محاباة الكفار والسكوت عنهم
صفحة 1 من اصل 1
محاباة الكفار والسكوت عنهم
وقد ذكر العلماء أن من تزيا بزي الكفار صار كافرا، ومن تكلم بكلمة الكفر صار كافرا. فكيف بمن بلغ هذه الرتبة اعتقادا وقولا وفعلا.
فإن قلت:
هذه النذور والنحائر ما حكمها؟ قلتُ: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها يسعون في جمعها لو بارتكاب كل معصية ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض والقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئا إلا لجلب نفع أكثر منه أو دفع ضرر. فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده ما أخرج درهما، فإن الأموال عزيزة عند أهلها .
فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله وأنه لا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضررا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ويجب رده إليه.
وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه قبضه لأنه أكل لمال الناذر بالباطل لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى: ()وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) ، ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاده ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك. (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي، ولأنه تدليس على الناذر وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره.
فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم؟ وأي رضا بالمعصية ابلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفا أعجب من هذا؟ وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذه الأسلوب، يعتقد الناذر جلب النفع في الصنم ودفع الضرر فينذر له جزوا من ماله ويقاسمه في غلات أطيانه ويأتي به إلى سدنة الأصنام فيقبضونه منه ويوهمونه حقيقة عقيدته وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم.
وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها.
فإن قلتَ:
إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله! قلتُ: كذلك الأصنام، قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان. فإن كان هذا دليلا على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها فليكن دليلا على حقية الأصنام. وهذا هدم للإسلام وتشييد لأركان الأصنام.
والتحقيق أن لإبليس وجنوده من الجن والإنس أعظم العناية في إضلال العباد وقد مكن الله إبليس من الدخول في الأبدان والوسوسة في الصدور والتقام القلب بخرطومه. وكذلك يدخل أجواف الأصنام ويلقي الكلام في أسماع الأقوام. ومثله يصنعه في عقائد القبوريين. فإن الله تعالى: قد أذن لـه أن يجلب بخيله ورجله على بني آدم وأن يشاركهم في الأموال والأولاد. وثبت في الأحاديث الصحيحة "أن الشيطان يسترق السمع بالأمر الذي يحدثه الله، فيلقيه إلى الكهان ـ وهم الذين يخبرون بالمغيبات ويزيدون فيما يلقيه الشيطان من عند أنفسهم مائة كذبة.
ويقصد شياطين الجن شياطين الإنس من سدنة القبور وغيرهم فيقولون: إن الولي فعل وفعل، يرغبونهم فيه ويحذرونهم منه. وترى العامة ملوك الأقطار وولاة الأمصار معززين لذلك ويولون العمال لقبض النذور وقد يتولاها من يحسنون فيه الظن من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي، فيتم التدليس لإبليس وتقر عينه بهذا التلبيس.
فإن قلت هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد وطبق الأرض شرقا وغربا ويمنا وشاما وجنوبا وعدنا، بحيث لا تجد بلدة من بلاد الإسلام إلا وفيها قبور ومشاهد وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها، ويطوفون بفناء القبور، ويسرجونها ويلقون عليها الأوراد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلل والافتقار إليها.
بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلوا عن قبر أو قريب منه أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيها ما ذكر أو بعض ما ذكر. ولا يسع عقل عاقل أن هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت عليه علماء الإسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا.
قلتُ:
إن أردت الإنصاف وتركت متابعة الأسلاف وعرفت أن الحق ما قم عليه الدليل لا اتفق عليه العوام جيلا بعد جيل وقبيلا بعد قبيل، فأعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها ونسعى في هدم منارها صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دني ومثيل ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه، ويراهم ينذرون عليه ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويجعلونه طائفا على قبره، فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده من يعتقدونه.
فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير ولا يسمعون من أحد عليهم من نكير. بل ترى ممن يتسم بالعلم ويدعي الفضل وينتصب للقضاء والفتيا والتدريس أو الولاية أو المعرفة أو الإمارة والحكومة معظما لما يعظمونه مكرما لما يكرمونه قابضا للنذور آكلا ما ينحر على القبور، فيظن العامة أن هذا دين الإسلام وأنه رأس الدين والسنام، ولا يخفى على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر أن سكوت العالم على وقوع منكر ليس دليلا على جواز ذلك المنكر.
ولنضرب لك مثلا من ذلك وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من ضرورة الدين تحريمها، قد ملأت الديار والبقاع وصارت أمرا مأنوسا لا يلج ، نكارها إلى سمع من الأسماع وقد امتدت أيدي المكاسين في اشرف البقاع في مكة أم القرى يقبضون من القاصدين لأداء فريضة الإسلام، ويلقون في البلد الحرام كل فعل حرام وسكانها من فضلاء الأنام، والعلماء والحكام ساكتون على الإنكار معرضون عن الإيراد والإصدار. أفيكون السكوت دليلا على حل وإحرازها؟ هذا لا يقوله من له أدنى إدراك.
بل أضرب لك مثلا آخر ؛ هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا، بالاتفاق وإجماع العلماء، أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله عز وجل من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها ووفد علماء الآفاق والأبدال والأقطاب إليها وشاهدها كل ذي عينين، وسمع بها كل ذي أذنين.
أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من لـه إلمام بشيء من المعارف. كذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين.
فإن قلت:
هذه النذور والنحائر ما حكمها؟ قلتُ: قد علم كل عاقل أن الأموال عزيزة عند أهلها يسعون في جمعها لو بارتكاب كل معصية ويقطعون الفيافي من أدنى الأرض والقاصي، فلا يبذل أحد من ماله شيئا إلا لجلب نفع أكثر منه أو دفع ضرر. فالناذر للقبر ما أخرج ماله إلا لذلك، وهذا اعتقاد باطل، ولو عرف الناذر بطلان ما أراده ما أخرج درهما، فإن الأموال عزيزة عند أهلها .
فالواجب تعريف من أخرج النذر بأنه إضاعة لماله وأنه لا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضررا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) ويجب رده إليه.
وأما القابض للنذر فإنه حرام عليه قبضه لأنه أكل لمال الناذر بالباطل لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى: ()وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ ) ، ولأنه تقرير للناذر على شركه وقبح اعتقاده ورضاه بذلك، ولا يخفى حكم الراضي بالشرك. (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) ، فهو مثل حلوان الكاهن ومهر البغي، ولأنه تدليس على الناذر وإيهام له أن الولي ينفعه ويضره.
فأي تقرير لمنكر أعظم من قبض النذر على الميت؟ وأي تدليس أعظم؟ وأي رضا بالمعصية ابلغ من هذا؟ وأي تصيير لمنكر معروفا أعجب من هذا؟ وما كانت النذور للأصنام والأوثان إلا على هذه الأسلوب، يعتقد الناذر جلب النفع في الصنم ودفع الضرر فينذر له جزوا من ماله ويقاسمه في غلات أطيانه ويأتي به إلى سدنة الأصنام فيقبضونه منه ويوهمونه حقيقة عقيدته وكذلك يأتي بنحيرته فينحرها بباب الصنم.
وهذه الأفعال هي التي بعث الله الرسل لإزالتها ومحوها وإتلافها والنهي عنها.
فإن قلتَ:
إن الناذر قد يدرك النفع ودفع الضرر بسبب إخراجه للنذر وبذله! قلتُ: كذلك الأصنام، قد يدرك منها ما هو أبلغ من هذا، وهو الخطاب من جوفها والإخبار ببعض ما يكتمه الإنسان. فإن كان هذا دليلا على حقية القبور وصحة الاعتقاد فيها فليكن دليلا على حقية الأصنام. وهذا هدم للإسلام وتشييد لأركان الأصنام.
والتحقيق أن لإبليس وجنوده من الجن والإنس أعظم العناية في إضلال العباد وقد مكن الله إبليس من الدخول في الأبدان والوسوسة في الصدور والتقام القلب بخرطومه. وكذلك يدخل أجواف الأصنام ويلقي الكلام في أسماع الأقوام. ومثله يصنعه في عقائد القبوريين. فإن الله تعالى: قد أذن لـه أن يجلب بخيله ورجله على بني آدم وأن يشاركهم في الأموال والأولاد. وثبت في الأحاديث الصحيحة "أن الشيطان يسترق السمع بالأمر الذي يحدثه الله، فيلقيه إلى الكهان ـ وهم الذين يخبرون بالمغيبات ويزيدون فيما يلقيه الشيطان من عند أنفسهم مائة كذبة.
ويقصد شياطين الجن شياطين الإنس من سدنة القبور وغيرهم فيقولون: إن الولي فعل وفعل، يرغبونهم فيه ويحذرونهم منه. وترى العامة ملوك الأقطار وولاة الأمصار معززين لذلك ويولون العمال لقبض النذور وقد يتولاها من يحسنون فيه الظن من عالم أو قاض أو مفت أو شيخ صوفي، فيتم التدليس لإبليس وتقر عينه بهذا التلبيس.
فإن قلت هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد وطبق الأرض شرقا وغربا ويمنا وشاما وجنوبا وعدنا، بحيث لا تجد بلدة من بلاد الإسلام إلا وفيها قبور ومشاهد وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها ويحلفون بها، ويطوفون بفناء القبور، ويسرجونها ويلقون عليها الأوراد والرياحين ويلبسونها الثياب ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخضوع والخشوع والتذلل والافتقار إليها.
بل هذه مساجد المسلمين غالبها لا يخلوا عن قبر أو قريب منه أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيها ما ذكر أو بعض ما ذكر. ولا يسع عقل عاقل أن هذا منكر يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة ويسكت عليه علماء الإسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا.
قلتُ:
إن أردت الإنصاف وتركت متابعة الأسلاف وعرفت أن الحق ما قم عليه الدليل لا اتفق عليه العوام جيلا بعد جيل وقبيلا بعد قبيل، فأعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها ونسعى في هدم منارها صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دني ومثيل ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه، ويراهم ينذرون عليه ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويجعلونه طائفا على قبره، فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده من يعتقدونه.
فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير ولا يسمعون من أحد عليهم من نكير. بل ترى ممن يتسم بالعلم ويدعي الفضل وينتصب للقضاء والفتيا والتدريس أو الولاية أو المعرفة أو الإمارة والحكومة معظما لما يعظمونه مكرما لما يكرمونه قابضا للنذور آكلا ما ينحر على القبور، فيظن العامة أن هذا دين الإسلام وأنه رأس الدين والسنام، ولا يخفى على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر أن سكوت العالم على وقوع منكر ليس دليلا على جواز ذلك المنكر.
ولنضرب لك مثلا من ذلك وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من ضرورة الدين تحريمها، قد ملأت الديار والبقاع وصارت أمرا مأنوسا لا يلج ، نكارها إلى سمع من الأسماع وقد امتدت أيدي المكاسين في اشرف البقاع في مكة أم القرى يقبضون من القاصدين لأداء فريضة الإسلام، ويلقون في البلد الحرام كل فعل حرام وسكانها من فضلاء الأنام، والعلماء والحكام ساكتون على الإنكار معرضون عن الإيراد والإصدار. أفيكون السكوت دليلا على حل وإحرازها؟ هذا لا يقوله من له أدنى إدراك.
بل أضرب لك مثلا آخر ؛ هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا، بالاتفاق وإجماع العلماء، أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله عز وجل من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها ووفد علماء الآفاق والأبدال والأقطاب إليها وشاهدها كل ذي عينين، وسمع بها كل ذي أذنين.
أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من لـه إلمام بشيء من المعارف. كذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى