مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* استشكال حديث "الهرولة - إن الله خلق آدم على صورته

اذهب الى الأسفل

*  استشكال حديث "الهرولة - إن الله خلق آدم على صورته Empty * استشكال حديث "الهرولة - إن الله خلق آدم على صورته

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 7:23 pm

استشكل بعض الناس الحديث الوارد في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»[100].

وقالوا: إن لفظة "الهرولة" الواردة في الحديث لا يليق نسبتها إلى الله عز وجل؛ لأن هذا عين التشبيه المنهي عنه.

الجواب عن هذا الإشكال المتوهم:

الهرولة لغة: السير بين العدو والمشي، وقيل: الهرولة: الإسراع[101].

ولأهل العلم - في معنى قوله تعالى: «وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»ـ قولان، هما للتنوع أقرب منهما للتباين والتضاد.

القول الأول: تفسير الهرولة الواردة في هذا الحديث بسرعة قبول الله تعالى وإقباله على عبده المتقرب إليه، والمراد من هذا القول ضرب المثل لكرم الله - عز وجل - وجوده على عبده. ومعناه: أن العبد إذا تقرب إلى الله بالطاعة والأعمال الصالحة، تقرب الله إليه بالثواب والرحمة والكرامة ومضاعفة الأجر، أو زاده قربا إليه، فمثل القليل من الطاعة بالشبر - أي قدر شبر - والزيادة عليه بالذراع، وبذل الجهد من الطاعة بالمشي، وقابل كل منهما بما هو أقوى وأكثر، تكرما منه وتفضلا.

وهذا التفسير للحديث هو ظاهر كلام قتادة، حيث قال بعد رواية هذا الحديث: "فالله - عز وجل - أسرع بالمغفرة"[102].

كما أنه مروي عن الأعمش، وهو قول إسحاق بن راهويه، وابن قتيبة، وأبي يعلى، وابن تيمية، وعليه عامة أهل التأويل وغيرهم[103].

قال الترمذي: ويروى عن الأعمش في تفسير هذا الحديث: من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا يعني بالمغفرة والرحمة، وهكذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث، قالوا: إنما معناه يقول: إذا تقرب إلي العبد بطاعتي وبما أمرت تسارع إليه مغفرتي ورحمتي[104].

قال إسحاق بن راهويه في معنى هذا الحديث: "من تقرب إلى الله شبرا بالعمل تقرب الله إليه بالثواب ذراعا"[105].

قال ابن قتيبة: ونحن نقول: إن هذا تمثيل وتشبيه وإنما أراد: من أتاني مسرعا بالطاعة أتيته بالثواب أسرع من إتيانه فكنى عن ذلك بالمشي وبالهرولة؛ كما يقال فلان موضع في الضلال - والإيضاع: سير سريع - لا يراد به أنه يسير ذلك السير، وإنما يراد أنه يسرع إلى الضلال، فكنى بالوضع عن الإسراع، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: )والذين سعوا في آياتنا معاجزين( (الحج:٥١) والسعي: الإسراع في المشي، وليس يراد أنهم مشوا دائما، وإنما يراد أنهم أسرعوا بنياتهم وأعمالهم[106].

وقال أبو يعلى:"تقرب العبد إليه بالأعمال الصالحة، وأما تقربه إلى عبده فبالثواب والرحمة والكرامة"[107].

وقال ابن تيمية: "ولا ريب أن الله تعالى جعل تقربه من عبده جزاء لتقرب عبده إليه؛ لأن الثواب أبدا من جنس العمل، كما قال في أوله:«من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم...» وإذا كان كذلك فظاهر الخطاب أن أحد التقديرين من جنس الآخر، وكلاهما مذكور بلفظ المساحة...

ومن المعلوم أنه ليس ظاهر الخطاب أن العبد يتقرب إلى الله بحركة بدنه، شبرا وذراعا ومشيا وهرولة، ولكن قد يقال: عدم ظهور هذا للقرينة الحسية العقلية، وهو أن العبد يعلم أن تقربه ليس على هذا الوجه"[108].

"فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبر زاده الرب قربا إليه حتى يكون كالمتقرب بذراع"[109].

وإن كان كذلك صار المراد بالحديث: مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وكان هذا هو ظاهر الحديث، بدلالة هذه القرينة المفهومة من السياق، وليس تفسيره بهذا خروجا بالحديث عن ظاهره، بل هو ظاهره[110].

وأما أهل التأويل فإنهم قالوا بهذا القول فرارا من التشبيه والتمثيل، حيث زعموا - كعادتهم - أن حمل اللفظ على ظاهره وحقيقته يلزم منه التشبيه[111]؛ ولذلك أوجبوا صرفه عن ظاهره - على حد زعمهم.

فأهل التأويل وإن قالوا بهذا القول فإنهم لا يجعلونه هو ظاهر الحديث، بل يجعلونه مجازا فيه، فمنزعهم في هذا القول يختلف عن منزع القائلين به من أهل السنة[112].

قال النووي: هذا الحديث من أحاديث الصفات، ويستحيل إرادة ظاهره، وقد سبق الكلام في أحاديث الصفات مرات، ومعناه: من تقرب إلي بطاعتي تقربت إليه برحمتي والتوفيق والإعانة، وإن زاد زدت، فإن أتاني يمشي وأسرع في طاعتي أتيته هرولة؛ أي: صببت عليه الرحمة، وسبقته بها، ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود، والمراد: أن جزاءه يكون تضعيفه على حسب تقربه[113].

قال ابن حجر: قال الكرماني: لما قامت البراهين على استحالة هذه الأشياء في حق الله تعالى وجب أن يكون المعنى: من تقرب إلي بطاعة قليلة جازيته بثواب كثير، وكلما زاد في الطاعة أزيد في الثواب، وإن كانت كيفية إتيانه بالطاعة بطريق التأني يكون كيفية إتياني بالثواب بطريق الإسراع. والحاصل أن الثواب راجح على العمل بطريق الكيف والكم، ولفظ القرب والهرولة مجاز على سبيل المشاكلة أو الاستعارة أو إرادة لوازمها[114].

القول الثاني: أن الهرولة صفة فعلية خبرية، أخطأ بعضهم فأولها لقياسه الخالق بالمخلوق، فظن أن ما يلزم المخلوق حال الهرولة يلزم الخالق، والله - سبحانه وتعالى - لا يدرك بقياس، ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو، وإنما أتى هؤلاء لتشبيههم ابتداء فجرهم هذا التشبيه إلى التعطيل.

وليس في إثباتها صفة لله ما يستشنع إذا علم أن الهرولة في اللغة هي ضرب من الإتيان في سرعة، وأهل السنة يثبتون الإتيان والمجيء.

وقد أثبتها الدارمي في رده على بشر المريسي، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث، وأبو موسى المديني في المجموع المغيث، وكذلك عبدالله بن محمد الهروي، في كتابه الأربعين في دلائل التوحيد، باب الهرولة لله - عز وجل - وهو ظاهر صنيع البخاري - رحمه الله؛ حيث أورد الحديث في كتاب التوحيد من صحيحه، وهذا الكتاب ذكره مقررا صفات الباري سبحانه، ويؤكد هذا إيراده له في الرد على أهل التعطيل، وهو ظاهر صنيع ابن حبان في تبويبه على الحديث، وهو قول المباركفوري وغيرهم.

أما الهروي فقد عقد بابا بعنوان: "باب الهرولة لله عز وجل"[115] ثم ساق تحته هذا الحديث.

وأما أبو موسى المديني فقد قال: في الحديث عن الله سبحانه وتعالى: «وإن أتاني يمشي أتيته هرولة»وهي مشي سريع بين المشي والعدو[116].

يقول الدكتور عبد الرزاق البدر: «وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» فيه إثبات هذه الصفة لله تعالى، والقاعدة: أن كل ما يضاف إلى الله - عز وجل - من الصفات فهو على الوجه الذي يليق بكماله وجلاله وعظمته سبحانه وتعالى[117].

وقال الشيخ محمد صالح العثيمين: صفة الهرولة ثابتة لله تعالى كما في الحديث الصحيح...وهي صفة من صفات الأفعال التي يجب علينا الإيمان بها، من غير تكييف ولا تمثيل؛ لأنه أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بنفسه - عز وجل - فوجب علينا قبولها بدون تكييف؛ لأن التكييف قول على الله بغير علم، وبدون تمثيل؛ لأن الله يقول: )ليس كمثله شيء وهو السميع البصير (11)( (الشورى)[118].

وعمدة أصحاب هذا القول هو هذا الحديث، فقالوا: إن ظاهره يدل على إثبات الصفة لله تعالى[119].

ولا مانع عندهم من إجراء الحديث على ظاهره على طريق السلف الصالح، فإن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - سمعوا هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يعترضوا عليه، ولم يسألوا عنه، ولم يتأولوه، وهم صفوة الأمة وخيرها، وهم أعلم الناس باللغة العربية، وأعلم الناس بما يليق بالله وما يليق نفيه عن الله سبحانه وتعالى.

وخلاصة القول في هذا المقام: أن أهل السنة في إثبات الصفات لله تعالى وغيرها ينطلقون من دلالة نصوص الكتاب والسنة، ومن هنا نلاحظ أن كلا من أصحاب القولين المذكورين في هذه المسألة ممن هم من أهل السنة، يرى أنه قد عمل بظاهر الحديث - لا من مجرد مخالفة أهل التأويل.

فإن قيل: إن تفسير الحديث على القول الأول فيه حجة لأهل التأويل في تأويلهم، وإلزام لنا بموافقتهم، أو مداهنتهم فيما أولوه من صفات الله تعالى.

قيل: هذا الإيراد مبني على اعتقاد أن هذا المعنى تأويل للحديث وصرف له عن ظاهره، وقد تقدم بيان أن هذا القول بهذا المعنى عمل بظاهر الحديث، وليس تأويلا له.

وقد قال الشيخ محمد صالح العثيمين عن هذا القول: إن له حظا من النظر[120] مع أنه انتصر للقول الثاني[121].

فإن كان ذلك كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى للعبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه - وإن كان بطيئا - جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل، وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية[122] المفهومة من سياق الحديث.

وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية لم يكن تفسيره به خروجا عن ظاهره، ولا تأويلا كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة، ولله الحمد.

الطعن في حديث «إن الله خلق آدم على صورته

وحديث: «خلق الله آدم على صورته» أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وغير واحد من أصحاب السنن والمسانيد من أئمة الإسلام وعلماء الحديث، واللفظ المتفق عليه عند الشيخين: «خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن»[80].

ورواه الإمام مسلم من طريق آخر بلفظ: «إذا قاتل أحدكم أخاه، فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته»[81].

واستشكل بعض المتوهمين حديث: «خلق الله آدم على صورته»، وقالوا: كيف يكون لله صورة، أو مثال؟ أليس هذا من التشبيه المنهي عنه؟

ثم إن هذا الحديث ينكره العقل، ولا يثبته؛ لذلك حمله بعض أهل العلم على التأويل خروجا من هذا الإشكال المتوهم، حتى قال بعضهم:إن الضمير في «صورته» عائد على آدم لا على الذات الإلهية.

الجواب عن هذه الاستشكالات والطعون:

"والصورة: صفة ذاتية خبرية ثابتة لله - عز وجل - بالأحاديث الصحيحة"[82]على ما يليق به - عز وجل - فصورته صفة من صفاته، لا تشبه صفات المخلوقين، كما أن ذاته لا تشبه ذواتهم.

ولفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات، التي قد يسمى المخلوق بها، على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله اختصت به، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه، واستوائه على العرش، ونحو ذلك.

قال شيخ الإسلام: "وكما أنه لابد لكل موجود من صفات تقوم به، فلابد لكل قائم بنفسه من صورة يكون عليها، ويمتنع أن يكون في الوجود قائم بنفسه ليس له صورة يكون عليها".

وقال: "لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة[83].

وقال ابن قتيبة - رحمه الله: "الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه؛ لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد"[84].

فالصورة يعبر بها ويراد الصفة، فهذه صورة هذا الأمر؛ أي صفته، فيكون المعنى: خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة[85].

وقد جاء في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «وأول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دري في السماء إضاءة، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، ولا يمتخطون، أمشاطهم الذهب، ورشحهم المسك، ومجامرهم الألوة، الألنوج: عود الطيب، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم ستون ذراعا في السماء»[86].

يعني على صفة القمر من الوضاءة والنور والضياء، فقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق آدم على صورته»؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن؛ يعني على صفة الرحمن، فخص الله آدم من بين المخلوقات بأن جعله مجمع الصفات، وفيه من صفات الله الشيء الكثير؛ يعني فيه من أصل الصفة على التقرير من أن وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجها، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وموصوف بالقوة والقدرة والكلام والحكمة، وموصوف بصفة الغضب والرضا والضحك إلى غير ذلك مما جاء في الصفات؛ إذن هذا الحديث ليس فيه غرابة كما قال العلامة ابن قتيبة - رحمه الله - قال: "وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه"[87].

وعلى هذا جمهور أهل السنة، بل إن شيخ الإسلام ابن تيمية - وهو ممن انتصر لهذا القول وأطال الكلام جدا على هذا الحديث[88] - قال: "لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك"[89].

وممن أشار إلى هذا القول أيضا إسحاق بن راهويه، والإمام أحمد، فعن إسحاق بن منصور الكوسج قال: قلت لأحمد: "لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته"، أليس تقول بهذه الأحاديث؟ قال أحمد: صحيح.

وقال ابن راهويه: "صحيح، ولا يدعه إلا مبتدع، أو ضعيف الرأي"[90].

وممن قال بهذا القول أيضا أبو بكر الآجري، فقد عقد بابا بعنوان: "الإيمان بأن الله - عز وجل - خلق آدم على صورته بلا كيف"[91].

ثم ساق هذا الحديث بطرق متعددة، ثم قال: هذه من السنن التي يجب على المسلمين الإيمان بها، ولا يقال فيها: كيف؟ ولم؟ بل تستقبل بالتسليم والتصديق، وترك النظر، كما قال من تقدم من أئمة المسلمين[92].

وأيضا قال بهذا القول ابن قتيبة، وأبو يعلى الفراء، وأبو إسماعيل الهروي، فقد عقد بابا بعنوان: "إثبات الصورة لله عز وجل" في كتابه"الأربعين في دلائل التوحيد".

وكذا قوام السنة إسماعيل التيمي الأصبهاني، والشيخ عبد الله أبو بطين، وعبد العزيز بن باز، والشيخ محمد صالح العثيمين، عليهم رحمة الله[93].

واستدل أهل السنة - أصحاب هذا القول - بهذين الدليلين:

الدليل الأول: ظاهر النصوص السابقة، والتي فيها قوله صلى الله عليه وسلم:«خلق الله آدم على صورته»، والأصل حمل اللفظ على ظاهره، وذلك بإرجاع الضمير إلى الله تعالى[94].

قال ابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" - في سرد لأقوال الأئمة في تأويل هذا الحديث - ومنها: "أن المراد أن الله خلق آدم على صورة الوجه, قال: وهذا لا فائدة فيه, والناس يعلمون أن الله تبارك وتعالى خلق آدم على خلق ولده, وجهه على وجوههم[95].

قال القاضي أبو يعلى تعقيبا على هذا الكلام: فقد صرح في القول بالأخذ بظاهره، والكلام فيه في فصلين:

أحدهما: جواز إطلاق تسمية الصورة عليه سبحانه...

الثاني: إطلاق القول بأن الله خلق آدم على صورته، وأن الهاء راجعة إلى الرحمن[96].

وقال الذهبي - رحمه الله - في السير في ترجمة محمد بن إسحاق بن خزيمة - وهو ممن لجأ إلى التأويل في حديث الصورة: "وكتابه في التوحيد مجلد كبير, وقد تأول في ذلك حديث الصورة, فليعذر من تأول بعض الصفات, وأما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا, وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله, ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده - مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق - أهدرناه, وبدعناه, لقل من يسلم من الأئمة معنا, رحم الله الجميع بمنه وكرمه"[97].

وقال الطبراني في كتاب "السنة": "حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إن رجلا قال: خلق الله آدم على صورته؛ أي صورة الرجل, فقال أبي: كذب, هذا قول الجهمية، وأي فائدة في هذا"[98].

الدليل الآخر: حديث أبي سعيد الخدري قال: «قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: "هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا؟". قلنا: لا، قال: "فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما". ثم قال: "ينادي مناد: ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون؛ فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر وغبرات من أهل الكتاب ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب، فيقال لليهود: ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيرا ابن الله، فيقال: كذبتم، لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون؟ قالوا: نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا فيتساقطون في جهنم. ثم يقال للنصارى: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال: كذبتم لم يكن لله صاحبة ولا ولد فما تريدون؟ فيقولون: نريد أن تسقينا فيقال: اشربوا فيتساقطون، حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر فيقال لهم: ما يحبسكم وقد ذهب الناس؟ فيقولون: فارقناهم ونحن أحوج منا إليه اليوم، وإنا سمعنا مناديا ينادي: ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا. قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول: أنا ربكم فيقولون: أنت ربنا، فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ثم يؤتى بالجسر فيجعل بين ظهري جهنم...»[99] الحديث.

ومن هنا نخلص إلى أن الله خلق آدم على صورته - عز وجل - من غير كيفية معلومة لنا، ولا يلزم من ذلك المماثلة، وأن الصورة هنا بمعنى الصفة؛ لأن الصورة في اللغة تطلق على الصفة كما ذكرنا، فقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم على صورته"؛ يعني خلق آدم على صورة الرحمن؛ يعني على صفة الرحمن، فخص الله آدم من بين المخلوقات بأن جعله مجمع الصفات، وفيه من صفات الله الشيء الكثير؛ يعني فيه من أصل الصفة على التقرير من أن وجود الصفة في المخلوق لا يماثل وجودها في الخالق، فالله له سمع وجعل لآدم صفة السمع، والله موصوف بصفة الوجه وجعل لآدم وجها، وموصوف بصفة اليدين وجعل لآدم صفة اليدين، وموصوف بالقوة والقدرة والكلام والحكمة، وموصوف بصفة الغضب والرضا والضحك إلى غير ذلك مما جاء في الصفات؛ فإذن هذا الحديث ليس فيه غرابة، وإنما لم يألفه الناس فاستنكروه، ولفظة "على صورته" تقتضي الاشتراك في أصل الصفة؛ لكن لا تقتضي المماثلة في الصفة، فيكون المعنى: خلق الله آدم على صفته من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى