*ابن صياد والصحابة الكرام-تميم الداري-فتنة الدجال-تحذيرالنبي منه
صفحة 1 من اصل 1
*ابن صياد والصحابة الكرام-تميم الداري-فتنة الدجال-تحذيرالنبي منه
غرائب مواقف الصحابة مع ابن صياد
ابن صياد والصحابة الكرام
/ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ : » خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ قَالَ : فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ ، وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ ، فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ . قَالَ : فَفَعَلَ . قَالَ : فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ : اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ ! فَقُلْتُ : إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ مَا بِي إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ فَقَالَ : أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ ، مِمَّا يَقُولُ لِيَ النَّاسُ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ r مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ r ؟ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : هُوَ كَافِرٌ ؟ وَأَنَا مُسْلِمٌ . أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ ؟ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ !« ([1])
شرح الغريب :
عس : القدح الكبير ، وجمعه عساس
وفي رواية قال ابن صائد لأبي سعيد t : ) وَاللَّهِ مَا أَنَا بِالدَّجَّالِ وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَوْ شِئْتَ لَأَخْبَرْتُكَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ أُمِّهِ وَاسْمِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا . ( ([2])
وفي رواية قال ابن صائد : ) وَاللَّهِ إِنَّي أَعْلَمَ النَّاسِ بِمَكَانِهِ السَّاعَةَ ( ([3])
أقول :
1- الآثار واضحة الدلالة في أن ابن صياد هو أحد الدجالين ، وله أحوال شيطانية ، وأنه غير معذور فيما يدعيه ، ففي اللحظة التي كاد فيها أبو سعيد t أن يعذره صرح بأنه يعرف مولد الدجال واسمه واسم والديه ومكان خروجه ، ولا نعلم هل كلامه من باب الدجل الذي يحاول تسويقه على الغير ؛ أم حصلت له هذه المعرفة من خلال تابعيه من الشياطين ، ولا نعلم دافعه من الحديث عن معرفته لمكان الدجال و اسمه ، هل هو استدراج لأبي سعيد لكي يستفهم منه – والصحابة كان عندهم تشوف وحرص لمعرفة كل شيء عن الدجال – أم هو إظهار لخوارقه وقدراته الخاصة ، أم هي غفوة كل دجال ليستبين من حوله حقيقة دجله ، أم هناك نوع اتصال بين دجال المدينة والدجال الأكبر كما أن هناك اتصالاً بين إبليس وأتباعه من سرايا الشياطين .
2- يتضح من سياق القصة أن أكثر الصحابة كانوا يعتقدون أن ابن صياد هو الدجال ، وإذا أضفنا إلى ذلك أنه لم يرد – في ظني – عن أي صحابي أنه كان يرى عكس ذلك ؛ أي إنه ليس الدجال ، وبالتالي نجد أنفسنا أمام جمع من الصحابة يعتقد ، بل بعضهم يقسم على أن ابن صياد هو الدجال ، ولم يصلنا – في حدود علمي- أي أثر منهم ينكر ذلك ، فأشبهت القضية الإجماع السكوتي من الصحابة الكرام .
3- يلحظ من سياق قصة أبي سعيد الخدري أن ابن صائد كان يتفنن في الدجل على من حوله ، ويتصور من سياق القصة أن ذلك وقع إما في عهد أبي بكر t وإما في عهد عمر t ، والسؤال الذي يطرح الآن : لماذا لم يقم أحد الخليفتين بتعزيره على ذلك ؟ بالرغم من أن تصرفه يشيع الفتنة بين المسلمين ، ولئن لم يكن الدجال ، وثبت ذلك عند الخليفتين ، ووقع منه دجل ، فهناك دواعي لمعاقبته من قبل الحاكم المسلم ، ولئن كان هناك مانع من معاقبته في عهد النبي r كصغر سن ابن صائد أو بسبب وجود معاهدات بين المسلمين ويهود المدينة ، فهذه الموانع انتفت في عهد الخليفتين ، ومن تتبع المسألة يجد أنه لم يردنا أي شيء عن محاسبة ابن صائد على دجله ، وعدم وقوع هذه المحاسبة فيه دلالة على أن هناك سبباً قوياً غير معهود في امتناع الخليفتين عن ذلك مع انتفاء الموانع الظاهرة وتوفر الدواعي لذلك ، فما هو هذا السبب ؟
4- المفارقات التي ذكرها ابن صياد بينه وبين الدجال الأكبر لها أهميتها في هذا المقام ، وهي مرجحة لكون ابن صياد ليس الدجال الأكبر ، لكنها غير جازمة ؛ لأن النبي r أخبر مثل هذه الأوصاف عن الدجال الأكبر بأنه لا يدخل مكة والمدينة ، وأنه لا يولد له ولد حين خروجه ، وهذا لا ينفي وقوعه قبل ذلك ، يقول ابن حجر : » أما احتجاجاته – أي ابن صائد – بأنه مسلم إلى سائر ما ذكر ، فلا دلالة له على دعواه ؛ لأن النبي r إنما أخبر عن صفاته وقت خروجه آخر الزمان .« ([4])
/ - - قال أبو سعيد : « وَقِيلَ لَهُ : أبن صائد ! أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ ؛ أي الدجال قَالَ : فَقَالَ : لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ . » ([5])
أقول :
الأثر فيه إشارة إلى أن ابن صائد كان معجباً بشخصية الدجال ، ولا نعلم هل قال هذا الكلام بعد إسلامه أم قبل ؟ وإن كان دلالة سياق أحاديث أبي سعيد تدل على أنه قال ذلك بعد إسلامه مما يشكك بصورة واضحة في مصداقية ادعائه الإسلام .
ولعل إعجابه بشخصية الدجال ، وتمنيه أن يكون هو ، واستعداده وجرأته ليقول هذا الكلام بين جمع يرى الدجال بصورة منفرة جداً مما سمعوا عن حقيقته من رسول الله ، يوضح لنا سبب نفور من حوله منه .
كذلك يحتمل سياق هذا الحديث وسابقه أن يكون ابن صائد نفسه هو الدجال ، وقد استخدم أسلوب التلميح دون التصريح في الدلالة على ذلك ، لعلمه أن التصريح بشخصيته ليس هذا زمانه الذي يعيش به ، و كأنه هنا استخدم أسلوب التقية والمعاريض لإخفاء شخصيته .
/ - عَنْ نَافِعٍ قَالَ : ) لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ قَوْلًا أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا . فَقَالَتْ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا . ( ([6])
/ - عن ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ نَافِعٌ يَقُولُ ابْنُ صَيَّادٍ – أي هو الدجال – قَالَ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: ) لَقِيتُهُ مَرَّتَيْنِ … فَلَقِيتُهُ لَقْيَةً أُخْرَى – أي ابن صياد - وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ قَالَ فَقُلْتُ : مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي قَالَ قُلْتُ : لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ ؟ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ خَلَقَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ . قَالَ : فَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ ، قَالَ : فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِيَ حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ قَالَ : وَجَاءَ – أي ابن عمر – حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَدَّثَهَا فَقَالَتْ : مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ – أي رسول الله – إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ . ( ([7])
أقول :
الأثران السابقان يشيران إلى بعض غرائب ابن صياد ، ومدى تأثيره النفسي والشعوري على من حوله ومن هذه الغرائب :
1- انتفاخه في الطريق أو الزقاق لدرجة أن ابن عمر رضي الله عنهما قال عنه أنه ملأ السكة ؛ أي الطريق .
2- عدم معرفة ابن صائد كيف ذهبت عينه ، وهذا الأمر يعزز عندنا أن ابن صياد لم يكن يملك نفسه ، بل كان نهبة لتسلط الشياطين عليه من صغره
3- عدم إحساس ابن عمر رضي الله عنهما بنفسه وهو يضرب ابن صياد ؛ فبالرغم من أنه كسر عصا عليه ؛ إلا أنه لم يشعر بذلك بل تشكك بقول من أخبره بأنه فعل ذلك مما يدل على أنه فقد الشعور بنفسه عندما كان يضربه ، والسؤال الذي يُطرح في هذا المقام : كيف أثر ابن صائد على أحاسيس ابن عمر رضي الله عنهما ؟ طبعاً هذا كان بفعل الشياطين التي وجدت في ابن صياد ثغرة تستطيع النفوذ من خلالها نحو البشر حوله .
4- لاحظنا من قصة ابن عمر وحفصة رضي الله عنهما أنهما يريان أن ابن صائد هو الدجال ، بل ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقسم على ذلك حيث قال : » وَاللَّهِ مَا أَشُكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ابْنُ صَيَّادٍ . « ([8]) و صيغة رد حفصة يؤكد على ذلك ، بل سياق الحديث يشير إلى جزم حفصة رضي الله عنها بهذا الأمر ، وحفصة هي ابنة عمر t وزوجة الرسول r ؛ أي هي أقرب الناس من هذا الشأن وفهم ملابساته ودلالة سياق القصة تشير أن ما وقع مع ابن عمر كان بعد عهد النبي r
إذا نحن هنا أمام أقرب الناس من رسول الله r ( حفص و عبدالله ابن عمر ) ، وهما يجزمان بأن ابن صائد هو الدجال مما يؤكد أنه لم يرد عن النبي r حال حياته ما ينفي هذا التصور الذي اختمر في عقول النخبة من صحابته .
/ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : } رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ الدَّجَّالُ ، فَقُلْتُ : أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ ؟ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ t يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ r فَلَمْ يُنْكِرْهُ r { ([9])
أقول :
1- قسم عمر t بأن ابن صياد هو الدجال ، وذلك على مسمع من رسول الله r
، وعدم إنكار النبي r ذلك عليه (_ ) أمر عجيب ، والذي يستوقفني فيه ما عرف من ورع عمر t وتثبته من الحق ، فما الذي يدفعه للتأكيد بقسم على أمر مشكوك فيه ، وما هي الأمارات التي رآها عمر t ولم نرها وجعلته كالمتيقن بأن ابن صياد هو الدجال ؟ والمعلوم أن عمر هو ملهم هذه الأمة يضاف إلى ذلك أنه من أقرب الناس من رسول الله r وأعلمهم بمقتضيات خطابه ، يضاف إلى ذلك أنه هو الذي عاين مع رسول الله r ظاهرة ابن صياد ، ويتصور أنه قد عاين قصة تميم أو سمع عنها لأن النبي r نادى فيها للصلاة جامعة ، وبالرغم من ذلك لم يُنقل لنا عنه أنه عدل عن يمينه ، أو كفر عنها ، وأمر كهذا لا بد أن ينقل عنه كما نقل عنه ندمه على موقفه في الحديبية ، فلو تبين له أنه تعجل في القسم على أمر مظنون ، ثم ظهر له خلافه لنقل عنه ندمه على ذلك أو تكفيره عن اليمين ، ولعلم بذلك أقرب الناس إليه كابن عمر رضي الله عنهما وحفصة ، ولنقل ذلك عنهما ؛ لأن دواعي نقل مثل ذلك قوية . كذلك أليس غريباً هنا سكوت النبي r عندما سمع قسم عمر ، بل أشعر من سياق الخبر أن عمر ترجحت عنده من دلالات عدة استنبطها من حديث النبي أن ابن صياد هو الدجال ، فأراد أن يعزز هذه الدلالات فأقسم بحضرة النبي r ، ليرى ما يترتب على هذا القسم ، فعندما سكت النبي عن الإنكار عليه ترجح لديه أن ما فهمه من دلالات قد أصاب فيها ، بل يكفي في هذا المقام ما ورد عن أبي ذر حيث قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : } إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ { ([10]) فإذا كان لسان عمر t لسان حق ، وكلماته العادية كلـمات حق ، بكيف إذا أقسم على هذه الكلمات التي تجري على لسانه . (_ )
2- لا حظنا أن جابر t يقسم على ما أقسم عليه عمر رضي الله عنهما مما يدل على أن آخر عهده بعمر t هو بقائه على قسمه ، والغريب في الأمر أن أحد رواة حديث تميم كان جابر t وقد جاء فيه فيما رواه أبو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ : } إِنَّهُ بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ فِي الْبَحْرِ فَنَفِدَ طَعَامُهُمْ فَرُفِعَتْ لَهُمْ جَزِيرَةٌ فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ فَلَقِيَتْهُمُ الْجَسَّاسَةُ قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَ امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعْرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا قَالَتْ فِي هَذَا الْقَصْرِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَسَأَلَ عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ وَعَنْ عَيْنِ زُغَرَ قَالَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا مَا حَفِظْتُهُ قَالَ- أي أبو سلمة - : شَهِدَ جَابِرٌ أَنَّهُ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ قُلْتُ : فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ ، قَالَ : وَإِنْ مَاتَ . قُلْتُ : فَإِنَّهُ أَسْلَمَ . قَالَ : وَإِنْ أَسْلَمَ قُلْتُ : فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ قَالَ : وَإِنْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ . { ([11])
الشاهد في الحديث :
إصرار جابر t على أن ابن صياد هو الدجال بالرغم أنه يعلم قصة الجساسة وتميم ، وهو أحد رواتها ، والسؤال الذي يطرح هنا : لما أصر جابر t على ذلك ؟ وما هي الأمارات التي علمها ، واطلع عليها وجعلته متأكداً من كون ابن صياد هو الدجال ؟ ولما لم يجد في قصة تميم ما يغير هذا الإصرار أو يضعفه ؟ بل لم يجد في الأمارات الأخرى كإسلام ابن صائد أو دخوله المدينة أو حتى موته ما يضعف هذا الرأي عنده واستمر على إصراره .
و في ظني أن هناك سراً في الأمر وكان جابر وعمر رضي الله عنهما على إطلاع على ذلك السر والله أعلم ، وإلا لما وجدنا من جابر t مثل هذا الإصرار ، خاصة عند تطرق الاحتمال أو الشك في الأمر ، والمعهود عن الصحابة أنهم يتوقفون فيما لم يتبينوا من صحته.
/ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ في حديث طويل عن ابن صياد وفيه : « فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t : ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: } إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ،قَالَ جابر: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ r مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ . { ([12])
أقول :
هذا الحديث ذكرته استئناساً ، ولعله يوضح لنا بعض أسباب إصرار جابر وعمر رضي الله عنهما على أن ابن صائد هو الدجال ، فجابر t رأى استمرار إشفاق النبي r من كون ابن صائد هو الدجال ، ولم ير من رسول الله r ما يغير هذا الإشفاق ، وهذا الإشفاق هو آخر ما عهده جابر t من النبي r، وكلامه يدل على ذلك دلالة صريحة .
/ - عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : » فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ « ([13])
قال ابن حجر : » وهذا يضعف ما تقدم أنه مات بالمدينة ، وأنهم صلوا عليه وكشفوا عن وجهه .
*قصة تميم والجساسة
/ - عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها قالت : } سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ r يُنَادِي الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r صَلَاتَهُ ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ : لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ! ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا ، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ .
فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟
فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ .
قَالُوا وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟
قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ.
قَالَ – أي تميم - : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً .
قَالَ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ .
قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟
قَالَ : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟
قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ! قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتِ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا ، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً.
فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ .
قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟
قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟
قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ .
قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ .
قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟
قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟
قَالُوا : هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ .
قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ .
قَالُوا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟
قَالَ : هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟
قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟
قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ .
قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟
فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ .
قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ !
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ ، فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ ، فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا .
قَالَتْ – أي فاطمة رواية الحديث - :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ - : هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ يَعْنِي الْمَدِينَةَ .
أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ؟
فَقَالَ النَّاسُ : نَعَمْ .
قال رسول الله r : فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ .
أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ . { ([1])
شرح الغريب :
أرفئوا : التجئوا
أقرُب : جمع قارب ، وهي السفن الصغيرة تكون مع الكبيرة ، يستخدمها البحارة لقضاء حوائجهم .
أهلب : غليظ الشعر كثيره فرقنا : خفنا
الجساسة :من جس الخبر إذا تتبعه ،قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال .
صلتاً : مسلولاً . اغتلم : هاج وجاوز حده المعتاد
/ - عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ r : } أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَخَرَجَ إِلَيْهَا يَلْتَمِسُ الْمَاءَ فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعَرَهُ ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ : ثُمَّ قَالَ - أي الدجال - : أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ قَدْ وَطِئْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا غَيْرَ طَيْبَةَ . فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى النَّاسِ فَحَدَّثَهُمْ قَالَ : هَذِهِ طَيْبَةُ وَذَاكَ الدَّجَّالُ . { ([2])
/ - وفي رواية الترمذي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَضَحِكَ فَقَالَ } إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ حَدَّثَنِي بِحَدِيثٍ فَفَرِحْتُ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ .
حَدَّثَنِي أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ رَكِبُوا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ ، فَجَالَتْ بِهِمْ حَتَّى قَذَفَتْهُمْ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ ، فَإِذَا هُمْ بِدَابَّةٍ لَبَّاسَةٍ نَاشِرَةٍ شَعْرَهَا .
فَقَالُوا مَا أَنْتِ ؟
قَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ .
قَالُوا: فَأَخْبِرِينَا .
قَالَتْ : لَا أُخْبِرُكُمْ وَلَا أَسْتَخْبِرُكُمْ ، وَلَكِنِ ائْتُوا أَقْصَى الْقَرْيَةِ فَإِنَّ ثَمَّ مَنْ يُخْبِرُكُمْ وَيَسْتَخْبِرُكُمْ ، فَأَتَيْنَا أَقْصَى الْقَرْيَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ بِسِلْسِلَةٍ
فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ
قُلْنَا : مَلْأَى تَدْفُقُ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنِ الْبُحَيْرَةِ .
قُلْنَا مَلْأَى تَدْفُقُ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ الَّذِي بَيْنَ الْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ هَلْ أَطْعَمَ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنِ النَّبِيِّ هَلْ بُعِثَ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي كَيْفَ النَّاسُ إِلَيْهِ ؟
قُلْنَا : سِرَاعٌ .
قَالَ : فَنَزَّى نَزْوَةً حَتَّى كَادَ .
قُلْنَا : فَمَا أَنْتَ ؟
قَالَ : أَنَا الدَّجَّالُ .
قال رسول الله r : وَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْأَمْصَارَ كُلَّهَا إِلَّا طَيْبَةَ وَطَيْبَةُ الْمَدِينَةُ . { ([3])
شرح الغريب :
لباسة : كثيرة اللباس ، وكنى بكثرة لباسها عن كثرة شعرها
فنزى نزوة حتى كاد : أي وثب وثبة حتى كاد أن يتخلص من وثاقه .
/ - وفي رواية أبي داود قال رسول الله r : } إِنَّهُ حَبَسَنِي حَدِيثٌ كَانَ يُحَدِّثُنِيهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ عَنْ رَجُلٍ كَانَ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَجُرُّ شَعْرَهَا …حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ { ([4])
خلاصة القول فيما ورد في قصة تميم والجساسة
أولاً : قصة تميم ، وظاهرة ابن صياد .
حديث تميم بن أوس الداري هو الذي غير أنظار العلماء عن اعتبار ابن صائد هو
الدجال ؛ حيث قال ابن حجر في استبعاد كون ابن صياد الدجال : » وإلا فالجمع بينهم بعيد _ أي قصة تميم واعتبار أن ابن صياد الدجال - إذ كيف يلتئم أن يكون من كان أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم _ أي ابن صياد – ويجتمع به النبي r ويسأله أن يكون في آخرها شيخاً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي r . « ([5])
كلام ابن حجر السابق صريح في أنه يعتبر الدجال الأكبر غير ابن صياد ؛ إلا أنه عاد بعدما ذكر أثراً عن البعض أنه رأى ابن صياد في أصبهان فقال : » و أقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال . أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها ، ولشدة التباس الأمر سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن ابن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم . « ([6])
كلام ابن حجر يقرب إلى الأفهام تصور ظاهرة الدجال وعلاقتها بابن صياد ، و هي ظاهرة غامضة التبس أمرها على أكثر العلماء ؛ لدرجة أن البخاري لم يجد مسلكاً للخروج من الالتباس إلا بطريق الترجيح ، إلا أنه في ظني أن سبب التباس الأمر على كثير من العلماء في التوفيق بين الأمرين مرجعه إلى أنهم تعاملوا مع ظاهرة الدجال على أنها ظاهرة إنسية محضة ، مع أن دلائل الأحاديث تشير إلى خلاف ذلك ، ومن هذا الوجه يشكل الجمع بين الأحاديث ؛ أما لو تعاملوا مع الأحاديث على أن ظاهرة الدجال ظاهرة خاصة شبيهة بالظاهرة الإبليسية ، وهي مخالفة لعادات البشر ونواميسهم ، ففي مثل هذه الحالة لا يقع اللبس ويسهل الجمع بينها ، وهذا المعنى هو ما سأذكره في المقالة بعنوان غرابة ظاهرة الدجال
*فتنة الدجال أعظم فتنة في الوجود
فتنة الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض
/ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ : } مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ . { ([1])
/ - عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : } لَأَنَا لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَلَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِمَّا قَبْلَهَا إِلَّا نَجَا مِنْهَا ، وَمَا صُنِعَتْ فِتْنَةٌ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ . { ([2])
أقول :
1- الأحاديث السابقة صريحة في عظم فتنة الدجال ، وكأن هذه الفتنة إشارة إلى نهاية الدنيا ؛ حيث تشبه الاختبار النهائي لأهل الأرض في زمان خروجه .
2- الحديث الثاني فيه إشارة مهمة إلى أن فتنة الدجال تأتي بعد فتن عدة ، وقد صرحت بعض الأحاديث أن آخرها فتنة الدهيماء ، وهذه الفتن تكون قد غربلت الناس فظهر مؤمنهم من منافقهم ، فما يكون من فتنة الدجال إلا حصد ما خلفته الفتن التي سبقته ، وفي هذا إشارة إلى ضرورة انتباه المؤمن من الفتن ، ولا يستصغرها ، أو يحقر شأنها ، فهي موطئة لفتنة الدجال ، يعزز ذلك ما جاء في الحديث : « لَأَنَا لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ » ، وفي رواية مسلم : غير الدجال أخوفني عليكم . وفي رواية أحمد : « لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَى أُمَّتِي ، قَالَهَا ثَلَاثًا : قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُكَ عَلَى أُمَّتِكَ قَالَ أَئِمَّةً مُضِلِّينَ . » ([3])
و عن حذيفة بن أسيد t قال : » … إنا لغير الدجال أخوف علي وعليكم قال فقلنا ما هو يا أبا سريحة ؟ قال فتن كأنها قطع الليل المظلم قال : فقلنا : أي الناس فيها شر ؟ قال : كل خطيب مصقع وكل راكب موضع . قال فقلنا : أي الناس فيها خير قال : كل غني خفي قال أبو الطفيل الليثي : فقلت : ما أنا بالغني ولا بالخفي ؟ قال فكن كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب . « ([4])
شرح الغريب :
خطيب مصقع : أي كل خطيب بليغ اللسان ، ويراد به الخطباء الذين يغيرون الحقائق ويزينون الباطل لأهوائهم أو لمصالح قادة الفتن مستعينين بما أوتوا من قوة بلاغة و تأثير في الناس
راكب موضع : أي مسرع ، ويراد به من يخف ويسرع في الفتن ونصرة أهل الباطل .
غني خفي : أي كل غني النفس معتزل للناس
ابن لبون : ابن الناقة ذات اللبن ، وابن اللبون يكون صغيراً لا يمكن أن يركب لقتال ونحوه ، ولا يمكن أن يحلب فينتفع به ؛ لأنه صغير ، ومعنى كن كابن لبون : أي مثله في عدم الانتفاع به في أمر من أمور الفتن .
*النبي محمد عليه السلام يحذر أمته من الدجال
مُساهمة طارق فتحي في الإثنين 3 يونيو 2013 - 4:44
/ - عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : } إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ . { ([1])
/ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ r بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ : } مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ . { ([2]) وفي رواية مسلم } كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ . { ([3])
أقول :
1- هذان الحديثان يدلان على خطورة فتنة الدجال ، فما من نبي من لدن نوح عليه السلام إلا أنذر أمته منه ، والسؤال الذي يطرح هنا : ما وجه إنذار نوح عليه السلام لأمته من الدجال بالرغم من أنه يخرج في آخر الزمان ؟
وهذا يجاب عنه بأن وقت خروجه كان خفياً على نوح عليه السلام ؛ أي أن نوحاً علم بفتنة الدجال ولم يعلم بوقت خروجه فأنذر أمته وكذلك سائر الأنبياء ، وهذا يعزز أن النبي r في بداية الأمر قد علم بفتنة الدجال ثم تبين له في آخر الأمر وقت خروجه ؛ لذلك كان إنذار محمد r لأمته من الدجال أوفى وأكثر تفصيلاً من غيره لوقوع فتنته في أمته .
2- المعلوم أن حجة الوداع كانت في آخر عهد النبي r ، وتضمنت ملخصاً عاماً لرسالة الإسلام وأبرز تعاليمه ، ومع كونها كذلك إلا أن النبي r لم يختصر الحديث عن الدجال فيها ، بل أطنب و أفاض في الحديث عنه ، وفي هذا إشارة إلى عظم هذه الفتنة وخطورتها ، و ويتضمن تنبيهاً لأمته للإفاضة في الحديث عنها والتحذير منها .وإذا كانت خطبة الوداع التي تعتبر ملخصاً لرسالة محمد r قد تضمنت إطناباً عن فتنة الدجال ، فمن باب أولى أن يطنب أتباعه في ذكرها ،والتحذير منها ، وليس كما يدعي البعض أن ذكر الدجال وفتنه من باب الملهاة للأمة وإشغال لها عن قضاياها ، بل على العكس ذكر فتنة الدجال يقي الأمة من الوقوع فيها من جانب ، ومن جانب آخر يعطيها تصوراً لطبيعة الفتن التي نعيشها قبل خروجه ، وذلك لارتباط الفتن بفتنة الدجال ؛ لذا لا بد أن يكون بعض ما نلابسه من فتن يطابق بعض أوصاف فتنة الدجال .
ابن صياد والصحابة الكرام
/ - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t قَالَ : » خَرَجْنَا حُجَّاجًا أَوْ عُمَّارًا وَمَعَنَا ابْنُ صَائِدٍ قَالَ : فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَتَفَرَّقَ النَّاسُ ، وَبَقِيتُ أَنَا وَهُوَ ، فَاسْتَوْحَشْتُ مِنْهُ وَحْشَةً شَدِيدَةً مِمَّا يُقَالُ عَلَيْهِ ، قَالَ : وَجَاءَ بِمَتَاعِهِ فَوَضَعَهُ مَعَ مَتَاعِي فَقُلْتُ: إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ فَلَوْ وَضَعْتَهُ تَحْتَ تِلْكَ الشَّجَرَةِ . قَالَ : فَفَعَلَ . قَالَ : فَرُفِعَتْ لَنَا غَنَمٌ فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِعُسٍّ فَقَالَ : اشْرَبْ أَبَا سَعِيدٍ ! فَقُلْتُ : إِنَّ الْحَرَّ شَدِيدٌ وَاللَّبَنُ حَارٌّ مَا بِي إِلَّا أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ عَنْ يَدِهِ أَوْ قَالَ آخُذَ عَنْ يَدِهِ فَقَالَ : أَبَا سَعِيدٍ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آخُذَ حَبْلًا فَأُعَلِّقَهُ بِشَجَرَةٍ ثُمَّ أَخْتَنِقَ ، مِمَّا يَقُولُ لِيَ النَّاسُ يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ r مَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَلَسْتَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ r ؟ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : هُوَ كَافِرٌ ؟ وَأَنَا مُسْلِمٌ . أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : هُوَ عَقِيمٌ لَا يُولَدُ لَهُ ؟ وَقَدْ تَرَكْتُ وَلَدِي بِالْمَدِينَةِ أَوَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ وَقَدْ أَقْبَلْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ ؟ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حَتَّى كِدْتُ أَنْ أَعْذِرَهُ ثُمَّ قَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ ؟ قَالَ : قُلْتُ لَهُ : تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ !« ([1])
شرح الغريب :
عس : القدح الكبير ، وجمعه عساس
وفي رواية قال ابن صائد لأبي سعيد t : ) وَاللَّهِ مَا أَنَا بِالدَّجَّالِ وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَوْ شِئْتَ لَأَخْبَرْتُكَ بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ أُمِّهِ وَاسْمِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا . ( ([2])
وفي رواية قال ابن صائد : ) وَاللَّهِ إِنَّي أَعْلَمَ النَّاسِ بِمَكَانِهِ السَّاعَةَ ( ([3])
أقول :
1- الآثار واضحة الدلالة في أن ابن صياد هو أحد الدجالين ، وله أحوال شيطانية ، وأنه غير معذور فيما يدعيه ، ففي اللحظة التي كاد فيها أبو سعيد t أن يعذره صرح بأنه يعرف مولد الدجال واسمه واسم والديه ومكان خروجه ، ولا نعلم هل كلامه من باب الدجل الذي يحاول تسويقه على الغير ؛ أم حصلت له هذه المعرفة من خلال تابعيه من الشياطين ، ولا نعلم دافعه من الحديث عن معرفته لمكان الدجال و اسمه ، هل هو استدراج لأبي سعيد لكي يستفهم منه – والصحابة كان عندهم تشوف وحرص لمعرفة كل شيء عن الدجال – أم هو إظهار لخوارقه وقدراته الخاصة ، أم هي غفوة كل دجال ليستبين من حوله حقيقة دجله ، أم هناك نوع اتصال بين دجال المدينة والدجال الأكبر كما أن هناك اتصالاً بين إبليس وأتباعه من سرايا الشياطين .
2- يتضح من سياق القصة أن أكثر الصحابة كانوا يعتقدون أن ابن صياد هو الدجال ، وإذا أضفنا إلى ذلك أنه لم يرد – في ظني – عن أي صحابي أنه كان يرى عكس ذلك ؛ أي إنه ليس الدجال ، وبالتالي نجد أنفسنا أمام جمع من الصحابة يعتقد ، بل بعضهم يقسم على أن ابن صياد هو الدجال ، ولم يصلنا – في حدود علمي- أي أثر منهم ينكر ذلك ، فأشبهت القضية الإجماع السكوتي من الصحابة الكرام .
3- يلحظ من سياق قصة أبي سعيد الخدري أن ابن صائد كان يتفنن في الدجل على من حوله ، ويتصور من سياق القصة أن ذلك وقع إما في عهد أبي بكر t وإما في عهد عمر t ، والسؤال الذي يطرح الآن : لماذا لم يقم أحد الخليفتين بتعزيره على ذلك ؟ بالرغم من أن تصرفه يشيع الفتنة بين المسلمين ، ولئن لم يكن الدجال ، وثبت ذلك عند الخليفتين ، ووقع منه دجل ، فهناك دواعي لمعاقبته من قبل الحاكم المسلم ، ولئن كان هناك مانع من معاقبته في عهد النبي r كصغر سن ابن صائد أو بسبب وجود معاهدات بين المسلمين ويهود المدينة ، فهذه الموانع انتفت في عهد الخليفتين ، ومن تتبع المسألة يجد أنه لم يردنا أي شيء عن محاسبة ابن صائد على دجله ، وعدم وقوع هذه المحاسبة فيه دلالة على أن هناك سبباً قوياً غير معهود في امتناع الخليفتين عن ذلك مع انتفاء الموانع الظاهرة وتوفر الدواعي لذلك ، فما هو هذا السبب ؟
4- المفارقات التي ذكرها ابن صياد بينه وبين الدجال الأكبر لها أهميتها في هذا المقام ، وهي مرجحة لكون ابن صياد ليس الدجال الأكبر ، لكنها غير جازمة ؛ لأن النبي r أخبر مثل هذه الأوصاف عن الدجال الأكبر بأنه لا يدخل مكة والمدينة ، وأنه لا يولد له ولد حين خروجه ، وهذا لا ينفي وقوعه قبل ذلك ، يقول ابن حجر : » أما احتجاجاته – أي ابن صائد – بأنه مسلم إلى سائر ما ذكر ، فلا دلالة له على دعواه ؛ لأن النبي r إنما أخبر عن صفاته وقت خروجه آخر الزمان .« ([4])
/ - - قال أبو سعيد : « وَقِيلَ لَهُ : أبن صائد ! أَيَسُرُّكَ أَنَّكَ ذَاكَ الرَّجُلُ ؛ أي الدجال قَالَ : فَقَالَ : لَوْ عُرِضَ عَلَيَّ مَا كَرِهْتُ . » ([5])
أقول :
الأثر فيه إشارة إلى أن ابن صائد كان معجباً بشخصية الدجال ، ولا نعلم هل قال هذا الكلام بعد إسلامه أم قبل ؟ وإن كان دلالة سياق أحاديث أبي سعيد تدل على أنه قال ذلك بعد إسلامه مما يشكك بصورة واضحة في مصداقية ادعائه الإسلام .
ولعل إعجابه بشخصية الدجال ، وتمنيه أن يكون هو ، واستعداده وجرأته ليقول هذا الكلام بين جمع يرى الدجال بصورة منفرة جداً مما سمعوا عن حقيقته من رسول الله ، يوضح لنا سبب نفور من حوله منه .
كذلك يحتمل سياق هذا الحديث وسابقه أن يكون ابن صائد نفسه هو الدجال ، وقد استخدم أسلوب التلميح دون التصريح في الدلالة على ذلك ، لعلمه أن التصريح بشخصيته ليس هذا زمانه الذي يعيش به ، و كأنه هنا استخدم أسلوب التقية والمعاريض لإخفاء شخصيته .
/ - عَنْ نَافِعٍ قَالَ : ) لَقِيَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ابْنَ صَائِدٍ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ قَوْلًا أَغْضَبَهُ فَانْتَفَخَ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ فَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ عَلَى حَفْصَةَ وَقَدْ بَلَغَهَا . فَقَالَتْ لَهُ : رَحِمَكَ اللَّهُ مَا أَرَدْتَ مِنِ ابْنِ صَائِدٍ ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ : إِنَّمَا يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا . ( ([6])
/ - عن ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : كَانَ نَافِعٌ يَقُولُ ابْنُ صَيَّادٍ – أي هو الدجال – قَالَ : قَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: ) لَقِيتُهُ مَرَّتَيْنِ … فَلَقِيتُهُ لَقْيَةً أُخْرَى – أي ابن صياد - وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ قَالَ فَقُلْتُ : مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى ؟ قَالَ : لَا أَدْرِي قَالَ قُلْتُ : لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ ؟ قَالَ : إِنْ شَاءَ اللَّهُ خَلَقَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ . قَالَ : فَنَخَرَ كَأَشَدِّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ ، قَالَ : فَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِيَ حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ قَالَ : وَجَاءَ – أي ابن عمر – حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَحَدَّثَهَا فَقَالَتْ : مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ – أي رسول الله – إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ عَلَى النَّاسِ غَضَبٌ يَغْضَبُهُ . ( ([7])
أقول :
الأثران السابقان يشيران إلى بعض غرائب ابن صياد ، ومدى تأثيره النفسي والشعوري على من حوله ومن هذه الغرائب :
1- انتفاخه في الطريق أو الزقاق لدرجة أن ابن عمر رضي الله عنهما قال عنه أنه ملأ السكة ؛ أي الطريق .
2- عدم معرفة ابن صائد كيف ذهبت عينه ، وهذا الأمر يعزز عندنا أن ابن صياد لم يكن يملك نفسه ، بل كان نهبة لتسلط الشياطين عليه من صغره
3- عدم إحساس ابن عمر رضي الله عنهما بنفسه وهو يضرب ابن صياد ؛ فبالرغم من أنه كسر عصا عليه ؛ إلا أنه لم يشعر بذلك بل تشكك بقول من أخبره بأنه فعل ذلك مما يدل على أنه فقد الشعور بنفسه عندما كان يضربه ، والسؤال الذي يُطرح في هذا المقام : كيف أثر ابن صائد على أحاسيس ابن عمر رضي الله عنهما ؟ طبعاً هذا كان بفعل الشياطين التي وجدت في ابن صياد ثغرة تستطيع النفوذ من خلالها نحو البشر حوله .
4- لاحظنا من قصة ابن عمر وحفصة رضي الله عنهما أنهما يريان أن ابن صائد هو الدجال ، بل ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أقسم على ذلك حيث قال : » وَاللَّهِ مَا أَشُكُّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ ابْنُ صَيَّادٍ . « ([8]) و صيغة رد حفصة يؤكد على ذلك ، بل سياق الحديث يشير إلى جزم حفصة رضي الله عنها بهذا الأمر ، وحفصة هي ابنة عمر t وزوجة الرسول r ؛ أي هي أقرب الناس من هذا الشأن وفهم ملابساته ودلالة سياق القصة تشير أن ما وقع مع ابن عمر كان بعد عهد النبي r
إذا نحن هنا أمام أقرب الناس من رسول الله r ( حفص و عبدالله ابن عمر ) ، وهما يجزمان بأن ابن صائد هو الدجال مما يؤكد أنه لم يرد عن النبي r حال حياته ما ينفي هذا التصور الذي اختمر في عقول النخبة من صحابته .
/ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ : } رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ بِاللَّهِ أَنَّ ابْنَ صَائِدٍ الدَّجَّالُ ، فَقُلْتُ : أَتَحْلِفُ بِاللَّهِ ؟ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ t يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ r فَلَمْ يُنْكِرْهُ r { ([9])
أقول :
1- قسم عمر t بأن ابن صياد هو الدجال ، وذلك على مسمع من رسول الله r
، وعدم إنكار النبي r ذلك عليه (_ ) أمر عجيب ، والذي يستوقفني فيه ما عرف من ورع عمر t وتثبته من الحق ، فما الذي يدفعه للتأكيد بقسم على أمر مشكوك فيه ، وما هي الأمارات التي رآها عمر t ولم نرها وجعلته كالمتيقن بأن ابن صياد هو الدجال ؟ والمعلوم أن عمر هو ملهم هذه الأمة يضاف إلى ذلك أنه من أقرب الناس من رسول الله r وأعلمهم بمقتضيات خطابه ، يضاف إلى ذلك أنه هو الذي عاين مع رسول الله r ظاهرة ابن صياد ، ويتصور أنه قد عاين قصة تميم أو سمع عنها لأن النبي r نادى فيها للصلاة جامعة ، وبالرغم من ذلك لم يُنقل لنا عنه أنه عدل عن يمينه ، أو كفر عنها ، وأمر كهذا لا بد أن ينقل عنه كما نقل عنه ندمه على موقفه في الحديبية ، فلو تبين له أنه تعجل في القسم على أمر مظنون ، ثم ظهر له خلافه لنقل عنه ندمه على ذلك أو تكفيره عن اليمين ، ولعلم بذلك أقرب الناس إليه كابن عمر رضي الله عنهما وحفصة ، ولنقل ذلك عنهما ؛ لأن دواعي نقل مثل ذلك قوية . كذلك أليس غريباً هنا سكوت النبي r عندما سمع قسم عمر ، بل أشعر من سياق الخبر أن عمر ترجحت عنده من دلالات عدة استنبطها من حديث النبي أن ابن صياد هو الدجال ، فأراد أن يعزز هذه الدلالات فأقسم بحضرة النبي r ، ليرى ما يترتب على هذا القسم ، فعندما سكت النبي عن الإنكار عليه ترجح لديه أن ما فهمه من دلالات قد أصاب فيها ، بل يكفي في هذا المقام ما ورد عن أبي ذر حيث قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ : } إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ { ([10]) فإذا كان لسان عمر t لسان حق ، وكلماته العادية كلـمات حق ، بكيف إذا أقسم على هذه الكلمات التي تجري على لسانه . (_ )
2- لا حظنا أن جابر t يقسم على ما أقسم عليه عمر رضي الله عنهما مما يدل على أن آخر عهده بعمر t هو بقائه على قسمه ، والغريب في الأمر أن أحد رواة حديث تميم كان جابر t وقد جاء فيه فيما رواه أبو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ : } إِنَّهُ بَيْنَمَا أُنَاسٌ يَسِيرُونَ فِي الْبَحْرِ فَنَفِدَ طَعَامُهُمْ فَرُفِعَتْ لَهُمْ جَزِيرَةٌ فَخَرَجُوا يُرِيدُونَ الْخُبْزَ فَلَقِيَتْهُمُ الْجَسَّاسَةُ قُلْتُ لِأَبِي سَلَمَةَ وَمَا الْجَسَّاسَةُ قَالَ امْرَأَةٌ تَجُرُّ شَعْرَ جِلْدِهَا وَرَأْسِهَا قَالَتْ فِي هَذَا الْقَصْرِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَسَأَلَ عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ وَعَنْ عَيْنِ زُغَرَ قَالَ هُوَ الْمَسِيحُ فَقَالَ لِي ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا مَا حَفِظْتُهُ قَالَ- أي أبو سلمة - : شَهِدَ جَابِرٌ أَنَّهُ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ قُلْتُ : فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ ، قَالَ : وَإِنْ مَاتَ . قُلْتُ : فَإِنَّهُ أَسْلَمَ . قَالَ : وَإِنْ أَسْلَمَ قُلْتُ : فَإِنَّهُ قَدْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ قَالَ : وَإِنْ دَخَلَ الْمَدِينَةَ . { ([11])
الشاهد في الحديث :
إصرار جابر t على أن ابن صياد هو الدجال بالرغم أنه يعلم قصة الجساسة وتميم ، وهو أحد رواتها ، والسؤال الذي يطرح هنا : لما أصر جابر t على ذلك ؟ وما هي الأمارات التي علمها ، واطلع عليها وجعلته متأكداً من كون ابن صياد هو الدجال ؟ ولما لم يجد في قصة تميم ما يغير هذا الإصرار أو يضعفه ؟ بل لم يجد في الأمارات الأخرى كإسلام ابن صائد أو دخوله المدينة أو حتى موته ما يضعف هذا الرأي عنده واستمر على إصراره .
و في ظني أن هناك سراً في الأمر وكان جابر وعمر رضي الله عنهما على إطلاع على ذلك السر والله أعلم ، وإلا لما وجدنا من جابر t مثل هذا الإصرار ، خاصة عند تطرق الاحتمال أو الشك في الأمر ، والمعهود عن الصحابة أنهم يتوقفون فيما لم يتبينوا من صحته.
/ - عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ في حديث طويل عن ابن صياد وفيه : « فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ t : ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: } إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ إِنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ r وَإِنْ لَا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ ،قَالَ جابر: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ r مُشْفِقًا أَنَّهُ الدَّجَّالُ . { ([12])
أقول :
هذا الحديث ذكرته استئناساً ، ولعله يوضح لنا بعض أسباب إصرار جابر وعمر رضي الله عنهما على أن ابن صائد هو الدجال ، فجابر t رأى استمرار إشفاق النبي r من كون ابن صائد هو الدجال ، ولم ير من رسول الله r ما يغير هذا الإشفاق ، وهذا الإشفاق هو آخر ما عهده جابر t من النبي r، وكلامه يدل على ذلك دلالة صريحة .
/ - عَنْ جَابِرٍ t قَالَ : » فَقَدْنَا ابْنَ صَيَّادٍ يَوْمَ الْحَرَّةِ « ([13])
قال ابن حجر : » وهذا يضعف ما تقدم أنه مات بالمدينة ، وأنهم صلوا عليه وكشفوا عن وجهه .
*قصة تميم والجساسة
/ - عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رضي الله عنها قالت : } سَمِعْتُ نِدَاءَ الْمُنَادِي مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ r يُنَادِي الصَّلَاةَ جَامِعَةً ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَكُنْتُ فِي صَفِّ النِّسَاءِ الَّتِي تَلِي ظُهُورَ الْقَوْمِ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ r صَلَاتَهُ ، جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ : لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ! ثُمَّ قَالَ : أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ ؟ قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ! قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا ، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْ مَسِيحِ الدَّجَّالِ ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ .
فَقَالُوا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟
فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ .
قَالُوا وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟
قَالَتْ : أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ.
قَالَ – أي تميم - : لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً .
قَالَ : فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ .
قُلْنَا : وَيْلَكَ مَا أَنْتَ ؟
قَالَ : قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي ، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ ؟
قَالُوا : نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ ، فَقُلْنَا : وَيْلَكِ مَا أَنْتِ ؟ فَقَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ ! قُلْنَا : وَمَا الْجَسَّاسَةُ ؟ قَالَتِ : اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا ، وَفَزِعْنَا مِنْهَا ، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً.
فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ .
قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟
قَالَ : أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا هَلْ يُثْمِرُ ؟
قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ .
قَالَ : أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ .
قُلْنَا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟
قَالَ : هَلْ فِيهَا مَاءٌ ؟
قَالُوا : هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ .
قَالَ : أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ .
قَالُوا : عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ ؟
قَالَ : هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ ؟
قُلْنَا لَهُ : نَعَمْ هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ ؟
قَالُوا : قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ .
قَالَ : أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ ؟
فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ .
قَالَ لَهُمْ : قَدْ كَانَ ذَلِكَ !
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي ، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَأَخْرُجَ ، فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ ، فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا ، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا ، اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا ، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا .
قَالَتْ – أي فاطمة رواية الحديث - :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r - وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ - : هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ يَعْنِي الْمَدِينَةَ .
أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ؟
فَقَالَ النَّاسُ : نَعَمْ .
قال رسول الله r : فَإِنَّهُ أَعْجَبَنِي حَدِيثُ تَمِيمٍ أَنَّهُ وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنْهُ ، وَعَنِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ .
أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّأْمِ ، أَوْ بَحْرِ الْيَمَنِ ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ . { ([1])
شرح الغريب :
أرفئوا : التجئوا
أقرُب : جمع قارب ، وهي السفن الصغيرة تكون مع الكبيرة ، يستخدمها البحارة لقضاء حوائجهم .
أهلب : غليظ الشعر كثيره فرقنا : خفنا
الجساسة :من جس الخبر إذا تتبعه ،قيل سميت بذلك لتجسسها الأخبار للدجال .
صلتاً : مسلولاً . اغتلم : هاج وجاوز حده المعتاد
/ - عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ : قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ r : } أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ فَسَقَطَ إِلَى جَزِيرَةٍ فَخَرَجَ إِلَيْهَا يَلْتَمِسُ الْمَاءَ فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعَرَهُ ، وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِيهِ : ثُمَّ قَالَ - أي الدجال - : أَمَا إِنَّهُ لَوْ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ قَدْ وَطِئْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا غَيْرَ طَيْبَةَ . فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى النَّاسِ فَحَدَّثَهُمْ قَالَ : هَذِهِ طَيْبَةُ وَذَاكَ الدَّجَّالُ . { ([2])
/ - وفي رواية الترمذي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَضَحِكَ فَقَالَ } إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ حَدَّثَنِي بِحَدِيثٍ فَفَرِحْتُ ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ .
حَدَّثَنِي أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ رَكِبُوا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ ، فَجَالَتْ بِهِمْ حَتَّى قَذَفَتْهُمْ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ ، فَإِذَا هُمْ بِدَابَّةٍ لَبَّاسَةٍ نَاشِرَةٍ شَعْرَهَا .
فَقَالُوا مَا أَنْتِ ؟
قَالَتْ : أَنَا الْجَسَّاسَةُ .
قَالُوا: فَأَخْبِرِينَا .
قَالَتْ : لَا أُخْبِرُكُمْ وَلَا أَسْتَخْبِرُكُمْ ، وَلَكِنِ ائْتُوا أَقْصَى الْقَرْيَةِ فَإِنَّ ثَمَّ مَنْ يُخْبِرُكُمْ وَيَسْتَخْبِرُكُمْ ، فَأَتَيْنَا أَقْصَى الْقَرْيَةِ ، فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ بِسِلْسِلَةٍ
فَقَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ
قُلْنَا : مَلْأَى تَدْفُقُ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنِ الْبُحَيْرَةِ .
قُلْنَا مَلْأَى تَدْفُقُ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ الَّذِي بَيْنَ الْأُرْدُنِّ وَفِلَسْطِينَ هَلْ أَطْعَمَ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي عَنِ النَّبِيِّ هَلْ بُعِثَ ؟
قُلْنَا : نَعَمْ .
قَالَ : أَخْبِرُونِي كَيْفَ النَّاسُ إِلَيْهِ ؟
قُلْنَا : سِرَاعٌ .
قَالَ : فَنَزَّى نَزْوَةً حَتَّى كَادَ .
قُلْنَا : فَمَا أَنْتَ ؟
قَالَ : أَنَا الدَّجَّالُ .
قال رسول الله r : وَإِنَّهُ يَدْخُلُ الْأَمْصَارَ كُلَّهَا إِلَّا طَيْبَةَ وَطَيْبَةُ الْمَدِينَةُ . { ([3])
شرح الغريب :
لباسة : كثيرة اللباس ، وكنى بكثرة لباسها عن كثرة شعرها
فنزى نزوة حتى كاد : أي وثب وثبة حتى كاد أن يتخلص من وثاقه .
/ - وفي رواية أبي داود قال رسول الله r : } إِنَّهُ حَبَسَنِي حَدِيثٌ كَانَ يُحَدِّثُنِيهِ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ عَنْ رَجُلٍ كَانَ فِي جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ تَجُرُّ شَعْرَهَا …حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وَثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ { ([4])
خلاصة القول فيما ورد في قصة تميم والجساسة
أولاً : قصة تميم ، وظاهرة ابن صياد .
حديث تميم بن أوس الداري هو الذي غير أنظار العلماء عن اعتبار ابن صائد هو
الدجال ؛ حيث قال ابن حجر في استبعاد كون ابن صياد الدجال : » وإلا فالجمع بينهم بعيد _ أي قصة تميم واعتبار أن ابن صياد الدجال - إذ كيف يلتئم أن يكون من كان أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم _ أي ابن صياد – ويجتمع به النبي r ويسأله أن يكون في آخرها شيخاً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي r . « ([5])
كلام ابن حجر السابق صريح في أنه يعتبر الدجال الأكبر غير ابن صياد ؛ إلا أنه عاد بعدما ذكر أثراً عن البعض أنه رأى ابن صياد في أصبهان فقال : » و أقرب ما يجمع به بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال . أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقاً ، وأن ابن صياد شيطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى أصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجئ المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها ، ولشدة التباس الأمر سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن ابن عمر في ابن صياد ، ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم . « ([6])
كلام ابن حجر يقرب إلى الأفهام تصور ظاهرة الدجال وعلاقتها بابن صياد ، و هي ظاهرة غامضة التبس أمرها على أكثر العلماء ؛ لدرجة أن البخاري لم يجد مسلكاً للخروج من الالتباس إلا بطريق الترجيح ، إلا أنه في ظني أن سبب التباس الأمر على كثير من العلماء في التوفيق بين الأمرين مرجعه إلى أنهم تعاملوا مع ظاهرة الدجال على أنها ظاهرة إنسية محضة ، مع أن دلائل الأحاديث تشير إلى خلاف ذلك ، ومن هذا الوجه يشكل الجمع بين الأحاديث ؛ أما لو تعاملوا مع الأحاديث على أن ظاهرة الدجال ظاهرة خاصة شبيهة بالظاهرة الإبليسية ، وهي مخالفة لعادات البشر ونواميسهم ، ففي مثل هذه الحالة لا يقع اللبس ويسهل الجمع بينها ، وهذا المعنى هو ما سأذكره في المقالة بعنوان غرابة ظاهرة الدجال
*فتنة الدجال أعظم فتنة في الوجود
فتنة الدجال أعظم فتنة على وجه الأرض
/ - عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ : } مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ . { ([1])
/ - عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : ذُكِرَ الدَّجَّالُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ : } لَأَنَا لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ ، وَلَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِمَّا قَبْلَهَا إِلَّا نَجَا مِنْهَا ، وَمَا صُنِعَتْ فِتْنَةٌ مُنْذُ كَانَتِ الدُّنْيَا صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ إِلَّا لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ . { ([2])
أقول :
1- الأحاديث السابقة صريحة في عظم فتنة الدجال ، وكأن هذه الفتنة إشارة إلى نهاية الدنيا ؛ حيث تشبه الاختبار النهائي لأهل الأرض في زمان خروجه .
2- الحديث الثاني فيه إشارة مهمة إلى أن فتنة الدجال تأتي بعد فتن عدة ، وقد صرحت بعض الأحاديث أن آخرها فتنة الدهيماء ، وهذه الفتن تكون قد غربلت الناس فظهر مؤمنهم من منافقهم ، فما يكون من فتنة الدجال إلا حصد ما خلفته الفتن التي سبقته ، وفي هذا إشارة إلى ضرورة انتباه المؤمن من الفتن ، ولا يستصغرها ، أو يحقر شأنها ، فهي موطئة لفتنة الدجال ، يعزز ذلك ما جاء في الحديث : « لَأَنَا لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ » ، وفي رواية مسلم : غير الدجال أخوفني عليكم . وفي رواية أحمد : « لَغَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَى أُمَّتِي ، قَالَهَا ثَلَاثًا : قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِي غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُكَ عَلَى أُمَّتِكَ قَالَ أَئِمَّةً مُضِلِّينَ . » ([3])
و عن حذيفة بن أسيد t قال : » … إنا لغير الدجال أخوف علي وعليكم قال فقلنا ما هو يا أبا سريحة ؟ قال فتن كأنها قطع الليل المظلم قال : فقلنا : أي الناس فيها شر ؟ قال : كل خطيب مصقع وكل راكب موضع . قال فقلنا : أي الناس فيها خير قال : كل غني خفي قال أبو الطفيل الليثي : فقلت : ما أنا بالغني ولا بالخفي ؟ قال فكن كابن اللبون لا ظهر فيركب ولا ضرع فيحلب . « ([4])
شرح الغريب :
خطيب مصقع : أي كل خطيب بليغ اللسان ، ويراد به الخطباء الذين يغيرون الحقائق ويزينون الباطل لأهوائهم أو لمصالح قادة الفتن مستعينين بما أوتوا من قوة بلاغة و تأثير في الناس
راكب موضع : أي مسرع ، ويراد به من يخف ويسرع في الفتن ونصرة أهل الباطل .
غني خفي : أي كل غني النفس معتزل للناس
ابن لبون : ابن الناقة ذات اللبن ، وابن اللبون يكون صغيراً لا يمكن أن يركب لقتال ونحوه ، ولا يمكن أن يحلب فينتفع به ؛ لأنه صغير ، ومعنى كن كابن لبون : أي مثله في عدم الانتفاع به في أمر من أمور الفتن .
*النبي محمد عليه السلام يحذر أمته من الدجال
مُساهمة طارق فتحي في الإثنين 3 يونيو 2013 - 4:44
/ - عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَامَ رَسُولُ اللَّهِ r فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ : } إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ ، وَلَكِنِّي سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ ، إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ . { ([1])
/ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ r بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلَا نَدْرِي مَا حَجَّةُ الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ وَقَالَ : } مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ وَإِنَّهُ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ . { ([2]) وفي رواية مسلم } كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِئَةٌ . { ([3])
أقول :
1- هذان الحديثان يدلان على خطورة فتنة الدجال ، فما من نبي من لدن نوح عليه السلام إلا أنذر أمته منه ، والسؤال الذي يطرح هنا : ما وجه إنذار نوح عليه السلام لأمته من الدجال بالرغم من أنه يخرج في آخر الزمان ؟
وهذا يجاب عنه بأن وقت خروجه كان خفياً على نوح عليه السلام ؛ أي أن نوحاً علم بفتنة الدجال ولم يعلم بوقت خروجه فأنذر أمته وكذلك سائر الأنبياء ، وهذا يعزز أن النبي r في بداية الأمر قد علم بفتنة الدجال ثم تبين له في آخر الأمر وقت خروجه ؛ لذلك كان إنذار محمد r لأمته من الدجال أوفى وأكثر تفصيلاً من غيره لوقوع فتنته في أمته .
2- المعلوم أن حجة الوداع كانت في آخر عهد النبي r ، وتضمنت ملخصاً عاماً لرسالة الإسلام وأبرز تعاليمه ، ومع كونها كذلك إلا أن النبي r لم يختصر الحديث عن الدجال فيها ، بل أطنب و أفاض في الحديث عنه ، وفي هذا إشارة إلى عظم هذه الفتنة وخطورتها ، و ويتضمن تنبيهاً لأمته للإفاضة في الحديث عنها والتحذير منها .وإذا كانت خطبة الوداع التي تعتبر ملخصاً لرسالة محمد r قد تضمنت إطناباً عن فتنة الدجال ، فمن باب أولى أن يطنب أتباعه في ذكرها ،والتحذير منها ، وليس كما يدعي البعض أن ذكر الدجال وفتنه من باب الملهاة للأمة وإشغال لها عن قضاياها ، بل على العكس ذكر فتنة الدجال يقي الأمة من الوقوع فيها من جانب ، ومن جانب آخر يعطيها تصوراً لطبيعة الفتن التي نعيشها قبل خروجه ، وذلك لارتباط الفتن بفتنة الدجال ؛ لذا لا بد أن يكون بعض ما نلابسه من فتن يطابق بعض أوصاف فتنة الدجال .
مواضيع مماثلة
» * حقائق عن فتنة المسيح الدجال
» * أوصاف الدجال -جزيـرة الدجال-الدجال والهداية-قصة الجساسة-علاة خروجه
» *مكان خروج الدجال-ادعائه الربوبية-فتنته عامة-شهوات الدجال-ايامه الاولى-
» * هل هذا هو المسيح الدجال
» * من هو الاعور الدجال
» * أوصاف الدجال -جزيـرة الدجال-الدجال والهداية-قصة الجساسة-علاة خروجه
» *مكان خروج الدجال-ادعائه الربوبية-فتنته عامة-شهوات الدجال-ايامه الاولى-
» * هل هذا هو المسيح الدجال
» * من هو الاعور الدجال
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى