مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* إنجازات المسلمين في الحساب - ما جاء في الحساب اليسير

اذهب الى الأسفل

* إنجازات المسلمين في الحساب - ما جاء في الحساب اليسير Empty * إنجازات المسلمين في الحساب - ما جاء في الحساب اليسير

مُساهمة  طارق فتحي السبت مارس 07, 2015 7:19 am

لعل من أهم الإنجازات ذات الأثر الحميد في علم الحساب استخدامَ المسلمين للأرقام في وقت مبكر، ومن ثم الصفر، الذي ظهر في كتب عربية قبل أن يظهر في الكتب الهندية، على الرغم من أن المسلمين أخذوا - كما ذكر آنفًا - الأرقامَ والصفر عن الهنود.

وقد حدد روسكا زمن استخدام المسلمين للصفر ما بين عامي 246هـ - 256هـ/ 760 - 770م.

وساعد استخدامُ الأرقام والصفر في تقدم الحساب وتطوره، حتى بلغ - على أيدي المسلمين - شأوًا رفيعًا، وكثر التأليف فيه؛ إذ كان لكتاب الخُوارزمي (ت 232هـ/ 756م) في الحساب - وقد استخدمت فيه الأرقام الهندية والصفر - أثرُه البالغ فيمن اشتغل بالحساب، وصار يُنظَر للحساب على أنه أرفعُ الصناعات درجةً، وأعمُّها مصلحةً، وأتمها فائدة، فصناعةُ الحساب يحتاج إليها جميعُ الناس على اختلاف طبقاتهم واختلاف أديانهم ولغاتهم؛ لِما فيه من صلاح الأجور وسدادِ الأمور.

وقد قسم علماءُ المسلمين الحساب العملي إلى قسمين: غباري، وهو الحساب الذي يحتاج استعمالُه إلى أدوات؛ كالقلم والورَق.

وهوائي، وهو الحساب الذِّهني الذي لا يحتاج استعمالُه إلى أدوات، وهو علمٌ يتعرف منه كيفية حساب الأموال العظيمة في الخيال بلا كتابة.

وقد وضع المؤلِّفون للحساب الهوائي قواعدَ وطرقًا ينتفع بها التجارُ في أسفارهم، وأهل السوق من العوام الذين لا يعرفون الكتابة، وينتفع به الخواص إن عجزوا عن إحضار آلات الكتابة.

وقسِّمت كتبُ الحساب إلى أبواب:
منها ما يتعلق بحساب الصحاح، ومنها ما يتعلق بحساب الكسور، ولكل منهما فصولٌ في الجمع والتضعيف، وفي التنصيف وفي التفريق، وفي الضرب والقسمة، وفي التجذير واستخراج الجذور.

وقد تعمق المسلمون في الأعداد، وفي نظرياتها، وأنواعها وخواصها، وقسموا الأعداد إلى ازدواجية وإفرادية، وبينوا معنى كل منهما، وقالوا: إن العدد يمكن أن يكون تامًّا أو زائدًا أو ناقصًا.

أما العدد التام، فهو كل عددٍ مجموعُ أجزائه يساوي العدد نفسه، مثل العدد "6" وأجزاؤه - أي الأعداد التي يمكن تقسيمُه عليها - "1، 2، 3"، ومجموعها يساوي: "6"، ومثل العدد: "28"، وأجزاؤه هي: "1، 2، 4، 7، 14" ومجموعها يساوي: "28".

والعدد الزائد ما كان مجموع أجزائه أقلَّ منه، وقالوا بالأعداد المتحابة، والعددان المتحابان عندهم: ما كان مجموع أجزاء أحدهما مساويًا للعدد الثاني، وما كان مجموع أجزاء العدد الثاني مساويًا للعدد الأول، وذكروا من الأعداد المتحابة "220 و284".

وعرَفوا المتواليات الحسابية والهندسية على أنواعها، وذكروا قوانين خاصة في جمعها، كما أتوا على قواعدَ لاستخراج الجذور، ولجمع المربعات المتوالية والمكعبات، وبرهنوا على صحتها، وتوصَّلوا إلى نتائجَ طريفةٍ، واشتغلوا بالمربعات السحرية التي هي صينية الأصل.

وأوجدوا طريقة في جمع متوالية عددية، حدودها مرفوعة إلى القوة الرابعة، وهي الطريقة - كما يذكر كارادي فو - التي لا يمكن الوصول إليها بقليل من النبوغ، ومن الإنجازات ذات الأثر كذلك الكتبُ التي وضعوها وتبحثُ في أصول حل المسائل الحسابية بطريق الخطأين.

ومن الإنجازات المهمة التي حققها المسلمون في علم الحساب أنهم استخدموا الكسور في أول الأمر على الطريقة الهندية بلا خط كسر بين الصورة والمخرج، ولم يظهر خطُّ الكسر إلا حوالي 605هـ/ 1200م.

وعرَف المسلمون فكرة الكسور العشرية في كتب الحساب منذ القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، وذلك في "كتاب الفصول في الحساب الهندي" للإقليديسي (ت بعد 341هـ/ 952م)، الذي ألفه في دمشق سنة 341هـ/ 952م، ودخلت الكسور العشرية الكتبَ على يد جمشيد غياث الدين الكاشي (ت 832هـ/ 1429م) في كتابه "مفتاح الحساب"، ويذهب Luck - نتيجة دراساته العميقة لتاريخ الرياضيات عند المسلمين - إلى أن الكاشي هو مكتشف الكسور العشرية.

أما الكاشي، فقد كان يكتب الجزء العشري لعدد على السطر نفسه مع قسمة الصحيح، وذلك بعد فصله بخط عمودي، أو كان يكتبه بحِبر ذي لون آخر، وذلك بعد تدوين اسم المرتبة فوق الرقم الذي يحتلها.

ومما يجدر ذكره أنه كان لاستخدام الكسور العشرية أثرُه العظيم في تطور الحساب في الشرق والغرب، وإن كانت الكسور العشرية لم تدخل أوربا إلا في القرن الثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، أدخلها بونفيلس Bonfils. ولم يؤلَّف بالكسور العشرية في أوربا إلا في القرن الخامس عشر، حيث ألف فيها سيمون ستيفن Simon Stiven.

ومن الإنجازات الرائعة التي قام بها المسلمون، حسابهم الدقيق لقيمة ط (π) (حاصل تقسيم محيط الدائرة على قطرها)، فقد افترض الكاشي مضلَّعين، أحدهما داخل الدائرة وآخر خارج محيطها، يبلغ عدد أضلاع كل منهما:
ثم حسب قيمة "ط" فحصل على الرقم: 3. 14159265358979325

علق الباحث Lucky - سالف الذكر - على هذا الإنجاز قائلاً: "لو عُرفت رسالة الكاشي في حساب محيط الدائرة في الوقت المناسب في الغرب، لادَّخر الغرب وقتًا طويلاً قضاه في إنجاز أمور وضيعة هزيلة، وفي شروح يسيرة في حساب الدائرة، ولو عرف الغرب ما أنجزه الكاشي في الكسور العشرية، لَمَا كان لازمًا ألبتة أن يمضي قرنٌ ونصف حتى قيِّض للكسور العشرية رجالٌ من أمثال فيتا وستيفن وبورغي، وجَّهوا عقولهم وقواهم العلمية حتى تمكنوا من اكتشافها"، من يدري، ربما أخذوها عن المسلمين، وادَّعوا اكتشافها.

ومما يذكر - كذلك - أن المسلمين مهَّدوا الطريق أمام نابير (ت 1027هـ/ 1617م) في اكتشاف جداول اللوغاريتمات، فلقد كان سبق العلماء المسلمين في استخدام الجمع والطرح مكان الضرب والقسمة في حل المسائل التي تتألف من أعداد كبيرة، وسبقهم في إدراك الصلة بين حدود المتوالية الهندسية وحدود المتوالية الحسابية - كان سبقهم لهذين العاملين الرئيسيين من أهم العوامل في الاهتداء إلى فكرة الجداول اللوغاريتمية.

فلقد ألَّف سنان بن الفتح الحراني الحاسب نحو عام 210هـ/ 825م كتابه "الجمع والتفريق"، شرَح فيه الطريقة التي يمكن أن تحل بها المسائل القائمة على الضرب والقسمة بالجمع والطرح، فضلاً عن ذلك فقد ألَّف كتابًا آخر سماه: "كتاب المكعبات" شرَح فيه طريقة توزيع الأعداد وتصنيفها بالإضافة إلى جذورها مع حساب مكعباتها.

وفي القرن العاشر للهجرة/ السادس عشر للميلاد لمع نجمُ العالم الرياضي ابن حمزة المغربي الذي تكلم عن الصلة بين المتوالية الحسابية والمتوالية الهندسية كلامًا يؤهله أن يكون واضعًا لأصول اللوغاريتمات، والممهد الحقيقي لاكتشافها، وإذا أضيف إلى ما سبق العلاقة المثلثية التي وضعها ابن يونس المصري (ت 399هـ/ 1008م) وهي:


وما قدمته من خدمات كبيرة لعلماء الفلك؛ إذ مكَّنتْهم من تحويل عمليات الضرب إلى عمليات جمع، وفي هذا بعض التيسير في حل المسائل الطويلة المعقدة، تبين بوضوح كيف مهد الطريقَ لنابير وغيرِه في اكتشاف اللوغاريتمات.

ومن الإنجازات الأخرى الجديرة بالذكر استخراجُ الرياضيين المسلمين للجذور؛ فقد ورد في كتاب التلخيص لابن البناء المراكشي (ت 721هـ/ 1321م) أن الجذر التربيعي   له قيمتان، بحسب قيمة  بالنسبة لـ (ا)، فإذا كانت  أصغر من (ا)، كان الجذر مساويًا لـ  ، وإن كانت  أكبر من (ا)، كان الجذر مساويًا لـ

ويذكر بهذا الصدد أن الغرب اقتبس هذه الطريقة وطريقة إيجاد الجذر التكعيبي التي توصل إليها العلماءُ المسلمون؛ أمثال: كوشيار بن لبان (ت نحو 350هـ/ 961م) وأبو الحسن النسوي[1] خلال القرن الرابع/ العاشر:

إذا كانت قيمة  صغيرة مقابل (ا).
ومما يُذكر آخِرًا شهادةُ مؤرخ العلوم جورج سارطون: "إن أعظم الابتكارات العربية في الرياضيات والفَلك كانت شيئين: علم الحساب الجديد، وعلم المثلثات الجديد... وقد جمع العلماءُ المسلمون بين المصدرين اليوناني والسنسكريتي، ثم ألقحوا الآراء اليونانية بالآراء الهندية، وإذا لم يكن هذا الذي فعله العرب ابتكارًا، فليس في العلم إذًا ابتكارٌ على الإطلاق؛ فالابتكار العلمي في الحقيقة إنما هو حياكة الخيوط المتفرقة في نسيج واحد، وليس ثمة ابتكاراتٌ مخلوقة من العدم".

[1] علي بن أحمد النسوي (ت نحو 420هـ 1030م)، من أهل نسا (بخراسان)، كان - كما يقول عنه البيهقي - من حكماء الرَّي، وله الزيج الذي يقال له الزيج الفاخر، وكان حكيمًا مهندسًا، ذا أخلاق رضية، وقد قرب عمره من مائة سنة وقواه سليمة، من كتبه كتاب "المقنع في الحساب الهندي"، عرَّف به فوبكه (Woepcke) عام 1280هـ/ 1863، مما دعا مؤرخ الرياضيات كانتور (Cantor)، أن يفصح أن نموراريوس يوردانوس (Jordanus Nemoraius) ربما اعتمد على النسوي في استخراج جذر المربع، وللنسوي كتبٌ أخرى غير المقنع، منها كتاب: "الإشباع في شرح الشكل القطاع"، موجود - كما يذكر سزكين - في سراي أحمد الثالث، ومنها كتاب: "التجريد في أصول الهندسة" في المكتبة الظاهرية.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/library/0/47176/#ixzz3TgLhhLGD

ما جاء في الحساب اليسير
الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم
عن عائشة - رضي الله عنها - تقول: سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحساب اليسير، فقلتُ: يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ فقال: ((الرجل تُعرَض عليه ذنوبُه، ثم يُتَجَاوز له عنها، إنه من نُوقِش الحساب هَلَك، ولا يُصِيب عبدًا شوكةٌ فما فوقها إلا قاصَّ الله - عز وجل - بها من خطاياه))[1].
فيه مسائل:
المسألة الأولى: معاني الكلمات:
قوله: (عن الحساب اليسير)، وفي رواية عند البخاري ومسلم: (قلت: أليس يقول الله - تعالى -: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]؟).
قوله: ((الرجل تُعرَض عليه ذنوبه، ثم يتجاوز له عنها))، وعند البخاري ومسلم: ((ذلك العرض))، وعند أحمد: ((أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه)).
قوله: ((مَن نُوقِش الحساب، هَلَك))، وفي رواية: ((عذِّب))، و(نُوقِش) من المناقشة، وأصلها الاستخراج، والمراد هنا المبالغة في الاستيفاء، والمعنى أن تحرير الحساب يُفضِي إلى استحقاق العذاب؛ لأن حسنات العبد موقوفة على القبول، وإن لم تقع الرحمة المقتضية للقبول، لا يحصل النجاة[2].
قوله: (هَلَك)، أو (عذِّب)، كلاهما يرجعان إلى معنى واحد؛ لأن المراد بالمحاسبة تحرير الحساب، فيستلزم المناقشة، ومن عذِّب فقد هَلَك، وقال القرطبي في المُفهِم: (حُوسِب)؛ أي: حساب استقصاء، وقوله: (عُذِّب)؛ أي: في النار؛ جزاء على السيئات التي أظهرها حسابه، وقوله (هَلَك)؛ أي: بالعذاب في النار، قال: وتمسَّكت عائشة بظاهر لفظ الحساب؛ لأنه يتناول القليل والكثير[3].

المسألة الثانية: إثبات الحساب:
الإيمان بالحساب من مقتضيات الإيمان باليوم الآخر، وهو حقٌّ وصدق، واقع لا دافع له، ولا مانع منه، والأدلة على ذلك من القرآن والسنة كثيرة، نذكرها - إن شاء الله تعالى.

فالحساب لغة: العد.
واصطلاحًا: إطلاع الله العبادَ على أعمالهم - خيرًا كانت أم شرًّا - على وجه التفصيل قبل الانصراف من أرض المحشر.

قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26].

وقال - تعالى -: ﴿ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 21].

وقال - تعالى - للمكذبين للرسل: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [الرعد: 18].

وقال - تعالى -: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 24]، وغيرها من الآيات في القرآن.

أما السنة، ففي الحديث الذي مرَّ معنا في الباب دليلٌ على إثبات الحساب يوم القيامة، وهذا الذي فَهِمه الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - فقد روى ابن أبي الدنيا عن عمر - رضي الله عنه - قال: "حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تحاسَبوا، وزِنُوا أعمالكم قبل أن تُوزَنوا؛ فإنه أخف عليكم في الحساب غدًا أن تحاسِبوا أنفسكم اليوم، وتزيَّنوا للعرض الأكبر: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ﴾ [الحاقة: 18][4].

أما أنواع الحساب، فنوعان:
حساب عرض، وحساب نقاش.
أما حساب العرض:
وهو عرض العمل على العبد فقط، وليس فيه نقاش، وليس فيه مطالبة بنتائج النعيم؛ ففي الصحيح عن صفوان بن محرز المازني، قال: بينما أنا أمشي مع ابن عمر - رضي الله عنه - آخذ بيده؛ إذ عرض رجل، فقال: كيف سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النجوى؟ فقال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن الله يُدْنِي المؤمن فيضع عليه كنفَه، ويستره فيقول: أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم، أيْ ربِّ، حتى إذا قرَّره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هَلَك، قال: سترتُها عليك في الدنيا، وأنا أغفرُها لك اليوم، فيُعطَى كتاب حسناته، وأما الكافر والمنافقون، فيقول الأشهاد: ﴿ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 18]))[5].

وهذا ليس لكل الناس؛ إنما للمؤمنين فقط.
أما حساب النقاش:
ففيه مطالبة العبد بنتائج النعم، فصاحبه هالكٌ لا محالة؛ قال - تعالى -: ﴿ وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾ [الأحقاف: 20].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا، وفيه: ((فيلقى العبد فيقول: أي فُلْ، ألم أُكرمْك، وأسوِّدْك، وأزوِّجْك، وأسخِّرْ لك الخيل والإبل، وأذَرْك ترأسُ وتربع؟ فيقول: بلى، قال: فيقول: أفظننتَ أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني، فيقول: أي فُلْ، ألم أكرمْك، وأسوِّدْك، وأزوجْك، وأسخِّر لك الخيل والإبل، وأذرْك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى، أي رب، فيقول: أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا، فيقول: فإني أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك، فيقول: يا رب، آمنتُ بك، وبكتابك، وبرسلك، وصلَّيت، وصُمْت، وتصدَّقت، ويُثنِي بخير ما استطاع، فيقول: ها هنا إذًا، قال: ثم يقال له: الآن نبعثُ شاهِدَنا عليك، ويتفكَّر في نفسه: من ذا الذي يشهد عليَّ؟! فيُختَم على فِيه، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه: انطقي؛ فتنطق فخِذُه ولحمُه وعظامه بعمله؛ وذلك ليُعذِرَ من نفسه، وذلك المنافق، وذلك الذي يسخط الله عليه))[6].

فائدة: أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، فيه تفصيل:
1- بالنسبة لحق الله - تعالى - فأوَّل ما يُحَاسَب عليه العبد هو الصلاة؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إن أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة من عمله صلاتُه، فإن صَلَحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسَدَتْ فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضتِه شيء، قال الرب - عز وجل -: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))[7].

2- بالنسبة لحقوق الآدميين، فأول ما يقضى فيه هو الدماء.

عن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أول ما يقضى بين الناس في الدماء))[8].

3- بالنسبة للأمم، فأول مَن يحاسب أمة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة وعن ربعي بن حراش، عن حذيفة قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أضلَّ الله عن الجمعة مَن كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا؛ فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تَبَعٌ لنا يوم القيامة، نحن الآخِرون من أهل الدنيا، والأوَّلون يوم القيامة، المقضيُّ لهم قبل الخلائق))[9]، وفي روايةٍ عند أحمد، وفيه: ((أين أمة محمد؟ فيأتون غرًّا محجَّلين، فيبدأ يوم الحساب)).

4- بالنسبة للناس، فأوَّل ما يحاسب المجاهد، والجَوَاد، وقارئ القرآن من أجل ثناء الناس عليه؛ ففي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: حدَّثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((أن الله - تبارك وتعالى - إذا كان يوم القيامة ينزلُ إلى العباد؛ ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية، فأول مَن يدعو به رجلٌ جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلِّمْك ما أنزلتُ على رسولي؟ قال: بلى، يا رب، قال: فماذا عملتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كنتُ أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله له: بل أردتَ أن يقال: إن فلانًا قارئ، فقد قيل ذاك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله له: ألم أوسِّعْ عليك حتى لم أدعْك تحتاج إلى أحدٍ؟ قال: بلى يا رب، قال: فماذا عَمِلتَ فيما آتيتُك؟ قال: كنتُ أَصِل الرحم، وأتصدَّق، فيقول الله له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله - تعالى -: بل أردتَ أن يقال: فلانٌ جَوَاد؛ فقد قيل ذاك، ويؤتى بالذي قُتِل في سبيل الله، فيقول الله له: في ماذا قُتِلتَ؟ فيقول: أُمِرتُ بالجهاد في سبيلك فقاتلتُ حتى قُتِلت، فيقول الله - تعالى - له: كذبتَ، وتقول له الملائكة: كذبتَ، ويقول الله: بل أردتَ أن يقال: فلانٌ جريء؛ فقد قيل ذاك))، ثم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتيَّ، فقال: ((يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعَّر بهم النار يوم القيامة...) [10].

أنواع الناس في الحساب:
1- منهم مَن يدخل الجنة من غير حساب ولا عذاب:
كما في الحديث: ((هم الذين لا يَسْتَرقُون، ولا يتطيَّرون، ولا يَكْتَوُون، وعلى ربهم يتوكلون))[11].

2- منهم مَن تلتقطهم النار في الموقف:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يخرجُ عنقٌ من النار يوم القيامة له عينانِ تبصرانِ، وأذنانِ تسمعان، ولسانٌ ينطق، يقول: إني وكِّلتُ بثلاثةٍ: بكلِّ جبار عنيد، وبكل مَن دعا مع الله إلهًا آخر، وبالمصوِّرين))[12].

3- منهم مَن تُعرَض عليه أعمالُه فقط، وهو الحساب اليسير:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالتْ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس أحدٌ يحاسب إلا هَلَك))، قالت: قلتُ: يا رسول الله، جعلني الله فداءك، أليس يقول الله - عز وجل -: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾[الانشقاق: 7 - 8]؟ قال: ((ذاك العرض يُعرَضون، ومَن نُوقِش الحساب هلك))[13].

4- ومنهم مَن يناقش، فإن نوقش عذِّب وهَلَك؛ كما في حديث عائشة السابق.
فائدة: في الحساب تؤدَّى كلُّ الحقوق لأصحابها؛ حتى يصل العدل أن تُقضَى حقوق البهائم إليها، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لتؤدُّنَّ الحقوقَ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقَاد للشاة الجَلْحَاء من الشاة القَرْناء))[14].


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/55072/#ixzz3TgMGpLuu
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى