مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* المجتمع العراقي - الزواج - الختان - السياسة - المراءة - المآتم

اذهب الى الأسفل

* المجتمع العراقي - الزواج - الختان - السياسة - المراءة - المآتم Empty * المجتمع العراقي - الزواج - الختان - السياسة - المراءة - المآتم

مُساهمة  طارق فتحي الأربعاء أكتوبر 21, 2015 4:41 pm

طقوس الزواج عند العراقيين ( المهور )
مُساهمة  طارق فتحي في السبت 5 أبريل 2014 - 19:12
أ. يونس عبدالجبار الهاشمي‏
الزواج ..
المغالات في المهور :-
ظن الكثير من أولياء الأمور أنّ المهر الغالي يدلُّ على الشرف والمكانة والمنزلة فأخذوا يتاجرون بتسعير بناتهم وتناسوا أنَّ أبرك الزواح أيسرها مؤونة ، وتشمل المهر والوليمة وبدع الحفلات التي تُرهق كاهل الشباب وتؤدي كثيراً إلى العزوف عن الزواج يقول النبي "عليه الصلاة والسلام" (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة) الودود = الحبابة ، يعني العريبة (عُرُباً أتراباً) التي تعشق زوجها وتذوب في محبته ، أما المهر الغالي والتبذير في نفقات الخطوبة والزواج أمور شكلية لا قيمة لها في ميزان العقل والشرع يقول "عليه الصلاة والسلام" (خذوهم فقراء يغنهم الله من فضله) و (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير) فيجب أن لا يُستغنى عن صفة الدين والخلق وأن لا يُنظر إلى المال والجاه والسلطان فإنّ كل ذلك لا يكون مقياس الإختيار السليم من وجهة نظر الدين الذي ينظم حياة الفرد والمجتمع .
ما معنى الفتنة التي حذرنا الرسول منه :
إن صاحب الخُلق يُكرم زوجته ويتحمّل ويصبر عليها (قيل لرجل مبتلى بسوء خلق زوجته لم لا تطلقها ؟ قال : أخاف أن يُبتلى بها غيري) ولذلك تزدحم أبواب المحاكم بطالبي الخلع والطلاق يومياً بالعشرات لإن معيار الإختيار لم يكن الدين والخُلق ولربما جرَّ ذلك إلى الإقتتال وسفك الدماء أو تربية الأبناء بمستوى هابط من الخُلق والدين مما يجعلهم أفراد فاسدين لإنهم لم يتربوا بأحضان أمينة ممّا جعل الأسرة منبع فساد (تكن فتنة في الأرض وفساد---) .
تقدم عبد الملك بن مروان (أعظم خلفاء بني أميّة) لخطبة الرباب إبنة عالم عاصره هو سعيد بن المسيب عارضاً لسعبد أن يفرش طريقها ذهباً من دمشق إلى المدينة المنورة فأبى ، وزوّجها من طالب علم بعد ما توفت زوجته قال له لم لا تتزوج بعد وفاة زوجتك ؟ قال : من يُزوّج إبنته لفقيرٍ مثلي لا يملك إلا ثلاث دراهم ؟ قال : أنا أزوجك إبنتي ، وزيّن إبنته وفي المساء طرق الباب وقال بارك الله لكما ، وكانت أشرق البنات وجهاً وأغزر الناس علماً مما جعله أن ينقطع عن دروس أبيها لإنها هي أخذت تدرسه في البيت .
ودخلت إمراءةٌ المسجد تريد الزواج ، فسأل "صلى الله عليه وسلم" الحاضرين فقال رجلٌ أنا أتزوجها يا رسول الله قال : كم تمهرها ؟ قال : لا أملك إلّا إزاري ، قال : وما تلبس ؟ قال : لا أملك غيره ، قال : ما عندك من القرأن ؟ قال سورة كذا وكذا ، قال : علمّها وهي مهرها .
وكان زواج رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بنسائه وتزويجه لبناته بسيطاً جداً ، وهذه خير نساء الدنيا فاطمة الزهراء كان حمالتها (عفش) عباءة مثنية وجلد شاة وكوز وإناء وهو من يملك كل جزيرة العرب بإمكانه أن يجهّز إبنته من أرقى وأجمل ما في بلاده وبلاد فارس والروم ولكن لم يفعل لإن ما يُسعد الزوجين الرضى والمحبة والقناعة (عِش مع محبوبتك تحت كوخ بسيط لا يمنع المطر بعيش زهيد أنت أسعد من عيشك في قصر فيها جميع وسائل الرفاهية ولكن لا محبة ولا تفاهم يصبحون على خلاف ويمسون على نزاع يتمنى أحدهم أن يقبض ملك الموت روح صاحبه) .
لذلك كان العقلاء يبحثون عن رجل يطمئنون على إبنتهم معه أكثر من الإبن ، لذلك كان آخر وصايا الرسول "صلى الله عليه وسلم" في حجة الوداع وعند السكرات (إستوصوا بالنساء خيراً ......إلخ) ، وهذا عمرٌ وما أدراك من عمر أشد الصحابة غيرةً يعرض إبنته لأبي بكر وإلى عثمان وأعرضا ، ولم يسكت فشكاهما إلى الرسول "صلى الله عليه وسلم" يا رسول الله عرضتُ حفصة لأبي بكر وعثمان قامتنعا ، يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم إصبر يا عمر لعلَّ الله أن يزوّجها خيراً من أبي بكر وعثمان ، وتزوجها عليه الصلاة والسلام .
فالسنّة تيّسر أمور الزواج والتقليل من النفقات والبحث عن صاحب الخُلق الرفيع وعن شريكة الحياة على ضوء الوصايا النبويّة (تُنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك) .
حفلة الختان :-
دائماً ما نقول أنّ الرشيدية نموذج خاص من بين القرى والمدن لما لها من تراث ثقافي وعادات وتقاليد دالة على سمو من أوجدها ، والختان موجود عند جميع المسلمين لكن ليس كأصولنا وتقاليدنا .
الختان سُنّة نبينّا إبراهم يقول تعالى (وإذ إبتلى ابراهيمَ رَبُهُ) قال بعض المفسرين :-
خمسٌ في الرأس وهي : قصّ الشارب ، والمضمضة ، والإستنشاق ، والسواك ، وفرق الرأس ، ، وخمسٌ في الجسد وهي : الختان ، وتقليم الأظافر ، وحلق العانة ، ونتف الإبط ، وغسل مكان الغائط والبول .
وورد عنه "صلى الله عليه وسلم" خمسٌ من الفطرة : الختان ، والإستحداد ، وقصّ الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الإبط على أن يكون دون الأربعين يوماً ، والحكم بين السُنّة والواجب وهي من سمات الإسلام .
يبدأ تجهيز الطفل بملابس بيضاء وكوفية مزخرفة بخيوط الذهب ونياشين ذهبية تُعلّق على الصدر والجبهة ، ويُحتفل به كليلة الحناء في الأعراس ، اليوم التالي يُهيء طعام ويُدعى الناس للمشاركة في الإحتفال الذي يُباشر به بعد صلاة العصر ، يُزيّن فيه ثلاثة : الطفل ، والفرس ، والفارس ، يخرج الموكب يتقدمه الخيّالة ، لكل طفل فرسه وفارسه ، بين ضرب الدفوف والمدائح النبوية والمدّاحين يحيطهم الرجال وتعقبهم النساء ، ويتقدم الكل مجموعة الفرسان كل فارس أمامه الطفل الذي وُكّل به على فرس أو حصان مزيّن من أذنيه ورأسه إلى ذيله مسربلاً الى رُكب الحصان يدورن القرية ، لو فرضنا أنهم خرجوا من بيت المختار (محمد مصطفى) متجهين إلى بيت المرحوم حاج سلمان ليدُوروا نحو اليسار نفس إتجاه طواف الكعبة أي بعكس إتجاه عقرب الساعة من اليمين إلى اليسار مع حركة الكون والأفلاك ، الشمس وتوابعها والأرض مع القمر ، ودوران الألكترونات حول النواة ، ودوران الحيامن في الرحم ، والزوابع والرياح (العجاج) ، واتجاه الكتابة العربية وكل شيئ في الكون يقول تعالى : (وإن من شيء إلا يسبّح بحمده) وهم بدورانهم يتناسقون حركة الأجرام والطائفين حول البيت ملبّين مسبّحين .
يسير الموكب على خطى المدائح حتى الخيول خاصة الأصيلة ترفع وتضع أرجلها مع نقر الدفوف ، حتى إذا وصلوا بمحاذاة الجامع(الوحيد) مرق أحد الفرسان منطلقاً نحو البيت يتبعه الآخرون بعد فترة مناسبة لإنهاء ختان الطفل الأول وببدأ بأكبر الأولاد سنّاً لينتهي منه قبل وصول جموع المشاركين مراعاةً لشعوره ، وإذا كان متقدماً في السنّ لا يشارك في الدوران ، يُراعى عدد الأطفال لتحديد بدء الإنطلاق ، فإذا كان إنطلاق الأول من قرب الجامع يكون إنطلاق الثاني من قرب دار (أحمد عباس) والثالث من قرب دار الحاج (أحمد أَخّي) والرابع من قرب دار (أحمد قصاب) والأخير على باب الدار ، ويقف على جناحي الباب شابّان يتلقون القادم ، أحدهم يمسك بخطام الحصان ويقوده إلى معلفه والثاني يتناول الطفل ليذهب به إلى مكان إجراء الختان وهي عبارة عن فَرشة (دوشك) رقيقة نوعاً ما وعليها وسادة (مخدة) ليجلس عليها من يمسك بالطفل (الكريف) مُضلّل بغطاءٍ ملوّن (چرچف أو بطانيّة أو جيجيم) يُرفع ويُخفض للتهوية والتسلية وتلهية الطفل بهذا الشيء المتحرك أو ستره عن عيون الناظرين ، والآخر يُشغل فكرهُ بحلويّات ونوع من السكر مُقلّم أبيض وأحمر طوله 30سم معكوف رأسه كالجاگون أو كأنه قليون كردي لكنه ملوّن ، بهذه الملهيات لا يشعر الطفل إلا بالألم الذي أصابه فجأةً ليصرخ من شدة الألم ، يُضمّد ثم يُنّقل إلى فِراش جميلٍ مزركشٍ ليُمدد عليها ، والأخت أو الأم أو الخالة بيدها مهفة يدوية لتهويته أو إلهائه بالحلويات .
وبعد الإنتهاء يوضع القلفة (الجلد الزائد المقطوع) في صحن (صينية) ويدور به على الحاضرين لوضع نقود فيه هديةً للمطهّر ، ويصعد الرجال فوق الأسطح والنساء في الأسفل يتناولون طعام العشاء وغالباً ما يكون لحم بقرٍ مذبوحٍ لهذه المناسبة وذلك بعد أداء صلاة المغرب جماعة ، وبعد صلاة العشاء تبدأ المنقبة النبوية بقراءة في كتاب مولدية (إبن حجر) ويشمل بعض الأخبار والأحاديث الموضوعة (بعضها) في تمجيد إقامة الموالد مع القصائد النبوية في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم إلى منتصف الليل تُختتم بدعاء ملمٌّ وشامل والكل وقوف متوجهين إلى القِبلة ، الرجال فوق ومن ورائهم النساء حتى الجيران تنظر حواليك على جميع الأسطح القريبة والبعيدة واقفين رافعين أيديهم يرددون آمين بعد الداعي ، ومن التقليد وضع كميّة من الخبز أمام المدّاحين وكذلك ملح وسكر وبعض النقود لما ورد في كتاب المولدية المقروء أنّ خلطها يزيد البركة فيما يخلط فيه أما الخبز فيُوزع على الجالسين بقدر أربع أصابع لكل واحد ، ويتلوه طعام الختام وهو عبارة عن رز مطبوخ (تمّن) يأكلون وينصرفون .
وفي صباح اليوم التالي وما بعده ما يقارب أسبوعين أو ثلاثة أسابيع يتوافذ الناس لتقديم التهنئة مع طعام من رز ومرق أو دولمة أو كبّة بأنواعها أو أداء ثمن الخلعة مضاعفاً إن وجد
أجمل ما في كل ذلك لحظة إنفصال الفارس من بين الجموع كأنه خطف شيئاً ويتبعه الآخر ولكنها إنقرضت لعدم وجود الخيول وحتى إذا حلّت السيارات مكان الخيول لكنها لا تعطي تلك النكهة ومنظر المواكب الراجلة وتلك الخيول المزينة ومع الفارس الذي يحتضن طفلاً مزيناً ، تخيّل معي مجموعة الخيول ُيحتفى بهم من الرجال والنساء يسيرون على إيقاع الدفوف تعجز الكلمات عن الوصف والتصوير .
*الحالة الاجتماعية
المجتمع الرشيدي
بالرغم من تعدد الأصول والأعراق إلا أنّ أهلها متجانسون لا يميّز أحدهم نفسه أو أصله عن غيره ، فهم كالأسرة الواحدة لا يشعر أحدهم بالغربة مع صاحبه ، إلى منتصف عقد السبعينات حيث يبدأ النخر بالقيم الجميلة واستبدالها بتقاليد جاهلية قائمة على التعصب القبلي بفعل الظروف التي أجبرت الناس الإنتماء إلى عشائر والأخذ بتقاليدها التي كان الأولون يرونها متخلفة ، واستبدلت الوداعة بالعداوة والعفوة بالقساوة شيئاً فشيئاً ، عُقّدت الأمور وباعدت بين الأُسر ، كنا نتشاجر وتُفج رؤوسنا ويسيل الدم إلى أعقابنا ثم نأتي البيت كأنّ شيئاً لم يكن ، ولربما وُبخّنا ، وأذكر أنّ والد المقتول قبل إنتشار الخبر ذهب إلى عمّ القاتل قائلا ً : قم (أيّها....) إنّ إبن أخيك قتل إبني لنجد حلاً ، لذلك كان مجتمعاً يتمتع بشهامة أهل الريف ونباهة أهل الحضر ، وإلى الآن الشباب لا يشعرون بضياع تلك العادات ويفتخرون بما اكتسبوه من هذه الجاهلية التي كانت مخبوءة تحت الرماد حيث فيها العنجهية والكبرياء والإستخفاف ، علماً أنّ الرشيدية كانت مكان فصل النزاعات في العهد الملكي وما قبله وذلك لوجود رجال علماء وحكماء يقصدونها من الأماكن المحيطة (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيم شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) صدق الله العظيم .
لكل ملّة عادات وتقاليد تعتز بها ، من ترك تراثه أصبح تابعاً فاقداً شخصيته منقاداً ، والرشيدية كانت مهوى الأفئدة يجتمع فيها علماء الموصل وغيرها ، ولازالت هناك مخطوطات لجلسات فقهية ودروس ومناقشات علمية ، وأحياناً تكون هنالك مراسلات بينهم وبين علماء الأزهر ، وأحياناً ينتدب الأزهر علماء كالشيخ المعروف حامد المصري في نهاية الخمسينات والستينات وتوجد له قصيدة طويلة في مدح الشيخ الرشيدي ، وعلاقة الأفراد ببعضهم تسوده الإحترام والمودة ، فالكبير موقر وله تأديب وزجر أي واحد ، وإذا أقدم أحد كبار السن على تأديب أحد يُشكر على ذلك ، لإننا نؤمن بأن تأديب الكبير لنا شرف وأدب ، ويزداد الإحترام إذا كان أباً أو عماً أو خالاً أو جاراً .
أما شخصية الفرد الرشيدي فهو شخصية عصامية يبني نفسه معتمداً على نفسه لا يقف على أبواب المسؤولين ولا يتنازل أو يكوّن علاقة مع أصحاب النفود ليحصل على شيء منهم ، إنما إذا أراد شيئاً جدّ واجتهد ووصل إلى هدفه بنفسه .
الأسرة
زمام الأمور بيد الأب في الأسرة الصغيرة وبيد الجد في الأسرة الكبيرة ، لا يمكن تجاوزه في جميع الأحوال ، والرأي رأيه حتى إذا كان على خطأ ، ولا يعني أنك أمام دكتاتور فهذا الأب الحنون الذي يراعي مصلحة أبنائه من وجهة نظره ويقدر الأمور بما فيه المصلحة ، وكذلك لا يعني أنه لا يشاركهم الرأي وقد يأخذ برأيهم إلا أنّ الكبير إذا اتخذ قراراً يُحترم ولا يُخالف ، وما نراه اليوم من خروج الشباب وعدم إحترام ذمة الكبير والعهد الذي قطعه مع الجانب المقابل فيتصرف ذاتياً موقعاً الكبار في مأزق وحرج وخجل ، دليل فداحة ما يقومون به أقلها فقدان الثقة بين الناس وسوء التربية ، ويبقى ذلك عاراً على مدى الزمان (العشيرة الفلانية لم تلتزم بعهدها وميثاقها—غدرت... ) ظنها مرجلة ، والحقيقة هي هبوط أخلاقي خالٍ من القيم ، لهذا كان رأي الكبير مقدساً لا يجرؤا أحد خرقه .
مكانة المرأة 2‏
القسم الثاني : مكانة المرأة
لها مكانتها المرموقة في المجتمع الرشيدي ، فهي صانعة الرجال ومربية الأجيال ، وهي في ثقافتنا مخلوقة مقدسة يُنظر إليها باحترام ويُذاد عنها ويُرخص لأجلها كل غالِّ وثمين ، تُسال الدماء انهاراً ولا يُمسّ لها شعرة ، يتمرغ تحت أقدامها الرجال تلك جنتهم ورضاها مفتاح دخولهم الجنة إن كانت أمّاً ، وتتعالى هامات الرجال عزةً وفخراً إن كانت أختاً ، وتسكن عندها القلوب وهي زوجة ، وما أجملها باقة زهور تملاْ أركان القلب بهجة وسروراً وأنت تضم إلى صدرك إبنتك وقد تخلّلت أصابعك ذلك الشعر الجميل ، وإذا فقدتُ أمي ارتميتُ في حضن خالتي أستسمحها وأقبّل رأسها وأمسح بخدي قدميها لعلها تدعوا لي وربي يسمع ويستجيب ، كما استجاب دعاء أمي وعمتي صنو أبي ، بارزوني يا أهل الأرض هل لكم أمّاً مثل أمي أو بنتاً ضممتها إلى صدري أو عمةً انحنيت لها فقبلت رأسي أو أختاً تباهت بقامتي وفديت من أجلها روحي .
في هذا المجتمع الذي تسامى فيه دور المرأة عما جاورها من القرى وقلّ فيها الزواج الثاني إلا لضرورة أو سبب أو زواج الشغار (كصّة بكصّة) ، وهي حالات نادرة ، بعكسها تجد فيما جاورنا من القرى الفتى البالغ من العمر 20 سنة له زوجتان أو ثلاث زوجات ، وملل وعشائر لا يستطيعون الزواج إلا عن طريق البِديلة (الشغار) ، هذا هو المجتمع الرشيدي وهذه الحالات تعد بعدد أصابع اليد الواحدة ، وإذا حصلت فأن الأولى لا تُهمل أو تُترك معلقة بل تبقى كما هي ، وإنا نرى العجاب عن بعض من تزوجوا من الذين جاورونا تركوا الأولى وطردوها أو يعتزلها نهائياً لا زيارة ولا نفقة حتى إذا بلغت بناته منها زوّجهن وقبض الثمن ، وهذا لا يعني أنّ حياة المرأة وردية بل تعرضت نساؤنا للاضطهاد من قسوة ونهوة ورفع خسيسة أو منعها من الزواج لأجل خدمة أو بعثرة مال (حتى لا يخرج المال إلى الغرباء عن طريق الميراث) وكان لأجل هذا كثرت العوانس اللواتي يمنعهن الحياء عن الإفصاح عن الرغبة بالزواج .
المعجزة الإلهية :
في نهاية الخمسينات وبداية الستينات رأى احد الصالحين الرسول "صلى الله عليه وسلم" في منامه استجابة لدعاء يتيمة منعها أعمامها من الزواج ، وصية الرسول لها ولكل وليُّ أمْرِ بنت منعت من الزواج ، يتحمل هذا الولي ذنباً كذنب من يربي في بيته خنزيراً ، والدليل على ذلك تجدون شعرة من شعرة الرسول في سورة النساء وكنا نأتي المصاحف من مختلف أنواع الطبعات في سورة النساء لا أذكر الآية التي عليها الشعرة إلا أنها في الزاوية النهائية من جهة اليمين في الصفحة اليسرى ، كنا ننتقل من مصحف إلى مصحف آخر لعل أن تكون حيلة مطبعة ، نجد الشعرة في كل المصاحف كبيرها وصغيرها ، طبع بغداد أو القاهرة أو غيرها ، شعرة ملقاة على آية لا تُنزع كأنها شعرة لاصقة على الورقة ، هذه المعلومة وردت من خارج الرشيدية لأجلها اشتد اللوم لأولياء العوانس وبدؤوا يزوجون بناتهم ، وأذكر حالتين من هذا القبيل حصلت في ذلك اليوم
المرأة العاملة‏
مع إشراقة كل يوم جديد يخرج الناس إلى مزارعهم رجالاً ونساءً لان الله قد حبى هذه الديار بأراضٍ خصبة كانت المورد الرئيسي لخضار الموصل ، ومع الوصول إلى مكان العمل تنصرف كل فئة إلى مايناسبها من الأعمال .
أعمال النساء أخف وأيسر من أعمال الرجال وأجورهن أقل من الرجال ، وكان للرجل ثلاث حالات أجرة يومية 400 فلس إلى 600 فلس ، وأجرة شهرية بمقدار 12 إلى 15 دينار ويخدم يوم زيادة ، وأجرة سنوية بحدود 40 دينار مع مقدار من الحبوب كالحنطة والعدس والشعير ...... الخ .
أما المرأة فأجرتها من 150 الى 250 فلس ، والجبالة (الجص) أجرتها من 600 لس إلى دينار ، والدينار يوازي مثقال ذهب أو أربعة غرامات ذهب ، وفي حصاد الحنطة والشعير وما إليها تتضاعف الأجرة لمشقتها وحرارة الجو ، تصطف سلسلة من البنات وراء المحراث وبيد كل واحدة فأسا لتهشيم التراب المتكتل وتنظيفه من الادغال ، وكلما مرّ الحارث والمحراث سارعن لتنعيم التربة وتنظيفها من جذور الأدغال ، وأجمل منظر لهن بملابسهن الملونة مع طول خط الحرث ما يشبه كذلك وراء ماكنة الحصاد اللواتي يجمعن باقات الزرع ليكّون منه الغمر ، وأهم الأعمال التي تكون من إختصاص المرأة هي جني المحاصيل الزراعية كالقطن وبقية انواع الخضراوات ، واصعبها البامية لاحتوائها لغبار يولد الحساسية ، لذلك تتخذ المرأة لنفسها ثوباً تغطي كل ملابسها إلا عيونها ، وتلبس القفازات كون نبات البامية كان طويلاً تزيد عن طول المرأة بنصف متر أو أكثر ، وأظن الموجود الآن أقصر بكثير نتيجة لنوعية البذور ، وأمتعها جني الطماطة والخيار ، ومن الأعمال الممتعة قيام مجموعة من البنات بنسق جميل بهشهشة التراب حول النبتة وتنظيف ما حول النبة من النباتات المتطفلة (التربيش) .
كما انّ المرأة مسؤولة عن إدارة المنزل وتهيئة الطعام وتربية الأطفال ، وخياطة الملابس والبسط واللحف خياطةً يدوية ، كما كانت المرأة تخيط ملابس الرجال كالأردية (المقطنة) على طريقة خياطة اللحاف ، وهي فصالٌ (كالجاكيت أو القمصلة) لها وجه وبطانة محصور بينهما قطن أو صوف بخياطة ناعمة ، والتي تعمل في البساتين غير المتزوجة فإذا تزوجت تنصرف لإدارة المنزل أو لزوجها مزرعة تساعده ، ويكون حلب الأغنام والأبقار محصوراً في النساء وما يتبع هذا من عمل المشتقات كالزبادي والدهن الحر والجبن ......... الخ
وأقولها لله وللتاريخ مقسماً بالله العليّ العظيم انّ بنات وشباب ما قبل الستينات كانوا على درجة من العفة والنقاء والطهر والغيرة على اعتبار جميع بنات القرية مثل أخواته كان يجمعهم ظرف العمل في البساتين أو يتأخرون إلى ظلمة الليل أو في أي مكان لا تدركهم الأبصار ولا يحس أحدهم هذا ذكر وهي أنثى إنما أخٌ مع أخته وإذا وجدوا لا يشك بهم أحد لأنه لا يوجد في قاموسهم أخلاق أهل هذا الزمان ، قد يشعر أحدهم بميل نحو واحدة وكلا الطرفين لايستطع البوح إلا انّ العيون تتحاور لذا يفاتح الولد أهله ويتقدمون لخطبتها ، وإذا حصل الإتفاق وتمّت الخطوبة لا يستطيع الولد رؤيتها إلا ليلة الدخلة وهي تتوارى عنه وقد تخفي نفسها بين البنات وإذا رأته أسرعت بالإختفاء مطأطئة رأسها حياءً .
وقد تصل المرأة فينا إلى أنّ زمام الأمور تكون بيدها وتتحكم بالأسرة أو العشيرة أو المجتمع تبعا لشخصيتها وحكمتها ، ولا ينفرد الرجال برأي أو عمل إلا بعد إستشارتها ، والقصص والحوادث كثيرة ومنها مثلا ً السيدة هاجر شقيقة الشيخ مصطفى الرشيدي زوجة حامد محمود الغريب (للشيخ تسع أخوات واحدة جدتي امنة ، وهاجر زوجة عمي حامد ، وحليمة أم جدي حسن شمام ، وواحدة عند العبسلية ، والأخرى عند الحرباوين كانوا ملاّك بيسان وهجروها وسكنوا قرية الخالد من قرى شمامك) كانت والدتي تتحدث عن كرامتها وكيف انّ الملائكة تهز لها المهد ، وكيف أنّ أهل القرية هرعوا إليها يستنجدونها لأن الجندرمة هجموا على القرية يريدون أخذ جميع أنواع الحبوب فاستقبلتهم بعصاها وردتهم عن القرية ، لإنّ الجيش العثماني حينما خسر المعركة في الحرب العالمية الأولى أراد أن لا يبقي شيئاً وهو ينسحب لكي لا يستفيد منه الإنكليز ، وحدثت مجاعة عظيمة ومات على اثرها ناس كثيرون ، وأكل الناس لحوم القطط والكلاب ، وكان الرجل يضع رأسه تحت أقدام المرأة الخبازة لأجل كسرة خبز ، ويذكر أنّ رجلا ً أخذ يراقب إمرأة وهي تخبز فلما أخرجت أول قرصة خطف الخبز وجعله تحت حزامه لصيقا ببطنه وهرب وتبعه صاحب البيت حتى عثر وسقط وجاء إليه ونزع الخبز ليأخذه وإذا بالخبز لا ينزع إلا ويأخذ معه بعضاً من جلد البطن ، وتركه وأخذ الرجل يأكل الخبز ممزوجاً بجلد بطنه .
الا نتخابات
إنّ خير من استأجرت القوي الأمين
الانتخابات أمانةٌ والأمانةٌ ثقيلةٌ لم تحملها السماوات الأرض والجبال وهي شهادةٌ ، إما شهادة حق فكتمانها من كبائر الذنوب (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) أو شهادة زور (سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) وتحسبونه هيناً وهي عند الله عظيم ، وهي خيانةٌ لله وللرسول ولنفسك وللوطن والمواطن ، لأنك تساهم في إسناد أمور الأمة للفاسدين والمفسدين وينالك سخط الله تعالى ، فإذا سرقوا أو قصّروا في حقّ أو عاثوا في الأرض فساداً فعند الله أنت وهم سواء ، كأنك أنت المرتكب وتنالك نفس العقوبة من غير أن تنقص من عقوبتهم شيئاً ، وهي مسؤوليةٌ جسيمةٌ إن جلست ولم تشارك وتركت الساحة للمفسدين فأنت آثم ، ولكن لابد من وجود عنصر صالح من بين هذا الكم الهائل من المرشحين فان أعياك الاختيار فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون .
فالأمة التي فقدت قيمها جاءت بأناس فاقدي القيم ، انظر إلى إبني الرشيد الأمين والمأمون الحمامتان الوردتان وقد ملك أبوهما شرق الأرض وغربها (أمطري حيث ما شئت فان خراجك عائدٌ إلى) أصلٌ ينتمي إلى بيت الرسالة ، ملكٌ وحضارةٌ لا يمتد من زاخو إلى الفاو فحسب ، وإنما ملكٌ مبسوط ٌ من الأطلسيّ في أقصى الغرب إلى الصين ، ومع ذلك يتسابق الأميران ويتنازعان ويتنافران في تقديم الحذاء لأستاذهما ، وأخيراً يتفق الأَخوان الأميران أن يقدم كل واحد منهم فردة الحذاء ، والوالد الإمبراطور ينظر ويتعجب فرحاً لأنه يدرك أنّ الأمة ما صلت إلى قمة المجد إلا بهذه القيم ، وقارن هذا بوزير التقيتُ به في بلدٍ خارج العراق كان أحد طلابي قبل أربعين سنة ، ونحن تعلمنا من سلفنا آداباً تُحي النفوس والقلوب ، تعلمنا أنّ الطالب مهما سبق أستاذه يبقى للأستاذ فضلٌ عليه ، وبعد التعارف والتذكر طلبت منه كوزير عراقي وأنا عراقي أن يتحدث مع إدارة المستشفى لتسهيل بعض الإجراءات الإدارية وأبدى استعداده بحرارة قوية ، ولما خرج نسي ، لانّ رأسه كان مرفوعاً للأعلى ، لم يتعلم من أسلافه (التأريخ المجيد) ولم يتعلم من أسياده (الغرب) حينما كان نابليون يسير بموكبٍ عظيمٍ وفجأةً يتوقف الموكب ويترجّل الإمبراطور ليعانق رجلاً عجوزاً ويحمله معه لأنه أحد معلميه .
وبيت القصيد عندما التقيت بأقربائه وأبناء عمومته وحدثتهم قالوا هذا كذاب ! إذاً كيف تلوث إصبعك وتشهد شهادة زور ؟ إنها مسألة غفلةٍ وضياع قيمٍ وتخلف .
‏من_مذكراتي‬ ... الرشيدية في ذاكراتي
‫#‏إنقلاب_14_تموز‬
*إخبار الشيخ هادي بوقوع الانقلاب في ليلة الإنقلاب :-
كانت المناهج الدراسية دسمة وغنية تبني شخصية الطفل بمختلف أنواع الثقافة وأذكر أنّ قصيدة "صوت صفير البلبل" كانت في قراءة الصف الثاني الإبتدائي ولا يستطيع الآن طالب في المرحلة الجامعية قرأتها ، وكنا نحفظها وغيرها من العلوم المثرية للإخلاق بموضوعات شيقة وقصص من التراث الجميل ، وكان الأستاذ محسن السبعاوي يهتم بالنواحي الدينية والأخلاقية وكان الأستاذ محمد الدباغ يثقفنا سياسياً (كان يحمل فكراً شيوعياً) يعرض لنا تاريخ الدولة العراقية إلى أن ينتهي بنا إلى الإنتداب البريطاني وكان يأخذنا الحماس ويملىء قلوبنا الحزن حينما يقول : (لازال العراق تحت الإنتداب البريطاني) ، وكنا نسمع بخروج مظاهرات يقوم بها الحزب الشيوعي لإسقاط الحكومة ، نسمع عن إنتشار الشيوعية في روسيا والصين وجيكسلوفاكيا ويفرحنا ذلك لإننا كنا نظنها المذهب الاسلامي ولذلك نفرح لانتشار الإسلام .
كان الشعب يحب الملك فيصل الثاني ووالده الملك غازي لوطنيته وكراهته للإنكليز ، ولا يحظى الوصيّ عبد الإله بحب الناس له ، وكان في نفس الوقت نجاح الثورة المصرية بزعامة جمال عبد الناصر التي أخذت تتزعم وتصدر الفكر القومي إلى البلا العربية وتستجيب لها الشعوب إلى أن قامت الوحدة بين مصر وسوريا (الجمهورية العربية المتحدة) مما دفع وبضغط شعبي إلى قيام وحدة بين مملكتي العراق والأردن (الإتحاد العربي الهاشمي) يكون الملك فيصل الثاني ملكاً وملك الأردن الحسين نائبه وكان العراق أهدأ حالاً من الأردن حيث كانت المظاهرات المطالبة لإسقاط الملك حسين وكنا نتوقع الإنقلاب عليه في أية لحظة .
وكانت الإذاعة العراقية تبدأ برامجها في الساعة الثامنة ، وفتحتُ الإذاعة لأسمع القرأن وبعدما صدّق القارئ إذا بالمذيع يقول بيان رقم واحد صادر من القوات المسلحة العراقية (بعد الإتكال على الله قامت القوات المسلحة بالقضاء على الطغمة الفاسدة ........الخ أعلنت إلغاء الملكية وقيام الجمهورية) تلا البيان نشيد "الله اكبر" وأغنية "حنه حنه بديكم" وبدأ عهد الفوضى في العراق وقُتل الملك ذلك الشاب البريء واستؤصلت العائلة الهاشمية وقتلوا شر قتلة ، وعاد الزعيم الكردي من منفاه ومن الهتافات التي كانت تُردد (زعيمنا الثاني ملا مصطفى البرزاني) ،
وبدأت أفتش عن أبي لأبشره بقيام الجمهورية وسقوط الملكية ، كان لنا ثلاثة بساتين يا ترى في أي واحد أجد والدي لأبشره ، وعلمت أنه في بستاننا الذي قرب مشروع الماء وأسرعت نحوه أبي-أبي ( صار انقلاب على الملكية وصارت جمهورية) ولكنه أجابني أن بصق في وجهي وانكمش على نفسه ! قلت في نفسي من أين لأبي أن يعرف أننا كنا مُستعمرين وقد نلنا حريتنا (وذلك بما ثقفنا به الأستاذ محمد الدباغ) ، وكان بعد أن قُتل الملوك (شعبٌ متوحشٌ يحب سفك الدماء ، والمصريون أخرجوا الملك فاروق بدون أذى) ولكن نوري سعيد لازال طليقاً وكانت الحملات الإعلامية تدور حول هذه الشخصية ذو الذكاء المفرط الموالي للإنكليز ، لكن مواقفه الخفية كانت وطنية وهو أبرز شخصية في العهد الملكي ، وكانت معظم المظاهرات تطالب بإسقاطه ولربما هو من يدفع الشارع إلى المظاهرات ثم يقول للإنكليز الشعب يريد رفع أسعار النفط وتضطر الحكومة البريطانية إلى رفع سعر النفط حيث كانت بريطانيا تشتري التفط بالسعر الذي تريدها ، وكانوا رجال حكم محنكين قرأت في إحدى المجلات أنّ المفاوض العراقي إستطاع أن يكسب العراق من العملة الصعبة حينما طلب من مفاوضه الإنكليزي أن يستبدل كلمة بغداد بلندن ووافق الإنكليزي ولم يدرك أنه إذا دفع في بغداد يدفع بالعملة العراقية أما الدفع في لندن ففي العملة الصعبة فوبخته حكومته على غفلته ، بقي نوري سعيد يتنقل في بغداد بزي إمرأة إلى أن أُكتشف أمره في منطقة البتاوين فقاوم وقُتل من قبل الغوغاء وبقتله ذبح العراق ولازالت دماؤه تنزف إلى يومنا هذا ، حدثني أحد الشرطة أنه خرجت مظاهرة مستنكرة لزيارته للموصل حاملين جرو كلب بأيديهم وهم يهتفون (نوري سعيد قندرة صالح جبر قيطانه) وهو يمشي معهم ويصفق بينهم وزار الإعداية الشرقية وألقى فيهم كلمة وفتح باب المناقشة مع الطلاب وسألوه فتح التطوع لتحرير فلسطين واستجاب لهم وأحضر السيارات العسكرية لإرسال المتطوعين إلى بغداد ومن هناك إلى فلسطين ، وطلب من سائقي السيارات السياقة ببطىء ولم تصل السيارات إلى الغزلاني إلا وقد فرغت من الطلاب واحداً بعد الآخر ، رحمهم الله لقد خدموا البلاد وأسعدوا العباد وكان عهدهم عهد عز العراق وكانت بغداد درّة االشرق والناس في نعمة وأمان والمواطن محفوظٌ كرامته حتى إذا قتل فرد في باب الطوب جاء نوري سعيد من بغداد وأنزل المتصرف "المحافظ" من كرسيه .
لنعد إلى الرشيدية ليلة الإنقلاب ، قال شيخ هادي هذه الليلة آخر ليلة الملوك وكان للمرحوم رشاد شبه مقهى يجتمع فيه كهول البلد الذين يتمتعون بروح الشباب كان ذلك كدار ندوة أو نادي بالمعنى الحديث ، وكان آن ذاك لدى الشيخ هادي "تفسير روح البيان"الذي لم يكن آن ذاك إلا أربعة نسخ قد دخل العراق ، يرسل الوصيّ مخبريه في كل أنحاء العراق ليجدها ويقول الشيخ انه تعرض عدة مرات لزيارة مثل أولئك المخبرين ولكنهم لم يحصلوا منه على نتيجة ، ورد ذكر ثورة 14 تموز وما يحدث من قتل الملوك وما سيجري بعدها من سفك الدماء حتى ابكى الرسول "صلى الله عليه وسلم" وعندما يسأل إبن عباس "رضي الله عنه" عن معنى قوله تعالى (حم عسق - سورة الشورى) يعرض إبن عباس عن الجواب ويظهر الكآبة في وجهه حتى يتولى حذيفة بن اليمان الجواب عوضاً عنه ، وعلل سبب تلك الكآبة والإعراض أنّ الآية نزلت في رجل من أهل بيته ينزل ملِكاً على مدينتين يشق النهر بينهما إسمه عبدالله أو عبدالإله قرب مدينة قرطبل بين دجلة ودجيل (بغداد) فإذا أراد الله زوال ملكه سلط على أحداها غيمة سوداء فيمسون ولا يصبحون وتصبح أختها متعجبة ويجتمع فيها من كل جبار عنيد يخسف الله بهم الأرض في الليلة القابلة .....الخ ، ورد الحديث في عدة تفاسير (راجع تفسير إبن كثير وتذكرة القرطبي وغيرها) إلا انها من غير تفصيل كما ذكر في روح البيان تفسير (حم عسق - سورة الشورى) وفي نهايتها كلمات ورموز إستطاع الشيخ حلها حتى أخبر وهم جالسون قال : (يا جماعة الليلة آخر ليلة لملوك العراق) والناس بين مصدق ومكذب حتى جاء الصباح وأُعلنت الثورة ، ولذلك بعد هذه الاخبار كان الناس يسألونه عن مصير الحكام بعد أن نال شهرةً واسعةً نتيجة ما صرح بهذه المناسبة .
الحالة الثقافية والسياسية:
كون الرشيدية قرية صغيرة لم يمنع ان تؤسس فيها ثاني مدرسة على مستوى العراق بالاسلوب المعهود الان حيث كان التعليم مقتصرا على الجوامع فلما بدأت الدولة العثمانية ببناء المدارس في بغداد والمدن العراقية حوربت واشعلت من قبل الاهالي لانهم خافوا على عقيدة ابنائهم اذا تعلموا خارج المسجد
كانت مدرستنا قرب جامع الرشيدية الكبيرالوحيد كان عدد حجراتها اربع فقط تعلو عن الارض بارتفاع متر ونصف نصعد على قدمتها باربعة درائج ابوابها ذو الجناحين مثبتة باطار من المرمر الموصلي تعلو الباب هوائية نصف دائرية على هيئة اشعة الشمس ومثلها الشبابيك الثلاثة لكل حجرة بأرتفاع متر ونصف وعرض 75 سم مثبتة بالمرمر عوارضها من الخارج قضبان حديدية متداخلة يليها من الداخل ابواب خشبية مزججة متجهة الى جهة الشمال وشبابيكها من ناحية الجنوب والغرفة الاخيرة من جهة الغرب لها سبعة شبابيك ثلاثة من جهة الجنوب واربعة من جهة الغرب وهي الادارة اما الثلاث الباقيات لكل مرحلتين صف الاول والثاني صف والثالث والرابع صف والخامس والسادس صف يقسم المعلم الحصة بينهماواذا شرح لنا انتبهنا واذا انتقل الى جيراننا التهينا بانفسنا وكان شروح المعلمين وافيا بحيث انهيت المرحلة الابتدائية ولم افتح كتابا وكنت الاول عليهم في نتيجة الامتحان العام ممااصابني الغرور ولم احضر جيدا للثالث العام فرسبت وكنت معتمدا على المحاضرات التي سمعتها وكانت ايام فوضى ومضاهرات واغتيالات بالاضافة لانشغالي بوالدي حيث كانا في الحج
كان فناء المدرسة واسعا فمن الجهة الشرقية خمسة مرافق صحية والزاوية الشمالية الغربية حجرة ماء الشرب الذي يؤتى على الدابةمن النهر ليملاء الحب بجانبه اناءان من النحاس الاصفر نتسابق نحن الطلاب لرفعه الى الادارة بعد انتهاء الدوام ويلي السياج الشمالي حديقة مدرسية كتب فيها من البصل مدرسة الرشيدية وكان احد المعلمين ذو طلبات كثيرة يرسلني الى البستان لاجلب له الخضراوات اومفكات البراغي(درنفيسات او اسباين)(عنده دراجة بخارية) ومرة ناداني : يونس : نعم استاذ (روح جيبنا زبد) (استاذ اش اسوي بالزبل)واذا بلطمة قوية منه على خذي جعلت الدنيا تدوربي واني ضننت انه يريد سماد حيواني للحديقة ولم اكن اعلم معنى الزبد وانا في الصف الثاني تصورت زبد قريب من الزبل لعله يسمد به الحديقة ولم يكرر علي ولم يعلمني معنى الزبد واذكر اول محاضرة لاول يوم داومت فيه كانت درس الرياضيات للاسستاذ حمزة القى نصائحه واستدار على السبورة وكتب رقم ثلاثة وهو يكتب قال (بلا حس) قلت (تلاته) بصوت عال ونظر الي وقال (بلاحس) قلت له(تلاته) وكرر وكررت وادرك اني لم افهم معنى بلا حس وعلمني وفي يوم اذا بطالب غريب يجلس في صفنا سأله المعلم من انت ومن الذي اتى بك هنا قال اخي فلان ذهب لرعي الطليان وابي ارسلني مكانه
كان تحية العلم كل خميس قبل الدرس الاول نصطف في الفناء ونتلقى بعض الايعازات العسكرية (يمين—يسار –امامك-استعد استرح) ويجري تفتيش النظافة من طول الشعر والاظافروقراءة النشيد الوطني (موطني ) وكان الغالبية العظمى من التلاميذ غير قادرين لبس الملابس الرسمية ويلبسون الدشاديش وربما حفاة في الايام الاولى من الدوام وفي احد الايام اوقفوا المرحوم السيدعبدالله شيخ صديق في منتصف الساحة وطلبوا منا ان نصفق له وقد لبس بدلة زرقاء وكان منظرا جميلا تمنينا ان نكون مثله ويصفق لنا واظن كل واحد منا عندما رجع الى البيت طلب من اهله ان يشترى له بدلة كالذي شاهده وقد احابوني ان له اخ يدرس في بغداد (اشتراه من بغداد) كانت هناك تغدية مدرسية (كوب حليب وبيض وصمون واحياننا كباب وفي نهاية السنة يوزع الباقي من مسحوق الحليب على الطلاب وكان يعطى لكل واحد كبسول من زيت كبد الحوت يوميا وعلى التلميذ ان يجلب معه كوبه المصنوع من الالمنيوم
كان هنا ك معونة الشتاء يوزع لبعض التلاميذ ملابس واحذية وفي احدى السنوات احتال علينا المدير بطريقة ذكية حيث خير التلاميذ بين البدلة والحذاء ,الحذاء موجود والبدلة بعد اسبوع فمن اقتنع ورضي بالفليل واغاضنا وهولابسه يريه لنا ونحن نمني انفسنا بالبدلة واذا بالمذير يقول جاءتنا الاوامر ان البدلة لمن اختار الحذاء ولبسوا الحذاء الجديد والبدلة الجيدة وملاؤا قلوبنا حسرة وماذا نفعل ما حل بنا نتيجة لطمعنا كان الحصول على الزي الرسمي ليس بالامر اليسير
كا ن جدران المدرسة تتزين بشعارات واقوال الملك غازي وان كنا في عهد الملك المرحوم فيصل التاني الذي لااذكر له شيئا واذكر قولا للمك غازي رحمه الله (عود ثقاب واحد يكفي لاشعال سكائر عشرة مدخنين) لان التدخين كان من سمات الرجولة وكان يعتبر قلة ادب اذا كان دون 18سنة
كان بين المدرسة والجامع ممر لشخص واحد بصحبنا منها استاذنا محسن السبعاوي ويعلمنا الوضوء والصلاة وكان يؤمنا ويقدمني اماما احيانا ويشاهد صلاتنا وكان طبيعيا ان يغلب الضحك الاطفال في بداية الامر الا انه كان لا يؤاخذنا بالشندة كان يعلمنا كيف نحترم المسجد ونقف بسكينة ووقار ويكسر حاجز الخوف والرهبة من دخول المساجد مما جعلنا ان نواضب التردد للجامع ونتعلم قراءة القرآن من الملالي وخاصة ملا حبش رحمه الله وهذا ديدن اكثر الاسر في تعليم ابنائهم القرآن مما جعلهم بارعين مجيدين على مستوى المحافظة لايجاريهم احد لا أبن المدينة ولا غيرهم والى الان
المآتم :-
منذ أن سكن الناس هذه القرية وامتزجوا من أصول وأعراق مختلفة وأصبح الجميع كالأسرة الواحدة لا يشعر أحدهم بالبعد والغربة عن الآخر يلتقي أحدهم بالآخر كما يلتقي بإخيه من أمه وأبيه ، واذا كلّمت إمرأة فأنت تكلّمها كأنّكما من أسرة واحدة كأنّ تمتد اياديكما الى قصعة واحدة ، هذا النسيج المتماسك يظهر لك في شؤون الحياة المختلفة ، فتجد أخاً يفرح من كل قلبه بفرحك ، وأُمّاً تحنّ عليك وهي لم تلدك ، لذلك حينما تحلّ مصيبة الموت ترى الناس من حولك ليسوا أقل منك جزعاً مما يخفف عنك المصيبة .
وإذا شاع خبر موت أحدهم إجتمع الجميع وترك كلٌ عمله وأغلق البقال دكانه والتمس الموظف إجازةً وبدأوا بتجهيز الميت كل حسب ما يناسبه فمن مغسّل ومكفّن وآخرون يلحدون وكل ذلك طلباً للثواب والأجر عند الله تعالى ، ثم يشيّعون الجنازة ويتسابق الشباب لحملها والرجال من حولها يوحّدون ، والنساء يُمنعن من إتّباع الجنازة ، وإذا وضعوا الجنازة على شفير القبر وزع وليّ الميت بعض النقود على الفقراء يسمى بإسقاط الصلاة ، أي لكي ينفع الميت ويعوضه عن بعض الصلوات التي فاتته (وجدت مثل هذا في بعض كتب الشافعية) ، ويُلقّن الميّت قبل إهالة التراب عليه إذا كان شافعيّاً وبحضور المشيّعين ليتعظوا ، أما إذا كان حنفيّاً يُلقن بعد الدفن وانصراف الناس ويبقى الملقن وحده وأسلوبه (يا عبد الله أو أَمَة الله أذكر العهد الذي خرجت به من الدنيا شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله – إذا جاءك الملكان الموكّلان بك وسألاك من ربك ......الخ ، أجبهما الله ربّي ومحمد نبيّي والإسلام ديني والقرأن كتابي والكعبة قبلتي والمسلمون إخواني والمسلمات أخواتي وأنا على العهد الذي خرجت به من الدنيا – الشهادة .....الخ) .
وإذا أرادوا إيصاله للجمعة (يوجد إعتقاد أنه بعد إنصراف الناس ينزل الملكان إلا يوم الجمعة فيؤجل من جمعة إلى جمعة حتى تقوم الساعة) نصبوا لهم خيمة بجانب القبر ويتبادلون قراءة القرأن إلى بعد صلاة العصر من يوم الخميس .
وجلسة العزاء وقراءة القرأن يستمر في البيت ثلاثة أيام ، يأتي طعامهم من أهل القرية وأهل الميّت لا يصنعون الطعام شهراً أو أكثر ومع مرور الزمن يقلّ ورود الطعام ، هذا في الأفراح والأحزان لذلك يُصفّ الطعام بأصناف مختلفة من رز أو برغل عليها لحم أو بيض مقلي حسب قدرة العائلة التي وردت منها ، أو أصناف اخرى من الكبب والدولمة وما نحوها .
غيّرت القادسية من هذا المورث بسبب الإنفتاح الإقتصادي وتوسّع مجالس العزاء وأصبح هناك بذخ وتبذير وباتت المرأة لا تأتي حاملةً الطعام على رأسها يتبعها الرجل ليشارك ويأكل مع ذوي الفقيد وإنما أقلّ ما يشارك بصفيحة سمن أو "گونية" رز أو سكر أو ذبيحة ممّا يستغرق الوارد نفقات التعزية ويزيد ، وكان صعباً على الناس بعد أن اعتادوا على هذا النهج أن يتركوه خاصة في سنين الحصار واستمروا عليها إلى الآن ، وقد حاولنا مراراً بإجتماعات ومؤتمرات تغيير أو الحدّ من بعض النفقات وكلها بائت بالفشل لانه لا أحد يرضى لنفسه أن يكون أقلّ شأناً من الآخرين أو يُتهم بالبخل .
وبعد أن كان الناس يجلسون على فُرش مبسوطة تتخلّلها وسائد أصبحت كراسي يجلس عليها دون أن ينزع حذاءه ، وأخذ القرأن يُتلى بمكبرات الصوت وأوّل تعزية قُرئ بذلك في تعزية الشهيد هاشم محمود أبو ميسر في شمال الوطن والثاني في تعزية والدي سنة 1969 حيث قام المرحوم محمد مكّي بذلك ، وبعد أن كان الناس يأكلون على الأرض أخذوا يأكلون على مناضد ، وتغيّر شكل الطعام من عدة أصناف إلى الثريد بدون معالق إقتباساً من العرب الذين سكنوا القرية لسهولتها وقلة مؤونتها ومستلزماتها ، وهناك عادة عسى أن تكون ثواباً للميت (عشاء الميت) حيث تُذبح الذبائح ويُهيء طعام كثير يُدعى إليها أهل القرية كلهم وذلك في اليوم الأخير .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى