بين الجانبين منذ أكثر من سنتين، واتفاقهما على التعاون في شأن افغانستان وفي مجال الدرع المضادة للصواريخ.
فقد أبدت موسكو تجاوباً، من غير أن تذهب الى قبول دعوة تاريخية من الحلف للانضمام الى الدرع الصاروخية لحماية أوروبا من هجمات ايران الصاروخية التي وصفها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنها تشكل اكبر خطر على اوروبا. ووافقت روسيا ايضاً على تعزيز دعمها لمهمة الحلف التي تواجه صعوبات في أفغانستان بالسماح لها بنقل مزيد من الامدادات عبر اراضيها وتقديم طائرات هليكوبتر للقوات المسلحة الأفغانية. واتاحت هذه القرارات للامين العام للحلف أندريس فوغ راسموسن ان يتحدث عن «إحدى اهم القمم في تاريخ الحلف» الذي قام أيضا بوضع استراتيجية جديدة للعقد المقبل مع احداث تحول كبير في بنيته القيادية.
وكانت الانباء الروسية «الطيبة» بالنسبة الى الاطلسيين بلغت مسامع المدعوين الى اجتماع قمة لشبونة قبل انعقاده، اذ ان لقاء الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العاصمة الأذرية باكو لم ينه الخلاف بين الجانبين، هذا الخلاف الذي ظهر الى العلن قبل أسابيع عندما شن الرئيس الإيراني هجوماً غير مسبوق على روسيا، بعدما رفضت موسكو تزويد طهران نظاماً حديثاً من صواريخ «إس – 300» المضادة للطائرات التزاماً بقرار مجلس الأمن حول العقوبات.
وفي المقابل فإن مشاكل «الناتو» في أفغانستان دفعته الى ابداء مرونة أكبر تجاه موسكو، ومجرد توجيه دعوة من قادة «الناتو» الى مدفيديف شكلت رسالة تطمين لروسيا بأن الدرع الصاروخية ليست موجهة ضدها، وقد طلب منها التعاون في هذا المشروع. ورغم ان موسكو عارضت بشدة المشروع في عهد إدارة الرئيس جورج بوش واعتبرت أنه يستهدفها بشكل مباشر، إلا أنها في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أبدت مرونة أكبر في التعاون. ويشدد «الناتو» على أن الدرع الصاروخية تحمي روسيا من المخاطر المتزايدة، بعد انتشار الصواريخ العابرة للقارات في أكثر من 30 بلداً، بعضها في جوار روسيا نفسها، ومن بينها إير ان، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة حول مسألة من يضغط زر التشغيل، ومدى السماح لروسيا باتخاذ القرارات في اللحظة المناسبة. لذلك كله من المستبعد انضمام روسيا الى مشروع الدرع نظراً لاختلاف الأنظمة والعقائد الدفاعية، إلا أنه يمكن توفير حدود واضحة للتعاون من خلال تبادل المعلومات بواسطة الأقمار الاصطناعية وأجهزة الإنذار المبكر.
والمشكلة التي ستعترض الود الاطلسي – الروسي المستجد، هي ان الرئيس أوباما وصل الى لشبونة ضعيفا بعد الانتخابات النصفية وهو لا يزال أضعف من أن يقنع الكونغرس بالمصادقة على معاهدة «ستارت» لنزع السلاح بين روسيا والولايات المتحدة التي وقعت في نيسان (ابريل) الماضي، انه اعتبر ان هذا الأمر لا علاقة له بالسياسة، بل بالأمن القومي الأميركي، كون المعاهدة تسمح لواشنطن بمراقبة الترسانة النووية الروسية. ولا علاقة مباشرة للمعاهدة بجدول أعمال حلف الأطلسي، إلا أنها مؤشر على قدرة الولايات المتحدة في عهد أوباما على اتخاذ القرارات وتمرير المشاريع ذات العلاقة بالحلف، وإبداء حسن النيات تجاه «الصديق الجديد» روسيا.
والكرملين يشعر بالتوتر والقلق حيال الانسحاب الممكن لقوات «الناتو» من أفغانستان. فالعودة الممكنة لحركة «طالبان» إلى السلطة والتطرف الإسلامي المتزايد في دول آسيا الوسطى الضعيفة، والتي ينخرها الفساد، كلها تصب في خانة الاحتمالات المقلقة حتى بالنسبة الى القوى البعيدة عن الحدود مع أفغانستان كالولايات المتحدة وأوروبا. كما ان اهتمام روسيا بقطاع النفط والغاز، وبناء علاقات وثيقة مع المصدرين كطاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان، تجعلها تخشى ان يضعها اي انسحاب من افغانستان أمام تحدٍّ جيوسياسي صعب للغاية.
المسألة الثانية التي واجهت قمة لشبونة تتعلق بمحور طهران – أنقرة، ذلك أن تركيا التي تعتبر احدى اهم دول الحلف، وهي لم توافق على توصيف إيران كتهديد رئيس للحلف في البيان الذي صدر عن القمة، نظرا الى موقعها الآسيوي – الأوروبي. وقد عمدت انقرة الى ارجاء اتخاذ قرارها في شأن مشاركتها في مشروع الأطلسي للدرع المضادة للصواريخ، خصوصا في ما يتعلق باستضافة رادارات ومخابئ للصواريخ، نظرا الى الحساسية البالغة للامر، وعلاقاتها الوطيدة مع إيران، ودورها المتزايد في نزاعات الشرق الأوسط. وتخفيفا للاحراج طلبت أنقرة في المفاوضات مع الاطلسي أن يغطي مشروع الدرع كامل أراضي البلدان الأوروبية الاعضاء في الحلف وسكانها وكذلك الولايات المتحدة. لكن الى متى تستطيع تركيا مقاومة الضغوط؟
في هذا الصدد كتب المعلق البارز في الشؤون الخارجية في صحيفة «ميللييت» سامي كوهين: إن مصادقة حلف شمال الأطلسي على المفهوم الجديد لاستراتيجية الردع، والأمن سيرتب على أنقرة مسؤوليات جديدة، وهي نقطة تحول في العلاقة بين تركيا والحلف. وأضاف إنه «كما تغيرت شروط الحلف عنها أيام الحرب الباردة فإن الشروط المحيطة بتركيا تغيرت أيضاً، ولم يعد الأعداء هم أنفسهم، لذلك فإن تركيا في وضع حساس جدا».
زميله في الصحيفة غونغور أوراس قال إنه في عيد الأضحى تحولت تركيا بفضل مسألة الدرع الصاروخية إلى «أضحية» على مذبح المصالح الغربية. وتساءل: لماذا لا يستخدم الاطلسي الأراضي الآذرية الواقعة تحت التأثير الأميركي والإسرائيلي لنصب الدرع الصاروخية. واعتبر ان «رفض واشنطن هذا الاقتراح يطرح علامات استفهام منها أن أميركا تريد إحراج تركيا، ووضعها تحت الضغوط لتغيير سياساتها».
في اي حال، فإن الجهد الدبلوماسي التركي لم يكن كافياً لطمأنة إيران التي خرجت عن صمتها، محذرةً من هذا المخطط الذي «يهدف إلى حماية إسرائيل»، على حد وصف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست. وقد تمنّى برست على أنقرة منع نشر هذا النظام الصاروخي من خلال المفاوضات والمشاورات، لأن «إيران لا تمثّل أي تهديد لدول المنطقة، ولأن التهديد الحقيقي هو إسرائيل».
واذا كانت الضغوط التركية قد أفلحت في اسقاط اسم ايران كتهديد للامن الاوروبي والعالمي من الوثائق الاطلسية، الا انه لم يكن سراً في أروقة القمة في لشبونة ان معظم المشاركين يشاطرون ساركوزي رأيه في اعتبار ايران مصدراً للخطر أوجب اطلاق مشروع الدرع المضادة للصواريخ.
صحيح ان القمة لم تتخذ قراراً بشن حرب على ايران ولم تلوح بشيء من هذا القبيل. لكن ذلك لا يقلل من الخطر الذي يحيق بالجمهورية الاسلامية ذلك ان بعض الدول الـ 28 المشاركة يمتلك ثقلاً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً كبيراً ويلعب دوراً مؤثراً في مجلس الأمن وفي صياغة القرار الدولي. اما السبب الإضافي للقلق فهو عودة الدفء او شيء منه الى العلاقة بين الحلف وروسيا التي أعطى رئيسها رداً مبدئياً يتسم بالإيجابية على دعوة الحلف روسيا للتعاون في مشروع الدرع المضادة للصواريخ. والقلق يصبح مبررا اذا تراجعت تركيا امام الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها.
بوشهر الحلم صار واقعاً....إيران النووية
بافتتاحها محطة بوشهر النووية، زهت ايران بنفسها بعدما حققت حلمها القديم باقتناص مكانة في نادي النخبة النووية . ورغم أن معظم المحللين النوويين يقولون إن هذا المفاعل لا يضيف شيئاً إلى مخاطر الانتشار النووي، فإن العديد من الدول يساورها قلق عميق بسبب تخصيب إيران لليورانيوم.
رغم عقود من التأخير وفي ظل العقوبات الدولية والشكوك المحيطة بالسعي الى تصنيع السلاح النووي، أبرزت ايران جانباً من قدرتها على تخطي هذه العقبات بالانضمام رسمياً الى النادي النووي السلمي عبر تدشين محطة بوشهر النووية لانتاج الطاقة الكهربائية بمساعدة روسية، بالتوازي مع تأثيرها الاقليمي المتنامي. ويمثل تزويد المحطة بالوقود حجر الزاوية على طريق استخدام إيران التكنولوجيا التي تقول إنها ستقلل من استهلاك وقودها الاحفوري الوفير، مما سيسمح لها بتصدير المزيد من النفط والغاز والاستعداد لليوم الذي ستنضب فيه هذه الثروات الطبيعية. ومن مفارقات التاريخ أن هذا الحلم الايراني أقدم من الجمهورية والنظام الاسلاميين، سعى إليه الشاه محمد رضا بهلوي قبل سنوات من سقوطه، ليصير اليوم، في 21 آب (اغسطس) 2010، واقعاً في إيران أخرى، وحقيقة على الأعداء والأصدقاء الإقرار بها.
165 من قضبان وقود اليورانيوم شحنت في محطة بوشهر في جنوب غرب البلاد فحولتها رسمياً الى «منشأة للطاقة النووية» على أن يحدث التفاعل الانشطاري الأول في تشرين الأول (اكتوبر).
ومع ذلك فان الحلم لم يتحقق بعد، ذلك ان البرنامج النووي الإيراني لم يحظ بعد برضى واعتراف دوليين، فلا العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الاسلامية رفعت ولا «اتفاق طهران» مع تركيا والبرازيل لتزويد مفاعل آخر للأبحاث الطبية بالوقود النووي دخل حيز التطبيق، وهو في هذه الحال اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 20 في المئة. بينما الوقود النووي في بوشهر منخفض التخصيب، ولم يأت ذكره في أي من الحزم الاربع للعقوبات التي اقرها مجلس الأمن ضد طهران، ومنشأة بوشهر لا ترتبط ببرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني ومنشأتيه في ناتانز وقم. ذلك ان هذا المفاعل دشن أمام أنظار العالم، خصوصا في حضور مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والـ82 طنا من الوقود النووي جلبت من روسيا في إشرافهم، ووضعت في حوض مفتوح في جوار المفاعل على مرأى الجميع، وتم ضخها في حضورهم في القضبان النووية الـ 165 بمعدل ساعة لكل وحدة، الأمر الذي يستغرق 7 - 8 أيام تحت رقابتهم المكثفة، ليعمل المفاعل بأكثر من نصف طاقته لغاية مطلع تشرين الاول (اكتوبر)، بحيث يربط بشبكة الكهرباء الوطنية، ويبدأ بإنتاج 1000 ميغاواط المنتظرة. وطوال السنين العشر المقبلة، ستعتمد طهران على موسكو لتزويد المحطة بالوقود وشحن النفايات النووية لمعالجتها، ولن يبقى شيء لدى الإيرانيين، بموجب العقود، للحد من مخاطر انتشار البلوتونيوم الموجود في البقايا النووية.
من تغير؟
من الطبيعي أن يدلي المسؤولون الإيرانيون بعد هذا الانجاز المنتظر بتصريحات ملؤها الزهو والتحدي، وأن يشدد شركاؤهم الروس على أن موسكو تفي بتعهداتها، ولو اقتضى الأمر تأجيل التدشين مرات يصعب إحصاؤها طوال 11 سنة. وسيتساءل البعض بعدما شاهد المصافحات الحارة بين المسؤولين النووين الايرانيين ونظرائهم الروس ووجوهم المبتسمة لدى افتتاح المحطة: كيف تبخر الجفاء والتوتر اللفظي اللذان اعتريا قبل أسابيع العلاقات الروسية - الإيرانية، وخصوصاً بين الرئيسين محمود أحمدي نجاد وديمتري مدفيديف، ولماذا تنفذ موسكو التزاماتها في ما يتعلق ببوشهر، ويخيم الغموض على موقفها من تسليم طهران أنظمة الدفاع الصاروخي «أس- 300»؟ وأين تقف الولايات المتحدة من وصول 82 طناً من الوقود النووي إلى محطة توليد الكهرباء هذه القائمة على ساحل الخليج، على مسافة نحو 240 كيلومترا من السواحل الكويتية؟
لا شك في أن العلاقات الروسية - الإيرانية هي من العُمق والتشعب ما يجعل من السذاجة التصور أن تشدداً كلامياً في موسكو حيال البرنامج النووي لطهران يؤثر عليها. علاقات تتشابك فيها المصالح الاستراتيجية والسياسية في رقعة تمتد من أفغانستان إلى الشرق الأوسط، مروراً بالقوقاز وبحر قزوين وجمهوريات آسيا الوسطى، وكذلك التعاون الاقتصادي والتكنولوجي والنفطي، خصوصاً الغازي بين مالكَي أكبر احتياط غازي في العالم. ذلك ان «غازبروم» الروسية هي الشركة الأجنبية الأولى التي تستثمر في حقل جنوب بارس العملاق، وقد عرضت المشاركة في تمويل مشروع لمد خط أنابيب الغاز من ايران إلى باكستان والهند.
وروسيا التي تبنت من دون تحفظ قرار مجلس الأمن الرقم 1929 الصادر في 9 حزيران (يونيو)، حرصت مراراً على القول إنها لا تريد إجراءات تستهدف الإيرانيين في معيشتهم، وانتقدت بشدة العقوبات الأحادية الأميركية والأوروبية والكندية والأسترالية التي تحكم الطوق على المؤسسات المالية والمصرفية للجمهورية الإسلامية والهيئات المتصلة بها، وتضيق الخناق على النشاطات الملاحية والاستثمارات في قطاع الطاقة. ونتيجة لذلك، أوقفت شركات أوروبية ويابانية كبرى مشاريع في ايران، ونُشرت تقارير عن تقييد تزويد طائرات الجمهورية الإسلامية أو تلك المتجهة إليها بالوقود في مطارات أوروبية، وشكا رجال أعمال إيرانيون من ضغوط عليهم في المنافذ البحرية الإماراتية. وتحرك مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية في اتجاه الصين للتأكد من أن موقفها من العقوبات لا يقتصر على التأييد اللفظي. حتى البرازيل وتركيا، شريكتا إيران في «إعلان طهران»، اتجهتا إلى التزام القرار 1929، وهما اللتان صوتتا ضده في مجلس الأمن.
شعرة معاوية
البعض يقول ان موسكو بسلوكها المستجد حيال طهران أرادت أن تعبر عن امتعاضها من عدم أخذ واشنطن وحلفائها المصالح الروسية في الاعتبار عند اقرار العقوبات الاحادية ضد الجمهورية الاسلامية. وموسكو غاضبة لعدم مد الغرب يده لمساعدتها في أزمة الحرائق التي تكاد تتسبب بكارثة بيئية في اراضيها. البعض الآخر يقول ان الخطوة الروسية لا بد ان تكون منسقة مع واشنطن لاحداث ثغرة في التصلب الايراني يمكن من خلالها النفاذ الى اغراء ايران ببدائل عملية تقتنع معها بوقف التخصيب الذي قد يقود الى التسلح النووي. وحدها موسكو تحتفظ لنفسها بهامش كبير من المناورة. إنه اللعب بذكاء وبشعرة معاوية، تُشد فيخيل إلى المرء أنها تكاد تنقطع، ثم تُرخى ويتبدد التوتر كأن الشعرة تلك تتحول الى ضفيرة. هذه هي الحال مع طهران، لكن أيضاً مع واشنطن. فلا أزمة جواسيس ولا ازمة الدرع الصاروخية أو سواها تحجب التقارب مع الولايات المتحدة.
ومع أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون انتقدت في آذار (مارس) في موسكو ذاتها، الإعلان عن قرب تشغيل بوشهر، فإن روسيا تمكنت في أقل من شهرين من انتزاع موافقة البيت الأبيض، أو لنقل عدم اعتراضه على الأمر. صحيفة «الوول ستريت جورنال» أوردت في هذا السياق أن الإدارة الأميركية رضخت للإصرار الروسي في مقابل الحصول على دعم واضح للقرار 1929، بعدما أدركت أن ضم موسكو إلى معسكر العقوبات يفوق بكثير إبقاء المحطة الإيرانية مشروعاً يواجه التأجيل تلو الآخر. ونقلت عن مسؤولين أميركيين أن تشغيل المحطة يقوض جهود واشنطن لعزل طهران دولياً، وإن تكن المنشأة لا تشكل تهديداً على مستوى منع الانتشار النووي.
«نيويورك تايمز» تحدثت في عدد 21 أيار (مايو) عن تنازلين أميركيين آخرين لموسكو: رفع الحظر عن وكالة الصادرات العسكرية الروسية لتعاملها السابق مع ايران، والتوصل إلى تفاهم على أنظمة «أس- 300» يقضي بعدم وقف الصفقة، لكن مع تأخيرها قدر المستطاع. ولعل هذا ما يفسر التصريحات المتناقضة للمسؤولين الروس في هذا الشأن. بعضهم يقول إن تلك الأنظمة الدفاعية الصاروخية البعيدة المدى مشمولة بالقرار 1929، والبعض الآخر يؤكدون العكس. وفي المقابل أوردت صحيفة «روسيكايا غازيتا» أن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف يعتقد أن من شروط احتفاظه بالسلطة تعزيز اقتصاد البلاد، وهذا يتطلب علاقات أوثق مع الولايات المتحدة والغرب. ومع ذلك، لا يمكن القول إن واشنطن تثق كلياً بنيات موسكو، فقد وصف وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مراراً السياسات الروسية حيال طهران بأنها «منفصمة الشخصية».
وفي إطار التوجس هذا، جاء التصريح الناري والمدوي للسفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، الذي حض اسرائيل على ضرب المفاعل النووي الايراني قبل تزويده الوقود، والا يكون «الأوان قد فات»
وعلى ما يبدو، فإن آوان الضربة الذي حدده بولتون «فات» فعلا، ذلك ان تشغيل المحطة وفر لها الحماية الكاملة، لأن قصفها واليورانيوم في داخلها يسبب كارثة إشعاعية ليس على ايران وحدها بل على المنطقة برمتها، خصوصا الدول الخليجية التي لا تزال بفعل غازها ونفطها اكثر المناطق حيوية في العالم. كذلك فان إيران لا تتكل على الحظ فقط. فقبل أيام قليلة من تصريح بولتون، أورد موقع «مردم سالاري» الإخباري الإيراني على شبكة الانترنت أن جنوداً إيرانيين نُقلوا إلى بوشهر لتقويم سلامة المجال الجوي في المنطقة، وأن ما يماثل ثلاث طائرات من دون طيار أسقطت في اليوم السابق، في إطار تدريبات أجراها الحرس الثوري «الباسدران» لصد هجوم محتمل.
ولأن طهران تعرف أن مفاعلها مستهدف علنا، وقد يتعرض لضربة صاروخية أو جوية، وكونها اعتمدت على روسيا في بناء مفاعلها الأول، فهذا يعني أن الطرفين أمّنا المفاعل في حال تمكنت قاصفات من اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية، بحيث يستطيع المفاعل حماية نفسه. وبما ان المفاعل هو رسميا منشأة روسية، فان اي ضربة له تعتبر ضربة لروسيا بكل ما يحمله ذلك من تداعيات دولية خطيرة.
الكرة اليوم بين قدمي اللاعب الايراني، وهو قادر على تسديد الركلات في مرمى هذا الطرف أو ذاك. لكن المبارزة طويلة، والأشواط فيها الكثير من الوقت المُمدد. وطهران في موقع مَن ليس لديه شيء يخسره، لكن أمامه الكثير يكسبه. بوشهر ورقة قوة إضافية، لكن ماذا تخفي أوراق الأطراف الآخرين في المحادثات المقبلة، في منتصف أيلول (سبتمبر)، بعد شهر رمضان، وبعدما استعادت روسيا حضورها «النووي» في الجمهورية الإسلامية، وأي وساطة تبقى لتركيا والبرازيل، وأي دور لمجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ وأي وأي وأي... الإجابات في القبضة الإيرانية، فلننتظر أن تُفلتها تباعاً.
الأحمديون في دائرة الاستهداف
يبدو أن الحرب على الطائفة الاحمدية وعمليات تكفير مسلمين مسلمين آخرين انتقلت من باكستان وبنغلادش وبلدان آسيوية، بينها دول عربية، الى بريطانيا حيث تلقى أفراد هذه الطائفة تهديدات عدة من اسلاميين متشددين بلغت حد الدعوة الى قتلهم وتخريب مساجدهم. فهل انتقلت حرب تكفير المسلمين من البلدان الاسلامية الى بلدان الهجرة؟
مع تصاعد الحركات الاسلامية المتشددة في الربع الأخير من القرن الفائت وانتهاج بعض الجماعات الفكر التكفيري وسيلة للقضاء على كل من يخالفها الرأي، حتى ولو كان مؤمنا بالاسلام دينا، تعرض أتباع مذاهب وطرق اسلامية عدة لحملات قتل وتنكيل وتكفير. ومن بين هذه المذاهب طائفة الاحمديين التي تنتشر خصوصا في شبه القارة الهندية. فمنذ سنوات اعتبر الأحمديون كفرة في نظر الاسلاميين المتشددين في باكستان. وقد أسهمت هيمنة بعض المدارس الدينية في دفع السلطات الباكستانية الى اعتبار الطائفة الأحمدية غير مسلمة في باكستان في العام 1974، وصدر عدد من القوانين تجعل من جهر الأحمديين بدينهم وممارسته والدعوة إليه جرماً جنائياً. وبموجب هذه القوانين وجهت إلى عشرات الأحمديين تهم ارتكاب جرائم دينية، بينها أداء الآذان والتبشير بدينهم أو تسمية مكان عبادتهم مسجداً، واتهم عدد منهم بالكفر بموجب المادة 295ج من قانون العقوبات الباكستاني التي تنطوي على عقوبة الإعدام. لكن حتى الآن نقضت السلطة القضائية العليا كل أحكام الإعدام المتعلقة بالكفر.
وتؤكد منظمة العفو الدولية ان أتباع الفرقة الأحمدية يتعرضون في دول اسلامية اخرى للكثير من القيود، كما تشير الجماعة إلى أن أتباعها يضطهدون في دول عدة. وتقول المنظمة أن بعض الأحمديين قتلوا أو سجنوا بسبب اعتناقهم أفكار طائفتهم. وتشير تقارير الى انه لا يسمح للأحمديين بزيارة الأماكن الإسلامية المقدسة بما فيها مدينتا مكة والمدينة في السعودية. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي منعت وزارة الشؤون الدينية في بنغلادش أتباع الجماعة الأحمدية من التعبير عن آرائهم أو نشرها لأنها تؤذي مشاعر الغالبية المسلمة في البلاد. ومع أن الأحمديين كانوا مستهدفين من جانب المتشددين في السابق، الا أن الامر وصل الى تفجير اثنين من مساجدهم في لاهور في ايار (مايو) الفائت مما اوقع 93 قتيلا خلال صلاة الجمعة، الأمر الذي أشَّر الى ان المواجهة بدأت تأخذ منحى يشبه الابادة.
غير ان الاحمديين يصرون على أنهم مسلمون والسبب في رفض الآخرين مرده الى خلاف مذهبي أساسي، إذ تقول الطريقة الأحمدية إن الرسول محمد خاتم للأنبياء لكنه ليس آخرهم، وأن الله باعث آخرين. ويضيفون: إن الـختامة لا تعني بالضرورة الـنهاية، بل إنها تعني الـطابع والقانون العام الذي سيسير عليه الأنبياء المقبلون الذين لن يغيروا من شريعة الله شيئاً، بل سيسيرون على نهجه، كما أنزل في الكتب السابقة ومنها القرآن. ويستغرب المسلمون الآخرون هذا التفسير. كما يعتقد الأحمديون أن ميرزا غلام أحمد الذي توفي في العام 1908 هو المسيح المنتظر الذي نزل من السماء. لكن السواد الأعظم من المسلمين يعتبرون هذا الكلام كفرا. وقد ظل الخلاف محتدماً بين الاحمديين والآخرين لسنوات طوال في باكستان ومناطق أخرى وتعرض الكثيرون من الأحمديين للقتل بسبب آرائهم.
وتحتفل الطريقة الأحمدية التي نشأت أساسا في إقليم البنجاب في شمال الهند، يومي السبت والأحد بالـمولد (كما في مصر وبلاد الشام) أو الـحضرة (كما في شمال إفريقيا) حيث يتجمع ما يربو عن ثلاثين ألفاً من الأتباع ويقيمون السرادقات ويعلو كل سرادق الـبيرق، اي الراية التي تدل على المجموعة أو البلدة الأصلية التي قدم منها أشخاص بأعينهم.
ويمتلك الاحمديون محطة تلفزيون خاصة كانت حتى وقت قريب تبث إلى أكثر من مئة دولة. وتذيع المحطة الأحمدية مراسم الليلة الكبيرة حيث يخطب في الاتباع العالم الأكثر حضوراً، ميرزا منصور أحمد. ويؤكد هذا العالم في خطبه : إن الذي أصبغ على الإسلام سمعة سيئة هو الصورة البشعة التي يقدمها بعض الجماعات والمنظمات المسلمة، سواء عمدا أو من دون قصد. ويضيف: إن مبدأ الجماعة الإسلامية الأحمدية هو أن تعليم القرآن يساعد على نشر السلام، ويجب أن نوصل هذه الرسالة إلى جميع أنحاء العالم كله.
من جانبه، يؤكد زعيم رابطة الأحمديين في بريطانيا رفيق أحمد حياة: إن مهمتنا هي تعريف الناس بحقيقة الإسلام فهو دين السلام. ولن يتحقق هذا الهدف إلا إذا كان المسلمون مثلا يحتذى به في التمسك بإيمانهم، وفي الوقت ذاته تفهم الأديان الأخرى. وهو يدعو جميع المسلمين العاقلين من كل المذاهب إلى التصدي للمتعصبين، وذلك بالكشف عمليا عن أن الإسلام صديق وليس عدواً. كما تشدد هذه الجماعة على رغبتها في تحسين صورة الإسلام أمام العالم الغربي في ظل الأحداث التي تلت هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001.
عدوى الحرب
بعد الهجمات التي تعرض اليها الاحمديون في موطنهم الاصلي في شبه القارة الهندية اتخذت مجموعة منهم من اصول باكستانية منطقة سري قرب لندن مقرا لها، بعدما اجبر زعماؤهم على الهرب والنزوح من باكستان، الدولة الوحيدة في العالم، التي تحظر عليهم قانونياً، ان يسموا أنفسهم مسلمين. وقد اشترى هؤلاء في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي لهذه الغاية قطعة أرض بنوا عليها بيوتهم ومتاجرهم واطلقوا عليها اسم إسلام آباد تيمنا باسم عاصمة بلادهم الأصلية. ويقول الأحمديون إن عددهم يصل إلى 200 مليون منتشرين في بقاع المعمورة، لكن خصومهم من المذاهب والتيارات الاسلامية الأخرى يقللون كثيرا من هذا الأرقام ويعتبرون ان عددهم لا يتجاوز بضعة ملايين.
وكانت زعامة الاحمديين تأمل في أن تؤدي الهجمات التي تعرضوا لها في لاهور قبل تفريقهم في اصقاع الدنيا الى حملة واسعة من التعاطف معهم في صفوف المسلمين البريطانيين، لكن العكس هو الذي حصل، إذ إن ذلك أدى الى المزيد من التشدد لدى اقلية من الاصوليين، الذين سارعوا الى مهاجمتهم علناً، من ضمن حملة متصاعدة من الترهيب. ويقول الشريف أحمد آبرو الهارب الى بريطانيا: لقد سعيت الى الحصول على لجوء سياسي في بريطانيا لأنهم سيقتلونني اذا أنا عدت الى باكستان. ويضيف: لقد قتلوا أخي.
ومع اشتداد الاقتتال الطائفي في باكستان وتنامي حركة طالبان المتشددة في كل من باكستان وافغانستان، وبعد تفجير المسجدين في لاهور، نقل المتشددون الباكستانيون حربهم ضد الاحمديين الى الاراضي البريطانية خصوصا الى عقر دار هذه الطائفة جنوب لندن في الاحمدية. فقد وزع اسلاميون متشددون في بريطانيا، منشورات تدعو الى قتل المسلمين الاحمديين في كنغستون- تايمز، بالتزامن مع تعرض مساجدهم للتخريب في نيوهامر وكرولي. كذلك، حض خطباء المساجد في جنوب لندن على مقاطعة الأحمديين، كما اضطرت منظمة لحقوق الانسان الى توجيه اللوم الى قناة فضائية اسلامية بسبب وصفها اتباع هذا المذهب بأنهم «يستحقون الموت».
ويؤكد زعماء الاحمديين في لندن ان تصاعد العداء ضد اتباعهم يتصل مباشرة بالعنف الحاصل في باكستان، حيث اعلن مقاتلو طالبان المحليون، الحرب على جميع المذاهب الاخرى، التي يعتبرونها خارجة عن الصراط المستقيم، كالاحمديين والشيعة. ويعتبر رفيق حياة انه من خلال توزيع المنشورات، ونشر مواد الكراهية والبغضاء عبر مواقع الانترنت، والبرامج على قنوات التلفزة الفضائية (باللغة الاوردية وغيرها من اللغات الآسيوية)، «تحولت جاليتنا الى هدف للعدوان من جانب الخطباء الذين يبثون الكراهية». ويضيف: ان الذين يقومون بهذه الاعتداءات هم مسلمون، لكنهم بالتأكيد لا يمثلون الاكثرية العظمى من المسلمين في هذا البلد. هم يخلقون الكراهية والبغضاء بين صفوف المجتمع.
وقد فتحت الشرطة في كنغستون- تايمز تحقيقا جزائياً، مطلع الصيف الماضي، بعدما تسلمت امرأة احمدية منشوراً من يد رجل، جاء فيه: اقتل احمدياً، تفتح لك ابواب الجنة!
وتنقل صحيفة «الاندبندنت» البريطانية عن مصادر الاحمديين ان المعارضة العقائدية لجاليتهم، تتزعمها اكاديمية خاتم الانبياء، وهي فرع بريطاني لمجموعة باكستانية، مهمتها الوحيدة، التصدي لمعتقدات الاحمديين، وهذه الاكاديمية، تقيم علاقات وطيدة مع المؤسسات الرسمية الباكستانية، وقد اجتمعت بالمفوض السامي الباكستاني في المملكة المتحدة، في مطلع الصيف الفائت. كما انها عقدت مؤتمرا في نيوهام، في 18 حزيران (يونيو)، ادعى احد المتكلمين فيه ان الهجمات على المسجدين في لاهور، كانت مجرد مؤامرة احمدية.
ويعبر رفيق حياة عن اعتقاده بأن مثل هذه المجموعات تخلق جوا يشجع المسلمين العاديين على العدوانية تجاه الاحمديين، ويضيف: حرية التعبير شيء، لكن التحريض على الكراهية شيء آخر. ونحن نطالب السلطات باستئصال هذه الظاهرة من جذورها، والا فإن حملة الكراهية هذه ضد الاحمديين المسلمين ستقوى وتتوسع غداً، لتتحول الى خطر على المسلمين المعتدلين، والمجتمع الأوسع بكامله.
المصدر : امين قمورية
مُساهمة طارق فتحي في الإثنين 3 يناير 2011 - 2:02
ثمة من يؤمن بما يسمى غالباً بالخوارق ومن يؤمن فقط بما يمكن إثباته بالعلم. نكشف مع المؤمنين والمشككين الحقيقة والقصص المخيفة عن القتلة المسرنمين وجروح المسيح والأقزام والحيوانات المفترسة الليلية مصاصة الدماء بحيث يمكنكم وحدكم تحديد، هل هذا حقيقي؟
في حلقة "القتلة المسرنمون"، يضرب رجل من مانشستر والده حتى الموت ويصيبه بـ90 جرحاً مختلفاً. في كندا يقود رجل 22 كيلومتراً ويقتل حماته. فيما في أميركا يطعن والد سعيد بزواجه زوجته 44 مرة ويغرقها في حوضهما للسباحة، دفاعهم؟ كانوا نائمين حينها، هذا الوثائقي الآسر يسأل إن كان من الممكن أن يرتكب الناس جرائم عنيفة ومعقدة فيما هم نائمون ويلتقي بمركمجين بريطانيين ينامون كل ليلة وهم يعرفون أنهم قد يعيثون الفوضى بدون قصد قبل أن يستيقظوا لقرون، لجأ الإنسان لتنبؤ مستقبله مستشيراً العرافين والمنجمين، إن كان "شيفرة الإنجيل" "شيفرة المايا" أو
"سيليستين بروفيسي" وهي كتب تدعي تنبؤ المستقبل تستمر في كونها شعبية نوستراداموس هو أحد الأنبياء الأكثر شهرة في العالم، يشرح علماء الرياضيات كيف يمكن لـ"كتاب شيفرة الإنجيل" تنبؤ أي شيء من تواريخ الحروب والاغتيالات إلى اسم كلبكم.
في كتاب "نوستراداموس إيفيكت" نتعقب تنبؤات أهم العرافين اليوم مثل سيلفيا براون كتاب دان براون الديني المشوق سحر الملايين محطماً أرقاماً قياسية في المبيعات ومنتجاً نسخة هوليوودية محتمة، انضموا إلينا فيما نستكشف ادعاءات براون ونلتقي بواضعي نظريات متآمرة آخرين يظنون أن أخلاف يسوع لا يزالون موجودين.
يقال إنه تم تناقل السر عبر أجيال من المؤمنين بمن فيهم ليوناردو دافينشي السير آيزك نيوتن وفيكتور هوغو، "دافينشيز كود" يجد ثغرات في هذا المفهوم الرومنسي بالإضافة إلى حقائق محتملة، إذ كانت هذه النظريات المتآمرة صحيحة أيمكن لأخلاف يسوع ومريم المجدلية أن يكونوا أحياء اليوم؟
عندما تم اكتشاف بقايا جنس أقزام جديد في جزيرة إندونيسية بعيدة، هُزّ عالم الأنثربولوجيا وُنتن، لكن بالنسبة إلى علماء الحيوانات غير المكتشفة، كان الخبر دليلاً إضافياً على وجود الـ"أورانغ بينوك" الأسطوري أو "الرجل القزم" الذي يزعم أنه سكن الأدغال الإندونيسية في حلقة "رجل القرد في سوماترا" نرى إن كان من الممكن إن كان أولئك الأقزام لا يزالون موجودين في أعماق أدغال سوماترا أو ماليزيا.
زمن الدبلوماسية انتهى
مسلسل ويكيليكس:الانقلاب المذهل
زمن الأسرار الدبلوماسية انتهى
كيف يفكر جوليان اسانج مهندس تسريبات «ويكيليكس» بعد حملة التسريبات الأخيرة؟ هل إن الرجل فار من وجه العدالة، هل إنه مهدد في حياته، وكيف ينوي اليوم التعامل مع اخصامه السياسيين وقد كثروا الى حد لا يحتمل؟
استطراداً: هل اختزل «ويكيليكس» كل وسائل الاعلام العالمية وتحول الى المصدر الأول - والأخير- لأخبار العالم، وهل انتهى عصر الدبلوماسية التقليدية بعدما نزع الموقع الشهير القناع عن الوجه الأميركي الحقيقي؟
بين ليلة وضحاها تحولت شبكة «سي ان ان» من «ام الاخبار» الى ملحق اعلامي ثانوي يعيد نشر ما نشرته «ويكيليكس» عن افغانستان والعراق وباكستان وايران، بعدما كانت ابان الحروب الصورة الوحيدة للمشاهد حول العالم والمصدر الرئيس للخبر، وبعدما سبقت قناة «الجزيرة» ونظيراتها بأشواط في نقل الاحداث المباشرة في مواقع الخطر، وكانت الشاشة التي يشاهد عليها ما لا تشاهد في وسيلة اعلامية أخرى. «سي ان ان» الآن مجرد ناقل للوثائق السرية التي عممها الموقع الالكتروني الخطير. و«الحقيبة الدبلوماسية» التي نظمت طوال ثلاثة قرون العلاقات بين الدول بعيدا عن الرقابة، صارت فجأة شيئا من الماضي وانتفى دورها او يكاد حين أمطرت سماء «ويكيليكس» مئات آلاف من الاوراق الدبلوماسية المصنفة «خاصة» او «سرية» لاكبر دولة في العالم، وباتت في متناول اي شخص يتقن فك الحرف بكبسة زر على الانترنت.
منذ اسابيع، لم نعد ننتظر ما ستنقله لنا «رويترز»، أو «الاسوشيتدبرس» أو «الـفوكس نيوز» او «اي بي سي» أو «النيويورك تايمز» و«الغارديان» و«لو موند» من انباء وتحقيقات وتحليلات لنعرف ما هو الجديد في العالم. صرنا ننتظر ما ستنقله لنا الوكالات وأقنية التلفزيون والصحف من جديد، كشفته او ستكشفه «ويكيليكس». بسرعة قياسية تحول هذا الموقع الى منبع رئيسي لتغذية الشرايين الاعلامية حول العالم ليس فقط بالاخبار، بل بالاسرار التي تكاد أن تغير وجه العالم وتصنع عصراً جديداً. ومن المفارقات ان «ويكيليكس» لم تحتكر الاسرار، بل تعاونت مع وسائل إعلام دولية عدة، لتسهيل عملية النشر وايصال المعلومات الى ارجاء الدنيا، الأمر الذي وصفته منظمة «مراسلون بلا حدود» بانه مثال ناجح للتعاون بين «الصحافة التقليدية» و«وسائل الإعلام الجديدة».
قبل «الانقلاب الاعلامي التاريخي» الذي احدثته «ويكيليكس»، كان الصحافي يجهد نفسه شهورا وسنوات ليتمكن من الاستحواذ على وثيقة واحدة من الوثائق المتداولة اليوم، وقد يكلفه نشرها حياته، واذا بموقع الكتروني على الشبكة العنقودية يغطي الكرة الارضية بالوثائق السرية، ويشغل كل وسائل الاعلام في نقلها وترجمتها والتعليق عليها، ويهز دولا كما يهز أعصاب السياسيين حول العالم بضجيجها وارتداداتها، ويلهي الجمهور العريض بالجدل حولها حتى صار «مسلسل ويكيليكس» اشهر برنامج اعلامي في العالم ينتظر الناس حلقاته حلقة حلقة وصفحة صفحة. وهكذا صار موقع «كشف الغيب الدبلوماسي» مالئ الدنيا وشاغل الناس، وصار مديره الاوسترالي الاصل جوليان اسانج المطارد من عاصمة الى أخرى، والمتهم بهتك الاسرار والملاحق بتهمة اخرى، أعجوبة ومثار كره نصف السياسيين في العالم ومثار حسد معظم الصحافيين.
باختصار «ويكيليكس» هو اليوم بوابة الاعلام الاولى في العالم بلا منازع. وبغض النظر عمن يقف وراءه وما هي دوافعه للنشر وطريقة حصوله على المنشورات، فان هذا الموقع ظاهرة اعلامية تستحق البحث والتأمل والتساؤل بعدما ألغى ببساطة ما عداه من وسائل اعلام اخرى وجعلها تابعة له تعيد نقل ما ينشره.
مع «ويكيليكس» لم تعد المسألة حكايات الحرب في العراق وافغانستان، وما نقله هذا الدبلوماسي عن هذا الملك او ذاك الرئيس في شأن ايران او باكستان، وما هي الاوصاف التي يطلقها السفراء الاميركيون على بوتين او ساركوزي او برلوسكوني، بل صارت مسألة: من يعيد التحكم في مصادر الاعلام في العالم ومن يعيد السطوة على الآلة الجبارة لصنع الرأي العام في العالم بعدما كثر المتنافسون على منابع الاخبار؟
نهاية حقبة
هذا على المستوى الاعلامي، أما على المستوى الدبلوماسي فتلك مسألة اخرى، ذلك ان تسريبات «ويكيليكس» سيكون لها ما قبلها وما بعدها، وستغير إلى حد كبير قواعد اللعبة وأشكال التواصل بين الدول في علاقاتها السياسية على المديين القصير والمتوسط، وبهذه الاشكالية وضع موقع «ويكيليكس» نهاية لعصر الدبلوماسية التقليدية، وغيّر قواعد اللعبة، خصوصا بالنسبة الى الدبلوماسية الأميركية التي تملك أكبر شبكة بعثات حول العالم. والتحدي الكبير للديبلوماسية الأميركية منذ اليوم هو: كيف تستعيد زمام الأمور، وكيف تقنع المسؤولين ومصادرها ومن يتردد على سفارات واشنطن حول العالم، بأن مثل هذه الفضائح لن يتكرر؟ وأن التحاور مع الدبلوماسيين والمسؤولين الأميركيين لن يخرج الى العلن ويحرج ويفضح؟ فمن يطمئن بعد الآن بأن المكاشفات الخاصة بينه وبين اي دبلوماسي اميركي او غير اميركي في الغرف المغلقة، لن تكون في اليوم التالي عنوانا رئيساً في كبريات الصحف ومواقع الإنترنت في العالم؟ ومن يثق بعد الآن بأنه إذا ما دخل سفارة دولة اخرى، فإنه سيخرج منها سالـماً بالمقاييس السياسية؟
على المدى القصير سيعاني الدبلوماسيون الأميركيون من صعوبات ومن جفاء وتحفظ وتردد أكثر ممن اعتادوا أن يكونوا منفتحين معهم وشفافين وصريحين.
هذا الكسح الاعلامي الذي قابله انهيار دبلوماسي، دفع بالكثيرين الى طرح السؤال البديهي: كيف تمكن اسانج وفريقه الصغير في «ويكيليكس» من ذلك كله؟
اذا دقق مدقق في تسريب كل هذا الكم من الوثائق السرية من خزنة الاسرار العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية الاميركية، فانه سيجد استحالة في استيعاب حصوله. واذا كان هذا التسريب هو نتيجة خرق كبير لمؤسسة من المؤسسات الاميركية (وهذا ممكن ومعقول)، فهل من المعقول ان تكون كل المؤسسات الاميركية المحاطة بالسرية وأجهزة الأمان الشديدة التعقيد، مخترقة بالطريقة نفسها وبالسهولة نفسها وبالتزامن نفسه؟ واذا كان الأمر يتعلق بخرق فني كبير أتاح دخول الشبكات المعلوماتية كلها، فهذا أمر لا يصدق، ذلك اننا امام مؤسسات يميزها تقدمها التكنولوجي خصوصا في مجال المعلوماتية، سيما وان بعضها - خصوصا العسكرية منها - هي من اخترع الانترنت وأحدث أكبر الانقلابات العلمية في التاريخ الانساني، بل هي من يملك اكثر اجهزة الكومبيوتر تطورا في العالم.
واذا سلمنا بأن مثل هذا الخرق حصل فعلا (ولو كان ذلك مستحيلا)، فإن هذا يستتبع حتما عاصفة سياسية داخل الادارة الاميركية أين منها عواصف فضيحتي «ووترغيت» و«ايران غيت»؟ لكن رد الفعل الرسمي الاميركي حتى الآن خجول ولا يدل أبدا على ان واشنطن تواجه امرا جللا. واسانج «الاعجوبة» ملاحق... لكن بتهمة اغتصاب فتاة في السويد وليس بتهمة اغتصاب اسرار البشرية وهتك اعراضها!
هل يعتقل اسانج؟
بالتزامن مع صدور السلة الجديدة من التسريبات التي أثارت بلبلة عالمية، تواصل الغموض حول حوافز ونيات ومكان اقامة مهندس التسريبات، صاحب موقع «ويكيليكس» الالكتروني جوليان اسانج.
ورغم مزاعم قالت ان اسانج اصبح فاراً من وجه العدالة، فقد علمت صحيفة «اندبندنت» ان شرطة سكوتلانديارد كانت على اتصال مع فريقه القانوني لمدة اكثر من شهر، لكنها في انتظار المزيد من المعلومات قبل توقيفه. وقد طلب من قوى الشرطة في العالم كله، اعتقال مؤسس «ويكيليكس» المثير للجدل، المطلوب في السويد بسبب سلسلة من الاتهامات الجنسية.
والاسترالي البالغ من العمر 39 سنة، زود الشرطة البريطانية بعناوين وارقام للاتصال به لدى وصوله الى المملكة المتحدة في تشرين الاول (اكتوبر) الماضي. وقد اكدت مصادر الشرطة ان لديها رقم هاتف خاصا بأسانج، وانها على معرفة تامة بالمكان الذي يتواجد فيه.
«الاندبندنت» كشفت ايضا ان «الوكالة البريطانية للجريدة الخطيرة المنظمة «سوكا» (SOCA)، تلقت ما يعرف باسم «البلاغ الاحمر»- اي مذكرة التوقيف الدولية- لكنها رفضت، حتى الآن، السماح باعتقال اسانج، الذي يقال انه يقيم حاليا في جنوب- شرق انكلترا، وقبل حصولها على الاذن، لا تستطيع الشرطة القيام بأي تحرك.
ويقال ان هذا التأخير هو تقني فقط، فيما اشارت مصادر «سوكا» الى انها تحتاج الى توضيحات حول مذكرة التوقيف الاوروبية، الصادرة عن النيابة العامة السويدية في حق اسانج، وقد اضيف اسمه الى لائحة المطلوبين لدى شرطة الانتربول الدولية في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لكن الاعلان عن ذلك لم يحصل الا في الاسبوع الفائت.
وذكر مقربون من اسانج انه كان يعمل خلال الليل الذي سبق الاعلان عن مذكرة التوقيف الدولية، من اجل حماية موقعه الالكتروني، من المحاولات المتكررة، من جانب «الهاكرز» لتعطيله، واوضحوا ان موقع «امازون» قد وافق على التوقف عن استضافة ويكيليكس، عقب ضغوط مارسها عليه، عدد من اعضاء الكونغرس الاميركي. وكان «ويكيليكس» قد نقل نشاطاته الى مقدمي الخدمة على موقع «امازون» مؤقتاً، خلال تعرضه للهجمات السيبرنيتيكية.
وقد رفض شركاء اسانج الكشف عن اماكن تواجده، بسبب التهديدات التي صدرت بقتله. واصر محاميه مارك ستيفنز، على ان موكله ليس هاربا من وجه العدالة، وقال ان جواليان اجرى مقابلات صحافية قصيرة انطلاقاً من مكان تواجده الحالي.
ومعلوم ان اسانج مطلوب في السويد بتهم الاغتصاب، والتحرش الجنسي، لكن لم يتم تقديم دعوى رسمية ضده. وقد نفى اسانج كل هذه الاتهامات زاعماً انه اجرى علاقات جنسية مع امرأتين بكامل رضاهما. خلال زيارة قام بها الى السويد في شهر آب (اغسطس) الماضي.
غير ان الأعداء الذين اسهم هو نفسه في تجميعهم ضده، احاطوا به مؤخراً، من كل جانب. وقد ألمح أحد المستشارين السابقين لرئيس وزراء كندا، ستيفن هاربر الى ضرورة قتل اسانج. كما ان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الاميركية قالت ان الموقع تصرف بشكل يخرق القانون، ولذلك ستكون هناك «خطوات قاسية» سيتم اتخاذها في حق الذين سربوا ونشروا المعلومات.
طوق جديد حول إيران
قمة لشبونة الأطلسية
ما حدث في لشبونة خلال اجتماع قادة حلف شمال الأطلسي يعني بكل بساطة أننا أمام مشهد جديد ومعادلة استراتيجية جديدة. زمن الحرب الباردة ولّى الى غير رجعة وحجم المصالح الروسية مع الغرب هو بالتأكيد اكبر من حجم الصفقات المعقودة مع ايران أو فنزويلا. وعندما تفتح تركيا أراضيها للدرع الصاروخية يبدأ زمن آخر يحق معه لطهران ان تقلق من الطوق الأطلسي المحكم حول حدودها.
افغانستان شغلت الحيز الاكبر من قرارات قمة برشلونة. وزعماء حلف شمال الاطلسي حددوا العام 2014 موعداً لتسليم القوات الافغانية الدور الرئيس في مكافحة حركة «طالبان»، مع سحب معظم جنودهم من افغانستان بحلول تلك السنة، والتزموا دعم حكومة كابول على المدى البعيد، وذلك مع تصريح الرئيس الاميركي باراك أوباما للمرة الأولى بأن هدفه انهاء المهمات القتالية الاميركية في أفغانستان بحلول ذلك الموعد، وإن يكن حذّر من أنه «من الصعب التكهن» بالدور الاميركي الفعلي في تلك البلاد بعد أربع سنوات.
لكن الاهتمام بأفغانستان لم يقلل من انهماك القادة الاطلسيين في بلورة المفهوم الاستراتيجي الجديد لحلف «الناتو». انها المراجعة الثالثة التي يقوم بها الحلف لتبرير بقائه ودوره في عالم تغير بعد غياب الاتحاد السوفياتي وظهور تحديات جديدة ومختلفة في العالم لا سيما بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) وما اعقبها في افغانستان والعراق. ولا شك في ان قمة برشلونة سجلت خرقا بارزا في هذا المجال اذ شهدت انطلاقة جديدة للعلاقة بين الحلف وموسكو مع انعقاد القمة الأولى بين الجانبين منذ أكثر من سنتين، واتفاقهما على التعاون في شأن افغانستان وفي مجال الدرع المضادة للصواريخ.
فقد أبدت موسكو تجاوباً، من غير أن تذهب الى قبول دعوة تاريخية من الحلف للانضمام الى الدرع الصاروخية لحماية أوروبا من هجمات ايران الصاروخية التي وصفها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بأنها تشكل اكبر خطر على اوروبا. ووافقت روسيا ايضاً على تعزيز دعمها لمهمة الحلف التي تواجه صعوبات في أفغانستان بالسماح لها بنقل مزيد من الامدادات عبر اراضيها وتقديم طائرات هليكوبتر للقوات المسلحة الأفغانية. واتاحت هذه القرارات للامين العام للحلف أندريس فوغ راسموسن ان يتحدث عن «إحدى اهم القمم في تاريخ الحلف» الذي قام أيضا بوضع استراتيجية جديدة للعقد المقبل مع احداث تحول كبير في بنيته القيادية.
وكانت الانباء الروسية «الطيبة» بالنسبة الى الاطلسيين بلغت مسامع المدعوين الى اجتماع قمة لشبونة قبل انعقاده، اذ ان لقاء الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف مع الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في العاصمة الأذرية باكو لم ينه الخلاف بين الجانبين، هذا الخلاف الذي ظهر الى العلن قبل أسابيع عندما شن الرئيس الإيراني هجوماً غير مسبوق على روسيا، بعدما رفضت موسكو تزويد طهران نظاماً حديثاً من صواريخ «إس – 300» المضادة للطائرات التزاماً بقرار مجلس الأمن حول العقوبات.
وفي المقابل فإن مشاكل «الناتو» في أفغانستان دفعته الى ابداء مرونة أكبر تجاه موسكو، ومجرد توجيه دعوة من قادة «الناتو» الى مدفيديف شكلت رسالة تطمين لروسيا بأن الدرع الصاروخية ليست موجهة ضدها، وقد طلب منها التعاون في هذا المشروع. ورغم ان موسكو عارضت بشدة المشروع في عهد إدارة الرئيس جورج بوش واعتبرت أنه يستهدفها بشكل مباشر، إلا أنها في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما، أبدت مرونة أكبر في التعاون. ويشدد «الناتو» على أن الدرع الصاروخية تحمي روسيا من المخاطر المتزايدة، بعد انتشار الصواريخ العابرة للقارات في أكثر من 30 بلداً، بعضها في جوار روسيا نفسها، ومن بينها إير ان، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة حول مسألة من يضغط زر التشغيل، ومدى السماح لروسيا باتخاذ القرارات في اللحظة المناسبة. لذلك كله من المستبعد انضمام روسيا الى مشروع الدرع نظراً لاختلاف الأنظمة والعقائد الدفاعية، إلا أنه يمكن توفير حدود واضحة للتعاون من خلال تبادل المعلومات بواسطة الأقمار الاصطناعية وأجهزة الإنذار المبكر.
والمشكلة التي ستعترض الود الاطلسي – الروسي المستجد، هي ان الرئيس أوباما وصل الى لشبونة ضعيفا بعد الانتخابات النصفية وهو لا يزال أضعف من أن يقنع الكونغرس بالمصادقة على معاهدة «ستارت» لنزع السلاح بين روسيا والولايات المتحدة التي وقعت في نيسان (ابريل) الماضي، انه اعتبر ان هذا الأمر لا علاقة له بالسياسة، بل بالأمن القومي الأميركي، كون المعاهدة تسمح لواشنطن بمراقبة الترسانة النووية الروسية. ولا علاقة مباشرة للمعاهدة بجدول أعمال حلف الأطلسي، إلا أنها مؤشر على قدرة الولايات المتحدة في عهد أوباما على اتخاذ القرارات وتمرير المشاريع ذات العلاقة بالحلف، وإبداء حسن النيات تجاه «الصديق الجديد» روسيا.
والكرملين يشعر بالتوتر والقلق حيال الانسحاب الممكن لقوات «الناتو» من أفغانستان. فالعودة الممكنة لحركة «طالبان» إلى السلطة والتطرف الإسلامي المتزايد في دول آسيا الوسطى الضعيفة، والتي ينخرها الفساد، كلها تصب في خانة الاحتمالات المقلقة حتى بالنسبة الى القوى البعيدة عن الحدود مع أفغانستان كالولايات المتحدة وأوروبا. كما ان اهتمام روسيا بقطاع النفط والغاز، وبناء علاقات وثيقة مع المصدرين كطاجكستان وأوزبكستان وقرغيزستان، تجعلها تخشى ان يضعها اي انسحاب من افغانستان أمام تحدٍّ جيوسياسي صعب للغاية.
المسألة الثانية التي واجهت قمة لشبونة تتعلق بمحور طهران – أنقرة، ذلك أن تركيا التي تعتبر احدى اهم دول الحلف، وهي لم توافق على توصيف إيران كتهديد رئيس للحلف في البيان الذي صدر عن القمة، نظرا الى موقعها الآسيوي – الأوروبي. وقد عمدت انقرة الى ارجاء اتخاذ قرارها في شأن مشاركتها في مشروع الأطلسي للدرع المضادة للصواريخ، خصوصا في ما يتعلق باستضافة رادارات ومخابئ للصواريخ، نظرا الى الحساسية البالغة للامر، وعلاقاتها الوطيدة مع إيران، ودورها المتزايد في نزاعات الشرق الأوسط. وتخفيفا للاحراج طلبت أنقرة في المفاوضات مع الاطلسي أن يغطي مشروع الدرع كامل أراضي البلدان الأوروبية الاعضاء في الحلف وسكانها وكذلك الولايات المتحدة. لكن الى متى تستطيع تركيا مقاومة الضغوط؟
في هذا الصدد كتب المعلق البارز في الشؤون الخارجية في صحيفة «ميللييت» سامي كوهين: إن مصادقة حلف شمال الأطلسي على المفهوم الجديد لاستراتيجية الردع، والأمن سيرتب على أنقرة مسؤوليات جديدة، وهي نقطة تحول في العلاقة بين تركيا والحلف. وأضاف إنه «كما تغيرت شروط الحلف عنها أيام الحرب الباردة فإن الشروط المحيطة بتركيا تغيرت أيضاً، ولم يعد الأعداء هم أنفسهم، لذلك فإن تركيا في وضع حساس جدا».
زميله في الصحيفة غونغور أوراس قال إنه في عيد الأضحى تحولت تركيا بفضل مسألة الدرع الصاروخية إلى «أضحية» على مذبح المصالح الغربية. وتساءل: لماذا لا يستخدم الاطلسي الأراضي الآذرية الواقعة تحت التأثير الأميركي والإسرائيلي لنصب الدرع الصاروخية. واعتبر ان «رفض واشنطن هذا الاقتراح يطرح علامات استفهام منها أن أميركا تريد إحراج تركيا، ووضعها تحت الضغوط لتغيير سياساتها».
في اي حال، فإن الجهد الدبلوماسي التركي لم يكن كافياً لطمأنة إيران التي خرجت عن صمتها، محذرةً من هذا المخطط الذي «يهدف إلى حماية إسرائيل»، على حد وصف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية رامين مهمان برست. وقد تمنّى برست على أنقرة منع نشر هذا النظام الصاروخي من خلال المفاوضات والمشاورات، لأن «إيران لا تمثّل أي تهديد لدول المنطقة، ولأن التهديد الحقيقي هو إسرائيل».
واذا كانت الضغوط التركية قد أفلحت في اسقاط اسم ايران كتهديد للامن الاوروبي والعالمي من الوثائق الاطلسية، الا انه لم يكن سراً في أروقة القمة في لشبونة ان معظم المشاركين يشاطرون ساركوزي رأيه في اعتبار ايران مصدراً للخطر أوجب اطلاق مشروع الدرع المضادة للصواريخ.
صحيح ان القمة لم تتخذ قراراً بشن حرب على ايران ولم تلوح بشيء من هذا القبيل. لكن ذلك لا يقلل من الخطر الذي يحيق بالجمهورية الاسلامية ذلك ان بعض الدول الـ 28 المشاركة يمتلك ثقلاً اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً كبيراً ويلعب دوراً مؤثراً في مجلس الأمن وفي صياغة القرار الدولي. اما السبب الإضافي للقلق فهو عودة الدفء او شيء منه الى العلاقة بين الحلف وروسيا التي أعطى رئيسها رداً مبدئياً يتسم بالإيجابية على دعوة الحلف روسيا للتعاون في مشروع الدرع المضادة للصواريخ. والقلق يصبح مبررا اذا تراجعت تركيا امام الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها.
بوشهر الحلم صار واقعاً....إيران النووية
بافتتاحها محطة بوشهر النووية، زهت ايران بنفسها بعدما حققت حلمها القديم باقتناص مكانة في نادي النخبة النووية . ورغم أن معظم المحللين النوويين يقولون إن هذا المفاعل لا يضيف شيئاً إلى مخاطر الانتشار النووي، فإن العديد من الدول يساورها قلق عميق بسبب تخصيب إيران لليورانيوم.
رغم عقود من التأخير وفي ظل العقوبات الدولية والشكوك المحيطة بالسعي الى تصنيع السلاح النووي، أبرزت ايران جانباً من قدرتها على تخطي هذه العقبات بالانضمام رسمياً الى النادي النووي السلمي عبر تدشين محطة بوشهر النووية لانتاج الطاقة الكهربائية بمساعدة روسية، بالتوازي مع تأثيرها الاقليمي المتنامي. ويمثل تزويد المحطة بالوقود حجر الزاوية على طريق استخدام إيران التكنولوجيا التي تقول إنها ستقلل من استهلاك وقودها الاحفوري الوفير، مما سيسمح لها بتصدير المزيد من النفط والغاز والاستعداد لليوم الذي ستنضب فيه هذه الثروات الطبيعية. ومن مفارقات التاريخ أن هذا الحلم الايراني أقدم من الجمهورية والنظام الاسلاميين، سعى إليه الشاه محمد رضا بهلوي قبل سنوات من سقوطه، ليصير اليوم، في 21 آب (اغسطس) 2010، واقعاً في إيران أخرى، وحقيقة على الأعداء والأصدقاء الإقرار بها.
165 من قضبان وقود اليورانيوم شحنت في محطة بوشهر في جنوب غرب البلاد فحولتها رسمياً الى «منشأة للطاقة النووية» على أن يحدث التفاعل الانشطاري الأول في تشرين الأول (اكتوبر).
ومع ذلك فان الحلم لم يتحقق بعد، ذلك ان البرنامج النووي الإيراني لم يحظ بعد برضى واعتراف دوليين، فلا العقوبات الدولية المفروضة على الجمهورية الاسلامية رفعت ولا «اتفاق طهران» مع تركيا والبرازيل لتزويد مفاعل آخر للأبحاث الطبية بالوقود النووي دخل حيز التطبيق، وهو في هذه الحال اليورانيوم العالي التخصيب بنسبة 20 في المئة. بينما الوقود النووي في بوشهر منخفض التخصيب، ولم يأت ذكره في أي من الحزم الاربع للعقوبات التي اقرها مجلس الأمن ضد طهران، ومنشأة بوشهر لا ترتبط ببرنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني ومنشأتيه في ناتانز وقم. ذلك ان هذا المفاعل دشن أمام أنظار العالم، خصوصا في حضور مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والـ82 طنا من الوقود النووي جلبت من روسيا في إشرافهم، ووضعت في حوض مفتوح في جوار المفاعل على مرأى الجميع، وتم ضخها في حضورهم في القضبان النووية الـ 165 بمعدل ساعة لكل وحدة، الأمر الذي يستغرق 7 - 8 أيام تحت رقابتهم المكثفة، ليعمل المفاعل بأكثر من نصف طاقته لغاية مطلع تشرين الاول (اكتوبر)، بحيث يربط بشبكة الكهرباء الوطنية، ويبدأ بإنتاج 1000 ميغاواط المنتظرة. وطوال السنين العشر المقبلة، ستعتمد طهران على موسكو لتزويد المحطة بالوقود وشحن النفايات النووية لمعالجتها، ولن يبقى شيء لدى الإيرانيين، بموجب العقود، للحد من مخاطر انتشار البلوتونيوم الموجود في البقايا النووية.
من تغير؟
من الطبيعي أن يدلي المسؤولون الإيرانيون بعد هذا الانجاز المنتظر بتصريحات ملؤها الزهو والتحدي، وأن يشدد شركاؤهم الروس على أن موسكو تفي بتعهداتها، ولو اقتضى الأمر تأجيل التدشين مرات يصعب إحصاؤها طوال 11 سنة. وسيتساءل البعض بعدما شاهد المصافحات الحارة بين المسؤولين النووين الايرانيين ونظرائهم الروس ووجوهم المبتسمة لدى افتتاح المحطة: كيف تبخر الجفاء والتوتر اللفظي اللذان اعتريا قبل أسابيع العلاقات الروسية - الإيرانية، وخصوصاً بين الرئيسين محمود أحمدي نجاد وديمتري مدفيديف، ولماذا تنفذ موسكو التزاماتها في ما يتعلق ببوشهر، ويخيم الغموض على موقفها من تسليم طهران أنظمة الدفاع الصاروخي «أس- 300»؟ وأين تقف الولايات المتحدة من وصول 82 طناً من الوقود النووي إلى محطة توليد الكهرباء هذه القائمة على ساحل الخليج، على مسافة نحو 240 كيلومترا من السواحل الكويتية؟
لا شك في أن العلاقات الروسية - الإيرانية هي من العُمق والتشعب ما يجعل من السذاجة التصور أن تشدداً كلامياً في موسكو حيال البرنامج النووي لطهران يؤثر عليها. علاقات تتشابك فيها المصالح الاستراتيجية والسياسية في رقعة تمتد من أفغانستان إلى الشرق الأوسط، مروراً بالقوقاز وبحر قزوين وجمهوريات آسيا الوسطى، وكذلك التعاون الاقتصادي والتكنولوجي والنفطي، خصوصاً الغازي بين مالكَي أكبر احتياط غازي في العالم. ذلك ان «غازبروم» الروسية هي الشركة الأجنبية الأولى التي تستثمر في حقل جنوب بارس العملاق، وقد عرضت المشاركة في تمويل مشروع لمد خط أنابيب الغاز من ايران إلى باكستان والهند.
وروسيا التي تبنت من دون تحفظ قرار مجلس الأمن الرقم 1929 الصادر في 9 حزيران (يونيو)، حرصت مراراً على القول إنها لا تريد إجراءات تستهدف الإيرانيين في معيشتهم، وانتقدت بشدة العقوبات الأحادية الأميركية والأوروبية والكندية والأسترالية التي تحكم الطوق على المؤسسات المالية والمصرفية للجمهورية الإسلامية والهيئات المتصلة بها، وتضيق الخناق على النشاطات الملاحية والاستثمارات في قطاع الطاقة. ونتيجة لذلك، أوقفت شركات أوروبية ويابانية كبرى مشاريع في ايران، ونُشرت تقارير عن تقييد تزويد طائرات الجمهورية الإسلامية أو تلك المتجهة إليها بالوقود في مطارات أوروبية، وشكا رجال أعمال إيرانيون من ضغوط عليهم في المنافذ البحرية الإماراتية. وتحرك مسؤولو وزارة الخزانة الأميركية في اتجاه الصين للتأكد من أن موقفها من العقوبات لا يقتصر على التأييد اللفظي. حتى البرازيل وتركيا، شريكتا إيران في «إعلان طهران»، اتجهتا إلى التزام القرار 1929، وهما اللتان صوتتا ضده في مجلس الأمن.
شعرة معاوية
البعض يقول ان موسكو بسلوكها المستجد حيال طهران أرادت أن تعبر عن امتعاضها من عدم أخذ واشنطن وحلفائها المصالح الروسية في الاعتبار عند اقرار العقوبات الاحادية ضد الجمهورية الاسلامية. وموسكو غاضبة لعدم مد الغرب يده لمساعدتها في أزمة الحرائق التي تكاد تتسبب بكارثة بيئية في اراضيها. البعض الآخر يقول ان الخطوة الروسية لا بد ان تكون منسقة مع واشنطن لاحداث ثغرة في التصلب الايراني يمكن من خلالها النفاذ الى اغراء ايران ببدائل عملية تقتنع معها بوقف التخصيب الذي قد يقود الى التسلح النووي. وحدها موسكو تحتفظ لنفسها بهامش كبير من المناورة. إنه اللعب بذكاء وبشعرة معاوية، تُشد فيخيل إلى المرء أنها تكاد تنقطع، ثم تُرخى ويتبدد التوتر كأن الشعرة تلك تتحول الى ضفيرة. هذه هي الحال مع طهران، لكن أيضاً مع واشنطن. فلا أزمة جواسيس ولا ازمة الدرع الصاروخية أو سواها تحجب التقارب مع الولايات المتحدة.
ومع أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون انتقدت في آذار (مارس) في موسكو ذاتها، الإعلان عن قرب تشغيل بوشهر، فإن روسيا تمكنت في أقل من شهرين من انتزاع موافقة البيت الأبيض، أو لنقل عدم اعتراضه على الأمر. صحيفة «الوول ستريت جورنال» أوردت في هذا السياق أن الإدارة الأميركية رضخت للإصرار الروسي في مقابل الحصول على دعم واضح للقرار 1929، بعدما أدركت أن ضم موسكو إلى معسكر العقوبات يفوق بكثير إبقاء المحطة الإيرانية مشروعاً يواجه التأجيل تلو الآخر. ونقلت عن مسؤولين أميركيين أن تشغيل المحطة يقوض جهود واشنطن لعزل طهران دولياً، وإن تكن المنشأة لا تشكل تهديداً على مستوى منع الانتشار النووي.
«نيويورك تايمز» تحدثت في عدد 21 أيار (مايو) عن تنازلين أميركيين آخرين لموسكو: رفع الحظر عن وكالة الصادرات العسكرية الروسية لتعاملها السابق مع ايران، والتوصل إلى تفاهم على أنظمة «أس- 300» يقضي بعدم وقف الصفقة، لكن مع تأخيرها قدر المستطاع. ولعل هذا ما يفسر التصريحات المتناقضة للمسؤولين الروس في هذا الشأن. بعضهم يقول إن تلك الأنظمة الدفاعية الصاروخية البعيدة المدى مشمولة بالقرار 1929، والبعض الآخر يؤكدون العكس. وفي المقابل أوردت صحيفة «روسيكايا غازيتا» أن الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف يعتقد أن من شروط احتفاظه بالسلطة تعزيز اقتصاد البلاد، وهذا يتطلب علاقات أوثق مع الولايات المتحدة والغرب. ومع ذلك، لا يمكن القول إن واشنطن تثق كلياً بنيات موسكو، فقد وصف وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس مراراً السياسات الروسية حيال طهران بأنها «منفصمة الشخصية».
وفي إطار التوجس هذا، جاء التصريح الناري والمدوي للسفير الأميركي السابق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، الذي حض اسرائيل على ضرب المفاعل النووي الايراني قبل تزويده الوقود، والا يكون «الأوان قد فات»
وعلى ما يبدو، فإن آوان الضربة الذي حدده بولتون «فات» فعلا، ذلك ان تشغيل المحطة وفر لها الحماية الكاملة، لأن قصفها واليورانيوم في داخلها يسبب كارثة إشعاعية ليس على ايران وحدها بل على المنطقة برمتها، خصوصا الدول الخليجية التي لا تزال بفعل غازها ونفطها اكثر المناطق حيوية في العالم. كذلك فان إيران لا تتكل على الحظ فقط. فقبل أيام قليلة من تصريح بولتون، أورد موقع «مردم سالاري» الإخباري الإيراني على شبكة الانترنت أن جنوداً إيرانيين نُقلوا إلى بوشهر لتقويم سلامة المجال الجوي في المنطقة، وأن ما يماثل ثلاث طائرات من دون طيار أسقطت في اليوم السابق، في إطار تدريبات أجراها الحرس الثوري «الباسدران» لصد هجوم محتمل.
ولأن طهران تعرف أن مفاعلها مستهدف علنا، وقد يتعرض لضربة صاروخية أو جوية، وكونها اعتمدت على روسيا في بناء مفاعلها الأول، فهذا يعني أن الطرفين أمّنا المفاعل في حال تمكنت قاصفات من اختراق الدفاعات الجوية الإيرانية، بحيث يستطيع المفاعل حماية نفسه. وبما ان المفاعل هو رسميا منشأة روسية، فان اي ضربة له تعتبر ضربة لروسيا بكل ما يحمله ذلك من تداعيات دولية خطيرة.
الكرة اليوم بين قدمي اللاعب الايراني، وهو قادر على تسديد الركلات في مرمى هذا الطرف أو ذاك. لكن المبارزة طويلة، والأشواط فيها الكثير من الوقت المُمدد. وطهران في موقع مَن ليس لديه شيء يخسره، لكن أمامه الكثير يكسبه. بوشهر ورقة قوة إضافية، لكن ماذا تخفي أوراق الأطراف الآخرين في المحادثات المقبلة، في منتصف أيلول (سبتمبر)، بعد شهر رمضان، وبعدما استعادت روسيا حضورها «النووي» في الجمهورية الإسلامية، وأي وساطة تبقى لتركيا والبرازيل، وأي دور لمجلس الأمن والوكالة الدولية للطاقة الذرية؟ وأي وأي وأي... الإجابات في القبضة الإيرانية، فلننتظر أن تُفلتها تباعاً.
الأحمديون في دائرة الاستهداف
يبدو أن الحرب على الطائفة الاحمدية وعمليات تكفير مسلمين مسلمين آخرين انتقلت من باكستان وبنغلادش وبلدان آسيوية، بينها دول عربية، الى بريطانيا حيث تلقى أفراد هذه الطائفة تهديدات عدة من اسلاميين متشددين بلغت حد الدعوة الى قتلهم وتخريب مساجدهم. فهل انتقلت حرب تكفير المسلمين من البلدان الاسلامية الى بلدان الهجرة؟
مع تصاعد الحركات الاسلامية المتشددة في الربع الأخير من القرن الفائت وانتهاج بعض الجماعات الفكر التكفيري وسيلة للقضاء على كل من يخالفها الرأي، حتى ولو كان مؤمنا بالاسلام دينا، تعرض أتباع مذاهب وطرق اسلامية عدة لحملات قتل وتنكيل وتكفير. ومن بين هذه المذاهب طائفة الاحمديين التي تنتشر خصوصا في شبه القارة الهندية. فمنذ سنوات اعتبر الأحمديون كفرة في نظر الاسلاميين المتشددين في باكستان. وقد أسهمت هيمنة بعض المدارس الدينية في دفع السلطات الباكستانية الى اعتبار الطائفة الأحمدية غير مسلمة في باكستان في العام 1974، وصدر عدد من القوانين تجعل من جهر الأحمديين بدينهم وممارسته والدعوة إليه جرماً جنائياً. وبموجب هذه القوانين وجهت إلى عشرات الأحمديين تهم ارتكاب جرائم دينية، بينها أداء الآذان والتبشير بدينهم أو تسمية مكان عبادتهم مسجداً، واتهم عدد منهم بالكفر بموجب المادة 295ج من قانون العقوبات الباكستاني التي تنطوي على عقوبة الإعدام. لكن حتى الآن نقضت السلطة القضائية العليا كل أحكام الإعدام المتعلقة بالكفر.
وتؤكد منظمة العفو الدولية ان أتباع الفرقة الأحمدية يتعرضون في دول اسلامية اخرى للكثير من القيود، كما تشير الجماعة إلى أن أتباعها يضطهدون في دول عدة. وتقول المنظمة أن بعض الأحمديين قتلوا أو سجنوا بسبب اعتناقهم أفكار طائفتهم. وتشير تقارير الى انه لا يسمح للأحمديين بزيارة الأماكن الإسلامية المقدسة بما فيها مدينتا مكة والمدينة في السعودية. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي منعت وزارة الشؤون الدينية في بنغلادش أتباع الجماعة الأحمدية من التعبير عن آرائهم أو نشرها لأنها تؤذي مشاعر الغالبية المسلمة في البلاد. ومع أن الأحمديين كانوا مستهدفين من جانب المتشددين في السابق، الا أن الامر وصل الى تفجير اثنين من مساجدهم في لاهور في ايار (مايو) الفائت مما اوقع 93 قتيلا خلال صلاة الجمعة، الأمر الذي أشَّر الى ان المواجهة بدأت تأخذ منحى يشبه الابادة.
غير ان الاحمديين يصرون على أنهم مسلمون والسبب في رفض الآخرين مرده الى خلاف مذهبي أساسي، إذ تقول الطريقة الأحمدية إن الرسول محمد خاتم للأنبياء لكنه ليس آخرهم، وأن الله باعث آخرين. ويضيفون: إن الـختامة لا تعني بالضرورة الـنهاية، بل إنها تعني الـطابع والقانون العام الذي سيسير عليه الأنبياء المقبلون الذين لن يغيروا من شريعة الله شيئاً، بل سيسيرون على نهجه، كما أنزل في الكتب السابقة ومنها القرآن. ويستغرب المسلمون الآخرون هذا التفسير. كما يعتقد الأحمديون أن ميرزا غلام أحمد الذي توفي في العام 1908 هو المسيح المنتظر الذي نزل من السماء. لكن السواد الأعظم من المسلمين يعتبرون هذا الكلام كفرا. وقد ظل الخلاف محتدماً بين الاحمديين والآخرين لسنوات طوال في باكستان ومناطق أخرى وتعرض الكثيرون من الأحمديين للقتل بسبب آرائهم.
وتحتفل الطريقة الأحمدية التي نشأت أساسا في إقليم البنجاب في شمال الهند، يومي السبت والأحد بالـمولد (كما في مصر وبلاد الشام) أو الـحضرة (كما في شمال إفريقيا) حيث يتجمع ما يربو عن ثلاثين ألفاً من الأتباع ويقيمون السرادقات ويعلو كل سرادق الـبيرق، اي الراية التي تدل على المجموعة أو البلدة الأصلية التي قدم منها أشخاص بأعينهم.
ويمتلك الاحمديون محطة تلفزيون خاصة كانت حتى وقت قريب تبث إلى أكثر من مئة دولة. وتذيع المحطة الأحمدية مراسم الليلة الكبيرة حيث يخطب في الاتباع العالم الأكثر حضوراً، ميرزا منصور أحمد. ويؤكد هذا العالم في خطبه : إن الذي أصبغ على الإسلام سمعة سيئة هو الصورة البشعة التي يقدمها بعض الجماعات والمنظمات المسلمة، سواء عمدا أو من دون قصد. ويضيف: إن مبدأ الجماعة الإسلامية الأحمدية هو أن تعليم القرآن يساعد على نشر السلام، ويجب أن نوصل هذه الرسالة إلى جميع أنحاء العالم كله.
من جانبه، يؤكد زعيم رابطة الأحمديين في بريطانيا رفيق أحمد حياة: إن مهمتنا هي تعريف الناس بحقيقة الإسلام فهو دين السلام. ولن يتحقق هذا الهدف إلا إذا كان المسلمون مثلا يحتذى به في التمسك بإيمانهم، وفي الوقت ذاته تفهم الأديان الأخرى. وهو يدعو جميع المسلمين العاقلين من كل المذاهب إلى التصدي للمتعصبين، وذلك بالكشف عمليا عن أن الإسلام صديق وليس عدواً. كما تشدد هذه الجماعة على رغبتها في تحسين صورة الإسلام أمام العالم الغربي في ظل الأحداث التي تلت هجمات 11 ايلول (سبتمبر) 2001.
عدوى الحرب
بعد الهجمات التي تعرض اليها الاحمديون في موطنهم الاصلي في شبه القارة الهندية اتخذت مجموعة منهم من اصول باكستانية منطقة سري قرب لندن مقرا لها، بعدما اجبر زعماؤهم على الهرب والنزوح من باكستان، الدولة الوحيدة في العالم، التي تحظر عليهم قانونياً، ان يسموا أنفسهم مسلمين. وقد اشترى هؤلاء في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي لهذه الغاية قطعة أرض بنوا عليها بيوتهم ومتاجرهم واطلقوا عليها اسم إسلام آباد تيمنا باسم عاصمة بلادهم الأصلية. ويقول الأحمديون إن عددهم يصل إلى 200 مليون منتشرين في بقاع المعمورة، لكن خصومهم من المذاهب والتيارات الاسلامية الأخرى يقللون كثيرا من هذا الأرقام ويعتبرون ان عددهم لا يتجاوز بضعة ملايين.
وكانت زعامة الاحمديين تأمل في أن تؤدي الهجمات التي تعرضوا لها في لاهور قبل تفريقهم في اصقاع الدنيا الى حملة واسعة من التعاطف معهم في صفوف المسلمين البريطانيين، لكن العكس هو الذي حصل، إذ إن ذلك أدى الى المزيد من التشدد لدى اقلية من الاصوليين، الذين سارعوا الى مهاجمتهم علناً، من ضمن حملة متصاعدة من الترهيب. ويقول الشريف أحمد آبرو الهارب الى بريطانيا: لقد سعيت الى الحصول على لجوء سياسي في بريطانيا لأنهم سيقتلونني اذا أنا عدت الى باكستان. ويضيف: لقد قتلوا أخي.
ومع اشتداد الاقتتال الطائفي في باكستان وتنامي حركة طالبان المتشددة في كل من باكستان وافغانستان، وبعد تفجير المسجدين في لاهور، نقل المتشددون الباكستانيون حربهم ضد الاحمديين الى الاراضي البريطانية خصوصا الى عقر دار هذه الطائفة جنوب لندن في الاحمدية. فقد وزع اسلاميون متشددون في بريطانيا، منشورات تدعو الى قتل المسلمين الاحمديين في كنغستون- تايمز، بالتزامن مع تعرض مساجدهم للتخريب في نيوهامر وكرولي. كذلك، حض خطباء المساجد في جنوب لندن على مقاطعة الأحمديين، كما اضطرت منظمة لحقوق الانسان الى توجيه اللوم الى قناة فضائية اسلامية بسبب وصفها اتباع هذا المذهب بأنهم «يستحقون الموت».
ويؤكد زعماء الاحمديين في لندن ان تصاعد العداء ضد اتباعهم يتصل مباشرة بالعنف الحاصل في باكستان، حيث اعلن مقاتلو طالبان المحليون، الحرب على جميع المذاهب الاخرى، التي يعتبرونها خارجة عن الصراط المستقيم، كالاحمديين والشيعة. ويعتبر رفيق حياة انه من خلال توزيع المنشورات، ونشر مواد الكراهية والبغضاء عبر مواقع الانترنت، والبرامج على قنوات التلفزة الفضائية (باللغة الاوردية وغيرها من اللغات الآسيوية)، «تحولت جاليتنا الى هدف للعدوان من جانب الخطباء الذين يبثون الكراهية». ويضيف: ان الذين يقومون بهذه الاعتداءات هم مسلمون، لكنهم بالتأكيد لا يمثلون الاكثرية العظمى من المسلمين في هذا البلد. هم يخلقون الكراهية والبغضاء بين صفوف المجتمع.
وقد فتحت الشرطة في كنغستون- تايمز تحقيقا جزائياً، مطلع الصيف الماضي، بعدما تسلمت امرأة احمدية منشوراً من يد رجل، جاء فيه: اقتل احمدياً، تفتح لك ابواب الجنة!
وتنقل صحيفة «الاندبندنت» البريطانية عن مصادر الاحمديين ان المعارضة العقائدية لجاليتهم، تتزعمها اكاديمية خاتم الانبياء، وهي فرع بريطاني لمجموعة باكستانية، مهمتها الوحيدة، التصدي لمعتقدات الاحمديين، وهذه الاكاديمية، تقيم علاقات وطيدة مع المؤسسات الرسمية الباكستانية، وقد اجتمعت بالمفوض السامي الباكستاني في المملكة المتحدة، في مطلع الصيف الفائت. كما انها عقدت مؤتمرا في نيوهام، في 18 حزيران (يونيو)، ادعى احد المتكلمين فيه ان الهجمات على المسجدين في لاهور، كانت مجرد مؤامرة احمدية.
ويعبر رفيق حياة عن اعتقاده بأن مثل هذه المجموعات تخلق جوا يشجع المسلمين العاديين على العدوانية تجاه الاحمديين، ويضيف: حرية التعبير شيء، لكن التحريض على الكراهية شيء آخر. ونحن نطالب السلطات باستئصال هذه الظاهرة من جذورها، والا فإن حملة الكراهية هذه ضد الاحمديين المسلمين ستقوى وتتوسع غداً، لتتحول الى خطر على المسلمين المعتدلين، والمجتمع الأوسع بكامله.
المصدر : امين قمورية
مواضيع مماثلة
» *عبد الله بن سـبأ - مقتطفات من هنا وهناك دسائس ومؤامرات واستعدادات للحروب ضد العرب.
» * باراسايكوجيا :: اقصفوا إيران نوويا - علم الاختلاج - الحرب النفسية - عملية ماكالترا.
» * الاربعين حديثا النووية - احاديث ضعيفة -
» تحــليل البيانات في منظمة الأبحاث النووية الأوروبية
» * تكتلوجيا الجيل القادم - جولة في عالم الحروف - الطاقة النووية في تركيا .
» * باراسايكوجيا :: اقصفوا إيران نوويا - علم الاختلاج - الحرب النفسية - عملية ماكالترا.
» * الاربعين حديثا النووية - احاديث ضعيفة -
» تحــليل البيانات في منظمة الأبحاث النووية الأوروبية
» * تكتلوجيا الجيل القادم - جولة في عالم الحروف - الطاقة النووية في تركيا .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى