* تاريخ مختصر الدول : من ابو جعفر المنصور - الى المعتضد بن الموفق
صفحة 1 من اصل 1
* تاريخ مختصر الدول : من ابو جعفر المنصور - الى المعتضد بن الموفق
(1/74)
قال القاضي صاعد بن أحمد الاندلسي أن العرب في صدر الاسلام لم تعن بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها حاشا صناعة الطب فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم غير منكورة عند جماهيرهم لحاجة الناس طرا إليها. فهذه كانت حال العرب في الدولة الأموية. فلما أدال الله تعالى للهاشمية وصرف الملك إليهم ثابت الهمممن غفلتها وهبت الفطن من ميتتها. وكان أول من عني منهم بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور. وكان مع براعته في الفقه كلفا في علم الفلسفة وخاصة في علم النجوم. ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هرون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم في مواضعه وداخل ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة. فبعثوا إليه منها ما حضرهم فاستجاد له مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها فترجمت له على غاية ما أمكن. ثم حرض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها فكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظراتهم ويلتذ بمذاكرتهم علما منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده لأنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصنائع العملية والتباهي بأخلاق النفس الغضبية والتفاخر بالقوى الشهوانية إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها وتفضلهم في كثير منها. أما في أحكام الصنعة فكالنحل المحكمة لتسديس مخازن قوتها. وأما في الجرأة والشجاعة فكالأسد وغيره من السباع التي لا يتعاطى الانسان إقدامها ولا يدعي بسالتها. وأما في الشبق فكالخنزير وغيره مما لا حاجة إلى ابانته. فلهذا السبب كان أهل العلم مصابيح الدجى وسادة البشر وأوحشت الدنيا لفقدهم. فمن المنجمين في أيام المأمون حبش الحاسب المروزي الأصل البغدادي الدار. وله ثلاثة أزياج. أولها المؤلف على مذهب السند هند. والثاني الممتحن وهو أشهرها ألفة بعد إن رجع إلى معاناة الرصد وأوجبه الامتحان في زمانه. والثالث الزيج الصغير المعروف بالشاة. وله كتب غير هذه. وبلغ من عمره مائة سنة. ومنهم أحمد بن كثير الفرغاني صاحب المدخل إلى هيئة الافلاك يحتوي على جوامع كتاب بطليموس بأعذب لفظ وأبين عبارة. ومنهم عبد الله بن سهل بن نوبخت كبير القدر في علم النجوم. ومنهم محمد بن موسى الخوارزمي. وكان الناس قبل الرصد وبعده يعولون على زيجه الأول والثاني ويعرف بالسند هند. ومنهم ماشاء الله اليهودي. كان في زمن المنصوروعاش إلى أيام المأمون وكان فاضلا أوحد زمانه له حظ قوي في سهم الغيب. ومنهم يحيى ابن أبي المنصور رجل فاضل كبير القدر إذ ذاك مكين المكان. ولما عزم المأمون على رصد الكواكب تقدم إليه وإلى جماعة من العلماء بالرصد وإصلاح آلاته. ففعلوا ذلك بالشماسية ببغداد وجبل قاسيون بدمشق. قال أبو معشر: اخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس وليس بالخوارزمي قال: حدثني يحيى بن منصور قال: دخلت إلى المأمون وعنده جماعة من المنجمين وعنده رجل يدعي النبوة وقد دعا له المأمون بالعاصمي ولم يحضر بعد ونحن لا نعلم. فقال لي ولمن حضر من المنجمين: اذهبوا وخذوا الطالع لدعوى الرجل في شيء يدعيه وعرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه وكذبه. ولم يعلمنا المأمون أنه متنبئ. " قال " فحملنا إلى بعض تلك الصحون فأحكمنا أمر الطالع وصورنا موضع الشمس والقمر في دقيقة واحدة وسهم السعادة منهم وسهم الغيب في دقيقة واحدة مع دقيقة الطالع والطالع الجدي والمشتري في السنبلة ينظر إليه والزهرة وعطارد في العقرب ينظران إليه. فقال كل من حضر من القوم: ما يدعيه صحيح. وأنا ساكت فقال لي المأمون: ما قلت أنت؟ فقلت: هو في طلب تصحيحه وله حجة زهرية عطاردية. وتصحيح الذي يدعيه لا يتم له ولا ينتظم. فقال لي: من أين قلت هذا؟ قلت: لأن صحة الدعاةي من المشتري ومن تثليث الشمس وتسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة وهذا الطالع يخالفه لأنه هبوط المشتري والمشتري ينظر إليه نظرة موافقة إلا أنه كاره لهذا البرج والبرج كاره له فلا يتم التصديق والتصحيح. والذي قال من حجة زهرية وعطاردية. إنما هو ضرب من التخمين والتزويق والخداع يتعجب منه ويستحب. فقال لي المأمون: أنت لله درك. ثم قال: أتدرون من الرجل؟ قلنا له: لا. قال: هذا يدعي النبوة. فقلت: يا أمير المؤمنين
(1/75)
أمعه شيء يحتج به؟ فسأله. فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتعين منه شيء يحتج به ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه. ومعي قلم شامي آخذه فأكتب به ويأخذه غيري فلا ينطلق اصبعه. فقلت: يا سيدي هذه الزهرة وعطارد قد عملا عملهما. فأمره المأمون بعمل ما ادعاه. فقلنا له: هذا ضرب من الطلسمات. فما زال به المأمون أياما كثيرة حنى أقر وتبرأ من دعوة النبوة ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم. فوهب له ألف دينار. فتلقيناه بعد ذلك فإذا هو أعلم الناس بعلم التنجيم. قال أبو معشر:وهو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال أبو معشر: لو كنت مكان القوم لقلت أشياء ذهبت عليهم كنت أقول:الدعوى باطلة لأن البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق والكوكبان الناظران في برج كذاب وهو العقرب. ومن الحكماء يوحنا بن البطريق الترجمان مولى المأمون كان أمينا على ترجمة الكتب الحكمية حسن التأدية للمعاني ألكن اللسان في العربية وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب. ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج. كان بالأهواز وفي لسانه لكنة خوزية وتقدم بالطب في أيام المأمون. وكان إذا اجتمع مع يوحنا ابن ماسويه وجيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج. ومن دعاباته أنه تمارض وأحضر شهودا يشهدهم على وصيته وكتب كتابا أثبت فيه أولاده فأثبت في أوله جيورجيس ابن بختيشوع والثاني يوحنا بن ماسويه وذكر أنه أصاب أميهما زنا فأحبلهما. فعرض لجيورجيس زمع من الغيظ وكان كثير الالتفات. فصاح سهل: صري وهك المسيه ارخؤا في أذنه آية خرسي. أراد بالعجمة التي فيه: صرع وحق المسيح اقرؤا في أذنه آية الكرسي. ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد المواضع التي تخرج إليها النصارى فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة أحسن من هيئته. فحسده على ذلك فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له: إن ابني يعقني وإن أنت ضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين دينار. ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى من وثق به صاحب المسلحة: ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال: هذا ابني يعقني ويستخف بي. فجحد أن يكون ابنه. فقال: يهذي هذا. قال سهل: انظر يا سيدي. فغضب صاحب المسلحة ورمى يوحنا من دابته وضربه عشرين مقرعة ضربا موجعا مبرحا. ومن أطباء المأمون جبريل الكحال. كانت وظيفته في كل شهر ألف درهم. وكان أول من يدخل إليه كل يوم. ثم سقطت منزلته بعد ذلك. فسئل عن سبب ذلك فقال: إني خرجت يوما من عند المأمون فسألني بعض مواليه عن خبره فأخبرته أنه قد أغفى. فبلغه ذلك فأحضرني ثم قال: يا جبريل اتخذتك كحالا أو عاملا للاخبار علي. اخرج من داري. فأذكرته حرمتي فقال: إن له لحرمة فليقتصر به على إجراء مائة وخمسين درهما في الشهر ولا يؤذن له في الدخول.عه شيء يحتج به؟ فسأله. فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتعين منه شيء يحتج به ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه. ومعي قلم شامي آخذه فأكتب به ويأخذه غيري فلا ينطلق اصبعه. فقلت: يا سيدي هذه الزهرة وعطارد قد عملا عملهما. فأمره المأمون بعمل ما ادعاه. فقلنا له: هذا ضرب من الطلسمات. فما زال به المأمون أياما كثيرة حنى أقر وتبرأ من دعوة النبوة ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم. فوهب له ألف دينار. فتلقيناه بعد ذلك فإذا هو أعلم الناس بعلم التنجيم. قال أبو معشر:وهو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال أبو معشر: لو كنت مكان القوم لقلت أشياء ذهبت عليهم كنت أقول:الدعوى باطلة لأن البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق والكوكبان الناظران في برج كذاب وهو العقرب. ومن الحكماء يوحنا بن البطريق الترجمان مولى المأمون كان أمينا على ترجمة الكتب الحكمية حسن التأدية للمعاني ألكن اللسان في العربية وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب. ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج. كان بالأهواز وفي لسانه لكنة خوزية وتقدم بالطب في أيام المأمون. وكان إذا اجتمع مع يوحنا ابن ماسويه وجيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج. ومن دعاباته أنه تمارض وأحضر شهودا يشهدهم على وصيته وكتب كتابا أثبت فيه أولاده فأثبت في أوله جيورجيس ابن بختيشوع والثاني يوحنا بن ماسويه وذكر أنه أصاب أميهما زنا فأحبلهما. فعرض لجيورجيس زمع من الغيظ وكان كثير الالتفات. فصاح سهل: صري وهك المسيه ارخؤا في أذنه آية خرسي. أراد بالعجمة التي فيه: صرع وحق المسيح اقرؤا في أذنه آية الكرسي. ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد المواضع التي تخرج إليها النصارى فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة أحسن من هيئته. فحسده على ذلك فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له: إن ابني يعقني وإن أنت ضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين دينار. ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى من وثق به صاحب المسلحة: ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال: هذا ابني يعقني ويستخف بي. فجحد أن يكون ابنه. فقال: يهذي هذا. قال سهل: انظر يا سيدي. فغضب صاحب المسلحة ورمى يوحنا من دابته وضربه عشرين مقرعة ضربا موجعا مبرحا. ومن أطباء المأمون جبريل الكحال. كانت وظيفته في كل شهر ألف درهم. وكان أول من يدخل إليه كل يوم. ثم سقطت منزلته بعد ذلك. فسئل عن سبب ذلك فقال: إني خرجت يوما من عند المأمون فسألني بعض مواليه عن خبره فأخبرته أنه قد أغفى. فبلغه ذلك فأحضرني ثم قال: يا جبريل اتخذتك كحالا أو عاملا للاخبار علي. اخرج من داري. فأذكرته حرمتي فقال: إن له لحرمة فليقتصر به على إجراء مائة وخمسين درهما في الشهر ولا يؤذن له في الدخول.
(1/76)
" المعتصم بن الرشيد " هو اسحق محمد بن هرون الرشيد. بويع له بعد موت المأمون فشغب الجند ونادوا باسم العباس بن المأمون. فخرج إليهم العباس فقال: ما هذا الحب البارد وقد بايعت عمي. فسكنوا. ودخل كثير من أهل الجبال وهمذان واصفهان وماسبذان وغيرهم في دين الخرمية وتجمعوا فعسكروا في عمل همذان. فوجه إليهم المعتصم العساكر فأوقعوا بهم فقتلوا منهم ستون ألفا وهرب الباقون إلى بلد الروم. وفي سنة تسع عشرة ومائتين أحضر المعتصم أحمد بن حنبل وامتحنه بالقرآن. فلما لم يجب بكونه مخلوقا أمر به فجلد جلدا شديدا حتى غاب عقله وتقطع جلده. وكان أبو هرون بن البكاء من العلماء المنكرين لخلق القرآن يقر بكونه مجعولا لقول الله: أنا جعلناه قرآنا عربيا. ويسلم أن كل مجعول مخلوق ويحجم عن النتيجة ويقول: لا أقول مخلوق ولكنه مجعول. وهذا عجب عاجب. وفي سنة عشرين ومائتين عقد المعتصم للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال ووجهه لحرب بابك فسار إليه. وكان ابتداء خروج بابك سنة إحدى ومائتين وهزم من الجيوش السلطان عدة وقتل من قواده جماعة ودخل الناس رعب شديد وهول عظيم واستعظموه واحتوى إليه القطاع وأصحاب الفتن وتكاثفت جموعه حتى بلغ فرسانه عشرين ألفا سوى الرجالة وأخذ يمثل بالناس. وكان أصحابه لا يدعون رجلا ولا امرأة ولا صبيا ولا طفلا مسلما أو ذميا إلا قطعوه وقتلوه وأحصي عدد القتلى بأيديهم فكان مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة انسان. فلما انتدب الافشين لحر بابك إلى البذ مدينته. فلما ضاق أمره خرج هاربا ومعه أهله إلى بلاد الروم في زي التجار. فعرفه سهل بن سنباط الارمني البطريق فأسره. فافتدى نفسه بمال عظيم. فلم يقبل منه وبعثع إلى الافشين بعد ما ركب الارمن من أمه وأخته وامرأته الفاحشة بين يديه. وكذا كان يفعل الملعون بالناس إذا أسرهم مع حرمهم. وحمل الافشين بابك إلى المعتصم وهو بسر من رأى. فأمر بإحضار سياف بابك فحضر فأمره أن يديه ورجليه فقطعها فسقط. فأمر بذبحه وشق بطنه. وأنفذ رأسه إلى خراسان وصلب بدنه بسامرا. وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم إلى بلاد الإسلام فبلغ زبطرة فقتل من بها من الرجال وسبى الذرية والنساء. وأغار على ملطية وغيرها وسبى المسلمات ومثل بمن صار يديه من المسلمين فسمل أعينهم وقطع آنافهم وآذانهم. فلما بلغ الخبر المعتصم استعظمه وتوجه إلى بلاد الروم وفتح عمورية وقتل ثلاثين ألفا وأسر ثلاثين ألفا. وفي سنة خمس وعشرين ومائتين تغير المعتصم على الافشين لأنه كاتب مازيار أصبهبذ طبرستان وحسن له الخلاف والمعصية وأراد أن ينقل الملك إلى العجم فقتله وصلبه بإزاء بابك. ووجده بقلفته لم يختن. وأخرجوا من منزله أصناما فأحرقوه بها. وفي سنة سبع وعشرين ومائتين توفي المعتصم أبو اسحق يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول عن ثمانية بنين وثماني بنات وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وكان عمره سبعا وأربعين سنة. وحكي أن المعتصم بينما هو يسير وحده قد انقطع عن أصحابه في يوم مطر إذ رأى شيخا معه حمار عليه شوك وقد زلق الحمار وسقط في الأرض والشيخ قائم. فنزل عن دابته ليخلص الحمار. فقال له الشيخ: بأبي أنت وأمي لا تهلك ثيابك. فقال له: لا عليك. ثم أنه خلص الحمار وجعل الشوك عليه وغسل يده ثم ركب. فقال له الشيخ: غفر الله لك يا شاب. ثم لحقه أصحابه فأمر له بأربعة آلاف درهم. وهذا دليل على غاية ما يمكن أن يكون من طيب أعراق الملوك وسعة أخلاقهم.
(1/77)
قال حنين: إن سلمويه كان عالما بصناعة الطب فاضلا في وقته. ولما مرض عاده المعتصم وبكى عنده وقال له:أشر علي بعدك بمن يصلحني. فقال: عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه. وإذا وصف شيئا خذ أقله اخلاطا. ولما مات سلمويه قال المعتصم: سألحق به لأنه كان يمسك حياتي ويدبر جسمي. وامتنع عن الأكل في ذلك اليوم وأمر بإحضار جنازته إلى الدار وأن يصلى عليها بالشمع والبخور على رأي النصارى. ففعل ذلك وهو يراهم. وكان سلمويه يفصد المعتصم في السنة مرتين ويسقيه عقيب كل فصد دواء. فلما باشره يوحنا أراد عكس ما كان يفعله سلمويه فسقاه الدواء قبل الفصد. فلما شربه حمي دمه وحم ومازال جسمه ينقص حتى مات وذلك بعد عشرين شهرا من وفاة سلمويه. وخدم الافششين زكريا الطيفوري وذكر: إني كنت مع الافشين في معسكره وهو في محاربة بابك. فجرى ذكر الصيادلة فقلت: أعز الله الأمير إن الصيدلاني لا يطلب منه شيء كان عنده أو لم يكن إلا أخبر بأنه عنده. فدعا الافشين بدفتر من دفاتر الاسروشنية فأخرج منها نحوا من عشرين اسما ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الاسماء. فبعض أنكرها وبعض ادعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته.فأمر الافشين بإحضار جميع الصيادلة فمن أنكر معرفة تلك الاسماء أذن له بالمقام في معسكره ونفى الباقين.
" الواثق بالله هرون بن المعتصم " بويع له في اليوم الذي مات فيه أبوه. وفي هذه السنة مات ثوفيل ملك الروم وكان ملكه اثنتي عشرة سنة وملكت بعده امرأته ثاودورا وابنها ميخائيل بن ثوفيل وهو صبي. وفي سنة ثماني وعشرين ومائتين غزا المسلمون في البحر جزيرة صقلية وفتحوا مدينة مسيني. وفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين كان الفداء بين المسلمين والروم على يد خاقان خادم الرشيد واجتمع المسلمون على نهر اللامس على مسيرة يوم من طرسوس وأمر الواثق خاقان خادم الرشيد أن يمتحن أسارى المسلمين فمن قال القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة فودي به وأعطي دينارا ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم. فلما كان في يوم عاشوراء أتت الروم ومن معهم من الاسارى وكان الأمر بين الطائفتين فكان المسلمون يطلقون الاسير فيطلق الروم أسيرا فيلتقيان في وسط الجسر فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا وإذا وصل الرومي إلى الروم صاحوا: كرياليسون حتى فرغوا. فكان عدة أسارى المسلمين أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسا والنساء والصبيان ثمانمائة. وأهل ذمة المسلمين مائة نفس. ولما فرغوا من الفدية غزا المسلمون شاتين فأصابهم ثلج ومطر فمات منهم مائتا نفس وأسر نحوهم وغرق بالبدندون خلق كثير. وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين مات الواثق في ذي الحجة لست بقين منه وكانت علته الاستسقاء فعولج بالإقعاد في تنور مسخن فوجد بذلك خفة فأمرهم من الغد بالزيادة في اسخانه ففعل ذلك وقعد فيه أكثر من اليوم الأول فحمي عليه فأخرج منه في محفة فمات فيها ولم يشعر بموته حتى ضرب وجهه المحفة. ولما اشتد مرضه أحضر المنجمين منهم الحسن بن سهل بن نوبخت فنظروا في مولده فقدروا له أن يعيش خمسين سنة مستأنفة من ذلك اليوم فلم يعش بعد قولهم إلا عشرة أيام وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة.
(1/78)
لهذا حسن المذكور تصنيف وهو كتاب الأنواء. فآل نوبخت كلهم فضلاء ولهم فكرة صالحة ومشاركة في علوم الأوائل ولا مثل هذا. حدث أحمد بن هرون الشرابي بمصر أن المتوكل على الله حدثه في خلافة الواثق أن يوحنا بن ماسويه كان مع الواثق على دكان في دجلة وكان مع الواثق قصبة فيها شص وقد ألقاها في دجلة ليصيد بها السمك فحرم الصيد فالتفت إلى يوحنا وكان على يمينه وقال: قم يا مشؤوم عن يميني. فقال يوحنا: يا أمير المؤمنين لا تتكلم بمحال يوحنا أبوه ماسويه الخوزي وأمه رسالة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة درهم وأقبلت به السعادة إلى أن صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم حتى غمرته الدنيا فنال منها ما لم يبلغه أمله فمن أعظم المحال أن يكون هذا مشؤوما ولكن إن أحب أمير المؤمنين بأن أخبره بالمشؤوم من هو أخبرته. فقال: من هو؟ فقال: من ولده أربع خلفاء ثم ساق الله إليه الخلافة فترك خلافته وقصورها وقعد في دكان مقدار عشرين ذراعا في مثلها في وسط دجلة لا يأمن عصف الريح عليه فيغرقه ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم صيادو السمك. قال المتوكل: فرأيت الكلام قد نجع فيه إلا أنه أمسك لمكاني.
" المتوكل على الله جعفر بن المعتصم " بويع له بعد موت أخيه الواثق وكان عمره يوم بويع ستا وعشرين سنة. وفي سنة ثلث وثلاثين ومائتين وثب ميخائيل بن توفيل بأمه ثاودورا فألزمها الدير وقتل القتيط لأنه اتهمها به وكان ملكها ست سنين. وفي سنة خمس وثلاثين ومائتين عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهو المنتصر والمعتز والمؤيد وعقد لكل واحد منهم لواء وولى المنتصر العراق والحجاز واليمن والمعتز خراسان والري والمؤيد الشام. وفي سنة ست وثلاثين ومائتين أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وأن يبذر ويسقى موضعه وأن يمنع الناس من إتيانه. وفي سنة سبع وثلاثين ومائتين ولى المتوكل يوسف بن محمد أرمينية واذربيجان ولما صار إلى اخلاط أتى بقراط بن اشوط البطريق فأمر بأخذه وتقييده وحمله إلى المتوكل فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط وتحالفوا على قتل يوسف ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة وهو صهر بقراط على ابنته فوثبوا بيوسف واجتمعوا عليه في قلعة موش في النصف من شهر رمضان وذلك في شدة من البرد وكلب الشتاء فخرج إليهم يوسف وقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه. وأما من لم يقاتل فقالوا له: انزع ثيابك وانج بنفسك عريانا ففعلوا ومشوا عراة حفاة فهلك أكثرهم من البرد. فلما بلغ المتوكل الخبر وجه بغا الكبير إليهم طالبا بدم يوسف فسار وأباح على قتلة يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى خلقا كثيرا ثم سار إلى مدينة تفليس وحاصرها ودعا النفاطين فضربوا المدينة بالنار فأحرقوها وهي من خشب الصنوبر فاحترق بها نحو خمسين ألف انسان. وفي سنة ثماني وثلاثين ومائتين جاءت ثلاثمائة مركب للروم مع ثلاثة رؤساء فأناخ أحدهم في مائة مركب بدمياط وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون ماؤها إلى صدر الرجل فمن جازها إلى الأرض أمن من مراكب البحر فجازه قوم من المسلمين فسلموا وغرق كثير من نساء وصبيان. ومن كان به قوة سار إلى مصر. واتفق وصول الروم وهي فارغة من الجند فنهبوا واحرقوا وسبوا وأحرقوا جامعها وسبوا من النساء المسلمات والذميات نحم ستمائة امرأة وساروا إلى مصر ونهبوها ورجعوا ولم يعرض لهم أحد. وفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين كانت زلازل هائلة وأصوات منكرة بقومس ورساتيقها في شعبان فتهدمت الدور وهلك تحت الهدم بشر كثير قيل كانت عدتهم خمسة وأربعين ألفا وستة وتسعين نفسا. وكان أكثر ذلك بالدامغان. وكان بالشام وفارس وخراسان وباليمن مع خسف. وتقطع جبل الأقرع وسقط في البحر فمات أهل اللاذقية من تلك الهدة. وفي سنة سبع وأربعين ومائتين قتل المتوكل وهو ثمل بسر مرأى ليلة الأربعاء ثالث يوم من شوال قتله غلام تركي اسمه باغر وكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وعمره أربعين سنة وقتل معه الفتح ابن خاقان لأنه رمى بنفسه على المتوكل وقال: ويلكم تقتلون أمير المؤمنين فبعجوه بسيوفهم فقتلوه. ويقال أن ابنه المنتصر دس لقتله فعاش بعده ستة أشهر. وفي سنة الزلازل أخرج المتوكل أحمد ابن حنبل من الحبس ووصله وصرفه إلى بغداد وأمر بترك الجدل في القرآن وأن الذمة بريئة ممن يقول بخلق أو غير خلق.
(1/79)
قال بعض الرواة: دخل بختيشوع بن جبريل الطبيب يوما إلى المتوكل وهو جالس على سدة في وسط داره الخاصة فجلس بختيشوع على عادته معه فوق السدة وكان عليه دراعة ديباج رومي وكان قد انشق ذيلها قليلا فجعل المتوكل يحادث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ إلى حد النيفق ودار بينهما الكلام يقتضي أن سأل المتوكل بختيشوع بماذا تعلمون أن الموسوس يحتاج إلى الشد. قال بختيشوع: إذا بلغ إلى فتق دراعة طبيبه إلى حد النيفق شددناه. فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره وأمر له بخلعة حسنة ومال جزيل. وهذا يدل على لطف منزلة بختيشوع عند المتوكل وانبساطه معه. وقال المتوكل يوما لبختيشوع: ادعني. قال: نعم وكرامة. فاضافه وأظهر من التجمل والثروة ما أعجب المتوكل والحاضرين. واستكثر المتوكل لبختيشوع ما رآه من نعمته وكمال مروءته فحقد عليه ونكبه بعد أيام يسيرة فأخذ له مالا كثيرا وحضر الحسين ابن مخلد فختم على خزائنه وباع شيئا كثيرا وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وأمثال هذه فاشتراه الحسين بستة آلاف دينار وذكر إنه باع من جملته باثني عشر ألف دينار وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين وتوفي بختيشوع سنة ست وخمسين ومائتين. وفي أيام المتوكل استهر حنين بن اسحق الطبيب النصراني العبادي ونسبته إلى العباد وهم قوم من نصارى العرب من قبائل شتى اجتمعوا وانفردوا عن الناس في قصور ابتنوها بظاهر الحيرة وتسموا بالعباد لأنه لا يضاف إلا إلى الخالق وأما العبيد فيضاف إلى المخلوق الخالق. وكان اسحق والد حنين صيدلانيا بالحيرة فلما نشأ حنين أحب العلم فدخل بغداد وحضر مجلس يوحنا بن ماسويه وجعل يخدمه ويقرأ عليه. وكان حنين صاحب سؤال وكان يصعب على يوحنا فسأله حنين في بعض الأيام مسألة مستفهم فحرد يوحنا وقال: ما لأهل الحيرة والطب عليك ببيع الفلوس في الطريق.فأمر به فأخرج من داره. فخرج حنين باكيا وتوجه إلى بلاد الروم وأقام بها سنتين حتى أحكم اللغة اليونانية وتوصل في تحصيل كتب الحكمة غاية إمكانه وعاد إلى بغداد بعد سنتين ونهض من بغداد إلى أرض فارس ودخل البصرة ولزم الخليل بن أحمد حنى برع في اللسان العربي ثم رجع إلى بغداد. قال يوسف الطبيب: دخلت يوما على جبريل بن بختيشوع فوجدت عنده حنينا وقد ترجم له بعض التشريح وجبريل يخاطبه بالتبجيل ويسميه الربان فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبريل مني فقال: لا تستكثر هذا مني في أمر هذا الفتى فوالله لئن مد له في العمر ليفضحن سرجيس. وسرجيس هذا هو الرأس عيني اليعقوبي ناقل علوم اليونانيين إلى السرياني. ولم يزل أمر حنين يقوى وعلمه يتزايد وعجائبه تظهر في النقل والتفاسير حتى صار ينبوعا للعلوم ومعدنا للفضائل واتصل خبره بالخليفة المتوكل فأمر بإحضاره. ولما حضر اقطع اقطاعا سنيا وقرر له جار جيد. واحب امتحانه ليزول عنه ما في نفسه عليه إذ ظن أن ملك الروم ربما كان عمل شيئا من الحيلة فاستدعاه وأمر أن يخلع عليه وأخرج له توقيعا فيه اقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر حنين هذا الفعل. ثم قال له بعد اشياء جرت: أريد أن تصف لي دواء يقتل عدوا نريد قتله وليس يمكن إشهار هذا ونريده سرا. فقال حنين: ما تعلمت غير الأدوية النافعة ولا علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت. فقال: هذا شيء يطول بنا. ثم رغبه وهدده وحبسه في بعض القلاع سنة ثم أحضره وأعاد عليه القول وأحضر سيفا ونطعا. فقال حنين: قد قلت لأمير المؤمنين ما فيه الكفاية. قال الخليفة: فإنني أقتلك. قال حنين: لي رب يأخذ لي حقي غدا في الموقف الأعظم. فتبسم المتوكل وقال له: طب نفسا فإننا أردنا امتحانك والطمأنينة إليك. فقبل حنين الأرض وشكر له. فقال الخليفة: ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق الأمر منا في الحالين. قال حنين: شيئان هما الدين والصناعة. أما الدين فإنه يأمرنا باصطناع الجميل مع أعدائنا فكيف ظنك بالاصدقاء. وأما الصناعة فإنها فإنها موضوعة لنفع ابناء الجنس ومقصورة على معالجاتهم ومع هذا فقد جعل في رقاب الأطباء عهد مؤكد بإيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالا لأحد. فقال الخليفة: إنهما شرعان جليلان. وأمر بالخلع فافيضت عليه وحمل المال معه فخرج وهو أحسن الناس حالا وجاها. وكان الطيفوري النصراني الكاتب يحسد حنينا ويعاديه.
(1/80)
واجتمعا يوما في دار بعض النصارى ببغداد وهناك صورة المسيح والتلاميذ وقنديل يشتعل بين يدي الصورة. فقال حنين لصاحب البيت: لم تضيع الزيت فليس هذا المسيح ولا هؤلاء التلاميذ وإنما هي صور. فقال الطيفوري: إن لم يستحقوا الإكرام فأبصق عليهم فبصق فأشهد عليه الطيفوري ورفعه إلى المتوكل فسأله إباحة الحكم عليه لديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والاساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا حرم حنين فحرم وقطع زناره وانصرف حنين إلى داره ومات من ليلته فجأة وقيل أنه سقى نفسه سما. وكان لحنين ولدان داود واسحق. فأما اسحق فخدم على الترجمة وتولاها واتقنها وأحسن فيها وكانت نفسه أميل إلى الفلسفة. وإما داود فكان طبيبا للعامة وكان له ابن أخت يقال له حبيش بن الاعسم أحد الناقلين من اليوناني والسرياني إلى العربي. وكان يقدمه على تلاميذه ويصفه ويرضى نقله. وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له فإن أكثر ما نقله حبيش نسب إلى حنين. وكثيرا ما يرى الجهال شيئا من الكتب القديمة مترجما بنقل حبيش فيظن الغر منهم أنه حنين وقد صحف فيكشطه ويجعله حنين.تمعا يوما في دار بعض النصارى ببغداد وهناك صورة المسيح والتلاميذ وقنديل يشتعل بين يدي الصورة. فقال حنين لصاحب البيت: لم تضيع الزيت فليس هذا المسيح ولا هؤلاء التلاميذ وإنما هي صور. فقال الطيفوري: إن لم يستحقوا الإكرام فأبصق عليهم فبصق فأشهد عليه الطيفوري ورفعه إلى المتوكل فسأله إباحة الحكم عليه لديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والاساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا حرم حنين فحرم وقطع زناره وانصرف حنين إلى داره ومات من ليلته فجأة وقيل أنه سقى نفسه سما. وكان لحنين ولدان داود واسحق. فأما اسحق فخدم على الترجمة وتولاها واتقنها وأحسن فيها وكانت نفسه أميل إلى الفلسفة. وإما داود فكان طبيبا للعامة وكان له ابن أخت يقال له حبيش بن الاعسم أحد الناقلين من اليوناني والسرياني إلى العربي. وكان يقدمه على تلاميذه ويصفه ويرضى نقله. وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له فإن أكثر ما نقله حبيش نسب إلى حنين. وكثيرا ما يرى الجهال شيئا من الكتب القديمة مترجما بنقل حبيش فيظن الغر منهم أنه حنين وقد صحف فيكشطه ويجعله حنين.
" المنتصر بن المتوكل " بايع له قتلة أبيه تلك الليلة التي قتلوا المتوكل. فلما أصبح يوم الأربعاء حضر القواد والكتاب والجند والوجوه الجعفرية فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتابا يخبر فيه عن المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتله فبايع الناس وانصرفوا. وفي سنة ثماني وأربعين ومائتين جد وصيف وبغا وباقي الأتراك في خلع المعتز والمؤيد وألحوا على المنتصر وقالوا: نخلعهما ونبايع لابنك عبد الوهاب. فلم يزالوا به حتى اجابهم وخلعهما بالكره منه ومنهما. ثم دعاهما وقال لهما: أترياني خلعتكما طمعا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له والله ما طمعت في ذلك ساعة قط ولكن هؤلاء " وأومأ إلى سائر الموالي الأتراك ممن هو قائم وقاعد " ألحوا علي في خلعكما. وفي هذه السنة وهي سنة ثماني وأربعين ومائتين مات المنتصر يوم الأحد لخمس ليال خلون من ربيع الآخر بالذبحة وكانت علته ثلاثة أيام. قيل وكان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون: إنما مدة حياته سنة أشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه تقوله العامة والخاصة. وكان عمره خمسا وعشرين سنة وستة أشهر وخلافته ستة أشهر.
(1/81)
" المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم " لما توفي المنتصر اجتمع الموالي في الهاروني من الغد وفيهم بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش وتشاوروا وكرهوا أن يتولى الخلافة واحد من ولد المتوكل لئلا يغتالهم فاجمعوا على المستعين أحمد بن محمد المعتصم وبايعوه. وفي سنة تسع وأربعين ومائتين سغب الجند والشاكرية ببغداد لما رأوا من استيلاء الترك على الدولة يقتلون من يريدون من الخلفاء ويستخلفون من أحبوه من غير ديانة ولا نظر للمسلمين. فاجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنداء والنفير وفتحوا السجون وأخرجوا من فيها وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر وانتهبوا دور أهل اليسار وأخرجوا أموالا كثيرة ففرقوها فيمن نهض إلى حفظ الثغور وأخرجوا المعتز من الحبس وأخذوا من شعره وكان قد كثر وبايعوا له بالخلافة وخلعوا المستعين وكانت أيامه سنتين وتسعة أشهر. فسار المستعين إلى بغداد سنة إحدى وخمسين ومائتين وحوصر بها. ثم في سنة اثنتين وخمسين ومائتين خلع نفسه من الخلافة فبايع للمعتز بن المتوكل وخطب للمعتز ببغداد. فلما بايع المستعين للمعتز وجهه إلى البصرة ومنها إلى اواسط وتقدم بقتله فقتل وحمل رأسه إلى المعتز فقال: ضعوه حتى أفرغ من الدست. فلما فرغ نظر إليه وأمر بدفنه. وفي هذه السنة حبس المعتز المؤيد أخاه ثم أخرجه ميتا لا أثر فيه ولا جرح فقيل أنه أدرج في لحاف سمور وأمسك طرفاه حتى مات. وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ولى الأتراك أحمد بن طولون مصر وكان طولون مملوكا تركيا للمأمون وولد له ولده أحمد في سنة عشرين ومائتين ببغداد. وكان أحمد عالي الهمة يستق بعقول الأتراك وأديانهم يثقون به في العظائم وتشاغل بالخير والصلاح فتمكنت في القلوب محبته وآل أمره إلى أن استولى على مصر وجميع مدن الشام. وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك إلى المعتز يطلبون أرزاقهم فماطلهم بحقهم. فلما رأوا أنه لا يحصل منه شيء دخل إليه جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس في الدار وكان يرفع رجلا ويضع رجلا لشدة الحر. ثم سلموه إلى من يعذبه فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام ثم أدخلوه سردابا وجصصوا عليه فمات. وكانت خلافته من لدن بويع بسامرا إلى أن خلع أربع سنين وسبعة أشهر.
وفي هذه السنة مات سابور بن سهل صاحب بيمارستان جنديسابور وكان فاضلا في وقته وله تصانيف مشهورة منها كتاب الأقراباذين المعول عليه في البيمارستانات ودكاكين الصيادلة إثنان وعشرون بابا. وتوفي نصرانيا في يوم الأثنين لتسع بقين من ذي الحجة.
" المهتدي بن الواثق " بويع له لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ولم تقبل بيعته حتى أتى المعتز فخلع نفسه وأقر بالعجز عما أسند إليه وبالرغبة في تسليمها إلى محمد بن الواثق فبايعه الخاصة والعامة. وبعد قتل المعتز طلبت أمه الأمان لنفسها فأمنوها وظفروا لهل بخزائن في دار تحت الأرض ووجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وقدر مكوك زمرد ومقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار ومقدار كيلجة من الياقوت الأحمر. وكان طلب منها ابنها المعتز مالا يعطي الأتراك فقالت: ما عندي شيء. فسبوها وقالوا: عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار وعندها هذا المال جميعه. وفي منتصف رجب خلع المهتدي وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه سنة ست وخمسين ومائتين وكانت خلافته أحد عشر شهرا وعمره ثمانيا وثلاثين سنة.
(1/82)
" المعتمد بن المتوكل " ولما أخذ المهتدي وحبس أحضر أبو العباس أحمد بن المتوكل وكان محبوسا بالجوسق فبايعه الأتراك وغيرهم ولقب المعتمد على الله. ثم أن المهتدي مات ثاني يوم بيعة المعتمد. وفي سنة إحدى وستين ومائتين ولى المعتمد ابنه جعفر العهد ولقبه المفوض إلى الله وولى أخاه أبا محمد العهد بعد جعفر ولقبه الموفق بالله. وفي سنة أربع وستين ومائتين دخل عبد الله بن رشيد بن كاووس بلد الروم في أربعة آلاف فارس فغنم وقتل. فلما رحل عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية وبطريق خرشنة وأصحابها وأحدقوا بالمسلمين. فنزل المسلمون فعرقبوا دوابهم وقتل الروم من قتلوا وأسر عبد الله بن رشيد وحمل إلى ملك الروم. وفي سنة خمس وستين ومائتين وقع خلاف بين المعتمد وأحمد بن طولون فسار إلى سيما وإلى حلب وبقية العواصم فوجده بانطاكية فحاصره بها وفتحها فظفر بسيما وقتله وجاء إلى حلب وملكها وملك دمشق وحمص وحماة وقنسرين إلى الرقة. وأمر المعتمد بلعب ابن طولون على المنابر فلعن ببغداد وسائر العراق ولعن ابن طولون المعتمد علىالمنابر في جميع أعماله بمصر وغيرها. وفي سنة سبعين ومائتين مات ابن طولون في ذي القعدة وخلف سبعة عشر ابنا أحدهم خمارويه وسبع عشرة بنتا وترك أموالا جمة ومماليك كثيرة. وكان كثير الصداقات والخيرات. وقام ولده خمارويه بعده بالملك أحسن قيام ودبر أحسن تدبير. وفي سنة ثماني وسبعين ومائتين عرض للموفق وجع النقرس واشتد به فلم يقدر على الركوب. فعمل له سرير عليه قبة وكان يقعد عليه هو وخادم له يبرد له رجله بالثلج ثم صارت علة رجله داء الفيل وكان يحمل سريره أربعون رجلا بالنوبة. فقال لهم يوما: قد ضجرتم من حملي بودي لو كنت كواحد منكم أحمل على رأسي وآكل وأنا في عافية. فوصل إلى داره لليلتين خلتا من صفر وشاع موته. وعلى يديه جرى أكثر الحروب مع الزنج وباقي الخوارج. ولما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد بعد المفوض ولقب المعتضد بالله. وفي سنة تسع وسبعين ومائتين توفي المعتمد ليلة الاثنين لاحدى عشرة بقيت من رجب وكان قد شرب على الشط في الحسني يوم الأحد شرابا كثيرا وتعشى فأكثر فمات ليلا. وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة. وكان في خلافته محكوما عليه قد تحكم عليه أبو أحمد الموفق أخوه وضيق عليه حتى أنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها.
وكان استخص الموفق أخوه المعتمد جعفر بن محمد المعروف بأبي معشر البلخي واتخذه منجما له وكان معه في محاصرته للزنج بالبصرة. وقيل أن أبا معشر كان في أول أمره من أصحاب الحديث ببغداد وكان يضاغن أبا يوسف يعقوب بن اسحق الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة. فدس عليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شره عن الكندي. ويقال إنه تعلمالنجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره. وكان فاضلا حسن القريحة صنف كتبا عدة في هذا الفن. فضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شيء أخبر به قبل وقته. وكان يقول: اصبت فعوقبت. وجاوز أبو معشر المائة من عمره ومات بواسط. وقيل كان أبو معشر مدمنا على شرب الخمر مشتهرا بمعاقرتها وكان يعتريه صرع عند أوقات الامتلاآت القمرية. وأما يعقوب الكندي فكان شريف الأصل بصريا وكان أبوه اسحق أميرا على الكوفة للمهدي والرشيد. وكان يعقوب عالما بالطب والفلسفة والحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة والهيئة وله في أكثر هذه العلوم تآليف مشهورة من المصنفات الطوال. ولم يكن في الاسلام من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سموه فيلسوفا غير يعقوب هذا وعاصر قسطا بن لوقا البعلبكي وقسطا هذا الفيلسوف نصراني في الدولة الاسلامية دخل إلى بلاد الروم وحصل من تصانيفهم الكثيرة وعاد إلى الشام واستدعي إلى العراق ليترجم الكتب وله تصانيف مختصرة بارعة. وقيل اجتذبه سنحاريب إلى أرمينية وأقام بها إلى أن مات هناك وبنى على قبره قبة إكراما له كإكرام قبور الملوك ورؤساء الشرائع. قال المؤرخ: لو قلت حقا قلت أنه أفضل من صنف كتابا بما احتوى عليه من العلوم والفضائل وما رزق من الاختصار للالفاظ وجمع المعاني.
(1/83)
وفي آخر دولة المعتمد تحرك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة وكان ابتداء أمرهم أم رجلا فقيرا قدم من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة وكان يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل من كسبه فأقام على ذلك مدة. وكان إذا قعد إليه رجل ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيا وأعلمه أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت النبي عليه السلام. فلم يزل على ذلك حتى استجاب له جمع كثير واتخذ منهم اثني عشر نقيبا على عدد الحوارين وأمرهم أن يدعوا الناس إلى مذهبهم. فبلغ خبره عامل تلك الناحية فأخذه وحبسه وحلف أنه يقتله وأغلق باب البيت عليه وجعل المفتاح تحت وسادته واشتغل بالشرب. فسمعت جارية له بيمينه فرقت للرجل. فلما نام العامل أخذت المفتاح وفتحت الباب وأخرجته ثم أعادت المفتاح إلى مكانه. فلما أصبح العامل فتح الباب ليقتله فلم يره وشاع ذلك في الناس وافتتن به أهل تلك الناحية وقالوا رفع. ثم ظهر في ناحية أخرى ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم وقال لهم: لا يمكن أن ينالني أحد بسوء. فعظم في أعينهم. ثم خاف على نفسه فخرج إلى ناحية الشام ولم يوقف له على خبر وسمي باسم رجل كان ينزل عنده وهو كرمتية ثم خفف فقيل قرمطة. وكان فيما حكي عن القرامطة من مذهبهم أنهم جاءوا بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الفرج بن عثمان وهو من قرية يقال لها نصرانة أن المسيح تصور له في جسم انسان وقال له: إنك الداعية وإنك الحجة وإنك الناقة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس وعرفه أن الصلاة أربع ركعات ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها والصوم يومان في السنة وهما المهرجان والنيروز. وأن النبيذ حرام والخمر حلال ولا يؤكل كل ذي ناب ولا كل ذي مخلب.
(1/84)
" المعتضد بن الموفق " بويع له في صبيحة الليلة التي مات فيها عمه المعتمد. ولما ولي المعتضد بعث خمارويه بن أخمد بن طولون له هدايا وألطافا شريفة ورسولا وسأله أن يزوج ابنة خمارويه المسماة قطر الندى بعلي بن المعتضد. فقال المعتضد: أنا أتزوجها. فسر خمارويه بذلك. وفي سنة إحدى وثمانين ومائتين خرج المعتضد إلى الموصل قاصدا للأعراب والأكراد فسار إليهم فأوقع بهم وقتل منهم وغرق منهم في الزاب خلق كبير. وسار المعتضد إلى الموصل يريد قلعة ماردين وكانت لحمدان فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازلها المعتضد وقاتل من فيها يومه ذلك. فلما كان الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة وصاح: يا ابن حمدان. فأجابه. فقال: افتح الباب. ففتحه فقعد المعتضد في الباب وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها. ثم ظفر بحمدان بعد عوده إلى بغداد جاءه مستأمنا إليه. وفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين جهز خمارويه ابنته أحسن جهاز وبعث بها إلى المعتضد في المحرم. وفي هذه السنة لثلاث خلون من ذي الحجة قتل خمارويه بدمشق ذبحه على فراشه بعض خاصته. ولما قتل أقعدوا مكانه ابنه هرون والتزم أنه يحمل من مصر إلى خزانة المعتضد في كل سنة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين سارت الصقالبة إلى الروم فحاصروا القسطنطينية وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا وخربوا البلاد. فلما لم يجد ملك الروم منهم خلاصا جمع من عنده من أسارى المسلمين وأعطاهم السلاح وسألهم معونته على الصقالبة ففعلوا وكشفوهم وأزاحوهم عن القسطنطينية. فلما رأى ملك الروم ذلك خاف المسلمين على نفسه فأخذ سلاحهم وفرقهم في البلدان حذرا من جنايتهم عليه. وفي هذه السنة كان الفداء بين المسلمين والروم وكان جملة من فودي به من المسلمين من الرجال والنساء والصبيان ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس. وفي هذه السنة وهي سنة أربع وثمانين ومائتين كان المنجمون يوعدون بغرق أكثر الأقاليم إلا إقليم بابل فإنه يسلم منه اليسير وإذ ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة المياه في الأنهار والعيون. فقحط الناس وقلت الأمطار وغارت المياه حتى استسقى الناس ببغداد مرات. وفي سنة خمس وثمانين ومائتين ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد بالبحرين واجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة وقوي أمره فقاتل ما حوله من القرى ثم صار إلى القطيف وأظهر أنه يريد البصرة. فأمر المعتضد ببناء سور على البصرة فعمل وكان مبلغ الخرج عليه أربعة عشر ألف دينار. وفي سنة ثماني وثمانين ومائتين وقع الوباء بأذربيجان فمات منه خلق كثير إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى وكانوا يطرحونهم في الطريق. وفيها سارت الروم إلى كيسوم فنهبوها وغنموا أموال أهلها وأسروا منها نحو خمسة عشر ألف انسان من رجل وصبي وامرأة. وفي سنة تسع وثمانين ومائتين انتشر القرامطة بسواد الكوفة فأخذ رئيسهم وسير إلى المعتضد وأحضره وقال له: اخبرني هل تزعمون أن روح الله تحل في أجسادكم. فقال له الرجل: يا هذا إن حلت روح الله فينا فما يضرك وأن حلت روح ابليس فما ينفعك ولا تسأل عما لا يعنيك وسل عما يخصك. فقال: ما تقول فيما يخصني. فقال: أقول أن النبي عليه السلام مات وأبوكم العباس حي فهل طلب الخلافة أم هل بايعه أحد من الصحابة على ذلك. ثم مات أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى موضع العباس ولم يوصى إليه. ثم مات عمر وجعلها شورى في ستة أنفس ولم يوصى إلى العباس ولا أدخله فيهم فبماذا تستحقون أنتم الخلافة وقد اتفق الصحابة على دفع جدك عنها. فأمر به المعتضد فعذب وخلعت عظامه ثم قطعت يداه ورجلاه ثم قتل. وبعد قليل في هذه السنة في ربيع الآخر لثمان بقين منه توفي المعتضد فاجتمع القواد وجددوا البيعة لابنه المكتفي وكانت خلافة المعتضد تسع سنين وتسعة أشهر وعمره سبع وأربعين سنة. وقيل كان المعتضد أسمر نحيفا شهما شجاعا وكان فيه شح وكان عفيفا مهيبا عند أصحابه يتقون سطوته ومع ذلك جاوز الحد في الحلم. قال الوزير عبد الله بن سليمان بن وهب: كنت عند المعتضد يوما وخادم بيده المذبة إذ ضربت قلنسوة المعتضد فسقطت فكدت اختلط إعظاما للحال ولم يتغير المعتضد وقال: هذا الغلام قد نعس. ولم ينكر عليه. فقبلت الأرض وقلت: والله يا أمير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا ولا ظننت أن حلما يسعه. قال: وهل يجوز غير هذا
قال القاضي صاعد بن أحمد الاندلسي أن العرب في صدر الاسلام لم تعن بشيء من العلوم إلا بلغتها ومعرفة أحكام شريعتها حاشا صناعة الطب فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم غير منكورة عند جماهيرهم لحاجة الناس طرا إليها. فهذه كانت حال العرب في الدولة الأموية. فلما أدال الله تعالى للهاشمية وصرف الملك إليهم ثابت الهمممن غفلتها وهبت الفطن من ميتتها. وكان أول من عني منهم بالعلوم الخليفة الثاني أبو جعفر المنصور. وكان مع براعته في الفقه كلفا في علم الفلسفة وخاصة في علم النجوم. ثم لما أفضت الخلافة فيهم إلى الخليفة السابع عبد الله المأمون بن هرون الرشيد تمم ما بدأ به جده المنصور فأقبل على طلب العلم في مواضعه وداخل ملوك الروم وسألهم صلته بما لديهم من كتب الفلسفة. فبعثوا إليه منها ما حضرهم فاستجاد له مهرة التراجمة وكلفهم إحكام ترجمتها فترجمت له على غاية ما أمكن. ثم حرض الناس على قراءتها ورغبهم في تعليمها فكان يخلو بالحكماء ويأنس بمناظراتهم ويلتذ بمذاكرتهم علما منه بأن أهل العلم هم صفوة الله من خلقه ونخبته من عباده لأنهم صرفوا عنايتهم إلى نيل فضائل النفس الناطقة وزهدوا فيما يرغب فيه الصين والترك ومن نزع منزعهم من التنافس في دقة الصنائع العملية والتباهي بأخلاق النفس الغضبية والتفاخر بالقوى الشهوانية إذ علموا أن البهائم تشركهم فيها وتفضلهم في كثير منها. أما في أحكام الصنعة فكالنحل المحكمة لتسديس مخازن قوتها. وأما في الجرأة والشجاعة فكالأسد وغيره من السباع التي لا يتعاطى الانسان إقدامها ولا يدعي بسالتها. وأما في الشبق فكالخنزير وغيره مما لا حاجة إلى ابانته. فلهذا السبب كان أهل العلم مصابيح الدجى وسادة البشر وأوحشت الدنيا لفقدهم. فمن المنجمين في أيام المأمون حبش الحاسب المروزي الأصل البغدادي الدار. وله ثلاثة أزياج. أولها المؤلف على مذهب السند هند. والثاني الممتحن وهو أشهرها ألفة بعد إن رجع إلى معاناة الرصد وأوجبه الامتحان في زمانه. والثالث الزيج الصغير المعروف بالشاة. وله كتب غير هذه. وبلغ من عمره مائة سنة. ومنهم أحمد بن كثير الفرغاني صاحب المدخل إلى هيئة الافلاك يحتوي على جوامع كتاب بطليموس بأعذب لفظ وأبين عبارة. ومنهم عبد الله بن سهل بن نوبخت كبير القدر في علم النجوم. ومنهم محمد بن موسى الخوارزمي. وكان الناس قبل الرصد وبعده يعولون على زيجه الأول والثاني ويعرف بالسند هند. ومنهم ماشاء الله اليهودي. كان في زمن المنصوروعاش إلى أيام المأمون وكان فاضلا أوحد زمانه له حظ قوي في سهم الغيب. ومنهم يحيى ابن أبي المنصور رجل فاضل كبير القدر إذ ذاك مكين المكان. ولما عزم المأمون على رصد الكواكب تقدم إليه وإلى جماعة من العلماء بالرصد وإصلاح آلاته. ففعلوا ذلك بالشماسية ببغداد وجبل قاسيون بدمشق. قال أبو معشر: اخبرني محمد بن موسى المنجم الجليس وليس بالخوارزمي قال: حدثني يحيى بن منصور قال: دخلت إلى المأمون وعنده جماعة من المنجمين وعنده رجل يدعي النبوة وقد دعا له المأمون بالعاصمي ولم يحضر بعد ونحن لا نعلم. فقال لي ولمن حضر من المنجمين: اذهبوا وخذوا الطالع لدعوى الرجل في شيء يدعيه وعرفوني ما يدل عليه الفلك من صدقه وكذبه. ولم يعلمنا المأمون أنه متنبئ. " قال " فحملنا إلى بعض تلك الصحون فأحكمنا أمر الطالع وصورنا موضع الشمس والقمر في دقيقة واحدة وسهم السعادة منهم وسهم الغيب في دقيقة واحدة مع دقيقة الطالع والطالع الجدي والمشتري في السنبلة ينظر إليه والزهرة وعطارد في العقرب ينظران إليه. فقال كل من حضر من القوم: ما يدعيه صحيح. وأنا ساكت فقال لي المأمون: ما قلت أنت؟ فقلت: هو في طلب تصحيحه وله حجة زهرية عطاردية. وتصحيح الذي يدعيه لا يتم له ولا ينتظم. فقال لي: من أين قلت هذا؟ قلت: لأن صحة الدعاةي من المشتري ومن تثليث الشمس وتسديسها إذا كانت الشمس غير منحوسة وهذا الطالع يخالفه لأنه هبوط المشتري والمشتري ينظر إليه نظرة موافقة إلا أنه كاره لهذا البرج والبرج كاره له فلا يتم التصديق والتصحيح. والذي قال من حجة زهرية وعطاردية. إنما هو ضرب من التخمين والتزويق والخداع يتعجب منه ويستحب. فقال لي المأمون: أنت لله درك. ثم قال: أتدرون من الرجل؟ قلنا له: لا. قال: هذا يدعي النبوة. فقلت: يا أمير المؤمنين
(1/75)
أمعه شيء يحتج به؟ فسأله. فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتعين منه شيء يحتج به ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه. ومعي قلم شامي آخذه فأكتب به ويأخذه غيري فلا ينطلق اصبعه. فقلت: يا سيدي هذه الزهرة وعطارد قد عملا عملهما. فأمره المأمون بعمل ما ادعاه. فقلنا له: هذا ضرب من الطلسمات. فما زال به المأمون أياما كثيرة حنى أقر وتبرأ من دعوة النبوة ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم. فوهب له ألف دينار. فتلقيناه بعد ذلك فإذا هو أعلم الناس بعلم التنجيم. قال أبو معشر:وهو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال أبو معشر: لو كنت مكان القوم لقلت أشياء ذهبت عليهم كنت أقول:الدعوى باطلة لأن البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق والكوكبان الناظران في برج كذاب وهو العقرب. ومن الحكماء يوحنا بن البطريق الترجمان مولى المأمون كان أمينا على ترجمة الكتب الحكمية حسن التأدية للمعاني ألكن اللسان في العربية وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب. ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج. كان بالأهواز وفي لسانه لكنة خوزية وتقدم بالطب في أيام المأمون. وكان إذا اجتمع مع يوحنا ابن ماسويه وجيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج. ومن دعاباته أنه تمارض وأحضر شهودا يشهدهم على وصيته وكتب كتابا أثبت فيه أولاده فأثبت في أوله جيورجيس ابن بختيشوع والثاني يوحنا بن ماسويه وذكر أنه أصاب أميهما زنا فأحبلهما. فعرض لجيورجيس زمع من الغيظ وكان كثير الالتفات. فصاح سهل: صري وهك المسيه ارخؤا في أذنه آية خرسي. أراد بالعجمة التي فيه: صرع وحق المسيح اقرؤا في أذنه آية الكرسي. ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد المواضع التي تخرج إليها النصارى فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة أحسن من هيئته. فحسده على ذلك فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له: إن ابني يعقني وإن أنت ضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين دينار. ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى من وثق به صاحب المسلحة: ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال: هذا ابني يعقني ويستخف بي. فجحد أن يكون ابنه. فقال: يهذي هذا. قال سهل: انظر يا سيدي. فغضب صاحب المسلحة ورمى يوحنا من دابته وضربه عشرين مقرعة ضربا موجعا مبرحا. ومن أطباء المأمون جبريل الكحال. كانت وظيفته في كل شهر ألف درهم. وكان أول من يدخل إليه كل يوم. ثم سقطت منزلته بعد ذلك. فسئل عن سبب ذلك فقال: إني خرجت يوما من عند المأمون فسألني بعض مواليه عن خبره فأخبرته أنه قد أغفى. فبلغه ذلك فأحضرني ثم قال: يا جبريل اتخذتك كحالا أو عاملا للاخبار علي. اخرج من داري. فأذكرته حرمتي فقال: إن له لحرمة فليقتصر به على إجراء مائة وخمسين درهما في الشهر ولا يؤذن له في الدخول.عه شيء يحتج به؟ فسأله. فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتعين منه شيء يحتج به ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك حتى ينزعه. ومعي قلم شامي آخذه فأكتب به ويأخذه غيري فلا ينطلق اصبعه. فقلت: يا سيدي هذه الزهرة وعطارد قد عملا عملهما. فأمره المأمون بعمل ما ادعاه. فقلنا له: هذا ضرب من الطلسمات. فما زال به المأمون أياما كثيرة حنى أقر وتبرأ من دعوة النبوة ووصف الحيلة التي احتالها في الخاتم والقلم. فوهب له ألف دينار. فتلقيناه بعد ذلك فإذا هو أعلم الناس بعلم التنجيم. قال أبو معشر:وهو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال أبو معشر: لو كنت مكان القوم لقلت أشياء ذهبت عليهم كنت أقول:الدعوى باطلة لأن البرج منقلب والمشتري في الوبال والقمر في المحاق والكوكبان الناظران في برج كذاب وهو العقرب. ومن الحكماء يوحنا بن البطريق الترجمان مولى المأمون كان أمينا على ترجمة الكتب الحكمية حسن التأدية للمعاني ألكن اللسان في العربية وكانت الفلسفة أغلب عليه من الطب. ومن الأطباء سهل بن سابور ويعرف بالكوسج. كان بالأهواز وفي لسانه لكنة خوزية وتقدم بالطب في أيام المأمون. وكان إذا اجتمع مع يوحنا ابن ماسويه وجيورجيس بن بختيشوع وعيسى بن الحكم وزكريا الطيفوري قصر عنهم في العبارة ولم يقصر عنهم في العلاج. ومن دعاباته أنه تمارض وأحضر شهودا يشهدهم على وصيته وكتب كتابا أثبت فيه أولاده فأثبت في أوله جيورجيس ابن بختيشوع والثاني يوحنا بن ماسويه وذكر أنه أصاب أميهما زنا فأحبلهما. فعرض لجيورجيس زمع من الغيظ وكان كثير الالتفات. فصاح سهل: صري وهك المسيه ارخؤا في أذنه آية خرسي. أراد بالعجمة التي فيه: صرع وحق المسيح اقرؤا في أذنه آية الكرسي. ومن دعاباته أنه خرج في يوم الشعانين يريد المواضع التي تخرج إليها النصارى فرأى يوحنا بن ماسويه في هيئة أحسن من هيئته. فحسده على ذلك فصار إلى صاحب مسلحة الناحية فقال له: إن ابني يعقني وإن أنت ضربته عشرين درة موجعة أعطيتك عشرين دينار. ثم أخرج الدنانير فدفعها إلى من وثق به صاحب المسلحة: ثم اعتزل ناحية إلى أن بلغ يوحنا الموضع الذي هو فيه فقدمه إلى صاحب المسلحة وقال: هذا ابني يعقني ويستخف بي. فجحد أن يكون ابنه. فقال: يهذي هذا. قال سهل: انظر يا سيدي. فغضب صاحب المسلحة ورمى يوحنا من دابته وضربه عشرين مقرعة ضربا موجعا مبرحا. ومن أطباء المأمون جبريل الكحال. كانت وظيفته في كل شهر ألف درهم. وكان أول من يدخل إليه كل يوم. ثم سقطت منزلته بعد ذلك. فسئل عن سبب ذلك فقال: إني خرجت يوما من عند المأمون فسألني بعض مواليه عن خبره فأخبرته أنه قد أغفى. فبلغه ذلك فأحضرني ثم قال: يا جبريل اتخذتك كحالا أو عاملا للاخبار علي. اخرج من داري. فأذكرته حرمتي فقال: إن له لحرمة فليقتصر به على إجراء مائة وخمسين درهما في الشهر ولا يؤذن له في الدخول.
(1/76)
" المعتصم بن الرشيد " هو اسحق محمد بن هرون الرشيد. بويع له بعد موت المأمون فشغب الجند ونادوا باسم العباس بن المأمون. فخرج إليهم العباس فقال: ما هذا الحب البارد وقد بايعت عمي. فسكنوا. ودخل كثير من أهل الجبال وهمذان واصفهان وماسبذان وغيرهم في دين الخرمية وتجمعوا فعسكروا في عمل همذان. فوجه إليهم المعتصم العساكر فأوقعوا بهم فقتلوا منهم ستون ألفا وهرب الباقون إلى بلد الروم. وفي سنة تسع عشرة ومائتين أحضر المعتصم أحمد بن حنبل وامتحنه بالقرآن. فلما لم يجب بكونه مخلوقا أمر به فجلد جلدا شديدا حتى غاب عقله وتقطع جلده. وكان أبو هرون بن البكاء من العلماء المنكرين لخلق القرآن يقر بكونه مجعولا لقول الله: أنا جعلناه قرآنا عربيا. ويسلم أن كل مجعول مخلوق ويحجم عن النتيجة ويقول: لا أقول مخلوق ولكنه مجعول. وهذا عجب عاجب. وفي سنة عشرين ومائتين عقد المعتصم للأفشين حيدر بن كاوس على الجبال ووجهه لحرب بابك فسار إليه. وكان ابتداء خروج بابك سنة إحدى ومائتين وهزم من الجيوش السلطان عدة وقتل من قواده جماعة ودخل الناس رعب شديد وهول عظيم واستعظموه واحتوى إليه القطاع وأصحاب الفتن وتكاثفت جموعه حتى بلغ فرسانه عشرين ألفا سوى الرجالة وأخذ يمثل بالناس. وكان أصحابه لا يدعون رجلا ولا امرأة ولا صبيا ولا طفلا مسلما أو ذميا إلا قطعوه وقتلوه وأحصي عدد القتلى بأيديهم فكان مائتي ألف وخمسة وخمسين ألفا وخمسمائة انسان. فلما انتدب الافشين لحر بابك إلى البذ مدينته. فلما ضاق أمره خرج هاربا ومعه أهله إلى بلاد الروم في زي التجار. فعرفه سهل بن سنباط الارمني البطريق فأسره. فافتدى نفسه بمال عظيم. فلم يقبل منه وبعثع إلى الافشين بعد ما ركب الارمن من أمه وأخته وامرأته الفاحشة بين يديه. وكذا كان يفعل الملعون بالناس إذا أسرهم مع حرمهم. وحمل الافشين بابك إلى المعتصم وهو بسر من رأى. فأمر بإحضار سياف بابك فحضر فأمره أن يديه ورجليه فقطعها فسقط. فأمر بذبحه وشق بطنه. وأنفذ رأسه إلى خراسان وصلب بدنه بسامرا. وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين خرج توفيل بن ميخائيل ملك الروم إلى بلاد الإسلام فبلغ زبطرة فقتل من بها من الرجال وسبى الذرية والنساء. وأغار على ملطية وغيرها وسبى المسلمات ومثل بمن صار يديه من المسلمين فسمل أعينهم وقطع آنافهم وآذانهم. فلما بلغ الخبر المعتصم استعظمه وتوجه إلى بلاد الروم وفتح عمورية وقتل ثلاثين ألفا وأسر ثلاثين ألفا. وفي سنة خمس وعشرين ومائتين تغير المعتصم على الافشين لأنه كاتب مازيار أصبهبذ طبرستان وحسن له الخلاف والمعصية وأراد أن ينقل الملك إلى العجم فقتله وصلبه بإزاء بابك. ووجده بقلفته لم يختن. وأخرجوا من منزله أصناما فأحرقوه بها. وفي سنة سبع وعشرين ومائتين توفي المعتصم أبو اسحق يوم الخميس لثماني عشرة مضت من ربيع الأول عن ثمانية بنين وثماني بنات وكانت خلافته ثماني سنين وثمانية أشهر وكان عمره سبعا وأربعين سنة. وحكي أن المعتصم بينما هو يسير وحده قد انقطع عن أصحابه في يوم مطر إذ رأى شيخا معه حمار عليه شوك وقد زلق الحمار وسقط في الأرض والشيخ قائم. فنزل عن دابته ليخلص الحمار. فقال له الشيخ: بأبي أنت وأمي لا تهلك ثيابك. فقال له: لا عليك. ثم أنه خلص الحمار وجعل الشوك عليه وغسل يده ثم ركب. فقال له الشيخ: غفر الله لك يا شاب. ثم لحقه أصحابه فأمر له بأربعة آلاف درهم. وهذا دليل على غاية ما يمكن أن يكون من طيب أعراق الملوك وسعة أخلاقهم.
(1/77)
قال حنين: إن سلمويه كان عالما بصناعة الطب فاضلا في وقته. ولما مرض عاده المعتصم وبكى عنده وقال له:أشر علي بعدك بمن يصلحني. فقال: عليك بهذا الفضولي يوحنا بن ماسويه. وإذا وصف شيئا خذ أقله اخلاطا. ولما مات سلمويه قال المعتصم: سألحق به لأنه كان يمسك حياتي ويدبر جسمي. وامتنع عن الأكل في ذلك اليوم وأمر بإحضار جنازته إلى الدار وأن يصلى عليها بالشمع والبخور على رأي النصارى. ففعل ذلك وهو يراهم. وكان سلمويه يفصد المعتصم في السنة مرتين ويسقيه عقيب كل فصد دواء. فلما باشره يوحنا أراد عكس ما كان يفعله سلمويه فسقاه الدواء قبل الفصد. فلما شربه حمي دمه وحم ومازال جسمه ينقص حتى مات وذلك بعد عشرين شهرا من وفاة سلمويه. وخدم الافششين زكريا الطيفوري وذكر: إني كنت مع الافشين في معسكره وهو في محاربة بابك. فجرى ذكر الصيادلة فقلت: أعز الله الأمير إن الصيدلاني لا يطلب منه شيء كان عنده أو لم يكن إلا أخبر بأنه عنده. فدعا الافشين بدفتر من دفاتر الاسروشنية فأخرج منها نحوا من عشرين اسما ووجه إلى الصيادلة من يطلب منهم أدوية مسماة بتلك الاسماء. فبعض أنكرها وبعض ادعى معرفتها وأخذ الدراهم من الرسل ودفع إليهم شيئا من حانوته.فأمر الافشين بإحضار جميع الصيادلة فمن أنكر معرفة تلك الاسماء أذن له بالمقام في معسكره ونفى الباقين.
" الواثق بالله هرون بن المعتصم " بويع له في اليوم الذي مات فيه أبوه. وفي هذه السنة مات ثوفيل ملك الروم وكان ملكه اثنتي عشرة سنة وملكت بعده امرأته ثاودورا وابنها ميخائيل بن ثوفيل وهو صبي. وفي سنة ثماني وعشرين ومائتين غزا المسلمون في البحر جزيرة صقلية وفتحوا مدينة مسيني. وفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين كان الفداء بين المسلمين والروم على يد خاقان خادم الرشيد واجتمع المسلمون على نهر اللامس على مسيرة يوم من طرسوس وأمر الواثق خاقان خادم الرشيد أن يمتحن أسارى المسلمين فمن قال القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة فودي به وأعطي دينارا ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم. فلما كان في يوم عاشوراء أتت الروم ومن معهم من الاسارى وكان الأمر بين الطائفتين فكان المسلمون يطلقون الاسير فيطلق الروم أسيرا فيلتقيان في وسط الجسر فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا وإذا وصل الرومي إلى الروم صاحوا: كرياليسون حتى فرغوا. فكان عدة أسارى المسلمين أربعة آلاف وأربعمائة وستين نفسا والنساء والصبيان ثمانمائة. وأهل ذمة المسلمين مائة نفس. ولما فرغوا من الفدية غزا المسلمون شاتين فأصابهم ثلج ومطر فمات منهم مائتا نفس وأسر نحوهم وغرق بالبدندون خلق كثير. وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين مات الواثق في ذي الحجة لست بقين منه وكانت علته الاستسقاء فعولج بالإقعاد في تنور مسخن فوجد بذلك خفة فأمرهم من الغد بالزيادة في اسخانه ففعل ذلك وقعد فيه أكثر من اليوم الأول فحمي عليه فأخرج منه في محفة فمات فيها ولم يشعر بموته حتى ضرب وجهه المحفة. ولما اشتد مرضه أحضر المنجمين منهم الحسن بن سهل بن نوبخت فنظروا في مولده فقدروا له أن يعيش خمسين سنة مستأنفة من ذلك اليوم فلم يعش بعد قولهم إلا عشرة أيام وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة.
(1/78)
لهذا حسن المذكور تصنيف وهو كتاب الأنواء. فآل نوبخت كلهم فضلاء ولهم فكرة صالحة ومشاركة في علوم الأوائل ولا مثل هذا. حدث أحمد بن هرون الشرابي بمصر أن المتوكل على الله حدثه في خلافة الواثق أن يوحنا بن ماسويه كان مع الواثق على دكان في دجلة وكان مع الواثق قصبة فيها شص وقد ألقاها في دجلة ليصيد بها السمك فحرم الصيد فالتفت إلى يوحنا وكان على يمينه وقال: قم يا مشؤوم عن يميني. فقال يوحنا: يا أمير المؤمنين لا تتكلم بمحال يوحنا أبوه ماسويه الخوزي وأمه رسالة الصقلبية المبتاعة بثمانمائة درهم وأقبلت به السعادة إلى أن صار نديم الخلفاء وسميرهم وعشيرهم حتى غمرته الدنيا فنال منها ما لم يبلغه أمله فمن أعظم المحال أن يكون هذا مشؤوما ولكن إن أحب أمير المؤمنين بأن أخبره بالمشؤوم من هو أخبرته. فقال: من هو؟ فقال: من ولده أربع خلفاء ثم ساق الله إليه الخلافة فترك خلافته وقصورها وقعد في دكان مقدار عشرين ذراعا في مثلها في وسط دجلة لا يأمن عصف الريح عليه فيغرقه ثم تشبه بأفقر قوم في الدنيا وشرهم صيادو السمك. قال المتوكل: فرأيت الكلام قد نجع فيه إلا أنه أمسك لمكاني.
" المتوكل على الله جعفر بن المعتصم " بويع له بعد موت أخيه الواثق وكان عمره يوم بويع ستا وعشرين سنة. وفي سنة ثلث وثلاثين ومائتين وثب ميخائيل بن توفيل بأمه ثاودورا فألزمها الدير وقتل القتيط لأنه اتهمها به وكان ملكها ست سنين. وفي سنة خمس وثلاثين ومائتين عقد المتوكل البيعة لبنيه الثلاثة بولاية العهد وهو المنتصر والمعتز والمؤيد وعقد لكل واحد منهم لواء وولى المنتصر العراق والحجاز واليمن والمعتز خراسان والري والمؤيد الشام. وفي سنة ست وثلاثين ومائتين أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وأن يبذر ويسقى موضعه وأن يمنع الناس من إتيانه. وفي سنة سبع وثلاثين ومائتين ولى المتوكل يوسف بن محمد أرمينية واذربيجان ولما صار إلى اخلاط أتى بقراط بن اشوط البطريق فأمر بأخذه وتقييده وحمله إلى المتوكل فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط وتحالفوا على قتل يوسف ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة وهو صهر بقراط على ابنته فوثبوا بيوسف واجتمعوا عليه في قلعة موش في النصف من شهر رمضان وذلك في شدة من البرد وكلب الشتاء فخرج إليهم يوسف وقاتلهم فقتلوه وكل من قاتل معه. وأما من لم يقاتل فقالوا له: انزع ثيابك وانج بنفسك عريانا ففعلوا ومشوا عراة حفاة فهلك أكثرهم من البرد. فلما بلغ المتوكل الخبر وجه بغا الكبير إليهم طالبا بدم يوسف فسار وأباح على قتلة يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى خلقا كثيرا ثم سار إلى مدينة تفليس وحاصرها ودعا النفاطين فضربوا المدينة بالنار فأحرقوها وهي من خشب الصنوبر فاحترق بها نحو خمسين ألف انسان. وفي سنة ثماني وثلاثين ومائتين جاءت ثلاثمائة مركب للروم مع ثلاثة رؤساء فأناخ أحدهم في مائة مركب بدمياط وبينها وبين الشط شبيه بالبحيرة يكون ماؤها إلى صدر الرجل فمن جازها إلى الأرض أمن من مراكب البحر فجازه قوم من المسلمين فسلموا وغرق كثير من نساء وصبيان. ومن كان به قوة سار إلى مصر. واتفق وصول الروم وهي فارغة من الجند فنهبوا واحرقوا وسبوا وأحرقوا جامعها وسبوا من النساء المسلمات والذميات نحم ستمائة امرأة وساروا إلى مصر ونهبوها ورجعوا ولم يعرض لهم أحد. وفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين كانت زلازل هائلة وأصوات منكرة بقومس ورساتيقها في شعبان فتهدمت الدور وهلك تحت الهدم بشر كثير قيل كانت عدتهم خمسة وأربعين ألفا وستة وتسعين نفسا. وكان أكثر ذلك بالدامغان. وكان بالشام وفارس وخراسان وباليمن مع خسف. وتقطع جبل الأقرع وسقط في البحر فمات أهل اللاذقية من تلك الهدة. وفي سنة سبع وأربعين ومائتين قتل المتوكل وهو ثمل بسر مرأى ليلة الأربعاء ثالث يوم من شوال قتله غلام تركي اسمه باغر وكانت خلافته أربع عشرة سنة وتسعة أشهر وعمره أربعين سنة وقتل معه الفتح ابن خاقان لأنه رمى بنفسه على المتوكل وقال: ويلكم تقتلون أمير المؤمنين فبعجوه بسيوفهم فقتلوه. ويقال أن ابنه المنتصر دس لقتله فعاش بعده ستة أشهر. وفي سنة الزلازل أخرج المتوكل أحمد ابن حنبل من الحبس ووصله وصرفه إلى بغداد وأمر بترك الجدل في القرآن وأن الذمة بريئة ممن يقول بخلق أو غير خلق.
(1/79)
قال بعض الرواة: دخل بختيشوع بن جبريل الطبيب يوما إلى المتوكل وهو جالس على سدة في وسط داره الخاصة فجلس بختيشوع على عادته معه فوق السدة وكان عليه دراعة ديباج رومي وكان قد انشق ذيلها قليلا فجعل المتوكل يحادث بختيشوع ويعبث بذلك الفتق حتى بلغ إلى حد النيفق ودار بينهما الكلام يقتضي أن سأل المتوكل بختيشوع بماذا تعلمون أن الموسوس يحتاج إلى الشد. قال بختيشوع: إذا بلغ إلى فتق دراعة طبيبه إلى حد النيفق شددناه. فضحك المتوكل حتى استلقى على ظهره وأمر له بخلعة حسنة ومال جزيل. وهذا يدل على لطف منزلة بختيشوع عند المتوكل وانبساطه معه. وقال المتوكل يوما لبختيشوع: ادعني. قال: نعم وكرامة. فاضافه وأظهر من التجمل والثروة ما أعجب المتوكل والحاضرين. واستكثر المتوكل لبختيشوع ما رآه من نعمته وكمال مروءته فحقد عليه ونكبه بعد أيام يسيرة فأخذ له مالا كثيرا وحضر الحسين ابن مخلد فختم على خزائنه وباع شيئا كثيرا وبقي بعد ذلك حطب وفحم ونبيذ وأمثال هذه فاشتراه الحسين بستة آلاف دينار وذكر إنه باع من جملته باثني عشر ألف دينار وكان هذا في سنة أربع وأربعين ومائتين وتوفي بختيشوع سنة ست وخمسين ومائتين. وفي أيام المتوكل استهر حنين بن اسحق الطبيب النصراني العبادي ونسبته إلى العباد وهم قوم من نصارى العرب من قبائل شتى اجتمعوا وانفردوا عن الناس في قصور ابتنوها بظاهر الحيرة وتسموا بالعباد لأنه لا يضاف إلا إلى الخالق وأما العبيد فيضاف إلى المخلوق الخالق. وكان اسحق والد حنين صيدلانيا بالحيرة فلما نشأ حنين أحب العلم فدخل بغداد وحضر مجلس يوحنا بن ماسويه وجعل يخدمه ويقرأ عليه. وكان حنين صاحب سؤال وكان يصعب على يوحنا فسأله حنين في بعض الأيام مسألة مستفهم فحرد يوحنا وقال: ما لأهل الحيرة والطب عليك ببيع الفلوس في الطريق.فأمر به فأخرج من داره. فخرج حنين باكيا وتوجه إلى بلاد الروم وأقام بها سنتين حتى أحكم اللغة اليونانية وتوصل في تحصيل كتب الحكمة غاية إمكانه وعاد إلى بغداد بعد سنتين ونهض من بغداد إلى أرض فارس ودخل البصرة ولزم الخليل بن أحمد حنى برع في اللسان العربي ثم رجع إلى بغداد. قال يوسف الطبيب: دخلت يوما على جبريل بن بختيشوع فوجدت عنده حنينا وقد ترجم له بعض التشريح وجبريل يخاطبه بالتبجيل ويسميه الربان فأعظمت ما رأيت وتبين ذلك جبريل مني فقال: لا تستكثر هذا مني في أمر هذا الفتى فوالله لئن مد له في العمر ليفضحن سرجيس. وسرجيس هذا هو الرأس عيني اليعقوبي ناقل علوم اليونانيين إلى السرياني. ولم يزل أمر حنين يقوى وعلمه يتزايد وعجائبه تظهر في النقل والتفاسير حتى صار ينبوعا للعلوم ومعدنا للفضائل واتصل خبره بالخليفة المتوكل فأمر بإحضاره. ولما حضر اقطع اقطاعا سنيا وقرر له جار جيد. واحب امتحانه ليزول عنه ما في نفسه عليه إذ ظن أن ملك الروم ربما كان عمل شيئا من الحيلة فاستدعاه وأمر أن يخلع عليه وأخرج له توقيعا فيه اقطاع يشتمل على خمسين ألف درهم فشكر حنين هذا الفعل. ثم قال له بعد اشياء جرت: أريد أن تصف لي دواء يقتل عدوا نريد قتله وليس يمكن إشهار هذا ونريده سرا. فقال حنين: ما تعلمت غير الأدوية النافعة ولا علمت أن أمير المؤمنين يطلب مني غيرها فإن أحب أن أمضي وأتعلم فعلت. فقال: هذا شيء يطول بنا. ثم رغبه وهدده وحبسه في بعض القلاع سنة ثم أحضره وأعاد عليه القول وأحضر سيفا ونطعا. فقال حنين: قد قلت لأمير المؤمنين ما فيه الكفاية. قال الخليفة: فإنني أقتلك. قال حنين: لي رب يأخذ لي حقي غدا في الموقف الأعظم. فتبسم المتوكل وقال له: طب نفسا فإننا أردنا امتحانك والطمأنينة إليك. فقبل حنين الأرض وشكر له. فقال الخليفة: ما الذي منعك من الإجابة مع ما رأيته من صدق الأمر منا في الحالين. قال حنين: شيئان هما الدين والصناعة. أما الدين فإنه يأمرنا باصطناع الجميل مع أعدائنا فكيف ظنك بالاصدقاء. وأما الصناعة فإنها فإنها موضوعة لنفع ابناء الجنس ومقصورة على معالجاتهم ومع هذا فقد جعل في رقاب الأطباء عهد مؤكد بإيمان مغلظة أن لا يعطوا دواء قتالا لأحد. فقال الخليفة: إنهما شرعان جليلان. وأمر بالخلع فافيضت عليه وحمل المال معه فخرج وهو أحسن الناس حالا وجاها. وكان الطيفوري النصراني الكاتب يحسد حنينا ويعاديه.
(1/80)
واجتمعا يوما في دار بعض النصارى ببغداد وهناك صورة المسيح والتلاميذ وقنديل يشتعل بين يدي الصورة. فقال حنين لصاحب البيت: لم تضيع الزيت فليس هذا المسيح ولا هؤلاء التلاميذ وإنما هي صور. فقال الطيفوري: إن لم يستحقوا الإكرام فأبصق عليهم فبصق فأشهد عليه الطيفوري ورفعه إلى المتوكل فسأله إباحة الحكم عليه لديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والاساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا حرم حنين فحرم وقطع زناره وانصرف حنين إلى داره ومات من ليلته فجأة وقيل أنه سقى نفسه سما. وكان لحنين ولدان داود واسحق. فأما اسحق فخدم على الترجمة وتولاها واتقنها وأحسن فيها وكانت نفسه أميل إلى الفلسفة. وإما داود فكان طبيبا للعامة وكان له ابن أخت يقال له حبيش بن الاعسم أحد الناقلين من اليوناني والسرياني إلى العربي. وكان يقدمه على تلاميذه ويصفه ويرضى نقله. وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له فإن أكثر ما نقله حبيش نسب إلى حنين. وكثيرا ما يرى الجهال شيئا من الكتب القديمة مترجما بنقل حبيش فيظن الغر منهم أنه حنين وقد صحف فيكشطه ويجعله حنين.تمعا يوما في دار بعض النصارى ببغداد وهناك صورة المسيح والتلاميذ وقنديل يشتعل بين يدي الصورة. فقال حنين لصاحب البيت: لم تضيع الزيت فليس هذا المسيح ولا هؤلاء التلاميذ وإنما هي صور. فقال الطيفوري: إن لم يستحقوا الإكرام فأبصق عليهم فبصق فأشهد عليه الطيفوري ورفعه إلى المتوكل فسأله إباحة الحكم عليه لديانة النصرانية فبعث إلى الجاثليق والاساقفة وسئلوا عن ذلك فأوجبوا حرم حنين فحرم وقطع زناره وانصرف حنين إلى داره ومات من ليلته فجأة وقيل أنه سقى نفسه سما. وكان لحنين ولدان داود واسحق. فأما اسحق فخدم على الترجمة وتولاها واتقنها وأحسن فيها وكانت نفسه أميل إلى الفلسفة. وإما داود فكان طبيبا للعامة وكان له ابن أخت يقال له حبيش بن الاعسم أحد الناقلين من اليوناني والسرياني إلى العربي. وكان يقدمه على تلاميذه ويصفه ويرضى نقله. وقيل من جملة سعادة حنين صحبة حبيش له فإن أكثر ما نقله حبيش نسب إلى حنين. وكثيرا ما يرى الجهال شيئا من الكتب القديمة مترجما بنقل حبيش فيظن الغر منهم أنه حنين وقد صحف فيكشطه ويجعله حنين.
" المنتصر بن المتوكل " بايع له قتلة أبيه تلك الليلة التي قتلوا المتوكل. فلما أصبح يوم الأربعاء حضر القواد والكتاب والجند والوجوه الجعفرية فقرأ عليهم أحمد بن الخصيب كتابا يخبر فيه عن المنتصر أن الفتح بن خاقان قتل المتوكل فقتله فبايع الناس وانصرفوا. وفي سنة ثماني وأربعين ومائتين جد وصيف وبغا وباقي الأتراك في خلع المعتز والمؤيد وألحوا على المنتصر وقالوا: نخلعهما ونبايع لابنك عبد الوهاب. فلم يزالوا به حتى اجابهم وخلعهما بالكره منه ومنهما. ثم دعاهما وقال لهما: أترياني خلعتكما طمعا في أن أعيش حتى يكبر ولدي وأبايع له والله ما طمعت في ذلك ساعة قط ولكن هؤلاء " وأومأ إلى سائر الموالي الأتراك ممن هو قائم وقاعد " ألحوا علي في خلعكما. وفي هذه السنة وهي سنة ثماني وأربعين ومائتين مات المنتصر يوم الأحد لخمس ليال خلون من ربيع الآخر بالذبحة وكانت علته ثلاثة أيام. قيل وكان كثير من الناس حين أفضت الخلافة إليه إلى أن مات يقولون: إنما مدة حياته سنة أشهر مدة شيرويه بن كسرى قاتل أبيه تقوله العامة والخاصة. وكان عمره خمسا وعشرين سنة وستة أشهر وخلافته ستة أشهر.
(1/81)
" المستعين أحمد بن محمد بن المعتصم " لما توفي المنتصر اجتمع الموالي في الهاروني من الغد وفيهم بغا الكبير وبغا الصغير وأتامش وتشاوروا وكرهوا أن يتولى الخلافة واحد من ولد المتوكل لئلا يغتالهم فاجمعوا على المستعين أحمد بن محمد المعتصم وبايعوه. وفي سنة تسع وأربعين ومائتين سغب الجند والشاكرية ببغداد لما رأوا من استيلاء الترك على الدولة يقتلون من يريدون من الخلفاء ويستخلفون من أحبوه من غير ديانة ولا نظر للمسلمين. فاجتمعت العامة ببغداد بالصراخ والنداء والنفير وفتحوا السجون وأخرجوا من فيها وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر وانتهبوا دور أهل اليسار وأخرجوا أموالا كثيرة ففرقوها فيمن نهض إلى حفظ الثغور وأخرجوا المعتز من الحبس وأخذوا من شعره وكان قد كثر وبايعوا له بالخلافة وخلعوا المستعين وكانت أيامه سنتين وتسعة أشهر. فسار المستعين إلى بغداد سنة إحدى وخمسين ومائتين وحوصر بها. ثم في سنة اثنتين وخمسين ومائتين خلع نفسه من الخلافة فبايع للمعتز بن المتوكل وخطب للمعتز ببغداد. فلما بايع المستعين للمعتز وجهه إلى البصرة ومنها إلى اواسط وتقدم بقتله فقتل وحمل رأسه إلى المعتز فقال: ضعوه حتى أفرغ من الدست. فلما فرغ نظر إليه وأمر بدفنه. وفي هذه السنة حبس المعتز المؤيد أخاه ثم أخرجه ميتا لا أثر فيه ولا جرح فقيل أنه أدرج في لحاف سمور وأمسك طرفاه حتى مات. وفي سنة أربع وخمسين ومائتين ولى الأتراك أحمد بن طولون مصر وكان طولون مملوكا تركيا للمأمون وولد له ولده أحمد في سنة عشرين ومائتين ببغداد. وكان أحمد عالي الهمة يستق بعقول الأتراك وأديانهم يثقون به في العظائم وتشاغل بالخير والصلاح فتمكنت في القلوب محبته وآل أمره إلى أن استولى على مصر وجميع مدن الشام. وفي سنة خمس وخمسين ومائتين صار الأتراك إلى المعتز يطلبون أرزاقهم فماطلهم بحقهم. فلما رأوا أنه لا يحصل منه شيء دخل إليه جماعة منهم فجروا برجله إلى باب الحجرة وضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس في الدار وكان يرفع رجلا ويضع رجلا لشدة الحر. ثم سلموه إلى من يعذبه فمنعه الطعام والشراب ثلاثة أيام ثم أدخلوه سردابا وجصصوا عليه فمات. وكانت خلافته من لدن بويع بسامرا إلى أن خلع أربع سنين وسبعة أشهر.
وفي هذه السنة مات سابور بن سهل صاحب بيمارستان جنديسابور وكان فاضلا في وقته وله تصانيف مشهورة منها كتاب الأقراباذين المعول عليه في البيمارستانات ودكاكين الصيادلة إثنان وعشرون بابا. وتوفي نصرانيا في يوم الأثنين لتسع بقين من ذي الحجة.
" المهتدي بن الواثق " بويع له لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ولم تقبل بيعته حتى أتى المعتز فخلع نفسه وأقر بالعجز عما أسند إليه وبالرغبة في تسليمها إلى محمد بن الواثق فبايعه الخاصة والعامة. وبعد قتل المعتز طلبت أمه الأمان لنفسها فأمنوها وظفروا لهل بخزائن في دار تحت الأرض ووجدوا فيها ألف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وقدر مكوك زمرد ومقدار مكوك من اللؤلؤ الكبار ومقدار كيلجة من الياقوت الأحمر. وكان طلب منها ابنها المعتز مالا يعطي الأتراك فقالت: ما عندي شيء. فسبوها وقالوا: عرضت ابنها للقتل في خمسين ألف دينار وعندها هذا المال جميعه. وفي منتصف رجب خلع المهتدي وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه سنة ست وخمسين ومائتين وكانت خلافته أحد عشر شهرا وعمره ثمانيا وثلاثين سنة.
(1/82)
" المعتمد بن المتوكل " ولما أخذ المهتدي وحبس أحضر أبو العباس أحمد بن المتوكل وكان محبوسا بالجوسق فبايعه الأتراك وغيرهم ولقب المعتمد على الله. ثم أن المهتدي مات ثاني يوم بيعة المعتمد. وفي سنة إحدى وستين ومائتين ولى المعتمد ابنه جعفر العهد ولقبه المفوض إلى الله وولى أخاه أبا محمد العهد بعد جعفر ولقبه الموفق بالله. وفي سنة أربع وستين ومائتين دخل عبد الله بن رشيد بن كاووس بلد الروم في أربعة آلاف فارس فغنم وقتل. فلما رحل عن البدندون خرج عليه بطريق سلوقية وبطريق خرشنة وأصحابها وأحدقوا بالمسلمين. فنزل المسلمون فعرقبوا دوابهم وقتل الروم من قتلوا وأسر عبد الله بن رشيد وحمل إلى ملك الروم. وفي سنة خمس وستين ومائتين وقع خلاف بين المعتمد وأحمد بن طولون فسار إلى سيما وإلى حلب وبقية العواصم فوجده بانطاكية فحاصره بها وفتحها فظفر بسيما وقتله وجاء إلى حلب وملكها وملك دمشق وحمص وحماة وقنسرين إلى الرقة. وأمر المعتمد بلعب ابن طولون على المنابر فلعن ببغداد وسائر العراق ولعن ابن طولون المعتمد علىالمنابر في جميع أعماله بمصر وغيرها. وفي سنة سبعين ومائتين مات ابن طولون في ذي القعدة وخلف سبعة عشر ابنا أحدهم خمارويه وسبع عشرة بنتا وترك أموالا جمة ومماليك كثيرة. وكان كثير الصداقات والخيرات. وقام ولده خمارويه بعده بالملك أحسن قيام ودبر أحسن تدبير. وفي سنة ثماني وسبعين ومائتين عرض للموفق وجع النقرس واشتد به فلم يقدر على الركوب. فعمل له سرير عليه قبة وكان يقعد عليه هو وخادم له يبرد له رجله بالثلج ثم صارت علة رجله داء الفيل وكان يحمل سريره أربعون رجلا بالنوبة. فقال لهم يوما: قد ضجرتم من حملي بودي لو كنت كواحد منكم أحمل على رأسي وآكل وأنا في عافية. فوصل إلى داره لليلتين خلتا من صفر وشاع موته. وعلى يديه جرى أكثر الحروب مع الزنج وباقي الخوارج. ولما مات الموفق اجتمع القواد وبايعوا ابنه أبا العباس بولاية العهد بعد المفوض ولقب المعتضد بالله. وفي سنة تسع وسبعين ومائتين توفي المعتمد ليلة الاثنين لاحدى عشرة بقيت من رجب وكان قد شرب على الشط في الحسني يوم الأحد شرابا كثيرا وتعشى فأكثر فمات ليلا. وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة. وكان في خلافته محكوما عليه قد تحكم عليه أبو أحمد الموفق أخوه وضيق عليه حتى أنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلاثمائة دينار فلم يجدها.
وكان استخص الموفق أخوه المعتمد جعفر بن محمد المعروف بأبي معشر البلخي واتخذه منجما له وكان معه في محاصرته للزنج بالبصرة. وقيل أن أبا معشر كان في أول أمره من أصحاب الحديث ببغداد وكان يضاغن أبا يوسف يعقوب بن اسحق الكندي ويغري به العامة ويشنع عليه بعلوم الفلاسفة. فدس عليه الكندي من حسن له النظر في علم الحساب والهندسة فدخل في ذلك فلم يكمل له فعدل إلى علم أحكام النجوم وانقطع شره عن الكندي. ويقال إنه تعلمالنجوم بعد سبع وأربعين سنة من عمره. وكان فاضلا حسن القريحة صنف كتبا عدة في هذا الفن. فضربه المستعين أسواطا لأنه أصاب في شيء أخبر به قبل وقته. وكان يقول: اصبت فعوقبت. وجاوز أبو معشر المائة من عمره ومات بواسط. وقيل كان أبو معشر مدمنا على شرب الخمر مشتهرا بمعاقرتها وكان يعتريه صرع عند أوقات الامتلاآت القمرية. وأما يعقوب الكندي فكان شريف الأصل بصريا وكان أبوه اسحق أميرا على الكوفة للمهدي والرشيد. وكان يعقوب عالما بالطب والفلسفة والحساب والمنطق وتأليف اللحون والهندسة والهيئة وله في أكثر هذه العلوم تآليف مشهورة من المصنفات الطوال. ولم يكن في الاسلام من اشتهر عند الناس بمعاناة علم الفلسفة حتى سموه فيلسوفا غير يعقوب هذا وعاصر قسطا بن لوقا البعلبكي وقسطا هذا الفيلسوف نصراني في الدولة الاسلامية دخل إلى بلاد الروم وحصل من تصانيفهم الكثيرة وعاد إلى الشام واستدعي إلى العراق ليترجم الكتب وله تصانيف مختصرة بارعة. وقيل اجتذبه سنحاريب إلى أرمينية وأقام بها إلى أن مات هناك وبنى على قبره قبة إكراما له كإكرام قبور الملوك ورؤساء الشرائع. قال المؤرخ: لو قلت حقا قلت أنه أفضل من صنف كتابا بما احتوى عليه من العلوم والفضائل وما رزق من الاختصار للالفاظ وجمع المعاني.
(1/83)
وفي آخر دولة المعتمد تحرك بسواد الكوفة قوم يعرفون بالقرامطة وكان ابتداء أمرهم أم رجلا فقيرا قدم من ناحية خوزستان إلى سواد الكوفة وكان يظهر الزهد والتقشف ويسف الخوص ويأكل من كسبه فأقام على ذلك مدة. وكان إذا قعد إليه رجل ذاكره أمر الدين وزهده في الدنيا وأعلمه أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت النبي عليه السلام. فلم يزل على ذلك حتى استجاب له جمع كثير واتخذ منهم اثني عشر نقيبا على عدد الحوارين وأمرهم أن يدعوا الناس إلى مذهبهم. فبلغ خبره عامل تلك الناحية فأخذه وحبسه وحلف أنه يقتله وأغلق باب البيت عليه وجعل المفتاح تحت وسادته واشتغل بالشرب. فسمعت جارية له بيمينه فرقت للرجل. فلما نام العامل أخذت المفتاح وفتحت الباب وأخرجته ثم أعادت المفتاح إلى مكانه. فلما أصبح العامل فتح الباب ليقتله فلم يره وشاع ذلك في الناس وافتتن به أهل تلك الناحية وقالوا رفع. ثم ظهر في ناحية أخرى ولقي جماعة من أصحابه وغيرهم وقال لهم: لا يمكن أن ينالني أحد بسوء. فعظم في أعينهم. ثم خاف على نفسه فخرج إلى ناحية الشام ولم يوقف له على خبر وسمي باسم رجل كان ينزل عنده وهو كرمتية ثم خفف فقيل قرمطة. وكان فيما حكي عن القرامطة من مذهبهم أنهم جاءوا بكتاب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الفرج بن عثمان وهو من قرية يقال لها نصرانة أن المسيح تصور له في جسم انسان وقال له: إنك الداعية وإنك الحجة وإنك الناقة وإنك الدابة وإنك يحيى بن زكريا وإنك روح القدس وعرفه أن الصلاة أربع ركعات ركعتان قبل طلوع الشمس وركعتان قبل غروبها والصوم يومان في السنة وهما المهرجان والنيروز. وأن النبيذ حرام والخمر حلال ولا يؤكل كل ذي ناب ولا كل ذي مخلب.
(1/84)
" المعتضد بن الموفق " بويع له في صبيحة الليلة التي مات فيها عمه المعتمد. ولما ولي المعتضد بعث خمارويه بن أخمد بن طولون له هدايا وألطافا شريفة ورسولا وسأله أن يزوج ابنة خمارويه المسماة قطر الندى بعلي بن المعتضد. فقال المعتضد: أنا أتزوجها. فسر خمارويه بذلك. وفي سنة إحدى وثمانين ومائتين خرج المعتضد إلى الموصل قاصدا للأعراب والأكراد فسار إليهم فأوقع بهم وقتل منهم وغرق منهم في الزاب خلق كبير. وسار المعتضد إلى الموصل يريد قلعة ماردين وكانت لحمدان فهرب حمدان منها وخلف ابنه بها فنازلها المعتضد وقاتل من فيها يومه ذلك. فلما كان الغد ركب المعتضد فصعد إلى باب القلعة وصاح: يا ابن حمدان. فأجابه. فقال: افتح الباب. ففتحه فقعد المعتضد في الباب وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها. ثم ظفر بحمدان بعد عوده إلى بغداد جاءه مستأمنا إليه. وفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين جهز خمارويه ابنته أحسن جهاز وبعث بها إلى المعتضد في المحرم. وفي هذه السنة لثلاث خلون من ذي الحجة قتل خمارويه بدمشق ذبحه على فراشه بعض خاصته. ولما قتل أقعدوا مكانه ابنه هرون والتزم أنه يحمل من مصر إلى خزانة المعتضد في كل سنة ألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار. وفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين سارت الصقالبة إلى الروم فحاصروا القسطنطينية وقتلوا من أهلها خلقا كثيرا وخربوا البلاد. فلما لم يجد ملك الروم منهم خلاصا جمع من عنده من أسارى المسلمين وأعطاهم السلاح وسألهم معونته على الصقالبة ففعلوا وكشفوهم وأزاحوهم عن القسطنطينية. فلما رأى ملك الروم ذلك خاف المسلمين على نفسه فأخذ سلاحهم وفرقهم في البلدان حذرا من جنايتهم عليه. وفي هذه السنة كان الفداء بين المسلمين والروم وكان جملة من فودي به من المسلمين من الرجال والنساء والصبيان ألفين وخمسمائة وأربعة أنفس. وفي هذه السنة وهي سنة أربع وثمانين ومائتين كان المنجمون يوعدون بغرق أكثر الأقاليم إلا إقليم بابل فإنه يسلم منه اليسير وإذ ذلك يكون بكثرة الأمطار وزيادة المياه في الأنهار والعيون. فقحط الناس وقلت الأمطار وغارت المياه حتى استسقى الناس ببغداد مرات. وفي سنة خمس وثمانين ومائتين ظهر رجل من القرامطة يعرف بأبي سعيد بالبحرين واجتمع إليه جماعة من الأعراب والقرامطة وقوي أمره فقاتل ما حوله من القرى ثم صار إلى القطيف وأظهر أنه يريد البصرة. فأمر المعتضد ببناء سور على البصرة فعمل وكان مبلغ الخرج عليه أربعة عشر ألف دينار. وفي سنة ثماني وثمانين ومائتين وقع الوباء بأذربيجان فمات منه خلق كثير إلى أن فقد الناس ما يكفنون به الموتى وكانوا يطرحونهم في الطريق. وفيها سارت الروم إلى كيسوم فنهبوها وغنموا أموال أهلها وأسروا منها نحو خمسة عشر ألف انسان من رجل وصبي وامرأة. وفي سنة تسع وثمانين ومائتين انتشر القرامطة بسواد الكوفة فأخذ رئيسهم وسير إلى المعتضد وأحضره وقال له: اخبرني هل تزعمون أن روح الله تحل في أجسادكم. فقال له الرجل: يا هذا إن حلت روح الله فينا فما يضرك وأن حلت روح ابليس فما ينفعك ولا تسأل عما لا يعنيك وسل عما يخصك. فقال: ما تقول فيما يخصني. فقال: أقول أن النبي عليه السلام مات وأبوكم العباس حي فهل طلب الخلافة أم هل بايعه أحد من الصحابة على ذلك. ثم مات أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى موضع العباس ولم يوصى إليه. ثم مات عمر وجعلها شورى في ستة أنفس ولم يوصى إلى العباس ولا أدخله فيهم فبماذا تستحقون أنتم الخلافة وقد اتفق الصحابة على دفع جدك عنها. فأمر به المعتضد فعذب وخلعت عظامه ثم قطعت يداه ورجلاه ثم قتل. وبعد قليل في هذه السنة في ربيع الآخر لثمان بقين منه توفي المعتضد فاجتمع القواد وجددوا البيعة لابنه المكتفي وكانت خلافة المعتضد تسع سنين وتسعة أشهر وعمره سبع وأربعين سنة. وقيل كان المعتضد أسمر نحيفا شهما شجاعا وكان فيه شح وكان عفيفا مهيبا عند أصحابه يتقون سطوته ومع ذلك جاوز الحد في الحلم. قال الوزير عبد الله بن سليمان بن وهب: كنت عند المعتضد يوما وخادم بيده المذبة إذ ضربت قلنسوة المعتضد فسقطت فكدت اختلط إعظاما للحال ولم يتغير المعتضد وقال: هذا الغلام قد نعس. ولم ينكر عليه. فقبلت الأرض وقلت: والله يا أمير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا ولا ظننت أن حلما يسعه. قال: وهل يجوز غير هذا
مواضيع مماثلة
» * تاريخ مختصر الدول : من المطيع لله - الى ابو جعفر بن كاكويه
» تاريخ مختصر الدول : من ايام المعتضد - الى ايام القيروان
» * تاريخ مختصر الدول : من ابن كنزي - الى المأمون
» * تاريخ مختصر الدول : من قسطنطينوس - الى الفراعنة
» * تاريخ مختصر الدول - من آدم ابو البشر - الى موسى ع
» تاريخ مختصر الدول : من ايام المعتضد - الى ايام القيروان
» * تاريخ مختصر الدول : من ابن كنزي - الى المأمون
» * تاريخ مختصر الدول : من قسطنطينوس - الى الفراعنة
» * تاريخ مختصر الدول - من آدم ابو البشر - الى موسى ع
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى