* حرف العين : علي الحسين - عبد القادرالكيلاني - عتبه بن ربيعه
صفحة 1 من اصل 1
* حرف العين : علي الحسين - عبد القادرالكيلاني - عتبه بن ربيعه
علي ابن محمد....ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب
مُساهمة طارق فتحي في الأحد 26 يناير 2014 - 11:02
قائد ثورة الزنج
وكان قائد هذه الثوره هو علي ابن محمد ابن أحمد ابن علي ابن عيسى ابن زيد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام شاعرا وعالما كان يمارس في سامراء تعليم النحو والخط والنجوم وكان واحدا من المقربين إلى الخليفه المنتصر بالله العباسي ولما قتل الاتراك المنتصر بالسم ومارسوا الاعتقال والسجن والنفي والاضطهاد لحاشيته كان علي ُابن محمد هذا من بين المعتقلين، ثم حدث تمرد من فرقة الجند الشاكريه ببغداد يؤازرهم عامة الناس دخلت بغداد معها في فوضى عارمه واختفت الجيوش والشرطه من الشوارع، فأقتحم المتمردون السجون وأطلقوا سراح من فيها ومنهم بالطبع علي ابن محمد، ليشعلَ ثورة ًا قضت مضجعَ العباسيين إلى أقصى مدى.
غادر علي ابن محمد بغداد إلى سامراء ومنها إلى البحرين حيث دعا إلى الثورة ضد الدوله العباسيه الواقعة تحت سيطرة الجند الاتراك ,بالرغم من اشتهار هذه الثوره بثورة الزنج الا انها لم تكن ثورة ًعنصرية ًللزنج وحد ِهم ولم تقف اهدافُها عند تحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم, فقائد هذه الثوره عربي حر علوي رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي كما كانت الحكومة تفعل دائما في مثل هكذا مواقف، وأغلبُ قوادها كانوا عربا كذلك مثل علي ابن ابان المهلبي وسليمان ابن موسى الشعرواني وسليمان ابن جامع وأحمد ابن مهدي الجبائي ويحيى ابن محمد البحراني ومحمد ابن سمعان وغيرهم الكثير وعلى امتداد السنوات السبع الأولى من عمر الثوره الممتده من سنة مئتين وتسع واربعين للهجره إلى سنة مئتين وست وخمسين للهجره كان قادتها ومحيطها وجمهورها عربيا خالصا فهي قد بدأت في مدينة هجر أهم مدن البحرين ثم في بادية البحرين وسط عربها ثم في الاحساء بين احياء بني تميم وبني سعد وفي هذا المحيط العربي قامت سلطة ُهذه الثوره ودولتـُها وحدثت الحروب بينها وبين جيوش الدوله العباسيه، ويصف الطبري سلطة علي ابن محمد في هذا المحيط العربي فيقول لقد أحله اهلُ البحرين من أنفسهم محل النبي حتى جبي له الخراج هناك ونفذ حكمُه بينهم وقاتلوا أسباب السلطان بسببه
وفي موقعة الردم في البحريناحرز العباسيون انتصارا مؤثرا على الثوره فأنسحب علي ابن محمد إلى البصره ونزل هناك بين عرب بني ضبيعه من نزار ابن معن ابن عدنان فدعاهم للثوره فتبعوه وكان عددٌ منهم من قادة ثورته وجيشه ولما طردته الدوله والقت القبض على أغلب انصاره ووضعتهم في السجون مع ابنه الأكبر وابنته وزوجته غادر على ابن محمد إلى بغداد متخفيا واقام بها عاما كاملا دون أن يشعر به أحد
في سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره حدثت في البصرة فتنة بين طائفتين من جندها الجند البلاليه والجند السعديه واسفرت هذه الفتنه عن اضطراب عارم وغياب للنظام تمخض عنها كسر السجون وأطلق سراحُ المعتقلين ومنهم اهلُ وانصارُ على ابن محمد فغادر بغداد ووصل إلى ضواحي البصره ليواصل ثورته من جديد متطلعا لتجاوز اخفاقاته السابقه وهنا بدأ أول انعطاف للثوره نحو الزنج أي بعد قرابة ِسبع ِسنوات من اندلاعها
كانت البصره أهم المدن في جنوب العراق وكان جنوب العراق مشحون بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها ويقومون بكسح السباخ والأملاح وذلك تنقية للأرض وتطهيرا لها كي تصبح صالحة للزراعه وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسيه وغير إنسانية للغايه تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة عديميي الرحمه ولحساب ملاك الأرض من اشراف العرب ودهاقنة الفرس الوافدين كليهما على العراق ,اما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا واحباشا ونوبيين وقرماطيون إضافة إلى فقراء العرب العراقيين والذي كان يطلق عليهم في ذلك الوقت تسمية الفراتيين
شرع علي ابن محمد الثائر العلوي الجديد يدرس أحوال هؤلاء البائسين من فقراء وعبيد ويسعى لضمهم لثورته كي يحررَهم ويحاربَ بهم الطبقه الارستقراطيه التي تضطهدهم بمعونة الدوله العباسيه وعلى راسها الخليفه الحاكم باسم الدين في العاصمه سامراء انذاك فكان أول زنجي ينظم اليه هو ريحانُ ابنُ صالح الذي أصبح من قادة الحرب والثوره
اخذ الثائر العلوي علي ابنُ محمد يتنقل مع قادته بين مواقع عمل الرقيق والفراتيين فقراء العراق يدعوهم إلى ترك أماكنهم وترك الخضوع لسادتهم والانضمام إلى معسكره في ضواحي البصره للخلاص من واقعهم البائس واعدا اياهم بحياة أفضل فيما لو انتهت اليه ازمة ُالامور فأستجابت لدعوته مجاميعُ غفيرة منهم، ولقد فشل وكلاء الملاك في الحيلولة بين الرقيق المضطهد وعلي ابن محمد العلوي فكان الاسياد يحبسون رقيقهم في بيوت ويسدون عليهم الأبواب والنوافذ بالطين، ولكن بالرغم من كل هذا كان العبيد يتقاطرون على المعسكر العلوي بشكل مستمر، ويصف ابنُ خلدون إقبالَ الزنج على الثوره وزحفـَهم للقاء قائدها فيقول : لقد تسايل اليه الزنجُ واتبعوه. اعلن الثائر العلوي علي ابن محمد أن هدفه بالنسبة للزنج والفراتيين فقراء العراق هو : تحريرُ الرقيق من العبوديه وتحويلُهم إلى سادة لأنفسهم وأعطاؤهم حق َامتلاك الضياع والاموال بل ومناهم بأمتلاك َسادتِهم سادة الامس الذين كانوا يسترقونهم وجعلِهم عبيدا عندهم ووعدهم أيضا بضمان مساواتهم في ثورته ودولته التي تعمل من اجل ضمان ٍاجتماعي هو اقرب إلى النظم الجماعيه التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع المجتمع.نظام سياسي يرفض الخلافه الوراثيه لبني العباس والتي أصبحت اسيرة ًبيد قادة الجند الاتراك، ويُقدم بدلا منها دولة َالثوره التي أصبح فيها الثائرُ العلوي علي ابنُ محمد اميرا للمؤمنين ,. استطاعت الثوره ان تكتسب أكثر فأكثر ثقة َجماهير الزنج والفراتيين فقراء العراق الذين بدورهم كانوا اشبه مايكونون بالرقيق وبالذات في ظروف العمل وشروطه، وخاصة بعدما رفض قائدُ الثوره مطالبَ الاشراف والدهاقين والوكلاء بأن يردَ عليهم عبيدَهم لقاء خمسة ِدنانير عن كل رأس، لقد رفض الثائر العلوي علي ابن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة الذين قدّموا العرض، فطلب من كل جماعة من الزنج ان يجلدوا سادتـَهم ووكلائَهم القدامى. وزاد من اطمئنان الزنج إلى الثوره ما أعلنه قائدُها بأنه لم يَثُرْ الا لرفع المظلومية ِعنهم، وعاهدهم على ان يكون في الحرب بينهم بقوله :اشرككم فيها بيدي واخاطر معكم فيها بنفسي، بل قال لهم ليُحط ْ بي جماعة ٌمنكم فإن احسوا مني غدرا فتكوا بي. وبهذه الثقه تكاثر الزنجُ في صفوف الثوره وفي كتائب جيشها بل وانضمت إليها الوحدات الزنجيه من جيش الدوله العباسيه في كل موطن من المواطن التي التقى فيها الجيشان.حتى سميت لذلك بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ. في عشرات المعارك التي وقعت بين جيوش الزنج وجيوش الدوله العباسيه كان النصر غالبا للزنج فيها، وتأسست كثمرة لهذه الانتصارات دولة ٌللثوره اقامت فيها سلطتـَها وطبقت فيها اهدافها، ونفذ فيها سلطانُ الثائر العلوي علي ابن محمد. ولقد بلغت دولة ُالثوره هذه درجة ًمن القوه فاقت بها كلَ ماعرفته الخلافه العباسيه قبلها من اخطار وثورات. والمؤرخون الذين كانت عندهم ان الدنيا كانت هي الامبراطوريه العباسيه قالوا ان الزنج قد اقتسموا الدنيا مع بني العباس واجتمع اليه من الناس ما لاينتهي العدُ والحصرُ اليه وكان عمال الدوله الثائره يجمعون لعلي ابن محمد الخراج على عادة السلطان حتى لقد خيف على ملك بني العباس ان يذهب وينقرض. أقام الثوارُ لدولتهم عاصمة ًسموها المختاره انشأوها إنشاءا في منطقة تتخللها فروعُ الأنهار كما أنشؤوا عدة َمدن أخرى وضمت دولتـُهم مدنا وقرى ومناطقَ كثيره ضمت البحرين والبصره والأبله والاهواز وواسط والقادسيه وجنبلاء والنعمانيه والمنصوره ورام هرمز والمنيعه والمذار وتستر وخوزستان وعبادان وأغلبَ سواد العراق
القت الخلافه العباسيه بكل ثقلها في المعركه ضد الثوره، وكرست كل إمكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفه المعتمد العباسي بالقياده الميدانيه إلى اخيه الموفق، تحول قائد الجيش إلى خليفة حقيقي وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار والتي سماها الموفقيه إلى العاصمه الحقيقيه للدوله ويأتي إلى بيت مالها كلُ خراج البلاد لدعم المجهود الحربي في اخماد ثورة الزنج، وتصدر منها الاوامر إلى كل الولاة والعمال في سائر ارجاء الخلافه في أن يقدّموا كلَ مايستطيعونه لاسناد جيش العباسين في قتاله, الامر الذي اوغر صدر الخليفه المعتمد حتى لقد حاول الفرار من سامراء إلى مصر ليدخل في حماية الطولونيين ,فألقي القبض عليه بنواحي الموصل واعادوه إلى سامراء شبه سجين.
في سنة مئتين وثمان وستين للهجره باشرت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق بهجوم واسع على المختاره عاصمة الزنج وهي مدينة محصنة غاية التحصين وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة نقابين لهدم السور وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة. ودخل أصحابُ الموفق من جميع تلك الثغرات وتوغلوا داخل المدينة فخرج الكمناءُ من خلف الجيوش العباسيه وحدثت واحدةٌ من اعنف المعارك قتل فيها معظمُ الجيش العباسي الذي دخل مدينة المختاره فيما لاذ بالفرار من استطاع الافلاتَ من سيوفِ ِالزنج عبر نهر دجله.
في الخامس والعشرين من سنة مئتين وتسع وستين للهجره تقدمت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق نفسِه لهدم سور المختاره مرة أخرى وقاتل الفريقان أشد قتال رأه الناس فبينما هم كذلك وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره فاضطرب عسكر العباسين وخافوا, وتسرب كثير من جيوشهم تاركين ساحة المعركه, فأشار عليه أصحابه بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك ,ولكنه احتجب عن الناس.
في يوم الأحد العشرين من شعبان سنة مئتين وتسع وستين للهجره بكر الموفق بعد أن برأ من علته إلى القتال وأمر أبو حمزه نصير صاحب الزوارق لقصد قنطرة كان الزنج قدعملوها في نهر أبي الخصيب فدخلت زوارق العباسيين نهر أبي الخصيب في أول المد فحملها الماء وألصقها بالقنطرة فأجتمع الزنج على جانبي النهر ورموا الزوراق بكل معداتهم رميا كثيفا فأهلكوا من فيها ومن بينهم بالطبع صاحب زوارق الموفق أبو حمزه نصير
كانت مصر قد استقلت عن الخلافه العباسيه تحت حكم أحمد ابن طولون وكان لها جيش قوي في الشام يقوده المملوك لؤلؤ غلام ابن ِطولون كاتب لؤلؤ الموفق العباسي واشترط عليه شروطا لنفسه فأجابه الموفق إلى كل ماطلب فخان سيده بعد أن اغراه الموفق العباسي، وانظم إلى جيش الدوله العباسيه المحتشد لقتال الثوار فوصل في الثالث من محرم من سنة مئتين وتسع وستين للهجره. انظم الجيش الطولوني العظيم إلى جيش العباسيين بقيادة أخي الخليفه الموفق العباسي فأكرمه وانزله وخلع عليه وعلى اصحابه واحسن اليهم وامر لهم بالارزاق على قدر مراتبهم ثم تقدم إلى لؤلؤ بالتأهب إلى قتال الزنج وكان الموفق قد عطل القتال لحين قدوم لؤلؤ وليستريح الجيش الذي تملكه التعب والكلل فشرع في محاربتهم بفريق بعد فريق من اصحاب لؤلؤ ليتمرنوا على قتالهم وليقفوا على المسالك والطرق في ساحات القتال التي لم يعهدهوها من قبل.فرأى الموفق من شجاعة لؤلؤ واقدامه وشجاعة اصحابه ماسره للغايه
كان الزنج لما غلبوا على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحدثوا تضييقا في النهر وجانبيه وجعلوا في وسط النهر بابًا ضيقًا لتحتد جرية الماء فيه فتمتنع الزوارق من دخوله في الجزر. ويتعذر خروجُها منه في المد ,فرأى الموفق أن تقدمَهم لايتم إلا بقلع هذا التضييق فشرع في محاربتهم.
ألح الموفق على اقتلاع المضيق وكان يحارب المحامين عليه بأصحابه وبأصحاب لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعة فأوقع بالزنج وقيعة مؤلمه فقتل المحامين على المضيق عن آخرهم ولم يسلم منهم إلا الشريد فأخذوا من أسلحتهم ما لم يستطيعوا حمله، وتقدمت سفن وزوارق الجيش العباسي.وفرق العساكر من جميع جهاته وامر الجندَ بالجد في القتال وأمر الناس أن لا يزحف أحد حتى يرى حركة العلم الأسود الذي نصبه على دار اقامته. وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت.
في يوم الاثنين السابع والعشرين من محرم سنة مئتين وسبعين للهجره زحفت الجيوش العباسيه والطولونيه جميعا ومن كل الجهات نحو المختاره عاصمة الزنج والتقى الفريقان في معركة حاميه سقط فيها آلاف القتلى من الجانبين، استبسل الزنج فيها غاية الاستبسال وأخيرا تمكنوا من صد الجيش العباسي وارجاعه إلى مواقعه.
أمر الموفق العباسي بتحريك العلم الأسود مرة أخرى والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضُهم بعضا فلقيهم الزنج واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير والح الجيش العباسي الحاحا شديد في التقدم ,فانهزم الزنج وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون فقتل منهم ما لا يحصى عددا وغرق منهم مثل ذلك وحوى الموفق المدينة بأسرها فغمنها أصحابه واستنقذوا من كان بقي من الأسرى وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وبأخويه: الخليل ومحمد وأولادهما وعبر بهم إلى المدينة الموفقية.
مضى الثائر العلوي قائد ثورة الزنج علي ابن محمد في أصحابه ومعه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم إلى الخط الثاني الذي كان معدا كمصد في حال تقدم الجيش العباسي من جهتها اشتغلت جيوش الخلافه بالنهب والإحراق وانصرفوا إلى سفنهم بما قد حووا من غنائم واسلاب.وكان معظم القتال في هذا اليوم للجيوش الطولونيه بقيادة لؤلؤ. في يوم السبت الثاني من صفر وبعد ثلاثة ايام من الاستراحه امر الموفق جيوشَه بالمسير لقتال الزنج مرة أخرى وطاف عليهم هو بنفسه يعرف كلَ قائد مركزَه والمكانَ الذي يقصده فعبر بالناس وأمر برد السفن إلى الضفة الأخرى من نهر دجله حتى لايفكر الجندُ بالهزيمه . والتقى الجيشان مرة أخرى وبعد قتال ضار انهزم الزنج وتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، أسر في هذه المعركه ابرز قواد ثورة الزنج سليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني ودرمويه الزنجي, وانتهى الموفق إلى آخر نهر أبي الخصيب وكانت جيوشه قد اعملت سيوفها في رجال مدينة المختاره عاصمة الزنج لتقتل مقتلة عظيمه منهم حتى غطت الجثثُ وجه الأرض لترسم صورة مروعه ينقلها لنا التأريخ لواحده من اعنف الصرعات التي شهدتها أرض العراق في ذلك الزمان, وفي مساء ذلك اليوم تتقاطر اعضاء جسد الثائر العلوي قائد ثورة الزنج إلى حيث مكان الموفق العباسي كلُ عضو بيد واحد من الجند ليتبعها راسه أخيرا
استمرت الحربُ بين دولة الثوره هذه وبين الخلافه العباسيه لأكثر من عشرين عاما بلغ العنف فيها من الجانبين حدا لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصفَ مليون قتيل. وهكذا انطوت صفحة دمويه أخرى من صفحات التأريخ
الإمام عبد القادر الجيلاني
ولد الامام عبد القادر الجيلاني في جيلان من اعمال العراق سنة (470هـ) وتوفي سنة ( 561هـ ) ويوجد له ضريح في بغداد العاصمة . ويعتبر الشيخ عبد القادر الكيلاني منشيء الطريقة القادرية الصوفية في العراق ومنها تفرعت الى باقي الدول الاسلامية العربية وغير العربية . هذا وكان يلقب باقلب عدة منها شيخ الشيوخ , ومحي الدين , شيخ الاسلام , الامام الصوفي الفقيه , وتاج العارفين .
نسب الشيخ
هو أبو صالح السيد محي الدين عبد القادر الجيلاني بن السيد أبي صالح موسى بن السيد عبد الله بن السيد يحيى الزاهد بن السيد محمد بن السيد داود بن السيد موسى الثاني بن السيد عبد الله أبي المكارم بن السيد موسى الجون بن السيد عبد الله المحض بن السيد الحسن المثنى بن السيد الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زوج السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. فبينه وبين فاطمة الزهراء أحد عشر أبا.
مولد ونشأته
ولد الشيخ عبد القادر الجيلاني وهي قصبة من جيلان سنة 470هـ-1077م (تقرأ بالجيم العربية كما تقرأ بالجيم المصرية فيقال لها جيلان أو كيلان)، وهي اسم لقرى كثيرة قرب خانقين، ليست كبيرة وانما هي قرى ومروج. وهي قربة عراقية على حد قول الدكتور مصطفى جواد والدكتورحسين علي محفوظ
وقد نشأ الشيخ عبد القادر في أسرة كريمة جمعت شرف التقوى، فقد كان والده أبو صالح موسى على جانب كبير من الزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه محب الجهاد. وكانت للشيخ موسى أخت صالحة اسمها عائشة، كان الناس يستسقون بها إذا حبس عنهم المطر، وكان جده عبد الله بن يحى الزاهد من أهل الإرشاد.
أولاده
كان الشيخ عبد القادر قد أنجب عددا كبيرا من الأولاد، وقد عنى بتربيتهم وتهذيبهم، وتخرجوا على يديه في العلم وكان معظمهم من أكابر الفقهاء والمحدثين، واشتهر منهم ثمانية:
• الشيخ عبد الوهاب: وقد وكان في طليعة أولاده، والذي درس بمدرسة والده في حياته نيابة عنه، وبعد والده وعظ وأفتى وتخرج عليه جماعة من الفقهاء
•
• وكان عالما كبيرا حسن الكلام في مسائل الخلاف له لسان فصيح في الوعظ وكان ظريفا لطيفا، ذا دعابة وكياس، ة وكانت له مروءة وسخاء، وقد جعله الإمام الناصر لدين الله على المظالم فكان يوصل حوائج الناس اليه، وقد توفي سنة 573 هـ ودفن في رباط والده في الحلبة.
• الشيخ عيسى: الذي وعظ وأفتى وصنف مصنفات منها كتاب (جواهر الأسرار ولطائف الأنوار) في علم الصوفية، قدم مصر وحدث فيها ووعظ وتخرج به من أهلها غير قليل من الفقهاء، وتوفي فيها سنة 573 هـ.
• الشيخ عبد العزيز: وكان عالما متواضعا، وعظ ودرس، وخرج على يديه كثير من العلماء، وكان قد غزا الصليبين في عسقلان وزار القدس الشريف ورحل جبال الحيال وتوفي فيها سنة 602 هـ، وقبره في مدينة (عقره) من أقضية لواء الموصل في العراق.
• الشيخ عبد الجبار: تفقه على والده وسمع منه وكان ذا كتابة حسنة، سلك سبيل الصوفية، ودفن برباط والده في الحلبة.
• الشيخ عبد الرزاق: وكان حافظا متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ورعا منقطعاً في منزله عن الناس، لايخرج إلا في الجمعات، توفي سنة 603 هـ، ودفن بباب الحرب في بغداد.
• الشيخ إبراهيم: تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى واسط في العراق، وتوفي بها سنة 592 هـ.
• الشيخ يحيى: وكان فقيها محدثا انتفع الناس به، ورحل إلى مصر ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها سنة 600 هـ، ودفن برباط والده في الحلبة.
• الشيخ موسى: تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى دمشق وحدّث فيها واستوطنها وعمر بها على يديه غير واحد من الفقهاء، ثم إنه رحل إلى مصر وعاد إلى دمشق وتوفي فيها وهو آخر من مات من أولاده.
سفره إلى بغداد
كان الشيخ الجيلاني قد نال قسطاً من علوم الشريعة في حداثة سنه على أيدي أفراد من أسرته، ولمتابعة طلبه للعلم رحل إلى بغداد ودخلها سنة 488ه-1095م في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمرالله أبو القاسم عبد الله العباسي. وبعد أن استقر الشيخ عبد القادر في بغداد انتسب إلى مدرسة (الشيخ أبو سعيد الُمُخَِرمي) التي كانت تقع في حارة باب الأزج، في أقصى الشرق من جانب الرصافة، وتسمى الآن محلة باب الشيخ.
وكان العهد الذي قدم فيه الشيخ الجيلاني إلى بغداد تسوده الفوضى شملت كافة أنحاء الدولة العباسية، حيث كان الصليبيون يهاجمون ثغور الشام، وقد تمكنوا من الاستيلاء على أنطاكية وبيت المقدس وقتلوا فيهما خلفا كيثرا من المسلمين ونهبوا أموال كثيرة. وكان السلطان التركي (بركياروق) قد زحف بجيش كبير يقصد بغداد
ليرغم الخليفة على عزل وزيره (ابن جهير) فاستنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي (محمد بن ملك شاه). ودارت بين السلطانين التركي والسلجوقي معارك عديدة كانت الحرب فيها سجالا، وكلما انتصر احدهما على الآخر كانت خطبة يوم الجمعة تعقد باسمه بعد اسم الخليفة.
وكانت فرقة الباطنية قد نشطت في مؤامراتها السرية واستطاعت أن تقضي على عدد كبير من أمراء المسلمين وقادتهم فجهز السلطان السلجوقي جيشا كبيرا سار به إلى إيران فحاصر (قلعة اصفهان) التي كانت مقرا لفرقة الباطنية وبعد حصار شديد استسلم اهل القلعة فاستولى عليها السلطان وقتل من فيها من المتمردين، وكان (صدقة بن مزيد) من امراء قبيلة بني اسد قد خرج بجيش من العرب والاكراد يريد الاستيلاء على بغداد فتصدى له السلطان السلجوقي بجيش كبير من السلاجقة فتغلب عليه. وكان المجرمين وغيرهم من العاطلين والاشقياء ينتهزون فرصة انشغال السلاطين بالقتال فيعبثون بالامن في المدن يقتلون الناس ويسلبون اموالهم فاذا عاد السلاطين من القتال انشغلوا بتأديب المجرمين.
وفي غمرة هذه الفوضى كان الشيخ عبد القادر يطلب العلم في بغداد، وتفقه على مجموعة من شيوخ الحنابلة ومن بينهم الشيخ أبوسعيد المُخَرِمي، فبرع في المذهب والخلاف والأصول وقرأ الأدب وسمع الحديث على أيدي كبار المحدثين. وقد أمض الشيخ من عمره ثلاثين عاما يدرس فيها علوم الشريعة أصولها وفروعها.
جلوسه للوعظ والتدريس
حينما أنس الشيخ أبو سعيد المُخَرِمي من تلميذه عبد القادر غزارة العلم ووفرة الصلاح عقد له مجالس الوعظ في مدرسته بباب الأزج في بداية 521 هـ، فصار يعظ فيها ثلاثة أيام من كل أسبوع، بكرة الأحد وبكرة الجمعة وعشية الثلاثاء. واستطاع الشيخ عبد القادر بالموعظة الحسنة أن يرد كثيرا من الحكام الظالمين عن ظلمهم وأن يرد كثيرا من الضالين عن ضلالتهم، حيث كان الوزراء والأمراء والأعيان يحضرون مجالسه، وكانت عامة الناس أشد تأثراً بوعظه، فقد تاب على يديه أكثر من مائة ألف من قطاع الطرق وأهل الشقاوة، وأسلم على يديه ما يزيد على خمسة الآف من اليهود والنصارى.
وكان الشيخ عبد القادر يتمتع بشخصية فذة ونفوذ روحي فكان يسيطر على قلوب المستمعين إلى وعظه ويستهوى نفوسهم في التلذذ بحديثه، حتى أنه استغرق مرة في كلامه وهو على كرسي الوعظ فانحلت طية من عمامته وهو لا يدري فألقى الحاضرون عمائهم وطواقيهم تقليداً له وهم لاشعرون.
وبعد أن توفي الشيخ أبي سعيد المبارك المخزومي فوضت مدرسته إلى خليفته الشيخ عبد القادر الجيلاني فجلس فيها للتدريس والفتوى، وكانت شخصيته الفذة وحبه للتعليم وصبره على المتعلمين جعلت طلاب العلم يقبلون على مدرسته إقبالا عظيما حتى ضاقت بهم فأضيف إليها ما جاورها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها وبذل الأغنياء أموالهم في عمارتهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم حتى تم بناؤها سنة 528هـ - 1133 م. وصارت منسوبة إليه.
وكان الشيخ عبد القادر عالما متبصرا يتكلم في ثلاثة عشر علما من علوم اللغة والشريعة، حيث كان الطلاب يقرأون عليه في مدرسته دروسا من التفسير والحد يث والمذهب والخلاف والاصول واللغة، وكان يقرأ القرآن بالقراءات وكان يفتي على مذهب الامام الشافعي والامام أحمد بن حنبل.
ويقول الباحث جمال الدين فالح الكيلاني في كتابه الامام عبد القادر الجيلاني تفسير جديد: إن الشيخ عبد القادر تلميذ الإمام الغزالي وله دور كبير في إعداد جيل صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس الشريف.
مؤلفات الشيخ
صنف الشيخ عبد القادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصور، منها:
• إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين.
• أوراد الجيلاني.
• آداب السلوك والتوصل إلى منازل السلوك.
• تحفة المتقين وسبيل العارفين.
• جلاء الخاطر في الباطن والظاهر.
• حزب الرجاء والانتهاء.
• الحزب الكبير.
• دعاء البسملة.
• الرسالة الغوثية: موجود منها نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد.
• رسالة في الأسماء العظيمة للطريق إلى الله.
• الغُنية لطالبي طريق الحق: وهو من أشهر كتب الشيخ في الأخلاق والآداب الإسلامية وهو جزءان.
• الفتح الرباني والفيض الرحماني: وهو من كتب الشيخ المشهورة وهو عبارة عن مجالس للشيوخ في الوعظ والإرشاد.
• فتوح الغيب: وهو عبارة عن مقالات للشيخ في العقائدوالإرشاد ويتألف من 78 مقالة.
• الفيوضات الربانية: وهكذا الكتاب ليس للشيخ ولكنة يحتوي الكثير من أوراد وأدعية وأحزاب للشيخ.
• معراج لطيف المعاني.
• يواقيت الحكم.
• سر الأسرار في التصوف: وهو كتاب معروف وتوجد نسخة منه في المكتبة القادرية ببغداد وفي مكتبة جامعة إسطنبول.
• الطريق إلى الله: كتاب عن الخلوة والبيعة والأسماء السبعة.
• رسائل الشيخ عبد القادر: 15 رسالة بالفارسية يوجد نسخة في مكتبة جامعة إسطنبول.
• المواهب الرحمانية: ذكره صاحب روضات الجنات.
• حزب عبد القادر الجيلاني: مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة الأوقاف ببغداد.
• تنبيه الغبي إلى رؤية النبي: نسخة مخطوطة بمكتبة الفاتيكان بروما.
• الرد على الرافضة: منسوب له وهو لمحمد بن وهب نسخة مخطوطة في المكتبة القادرية ببغداد.
• وصايا الشيخ عبد القادر: موجود في مكتبة فيض الله الشيخ مراد تحت رقم 251.
• بهجة الأسرار: مواعظ للشيخ جمعها الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف اللقمي وقام بتحقيقه الباحث جمال الدين فالح الكيلاني.
• تفسير القران الكريم: في مكتبة الشيخ رشيد كرامي في طرابلس الشام ويقول الشيخ عفيف الدين الجيلاني أنه مطبوع في تركيا.
• الدلائل القادرية.
• الحديقة المصطفوية: مطبوعة بالفارسية والأردية.
• الحجة البيضاء.
• عمدة الصالحين في ترجمة غنية الصالحين.
• بشائر الخيرات.
• ورد الشيخ عبد القادر الجيلاني.
• كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة.
• المختصر في علم الدين.
• مجموعة خطب.
قال العلماء عنه
• قال الإمام النووي : ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبد القادر الجيلي رضي الله عنه, كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد
•
• وانتهت إليه رياسة العلم في وقته, وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة, وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء رضي الله عنهم بالتبجيل والإعظام, والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه, وأُهرع إليه أهل السلوك - التصوف - من كل فج عميق. وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة, مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت. وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه .
• قال الإمام العز بن عبد السلام : إنه لم تتواتر كرامات أحد من المشايخ إلا الشيخ عبد القادر فإن كراماته نقلت بالتواتر.
• قال الذهبي : الشيخ عبد القادر الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف القدوة شيخ الإسلام علم الأولياء محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي الحنبلي شيخ بغداد ..
• قال أبو أسعد عبد الكريم السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره فقيه صالح، كثير الذكر دائم الفكر, وهو شديد الخشية, مجاب الدعوة، أقرب الناس للحق، ولا يرد سائلا ولو بأحد ثوبيه.
• قال الإمام ابن حجر العسقلاني : كان الشيخ عبد القادر متمسكاً بقوانين الشريعة, يدعو إليها وينفر عن مخالفتها ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة ومزج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالبا كالأزواج والأولاد, ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره لأنها صفة صاحب الشريعة صلى الله علية وسلم .
• قال ابن قدامة المقدسي: دخلنا بغداد سنة إحدى وستين وخمسمائة فإذا الشيخ عبد القادر بها انتهت إليه بها علما وعملا وحالا واستفتاء, وكان يكفي طالب العلم عن قصد غيره من كثرة ما اجتمع فيه من العلوم والصبر على المشتغلين وسعة الصدر. كان ملئ العين وجمع الله فيه أوصافاً جميلة وأحوالاً عزيزة, وما رأيت بعده مثله ولم أسمع عن أحد يحكي من الكرامات أكثر مما يحكى عنه, ولا رأيت احداً يعظمه الناس من أجل الدين أكثر منه.
• قال ابن رجب الحنبلي : عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي, الزاهد شيخ العصر وقدوة العارفين وسلطان المشايخ وسيد أهل الطريقة, محيي الدين ظهر للناس, وحصل له القبول التام, وانتصر أهل السنة الشريفة بظهوره, وانخذل أهل البدع والأهواء, واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته, وجاءته الفتاوى من سائر الأقطار, وهابه الخلفاء والوزراء والملوك فمن دونهم .
• قال الحافظ ابن كثير : الشيخ عبد القادر الجيلي، كان فيه تزهد كثير وله أحوال صالحة ومكاشفات.
• قال الإمام اليافعي : قطب الأولياء الكرام، شيخ المسلين والإسلام ركن الشريعة وعلم الطريقة, شيخ الشيوخ, قدوة الأولياء العارفين الأكابر أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي قدس سره ونور ضريحه, تحلى رضي الله عنه بحلي العلوم الشرعية وتجمل بتيجان الفنون الدينية, وتزود بأحسن الآداب وأشرف الأخلاق, قام بنص الكتاب والسنة خطيبا على الأشهاد, ودعا الخلق إلى الله سبحانه وتعالى فأسرعوا إلى الانقياد, وأبرز جواهر التوحيد من بحار علوم تلاطمت أمواجها, وأبرأ النفوس من أسقامها وشفى الخواطر من أوهامها وكم رد إلى الله عاصياً, تتلمذ له خلق كثير من الفقهاء.
• قال الإمام الشعراني : طريقته التوحيد وصفاً وحكما وحالا وتحقيقه الشرع ظاهرا وباطناً.
• قال الإمام أحمد الرفاعي : الشيخ عبد القادر من يستطيع وصف مناقبه, ومن يبلغ مبلغة, ذاك رجل بحر الشريعة عن يمينه, وبحر الحقيقة عن يساره من أيهما شاء اقترف, لا ثاني له في وقتنا هذا.
• قال الشيخ بقا بن بطو : كانت قوة الشيخ عبد القادر الجيلاني في طريقته إلى ربة كقوى جميع أهل الطريق شدة ولزوما وكانت طريقته التوحيد وصفا وحكما وحالاً.
• قال ابن السمعاني عنه: إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح، ديِّن خيِّر، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة.
• قال عنه محيي الدين ابن عربي: وبلغني أن عبد القادر الجيلي كان عدلاً قطب وقته.
• قال الشيخ ابن تيمية: والشيخ عبد القادر ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع، والأمر والنهي، وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشائخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية.
وفاته
استمر الشيخ عبد القادر مثابرا في دعوته إلى الله تعالى وجهاده في سبيله، حتى وافاه الأجل ليلة السبت العاشر من ربيع الآخر سنة 561هـ، فرغ من تجهيزه ليلا وصلي عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا، وبلغ تسعين سنة من عمره.
عتبه بن ربيعه
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر هو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، العبشمي القرشي.
منزلته
سيد من سادات قريش، عرف برجاحة عقله فنصح قريشا أن يسلموا بالنبي محمد أو يخلوا بينه وبين القبائل بعد أن اجتمع بالرسول وسمع منه ونعته الرسول بقوله أبا الوليد اكبارا له. أسلم ابنه أبو حذيفة بن عتبة، نصح قريش بواسطة حكيم بن حزام بعدم القتال في بدر لكن أبا جهل أبى. خرج للمبارزه في بدر مع عبيدة بن الحارث وكانا مسنين فقطع رجل عبيدة ومات وهو عائد من بدر، أما عتبه فقد أجهز عليه حمزة وعلي، وجد في ابنه أبو حذيفه حزن وهو من المسلمين عندما وجد أباه قتيلا، فسأله الرسول عن ذلك فقال: لأنك تعرف رجاحة عقل أبي فكنت أتمنى أن يموت مسلما وهو ما أقره الرسول. كان أهل مكة لما قدموا ماء بدر قال الرسول محمد : إن يكن في القوم خير فعلى صاحب الجمل الأحمر، يقصد عتبة وقد كان آوى الرسول في بستانه إذ طرده أهل الطائف، أسلمت ابنته هند مع زوجها أبو سفيان يوم فتح مكة.
موقفه مع محمد
في المسجد الحرام حيث كان محمد يجلس بمفرده ذهب عتبة، وجلس معه وبدأ حواره، ولأنه كان ذكيًّا فقد بدأ عتبة بن ربيعة الكلام وقد رتبه ونظمه، ونوّع فيه بين الإغراء والتهديد، وبين مخاطبة العقل ومناجاة القلب. ولا غرو فهو كما يقولون كان من الحكماء، ابتدأ عتبة كلامه يرفع من قدره بقصد إحراجه نفسيًّا قائلاً: يا ابن أخي، إنك منّا حيث قد علمت من السِّطَة -أي المنزلة- في العشيرة والمكان في النسب. ثم أتبع ذلك بالتلويح بما يعتبره جرائم ضخمة، لا يجب في رأيه أن تأتي من هذا الإنسان رفيع القدر قائلاً: إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم. يريد وبمنتهى الوضوح أنك متهم بزعزعة نظام الحكم في مكة، فما لك أنت والدين؟! دع الدين لأهل الدين، كان عليك أن تدعه للكهّان ومن يخدم الأصنام، أنت قد أقدمت على هذا العمل، وقد تسبب عنه لقومك كذا وكذا وكذا، وقد يكون ما أقدمت عليه هذا مجرد خطأ غير مقصود، ومن ثَمَّ -ولمنزلتك عندنا- سنعرض عليك أمورًا فاختر منها ما شئت. بهذه الطريقة يريد عتبة أن يخبر رسول الله أن هذه الاقتراحات التي سنطرحها عليك ليست مجرد اقتراحات مغرية فقط، بل إن مجرد رفض هذه الاقتراحات معناه توجيه وإثبات التهم الخطيرة عليك، والتي عقابها أنت تعلمه ولن أذكره لك. كان محمد يتفهم مثل هذا الأسلوب جيدًا، وكان يعلم أن هذه مساومة على الدين، فقال له مناديًا إياه بكنيته وبأحب الأسماء إليه: "قل يا أبا الوليد". يريد محمد أن يستوعب عتبة بن ربيعة، ويريد أن يعطيه فرصة للحديث حتى يعطيه بعد ذلك بدوره فرصة للسماع، قال عتبة يعرض لأمور غاية في الإغراء لأهل الدنيا:
يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً. وإن كنت تريد به شرفًا سَوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رِئْيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه. وكان عتبة يقدم هذه العروض وهو يرى أنه يقدم أكبر تنازل قد حدث في تاريخ مكة كلها.
لم يقاطع محمد عتبة مرة واحدة، وقد تركه حتى فرغ تمامًا من حديثه، وبعد أن انتهى من حديثه قال له: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟". أجابه عتبة: نعم. وهنا قال له محمد : "فاسمعْ مني". قال عتبة: أفعل. ولم يكن عتبة ليستطيع أن يرفض السماع، فكان مضطرًّا لأن يسمع حتى وإن كان على غير مراده، وفي محاولة جادة لتطويع الهدف بدأ محمد في الحديث، فلم يتكلم بكلامه هو، إنما تكلم بكلام الله، تكلم بالقرآن، فقرأ سورة فصلت:
بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}. واكمل {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. ثم يرتفع التحذير والتهديد فيبلغ أقصاه حين قرأ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.
رجوعه إلى قومه
لم يتمالك عتبة نفسه عن عدم السماع، وقد أخذ به الرعب والهلع كل مأخذ، وكاد قلبه ينخلع، وشعر وكأن صاعقة ستنزل عليه في لحظة أو في لحظات، وفي حالة نسي فيها أمر عدائه، ونسي أمر المفاوضات، بل نسي مكانته وهيبته، قام فزعًا وقد وضع يده على فم محمد وهو يقول: أنشدك الله والرحم، أنشدك الله والرحم. ومن فوره قام عتبة يجرُّ ثوبه يتبعثر فيه مهرولاً إلى قومه، لا ينظر خلفه، عيناه زائغتان، أنفاسه متقطعة، حتى دخل على زعماء قريش.
قال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. وحين جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟!
بدأ أبو الوليد عتبة يحكي تجربته، بدأ يتحدث وكأنه أحد الدعاة للإسلام فقال: ورائي أني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قَطُّ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت منه نبأٌ عظيمٌ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. وفي ذهول تام ردوا عليه وقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. فأجابهم برأيه متمسكًا: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
مُساهمة طارق فتحي في الأحد 26 يناير 2014 - 11:02
قائد ثورة الزنج
وكان قائد هذه الثوره هو علي ابن محمد ابن أحمد ابن علي ابن عيسى ابن زيد ابن علي ابن الحسين ابن علي ابن ابي طالب عليهم السلام شاعرا وعالما كان يمارس في سامراء تعليم النحو والخط والنجوم وكان واحدا من المقربين إلى الخليفه المنتصر بالله العباسي ولما قتل الاتراك المنتصر بالسم ومارسوا الاعتقال والسجن والنفي والاضطهاد لحاشيته كان علي ُابن محمد هذا من بين المعتقلين، ثم حدث تمرد من فرقة الجند الشاكريه ببغداد يؤازرهم عامة الناس دخلت بغداد معها في فوضى عارمه واختفت الجيوش والشرطه من الشوارع، فأقتحم المتمردون السجون وأطلقوا سراح من فيها ومنهم بالطبع علي ابن محمد، ليشعلَ ثورة ًا قضت مضجعَ العباسيين إلى أقصى مدى.
غادر علي ابن محمد بغداد إلى سامراء ومنها إلى البحرين حيث دعا إلى الثورة ضد الدوله العباسيه الواقعة تحت سيطرة الجند الاتراك ,بالرغم من اشتهار هذه الثوره بثورة الزنج الا انها لم تكن ثورة ًعنصرية ًللزنج وحد ِهم ولم تقف اهدافُها عند تحرير العبيد أو تحسين ظروف عملهم, فقائد هذه الثوره عربي حر علوي رغم تشكيك خصومه في صحة نسبه العلوي كما كانت الحكومة تفعل دائما في مثل هكذا مواقف، وأغلبُ قوادها كانوا عربا كذلك مثل علي ابن ابان المهلبي وسليمان ابن موسى الشعرواني وسليمان ابن جامع وأحمد ابن مهدي الجبائي ويحيى ابن محمد البحراني ومحمد ابن سمعان وغيرهم الكثير وعلى امتداد السنوات السبع الأولى من عمر الثوره الممتده من سنة مئتين وتسع واربعين للهجره إلى سنة مئتين وست وخمسين للهجره كان قادتها ومحيطها وجمهورها عربيا خالصا فهي قد بدأت في مدينة هجر أهم مدن البحرين ثم في بادية البحرين وسط عربها ثم في الاحساء بين احياء بني تميم وبني سعد وفي هذا المحيط العربي قامت سلطة ُهذه الثوره ودولتـُها وحدثت الحروب بينها وبين جيوش الدوله العباسيه، ويصف الطبري سلطة علي ابن محمد في هذا المحيط العربي فيقول لقد أحله اهلُ البحرين من أنفسهم محل النبي حتى جبي له الخراج هناك ونفذ حكمُه بينهم وقاتلوا أسباب السلطان بسببه
وفي موقعة الردم في البحريناحرز العباسيون انتصارا مؤثرا على الثوره فأنسحب علي ابن محمد إلى البصره ونزل هناك بين عرب بني ضبيعه من نزار ابن معن ابن عدنان فدعاهم للثوره فتبعوه وكان عددٌ منهم من قادة ثورته وجيشه ولما طردته الدوله والقت القبض على أغلب انصاره ووضعتهم في السجون مع ابنه الأكبر وابنته وزوجته غادر على ابن محمد إلى بغداد متخفيا واقام بها عاما كاملا دون أن يشعر به أحد
في سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره حدثت في البصرة فتنة بين طائفتين من جندها الجند البلاليه والجند السعديه واسفرت هذه الفتنه عن اضطراب عارم وغياب للنظام تمخض عنها كسر السجون وأطلق سراحُ المعتقلين ومنهم اهلُ وانصارُ على ابن محمد فغادر بغداد ووصل إلى ضواحي البصره ليواصل ثورته من جديد متطلعا لتجاوز اخفاقاته السابقه وهنا بدأ أول انعطاف للثوره نحو الزنج أي بعد قرابة ِسبع ِسنوات من اندلاعها
كانت البصره أهم المدن في جنوب العراق وكان جنوب العراق مشحون بالرقيق والعمال الفقراء الذين يعملون في مجاري المياه ومصابها ويقومون بكسح السباخ والأملاح وذلك تنقية للأرض وتطهيرا لها كي تصبح صالحة للزراعه وكانوا ينهضون بعملهم الشاق هذا في ظروف عمل قاسيه وغير إنسانية للغايه تحت اشراف وكلاء غلاظ قساة عديميي الرحمه ولحساب ملاك الأرض من اشراف العرب ودهاقنة الفرس الوافدين كليهما على العراق ,اما العبيد فكانوا مجلوبين من أفريقيا السوداء زنوجا واحباشا ونوبيين وقرماطيون إضافة إلى فقراء العرب العراقيين والذي كان يطلق عليهم في ذلك الوقت تسمية الفراتيين
شرع علي ابن محمد الثائر العلوي الجديد يدرس أحوال هؤلاء البائسين من فقراء وعبيد ويسعى لضمهم لثورته كي يحررَهم ويحاربَ بهم الطبقه الارستقراطيه التي تضطهدهم بمعونة الدوله العباسيه وعلى راسها الخليفه الحاكم باسم الدين في العاصمه سامراء انذاك فكان أول زنجي ينظم اليه هو ريحانُ ابنُ صالح الذي أصبح من قادة الحرب والثوره
اخذ الثائر العلوي علي ابنُ محمد يتنقل مع قادته بين مواقع عمل الرقيق والفراتيين فقراء العراق يدعوهم إلى ترك أماكنهم وترك الخضوع لسادتهم والانضمام إلى معسكره في ضواحي البصره للخلاص من واقعهم البائس واعدا اياهم بحياة أفضل فيما لو انتهت اليه ازمة ُالامور فأستجابت لدعوته مجاميعُ غفيرة منهم، ولقد فشل وكلاء الملاك في الحيلولة بين الرقيق المضطهد وعلي ابن محمد العلوي فكان الاسياد يحبسون رقيقهم في بيوت ويسدون عليهم الأبواب والنوافذ بالطين، ولكن بالرغم من كل هذا كان العبيد يتقاطرون على المعسكر العلوي بشكل مستمر، ويصف ابنُ خلدون إقبالَ الزنج على الثوره وزحفـَهم للقاء قائدها فيقول : لقد تسايل اليه الزنجُ واتبعوه. اعلن الثائر العلوي علي ابن محمد أن هدفه بالنسبة للزنج والفراتيين فقراء العراق هو : تحريرُ الرقيق من العبوديه وتحويلُهم إلى سادة لأنفسهم وأعطاؤهم حق َامتلاك الضياع والاموال بل ومناهم بأمتلاك َسادتِهم سادة الامس الذين كانوا يسترقونهم وجعلِهم عبيدا عندهم ووعدهم أيضا بضمان مساواتهم في ثورته ودولته التي تعمل من اجل ضمان ٍاجتماعي هو اقرب إلى النظم الجماعيه التي يتكافل فيها ويتضامن مجموع المجتمع.نظام سياسي يرفض الخلافه الوراثيه لبني العباس والتي أصبحت اسيرة ًبيد قادة الجند الاتراك، ويُقدم بدلا منها دولة َالثوره التي أصبح فيها الثائرُ العلوي علي ابنُ محمد اميرا للمؤمنين ,. استطاعت الثوره ان تكتسب أكثر فأكثر ثقة َجماهير الزنج والفراتيين فقراء العراق الذين بدورهم كانوا اشبه مايكونون بالرقيق وبالذات في ظروف العمل وشروطه، وخاصة بعدما رفض قائدُ الثوره مطالبَ الاشراف والدهاقين والوكلاء بأن يردَ عليهم عبيدَهم لقاء خمسة ِدنانير عن كل رأس، لقد رفض الثائر العلوي علي ابن محمد هذا العرض، بل وعاقب هؤلاء السادة الذين قدّموا العرض، فطلب من كل جماعة من الزنج ان يجلدوا سادتـَهم ووكلائَهم القدامى. وزاد من اطمئنان الزنج إلى الثوره ما أعلنه قائدُها بأنه لم يَثُرْ الا لرفع المظلومية ِعنهم، وعاهدهم على ان يكون في الحرب بينهم بقوله :اشرككم فيها بيدي واخاطر معكم فيها بنفسي، بل قال لهم ليُحط ْ بي جماعة ٌمنكم فإن احسوا مني غدرا فتكوا بي. وبهذه الثقه تكاثر الزنجُ في صفوف الثوره وفي كتائب جيشها بل وانضمت إليها الوحدات الزنجيه من جيش الدوله العباسيه في كل موطن من المواطن التي التقى فيها الجيشان.حتى سميت لذلك بثورة الزنج، واشتهرت بهذا الاسم في مصادر التاريخ. في عشرات المعارك التي وقعت بين جيوش الزنج وجيوش الدوله العباسيه كان النصر غالبا للزنج فيها، وتأسست كثمرة لهذه الانتصارات دولة ٌللثوره اقامت فيها سلطتـَها وطبقت فيها اهدافها، ونفذ فيها سلطانُ الثائر العلوي علي ابن محمد. ولقد بلغت دولة ُالثوره هذه درجة ًمن القوه فاقت بها كلَ ماعرفته الخلافه العباسيه قبلها من اخطار وثورات. والمؤرخون الذين كانت عندهم ان الدنيا كانت هي الامبراطوريه العباسيه قالوا ان الزنج قد اقتسموا الدنيا مع بني العباس واجتمع اليه من الناس ما لاينتهي العدُ والحصرُ اليه وكان عمال الدوله الثائره يجمعون لعلي ابن محمد الخراج على عادة السلطان حتى لقد خيف على ملك بني العباس ان يذهب وينقرض. أقام الثوارُ لدولتهم عاصمة ًسموها المختاره انشأوها إنشاءا في منطقة تتخللها فروعُ الأنهار كما أنشؤوا عدة َمدن أخرى وضمت دولتـُهم مدنا وقرى ومناطقَ كثيره ضمت البحرين والبصره والأبله والاهواز وواسط والقادسيه وجنبلاء والنعمانيه والمنصوره ورام هرمز والمنيعه والمذار وتستر وخوزستان وعبادان وأغلبَ سواد العراق
القت الخلافه العباسيه بكل ثقلها في المعركه ضد الثوره، وكرست كل إمكاناتها للجيش والقتال، وبعد أن عهد الخليفه المعتمد العباسي بالقياده الميدانيه إلى اخيه الموفق، تحول قائد الجيش إلى خليفة حقيقي وتحولت المدينة التي بناها تجاه عاصمة الثوار والتي سماها الموفقيه إلى العاصمه الحقيقيه للدوله ويأتي إلى بيت مالها كلُ خراج البلاد لدعم المجهود الحربي في اخماد ثورة الزنج، وتصدر منها الاوامر إلى كل الولاة والعمال في سائر ارجاء الخلافه في أن يقدّموا كلَ مايستطيعونه لاسناد جيش العباسين في قتاله, الامر الذي اوغر صدر الخليفه المعتمد حتى لقد حاول الفرار من سامراء إلى مصر ليدخل في حماية الطولونيين ,فألقي القبض عليه بنواحي الموصل واعادوه إلى سامراء شبه سجين.
في سنة مئتين وثمان وستين للهجره باشرت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق بهجوم واسع على المختاره عاصمة الزنج وهي مدينة محصنة غاية التحصين وفرق قواده على جهاتها وجعل مع كل طائفة نقابين لهدم السور وتقدم إلى الرماة أن يحموا بالسهام من يهدم السور وينقبه فوصلوا إلى السور وثلموه في مواضع كثيرة. ودخل أصحابُ الموفق من جميع تلك الثغرات وتوغلوا داخل المدينة فخرج الكمناءُ من خلف الجيوش العباسيه وحدثت واحدةٌ من اعنف المعارك قتل فيها معظمُ الجيش العباسي الذي دخل مدينة المختاره فيما لاذ بالفرار من استطاع الافلاتَ من سيوفِ ِالزنج عبر نهر دجله.
في الخامس والعشرين من سنة مئتين وتسع وستين للهجره تقدمت الجيوش العباسيه بقيادة الموفق نفسِه لهدم سور المختاره مرة أخرى وقاتل الفريقان أشد قتال رأه الناس فبينما هم كذلك وصل سهم إلى الموفق فأصابه في صدره فاضطرب عسكر العباسين وخافوا, وتسرب كثير من جيوشهم تاركين ساحة المعركه, فأشار عليه أصحابه بأن يعود إلى بغداد ويخلف من يقوم مقامه فأبى ذلك ,ولكنه احتجب عن الناس.
في يوم الأحد العشرين من شعبان سنة مئتين وتسع وستين للهجره بكر الموفق بعد أن برأ من علته إلى القتال وأمر أبو حمزه نصير صاحب الزوارق لقصد قنطرة كان الزنج قدعملوها في نهر أبي الخصيب فدخلت زوارق العباسيين نهر أبي الخصيب في أول المد فحملها الماء وألصقها بالقنطرة فأجتمع الزنج على جانبي النهر ورموا الزوراق بكل معداتهم رميا كثيفا فأهلكوا من فيها ومن بينهم بالطبع صاحب زوارق الموفق أبو حمزه نصير
كانت مصر قد استقلت عن الخلافه العباسيه تحت حكم أحمد ابن طولون وكان لها جيش قوي في الشام يقوده المملوك لؤلؤ غلام ابن ِطولون كاتب لؤلؤ الموفق العباسي واشترط عليه شروطا لنفسه فأجابه الموفق إلى كل ماطلب فخان سيده بعد أن اغراه الموفق العباسي، وانظم إلى جيش الدوله العباسيه المحتشد لقتال الثوار فوصل في الثالث من محرم من سنة مئتين وتسع وستين للهجره. انظم الجيش الطولوني العظيم إلى جيش العباسيين بقيادة أخي الخليفه الموفق العباسي فأكرمه وانزله وخلع عليه وعلى اصحابه واحسن اليهم وامر لهم بالارزاق على قدر مراتبهم ثم تقدم إلى لؤلؤ بالتأهب إلى قتال الزنج وكان الموفق قد عطل القتال لحين قدوم لؤلؤ وليستريح الجيش الذي تملكه التعب والكلل فشرع في محاربتهم بفريق بعد فريق من اصحاب لؤلؤ ليتمرنوا على قتالهم وليقفوا على المسالك والطرق في ساحات القتال التي لم يعهدهوها من قبل.فرأى الموفق من شجاعة لؤلؤ واقدامه وشجاعة اصحابه ماسره للغايه
كان الزنج لما غلبوا على نهر أبي الخصيب وقطعت القناطر والجسور التي عليه أحدثوا تضييقا في النهر وجانبيه وجعلوا في وسط النهر بابًا ضيقًا لتحتد جرية الماء فيه فتمتنع الزوارق من دخوله في الجزر. ويتعذر خروجُها منه في المد ,فرأى الموفق أن تقدمَهم لايتم إلا بقلع هذا التضييق فشرع في محاربتهم.
ألح الموفق على اقتلاع المضيق وكان يحارب المحامين عليه بأصحابه وبأصحاب لؤلؤ وغيرهم والفعلة يعملون في قلعة فأوقع بالزنج وقيعة مؤلمه فقتل المحامين على المضيق عن آخرهم ولم يسلم منهم إلا الشريد فأخذوا من أسلحتهم ما لم يستطيعوا حمله، وتقدمت سفن وزوارق الجيش العباسي.وفرق العساكر من جميع جهاته وامر الجندَ بالجد في القتال وأمر الناس أن لا يزحف أحد حتى يرى حركة العلم الأسود الذي نصبه على دار اقامته. وحتى ينفخ في بوق بعيد الصوت.
في يوم الاثنين السابع والعشرين من محرم سنة مئتين وسبعين للهجره زحفت الجيوش العباسيه والطولونيه جميعا ومن كل الجهات نحو المختاره عاصمة الزنج والتقى الفريقان في معركة حاميه سقط فيها آلاف القتلى من الجانبين، استبسل الزنج فيها غاية الاستبسال وأخيرا تمكنوا من صد الجيش العباسي وارجاعه إلى مواقعه.
أمر الموفق العباسي بتحريك العلم الأسود مرة أخرى والنفخ في البوق فزحف الناس في البر والماء يتلو بعضُهم بعضا فلقيهم الزنج واشتد القتال وقتل من الفريقين جمع كثير والح الجيش العباسي الحاحا شديد في التقدم ,فانهزم الزنج وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون فقتل منهم ما لا يحصى عددا وغرق منهم مثل ذلك وحوى الموفق المدينة بأسرها فغمنها أصحابه واستنقذوا من كان بقي من الأسرى وظفروا بجميع عيال علي بن أبان المهلبي وبأخويه: الخليل ومحمد وأولادهما وعبر بهم إلى المدينة الموفقية.
مضى الثائر العلوي قائد ثورة الزنج علي ابن محمد في أصحابه ومعه ابنه انكلاي وسليمان بن جامع وقواد من الزنج وغيرهم إلى الخط الثاني الذي كان معدا كمصد في حال تقدم الجيش العباسي من جهتها اشتغلت جيوش الخلافه بالنهب والإحراق وانصرفوا إلى سفنهم بما قد حووا من غنائم واسلاب.وكان معظم القتال في هذا اليوم للجيوش الطولونيه بقيادة لؤلؤ. في يوم السبت الثاني من صفر وبعد ثلاثة ايام من الاستراحه امر الموفق جيوشَه بالمسير لقتال الزنج مرة أخرى وطاف عليهم هو بنفسه يعرف كلَ قائد مركزَه والمكانَ الذي يقصده فعبر بالناس وأمر برد السفن إلى الضفة الأخرى من نهر دجله حتى لايفكر الجندُ بالهزيمه . والتقى الجيشان مرة أخرى وبعد قتال ضار انهزم الزنج وتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض وتبعهم أصحاب الموفق يقتلون ويأسرون من لحقوا منهم، أسر في هذه المعركه ابرز قواد ثورة الزنج سليمان بن جامع وإبراهيم بن جعفر الهمداني ودرمويه الزنجي, وانتهى الموفق إلى آخر نهر أبي الخصيب وكانت جيوشه قد اعملت سيوفها في رجال مدينة المختاره عاصمة الزنج لتقتل مقتلة عظيمه منهم حتى غطت الجثثُ وجه الأرض لترسم صورة مروعه ينقلها لنا التأريخ لواحده من اعنف الصرعات التي شهدتها أرض العراق في ذلك الزمان, وفي مساء ذلك اليوم تتقاطر اعضاء جسد الثائر العلوي قائد ثورة الزنج إلى حيث مكان الموفق العباسي كلُ عضو بيد واحد من الجند ليتبعها راسه أخيرا
استمرت الحربُ بين دولة الثوره هذه وبين الخلافه العباسيه لأكثر من عشرين عاما بلغ العنف فيها من الجانبين حدا لم يسبق له مثيل، حتى ليقول المؤرخون الذين يتواضعون بأرقام القتلى في هذا الصراع بأنهم بلغوا نصفَ مليون قتيل. وهكذا انطوت صفحة دمويه أخرى من صفحات التأريخ
الإمام عبد القادر الجيلاني
ولد الامام عبد القادر الجيلاني في جيلان من اعمال العراق سنة (470هـ) وتوفي سنة ( 561هـ ) ويوجد له ضريح في بغداد العاصمة . ويعتبر الشيخ عبد القادر الكيلاني منشيء الطريقة القادرية الصوفية في العراق ومنها تفرعت الى باقي الدول الاسلامية العربية وغير العربية . هذا وكان يلقب باقلب عدة منها شيخ الشيوخ , ومحي الدين , شيخ الاسلام , الامام الصوفي الفقيه , وتاج العارفين .
نسب الشيخ
هو أبو صالح السيد محي الدين عبد القادر الجيلاني بن السيد أبي صالح موسى بن السيد عبد الله بن السيد يحيى الزاهد بن السيد محمد بن السيد داود بن السيد موسى الثاني بن السيد عبد الله أبي المكارم بن السيد موسى الجون بن السيد عبد الله المحض بن السيد الحسن المثنى بن السيد الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زوج السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. فبينه وبين فاطمة الزهراء أحد عشر أبا.
مولد ونشأته
ولد الشيخ عبد القادر الجيلاني وهي قصبة من جيلان سنة 470هـ-1077م (تقرأ بالجيم العربية كما تقرأ بالجيم المصرية فيقال لها جيلان أو كيلان)، وهي اسم لقرى كثيرة قرب خانقين، ليست كبيرة وانما هي قرى ومروج. وهي قربة عراقية على حد قول الدكتور مصطفى جواد والدكتورحسين علي محفوظ
وقد نشأ الشيخ عبد القادر في أسرة كريمة جمعت شرف التقوى، فقد كان والده أبو صالح موسى على جانب كبير من الزهد وكان شعاره مجاهدة النفس وتزكيتها بالأعمال الصالحة ولذا كان لقبه محب الجهاد. وكانت للشيخ موسى أخت صالحة اسمها عائشة، كان الناس يستسقون بها إذا حبس عنهم المطر، وكان جده عبد الله بن يحى الزاهد من أهل الإرشاد.
أولاده
كان الشيخ عبد القادر قد أنجب عددا كبيرا من الأولاد، وقد عنى بتربيتهم وتهذيبهم، وتخرجوا على يديه في العلم وكان معظمهم من أكابر الفقهاء والمحدثين، واشتهر منهم ثمانية:
• الشيخ عبد الوهاب: وقد وكان في طليعة أولاده، والذي درس بمدرسة والده في حياته نيابة عنه، وبعد والده وعظ وأفتى وتخرج عليه جماعة من الفقهاء
•
• وكان عالما كبيرا حسن الكلام في مسائل الخلاف له لسان فصيح في الوعظ وكان ظريفا لطيفا، ذا دعابة وكياس، ة وكانت له مروءة وسخاء، وقد جعله الإمام الناصر لدين الله على المظالم فكان يوصل حوائج الناس اليه، وقد توفي سنة 573 هـ ودفن في رباط والده في الحلبة.
• الشيخ عيسى: الذي وعظ وأفتى وصنف مصنفات منها كتاب (جواهر الأسرار ولطائف الأنوار) في علم الصوفية، قدم مصر وحدث فيها ووعظ وتخرج به من أهلها غير قليل من الفقهاء، وتوفي فيها سنة 573 هـ.
• الشيخ عبد العزيز: وكان عالما متواضعا، وعظ ودرس، وخرج على يديه كثير من العلماء، وكان قد غزا الصليبين في عسقلان وزار القدس الشريف ورحل جبال الحيال وتوفي فيها سنة 602 هـ، وقبره في مدينة (عقره) من أقضية لواء الموصل في العراق.
• الشيخ عبد الجبار: تفقه على والده وسمع منه وكان ذا كتابة حسنة، سلك سبيل الصوفية، ودفن برباط والده في الحلبة.
• الشيخ عبد الرزاق: وكان حافظا متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ورعا منقطعاً في منزله عن الناس، لايخرج إلا في الجمعات، توفي سنة 603 هـ، ودفن بباب الحرب في بغداد.
• الشيخ إبراهيم: تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى واسط في العراق، وتوفي بها سنة 592 هـ.
• الشيخ يحيى: وكان فقيها محدثا انتفع الناس به، ورحل إلى مصر ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها سنة 600 هـ، ودفن برباط والده في الحلبة.
• الشيخ موسى: تفقه على والده وسمع منه ورحل إلى دمشق وحدّث فيها واستوطنها وعمر بها على يديه غير واحد من الفقهاء، ثم إنه رحل إلى مصر وعاد إلى دمشق وتوفي فيها وهو آخر من مات من أولاده.
سفره إلى بغداد
كان الشيخ الجيلاني قد نال قسطاً من علوم الشريعة في حداثة سنه على أيدي أفراد من أسرته، ولمتابعة طلبه للعلم رحل إلى بغداد ودخلها سنة 488ه-1095م في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بأمرالله أبو القاسم عبد الله العباسي. وبعد أن استقر الشيخ عبد القادر في بغداد انتسب إلى مدرسة (الشيخ أبو سعيد الُمُخَِرمي) التي كانت تقع في حارة باب الأزج، في أقصى الشرق من جانب الرصافة، وتسمى الآن محلة باب الشيخ.
وكان العهد الذي قدم فيه الشيخ الجيلاني إلى بغداد تسوده الفوضى شملت كافة أنحاء الدولة العباسية، حيث كان الصليبيون يهاجمون ثغور الشام، وقد تمكنوا من الاستيلاء على أنطاكية وبيت المقدس وقتلوا فيهما خلفا كيثرا من المسلمين ونهبوا أموال كثيرة. وكان السلطان التركي (بركياروق) قد زحف بجيش كبير يقصد بغداد
ليرغم الخليفة على عزل وزيره (ابن جهير) فاستنجد الخليفة بالسلطان السلجوقي (محمد بن ملك شاه). ودارت بين السلطانين التركي والسلجوقي معارك عديدة كانت الحرب فيها سجالا، وكلما انتصر احدهما على الآخر كانت خطبة يوم الجمعة تعقد باسمه بعد اسم الخليفة.
وكانت فرقة الباطنية قد نشطت في مؤامراتها السرية واستطاعت أن تقضي على عدد كبير من أمراء المسلمين وقادتهم فجهز السلطان السلجوقي جيشا كبيرا سار به إلى إيران فحاصر (قلعة اصفهان) التي كانت مقرا لفرقة الباطنية وبعد حصار شديد استسلم اهل القلعة فاستولى عليها السلطان وقتل من فيها من المتمردين، وكان (صدقة بن مزيد) من امراء قبيلة بني اسد قد خرج بجيش من العرب والاكراد يريد الاستيلاء على بغداد فتصدى له السلطان السلجوقي بجيش كبير من السلاجقة فتغلب عليه. وكان المجرمين وغيرهم من العاطلين والاشقياء ينتهزون فرصة انشغال السلاطين بالقتال فيعبثون بالامن في المدن يقتلون الناس ويسلبون اموالهم فاذا عاد السلاطين من القتال انشغلوا بتأديب المجرمين.
وفي غمرة هذه الفوضى كان الشيخ عبد القادر يطلب العلم في بغداد، وتفقه على مجموعة من شيوخ الحنابلة ومن بينهم الشيخ أبوسعيد المُخَرِمي، فبرع في المذهب والخلاف والأصول وقرأ الأدب وسمع الحديث على أيدي كبار المحدثين. وقد أمض الشيخ من عمره ثلاثين عاما يدرس فيها علوم الشريعة أصولها وفروعها.
جلوسه للوعظ والتدريس
حينما أنس الشيخ أبو سعيد المُخَرِمي من تلميذه عبد القادر غزارة العلم ووفرة الصلاح عقد له مجالس الوعظ في مدرسته بباب الأزج في بداية 521 هـ، فصار يعظ فيها ثلاثة أيام من كل أسبوع، بكرة الأحد وبكرة الجمعة وعشية الثلاثاء. واستطاع الشيخ عبد القادر بالموعظة الحسنة أن يرد كثيرا من الحكام الظالمين عن ظلمهم وأن يرد كثيرا من الضالين عن ضلالتهم، حيث كان الوزراء والأمراء والأعيان يحضرون مجالسه، وكانت عامة الناس أشد تأثراً بوعظه، فقد تاب على يديه أكثر من مائة ألف من قطاع الطرق وأهل الشقاوة، وأسلم على يديه ما يزيد على خمسة الآف من اليهود والنصارى.
وكان الشيخ عبد القادر يتمتع بشخصية فذة ونفوذ روحي فكان يسيطر على قلوب المستمعين إلى وعظه ويستهوى نفوسهم في التلذذ بحديثه، حتى أنه استغرق مرة في كلامه وهو على كرسي الوعظ فانحلت طية من عمامته وهو لا يدري فألقى الحاضرون عمائهم وطواقيهم تقليداً له وهم لاشعرون.
وبعد أن توفي الشيخ أبي سعيد المبارك المخزومي فوضت مدرسته إلى خليفته الشيخ عبد القادر الجيلاني فجلس فيها للتدريس والفتوى، وكانت شخصيته الفذة وحبه للتعليم وصبره على المتعلمين جعلت طلاب العلم يقبلون على مدرسته إقبالا عظيما حتى ضاقت بهم فأضيف إليها ما جاورها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها وبذل الأغنياء أموالهم في عمارتهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم حتى تم بناؤها سنة 528هـ - 1133 م. وصارت منسوبة إليه.
وكان الشيخ عبد القادر عالما متبصرا يتكلم في ثلاثة عشر علما من علوم اللغة والشريعة، حيث كان الطلاب يقرأون عليه في مدرسته دروسا من التفسير والحد يث والمذهب والخلاف والاصول واللغة، وكان يقرأ القرآن بالقراءات وكان يفتي على مذهب الامام الشافعي والامام أحمد بن حنبل.
ويقول الباحث جمال الدين فالح الكيلاني في كتابه الامام عبد القادر الجيلاني تفسير جديد: إن الشيخ عبد القادر تلميذ الإمام الغزالي وله دور كبير في إعداد جيل صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس الشريف.
مؤلفات الشيخ
صنف الشيخ عبد القادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصور، منها:
• إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين.
• أوراد الجيلاني.
• آداب السلوك والتوصل إلى منازل السلوك.
• تحفة المتقين وسبيل العارفين.
• جلاء الخاطر في الباطن والظاهر.
• حزب الرجاء والانتهاء.
• الحزب الكبير.
• دعاء البسملة.
• الرسالة الغوثية: موجود منها نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد.
• رسالة في الأسماء العظيمة للطريق إلى الله.
• الغُنية لطالبي طريق الحق: وهو من أشهر كتب الشيخ في الأخلاق والآداب الإسلامية وهو جزءان.
• الفتح الرباني والفيض الرحماني: وهو من كتب الشيخ المشهورة وهو عبارة عن مجالس للشيوخ في الوعظ والإرشاد.
• فتوح الغيب: وهو عبارة عن مقالات للشيخ في العقائدوالإرشاد ويتألف من 78 مقالة.
• الفيوضات الربانية: وهكذا الكتاب ليس للشيخ ولكنة يحتوي الكثير من أوراد وأدعية وأحزاب للشيخ.
• معراج لطيف المعاني.
• يواقيت الحكم.
• سر الأسرار في التصوف: وهو كتاب معروف وتوجد نسخة منه في المكتبة القادرية ببغداد وفي مكتبة جامعة إسطنبول.
• الطريق إلى الله: كتاب عن الخلوة والبيعة والأسماء السبعة.
• رسائل الشيخ عبد القادر: 15 رسالة بالفارسية يوجد نسخة في مكتبة جامعة إسطنبول.
• المواهب الرحمانية: ذكره صاحب روضات الجنات.
• حزب عبد القادر الجيلاني: مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة الأوقاف ببغداد.
• تنبيه الغبي إلى رؤية النبي: نسخة مخطوطة بمكتبة الفاتيكان بروما.
• الرد على الرافضة: منسوب له وهو لمحمد بن وهب نسخة مخطوطة في المكتبة القادرية ببغداد.
• وصايا الشيخ عبد القادر: موجود في مكتبة فيض الله الشيخ مراد تحت رقم 251.
• بهجة الأسرار: مواعظ للشيخ جمعها الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف اللقمي وقام بتحقيقه الباحث جمال الدين فالح الكيلاني.
• تفسير القران الكريم: في مكتبة الشيخ رشيد كرامي في طرابلس الشام ويقول الشيخ عفيف الدين الجيلاني أنه مطبوع في تركيا.
• الدلائل القادرية.
• الحديقة المصطفوية: مطبوعة بالفارسية والأردية.
• الحجة البيضاء.
• عمدة الصالحين في ترجمة غنية الصالحين.
• بشائر الخيرات.
• ورد الشيخ عبد القادر الجيلاني.
• كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة.
• المختصر في علم الدين.
• مجموعة خطب.
قال العلماء عنه
• قال الإمام النووي : ما علمنا فيما بلغنا من التفات الناقلين وكرامات الأولياء أكثر مما وصل إلينا من كرامات القطب شيخ بغداد محيي الدين عبد القادر الجيلي رضي الله عنه, كان شيخ السادة الشافعية والسادة الحنابلة ببغداد
•
• وانتهت إليه رياسة العلم في وقته, وتخرج بصحبته غير واحد من الأكابر وانتهى إليه أكثر أعيان مشايخ العراق وتتلمذ له خلق لا يحصون عدداً من أرباب المقامات الرفيعة, وانعقد علية إجماع المشايخ والعلماء رضي الله عنهم بالتبجيل والإعظام, والرجوع إلى قولة والمصير إلى حكمه, وأُهرع إليه أهل السلوك - التصوف - من كل فج عميق. وكان جميل الصفات شريف الأخلاق كامل الأدب والمروءة كثير التواضع دائم البشر وافر العلم والعقل شديد الاقتفاء لكلام الشرع وأحكامه معظما لأهل العلم مُكرِّماً لأرباب الدين والسنة, مبغضاً لأهل البدع والأهواء محبا لمريدي الحق مع دوام المجاهد ولزوم المراقبة إلى الموت. وكان له كلام عال في علوم المعارف شديد الغضب إذا انتهكت محارم الله سبحانه وتعالى سخي الكف كريم النفس على أجمل طريقة. وبالجملة لم يكن في زمنه مثله رضي الله عنه .
• قال الإمام العز بن عبد السلام : إنه لم تتواتر كرامات أحد من المشايخ إلا الشيخ عبد القادر فإن كراماته نقلت بالتواتر.
• قال الذهبي : الشيخ عبد القادر الشيخ الإمام العالم الزاهد العارف القدوة شيخ الإسلام علم الأولياء محيي الدين أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح عبد الله بن جنكي دوست الجيلي الحنبلي شيخ بغداد ..
• قال أبو أسعد عبد الكريم السمعاني: هو إمام الحنابلة وشيخهم في عصره فقيه صالح، كثير الذكر دائم الفكر, وهو شديد الخشية, مجاب الدعوة، أقرب الناس للحق، ولا يرد سائلا ولو بأحد ثوبيه.
• قال الإمام ابن حجر العسقلاني : كان الشيخ عبد القادر متمسكاً بقوانين الشريعة, يدعو إليها وينفر عن مخالفتها ويشغل الناس فيها مع تمسكه بالعبادة والمجاهدة ومزج ذلك بمخالطة الشاغل عنها غالبا كالأزواج والأولاد, ومن كان هذا سبيله كان أكمل من غيره لأنها صفة صاحب الشريعة صلى الله علية وسلم .
• قال ابن قدامة المقدسي: دخلنا بغداد سنة إحدى وستين وخمسمائة فإذا الشيخ عبد القادر بها انتهت إليه بها علما وعملا وحالا واستفتاء, وكان يكفي طالب العلم عن قصد غيره من كثرة ما اجتمع فيه من العلوم والصبر على المشتغلين وسعة الصدر. كان ملئ العين وجمع الله فيه أوصافاً جميلة وأحوالاً عزيزة, وما رأيت بعده مثله ولم أسمع عن أحد يحكي من الكرامات أكثر مما يحكى عنه, ولا رأيت احداً يعظمه الناس من أجل الدين أكثر منه.
• قال ابن رجب الحنبلي : عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي, الزاهد شيخ العصر وقدوة العارفين وسلطان المشايخ وسيد أهل الطريقة, محيي الدين ظهر للناس, وحصل له القبول التام, وانتصر أهل السنة الشريفة بظهوره, وانخذل أهل البدع والأهواء, واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته, وجاءته الفتاوى من سائر الأقطار, وهابه الخلفاء والوزراء والملوك فمن دونهم .
• قال الحافظ ابن كثير : الشيخ عبد القادر الجيلي، كان فيه تزهد كثير وله أحوال صالحة ومكاشفات.
• قال الإمام اليافعي : قطب الأولياء الكرام، شيخ المسلين والإسلام ركن الشريعة وعلم الطريقة, شيخ الشيوخ, قدوة الأولياء العارفين الأكابر أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح الجيلي قدس سره ونور ضريحه, تحلى رضي الله عنه بحلي العلوم الشرعية وتجمل بتيجان الفنون الدينية, وتزود بأحسن الآداب وأشرف الأخلاق, قام بنص الكتاب والسنة خطيبا على الأشهاد, ودعا الخلق إلى الله سبحانه وتعالى فأسرعوا إلى الانقياد, وأبرز جواهر التوحيد من بحار علوم تلاطمت أمواجها, وأبرأ النفوس من أسقامها وشفى الخواطر من أوهامها وكم رد إلى الله عاصياً, تتلمذ له خلق كثير من الفقهاء.
• قال الإمام الشعراني : طريقته التوحيد وصفاً وحكما وحالا وتحقيقه الشرع ظاهرا وباطناً.
• قال الإمام أحمد الرفاعي : الشيخ عبد القادر من يستطيع وصف مناقبه, ومن يبلغ مبلغة, ذاك رجل بحر الشريعة عن يمينه, وبحر الحقيقة عن يساره من أيهما شاء اقترف, لا ثاني له في وقتنا هذا.
• قال الشيخ بقا بن بطو : كانت قوة الشيخ عبد القادر الجيلاني في طريقته إلى ربة كقوى جميع أهل الطريق شدة ولزوما وكانت طريقته التوحيد وصفا وحكما وحالاً.
• قال ابن السمعاني عنه: إمام الحنابلة وشيخهم في عصره، فقيه صالح، ديِّن خيِّر، كثير الذكر، دائم الفكر، سريع الدمعة.
• قال عنه محيي الدين ابن عربي: وبلغني أن عبد القادر الجيلي كان عدلاً قطب وقته.
• قال الشيخ ابن تيمية: والشيخ عبد القادر ونحوه من أعظم مشائخ زمانهم أمراً بالتزام الشرع، والأمر والنهي، وتقديمه على الذوق والقدر، ومن أعظم المشائخ أمراً بترك الهوى والإرادة النفسية.
وفاته
استمر الشيخ عبد القادر مثابرا في دعوته إلى الله تعالى وجهاده في سبيله، حتى وافاه الأجل ليلة السبت العاشر من ربيع الآخر سنة 561هـ، فرغ من تجهيزه ليلا وصلي عليه ولده عبد الوهاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وأهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته وكان يوما مشهودا، وبلغ تسعين سنة من عمره.
عتبه بن ربيعه
عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر هو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ، العبشمي القرشي.
منزلته
سيد من سادات قريش، عرف برجاحة عقله فنصح قريشا أن يسلموا بالنبي محمد أو يخلوا بينه وبين القبائل بعد أن اجتمع بالرسول وسمع منه ونعته الرسول بقوله أبا الوليد اكبارا له. أسلم ابنه أبو حذيفة بن عتبة، نصح قريش بواسطة حكيم بن حزام بعدم القتال في بدر لكن أبا جهل أبى. خرج للمبارزه في بدر مع عبيدة بن الحارث وكانا مسنين فقطع رجل عبيدة ومات وهو عائد من بدر، أما عتبه فقد أجهز عليه حمزة وعلي، وجد في ابنه أبو حذيفه حزن وهو من المسلمين عندما وجد أباه قتيلا، فسأله الرسول عن ذلك فقال: لأنك تعرف رجاحة عقل أبي فكنت أتمنى أن يموت مسلما وهو ما أقره الرسول. كان أهل مكة لما قدموا ماء بدر قال الرسول محمد : إن يكن في القوم خير فعلى صاحب الجمل الأحمر، يقصد عتبة وقد كان آوى الرسول في بستانه إذ طرده أهل الطائف، أسلمت ابنته هند مع زوجها أبو سفيان يوم فتح مكة.
موقفه مع محمد
في المسجد الحرام حيث كان محمد يجلس بمفرده ذهب عتبة، وجلس معه وبدأ حواره، ولأنه كان ذكيًّا فقد بدأ عتبة بن ربيعة الكلام وقد رتبه ونظمه، ونوّع فيه بين الإغراء والتهديد، وبين مخاطبة العقل ومناجاة القلب. ولا غرو فهو كما يقولون كان من الحكماء، ابتدأ عتبة كلامه يرفع من قدره بقصد إحراجه نفسيًّا قائلاً: يا ابن أخي، إنك منّا حيث قد علمت من السِّطَة -أي المنزلة- في العشيرة والمكان في النسب. ثم أتبع ذلك بالتلويح بما يعتبره جرائم ضخمة، لا يجب في رأيه أن تأتي من هذا الإنسان رفيع القدر قائلاً: إنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فَرَّقت به جماعتهم، وسفّهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم. يريد وبمنتهى الوضوح أنك متهم بزعزعة نظام الحكم في مكة، فما لك أنت والدين؟! دع الدين لأهل الدين، كان عليك أن تدعه للكهّان ومن يخدم الأصنام، أنت قد أقدمت على هذا العمل، وقد تسبب عنه لقومك كذا وكذا وكذا، وقد يكون ما أقدمت عليه هذا مجرد خطأ غير مقصود، ومن ثَمَّ -ولمنزلتك عندنا- سنعرض عليك أمورًا فاختر منها ما شئت. بهذه الطريقة يريد عتبة أن يخبر رسول الله أن هذه الاقتراحات التي سنطرحها عليك ليست مجرد اقتراحات مغرية فقط، بل إن مجرد رفض هذه الاقتراحات معناه توجيه وإثبات التهم الخطيرة عليك، والتي عقابها أنت تعلمه ولن أذكره لك. كان محمد يتفهم مثل هذا الأسلوب جيدًا، وكان يعلم أن هذه مساومة على الدين، فقال له مناديًا إياه بكنيته وبأحب الأسماء إليه: "قل يا أبا الوليد". يريد محمد أن يستوعب عتبة بن ربيعة، ويريد أن يعطيه فرصة للحديث حتى يعطيه بعد ذلك بدوره فرصة للسماع، قال عتبة يعرض لأمور غاية في الإغراء لأهل الدنيا:
يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً. وإن كنت تريد به شرفًا سَوّدناك علينا، حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا. وإن كان هذا الذي يأتيك رِئْيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوى منه. وكان عتبة يقدم هذه العروض وهو يرى أنه يقدم أكبر تنازل قد حدث في تاريخ مكة كلها.
لم يقاطع محمد عتبة مرة واحدة، وقد تركه حتى فرغ تمامًا من حديثه، وبعد أن انتهى من حديثه قال له: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟". أجابه عتبة: نعم. وهنا قال له محمد : "فاسمعْ مني". قال عتبة: أفعل. ولم يكن عتبة ليستطيع أن يرفض السماع، فكان مضطرًّا لأن يسمع حتى وإن كان على غير مراده، وفي محاولة جادة لتطويع الهدف بدأ محمد في الحديث، فلم يتكلم بكلامه هو، إنما تكلم بكلام الله، تكلم بالقرآن، فقرأ سورة فصلت:
بسم الله الرحمن الرحيم {حم * تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ * قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ}. واكمل {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ * قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}. ثم يرتفع التحذير والتهديد فيبلغ أقصاه حين قرأ: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ}.
رجوعه إلى قومه
لم يتمالك عتبة نفسه عن عدم السماع، وقد أخذ به الرعب والهلع كل مأخذ، وكاد قلبه ينخلع، وشعر وكأن صاعقة ستنزل عليه في لحظة أو في لحظات، وفي حالة نسي فيها أمر عدائه، ونسي أمر المفاوضات، بل نسي مكانته وهيبته، قام فزعًا وقد وضع يده على فم محمد وهو يقول: أنشدك الله والرحم، أنشدك الله والرحم. ومن فوره قام عتبة يجرُّ ثوبه يتبعثر فيه مهرولاً إلى قومه، لا ينظر خلفه، عيناه زائغتان، أنفاسه متقطعة، حتى دخل على زعماء قريش.
قال بعضهم: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. وحين جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟!
بدأ أبو الوليد عتبة يحكي تجربته، بدأ يتحدث وكأنه أحد الدعاة للإسلام فقال: ورائي أني سمعتُ قولاً والله ما سمعت مثله قَطُّ، والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة. يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونَنَّ لقوله الذي سمعت منه نبأٌ عظيمٌ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. وفي ذهول تام ردوا عليه وقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. فأجابهم برأيه متمسكًا: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
مواضيع مماثلة
» * حقب الحياة السحيقة : عموق - اكشاك - عتبه - شاوش - أنبار-
» * حرف العين : عمر ابن الخطاب - علي ابن ابي طالب
» * حرف العين:الشيرازي-علي مشرفى-محجوب-مبارك- العقاد- ابن عوف
» * حرف العين : عمرو بن العاص - عبد الأحد داوود- الامام علي والساعة
» * حرف العين:عائشة - عبدالرحمن بكر-عثمان بن عفان- اتكة عبدالمطلب
» * حرف العين : عمر ابن الخطاب - علي ابن ابي طالب
» * حرف العين:الشيرازي-علي مشرفى-محجوب-مبارك- العقاد- ابن عوف
» * حرف العين : عمرو بن العاص - عبد الأحد داوود- الامام علي والساعة
» * حرف العين:عائشة - عبدالرحمن بكر-عثمان بن عفان- اتكة عبدالمطلب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى