مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* رد شبهات النصارى حول الاسلام والطعن في الاحاديث النبوية

اذهب الى الأسفل

* رد شبهات النصارى حول الاسلام والطعن في الاحاديث النبوية  Empty * رد شبهات النصارى حول الاسلام والطعن في الاحاديث النبوية

مُساهمة  طارق فتحي الإثنين أغسطس 22, 2016 9:28 pm


شبهات النصارى حول الإسلام
للدكتور منقذ السقار
تمهيد
كشف علماؤنا بجهودهم المباركة حقيقة النصرانية المحرفة ، و أبانوا عن زيغها و تحريف كتبها ، و امتدت عقيدة الإسلام في البيئات النصرانية ، و سرت فيها سريان الهشيم في النار ، و ما يزال الإسلام يتقدم إلى قلاع النصرانية الحصينة يدق أبوابها بنوره العظيم.
و لمواجهة الشمس الساطعة اجتهد الغرب النصراني في بناء أسوار من الكذب و البهتان يريد من خلالها أن يحجب الضياء ، بل و اجتهد النصارى في إضلال عوام المسلمين بإثارة الشبهات حول هذا الدين ، و لتصور عظم هذا الخطب ينقل ديدات عن ادوارد سيد في مقال له في مجلة " تايم " في إبريل 1979م قوله: " إن أكثر من ستين ألفاً من الكتب ألفت ضد الإسلام بواسطة المسيحيين الغربيين"، فكم ألف بواسطة الشرقيين !!
و لا ريب أن جهود علمائنا إزاء هذا الطوفان من الإضلال و التضليل مباركة مشكورة، غير أننا بحق نحتاج إلى المزيد من الدراسة و البحث الذان يتناسبان و شراسة الهجمة و أهمية الموضوع.
و قد كانت الموضوعات التي ركزت عليها الدراسات النصرانية كالتالي :
1-التشكيك في مصدرية الإسلام.
2-الطعن في النبي صلى الله عليه وسلم.
3-الطعن في القرآن الكريم.
4-الطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
5-الطعن في تاريخ الإسلام على مر العصور.
6-الزعم بأن القرآن قد حوى في دفتيه ما يؤيد المعتقدات و الكتب النصرانية.
و في جهدنا المتواضع نعرض نماذج من جهود علمائنا في الكتب التي اختصت بمقارعة النصرانية بعيداً عن تلك الجهود المباركة التي وضعت للرد على الدراسات الاستشراقية التي يقوم بها اليهود وغيرهم من علمانيي الغرب وملاحدته.

و الذي يدعونا إلى هذا ضيق هذه الدراسة عن مثل هذا الموضوع الكبير.
منهج النصارى في شبهاتهم عن الإسلام
و قبل أن نلج في عرض نماذج للشبهات التي أثارها النصارى على عقائد الإسلام المختلفة نقف على بعض ملامح المنهج الذي اختطه النصارى في إثارة الشبهات حول الإسلام ، فقد شاب فهمهم للإسلام الكثير من الغبش ، وكانت فكرتهم عن الإسلام خليط من ذلك الغبش و الحقد الذي تكنه صدورهم للحق الذي سطع فحجب الضلال بضيائه وحجته.
وأهم مايذكر هنا هو الكذب والتحريف والمغالطة من النصارى الذين تصدوا لنقد الإسلام ودراسته.
الكذب و التلاعب في النصوص :
مارس النصارى الكذب في نقدهم لهذا الدين ، و من ذلك قول وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " في سياق حديثه عن معجزات المسيح المذكورة في القرآن، فيقول: "و إن كان بعض المفسرين يحاولون أن يقللوا من شأن السيد المسيح في المقدرة قائلين : إنه يصنع هذا بأمر الله ، فنجد أن الإسلام يشهد بأن هذه المقدرة هي لله فقط ".
و من المعلوم عند كل مسلم أو مطلع على القرآن الكريم أن الذي أحال معجزات المسيح إلى قدرة الله و إذنه هو القرآن الكريم و ليس مفسروه .
و من الكذب أيضاً ما قاله صاحب كتاب "الحق" حين زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مات انتظر المسلمون قيامه كما قام المسيح، فلما لم يقم ارتد المسلمون عن الإسلام" .

و من المعلوم أن القرآن صرح بمثلية رسول الله لسائر البشر في خاصية الموت، و قد صرح القرآن بموته، و لم يرد شيء فيه أو عن رسولنا يفيد قيامته صلى الله عليه وسلم من الموت ، و قد روي عن عمر أنه قال مثل هذا القول لحظة ذهوله عند فاجعته برسول الله صلى الله عليه وسلم و سرعان ما أفاق منه.

و أما حركة الردة فقد بدأت إبان حياته صلى الله عليه وسلم بظهور الأسود العنسي ، و فشت بعد وفاته، و لم يكن من دواعيها مثل هذا القول الذي ذكره النصراني.

و من الكذب أيضاً قول القس شروش و هو عربي فلسطيني في مناظرته لديدات أمام جمهور من الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، فيقول مكذباً القرآن في عربيته: " لكن محمداً استعمل كثيراً من الكلمات و الجمل الأجنبية في القرآن ، و هذا يترك كثيراً من التساؤل عند الناس إن كانت لغة الله غير كافية بحيث تحتاج إلى عدة لغات أخرى… في كتاب ادعي أن الله أوحاه بالعربية" ، و بالطبع لا يوجد في القرآن جملة غير عربية ، فقد نزل بلسان عربي مبين .

و من الكذب أيضاً قوله: " المسلمون غير العرب يشعرون بأنهم مجبرون أن يحفظوا على الأقل أربعين سورة من القرآن بالعربية مع أنهم لا يتكلمونها و لا يتخاطبونها " و أي من العلماء لم يوجب مثل هذا .

و من الكذب أيضاً قول صاحب كتاب "الحق" النصراني بأن رسول الله ما كان يدري من الذبيح إسماعيل أم إسحاق لذلك قال :" أنا ابن الذبيحين" و أراد إسماعيل و إسحاق ، و يرد ابن الخطيب بذكر آيات سورة الصافات و التي ذكرت قصة الذبيح في سياق حديثها عن إسماعيل ، ثم اتبعت ذلك بالحديث عن إسحاق و بشارة الله لإبراهيم به ، و أما الحديث - لو سلمنا بصحته لصحة معناه - فلا خلاف في أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم أنه ابن الذبيحين: عبد الله أبوه و إسماعيل ، و قصة نجاة أبيه من الذبح مبسوطة في كتب التواريخ .

تحريف النصوص
و يلجأ النصارى أيضاً إلى تحريف ألفاظ النصوص الإسلامية ، و من ذلك قول القس شروش لمستمعيه الإنجليز:" أنتم معشر المسلمين تعتقدون أن المسيح ما زال على قيد الحياة " .يقول ديدات : نعم. فأكمل القس شروش " لكننا إذا قارنا هذا بما جاء في القرآن فإننا سنجد تناقضاً ، فإن القرآن يقول { و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حياً } قرأها في العربية صحيحة ، ثم ترجمها : "و سلام علي يوم ولدت و يوم مت و يوم أبعث حياً " فحول الأفعال المضارعة و التي يراد منها المستقبل إلى أفعال ماضية مستغلاً جهل مستمعيه بلغة العرب، و ظن أن حيلته و كذبه ينطلي على العلامة الأعجمي ديدات .

و من التحريف الذي مارسه النصارى تحريف المعاني و من ذلك الخلط الذي وقعوا به و نسبوه للقرآن الكريم، فقد زعموا أن قوله تعالى في قصة موسى { فأرسلنا عليهم الطوفان } يتحدث عن الطوفان الذي وقع زمن نوح، فهو بذلك يخلط بين حديثين متباعدين في الزمان.

و القرآن قد فصل في الحديث عن طوفان نوح، و أشار إلى الهلاك الذي أحدثه فيما ذكر طوفاناً صغيراً كان أحد ما عذب به الذين كفروا بموسى عليه السلام .

وكما ذكر القرآن طوفان نوح العظيم و طوفان موسى بمصر، كذا ذكرت التوراة الطوفانين، فطوفان نوح تحدث عنه سفر( التكوين 7/10-24) ثم تحدثت عن طوفان آخر أصاب مصر انتقاماً من فرعون الذي لم يؤمن بموسى، و لم يطلق بني إسرائيل، فقد قال موسى لفرعون:" أنت معاند بعد لشعبي حتى لا تطلقه. ها أنا غداً مثل الآن أمطر برداً عظيماً لم يكن مثله في مصر" فنزل المطر و البرد ، فوعد فرعون موسى بإطلاق شعب بني إسرائيل" لكن فرعون لما رأى أن المطر و البرد و الرعود ،و قد انقطعت عاد يخطئ و أغاظ قلبه هو و عبيده…"(الخروج 9/17-34).

و من التحريف أيضاً ما قاله الحداد الخوري في تعقيبه على قوله تعالى { و من قبله كتاب موسى إماماً و رحمة } ، فيقول الحداد:" إن محمد يصرح نهائياً بما لا يقبل الشك بأن إمام القرآن هو كتاب موسى" ، و الآية إنما تتحدث عن التوراة الصحيحة التي أنزلها الله على موسى فكانت لقومه إماماً و رحمة كما وصفت في آيات أخر بأنها هدى و نور ، و ليس في النص صريحاً -كما زعم الحداد- أن التوراة إمام للقرآن .
و يتحدث كتاب " الاستحالة " عن قضية صلب المسيح فيقول:" أما النص الوارد في سورة النساء ، و الذي قد يبدو فيه معنى إنكار المسيح و موته حيث جاء { وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم } فإن هذه الكلمات التي يراها البعض ضد الإيمان المسيحي بالصلب هي في الواقع دليل على الصلب ، و لكنها تكذيب لليهود في قولهم { إنا قتلنا المسيح } لأن اليهود لم يقتلوه و لم يصلبوه، لأنهم لم يكونوا أصحاب السلطة و الحكم أيام ظهور السيد المسيح بالجسد ، و إنما كانت السلطة بيد الرومان ، لذلك فالرومان هم الذين نفذوا الحكم بصلب السيد المسيح ، و قد خيل لليهود ، و شبه لهم بأنهم قتلوا السيد المسيح و صلبوه، لأنهم كانوا أصحاب شكاية ، فعندما أجيبت شكواهم تخيلوا بذلك " .
و هذا الإغراب في التفسير لم ينقل عن أحد من مفسري القرآن و لو على وجه ضعيف ، و هل يعقل ألا ينسب القتل لليهود إلا إذا قاموا بأنفسهم بمباشرة القتل ، و أما ذهابهم في جمع من الشيوخ و رؤساء الكهنة للقبض على المسيح ، ثم محاكمته و الحكم عليه بالموت و دفعه للحاكم الروماني لينفذ الحكم ، ثم إصرارهم على التنفيذ ، و رفض إطلاقه بعد أن اقتنع الحاكم أنه بار وبريء ، و عرض عليهم إطلاقه ، فصرخوا و هاجوا : اصلبه . فخاف بيلاطس من الفتنة ، فامتثل لأمرهم بعد أن اتهموه بأنه لا يحب القيصر….
أفبعد ذلك كله يقال بأن اليهود ليسوا هم القتلة، بل الحاكم الروماني ، ثم ماذا عن قوله تعالى { و ما قتلوه يقيناً * بل رفعه الله إليه } ثم على أي حال فإن الآيات لم تكن تناقش من القاتل اليهود أم الرومان ، إنما كانت تؤكد نجاة المسيح مما ظنه اليهود من أنهم تمكنوا منه و قتلوه.

و مثله حرف القس أنيس شروش المعنى في قوله { حتى إذا بلغ مغرب الشمس و جدها تغرب في عين حمئة } فقال شروش :" لقد كان الخرافيون القدامى في عصر محمد يعتقدون أن الشمس تغرب في ينبوع" يقول القفال في تفسير هذه الآية" قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغرباً و مشرقاً حتى وصل إلى جرمها و مسها ، لأنها تدور مع السماء حول الأرض، من غير أن تلتصق بالأرض ، و هي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض ، بل هي أكبر من الأرض أضعافاً مضاعفة ، بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب و من جهة المشرق ، فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة ، كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض " .

و يقول سيد قطب في بيان معنى هذه الآية : " مغرب الشمس هو المكان الذي تغرب عنده وراء الأفق ، و هو يختلف بالنسبة إلى المواضع ، فبعض المواضع يرى الرائي فيها أن الشمس تغرب خلف الجبل ، .تغرب في الماء كما في المحيطات … و الظاهر من النص أن ذا القرنين غرب حتى وصل إلى نقطة على شاطئ المحيط الأطلسي، … فرأى الشمس تغرب فيه.
و الأرجح أنه كان عند مصب أحد الأنهار حيث تكثر الأعشاب ، و يجتمع حولها طين لزج هو الحمأ ، و توجد البرك، و كأنها عيون الماء…عند هذه الحمأة وجد ذو القرنين قوماً…" .
و هكذا يكشف علماؤنا هذا التحريف للنصراني ، فالقرآن لم يقل بأن الشمس غربت في عين حمئة ، بل ذكر ما رآه ذو القرنين { وجدها تغرب في عين حمئة } .
و من التحريف أيضاً أن النصارى حين استشهادهم بالنصوص الإسلامية كانوا يختارون ما يعجبهم من النص و يدعون ما لا يوافق هواهم ، و من ذلك قول وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " في سياق حديثه عن أدلة ألوهية المسيح في القرآن و السنة فيقول: "روى البخاري في الجزء الثالث ص107 قائلاً:" لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً " , و في هذا دليل قاطع على ألوهية السيد المسيح، لأن الدينونة لله وحده " .
و قد غض النصراني طرفه عن بقية الحديث و فيه : " فيكسر الصليب و يقتل الخنزير و يضع الجزية و يفيض المال حتى لا يقبله أحد" فالأمور المذكورة في تتمة الحديث تدل على بطلان النصرانية ، و أن المسيح سيحطم رمزها (الصليب) ، و أنه سيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ، كما أن الحديث يتحدث عن أحداث قبل القيامة ، فالساعة لا تقوم حتى تحصل هذه الأمور ، و الدينونة الكبرى إنما تكون بعد قيام الساعة.
و نصوص القرآن صريحة في أن الله هو الذي سيدين الخلائق كما قال تعالى { ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق إلا له الحكم و هو أسرع الحاسبين }
الطعن في حديث "نحن أحق بالشك من إبراهيم"
مضمون الشبهة:
يطعن بعض خصوم السنة المطهرة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم؛ إذ قال: )رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي( (البقرة: ٢٦٠)، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي» زاعمين أن هذا الحديث ينفي عصمة الأنبياء؛ إذ إنه - على حد زعمهم - ينسب إلى إبراهيم - عليه السلام - ومحمد - صلى الله عليه وسلم - الشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، ويفيد أن لوطا - عليه السلام - لم يكن يلجأ إلى الله عز وجل، كما يرون أن في الثناء على يوسف - عليه السلام - ما ينقص من قدر محمد صلى الله عليه وسلم. وهم بذلك يهدفون إلى التشكيك في هذا الحديث الصحيح، وإثبات أن بالسنة النبوية ما ينفي العصمة عن الأنبياء.
وجها إبطال الشبهة:
1) إن حديث «نحن أحق بالشك من إبراهيم» حديث صحيح، بل في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه الشيخان - البخاري ومسلم - في صحيحيهما، وذهب جمهور العلماء إلى أن المراد من الحديث هو نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام، فكأنه قال: إن إبراهيم لم يشك، ولو كان الشك متطرقا إليه لكنا نحن أحق بالشك منه، فإذا كنا نحن لم نشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى ألا يشك، فالنبي نفى الشك عن إبراهيم وعن نفسه وسائر الأنبياء.
2) لم يكن قوله صلى الله عليه وسلم:«يرحم الله لوطا» لوما للوط - عليه السلام - أو نسبة الخطأ إليه كما يتوهمون، بل يدل على أنه - عليه السلام - كان يأوي إلى الله دائما، كما أن ثناء النبي - صلى الله عليه وسلم - على يوسف لا يعني انتقاصا من قدره - صلى الله عليه وسلم - بل هو على سبيل التواضع الذي يزيده قدرا وإجلالا.
التفصيل:
أولا. الحديث صحيح ثابت، وهو خير دليل يؤكد عصمة الأنبياء جميعا:
إن حديث «نحن أحق بالشك من إبراهيم» الذي طعن فيه أعداء السنة قديما من أهل الأهواء والبدع، وزعموا أن فيه طعنا في عصمة الأنبياء - عليهم السلام - وتابعهم في ذلك أذيالهم من المعاصرين - هذا الحديث صحيح، وثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل في أعلى درجات الصحة؛ إذ إنه قد ورد بأصح الأسانيد في أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، فقد رواه الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: )وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي(، ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي»[1].
ومن ثم، فلا يحق لأحد أن يطعن في هذا الحديث - لا سندا ولا متنا؛ إذ إن الأمة قد أجمعت على قبول هذين الكتابين - صحيح البخاري وصحيح مسلم - وحصل لهما من الإجماع ما لم يحصل لغيرهما من كتب الحديث[2].
وإذا أضفنا إلى ذلك أن حديث «نحن أحق بالشك من إبراهيم» قد روي بأصح الأسانيد كما شهد بذلك أهل العلم من علماء الحديث، فقد سبق أن أشرنا إلى أن الإمام البخاري، والإمام مسلم، قد رويا الحديث من طريقين:
الأول: عن ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي
هريرة رضي الله عنه.
الآخر: عن ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد قال الحاكم النيسابوري: وأصح أسانيد أبي هريرة، الزهري عن سعيد بن المسيب عنه[3].
ولقد أشار السيوطي إلى ذلك في ألفيته في الحديث عند حديثه عن أصح الأسانيد عن أبي هريرة، إذ يقول:
ولأبي هريرة الزهري عن
سعيد، أو أبو الزناد حيث عن[4]
وهكذا يتبين أن هذا الحديث الشريف موطن الاشتباه، ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ إنه قد ورد في أصح كتب الحديث، وبأصح الأسانيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلا مجال للتشكيك في سنده ومن ثم متنه أيضا.
أما ما يثيره الطاعنون حول متن الحديث، فجوابه فيما يأتي:
بداية نشير إلى أن "علماء الأمة مجتمعون على عصمة أنبياء الله - عز وجل - ورسله أجمعين من الكفر والشرك، ومن تسلط الشيطان عليهم، وأن تلك العصمة صفة أساسية فيهم، وشرط ضروري من شروط الرسالة، كما أنها جزء من الكمال البشري الذي كملهم الله - عز وجل - به حتى يبلغوا رسالة ربهم إلى أقوامهم[5].
يقول ابن الوزير اليماني: "أجمعت الأمة على عصمة الأنبياء - عليهم السلام - عن الجهل بالله تعالى وصفاته وقواعد شرائعه، وعلى صحة عقائدهم فيما يتعلق بأفعال الله وحكمته وجلالته"[6].
ومن هذا المنطلق، فإن الذي يمكن الجزم به هنا أن الشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى منفي عن آحاد الأنبياء - عليهم السلام - فضلا عمن بلغ مرتبة الخلة، وعظيم المنزلة عند الله تعالى، كإبراهيم - عليه السلام - ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بل ذلك مستحيل في حقهم - باعتبار حالهم لا باعتبار بشريتهم؛ لأنهم أنبياء، والأنبياء أعلم الناس بربهم، وما يتصف به من صفات الحسن والكمال، والتي منها صفة القدرة، فهم يعلمون أن الله تعالى متصف بكمال القدرة والإرادة، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فتصور وقوع الشك منهم باطل؛ لأنه كفر والكفر لا يجوز في حق الأنبياء - عليهم السلام، كيف وهم الذين اختارهم الله تعالى واصطفاهم لتبليغ رسالاته وتحكيم شرعه؟[7].
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» فليس فيه إثبات للشك لإبراهيم عليه السلام، ولا اعتراف من النبي - صلى الله عليه وسلم - بوقوع الشك منه كما قد يتوهم، وإنما المراد بالحديث - كما اتفق أهل العلم - خلاف ذلك، وهو نفي الشك عن إبراهيم - عليه السلام - وعن نبينا - صلى الله عليه وسلم - إذ إن معنى الحديث، كما ذهب جمهور العلماء: أن المراد به نفي الشك عن إبراهيم عليه السلام، فكأنه قال: إن إبراهيم - عليه السلام - لم يشك، ولو كان الشك متطرقا إليه لكنا نحن أحق بالشك منه، فإذا كنا نحن لم نشك في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم - عليه السلام - من باب أولى ألا يشك، قال ذلك - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التواضع وهضم النفس.
وإلى هذا القول ذهب جمهور أهل العلم كابن قتيبة، والطحاوي، والخطابي، والحميدي، وابن عطية، وابن حزم، والقاضي عياض، وابن الجوزي، والنووي، وصفي الرحمن المباركفوري، وابن عثيمين، وغيرهم[8]، ونستطيع أن نفصل بعض أقوالهم على النحو الآتي:
o قال ابن قتيبة: "قال قوم سمعوا الآية: شك إبراهيم، ولم يشك نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام " تواضعا منه، وتقديما لإبراهيم على نفسه، يريد: إنا لم نشك ونحن دونه، فكيف يشك هو؟" [9].
o قال الخطابي: "مذهب الحديث التواضع والهضم من النفس، وليس في قوله «نحن أحق بالشك من إبراهيم» اعتراف بالشك على نفسه، ولا على إبراهيم عليه السلام، لكن فيه نفي الشك عن كل واحد منهما، يقول: إذا لم أشك أنا ولم أرتب في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بأن لا يشك فيه وأن لا يرتاب"[10].
o وقال ابن الجوزي: "مخرج هذا الحديث مخرج التواضع وكسر النفس، وليس في قوله "نحن أحق بالشك" إثبات شك له ولا لإبراهيم، وإنما يتضمن نفي الشك عنهما؛ لأن قوما ظنوا في قوله تعالى: )رب أرني كيف تحيي الموتى( أنه شك، فنفى ذلك عنه، وإنما المعنى: "إذا لم أشك أنا في قدرة الله تعالى على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى ألا يشك، فكأنه رفعه على نفسه"[11].
o وقال ابن عطية عن هذا الحديث: "معناه: أنه لو كان شك لكنا نحن أحق به، ونحن لا نشك، فإبراهيم - عليه السلام - أحرى ألا يشك، فالحديث مبني على نفي الشك عن إبراهيم"[12].
o وقال ابن حزم: "أما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» فمن ظن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شك قط في قدرة ربه - عز وجل - على إحياء الموتى فقد كفر، وهذا الحديث حجة لنا، ونفي للشك عن إبراهيم، أي: لو كان هذا الكلام من إبراهيم - عليه السلام - شكا، لكان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم - عليه السلام - أحق بالشك، فإذا كان من لم يشاهد من القدرة ما شاهد إبراهيم غير شاك، فإبراهيم - عليه السلام - أبعد من الشك.
ومن نسب إلى الخليل - عليه السلام - الشك فقد نسب إليه الكفر، ومن كفر نبيا فقد كفر، وأيضا فإن كان ذلك شكا من إبراهيم عليه السلام، وكنا نحن أحق بالشك منه، فنحن إذا شكاك جاحدون كفار، وهذا كلام نعلم - والحمد لله - بطلانه من أنفسنا، بل نحن ولله الحمد مؤمنون مصدقون بالله تعالى، وقدرته على كل شيء يسأل عنه السائل"[13].
فالحديث إذن لا يثبت شكا لا لإبراهيم - عليه السلام - ولا لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - كما يتوهم الطاعنون، بل إنه - كما تبين لنا من أقوال جمهور العلماء - ينفي عنهما مظنة الشك.
سبب قوله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم»:
إن سبب قوله - صلى الله عليه وسلم - نحن أحق بالشك من إبراهيم على ما جاء في الحديث - ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله تعالى على لسان سيدنا إبراهيم عليه السلام: )رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي(، وهذه الآية الكريمة وما بعدها قد يسبق إلى بعض الأذهان الفاسدة منها احتمال الشك، فأراد - صلى الله عليه وسلم - نفي هذا الشك عن سيدنا إبراهيم، وإبعاد الخواطر الضعيفة أن تظن هذا به عليه السلام [14].
الأدلة التي تؤكد ذلك:
o الدليل الأول: أن إبراهيم - عليه السلام - مؤمن مصدق بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى، يدل على ذلك أنه قال في محاجته للنمرود )ربي الذي يحيي ويميت( (البقرة: ٢٥٨)، وعندما سأل ربه أن يريه كيف يحيي الموتى قال الله تعالى له: )أولم تؤمن قال بلى(، فقوله "بلى" يزيل كل لبس وينفي كل توهم في نسبة الشك إليه عليه السلام [15].
والاستفهام هنا )أولم تؤمن( للتقرير، وليس للإنكار ولا للنفي، فهو كقوله تعالى: )ألم نشرح لك صدرك (1)( (الشرح) يعني: قد شرحنا لك، فمعنى )أولم تؤمن( ألست قد آمنت، لتقرير إيمان إبراهيم عليه السلام [16].
قال ابن حزم: "وأما قوله: )رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي(، فلم يقرره ربنا - عز وجل - وهو يشك في إيمان إبراهيم عبده وخليله ورسوله، وتعالى الله عن ذلك، ولكن تقريرا للإيمان في قلبه، وإن لم ير كيفية إحياء الموتى، فأخبر - عليه السلام - عن نفسه أنه مؤمن مصدق"[17].
وقال ابن عطية: "إحياء الموتى إنما يثبت بالسمع، وقد كان إبراهيم أعلم به، يدلك على ذلك قوله: )ربي الذي يحيي ويميت(، فالشك يبعد على من ثبتت قدمه في الإيمان فقط، فكيف بمرتبة النبوة والخلة، والأنبياء معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي فيها رذيلة إجماعا"[18].
o الدليل الثاني: أن سؤال إبراهيم - عليه السلام - إنما هو عن الكيفية لا الإمكان، كما هو صريح في قوله: )كيف تحيي الموتى(.
قال ابن عطية: "وإذا تأملت سؤاله - عليه السلام - وسائر ألفاظ الآية رأيت أنها لم تعط شكا؛ وذلك أن الاستفهام بكيف إنما هو عن حال شيء موجود، مقرر الوجود عن السائل والمسئول، نحو قولك: كيف علم زيد؟ وكيف نسج الثوب؟ ونحو هذا، ومتى قلت: كيف ثوبك وكيف زيد، فإنما السؤال عن حال من أحواله، و"كيف" في هذه الآية إنما هي استفهام عن هيئة الإحياء، والإحياء متقرر[19].
وقال ابن جزم: "إنما أراد أن يرى الكيفية فقط، ويعتبر بذلك، وما شك إبراهيم - عليه السلام - في أن الله تعالى يحيي الموتى، وإنما أراد أن يرى الهيئة، كما أننا لا نشك في صحة وجود الفيل، والتمساح، والكسوف، وزيادة النهر، والخليفة، ثم يرغب من لم ير ذلك منا في أن يرى كل ذلك، ولا يشك في أنه حق، لكن ليرى العجب الذي يتمثله في نفسه، ولم تقع عليه حاسة بصره قط"[20].
إذن فإبراهيم - عليه السلام - لم يسأل شكا أو شبهة أو ترددا، وهذا ظاهر من سؤاله؛ إذ لم يقل لله تعالى: "هل تقدر أن تحيي الموتي، أم لا تقدر" وهذا يشبه قولك لرسام كبير: دعني أنظر إليك وأنت ترسم لوحة، أو لخطاط فنان: خط أمامي لكي أرى كيف تخط مثل هذه الخطوط الجميلة.
فليس في مثل هذا الطلب أي ناحية تعجيزية، بل هو تعبير عن الافتنان بفنه الجميل، واعتراف به، ولهفة على رؤية دقائق فنه، وسعادة كبيرة في تأمل كيفية ظهور لوحة رائعة مرحلة مرحلة، أجل: فالسؤال كان حول كيفية الإحياء، وليس حول إمكانيته أو عدم إمكانيته.
وأخيرا: كيف يشك من وصفه ربه - عز وجل - في كتابه بقوله تعالى: )ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين (51)( (الأنبياء)، وقوله سبحانه: )وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين (75)( (الأنعام)، والرشد والإيقان أسمى مراتب العلم الذي لا يصح معه شك أو شبهة.
فكيف يصح الشك، وقد وصفه ربه تعالى بقوله: )وإن من شيعته لإبراهيم (83) إذ جاء ربه بقلب سليم (84)( (الصافات)، فبين رب العزة كما ترى أنه جاء ربه بقلب سليم، وإنما أراد به أنه سليما من الشك، وخالصا للمعرفة واليقين، ثم ذكر المولى - عز وجل - أنه عاب قومه على عبادة الأصنام؛ فقال تعالى عنه: )إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون (85) أئفكا آلهة دون الله تريدون (86)( (الصافات) فسمى عبادتهم إفكا وباطلا، ثم قال عز وجل: )فما ظنكم برب العالمين (87)( (الصافات)، وهذا قول عارف بالله تعالى غير شاك.
وصفوة القول: أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» حجة لنا لا علينا؛ إذ فيه نفي للشك عن سيدنا إبراهيم - عليه السلام - وعن نفسه - صلى الله عليه وسلم - إذ المعني كما سبق أن قلنا: أن الشك مستحيل في حق إبراهيم - عليه السلام - فإن الشك في إحياء الموتى لو كان متطرقا إلى الأنبياء، لكنت أنا أحق به من إبراهيم؛ لأن ما يجوز في حق واحد من الأنبياء يجوز في حقهم جميعا، وقد علمتم أني لم أشك، فاعلموا أن إبراهيم - عليه السلام - لم يشك [21].
ثانيا. إن الحديث يدل على أن لوطا كان يأوي إلى الله تعالى دائما، الذي هو أقوى الأركان، وثناء النبي على يوسف - عليه السلام - هو من باب التواضع:
أما قوله صلى الله عليه وسلم: «ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد» فليس فيه ما يفيد نسبة الخطأ إلى لوط - عليه السلام - أو ينفي عصمته؛ إذ إنه إشارة منه - صلى الله عليه وسلم - إلى قول لوط - عليه السلام - لقومه: )قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( (هود).
والمقصود بالركن هنا: القبيلة والعشيرة، قال ابن حجر: "يقال: إن قوم لوط لم يكن فيهم أحد يجتمع معه في نسبه؛ لأنهم من سدوم، وهي من الشام، وكان أصل إبراهيم ولوطا من العراق، فلما هاجر إبراهيم إلى الشام، هاجر معه لوط، فبعث الله لوطا إلى أهل سدوم، فقال: لو أن لي منعة وأقارب وعشيرة، لكنت أستنصر بهم عليكم، ليدفعوا عن ضيفاني"[22].
والمتأمل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ويرحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد» يجد أن العلماء قد اختلفوا فيه على عدة أقوال، ليس من بينها نسبة الخطأ للوط - عليه السلام - أو ما يفيد إلى أنه توكل على غير الله عز وجل، ويمكن أن نستعرض هذه الأقوال على النحو الآتي:
• أن المعنى: أي رحمه الله على هذا التمني الذي فرط منه في وقت الضيق والشدة، حيث سها فذكر الأسباب المحسوسة، من قومه وعشيرته، مع أنه كان يأوي إلى أشد الأركان وأقواها، وهو الله تعالى.
وإلى هذا ذهب ابن قتيبة، والبغوي، والقاضي عياض، وابن الأثير، والقرطبي، وهو ظاهر كلام الطحاوي، وجوزه النووي، ورجحه ابن حجر وغيره[23].
قال ابن قتيبة: وأما قوله: «رحم الله لوطا، إن كان ليأوي إلى ركن شديد» فإنه أراد قوله لقومه: )قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80)( يريد سهوه في هذا الوقت الذي ضاق فيه صدره، واشتد جذعه بما دهمه من قومه، حتى قال: أو آوي إلى ركن شديد، وهو يأوي إلى الله تعالى أشد الأركان"[24].
• ما ذهب إليه ابن حزم من أنه لا تثريب على لوط في قوله هذا، ولم يقصد النبي - صلى الله عليه وسلم - لومه عليه، وإنما أراد الإخبار بأن لوطا كان في نصر من الله بالملائكة، لكنه لم يكن يعلم ذلك.
قال - رحمه الله: "إن لوطا - عليه السلام - إنما أراد منعة عاجلة يمنع بها قومه مما هم عليه من الفواحش - من قرابة أو عشيرة أو أتباع مؤمنين، وما جهل قط لوط - عليه السلام - أنه كان يأوي من ربه تعالى إلى أمنع قوة وأشد ركن، فلا جناح على لوط - عليه السلام - في طلب قوة من الناس، فقد قال تعالى: )ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض( (البقرة: ٢٥١) فهذا هو الذي طلب لوط عليه السلام.
وقد طلب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار والمهاجرين منعة حتى يبلغ كلام ربه تعالى، فكيف ينكر على لوط أمرا هو فعله صلى الله عليه وسلم، تالله ما أنكر ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنما أخبر - عليه السلام - أن لوطا كان يأوي إلى ركن شديد، يعني: من نصر الله له بالملائكة، ولم يكن لوط - عليه السلام - علم بذلك، ومن ظن أن لوطا - عليه السلام - اعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر؛ إذ نسب إلى نبي من الأنبياء هذا الكفر، وهذا أيضا ظن سخيف؛ إذ من الممتنع أن يظن برب أراه المعجزات - وهو دائبا يدعو إليه - هذا الظن"[25].
• ما ذهب إليه ابن الجوزي من أن لوطا - عليه السلام - لم يغفل عن الله تعالى، ولم يترك التوكل عليه، لكن لما كان ظاهر كلامه قد يفهم منه نسيانه لله تعالى، أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منا ألا نقول ما يوهم ذلك.
قال - رحمه الله: " أما قصة لوط، فإن لوطا لم يغفل عن الله - عز وجل - ولم يترك التوكل عليه، وإنما ذكر السبب، وذكره للسبب وحده يتخايل منه السامع نسيانه لله، فأراد منه نبينا - صلى الله عليه وسلم - ألا نقول ما يوهم هذا"[26].
• أن لوطا - عليه السلام - التجأ إلى الله في باطنه، وهو ما يخبر عنه الحديث، وإنما قال: )أو آوي إلى ركن شديد (80)( أمام الأضياف اعتذارا وتطييبا لنفوسهم، فقد قدر لوط في نفسه في هذه اللحظة أن أضيافه - وهو لا يعلم أنهم ملائكة - يتساءلون - ولو في أنفسهم: أما لهذا الرجل ولد أو عشيرة تدفع عنه، فقال هذا القول اعتذارا لهم بأن لا ولد له ولا عشيرة تحميه، أما في الباطن فملتجئ إلى الله تعالى[27].
وقد نقل ابن حجر عن النووي قوله: "إنه التجأ إلى الله في باطنه، وأظهر هذا القول للأضياف اعتذارا"[28].
وفي ذلك يقول الأبي المالكي: "لوط - عليه السلام - لم ينس اللجوء إلى الله تعالى في القضية، وإنما قال ذلك تطييبا لنفوس الأضياف، وإبداء العذر لهم، بحسب ما ألف في العادة من أن الدفع إنما يكون بقوة أو عشيرة، وهذا في الحقيقة محمدة وكرم أخلاق، يستحق صاحبه الحمد، فقوله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله لوطا» ثناء لا نقد، وهو جار على عرف العرب في خطابها"[29].
هذه هي أهم أقوال أهل العلم في معنى الحديث الشريف، وحاصلها أنه لا خلاف في أن لوطا - عليه السلام - لم يكن يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد، كيف وهو يركن ويأوي إليه في كل وقت وحين؟ ولذا قال ابن حزم - رحمه الله - كما تقدم: "ومن ظن أن لوطا - عليه السلام - اعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد فقد كفر".
إذن لم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك لائما للوط - عليه السلام - وسائلا له الرحمة والتجاوز عن هذا الخطأ كما يتوهمون، بل قاله - صلى الله عليه وسلم - منافحا عنه، ومخبرا عن حاله، أنه كان يأوي إلى الله تعالى ويعتمد عليه، حتى لا يتوهم متوهم أن لوطا - عليه السلام - في قوله هذا قد ترك الاعتماد على الله، كما لا يلزم من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - للوط - عليه السلام - بالرحمة أن يكون قد أخطأ ونسي الله تعالى كما قد يتوهم؛ لأن ذلك يجري على سبيل المدح وبيان الفضل، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - لما استغضب: «يرحم الله موسى، فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر»[30] [31].
وعليه فلا حجة لمن يزعم أن الحديث الشريف يطعن في عصمة لوط عليه السلام.
أما قوله صلى الله عليه وسلم: «ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي» فلا يفهم منه أي انتقاص لقدر النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان مكان يوسف - عليه السلام - فبادر بالخروج من السجن؛ إذ لا حرج على يوسف - عليه السلام - ولا على النبي - صلى الله عليه وسلم - لو كان مكانه وفعل ذلك؛ إذ لا إثم ولا نقص في ذلك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلا يفهم من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك أنه كان يبادر بالخروج من السجن لو كان مكان يوسف، وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا: الثناء على يوسف - عليه السلام -، وبيان فضله، وقوة صبره وحزمه، حيث إنه لما جاءه رسول الملك، آذنا له بالخروج، لم يبادر بالخروج - كما هو مقتضى الطبيعة - مع أنه مكث في السجن بضع سنين، بل قال: )ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن( (يوسف: ٥٠) قال ذلك حتى تظهر براءته، وتتبين مظلمته، فيخرج خروج من له الحجة، لا خروج من قد عفي عنه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - تواضعا منه وأدبا: «لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي».
هذا هو معنى الحديث عند أهل العلم، كابن قتيبة، والطحاوي، والخطابي والبغوي، وابن عطية، والمازري، والقاضي عياض، وابن الجوزي، والنووي، والأبي، وابن حجر، وابن عثيمين، وغيرهم[32].
قال ابن قتيبة في بيان معنى الحديث: "يعني: حين دعي للإطلاق من الحبس بعد الغم الطويل، فقال للرسول: )ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن( ولم يخرج من الحبس في وقته، يصفه بالأناة والصبر، وقال: لو كنت مكانه، ثم دعيت إلى ما دعي إليه من الخروج من الحبس، لأجبت ولم أتلبث، وهذا جنس من تواضعه، لا أنه كان عليه لو كان مكان يوسف فبادر وخرج، أو على يوسف لو خرج من الحبس مع الرسول نقص ولا إثم، وإنما أراد أنه لم يكن يستثقل محنة الله - عز وجل - له، فيبادر ويتعجل، ولكنه كان صابرا محتسبا"[33].
وقال البغوي بعد ذكره للحديث: "وصف يوسف بالأناة والصبر، حيث لم يبادر إلى الخروج حيث جاءه رسول الملك - فعل المذنب الذي يعفي عنه - مع طول لبثه في السجن، بل قال: )ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن(، أراد أن يقيم عليهم الحجة في حبسهم إياه ظلما، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك أيضا على سبيل التواضع، لا أنه كان في الأمر منه مبادرة وعجلة لو كان مكان يوسف.
والتواضع لا يصغر كبيرا، ولا يضع رفيعا، ولا يبطل لذي حق حقا، ولكنه يوجب لصاحبه فضلا، ويكسبه جلالا وقدرا"[34].
وعليه فلا مجال للطعن في هذا الحديث الشريف بأي وجه من الوجوه بدعوى أنه يطعن في عصمة بعض النبيين عليهم السلام، بل إنه يثبت لهم العصمة؛ لأن سياقه كما رأينا من آراء جمهور العلماء سياق مدح وثناء على الأنبياء، لا سياق لوم أو تخطئة.
الخلاصة:
• إن حديث «نحن أحق بالشك من إبراهيم»حديث صحيح وثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل في أعلى درجات الصحة؛ فقد روي في صحيحي البخاري ومسلم، وقد اتفق علماء الأمة على قبول ما ورد فيهما، والقطع بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
• إن الشك في قدرة الله على إحياء الموتى منفي عن آحاد الأنبياء، فضلا عمن بلغ مرتبة الخلة، وعظيم المنزلة عند الله تعالى؛ كإبراهيم - عليه السلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم.
• إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم» أي: لو كان الشك متطرقا إلى إبراهيم - عليه السلام - لكنا نحن أحق بالشك منه، فإذا كنا لا نشك في قدرة الله، فإبراهيم - عليه السلام - من باب أولى، وهذا على سبيل التواضع منه - صلى الله عليه وسلم - وهضم النفس، وفي هذا نفي للشك عن إبراهيم - عليه السلام - وعن نفسه صلى الله عليه وسلم.
• لقد ذهب العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم:«ويرحم الله لوطا»إلى عدة أقوال، ولكنهم اتفقوا جميعا على أن لوطا - عليه السلام - لم يكن يعتقد أنه ليس له من الله ركن شديد، كما اتفقوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل ذلك لائما للوط - عليه السلام - وإنما قاله منافحا عنه ومخبرا عن حاله.
• إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي» هو وصف ليوسف - عليه السلام - بالأناة والصبر، فهو ثناء عليه، وهو من النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل التواضع الذي لا يصغر كبيرا، ولا يضع رفيعا، ولا يبطل لذي حق حقا، بل يزيده - صلى الله عليه وسلم - جلالا وقدرا.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى