الالحاد والعلمانية وحاضنتهم الدين
صفحة 1 من اصل 1
الالحاد والعلمانية وحاضنتهم الدين
هذا التناول للدين ومثاله الصلاة، لا يجعل الدين هو المسيطر على الحياة، بل نحن من يسيطر، وترى لو لم يقل الدكتور شوبرا أو لم نعرف اليوغا والرياضة الروحية، ماذا سيكون رأينا في الصلاة ؟ فهل يعقل أن نأخذ قيمة الصلاة من غير المسلمين ولقصد طب نفسي بحت؟ هذا تفريغ للدين من مضمونه. أي أنه خروج من الدين وانتقاء منه بعد الخروج منه، وكأن هذا المسلك التوفيقي (أو التلفيقي) وضع لأجل أن يجمع عدة فوائد ، فيسلم من مشاكل إعلان الالحاد وما يتبعه من دموع الاقارب او الردة، و بين الاستفادة من الصلاة استفادة شخصية نفسية صحية. وهذا لا يدل على ان الصلاة هي الاهم ولا ان الله هو الاهم، بل الذات هي الاهم، ووصايا المعالجين الروحانيين هي الاهم، وأفكار الماديين عن الحياة والوجود هي الأهم، والله لا يقبل أي شريك معه .
يجب أن يكون الله هو الاكبر في حياتنا، هذا هو شرط الدين ودخوله، أن يكون الله اكبر ونكون نحن عبيداً له ومتدبرين لكلامه، أي كلامه هو إمامنا، وإلا فنحن نخادعه عندما نقول "الله اكبر" بينما يوجد ما هو اكبر منه ، والخداع ابعد ما يكون عن الروحانية. وهذا معنى كلمة "إسلام" أي تسليم الذات لخالقها، وهنا راحة الروح، بدليل حاجة كثير من الملاحدة لما يشبه العبادة، ويسمونه بالروحانية، فكأنهم يرطّبون أرواحهم الجافة بشيء يشبه العبادة والخضوع. لكن المسكنات لا تفيد، والسراب لا يروي وما أروى .
الروح لا تريد لحظات متفرقة، بل تريد حياة مترابطة بالكامل، مرتبطة بهدف سامي ومرتبطة بالوجود والمصير. تريد أن تدخل في نظام الكون، ولا تكون نشازا وتمردا على هذا النظام الهائل المعقد المترابط الجميل. تريد ان تذوب في الجمال، وما الجمال الا تناسق وترابط وتفاهم، وكلما زاد الترابط كلما زاد الجمال. تخيلي أن الصلاة تربطك بمن ابدع كل هذا الجمال مباشرة، وجها لوجه، ذلك الجمال المحرق الذي تجلى للجبل فصار دكا و خرّ موسى صعقا. لا روحانيات في معزل عن العقل ولا الاخلاق، بل هي تأتي منها، فالتأمل و التدبر هو التقاء العقل مع القلب باختصار، وهذا ما ينتج السعادة دائما : التقاء القلب مع العقل، وبغير ذلك تسمى حالة تخدير او هيستريا، كما يحصل في رقص السماح أو الزار.
الدين الصحيح هو الذي يجمع كل شيء فاضل وحسن وكل جهات الإنسان تأخذ حقها من الإشعاع والنور. أما روحانية الملاحدة فهي ضياء في بواطنه ظلام، وحتى إنسانيتهم مثل ذلك، أي في بواطنها لا إنسانية .
العبودية الحقيقية لا تجعل فينا شيء يصارع شيئا آخر، ولا تنظر الى الكون على انه يتصارع كما ينظر الملحد، بل تنظر الى الانسجام الذي يرصده العلم، فما العلم الا راصد لجمال هذا الكون. أي لنظامه. وهذه العبودية الحقيقية تنسجم مع عقولنا ومنطقنا ومع حسّنا الاخلاقي ، مُشوّهوا الدين من داخله وخارجه وعبر الزمن سببوا مثل هذه النشازات على القلوب الطيبة التي تريد الارتباط الكامل بعالم الجمال. علينا ان نكون واعين ولا نكون امعة، القرآن أمرنا ان نعبد الله على بصيرة، أي بصيرتنا نحن وليس بصيرة غيرنا.
اكثر الفقهاء نظروا الى الصلاة بهذه النظرة التي سببت لك ولغيرك الازعاج، نظروا إليها كآلية يجب أن تطبّق بالكامل، وإلا فسترمي بك على "الاقرع الحابس" كما سميتيه .. نعم الله يريد لنا الخير، اذا كنا نحب الله فعلا، فكيف يقذفنا في النار بمجرد غلطة او تأخير او نسيان او انشغال في الصلاة أو لعضو لم يتبلل بالماء من الوضوء؟ أو أن يرمي صلاتنا في وجوهنا ونحن متوجهين اليه حقيقة، لكنها وقعت بعض الاخطاء أثناءها؟ مع أن الله لا يرد من أتى إليه و دعاه. قال تعالى (بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن). الله يعلم ما في نفوسنا وليس الفقهاء والمتشددين، فربنا الله وليس العالِم او الفقيه.
الإسلام الحقيقي المنطلق من القرآن وما والاه ولم يخالفه من الآثار وليس من تهويلات الفقهاء وحزبياتهم وصراعاتهم، هو الذي ينقذ الروح من الضياع، فالروح تعرف ان ارتباطها بالجسد ليس اساسي ولا دائم، حتى انه تتلف اجزاء من الجسد لا تسأل عنها الروح اين ذهبت ولا تتغير الروح،
وكما صرّحتِ، يستطيع الملحد ان يمارس الصلاة، فيبدو مسلما موغلا في الخشوع من الخارج ويسلم من النقد، بينما هو ملحد، أي الأكثر كفرا من كل الديانات، لأنه لا يؤمن بأي ثابت ديني من مجموع كل الديانات. وهكذا تكون صورته قبيحة وليست جميلة : صورة الموغل في النفاق.
السؤال : لماذا الروحانية مطلوبة و حاجة نفسية ؟ ثم سؤال آخر : ما هي الروحانية ؟ الروحانية هي الخضوع، فكيف يأخذ الملحد روحانية من دين لا يخضع له وإله لا يسيطر عليه وليس عبدا له ولا يعترف به ؟ هل الشكليات تعطي روحانية؟ فاقد الشيء لا يعطيه، والأديان هي اساسات الروحانيات، وغيرها لا يسمى روحانية. هذا خداع للنفس والغير، وإلا لسميت المخدرات روحانية ! مع أن البعض يسميها مشروبات روحية، كاشفا سوء الفهم لكلمة "روحانية" ، فما هي نقطة الالتقاء بين الكحول و الدين ؟ لا يوجد لقاء بين الايجابي والسلبي .. مع أن الكحول سموم تبلد المخ والإشارات العصبية، وتفضي الى حالة جنونية وليست روحانية. وهكذا نفهم ان الروحانية عند الماديين هي شلل العقل، سوءا في اليوغا او الكحول أو في الزار. ولهذا سمّوا الدين بأفيون الشعوب. معتقدين انه يشل العقل بروحانيته.
ثم كيف تحس بروح الكلمات دون ان تقتنع بها عقليا؟ وكيف تستفيد منها مع أنك لا تعتقد بأنها هي الحقيقة ؟ ما فائدة روحانية لا مجال فيها للعقل؟ الدين ليس مخدرات ومسكنات ألم. الدين صراط ومنهج حياة وارتباط بالحقيقة، حتى على حساب مصالح الذات. تصل الى درجة الفداء بالمال والنفس. كلمة "دين" مأخوذة من دَين ، والدَّين هو الإقرار بحق يجب أن يُؤدى. فإذا قلت : عليّ دين لفلان، فأنت تقرّ بهذا الحق و تودّ تنفيذه.
وإذا كان الامر هكذا، فالملحد الصريح يكون موقفه أشرف من الملحد الذي يغمس رأسه في سجاجيد الصلاة ويفتخر انه أكثر روحانية من اصحاب الدين نفسه، وينتقد اعدائه لصلاتهم بدون تأمل. والشجاعة فضيلة حتى لو كانت على باطل.
الدين هو حالة اختيار، وليس ما يفرضه المجتمع الذي وُلدت فيه، في حالة الاختيار لا اختيار فيها، فما دمت اخترت فأنت مُلزم، الاختيار يُلزم بالصدق وليس بالنفاق. وكلمة إلزام ليست مثل كلمة إلتزام، وإذا لم نحب الصلاة لمعاني الشكر والعبودية لله فعسانا لا نحبها ابدا، نستطيع ان نمارس اية رياضة روحية غيرها. ثم ان الصلاة في الاسلام أوسع من المفهوم الذي قدمته الكاتبة، فهي قالت ان الصلاة ليست إلا تأمل فقط، بينما أصل الصلاة أولا هو الشكر للمنعم الموجد، وأول ما تبدأ به : (الحمد لله رب العالمين) وفيها التسبيح والتعظيم له ودعاؤه، والدعاء نداء، وحركات الصلاة كلها حركات شكر وتذلل كامل، لاحظ وضع السجود، هذا ما يفعله عبدة الاباطرة عندما يسجدون لحكامهم، أما المسلم فيؤدي هذه الحركة لله فقط. ومثلها الركوع في التعظيم.
اذن حتى الحركات لها قيمة رمزية وليست مجرد رياضة. والصلاة فيها تدبر أثناء قراءة القرآن نفسه، والتدبر يعني أن تحدد موقعك من هذا الكلام الذي تقوله، وهل انت تمشي دُبر الايات التي تقولها أم لا، والخضوع ينتج الخشوع. أما كلمة "تأمل" فليست مناسبة كثيرا للصلاة، لأن الصلاة فيها أقوال وأفعال، فمتى يكون هناك تأمل؟ إلا إذا قصدتي تأمل الكلام الذي نقوله، فهذا صحيح.
التأمل يحتاج لوقت طويل، وكيف يكون التنفس العميق مع قراءة القرآن والركوع والسجود المتكرر؟ فالنَفَس يؤدي وظيفة في الصلاة . والتأمل يحتاج الى جلسة استرخاء و نظر الى مظاهر الطبيعة وتأمل في هذا الكون واختلاف الليل والنهار والتأمل في النجوم، والتأمل اثناء السفر ، والتأمل حتى في اجسامنا وأنفسنا، وفي هذا الكون من اين جاء، ونتيجة هذا التأمل هو الشعور بالجلال، وهو ارقى من الشعور بالجمال. مثل من يقف في قمة جبال الهملايا، وينظر ما حوله من وديان سحيقة والسماء، أو من يقضي ليلة في غار حراء كما فعل الرسول لوحده، فيشعر بجلال.
شعور الجلال هو لصاحب الجلال والإكرام، وهو نتيجة التدبر والتأمل دائما، لاحظ أن هذا الشعور دائما مصحوب برهبة، فالجلال يعني خوف مع جمال ممزوجين، والتمعن في الجمال الحقيقي يؤدي الى الجلال، وهذا يؤدي الى ان جمال الكون يفضي الى شعورنا بالله، ومنه يأتي الجلال، فالجلال من الله سبحانه وهي ارتباط الروح بالله، وهذا يدلنا على ان الخوف من الله ليس فقط من عذابه، بل حتى من جماله، انظر الى اندكاك الجبل، وهذا الذي سبب الإغماء لموسى. الجلال طاقة جمال الهية لا نستطيع تحملها، وننسحق اماهها، اذن الجمال يدل على الله من خلال الجلال.
التأمل يُرمز له في الصلاة بالتسبيح، لأن التأمل ينتج كلمة "سبحان الله" من خلال الشعور بالجلال، وهي انسب كلمة للتعبير عن الشعور بالجلال، وهو نفس الشعور الذي احسته نسوة يوسف وقطعن ايديهن بسببه، بسبب الجلال وليس الجمال العادي، لاحظ كلمة "اكبرنه" تشير إلى إجلالهن له ، والإكبار أرفع من مجرد الاعجاب ..
ولا اقول ان التأمل غير موجود في الصلاة، لكنه جزء وليس كل الصلاة. لأن الصلاة ليست مثل اليوغا جلسة مستمرة هادئة، حتى التنفس فيها يُحبس! مع أن اليوغا في الحقيقة ليست تأمل ، هي تفريغ أو إخلاء، أي أبعِد كل ما تفكر فيه وما يشغل بالك من مشاغل الدنيا، ومبدؤهم تأمل الفراغ او العدم، وهم يطيلون التأمل الى الفراغ بين اصابعهم كطريقة من الطرق، وهذا يدل على انهم يبحثون عن الفراغ الداخلي من الهموم والتفكير، وبما في ذلك إبعاد الدين والله عن التفكير، وهذا من الخطأ تسميته تأملاً، فالتأمل مرتبط بالتفكير. والتفريغ الداخلي قريب من عائلة المسكرات والمخدرات والمنومات، اذ ان ارقى درجات التأمل ألا تشعر بشيء، أي تبلد الاحساس والعقل طبعا. وهذا هو عمق السلبية ، وتبلد الاحساس تنتجه المخدرات والزار ايضا ، بل يصل أثر الزار الى عدم الاحساس بألم السكاكين التي يزرعونها في اجسامهم احيانا، مث لمن ياخذ مخدر البنج فلا يحس بالألم . ومن يحتاج الى مثل هذا النوع من التخدير، لا بد ان معاناته كبيرة جداً. وهذا هروب، ومواجهة المشاكل افضل من الهروب. هذه ممكن ان تسمى عائلة الهروبيات.
التأمل يقود للتفكير : (ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) . وإذا جئنا نحقق في الكلمة لغويا نجدها مرتبطة بكلمة أمل، هذا غير الكسل واضاعة الوقت في جلسات كسولة، بل ولها اضرار صحية على المفاصل كما تفعل اليوغا، لأن الانسان خلق ليعمل ويتحرك ويفكر ويتدبر ويتأمل، لا أن يعيش في الفراغ ويتخدر، فالزمن يمشي .
الحقيقة ان ما يسمى بالرياضات الروحية اشبه ما يكون بالمخدرات التي تبلّد العقل، و تبليدها للعقل يُنتج بعض الراحة بنسيان التفكير الضاغط في امور متعبة وقضايا معلقة. كما يفعل الكئيب في الانغماس في النوم حتى ينسى. كل هذه الصور حالة تفريغ للداخل. بقي الإيجابية والبناء ! أين هي ؟ هذه حالات هروب وليست إيجابية. سواء في الكحول او اليوغا أو غيرها .
أما مثال الأم والخضار فلا ينطبق على الصلاة، لأن الصلاة مع أنها تفيدنا فهي حق لله، وواجب شكر، وفريضة في كل الأحوال، والعقاب على حق الله إذا ضيّع، قال تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا) ، وفعلا الله غير محتاج لنا، ليست المسألة احتياجات مادية، المسألة أخلاقية، نحن نحب من يشكرنا والله يحب من يشكره ويغضب على من يكفره، والذي لا يشكر سوف يكفر ومن يكفر سوف يسيء، شخص أحسنا إليه كثيرا وكفر ونكر ما قدم له، فهل نقول عنه شخص طيب؟ لكن إذا أخطأ أو نسي فإننا نتسامح معه بسهولة، كذلك الله يعاملنا، أي بالأخلاق نعرف الله.
ومثال الطفل الذي يمتنع عن الخضار فهو إنما يضر نفسه، أما من يكفر بالله فهو يضر غيره ويصد ويكثر أهل الباطل والشر، وكل ناكر جميل شرير. الأخلاق ليست فقط بيننا وبين الآخرين، فالأخلاق يجب أن تكون وسيلة اتصالنا بكل شيء، فالخالق هو أول من يستحق التعامل بالأخلاق، لأن كل شيء من الله وإليه، كل هذا ولا يستحق أن يعامل بأخلاق؟!
وأنت قلت عن التشديد على الكلمات الإيجابية، وهل في الصلاة كلمات سلبية وغير إيجابية؟! وهذا كما يبدو من إيحاء ما يسمى بقانون الجذب: كرر كلمات نجاح وثروة تصبح ناجح وثري, وهكذا قل أنا سعيد وتصبح سعيد ولا تنظر إلى الكلمات السلبية, أليس هذا يشبه دس الرأس بالرمل كما تفعل النعامة عن السلبية وهي موجدة في الواقع؟! انس الذئب يختفي الذئب! فكر في الغزال يظهر لك الغزال! وكأن الطبيعة تحت أمانينا! الملاحدة المطنطنين بالعقلانية والعلم يقبلون كل هذه اللامنطقيات بسهولة ! المهم ان يبتعد الدين وبعده أهلا بالخرافات كلها! العقلاني الحقيقي من يستمر في عقلانيته فالمنهج لا يتغير وإلا ليس منهج, الصراط المستقيم لا ينحرف, إذن من التناقض في المنهج الجمع بين الإلحاد والروحانية.
هذا من خداع النفس: وهّم نفسك أنك سعيد تصبح سعيد! كل شيء له أصول وقوانين ليست بالأماني! وهذا قانون غير منطقي أصلا لأنه يستبعد الخوف ويركز على الرغبة, وأي نجاح لا يوصل إليه إلا بالمخاوف والاحترازات وليس بالتمني والأحلام الوردية, الإنسان بحاجة إلى الخوف كثر من حاجته للرغبة والإيجابية حتى في أمور سلامته, ولو خفنا أكثر لتحسنت أمورنا أكثر فمشكلتنا نقص الخوف وليس نقص الأمنيات الحلوة! لهذا قال تعالى: (سيتذكر من يخشى) وعدم المبالاة بالمخاوف نوع من الغرور والكبر والسفاهة, دائما الأكثر مخاوف هم الأحوط والأنجح, فالطفل المتردد قد يكون أذكى من الطفل الجريء لأنه يحترز من أشخاص لا يعرفهم, أما المتفائل الإيجابي دائما فقد يعرض نفسه للخطر! وما السفاهة إلا إيجابية مفرطة تجعله يتهور فيضر نفسه وغيره, لأنه يركز على الكلمات الإيجابية ويتناسى الكلمات السلبية, وهل من العقل أن تتناسى شيء وهو موجود أو يمكن منطقيا أن يوجد؟! لو كان دافع الإيمان هو الرغبة بالجنة ومتعها لما قال القرآن: {سيتذكر من يخشى} ولكان قال سيتذكر من يرغب ويتلذذ! وهؤلاء الذين يخشون سماهم القرآن بالذين يعقلون وأولي النهى, أي هم من يخافون أكثر, حتى على مصيرهم بعد الموت وليس الذين يعيشون متعة اللحظة والأماني الإيجابية. عقولهم التي أخبرتهم بوجود إله جعلتهم يخافون أن يتعاملوا معه تعاملا سيئا فينتقم منهم, لأنه المستحق لأحسن التعامل والقادر على فعل أي شيء. حتى الناجحون بالتاريخ هم الحذرون الذين لا يتهاونون بأعدائهم, وبالأمثال يقولون :"من خاف سلم", ولا أقصد الخوف بمعنى التوقف بل الخوف الإيجابي, فخوف العقلاء هو خوف لا يجعلهم يتوقفون بل يتحركون وهم يحذرون و لا يتهورون خصوصا بالأمور المصيرية.
التركيز على الإيجابية هي خدعة رأسمالية لإبعاد الناس عن طريق النجاح الحقيقي وطريق السعادة الحقيقي وتحويلهم إلى استهلاكيين يعيشون على الأماني والديون! العاقل ينظر للسلبيات والإيجابيات بل يهتم بالسلبيات أكثر لأن تأثير الخطر أكبر من تأثير اللذة.
هذا تدبر القرآن هو ما يرينا الحقيقة كما هي, فالقرآن لم يقل من يرغب بل قال :{..من جاءك يسعى وهو يخشى} وكررت الخشية كثيرا في القرآن. كثرة المخاوف والشكوك وتنوعها من سمات العاقلين الذين لا يثقون بسهولة وهم من يسمون بالحازمين, فالحزم معناه الاحتياط والاستعداد وليس القسوة.
لماذا تصر على كلمة مصلحة ، هل لا يوجد في القاموس غيرها؟؟ ، أم لأجل تسويغ المصلحة المادية ، إذا كان سيسمى الحب مصلحة ، والبزنس مصلحة ، والكرم مصلحة ، والبخل مصلحة ، إذا مافائدة اللغة ، ولماذا تفرق بين الأمور؟؟! ، لماذا لا نسمي كل الدنيا مصلحة ، والآخرة مصلحة ، وأنا وأنت مصلحة ، وكل من في الشارع مصلحة ، والجنة والنار مصلحة ، وكل الدنيا مصلحة ، لماذا لا نفرق بين الأشياء ؟؟! ، لماذا توضع الأضداد في كيس واحد ؟؟ ، ولمصلحة من على ذكر المصلحة ؟؟ .
الفرقان جاء ليفرق بين الأمور لا أن يضعها تحت مسمى واحد ، والعلم تفريق ، والتشابه جهل والتباس كما ذكر القران، أنا أريد أن أفرق بين المصطلحات وأنت تجعلها متشابهه ، ومثلك يحب العلم لا أن يحب أن تلتبس الأمور ،ويشملها أسم واحد وهو المصلحة ، كلمة مصلحة معروف لأي مجال وضعت وهي المصالح المادية التي تتعلق بالجسم ، وضحت لك أن المصطلح لا يصلح للشيء وضده ، ومثلت لك أن المال مصلحة ، أليس هذا صحيح ؟ ، الكرم هو إتلاف هذا المال ، أي تتلف المصلحة لقيمة معنوية ، هذا عند الكريم الحقيقي وليس الكريم الوصولي ، فكيف نسمي إتلاف المال مصلحة وجمعه مصلحة ، هذا يشبه أن نحذف كلمة نهار أو ليل ونقول تكفي واحدة منهما ، هذه الفكرة هي التي تتحدث عنها الفلسفة الغربية ، وتصف كل الخير والأخلاق بأنها مصالح في النهاية ، وهكذا لا يبقى للفضيلة مجال ، فقط مصالح ، وحينها لا يلام أي نفعي ، ولا يوجد فرق بين إنسان مصلحجي وإنسان أخلاقي مادام أن كلهم يعملون للمصلحة ، مع أن الفضيلة شيء موجود ، وكم من إنسان ضحى بحياته وليس بماله فقط لأجل موقف نبيل ، أو بدافع رحمة ، أين المصلحة في هذا العمل؟؟ ، إذا خطأ أن نقول مثل الماديين والملاحدة أن كل دوافع الإنسان مصلحية ومادية نفعية ، هذا إن انطبق على البعض لا ينطبق على الكل ، وليس كل الناس يفكرون في المصالح فقط وتحركهم حسبتها كما يفكر التاجر والسياسي ، هناك دوافع عليا أعلى من الجسد ومصلحته ، زكاها بعض الناس ودساها بعضهم ، وأساسها موجود في الشعور الإنساني ، وكل إنسان شهد موقفا تقدم فيه شهم وأنقذ حياة غيره وتضرر هو ، لابد أن يشعر باحترام لذلك الشخص حتى وان منعته مصالحه وأنانيته أن يكون مثله ، إذا هذا الدافع موجود عند الكل حتى عند الماديين الجشعاء ، وبما أن الإنسان جسد وروح لماذا نقول أن له دافع واحد فقط يتعلق بالجسد وننسى الدوافع الروحية ؟؟ إلا إذا كان جسد فقط وعبارة عن آلة ميكانيكية لا روح لها حينها نقول أن الدوافع مصلحية ، إذا كان الكرم مرتبط بالمصلحة إذا ستكون ولائمك للأغنياء والناجحين ، ولابد لك أن تطرد كل فقير وعاجز لا مصلحة لك منه حتى لو كان يستحق الرحمة ، فهل هذا هو الصحيح؟؟ ، هذا ماتوجبه كلمة مصلحة التي تتمسك بها ، الأخلاق أرقى من المصلحة ، فكيف نجعل الأرقى خادماً للأدنى ، أليس الروح أثمن من الجسد أم العكس ؟؟! ، بعض الناس جسده أثمن ، وبعضهم روحه أثمن ، وكل له معطيات ونظرات للأمور تختلف ، فالناس لا يشملهم تعريف واحد بل إثنان ، قال تعالى ( وهديناه النجدين)
يجب أن يكون الله هو الاكبر في حياتنا، هذا هو شرط الدين ودخوله، أن يكون الله اكبر ونكون نحن عبيداً له ومتدبرين لكلامه، أي كلامه هو إمامنا، وإلا فنحن نخادعه عندما نقول "الله اكبر" بينما يوجد ما هو اكبر منه ، والخداع ابعد ما يكون عن الروحانية. وهذا معنى كلمة "إسلام" أي تسليم الذات لخالقها، وهنا راحة الروح، بدليل حاجة كثير من الملاحدة لما يشبه العبادة، ويسمونه بالروحانية، فكأنهم يرطّبون أرواحهم الجافة بشيء يشبه العبادة والخضوع. لكن المسكنات لا تفيد، والسراب لا يروي وما أروى .
الروح لا تريد لحظات متفرقة، بل تريد حياة مترابطة بالكامل، مرتبطة بهدف سامي ومرتبطة بالوجود والمصير. تريد أن تدخل في نظام الكون، ولا تكون نشازا وتمردا على هذا النظام الهائل المعقد المترابط الجميل. تريد ان تذوب في الجمال، وما الجمال الا تناسق وترابط وتفاهم، وكلما زاد الترابط كلما زاد الجمال. تخيلي أن الصلاة تربطك بمن ابدع كل هذا الجمال مباشرة، وجها لوجه، ذلك الجمال المحرق الذي تجلى للجبل فصار دكا و خرّ موسى صعقا. لا روحانيات في معزل عن العقل ولا الاخلاق، بل هي تأتي منها، فالتأمل و التدبر هو التقاء العقل مع القلب باختصار، وهذا ما ينتج السعادة دائما : التقاء القلب مع العقل، وبغير ذلك تسمى حالة تخدير او هيستريا، كما يحصل في رقص السماح أو الزار.
الدين الصحيح هو الذي يجمع كل شيء فاضل وحسن وكل جهات الإنسان تأخذ حقها من الإشعاع والنور. أما روحانية الملاحدة فهي ضياء في بواطنه ظلام، وحتى إنسانيتهم مثل ذلك، أي في بواطنها لا إنسانية .
العبودية الحقيقية لا تجعل فينا شيء يصارع شيئا آخر، ولا تنظر الى الكون على انه يتصارع كما ينظر الملحد، بل تنظر الى الانسجام الذي يرصده العلم، فما العلم الا راصد لجمال هذا الكون. أي لنظامه. وهذه العبودية الحقيقية تنسجم مع عقولنا ومنطقنا ومع حسّنا الاخلاقي ، مُشوّهوا الدين من داخله وخارجه وعبر الزمن سببوا مثل هذه النشازات على القلوب الطيبة التي تريد الارتباط الكامل بعالم الجمال. علينا ان نكون واعين ولا نكون امعة، القرآن أمرنا ان نعبد الله على بصيرة، أي بصيرتنا نحن وليس بصيرة غيرنا.
اكثر الفقهاء نظروا الى الصلاة بهذه النظرة التي سببت لك ولغيرك الازعاج، نظروا إليها كآلية يجب أن تطبّق بالكامل، وإلا فسترمي بك على "الاقرع الحابس" كما سميتيه .. نعم الله يريد لنا الخير، اذا كنا نحب الله فعلا، فكيف يقذفنا في النار بمجرد غلطة او تأخير او نسيان او انشغال في الصلاة أو لعضو لم يتبلل بالماء من الوضوء؟ أو أن يرمي صلاتنا في وجوهنا ونحن متوجهين اليه حقيقة، لكنها وقعت بعض الاخطاء أثناءها؟ مع أن الله لا يرد من أتى إليه و دعاه. قال تعالى (بلى من اسلم وجهه لله وهو محسن). الله يعلم ما في نفوسنا وليس الفقهاء والمتشددين، فربنا الله وليس العالِم او الفقيه.
الإسلام الحقيقي المنطلق من القرآن وما والاه ولم يخالفه من الآثار وليس من تهويلات الفقهاء وحزبياتهم وصراعاتهم، هو الذي ينقذ الروح من الضياع، فالروح تعرف ان ارتباطها بالجسد ليس اساسي ولا دائم، حتى انه تتلف اجزاء من الجسد لا تسأل عنها الروح اين ذهبت ولا تتغير الروح،
وكما صرّحتِ، يستطيع الملحد ان يمارس الصلاة، فيبدو مسلما موغلا في الخشوع من الخارج ويسلم من النقد، بينما هو ملحد، أي الأكثر كفرا من كل الديانات، لأنه لا يؤمن بأي ثابت ديني من مجموع كل الديانات. وهكذا تكون صورته قبيحة وليست جميلة : صورة الموغل في النفاق.
السؤال : لماذا الروحانية مطلوبة و حاجة نفسية ؟ ثم سؤال آخر : ما هي الروحانية ؟ الروحانية هي الخضوع، فكيف يأخذ الملحد روحانية من دين لا يخضع له وإله لا يسيطر عليه وليس عبدا له ولا يعترف به ؟ هل الشكليات تعطي روحانية؟ فاقد الشيء لا يعطيه، والأديان هي اساسات الروحانيات، وغيرها لا يسمى روحانية. هذا خداع للنفس والغير، وإلا لسميت المخدرات روحانية ! مع أن البعض يسميها مشروبات روحية، كاشفا سوء الفهم لكلمة "روحانية" ، فما هي نقطة الالتقاء بين الكحول و الدين ؟ لا يوجد لقاء بين الايجابي والسلبي .. مع أن الكحول سموم تبلد المخ والإشارات العصبية، وتفضي الى حالة جنونية وليست روحانية. وهكذا نفهم ان الروحانية عند الماديين هي شلل العقل، سوءا في اليوغا او الكحول أو في الزار. ولهذا سمّوا الدين بأفيون الشعوب. معتقدين انه يشل العقل بروحانيته.
ثم كيف تحس بروح الكلمات دون ان تقتنع بها عقليا؟ وكيف تستفيد منها مع أنك لا تعتقد بأنها هي الحقيقة ؟ ما فائدة روحانية لا مجال فيها للعقل؟ الدين ليس مخدرات ومسكنات ألم. الدين صراط ومنهج حياة وارتباط بالحقيقة، حتى على حساب مصالح الذات. تصل الى درجة الفداء بالمال والنفس. كلمة "دين" مأخوذة من دَين ، والدَّين هو الإقرار بحق يجب أن يُؤدى. فإذا قلت : عليّ دين لفلان، فأنت تقرّ بهذا الحق و تودّ تنفيذه.
وإذا كان الامر هكذا، فالملحد الصريح يكون موقفه أشرف من الملحد الذي يغمس رأسه في سجاجيد الصلاة ويفتخر انه أكثر روحانية من اصحاب الدين نفسه، وينتقد اعدائه لصلاتهم بدون تأمل. والشجاعة فضيلة حتى لو كانت على باطل.
الدين هو حالة اختيار، وليس ما يفرضه المجتمع الذي وُلدت فيه، في حالة الاختيار لا اختيار فيها، فما دمت اخترت فأنت مُلزم، الاختيار يُلزم بالصدق وليس بالنفاق. وكلمة إلزام ليست مثل كلمة إلتزام، وإذا لم نحب الصلاة لمعاني الشكر والعبودية لله فعسانا لا نحبها ابدا، نستطيع ان نمارس اية رياضة روحية غيرها. ثم ان الصلاة في الاسلام أوسع من المفهوم الذي قدمته الكاتبة، فهي قالت ان الصلاة ليست إلا تأمل فقط، بينما أصل الصلاة أولا هو الشكر للمنعم الموجد، وأول ما تبدأ به : (الحمد لله رب العالمين) وفيها التسبيح والتعظيم له ودعاؤه، والدعاء نداء، وحركات الصلاة كلها حركات شكر وتذلل كامل، لاحظ وضع السجود، هذا ما يفعله عبدة الاباطرة عندما يسجدون لحكامهم، أما المسلم فيؤدي هذه الحركة لله فقط. ومثلها الركوع في التعظيم.
اذن حتى الحركات لها قيمة رمزية وليست مجرد رياضة. والصلاة فيها تدبر أثناء قراءة القرآن نفسه، والتدبر يعني أن تحدد موقعك من هذا الكلام الذي تقوله، وهل انت تمشي دُبر الايات التي تقولها أم لا، والخضوع ينتج الخشوع. أما كلمة "تأمل" فليست مناسبة كثيرا للصلاة، لأن الصلاة فيها أقوال وأفعال، فمتى يكون هناك تأمل؟ إلا إذا قصدتي تأمل الكلام الذي نقوله، فهذا صحيح.
التأمل يحتاج لوقت طويل، وكيف يكون التنفس العميق مع قراءة القرآن والركوع والسجود المتكرر؟ فالنَفَس يؤدي وظيفة في الصلاة . والتأمل يحتاج الى جلسة استرخاء و نظر الى مظاهر الطبيعة وتأمل في هذا الكون واختلاف الليل والنهار والتأمل في النجوم، والتأمل اثناء السفر ، والتأمل حتى في اجسامنا وأنفسنا، وفي هذا الكون من اين جاء، ونتيجة هذا التأمل هو الشعور بالجلال، وهو ارقى من الشعور بالجمال. مثل من يقف في قمة جبال الهملايا، وينظر ما حوله من وديان سحيقة والسماء، أو من يقضي ليلة في غار حراء كما فعل الرسول لوحده، فيشعر بجلال.
شعور الجلال هو لصاحب الجلال والإكرام، وهو نتيجة التدبر والتأمل دائما، لاحظ أن هذا الشعور دائما مصحوب برهبة، فالجلال يعني خوف مع جمال ممزوجين، والتمعن في الجمال الحقيقي يؤدي الى الجلال، وهذا يؤدي الى ان جمال الكون يفضي الى شعورنا بالله، ومنه يأتي الجلال، فالجلال من الله سبحانه وهي ارتباط الروح بالله، وهذا يدلنا على ان الخوف من الله ليس فقط من عذابه، بل حتى من جماله، انظر الى اندكاك الجبل، وهذا الذي سبب الإغماء لموسى. الجلال طاقة جمال الهية لا نستطيع تحملها، وننسحق اماهها، اذن الجمال يدل على الله من خلال الجلال.
التأمل يُرمز له في الصلاة بالتسبيح، لأن التأمل ينتج كلمة "سبحان الله" من خلال الشعور بالجلال، وهي انسب كلمة للتعبير عن الشعور بالجلال، وهو نفس الشعور الذي احسته نسوة يوسف وقطعن ايديهن بسببه، بسبب الجلال وليس الجمال العادي، لاحظ كلمة "اكبرنه" تشير إلى إجلالهن له ، والإكبار أرفع من مجرد الاعجاب ..
ولا اقول ان التأمل غير موجود في الصلاة، لكنه جزء وليس كل الصلاة. لأن الصلاة ليست مثل اليوغا جلسة مستمرة هادئة، حتى التنفس فيها يُحبس! مع أن اليوغا في الحقيقة ليست تأمل ، هي تفريغ أو إخلاء، أي أبعِد كل ما تفكر فيه وما يشغل بالك من مشاغل الدنيا، ومبدؤهم تأمل الفراغ او العدم، وهم يطيلون التأمل الى الفراغ بين اصابعهم كطريقة من الطرق، وهذا يدل على انهم يبحثون عن الفراغ الداخلي من الهموم والتفكير، وبما في ذلك إبعاد الدين والله عن التفكير، وهذا من الخطأ تسميته تأملاً، فالتأمل مرتبط بالتفكير. والتفريغ الداخلي قريب من عائلة المسكرات والمخدرات والمنومات، اذ ان ارقى درجات التأمل ألا تشعر بشيء، أي تبلد الاحساس والعقل طبعا. وهذا هو عمق السلبية ، وتبلد الاحساس تنتجه المخدرات والزار ايضا ، بل يصل أثر الزار الى عدم الاحساس بألم السكاكين التي يزرعونها في اجسامهم احيانا، مث لمن ياخذ مخدر البنج فلا يحس بالألم . ومن يحتاج الى مثل هذا النوع من التخدير، لا بد ان معاناته كبيرة جداً. وهذا هروب، ومواجهة المشاكل افضل من الهروب. هذه ممكن ان تسمى عائلة الهروبيات.
التأمل يقود للتفكير : (ويتفكرون في خلق السموات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار) . وإذا جئنا نحقق في الكلمة لغويا نجدها مرتبطة بكلمة أمل، هذا غير الكسل واضاعة الوقت في جلسات كسولة، بل ولها اضرار صحية على المفاصل كما تفعل اليوغا، لأن الانسان خلق ليعمل ويتحرك ويفكر ويتدبر ويتأمل، لا أن يعيش في الفراغ ويتخدر، فالزمن يمشي .
الحقيقة ان ما يسمى بالرياضات الروحية اشبه ما يكون بالمخدرات التي تبلّد العقل، و تبليدها للعقل يُنتج بعض الراحة بنسيان التفكير الضاغط في امور متعبة وقضايا معلقة. كما يفعل الكئيب في الانغماس في النوم حتى ينسى. كل هذه الصور حالة تفريغ للداخل. بقي الإيجابية والبناء ! أين هي ؟ هذه حالات هروب وليست إيجابية. سواء في الكحول او اليوغا أو غيرها .
أما مثال الأم والخضار فلا ينطبق على الصلاة، لأن الصلاة مع أنها تفيدنا فهي حق لله، وواجب شكر، وفريضة في كل الأحوال، والعقاب على حق الله إذا ضيّع، قال تعالى (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا) ، وفعلا الله غير محتاج لنا، ليست المسألة احتياجات مادية، المسألة أخلاقية، نحن نحب من يشكرنا والله يحب من يشكره ويغضب على من يكفره، والذي لا يشكر سوف يكفر ومن يكفر سوف يسيء، شخص أحسنا إليه كثيرا وكفر ونكر ما قدم له، فهل نقول عنه شخص طيب؟ لكن إذا أخطأ أو نسي فإننا نتسامح معه بسهولة، كذلك الله يعاملنا، أي بالأخلاق نعرف الله.
ومثال الطفل الذي يمتنع عن الخضار فهو إنما يضر نفسه، أما من يكفر بالله فهو يضر غيره ويصد ويكثر أهل الباطل والشر، وكل ناكر جميل شرير. الأخلاق ليست فقط بيننا وبين الآخرين، فالأخلاق يجب أن تكون وسيلة اتصالنا بكل شيء، فالخالق هو أول من يستحق التعامل بالأخلاق، لأن كل شيء من الله وإليه، كل هذا ولا يستحق أن يعامل بأخلاق؟!
وأنت قلت عن التشديد على الكلمات الإيجابية، وهل في الصلاة كلمات سلبية وغير إيجابية؟! وهذا كما يبدو من إيحاء ما يسمى بقانون الجذب: كرر كلمات نجاح وثروة تصبح ناجح وثري, وهكذا قل أنا سعيد وتصبح سعيد ولا تنظر إلى الكلمات السلبية, أليس هذا يشبه دس الرأس بالرمل كما تفعل النعامة عن السلبية وهي موجدة في الواقع؟! انس الذئب يختفي الذئب! فكر في الغزال يظهر لك الغزال! وكأن الطبيعة تحت أمانينا! الملاحدة المطنطنين بالعقلانية والعلم يقبلون كل هذه اللامنطقيات بسهولة ! المهم ان يبتعد الدين وبعده أهلا بالخرافات كلها! العقلاني الحقيقي من يستمر في عقلانيته فالمنهج لا يتغير وإلا ليس منهج, الصراط المستقيم لا ينحرف, إذن من التناقض في المنهج الجمع بين الإلحاد والروحانية.
هذا من خداع النفس: وهّم نفسك أنك سعيد تصبح سعيد! كل شيء له أصول وقوانين ليست بالأماني! وهذا قانون غير منطقي أصلا لأنه يستبعد الخوف ويركز على الرغبة, وأي نجاح لا يوصل إليه إلا بالمخاوف والاحترازات وليس بالتمني والأحلام الوردية, الإنسان بحاجة إلى الخوف كثر من حاجته للرغبة والإيجابية حتى في أمور سلامته, ولو خفنا أكثر لتحسنت أمورنا أكثر فمشكلتنا نقص الخوف وليس نقص الأمنيات الحلوة! لهذا قال تعالى: (سيتذكر من يخشى) وعدم المبالاة بالمخاوف نوع من الغرور والكبر والسفاهة, دائما الأكثر مخاوف هم الأحوط والأنجح, فالطفل المتردد قد يكون أذكى من الطفل الجريء لأنه يحترز من أشخاص لا يعرفهم, أما المتفائل الإيجابي دائما فقد يعرض نفسه للخطر! وما السفاهة إلا إيجابية مفرطة تجعله يتهور فيضر نفسه وغيره, لأنه يركز على الكلمات الإيجابية ويتناسى الكلمات السلبية, وهل من العقل أن تتناسى شيء وهو موجود أو يمكن منطقيا أن يوجد؟! لو كان دافع الإيمان هو الرغبة بالجنة ومتعها لما قال القرآن: {سيتذكر من يخشى} ولكان قال سيتذكر من يرغب ويتلذذ! وهؤلاء الذين يخشون سماهم القرآن بالذين يعقلون وأولي النهى, أي هم من يخافون أكثر, حتى على مصيرهم بعد الموت وليس الذين يعيشون متعة اللحظة والأماني الإيجابية. عقولهم التي أخبرتهم بوجود إله جعلتهم يخافون أن يتعاملوا معه تعاملا سيئا فينتقم منهم, لأنه المستحق لأحسن التعامل والقادر على فعل أي شيء. حتى الناجحون بالتاريخ هم الحذرون الذين لا يتهاونون بأعدائهم, وبالأمثال يقولون :"من خاف سلم", ولا أقصد الخوف بمعنى التوقف بل الخوف الإيجابي, فخوف العقلاء هو خوف لا يجعلهم يتوقفون بل يتحركون وهم يحذرون و لا يتهورون خصوصا بالأمور المصيرية.
التركيز على الإيجابية هي خدعة رأسمالية لإبعاد الناس عن طريق النجاح الحقيقي وطريق السعادة الحقيقي وتحويلهم إلى استهلاكيين يعيشون على الأماني والديون! العاقل ينظر للسلبيات والإيجابيات بل يهتم بالسلبيات أكثر لأن تأثير الخطر أكبر من تأثير اللذة.
هذا تدبر القرآن هو ما يرينا الحقيقة كما هي, فالقرآن لم يقل من يرغب بل قال :{..من جاءك يسعى وهو يخشى} وكررت الخشية كثيرا في القرآن. كثرة المخاوف والشكوك وتنوعها من سمات العاقلين الذين لا يثقون بسهولة وهم من يسمون بالحازمين, فالحزم معناه الاحتياط والاستعداد وليس القسوة.
لماذا تصر على كلمة مصلحة ، هل لا يوجد في القاموس غيرها؟؟ ، أم لأجل تسويغ المصلحة المادية ، إذا كان سيسمى الحب مصلحة ، والبزنس مصلحة ، والكرم مصلحة ، والبخل مصلحة ، إذا مافائدة اللغة ، ولماذا تفرق بين الأمور؟؟! ، لماذا لا نسمي كل الدنيا مصلحة ، والآخرة مصلحة ، وأنا وأنت مصلحة ، وكل من في الشارع مصلحة ، والجنة والنار مصلحة ، وكل الدنيا مصلحة ، لماذا لا نفرق بين الأشياء ؟؟! ، لماذا توضع الأضداد في كيس واحد ؟؟ ، ولمصلحة من على ذكر المصلحة ؟؟ .
الفرقان جاء ليفرق بين الأمور لا أن يضعها تحت مسمى واحد ، والعلم تفريق ، والتشابه جهل والتباس كما ذكر القران، أنا أريد أن أفرق بين المصطلحات وأنت تجعلها متشابهه ، ومثلك يحب العلم لا أن يحب أن تلتبس الأمور ،ويشملها أسم واحد وهو المصلحة ، كلمة مصلحة معروف لأي مجال وضعت وهي المصالح المادية التي تتعلق بالجسم ، وضحت لك أن المصطلح لا يصلح للشيء وضده ، ومثلت لك أن المال مصلحة ، أليس هذا صحيح ؟ ، الكرم هو إتلاف هذا المال ، أي تتلف المصلحة لقيمة معنوية ، هذا عند الكريم الحقيقي وليس الكريم الوصولي ، فكيف نسمي إتلاف المال مصلحة وجمعه مصلحة ، هذا يشبه أن نحذف كلمة نهار أو ليل ونقول تكفي واحدة منهما ، هذه الفكرة هي التي تتحدث عنها الفلسفة الغربية ، وتصف كل الخير والأخلاق بأنها مصالح في النهاية ، وهكذا لا يبقى للفضيلة مجال ، فقط مصالح ، وحينها لا يلام أي نفعي ، ولا يوجد فرق بين إنسان مصلحجي وإنسان أخلاقي مادام أن كلهم يعملون للمصلحة ، مع أن الفضيلة شيء موجود ، وكم من إنسان ضحى بحياته وليس بماله فقط لأجل موقف نبيل ، أو بدافع رحمة ، أين المصلحة في هذا العمل؟؟ ، إذا خطأ أن نقول مثل الماديين والملاحدة أن كل دوافع الإنسان مصلحية ومادية نفعية ، هذا إن انطبق على البعض لا ينطبق على الكل ، وليس كل الناس يفكرون في المصالح فقط وتحركهم حسبتها كما يفكر التاجر والسياسي ، هناك دوافع عليا أعلى من الجسد ومصلحته ، زكاها بعض الناس ودساها بعضهم ، وأساسها موجود في الشعور الإنساني ، وكل إنسان شهد موقفا تقدم فيه شهم وأنقذ حياة غيره وتضرر هو ، لابد أن يشعر باحترام لذلك الشخص حتى وان منعته مصالحه وأنانيته أن يكون مثله ، إذا هذا الدافع موجود عند الكل حتى عند الماديين الجشعاء ، وبما أن الإنسان جسد وروح لماذا نقول أن له دافع واحد فقط يتعلق بالجسد وننسى الدوافع الروحية ؟؟ إلا إذا كان جسد فقط وعبارة عن آلة ميكانيكية لا روح لها حينها نقول أن الدوافع مصلحية ، إذا كان الكرم مرتبط بالمصلحة إذا ستكون ولائمك للأغنياء والناجحين ، ولابد لك أن تطرد كل فقير وعاجز لا مصلحة لك منه حتى لو كان يستحق الرحمة ، فهل هذا هو الصحيح؟؟ ، هذا ماتوجبه كلمة مصلحة التي تتمسك بها ، الأخلاق أرقى من المصلحة ، فكيف نجعل الأرقى خادماً للأدنى ، أليس الروح أثمن من الجسد أم العكس ؟؟! ، بعض الناس جسده أثمن ، وبعضهم روحه أثمن ، وكل له معطيات ونظرات للأمور تختلف ، فالناس لا يشملهم تعريف واحد بل إثنان ، قال تعالى ( وهديناه النجدين)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى