مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* قصص قصيرة - هيام هيام - الجزء الاول

اذهب الى الأسفل

* قصص قصيرة - هيام هيام - الجزء الاول Empty * قصص قصيرة - هيام هيام - الجزء الاول

مُساهمة  طارق فتحي الخميس أغسطس 02, 2018 10:36 pm


هَيام .. هِيام 1
طارق فتحي
هيام طفلة جميلة مدلله لابوين رائعين واخوين يصغرانها بسنوات قليلة . دائما ما تنشب بينهما معارك طفولية بسبب دلال هيام الفائق للتصور من قبل والدها مما يدفع بغيرة الاخوين منها وبالتالي يقومان بمشاكستها في البيت فتصرخ باعلى صوتها ليتدخل فورا حامي حماها والدها وينهر اخويها بشدة متهددا ومتوعدا بان لا مساس لهيام باي شكل من الاشكال.
كانت العداوة الطفولية المبكرة للاولاد تختفي تحت جذوة ناراً يعلوها الرماد قابلة للانفجار في اية لحظة ولأتفه الاسباب اثناء لعبهم في الدار معاً. تحول دلال هيام الاخت الكبرى لهاجس كبير يورق منام الاخوين.
كبرت هيام وازدادت حسناً وجمالاً وروعة ابهرت العشيرة. وأخذ اسمها يتردد في اودية الناس على اختلاف مشاربهم ومساكنهم. تعلق الاخوين بها تعلقاً شديداً وضموها الى روحيهما. وانقلبت الغيرة بينهما الى محبة عظيمة ساعد في ذلك حسن تربية هيام وبراءتها الملائكية اضافة الى جمالها الآخاذ فاصبحت معادلة صعبة جدا في زمن تفككت فيه بعض المعادلات البسيطة.
في سنتها الاولى بمدرستها الابتدائية القريبة من بيتها الريفي في احد قرى محافظة ديالى . دخلت عالما آخر لم تألفه من قبل . تكورت الطالبات نحوها كخلية نحل فرت من عقالها تلمس احداهن شعرها الذهبي المسترسل الى الخلف حيث منتصف ظهرها وآخرى تداعب خديها الورديتين واخرى تتحسس ملابسها وتدور حولها كالفراشة . اتت مديرة المدرسة ترعد وتزبد منتهرة البنات , انفض الجميع من حولها امسكت بيدها وذهبت بها الى ادارة المدرسة ,اجلستها قرب مدفأة قديمة توقد من اخشاب الاشجار .
دق جرس المدرسة معلنا بداية الدوام الرسمي نهضت المديرة ماسكة بيدها الى احد الصفوف الاولى مودعة اياها احدى معلمات الفصل الست خديجة . انصرفت الى الادارة حيث مقر عملها . سالتها المعلمة اذا كنت شاطرة قبلتك في الفصل فاجابت هيام نعم ست . قالت لها اثنان زائدا اثنان كم يساوي اجابتها على الفور ست اربعة . ربدت المعلمة على كتفها وقالت احسنت, الاجابة صحيحة صفقوا لها يا بنات . دوى الفصل بالتصفيق عندها احمرت وجنتا هيام من الخجل . جلست في المقعد الاول في الوسط . هكذا كان يومها الاول.
ما يميز هيام ليس جمالها وعفويتها وحسب بل الذكاء الذي كانت تتمتع به حيت اجتازت المرحلة الابتدائية بتفوق ساحق على جميع اقرانها من الطالبات . الكل اخذ يتودد لها ويحبها الطالبات , المعلمات , حتى امهات الطالبات كن يحببنها . كانت الطالبة الاولى على مدرستها في امتحانات البكالوريا في السنة الاخيرة لمرحلتها الابتدائية حيث تخرجت الاولى وبتفوق .
عادت الى قريتها بين عائلتها المتواضعة المهتمة بها ايما اهتمام خصوصا من قبل اخويها اللذان كانا يتفانون في خدمتها ودلالها لحسن سلوكها معهم فهي اختهم الوحيدة جميلة الجميلات كما كان يناديها اخيها الاصغر . التحقت بذات المدرسة بعد انقضاء العطلة الصيفية في مرحلتها المتوسطة او الثانوية كما يحلو للبعض تسميتها واجتازت المراحل الاولى الثلاثة كعادتها متفوقه على الجميع ونجحت في امتحان البكالوريا بتفوق ايضاً .
مرت اشهر العطلة الصيفية والهرج والمرج تتقاذفه العشيرة عندما كبرت هيام واستدارت معانيها وبرزت مفاتنها الغضة الطرية بطول ممشوق وخصر منحوت وسيقان طويلة وبشرة بيضاء تحاكي برائتها وطفولتها العفوية ملائكة السماء . اعتى الرجال واشقاهم شراً لا يستطيع مسها بحرف واحد او بحركة بسيطة لندرة اخلاقها القريبة من اهل السموات. يستحي منها الرجال لطهارتها وعفتها الممزوجتان مع الفطرة السليمة.
كانت هيام بحق فخراً لعائلتها ولاخوتها وللعشيرة فاحتلت عرش الزمان والمكان واصبحت مضرب الامثال والهبت خيال الشعراء . اجادت جميع اعمال المنزل على احسن ما يرام من التنظيف والغسيل وطهو اطيب الاطباق واشهاها . تمنى كل اهل قريتها والقرى المجاورة لها ان تخطب ودها لاحد ابنائها . كل ام كانت تدعوا الله بصلاتها ان يرزقها بهيام زوجة لاحد ابنائها . لما تمتعت به من سمعة نظيفة خالية من الادران فجاءت كما جاء الهوى في كمال وفي عف وفي نبل .
سعادة هيام لم تدم طويلا وفرحتها باكمال دراستها الثانوية اصابها بنوع من الهم والغم اذ عليها ان تنتقل الى المرحلة الاعداية ولا توجد في قريتها او القرى المجاورة القريبة من قريتها مدرسة اعدادية . سوى في مركز المحافظة وبعض المدن البعيدة نسبيا عن قريتها . وبما ان عائلتها فقيرة الحال فلا يسعهم والحال هذه تلبية رغبات ابنتهم المدللة ,هنا تدخلت العشيرة واكابر قومها حاملين على اكتفاهم ضلالاتهم وارثهم القديم . اجتمعوا مع والدها المسكين وقالوا له البنت اكملت دراستها المتوسطة رغما عنا وتعلمت القراءة والكتابة وهذا يكفي .
عليك تزويجها من احد ابناء عمومتها عاجلا فليس عندنا بنات يصلن لهذا العمر دون زواج تركوه وانصرفوا . اصبح الاب بين امرين احلاهما مر تحت مطرقة العشيرة وسندان دلال ابنته المميزة في كل شيء. توسلته ان تجلب نتيجتها من المدرسة فوافقها على ان تصطحب احد اخويها . انتظر الاخ خارج المدرسة ودخلت هيام لتلقي التحية على مجلس المعلمات المنعقد في مثل هذا اليوم من كل شهر. ولتفصح عن رغبتها باستلام نتيجتها المدرسية وكتابا موثقا لاستخراج شهادتها من وزارة التربية .
استقبلتها المديرة بالقبل والاحضان وقدمتها الى سيدة جالسة بجانبها ضيفة غريبة لم تتعرف عليها هيام , رمقتها الضيفة بنظرات متعالية من اخمص قدميها حتى قمة راسها سحبتها من يدها تفحصت جسدها من الخارج . ادركت المديرة سبب حركات الضيفة السيدة رئيسة اتحاد النساء الرفيقة الحزبية من الكادر المتقدم في الحزب .
اخبرت المديرة هيام انها سوف تلبي طلباتها بعد الانتهاء من الجلسة الرسمية المنعقدة في المدرسة بحضور رئيسة الاتحاد. قالت لها انصرفي الان وعودي في الاسبوع المقبل لاستلام وثيقتك المدرسية وكتاب معنون الى وزارة التربية . انصرفت هيام مودعة المعلمات بكل ادب والتفتت الى الضيفة حيتها بابتسامه اهتزت لها الاركان وذاب في خيلائها الجميع . عادت مع اخيها الى مسكنها . وهي فرحة مسرورة بوثيقتها المدرسية والاحلام الوردية تطاردها من كل حدب وصوب .
انفض المجلس , انفردت الضيفة بالمديرة تسألها عن اسم الطالبة وعن عائلتها وعشيرتها, اطنبت المديرة باسهاب في شرح فضائل هيام وذكائها مع عفتها وحسن اخلاقها فهي رفعت رأس لاهلها . عشيرتها معروفة ناس طيبين وبسطاء على قد حالهم . لماذا تسألين بالحاح وتودين معرفة كل شيء عنها .؟ اسمعي ست نوال هذه البنت جميلة للغاية وشابة صغيرة في مقتبل عمرها الوردي وانا لي اخ من الكادر المتقدم بالحزب في ديالى عضو شعبة , شاب وسيم سيكون خيالا جيدأ لهذه الحسناء الرائعة الجمال .
اطلقت الضيفة اكثر حسراتها حرارة واردفتها قائلة يجب ان تكون هذه الفتاة زوجة لاخي وساعمل المستحيل في سبيل تحقيق ذلك فهي ملاك نزلت لي من السماء تليق باخي وبمنصبه الكبير . ساترك الموضوع لك ست نوال للاستفسار اكثر فاكثر عن عائلتها وحبذا لو تكلمت مع الفتاة ايضا فانا لاحظت انها تحبك كثيرا ومادام الفتاة تحبك فهي سوف تسمع كلامك . لم تصدق المديرة اذانها وهي تستمع لتوسلات المشرفة وتذكرت التوصيات سيما وهي مقبلة على ترفيع اداري مما يعني زيادة في الراتب وتحسين احوالها المعاشية وتثبيت منصبها في المدرسة والقضاء على منافسيها من بقية المعلمات الكفوءات.
بينما المنافسات تجري على قدم وساق بين شباب القرية لخطب ود هيام , حتى طرق سمع بعض كبار القوم اسمها ممزوجاً بصحيفة بيضاء ناصعة كغيوم السماء. تقدم لها شخص غاية في الوسامة من اكابر القوم وخطب ودها من ذويها .
وصلت اخبارها الى المديرة اتصلت بالسيدة المشرفة فقدمت الاخيرة اسرع من الريح . ذهبا معا في زيارة لعائلة هيام . وبعد الاطناب في شرح مميزات اخيها وتقديم منصبه الكبير ومن انه مرشح ليكون محافظا لديالى وان طاقة القدر فتحت لكم جميعا وستكونون في خير عميم وستفتح لكم هيام الابواب على مصراعيها للدخول الى عالم آخر تسمعون عنه ولم ترونه .
وافق الاب مبدئياً على مشروع خطبة ابنته هيام . استدعى ابنته الصغيرة حيث مثلت بينهما مطرقة الراس يغلب عليها الحياء والسكينة . لقنها ابيها الكلام فرفضت بشدة وهربت من امام الجميع الى غرفتها وقفلت الباب خلفها بقوة . استغرب الجميع من تصرفاتها الغير اممودعة ابيها ستكون هيام لاخي مهما كلفني الامر ولا رجعة في كلامي . رتبوا امركم مع الفتاة فانا قادمة الاسبوع المقبل لخطبتها بشكل رسمي , وساواجه كل الاحتمالات والصعوبات والممانعين بكل ما اوتيت من قوة وقسوة .
مرت الايام ببطيء شديد على عائلة هيام وهم يرضخون تحت التهديد والوعيد تارة, وتارةً اخرى تحت الترغيب ومعسول الاماني من الكلام الجميل . الذي مورس عليها من قبل مديرة المدرسة ورئيسة اتحاد النساء . كلما تأتيان هاتين السيدتين لسماع موافقتها على خطوبتها من اخيها المزعوم ذو المنصب الكبير . تتم الموافقة من لسان هيام وعندما يذهب الضيوف ويغادرون تتنكر لعائلتها وترفض الخطوبة والزواج بشكل هستيري.
هددت هيام عائلتها اكثر من مرة بالانتحار اذا ما رضخوا تحت تسلط هذه المرأة الملعونة . عبثاً حاولتا اخضاعها لهما باستقدام ضيوف من كبار وعلية القوم منهم على ما تذكره هيام القائمقام ومدير الناحية والوعد بحضور المحافظ اذا ما تمت الخطبة بسلام . مرت شهور ثلاثة وهيام بين مد وجزر ورفض وقبول واخيراً وقع المحظور وتمت خطبتها بشكل رسمي ونهائي من قبل السيد المحافظ واكابر القوم بحضور كبار عشيرتها من الرجال الذين باركوا هذه الخطبة مع ان فارق العمر بين هيام وخطيبها يتجاوز العشرون عاماً .
بالتأكيد كان حضور خالد الخطيب المحظوظ وعضو الشعبة والرفيق الحزبي الكبير بصحبة السيد المحافظ واحد القضاة الشرعيين الى دار هيام البسيطة له دور بارز وفعال في انتشار نبأ هذه الخطوبة التي شهرت بهيام اكثر مما هي مشهورة فيه من ذي قبل لحسن طالعها وجميل سعدها والكل غبطها بالسعادة المنتظرة على ابواب حظها الجميل وقسمتها الرائعة منهم من غبطها حسداً وبغياً ومنهم من تمنى لها السعادة والحياة الهانئة من قلب سليم لا تشوبه شائبة . ومنهم من التزم الصمت ولم يجروا على نقد هذه الخطوبة . ومنهم من التزم الصمت ولا يعلم ما في دخيلة انفسهم .
الحق يقال كان خالداً هذا رجل ثلاثيني شاباً وسيما ذو طلة بهية معتدل القامة الى الطول اميل. سمح الوجه دائم الابتسامة مفتول العضلات عريض المنكبين واسع الفخذين على خده خال زاده حسناً وجمالاً ورفعة بين اكابر قومه . لا يوحي مظهره بعمره بل الناظر اليه يخيل له انه في العشرينات من سنه . له شارب كث تتدلى شعيراته على طرفي فمه بكل تهذيب ووقار .
اعتقد الجميع ومنهم انا شخصياً ان حال رؤية هيام لخطيبها وانبهارها بطلته بين القوم الحاضرين سببا قوياً على موافقتها اضافة الى التهديدات المبطنة التي كانت تسمعها بين الحين والاخر على شكل رسائل مباشرة او كلام غير مباشر يصب في اذانها . ارادت ان تضع حداً لكل هذا العذاب وايقاف هذه الدوامة العنيفة التي اصابتها في مقتل كاد ان يودي بها الى الانتحار او الجنون .
كانت الحرب قد نشبت اظفارها بين البلدين الجارين في بداية ثمانينات القرن المنصرم . دب الذعر بين الاهالي القاطنين في القرى القريبة من الحدود واصاب البعض الاخر من القرى وابلا من النيران الكثيفة اما بواسطة المدفعية بعيدة المدى او بالطائرات الحربية التي كانت تمرق ذهاباً واياباً فوق قريتها والقرى المحيطة بها في محافظة ديالى . تم فرض واقع جديد لم يعهده العراقيين منذ عشرات السنين . حيث انتقلوا بين عشية وضحاها من السلام الى الحرب .
اصبحت الحرب الشغل الشاغل للجميع والموت يحصد الشباب من كلا الطرفين المتحاربين . امست ثقافة المجتمع الحرب بجميع ارهاصاتها من الموت والخراب والدمار غير المتوقع الذي حلت فيها الحرب ضيفا ثقيلا على الجميع . وفق هذه الاجواء الهستيرية والسماء ملبدة بغيوم سوداء . تم الاتصال بوالد هيام من قبل مدير ناحية القرية بضرورة الاسراع في تجهيز هيام لتزف الى زوجها خالد باسرع وقت ممكن تفاديا لحصول ما لا يحمد عقباه . في ظل ظروف غامضة تمر بها البلاد .
بالكاد ارسل مدير الناحية سيارة اجرة عتيقة ومتهرئة في صباح اليوم التالي برفقة شقيقة خطيبها خالد الرفيقة الحزبية رئيسة اتحاد النساء . لجلب هيام والذهاب بها الى دار العريس الذي يسكن مع امه وابيه . من غير اعتراض تم تجهيز هيام واخذها من بيت ابيها بملابسها اليومية البسيطة بعد ان القي عليها عبائة سوداء غطت كل معالم جسدها ونصف وجهها ايضاً . لم يبدي احدا من عائلتها او اخوتها الذين كانوا رافضين لهذه الزيجة غير المتكافئة لشقيقتهما الكبيرة هيام اي تصرف تجاه الامر سواءا كان سلبا او ايجاباً .
خرجت هيام من دار ابيها بدون بدلة عرس ولا سيارة فخمة تزفها على عادة القوم ولا موسيقى تصدح لاعلان واشهار الامر للجميع وهو احد اركان وشروط الزواج الشرعي .
كان تبرير شقيقة العريس ان البلد في حالة حرب وفوضى عارمة وكل ما كانت تخشاه هو استهداف موكب اخيها سواءا من الداخل او الخارج , لذلك تمت التعمية بجلب العروس بهذا الشكل حرصاً عليها وبعدا لها عن الشبهات . سواءا اقتنعت العائلة بهذا التبرير او لم تتقتنع. وقع الفاس بالراس وما باليد حيلة للرد عليها بشكل منطقي وعقلاني , كل ما يجري في البلد برمته كان غير منطقي وغير عقلاني بالمرة . صمت الجميع مطرقي الراس تقدم والدها وطبع قبلة على جبين ابنته المدللة ووحيدته جميلة الجميلات هيام .
لجمالها الأخاذ وعفويتها المحببة وملامحها الطفولية البريئة ودماثة خلقها واخلاقها . تم اخذ هيام بالاحضان من قبل والدي العريس حيث كانا لوحدهما في الدار . اذ غاب الجميع تلبية لنداء الواجب الوطني . لم تجلب هيام معها حقائبها كعادة كل العرسان بل اكتفت بحقيبة يد تناولتها على عجل وهي تغادر بيت ابيها , جلست مع العجوزان مطرقة الرأس شاردة الذهن مشتتة التفكير كمن اصابتها الصدمة وهي ترى احلامها وطموحاتها وامنياتها تموت ببطيء امام ناظريها .
عبثا حاول العجوز ادخال الابتسامة في فيها وهو يمسد بشعرها الذهبي دون جدوى , اصطحبها من يدها الى غرفتها الخاصة (عش الزوجية) . فانبهرت بالاثاث الجديد والفرش المنضدة والسجاد الكاشاني الثمين رفعت راسها للاعلى لترى ثريا رائعة من الكرستال الثمين تتدلى من فوق راسها . جلب انتباهها لوحة كبيرة مرسومة بالزيت بعنوان بائعة الخبز .
تذكرت طفولتها المبكرة وكيف كانت تبيع الخبز في سوق قريتها وكان ينفذ ما عندها قبل الاخريات من اطفال القرية ذاتها . تركها العجوز في حالة دهشة ورغبة وانصرف عنها دون ان تشعر به , تذكرته اخيراً التفتت نحوه فاذا بها لم تجده فتسمرت في مكانها كان صاعقة نزلت من السماء وضربتها على ام رأسها في ذهول وتوهان عجيبين . اذ رأت لوحة اخرى مرسومة بالالوان الزيتية لصورتها الشخصية ( بورتريت نصفي ) متطابقة بشكل مذهل مع صورتها الحقيقية . لامست اللوحة باناملها الدقيقة البيضاء الرشيقة لتتاكد من انها لوحة مستوية الابعاد وليست جسما مجسما ذو ثلاثة ابعاد . تاكدت باليقين القاطع انها لوحة زيتية وحسب مستوية السطح اضاف اليها الفنان ريشته السحرية فجعلها تحاكي الحقيقة .
نادى الجد على كنته هيام ان تعد لهم الغداء فبعد قليل سيحضر سائق ابنهما العريس جالبا معه طعاما من احد المطاعم بمناسبة حضورها الى البيت . خرجت هيام على عجلة من امرها ودلفت المطبخ اعدت مائدة الطعام في ركن قصي من الصالة . وما ان انتهت من عملها حتى خرج العجوز على اثر سماع صوت منبه سيارة تقف امام باب داره .
جلب اغراضاً كثيرة ومثلها اكياس اخرى , تم فتح الاغراض فاذا به ثوب عرس جميل لهيام باللون الابيض والوردي مع ملحقاته من الشال والطرحة وكانت البضاعة اجنبية مستوردة وليست من الاعمال المحلية . كيس آخر فيه زوجان من الاحذية احدهما بلون الشمس والاخر بلون القمر . همت هيام بعد ان دفعها الفضول في فض المغلف الكبير الاخر فاذا بها تجده يحتوي على ثلاثة حقائب يد جديدة بالوان مختلفة .
امرها العجوز بان تاخذ اشيائها وتضعها في غرفتها كونها ملكا لها بمناسبة زفافها من ابنهم خالد . حملت اغراضها وهبت الى غرفتها تسابق الريح وهي كفراشة خرجت للتو من شرنقتها تنثر الحب والجمال والسلام في جميع ارجاء بيتها عش الزوجية . رتبت اشيائها وارتدت بدلة عرسها استعرضت امام المرآة بكامل زينتها بانوثتها الصارخة . كانت مذهلة بحق تقطر الانوثة منها تقطيراً كانها تصرخ بوجه القدر , العجيب في الامر ان سذاجة هيام وقوعتها طيلة فترة حياتها في قريتهم النائية البعيدة عن مراكز التحضر وعدم احتلاطها بالاخريات من بني قومها وانحسار تفكيرها في الجو المحيط بها جعلها لا تعرف قدر نفسها وما تملكه من مواصفات ملكات الجمال في شتى انحاء العالم.
شق صمتها وفرحتها وذهولها صوت العجوز ثانيةً , اين الطعام يا ابنتي العزيزة . خرجت مسرعة حافية القدمين لتلبي نداء العم المسن . اي طعام يا عمي لا توجد اكياس طعام في اغراضي, كلها ملابس واشياء نسائية كما رايتها بنفسك . اتصل العجوز بابنه خالد في مقر عمله وطلب منه جلب الطعام كما وعدهم في حال حضور العروس الى البيت ريثما يتم عمله ويوافيهم هو الاخر ايضاً.
ضغط خالد على زر صغير منتصب امام مكتبه وفي لحظة حضر المرافق طلب منه ان ينادي على السائق وكان له ما اراد , امتثل السائق امام الرفيق الحزبي متخذاً وضع الاستعداد . نهره بشدة لنسيانه طعام عائلته في مثل هذا اليوم المميز بحضور عروسه, خرج السائق مسرعا وما هي الى ساعة او اقل من ذلك . طرق الباب خرج له العجوز اعتذر منه وسلمه الاغراض وعلبة كبيرة تحتوي على الطعام . وانصرف لحالة دون سماع كلمة شكر للتوصيل رتب الطعام على المنضدة في الصالة وانتظروا ولدهم خالد ان يدلف عليهم بين الفينة والاخرى , تأخر لم يأتي , ذهبت العروس الى المطبخ تناولت بعض البسكويت وقدح كبير من عصير البرتقال الطبيعي المصنوع محلياً . اكتفت ذهبت الى غرفة نومها القت براسها على الوسادة الخالية فاذا بها تغط في نوم عميق .

لم يحاول العجوزان ايقاظها من نومتها بل تركاها حتى الصباح . نهضت من تلقاء نفسها اتجهت صوب المطبخ لعمل فطور للعائلة بينما العجوزان يغطان في نوم عميق . احضرت كل الاشياء على منضدة الطعام وانصرفت لأيقاظهم . اكمل الجميع فطورهم شكرها العم بشكل ملفت للنظر وكذلك العجوز كانت تنتهز المناسبة تلوى الاخرى لاحتضانها وتقبيلها فهم يحبانها كثيراً .
طرقات خفيفة متواصلة على باب الدار فاذا بالسائق يقدم وهو في حالة لهاث من بعد تعب ليخبر العجوز ان عمه الرفيق خالد بعث اليهم بكمية من الخضار والفواكه لذهابه ( معايشة ) الى الخطوط الامامية المتقدمة في جبهات القتال ولا يعلم وقت عودته بأوامر من قيادة البلد العليا .
اغلق العجوز الباب باحكام ونادي على جميع من في الدار ان يحملوا الاغراض الى المطبخ وتوزيعها في امكانها المعتادة . حان وقت الغداء ثم العشاء ثم فطور اليوم التالي هكذا دواليك استمر الوضع لمدة شهران بالتمام والكمال . حتى اتى لهم من يبشرهم بمقدم الرفيق خالد الى مقر عمله عما قريب باذن الله .
شهران مرا منذ ان زفت هيام الى بعلها وهي لم تراه سوى مرة واحدة في دار ابيها اثناء خطبتها . بقيت هذه الليالي الطوال السوداء المدلهمة تصارع فيها افكارها مع ما حل لها من بؤس وشقاء متقع تمني النفس بالامال ترقبها وهي تحيا ضنك وفقد الزوج المرتقب . اطلقت العنان لخيالها كيف تتوسد وسادتها كل ليلة وتحلم بتقبيله والنوم في احضانه وشم رائحته الذكورية النفاذة حتى تسترسل في احلامها وتغفوا بأمان وسلام على صدره وبين احضانه انه شعور واحساس لا يحسن وصفه سوى الاثني العاشقة الولهانه بيوم جديد قادم يمزق كل اركانها وتغدوا سيدة البيت بلا منازع ملكة على عرشها تحت وطأة مليك حسيب مقتدر .
ذات يوم فجأة على غير المتوقع دخل خالد الرفيق الحزبي الكبير على حين غره يتبعه السائق محملا بالاغراض والاشياء التي جلبها معه . انصرف السائق بسرعة , اغلق الباب بقدمة اليسرى اذا رمى بها الى الخلف مرتطمة بالباب فانغلق من تلقاء نفسه . قدم مهرولا صوب غرفة نومه بعد ان راى والديه لوحدهما علم ان عروسه في غرفتها ,
فتح باب الغرفة بهدوء وجدها تغط في نوم عميق فتح دولابه ووضع فيه رزمة من النقود وانصرف خارجا من غرفته . وجد والدته تصلي صلاة الظهر تقدم نحوها كالثور الهائج وضع حذائه العسكري ذو الحجم الكبير فوق رقبتها اثناء سجودها وهو يسمعها بذيء الكلام وفحشه . التفت الى والده فاذا به يراه يهرب من امامه الى غرفته .
رفعت العجوز راسها بعد هذه الاهانة القاسية . نظرت اليه بعينين ضيقتين منكسرتين ,قالت سوف لن ادعي عليك ولكني سلمتك بيد الله فهو خير منتقم . ولا ينصر الظالم مهما كان جبروته وقوته وعظمته . رما مسبحتها مطوحا اياها في الهواء , مزق سجادتها اربا ارباً وهو كالثور الهائج احمرت عيناه , خر صريعا يغالب حركاته وتشنجاته الغريبة حتى اخذ يزبد من فمه مادة بيضاء خيل للجميع ان مخه خرج من انفه وفمه .
كل هذا الهياج والصراخ والعويل في فسحة الدار ( الحوش ) والصراع المرير بين الولد العاق ووالديه المسكينان وهيام ترقب ما يحدث خلسة من وراء ستارة نافذة غرفة نومها هي لا تفهم ما يجري في الخارج , كان هول الصدمة عنيفاً مما رأت وسمعت وقع عليها كالصاعقة . التزمت الصمت ولم تبرح غرفتها حتى فاق خالد من تلقاء نفسه وشاهد بام عينيه كيف مزق ثياب والدته التي لا زالت جاثية على ركبتيها في حالة سجودها الاول . والدمع يترقرق من مآقيها . والعجوز قابعا في غرفته لا يحسن كيف يخرج او يحدث اي ضجيج كفريسة مختبئة عن اعين الصياد بانتظار ذهاب صياده ويولي الى غير رجعة .

عاد الرفيق خالد الى وعيه وهو يرى نفسه مرميا على بلاط الحوش بملابسه الحزبية الخضراء الداكنة وحذائه الكاكي الكبير . نهض مسرعا اغتسل ثم انصرف دون ان ينطق بكلمة واحدة اذ وجد الجميع مختبئين في غرفهم . ظهرت هيام من غرفتها والقت نظرة فاحصة على البيت تيقنت حينها انه غير موجود ذهبت الى غرفة العجوزين شاهدت عمتها تصلي صلاة المغرب وعمها مرميا على سريره تتدلى من يده مسبحته , شفتاه تتمتم بعبارات التهليل والتكبير والتسبيح لله تعالى .
خرجت مسرعة من عندهم باتجاه المطبخ وما هي الى دقائق معدودات لا تتجاوز النصف ساعة اعدت لهم العشاء ووضعته كالعادة على منضدة الطعام . عبثا حاولت اقناعهما بتناول العشاء معها الا ان محاولاتها بائت بالفشل . اكملت طعامها لوحدها , ذهبت الى غرفة نومها تاركة بقية الطعام على المنضدة لاعتقادها ان العجوزين سوف يجوعان عما قريب .
في صباح اليوم التالي وبعد الفطور مباشرةً استفسرت هيام من عمتها عما اصاب ولدها خالد البارحة في باحة البيت . ولماذا يعاملها بهذه القسوة المفرطة وما السبب في ذلك.؟ اخبرتها عمتها . بان ولدهما خالد كان منذ صغره عصبي الطباع حاد المزاج لا يحترم الكبير جسور غاشم كثير البطش باقرانه . في يوم من الايام قدم خالد الى البيت غاضباً مزمجراً كالاسد الحصور . فوجدني اصلي في باحة الحوش كعادتي . تكلم معي ولم ارد عليه كوني في محراب صلاتي . اتى ووضع قدمه على رقبتي مثل ما فعل بي البارحة .
وقبل ان ينصرف قلت له سلمتك بيد الواحد الاحد الفر الصمد . كفى بالله بنا حسيباً ووكيلا. وما ان حل العصر حتى اتي من يخبرنا ان خالد انقلبت به السيارة هو واثنان ممن كانوا معه من الرفاق الحزبيين . مات احدهم وخالد والاخر يرقدون في مشفى الطواريء . لم يحرك الخبر في ساكناً بل رجوت الله التخفيف من عذابه ودعيت له بالشفاء . عمتي ماذا تقولين .؟ دعيت له بالشفاء وهو ما فعل فعلته النكراء بك .!! ما العمل يا ابنتي انه قلب الوالدة الحنون.
كانت التقارير الطبية تذكر ان هناك كسران في الجمجمة وثلاثة اضلاع من قفصة الصدري مع كسور بسيطة في الذراعين والاقدام . بعد مرور سته اشهر شفي خالد تماما مما الم به من هذا المصاب الفظيع . الا ان سلوكه لم يتغير بل اصبح اكثر وحشية وعدوانية من ذي قبل مع اصابته بنوبات من الصرع كما شاهديه بالامس .
اصيبت هيام الجميلة المدلله بخيبة امل كبيرة . واطرقت مليا تفكر كيف انها متزوجة منه منذ ثلاثة اشهر ولم ترى زوجها او تلتقي به في غرفة نومها . وهذا العذاب المهين الذي يسوقه على اهلة , ترى ماذا سوف يفعل بي ان بقيت معه مستقبلاً.؟ شق سكون تفكيرها صوت العم وهو يناديها من اجل شربة ماء بارد .
ارسلت من يخبر اخويها باصطحابها الى منزل ابيها في زيارة لهم . قدم احد اخوتها وهيئت هيام اغراضها وكانت قد قررت عدم العودة اليه بتاتا خصوصا بعد ما رات وسمعت كل هذه الاهوال من احوال خالد زوجها مع ايقاف التنفيذ . همً الاثنان بالخروج فاذا بهما بألفان سيدهما الرفيق الحزبي الكبير وجها لوجه اما باب الدار . امسك هيام من عضد يدها اليسرى وسحبها الى داخل الدار حيث غرفة نومها , دون ان ينبس ببنت شفة او ان يعير اخيها اي اهتمام .
ذهل الاخ من تصرفات هذا المعتوه وظل واقفا متسمرا في مكانه لا يحسن ماذا وكيف يفعل عاجله العم بالترحاب واستضافته ثانية الى صالة الدار , ابى ان يقبل دعوة العم الطيب وثأرا لكرامته غادر المنزل مسرعا لا يلوي على شيء وهو يحدث نفسه تارة بالاشارة وتارة بالهمس الصاخب كمن مسه نوع من الجنون ,
اغتصب خالد زوجته الحسناء هيام وهو بنصف ملابسه الحزبية الخضراء الداكنة . حيث عاملها بكل قسوة ووحشية بعد ان صفعها عدة صفعات بدون مبرر او سبب مسبق او حدث ما لا يعجبه قامت به هيام . صفعتان او ثلاثة صفعات قوية جدا اردتها فراشها في حالة نصف اغمائه ثم انتبهت الى نفسها لتجده مرميا فوقها يقوم باغتصابها دون ان يسمعها كلمة واحدة او حتى حرفا واحدا . كانت تقاومه بشدة لخوفها منه من ناحية ولابعاد لهاثه الكريه وراحة فمه النتنه التي لوثت رقبتها وجزء كبير من وجنتيها من ناحية اخرى .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى