مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* استشكال حديث «إن الله لا يمل حتى تملوا - اذا مرضت لم يعدني

اذهب الى الأسفل

* استشكال حديث «إن الله لا يمل حتى تملوا - اذا مرضت لم يعدني Empty * استشكال حديث «إن الله لا يمل حتى تملوا - اذا مرضت لم يعدني

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 7:31 pm


ستشكال حديث «إن الله لا يمل حتى تملوا
استشكل بعض الناس الحديث الذي رواه الشيخان من حديث عائشة - رضي الله عنها - «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يحتجر بالليل فيصلي، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال: يا أيها الناس خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل»[167].
وقالوا: إن الملل هو استثقال الشيء، والإعراض عنه، والضجر منه؛ ولذلك لا يصح نسبة هذا المعنى إلى الله تعالى كما هو مذكور في هذا الحديث.
الجواب عن هذا الإشكال المتوهم:
إن هذه الأحاديث، وما شابهها من آيات وأحاديث الصفات، يجب إمرارها كما جاءت بلا كيف ولا تشبيه، فالبعض ينفر من اللفظ لما وقر في ذهنه من التشبيه الكامن في نفسه، وقد لا يشعر بذلك، ولهذا ما ثبت به النص وجب الإيمان به وإثباته لله، كما يليق بالله تعالى.
ولأهل العلم في الجواب عن هذا الحديث مسلكان.
المسلك الأول: أن الملل صفة فعلية (وليس صفة ذات) ثابتة لله تعالى، وهذا الحديث دليل على إثبات الملل لله، لكن ملل الله ليس كملل المخلوق؛ إذ إن ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالا.
وقد نص على هذا القول القاضي أبو يعلى، والشيخ محمد بن إبراهيم[168]، وهو ظاهر كلام إبراهيم الحربي؛ حيث قال: "قولـه:«لا يمل الله حتى تملوا»، أخبرنا سلمة عن الفراء؛ يقال: مللت أمل: ضجرت، وقال أبو زيد: مل يمل ملالة، وأمللته إملالا، فكأن المعنى لا يمل من ثواب أعمالكم حتى تملوا من العمل[169].
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: في قوله صلى الله عليه وسلم:«فإن الله لا يمل حتى تملوا» من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري، لا نقص فيه؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر[170].
وقد خرج هذا القول بأن "حتى" على بابها، وهي بمعنى انتهاء الغاية فهي من باب المشاكلة والمقابلة.
المسلك الثاني: أن هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقا؛ لأن الملل هو استثقال الشيء، والإعراض عنه، والضجر منه.
وقالوا: هذا لا يجوز على الله بحال، ولا يدخل في صفاته بوجه، فهو سبحانه منزه عن النقائص والعيوب، والتي جملتها السآمة والملل.
وإلى هذا ذهب ابن قتيبة، والطحاوي، وابن عبد البر، وابن رجب، عليهم رحمة الله[171].
ولكن أصحاب هذا القول فسروا الملل الوارد في الحديث على قولين:
القول الأول: أن المعنى لا يمل إذا مللتم، وإلى هذا ذهب ابن قتيبة، والطحاوي.
قال ابن قتيبة: أراد: فإن الله سبحانه لا يمل إذا مللتم، ومثال هذا قولك في الكلام: هذا الفرس لا يفتر حتى تفتر الخيل. لا تريد بذلك أنه يفتر إذا فترت، ولو كان هذا هو المراد ما كان له فضل عليها؛ لأنه يفتر معها فأية فضيلة له، وإنما تريد أنه لا يفتر إذا فترت.
وكذلك تقول في الرجل البليغ في كلامه والمكثار الغزير: فلان لا ينقطع حتى تنقطع خصومه. تريد أنه لا ينقطع إذا انقطعوا، ولو أردت أنه ينقطع إذا انقطعوا لم يكن له في هذا القول فضل على غيره، ولا وجبت له به مدحة.
وقد جاء مثل هذا بعينه في الشعر المنسوب إلى ابن أخت تأبط شرا ويقال: إنه لخلف الأحمر:
صليت مني هذيل بخرق
لا يمل الشر حتى يملوا
لم يرد أنه يمل الشر إذا ملوه، ولو أراد ذلك ما كان فيه مدح له؛ لأنه بمنزلتهم، وإنما أراد: أنهم يملون الشر وهو لا يمله[172].
القول الثاني: أن معنى الحديث، لا يترك الله الثواب والجزاء على العمل ما لم تتركوه، وذلك أن من مل شيئا تركه، فكنى عن الترك بالملال الذي هو سبب الترك.
وإلى هذا التأويل ذهب ابن عبد البر وابن رجب الحنبلي، وهو قول أغلب أهل التأويل[173].
قال ابن عبد البر: قوله: «إن الله لا يمل حتى تملوا» معناه عند أهل العلم أن الله لا يمل من الثواب والعطاء على العمل حتى تملوا أنتم، ولا يسأم من إفضاله عليكم إلا بسآمتكم عن العمل له، وأنتم متى تكلفتم من العبادة ما لا تطيقون لحقكم الملل وأدرككم الضعف والسآمة، وانقطع عملكم فانقطع عنكم الثواب لانقطاع العمل. يحضهم - صلى الله عليه وسلم - على القليل الدائم ويخبرهم أن النفوس لا تحتمل الإسراف عليها، وأن الملل سبب إلى قطع العمل... ومعلوم أن الله - عز وجل - لا يمل، سواء مل الناس أو لم يملوا، ولا يدخله ملال في شيء من الأشياء جل وتعالى علوا كبيرا، وإنما جاء لفظ هذا الحديث على المعروف من لغة العرب بأنهم كانوا إذا وضعوا لفظا بإزاء لفظ وقبالته جوابا له وجزاء ذكروه بمثل لفظه، وإن كان مخالفا له في معناه، ألا ترى إلى قوله عز وجل: )وجزاء سيئة سيئة مثلها( (الشورى:٤٠)، وقوله: )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم( (البقرة:١٩٤)، والجزاء لا يكون سيئة، والقصاص لا يكون اعتداء؛ لأنه حق وجب. ومثل ذلك قول الله عز وجل: )ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (54)( (آل عمران)، وقوله: )وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون (14) الله يستهزئ بهم( (البقرة)، وقوله: )إنهم يكيدون كيدا (15) وأكيد كيدا (16)( (الطارق) وليس من الله - عز وجل - هزؤ ولا مكر ولا كيد، إنما هو جزاء لمكرهم واستهزائهم وجزاء كيدهم، فذكر الجزاء بمثل لفظ الابتداء لما وضع بحذائه.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا يمل حتى تملوا»؛ أي أن من مل من عمل يعمله قطع عنه جزاؤه، فأخرج لفظ قطع الجزاء بلفظ الملال؛ إذ كان بحذائه وجوابا له[174].
خلاصة القول أن القاعدة عند أهل السنة في نصوص الكتاب والسنة - وخاصة في نصوص الصفات - أنهم يجرونها على ظاهرها، من دون تكييف ولا تمثيل، ويؤمنون بها على مراد الله، وعلى مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويكون المعنى أن الله تعالى لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل، وهو الذي يدل عليه سياق الحديث؛ ولذلك أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عدم حمل النفس على ما يشق عليها من العبادة، حتى لا تمل منها[175].
ولكن ينبغي أن يراعى أن صفة الملل ونحوها كالخداع والمكر؛ من الصفات المقيدة في النصوص, وهي في اللغة على وجهين:
الوجه الأول: صفات نقص إذا جاءت بوصف مطلق كقولك: "فلان مخادع... ماكر... ملول" وهذا لا يليق بالله جل وعلا؛ لذا لم ترد في النصوص بالإطلاق.
الوجه الثاني: صفات كمال ومدح، إذا جاءت مقيدة بما يقابلها من الوصف, فإن الكريم عند العرب يمل من الذي يمل منه، فهي صفة أنفة ممدوحة... وكذا المكر فإن الذي يمكر به وهو لا يستطيع أن يرد المكر بمثله، فهذا عندهم صفة ذم لذلك يروى عن بعض الحكماء قوله: "لست بالخب - يعني المخادع - وليس الخب يخدعني".
فإذا علم أن السياق ليس بسياق ذم، بل سياق مدح، علم أنها صفة مدح ثم بعد ذلك تجرى الصفة على قاعدة أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى.
وبناء عليه فلا يجوز وصف الله تعالى بالملل على وجه الإطلاق، وإنما يوصف بهذه الصفة بالقيد المذكور في الحديث، فهو لا يمل إلا إذا ملوا، كما أنه لا يخدع إلا المخادعين، ولا يمكر إلا بالماكرين ولا يستهزئ إلا بالمستهزئين، ولا يسخر إلا بالساخرين، فهذه الصفات لا يوصف الله تعالى بها على الإطلاق.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهكذا وصف نفسه بالمكر والكيد كما وصف عبده بذلك فقال: )ويمكرون ويمكر الله( (الأنفال:٣٠)، وقال: )إنهم يكيدون كيدا (15) وأكيد كيدا (16)( (الطارق). وليس المكر كالمكر ولا الكيد كالكيد"[176].
وقال ابن العثيمين: "والمكر والكيد والمحال من صفات الله الفعلية التي لا يوصف بها على سبيل الإطلاق؛ لأنها تكون مدحا في حال، وذما في حال، فيوصف بها حين تكون مدحا، ولا يوصف بها إذا لم تكن مدحا"[177].
فإن الله تعالى لم يصف نفسه بالملل، والكيد، والمكر، والخداع، والاستهزاء مطلقا بلا قيد، فلا يقال: إنه تعالى يمل، أو يكيد، أو يمكر، أو يخادع، أويستهزئ دون القيد المذكور مع الصفة.

استشكال حديث «مرضت فلم تعدني
استشكل بعض الناس حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي عند الإمام مسلم، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله - عز وجل - يقول يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال: يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال: يا رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما إنك لو سقيته وجدت ذلك عندي»[155].
وقالوا: إن هذا الحديث فيه إضافة المرض، والاستطعام، والاستسقاء إلى الله تعالى، مع أنها صفات نقص لا يجوز أن يوصف الله تعالى بها.
كما أن البعض تعلقوا بهذا الحديث، محتجين به على مذهبهم الفاسد، وهو القول بالحلول أو الاتحاد، حيث قالوا في الحديث: "مرضت فلم تعدني"، "استطعمتك فلم تطعمني"، "استسقيتك فلم تسقني"، فأضاف المرض والاستطعام، والاستسقاء إلى نفسه تعالى، مع أنه يريد مرض عبده، واستطعامه، واستسقاءه، وقالوا: هذا دليل على أن الرب هو العبد، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الجواب عن هذه الاستشكالات:
لقد تناول أهل العلم هذا الحديث بالتوضيح والبيان، نافين عنه ما قد يتوهم فيه من معان فاسدة، ومؤكدين على أن الله تعالى قد بين مراده، وأوضح فيه مقصوده، فأزال ما قد يتوهم فيه من الإشكال، ودفع عنه ما قد يقع فيه من الاشتباه.
وإليك جواب أهل العلم عن هذا الحديث:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أما النصوص التي يزعمون أن ظاهرها كفر فإذا تدبرت النصوص وجدتها قد بينت المراد وأزالت الشبهة... فنفس ألفاظ الحديث نصوص في أن الله نفسه لا يمرض، وإنما الذي مرض عبده المؤمن"[156].
وقال أيضا: "والحديث خطاب مفسر مبين أن الرب - عز وجل - ليس هو العبد، ولا صفته صفته، ولا فعله فعله، أكثر ما فيه استعمال لفظ الجوع والمرض مقيدا مبينا للمراد فلم يطلق الخطاب إطلاقا، وأيضا فقد علم المخاطب أن الرب تعالى لا يجوع ولا يمرض، فلم يكن فيه تلبيس لا من جهة السمع ولا من جهة العقل، بل المتكلم بين فيه مراده، والمستمع له لم يشتبه عليه"[157].
وقال القاضي أبو يعلى: "اعلم أن هذا الخبر قد اقترن به تفسير من النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعضه، فوجب الرجوع إلى تفسيره، وذلك أن فسر قوله: مرضت، واستطعمت، واستسقيت، على أنه إشارة إلى مرض وليه واستسقائه، واستطعامه، وأضاف ذلك إلى نفسه إكراما لوليه ورفعة لقدره، وهذه طريقة معتادة في الخطاب، يخبر السيد عن نفسه، ويريد عبده إكراما له وتعظيما"[158].
قال الشيخ ابن عثيمين: إن السلف أخذوا بهذا الحديث ولم يصرفوه عن ظاهره بتحريف يتخبطون فيه بأهوائهم، وإنما فسروه بما فسره به المتكلم به، فقوله تعالى في الحديث القدسي: «مرضت، واستطعمتك، واستسقيتك» بينه الله تعالى بنفسه حيث قال:«أما علمت أن عبدي فلان مرض، وأنه استطعمك عبدي فلان، واستسقاك عبدي فلان». وهو صريح في أن المراد به مرض عبد من عباد الله، واستطعام عبد من عباد الله، واستسقاء عبد من عباد الله، والذي فسره بذلك هو الله المتكلم به، وهو أعلم بمراده، فإذا فسرنا المرض المضاف إلى الله والاستطعام المضاف إليه، والاستسقاء المضاف إليه، بمرض العبد واستطعامه واستسقائه، لم يكن في ذلك صرف الكلام عن ظاهره؛ لأن ذلك تفسير المتكلم به فهو كما لو تكلم بهذا المعنى ابتداء، وإنما أضاف الله ذلك إلى نفسه أولا للترغيب والحث كقوله تعالى: )من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا( (الحديد:١١)[159].
وذهب ابن تيمية - ومثله أبو يعلى كما تقدم - إلى أن هذه الإضافة هي لكون العبد المذكور في الحديث يراد به الولي الذي تتفق إرادته مع ما يحبه الله تعالى؛ وذلك لأن المحب يتفق هو ومحبوبه بحيث يرضى أحدهما بما يرضاه الآخر، ويأمر بما يأمر به، ويبغض ما يبغضه، ويكره ما يكرهه، وينهى عما ينهى عنه.
وهؤلاء هم الذين يرضى الحق لرضاهم، ويغضب لغضبهم، والكامل المطلق في هؤلاء محمد - صلى الله عليه وسلم - ولهذا قال تعالى فيه: )إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله( (الفتح:١٠)، وقال: )والله ورسوله أحق أن يرضوه( (التوبة:٦٢)، وقال: )من يطع الرسول فقد أطاع الله( (النساء:٨٠)[160].
وأما استدلال أهل الحلول والاتحاد بهذا الحديث على مذهبهم الفاسد، فلا شك أنه استدلال باطل، لا يقره شرع ولا عقل، بل إن هذا الحديث قد تضمن الرد عليهم؛ لأن الله تعالى يقول في الحديث: «أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟»، ويقول: «أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي؟»[161].
فلو كان الله تعالى عين المريض والجائع لقال في الأولى: لوجدتني إياه. ولقال في الثانية: لوجدتني أكلته.
كما أن الحديث قد فرق وميز بين العابد والمعبود، والرب والمربوب، وهذا نقض صريح لعقيدة الحلول والاتحاد[162].
وقد اتفقت كلمة المسلمين قاطبة - فضلا عن علمائهم - على بطلان عقيدة الحلول والاتحاد، وأنها كفر صريح، يجب تنزيه الله تعالى عنه، "فالرب رب، والعبد عبد، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته، وليس أحد من أهل المعرفة بالله يعتقد حلول الرب تعالى به، أو بغيره من المخلوقات ولا اتحاده به"[163].
وهذا في كتاب الله تعالى وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أظهر من أن يشار إليه، أو ينص عليه[164].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية مبينا أن التعبير بالشيء مع إرادة غيره موجود في كلام الشارع، وكلام غيره، وأنه تعبير صحيح إذا ظهر المعنى، وعرف المراد، كما في هذا الحديث: فينبغي أن يعرف هذا النوع من الكلام فإنه تنحل به إشكالات كثيرة، فإن هذا موجود في كلام الله ورسله وكلام المخلوقين في عامة الطوائف مع ظهور المعنى ومعرفة المتكلم والمخاطب أنه ليس المراد أن ذات أحدهما اتحدت بذات الآخر.
بل أبلغ من ذلك يطلق لفظ الحلول والاتحاد ويراد به معنى صحيح كما يقال: فلان وفلان بينهما اتحاد، إذا كانا متفقين فيما يحبان ويبغضان ويواليان ويعاديان، فلما اتحد مرادهما ومقصودهما صار يقال: هما متحدان، وبينهما اتحاد، ولا يعني بذلك أن ذات هذا اتحدت بذات الآخر كاتحاد النار والحديد، والماء واللبن، أو النفس والبدن...
وأيضا فلفظ الحلول يراد به ذات الشيء تارة، وحلول معرفته ومحبته ومثاله العلمي تارة"[165].
وخلاصة القول في هذا الحديث أن أهل السنة والجماعة لا يمكن أن يخرجوا الكلام عن ظاهره؛ لأن ظاهر الكلام وحقيقته ما دل عليه سياقه وهو مختلف بحسب السياق، وبحسب الأحوال، فإن لم يكن ذلك وأبى إنسان إلا أن يجعل معنى الكلمة معنى ذاتيا لها، فإننا نقول: لا يمكن لأهل السنة والجماعة أن يتركوا هذا المعنى الذي ادعي أنه ذاتي لها إلا بدليل من الكتاب والسنة، ومتى دل الكتاب والسنة على شيء وجب القول به، سواء وافق ما يقال: إنه ظاهر اللفظ، أو خالفه، ونحن كلنا نلتمس ما قاله الله عن نفسه، وما قاله عنه رسوله - صلى الله عليه وسلم - كما في هذا الحديث الذي معنا.
فهذا الحديث يدلنا دلالة ظاهرة على أن ما جاء في الكتاب والسنة وما أضافه الله تعالى إلى نفسه فهو حق على ظاهره، ما لم يرد عن الله ورسوله صرفه عن ذلك، فإن ورد صرفه عن ظاهره فإننا آخذون به، وهذا الحديث الأخير دليل واضح على منع التأويل الذي ليس له دليل من الكتاب والسنة[166].
ومن هنا ينبغي أن نعلم أن التأويل عند أهل السنة ليس مذموما كله، بل المذموم منه ما لم يدل عليه دليل، وما دل عليه الدليل يسمى تفسيرا، سواء كان الدليل متصلا بالنص، أو منفصلا عنه، فصرف الدليل عن ظاهره ليس مذموما على الإطلاق‏.‏
ومثال التأويل بالدليل المتصل ما جاء في هذا الحديث الثابت، فظاهر هذا الحديث أن الله نفسه هو الذي جاع وهو الذي مرض‏.‏ وهذا غير مراد قطعا، ففسر هذا الحديث بنفس الحديث‏:‏ ‏"‏فقال ‏:‏ أما علمت أن عبدي فلانا جاع فلم تطعمه، وعبدي فلانا مرض فلم تعده‏"‏‏.‏ فالذي صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى هو الحديث القدسي نفسه، فلا يقال:‏ إن صرف ظاهر اللفظ الأول إلى هذا المعنى الثاني تأويل مذموم‏.‏
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى