مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تالله إن كنا لفي ضلال مبين

اذهب الى الأسفل

تالله إن كنا لفي ضلال مبين Empty تالله إن كنا لفي ضلال مبين

مُساهمة  طارق فتحي الأربعاء ديسمبر 17, 2014 10:00 am

إذا تقرر عندك أن المشركين لم ينفعهم الإقرار بالله مع إشراكهم الأنداد من المخلوقين معه في العبادة ولا أغنى عنهم من الله شيئا وأن عبادتهم هي اعتقادهم فيهم أنهم يضرون وينفعون وأنهم يقربونهم إلى الله زلفى وأنهم يشفعون لهم عند الله تعالى، فنحروا لهم النحائر وطافوا بهم ونذروا النذور عليهم، وقاموا متذللين متواضعين في خدمتهم وسجدوا لهم، ومع هذا كله فهم مقرون لله بالربوبية وأنه الخالق ولكنهم أشركوا في عبادته، جعلهم مشركين ولم يعتد بإقرارهم هذا، لأنه نافاه فعلهم، فلم ينفعهم الإقرار بتوحيد الربوبية. فمن شأن من أقر لله تعالى بتوحيد الربوبية أن يفرده بتوحيد العبادة.
فإن لم يفعل ذلك فالإقرار الأول باطل. وقد عرفوا ذلك وهم في طبقات النار فقالوا : (تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين) مع أنهم لم يسووهم به من كل وجه ولا جعلوهم خالقين ولا رازقين، لكنهم علموا وهم في قعر جهنم أن خلطهم الإقرار بذرة من ذرات الإشراك في توحيد العبادة صيرهم كمن سوى بين الأصنام وبين رب الأنام. قال الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) أي ما يقر أكثرهم في إقراره بالله وبأنه خلقه وخلق السموات والأرض إلا وهو مشرك بعبادة الأوثان.
بل سمى الله الرياء في الطاعات شركا. مع أن فاعل الطاعة ما قصد بها إلا الله تعالى:، وإنما أراد طلب المنزلة بالطاعة في قلوب الناس. فالمرائي عبد الله لا غيره لكنه خلط عمله بطلب المنزلة في قلوب الناس، فلم يقبل لـه عبادة وسماها شركا، كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (يقول الله تعالى: أنا أعنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) بل سمى الله التسمية بعبد الحارث شركا، كما قال تعالى: ()فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
فإنه أخرج الإمام أحمد والترمذي من حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما حملت حواء ـ وكان لا يعيش لها ولد ـ طاف بها إبليس، وقال: لا يعيش لك ولد حتى تسميه عبد الحرث. فسمته فعاش. وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره. فأنزل الله الآيات وسمى هذه التسمية شركا، وكان إبليس تسمى بالحرث". والقصة في الدر المنثور وغيره.

القول أن الله تعالى: جعل العبادة له أنواعا
اعتقادية:
وهي أساسها، وذلك أن يعتقد أنه الرب الواحد الأحد الذي له الخلق والأمر وبيده النفع والضر وأنه الذي لا شريك له ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، وأنه لا معبود بحق غيره، وغير ذلك من لوازم الألوهية.
ومنها اللفظية:
وهي النطق بكلمة التوحيد، فمن اعتقد ما ذكر ولم ينطق بها لم يحقن دمه ولا ماله، وكان كإبليس، فإنه يعتقد التوحيد بل ويقر به كما أسلفنا عنه، إلا أنه لم يمتثل أمر الله فكفر. ومن نطق ولم يعتقد حقن ماله ودمه وحسابه على الله، وحكمه حكم المنافقين.
وبدنية:
كالقيام والركوع والسجود في الصلاة. ومنها الصوم وأفعال الحج والطواف.
ومالية:
كإخراج جزء من المال امتثالا لما أمر الله تعالى به. وأنواع الواجبات والمندوبات في الأموال والأبدان والأفعال والأقوال كثيرة، لكن هذه أمهاتها.
وإذا تقررت هذه الأمور، فاعلم أن الله تعالى بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم يدعون العباد إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، لا إلى إثبات أنه خلقهم ونحوه، إذ هم مقرون بذلك، كما قررناه وكررناه، ولذا قالوا (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ) ، أي لنفرده بالعبادة ونخصه بها من دون آلهتنا، فلم ينكروا إلا طلب الرسل منهم إفراد العبادة لله.
فلم ينكروا الله تعالى ولا قالوا إنه لا يعبد، بل أقروا بأنه يعبد وأنكروا كونه يفرد بالعبادة، فعبدوا مع الله غيره وأشركوا معه سواه واتخذوا له أندادا، كما قال تعالى : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، أي وأنتم تعلمون أنه لا ند له. وكانوا يقولون في تلبيتهم للحج: " لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك". وكان يسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم عند قولهم "لا شريك لك" ويقول: قد افردوه جل جلاله لو تركوا قولهم "إلا شريكا هو لك". فنفس شركهم بالله تعالى: إقرار به.
قال تعالى: (أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) ، (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) (قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ) فنفس اتخاذ الأنداد إقرار بالله تعالى، ولم يعبدوا الأنداد بالخضوع لهم والتقرب بالنذور والنحر لهم إلا لاعتقادهم أنها تقربهم إلى الله زلفى وتشفع لهم لديه.
فأرسل الله الرسل تأمر بترك عبادة كل ما سواه وتبين أن هذا الاعتقاد الذي يعتقدونه في الأنداد باطل وأن التقرب إليهم باطل، وأن ذلك لا يكون إلا لله وحده. وهذا هو توحيد العبادة. وقد كانوا مقرين ـ كما عرفت في الأصل الرابع ـ بتوحيد الربوبية، وهو أن الله هو الخالق وحده والرازق وحده.
ومن هذا تعرف أن التوحيد الذي دعتهم إليه الرسل من أولهم وهو نوح عليه السلام إلى آخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم هو توحيد العبادة، ولذا تقول لهم الرسل: (ألا لا تعبدوا إلا الله)، (اعبدوا الله مالكم من إله غيره).
وقد كان المشركون منهم من يعبد الملائكة ويناديهم عند الشدائد ومنهم من يعبد أحجارا ويهتف بها عند الشدائد، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى عبادة الله وحده وبأن يفردوه بالعبادة كما أفردوه بالربوبية، أي بربوبيته للسموات والأرض وان يفردوه بمعنى ومؤدى كلمة " لا إله إلا الله" معتقدين لمعناها عاملين بمقتضاها وأن لا يدعوا مع الله أحدا. وقال تعالى: (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ) .
وقال تعالى) وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ، أي من شرط الصدق في الإيمان بالله أن لا يتوكلوا إلا عليه وأن يفردوه بالتوكل كما يجب أن يفردوه بالدعاء والاستغفار. وأمر الله عباده أن يقولوا (إياك نعبد) ولا يصدق قائل هذا إلا إذا أفرد العبادة لله تعالى، وإلا كان كاذبا منهيا عن أن يقول هذه الكلمة، إذا معناها: نخصك بالعبادة ونفردك بها دون كل أحد، وهو معنى قوله: (فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) ، (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) كما عرف من علم البيان أن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، أي لا تعبدوا إلا الله ولا تعبدوا غيره ولا تتقوا غيره كما في الكشاف.
فإفراد الله تعالى بتوحيد العبادة لا يتم إلا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله له والنداء في الشدائد والرخاء لا يكون إلا لله وحده، والاستعانة بالله وحده واللجأ إلى الله والنذر والنحر له تعالى:، وجميع أنواع العبادات من الخضوع والقيام تذللا لله تعالى والركوع والسجود والطواف والتجرد عن الثياب والحلق والتقصير كله لا يكون إلا لله عز وجل.
ومن فعل شيئا من ذلك لمخلوق حي أو ميت أو جماد أو غير ذلك فقد أشرك في العبادة. وصار من تفعل له هذه الأمور إله لعابديه، سواء كان ملكا أو نبيا أو وليا أو شجرا أو قبرا أو جنيا أو حيا أو ميتا. وصار العابد بهذه العبادة أو بأي نوع منها عابدا لذلك المخلوق مشركا بالله، وإن أقر بالله وعبده، فإن إقرار المشركين بالله وتقربهم إليه لم يخرجهم عن الشرك وعن وجوب سفك دمائهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم غنيمة. قال الله تعالى: [في الحديث القدسي] (أنا أغنى الشركاء عن الشرك) لا يقبل الله عملا شورك فيه غيره، ولا يؤمن به من عبد معه غيره
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى