مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* إنكار أحاديث الشفاعة

اذهب الى الأسفل

* إنكار أحاديث الشفاعة Empty * إنكار أحاديث الشفاعة

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 6:51 pm

مضمون الشبهة:
ينكر بعض المغرضين الأحاديث الصحيحة التي تثبت شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الآخرة، ويستدلون على ذلك بأن هذه الأحاديث تتعارض مع بعض ما جاء به القرآن الكريم والسنة الصحيحة التي تدل على نفي الشفاعة، ومن ذلك قوله تعالى: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( (المدثر)، وقوله تعالى: )ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (18)( (غافر)، وقوله تعالى: )قل لله الشفاعة جميعا( (الزمر: ٤٤)، وقوله تعالى: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (البقرة: ٢٥٥)، كما يدعون أنها - أي أحاديث الشفاعة - تتعارض مع المعيار الذي وضعه الله لدخول الجنة، وهو العمل الصالح في قوله تعالى: )ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)( (الأعراف)، وقوله تعالى: )أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون (14)( (الأحقاف)، فتسوي بين الصالح والطالح، كما يدعون أنها تتعارض مع قوله تعالى: )ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93)( (النساء)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام ولا قتات، ولا من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا قاطع رحم»، وكذلك يزعمون أن اليهود سيدخلون الجنة؛ لأن الله أثبت لهم إيمانا قليلا فقال: )فلا يؤمنون إلا قليلا (155)( (النساء) كغيرهم من المسلمين ضعاف الإيمان.
هادفين من وراء ذلك إلى إنكار الشفاعة النبوية يوم القيامة، تمهيدا للطعن في السنة الصحيحة التي جاءت بها.
وجوه إبطال الشبهة:
1) إن أحاديث الشفاعة ثابتة صحيحة؛ لأنها وردت في كتب السنة الصحيحة التي تلقتها الأمة بالقبول، كصحيح البخاري ومسلم وكتب السنة الأربعة والمسانيد وغيرها، حتى أنها بلغت حد التواتر. فكيف ننفي صحة ما بلغ حد التواتر؟!
2) الآيات التي استدلوا بها على نفي الشفاعة هي في حقيقتها إثبات لشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لأن الله لا يشفع إلا من رضي عنه وارتضاه، وهذا لا محالة متحقق في النبي - صلى الله عليه وسلم - فكيف ينكرون شفاعته؟! كما أن الذين توعدهم الحق - سبحانه وتعالى - بعدم الخروج من النار هم الكفار والمشركون لا عصاة المسلمين.
3) لا تعارض بين أحاديث الشفاعة وما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قوله: «لا يدخل الجنة قتات، ولا نمام، ولا قاطع رحم»، وكذلك قوله تعالى: )ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها(؛ إذ ليس هو الخلود المؤبد في النار للكفار؛ لأن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.
4) إن المقصود بقوله تعالى: )فلا يؤمنون إلا قليلا (155)( نفي الإيمان عنهم مطلقا، أي لم يؤمن من اليهود إلا قليل منهم، الذين عرفوا الحق واتبعوه، أما أن شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ستنالهم فهذا غير صحيح؛ لأنهم ليسوا من أمته - صلى الله عليه وسلم - فضلا عن وعيد الله لهم بالنار خالدين فيها لكفرهم بالله ورسله.
التفصيل:
أولا. ثبوت أحاديث الشفاعة لتواترها في كتب الصحاح:
إن الأحاديث الواردة في إثبات الشفاعة لعصاة المؤمنين وأهل الكبائر من المسلمين ثابتة صحيحة، وقد وردت في الصحيحين، وفي السنن والمسانيد وغيرها، وقد نص جماعة من العلماء على أنها تبلغ حد التواتر.
ومن الأحاديث الواردة في الشفاعة ما جاء في الصحيحين عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإنني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة؛ فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا»[1].
وما رواه البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: «أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصا من قلبه أو نفسه»[2].
وأيضا حديث الشفاعة العظمى التي تكون لنبينا - صلى الله عليه وسلم - دون غيره، والذي رواه الشيخان عن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا على ربنا يريحنا من مكاننا...»[3] فذكره. وقال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - فيدخلون الجنة، ويسمون الجهنميين»[4].
وكذلك حديث: «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي... وأعطيت الشفاعة»[5]، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»[6].
هذه جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة بشأن الشفاعة لنبينا محمد - صلى الله عليهوسلم - وهي كما ترى تفيد وقوع الشفاعة يوم القيامة لمن لم يشرك بالله من أمة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد ذكر العلماء بعد تتبعهم للأحاديث الواردة في الشفاعة أنها خمس شفاعات:
·       الشفاعة العامة، وهي خاصة لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - دون غيره.
·       شفاعته في إدخال قوم الجنة بغير حساب.
·   الشفاعة لقوم استوجبوا النار، واستحقوا دخولها بسبب ذنوبهم، وهذه للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولغيره من الأنبياء، والصديقين، والشهداء.
·       الشفاعة لمن دخل النار من المذنبين الذين ارتكبوا الكبائر.
·       الشفاعة في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها[7].
وبعد ذلك يقول الله - عز وجل - في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم: «شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما، فيلقهم في نهر في أفواه الجنة يقال له: نهر الحياة. فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل...»[8] فذكره.
وقد ثبتت شفاعات أخر، منها شفاعة الشهيد في سبعين من أهل بيته[9]، وكذلك شفاعة القرآن والصيام[10].
وبكل ما ذكرنا من أحاديث صحيحة في الشفاعة يوم القيامة سواء للنبي - صلى الله عليه وسلم - أو الملائكة، أو النبيين، أو شفاعة المؤمنين، ولم نذكر كل ما ورد في الشفاعة من أحاديث، بل هي غيض من فيض، وليس في أي حديث منها شبهة تقدح في صحته، بل كلها وردت كما رأينا في كتب السنة الصحيحة.
يقول الإمام النووي: "قال القاضي عياض - رحمه الله: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلا، ووجوبها سمعا بصريح قوله تعالى: )يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا (109)( (طه)، وقوله: )ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( (الأنبياء: ٢٨) وأمثالهما، وبخبر الصادق - صلى الله عله وسلم - وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف والخلف ومن بعدهم من أهل السنة عليها"[11].
ويؤكد ذلك ما ذكره ابن حجر قائلا: "جاءت الأحاديث في إثبات الشفاعة المحمدية متواترة، ودل عليها قوله تعالى: )عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا (79)( (الإسراء)، والجمهور على أن المراد به الشفاعة، وبالغ الواحدي فنقل فيه الإجماع.
قال الطبري: قال أكثر أهل التأويل: المقام المحمود هو الذي يقومه النبي - صلى الله عليه وسلم - ليريحهم من كرب الموقف، ثم أخرج عدة أحاديث في بعضها التصريح بذلك، وفي بعضها مطلق الشفاعة"[12].
وبهذا يتبين صحة أحاديث الشفاعة، حيث إنها جاءت في كتب السنة الصحيحة، كالبخاري ومسلم وغيرهما، فضلا عن إجماع الأمة سلفا وخلفا على وقوعها في الآخرة.
ثانيا. شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثابتة بالقرآن، والكفار مخلدون يوم القيامة في النار:
لقد دلت آيات كثيرة في القرآن الكريم على ثبوت شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة لأمته، وإن استدل الطاعنون بها على نفي الشفاعة، إلا أنها في الحقيقة إثبات لها، يقول تعالى: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( (المدثر).
والذي لديه مثقال ذرة علم بالغة يجب أن يعلم أن ضمير الغائب له مرجع سابق ولابد، إذن فالآية مقطوعة من السياق، فأين الصواب؟
قال الله تعالى: )كل نفس بما كسبت رهينة (38) إلا أصحاب اليمين (39) في جنات يتساءلون (40) عن المجرمين (41) ما سلككم في سقر (42) قالوا لم نك من المصلين (43) ولم نك نطعم المسكين (44) وكنا نخوض مع الخائضين (45) وكنا نكذب بيوم الدين (46) حتى أتانا اليقين (47) فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( (المدثر).
هذه صفات المجرمين:
·       عدم الصلاة.
·       عدم إطعام المسكين.
·       الخوض فيما لا يعلمون.
·       التكذيب بيوم الدين.
قال الحافظ ابن كثير: " )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( أي: من كان متصفا بكل هذه الصفات، فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع؛ لأن الشفاعة إنما تنجح إذا كان المحل قابلا، فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإن مصيره النار لا محالة خالدا فيها"[13].
قال القرطبي: "قوله تعالى: )فما تنفعهم شفاعة الشافعين (48)( هذا دليل على صحة الشفاعة للمذنبين، وذلك أن قوما من أهل التوحيد عذبوا بذنوبهم، ثم شفع فيهم، فرحمهم الله بتوحيدهم والشفاعة، فأخرجوا من النار، وليس للكفار شفيع يشفع فيهم"[14].
وهذا يوضح أن الآية فيها دليل على صحة الشفاعة للمذنبين من المؤمنين، ونفيها عن الكفار والمشركين.
أما قوله تعالى: )ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (18)( (غافر).
فقد قال ابن كثير: ")ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع (18)(، أي: ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير"[15].
وهذه الآية تدل على أن المنفي عنهم الشفاعة هم الظالمون، وليست على إطلاقها، بل فسرت بأنهم المشركون، بل امتنع حتى دخول أهل الكبائر فيها بدليل قوله تعالى: )إن الشرك لظلم عظيم (13)( (لقمان)، وقد شق على الصحابة - رضي الله عنهم - قوله تعالى: )الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82)( (الأنعام)، فقالوا: «يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال لهم: ليس ذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: )يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم (13)(» [16].
·   وهؤلاء القوم قد اتخذوا من القرآن منحنى آخر، ينفون به الشفاعة يوم القيامة، وهو ما ذكر في القرآن من إسناد الشفاعة لله وحده دون غيره، لكنهم استدلوا بهذه الآيات لا ليثبتوا الشفاعة ولكن لينفوها، ومن هذه الآيات قوله تعالى: )قل لله الشفاعة جميعا( (الزمر: ٤٤)، وقوله: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (البقرة: ٢٥٥)، وقوله: )ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( (الأنبياء: ٢٨)، وقوله: )ما من شفيع إلا من بعد إذنه( (يونس: ٣)، وقوله: )يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا (109)( (طه).
وهذه الآيات بأسرها إنما هي مؤكدة على قضية الشفاعة، لكن ذلك ليس إلا لله من حيث إذنه - سبحانه وتعالى - للشافع والمشفوع له، لقوله تعالى: )قل لله الشفاعة جميعا(، وهذه الآية نص في أن الشفاعة لله وحده، كما قال: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه(، فلا شافع إلا من شفاعته، )ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( [17].
وهذه الآية لها مناسبة حسنة في سياقها؛ إذ تنفي الشفاعة عمن اتخذ من دون الله شفيعا، وتثبتها لله تعالى كلها، قال تعالى: )أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون (43) قل لله الشفاعة جميعا( (الزمر).
قال ابن كثير: "يقول تعالى ذاما للمشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله، وهم الأصنام والأنداد التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل، ولا برهان لهم على ذلك، وهي لا تملك شيئا من الأمر، بل وليس لها عقل تعقل به، ولا سمع تسمع به، ولا بصر تبصر به، بل هي جمادات أسوأ حالا من الحيوان بكثير، ثم قال: قل - أي يا محمد - لهؤلاء الزاعمين: إن ما اتخذوه شفعاء لهم عند الله تعالى، أخبرهم أن الشفاعة لا تنفع عند الله إلا لمن ارتضاه وأذن له، فمرجعها كله إليه: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( (البقرة: ٢٥٥)"[18].
·   أما قوله تعالى: )من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه( وهذه الآية تقرر أن الله يأذن لمن يشاء في الشفاعة، وهم الأنبياء والعلماء والمجاهدون والملائكة وغيرهم ممن أكرمهم وشرفهم الله، ثم لا يشفعون إلا لمن ارتضى.
قال ابن عطية: والذي يظهر أن العلماء والصالحين يشفعون فيمن لم يصل إلى النار وهو بين المنزلتين، أو وصل إليها، ولكن لهم أعمال صالحة.
وإن الأنبياء يشفعون فيمن حصل في النار من عصاة أممهم بذنوب دون قربى ولا معرفة إلا بنفس الإيمان، ثم تبقى شفاعة أرحم الراحمين في المستغرقين في الخطايا والذنوب، الذين لم تعمل فيهم شفاعة الأنبياء، وأما شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل الحساب فخاصة له[19].
فالآية توضح أن العبيد يقفون موقف العبودية في مقام العبد الخاشع الخاضع الذي لا يقدم بين يدي ربه، ولا يجرؤ على الشفاعة عنده، إلا بعد أن يؤذن له، فيخضع للإذن ويشفعه في حدوده، وهم يتفاضلون فيما بينهم، ويتفاضلون في ميزان الله، ولكنهم يقفون عند الحد الذي لا يتجاوزه عبد[20].
·   وأما قوله تعالى: )ولا يشفعون إلا لمن ارتضى( (الأنبياء: ٢٨) فهذه الآية أيضا لا تصح دليلا لهم على باطلهم في نفي الشفاعة؛ لأن هذه الآية تتحدث عن الملائكة الذين قالت العرب عنهم: إنهم بنات الله، فرد الله عليهم، ودل على ذلك الآيتان السابقتان، وهما: )وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون (26) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون (27)( (الأنبياء).
وهؤلاء الأقوام الذين نسبوا إلى الملائكة هذا البهتان هم بعض العرب، مثل قبيلة خزاعة الذين قالوا: الملائكة بنات الله، وكانوا يعبدونهم طمعا في شفاعتهم لهم، فنزه الله الملائكة عن هذا، ووصفهم بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ثم إنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى، وقد ثبت أن الملائكة تشفع في الآخرة، كما في صحيح مسلم وغيره، بل إنهم في الدنيا يستغفرون للذين آمنوا، وقال ابن عباس: الاستثناء في الآية لأهل شهادة أن لا إله إلا الله، وقال مجاهد: هم كل من رضي الله عنهم[21].
·   أما قوله تعالى: )ما من شفيع إلا من بعد إذنه( (يونس: ٣) فمعناه أنه لا يشفع أحد، نبي ولا غيره، إلا بإذنه - سبحانه وتعالى - وهذا رد على الكفار في قولهم فيما عبدوه من دون الله: )هؤلاء شفعاؤنا عند الله( (يونس: ١٨) فأعلمهم الله أن أحدا لا يشفع لأحد إلا بإذنه، فكيف بشفاعة أصنام لا تعقل[22]. إذن هذه الآية دليل على إثبات الشفاعة يوم القيامة.
·   قوله تعالى: )يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا (109)( (طه)، وهذه الآية قال في تفسيرها الشعرواي: الشفاعة تقتضي مشفوعا له وهو الإنسان، وشافعا وهو الأعلى منزلة، ومشفوعا عنده، والمشفوع عنده لا يسمح بالشفاعة، هكذا ترتجلها من نفسك، إنما لا بد أن يأذن بها، وأن يضعك في مقام ومرتبة الشفاعة، وهذا شرط في الشافع، وقوله تعالى: )ورضي له قولا (109)( هذه للمشفوع له، أن يقول قولا يرضى الله عنه - وإن قصر في جهة أخرى - وخير ما يقوله العبد ويرضى عنه الله: أن يقول: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فهذه مقولة مرضية عند الله، وهي الأمل الذي يتعلق به، والبشرى لأهل المعاصي؛ لأنها كفيلة أن تدخلهم في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم[23].
فالآية تنفي الشفاعة، ولكنها تستثني أمرين في إثباتها؛ الأول: إذن الرحمن للشافع في أن يشفع، والثاني: أن يرضى الرحمن قوله.
وأرجح الأقوال في القول المرضي هذا هو شهادة أن لا إله الله، كما قيل تماما في العهد المتخذ عند الرحمن أنه شهادة أنه لا إله الله[24].
إن الادعاء بأن الله تعالى ينفي في بعض آيات القرآن إمكانية خروج أحد من النار بعد دخولها ادعاء باطل، وتحميل لآيات القرآن على غير محملها الصحيح، وتوجيهها لخدمة أفكارهم التي يروجون لها، فإذا رجعنا إلى العلماء والمفسرين وجدنا أنهم قد بينوا حقيقتها.
يقول الإمام القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: )وما هم بخارجين من النار (167)( (البقرة): "يقولون: هذه الآية نص في عدم خروج أحد من النار بعد دخولها. وهذا كلام خطأ؛ لأن هذه الآية دليل على خلود الكفار فيها، وأنهم لا يخرجون منها، وهذا قول جماعة من أهل السنة؛ لهذه الآية، ولقوله تعالى: )ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط( (الأعراف: ٤٠)" [25].
وسياق الآية الكريمة يفيد أن هناك فريقين من الكافرين؛ فريق اتبع، وآخر اتبع، وإذ بالفريق الأول يتبرأ من الثاني عندما يرى العذاب وتتقطع بهم الأسباب، ثم يأتي الفريق الذين اتبعوا ويعلنون أنهم لو ردوا مرة ثانية فسوف يتبرءون من الذين اتبعوا؛ لأن التبرؤ حاليا لا يجدي، لكن كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم، ولا تكون الحسرة إلا إذا أصيب الإنسان بمصيبة لا سبيل إلى النجاة منها، )وما هم بخارجين من النار (167)(، ولن ينفعهم ندمهم على ما سبق من أعمالهم السيئة، ولن يجدي هذا الندم في إخراجهم من النار[26].
إذن فهذه الآية خاصة في الذين اتخذوا من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله، ولا دليل على نفي الشفاعة؛ والاستدلال بها باطل من أساسه، وأما قوله تعالى: )وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم (37)( (المائدة) واستدلالهم بهذه الآية على عدم ثبوت الشفاعة يوم القيامة يرد بما روي عن عمرو بن دينار، قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: يخرج الله قوما من النار فيدخلهم الجنة، فقال له رجل: إن الله يقول: )يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها( (المائدة: ٣٧)، فقال جابر بن عبد الله: إنكم تجعلون الخاص عاما، هذه للكفار، اقرءوا ما قبلها، ثم تلا: )إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم (36) يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها(هذه للكفار»[27].
فهذا الإشكال الذي أورده هؤلاء المغالطون حول تعميم هذه الآية وجعلها في المسلمين، قد أورده بعض التابعين عن أحد الصحابة - رضي الله عنهم - فأجاب عليه بأن هذه الآية نص في الكفار.
·       أما قوله تعالى: )ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون (107) قال اخسئوا فيها ولا تكلمون (108)( (المؤمنون).
 وهذه الآية ليست في المؤمنين، وإنما هي في الكافرين، يوضح هذا الآيات التي قبلها والتي بعدها، يقول تعالى: )فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (102) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون (103) تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون (104) ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون (105) قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين (106) ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون (107) قال اخسئوا فيها ولا تكلمون (108)( (المؤمنون).
إن المسلمين الذين يرجون رحمة الله وشفاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - هم أهل الآية الأولى: )فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (102)(، أما الذين سيقول الله لهم: )اخسئوا فيها ولا تكلمون (108)( فهم الكفار الذين قال الله لهم: )ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون (105)( هؤلاء الكفار المكذبون بآيات الله هم الذين سيطلبون الخروج من النار، فيقول الله لهم: )اخسئوا فيها ولا تكلمون(.
فكيف يصح حمل ما للكفار من العذاب على أنه للمسلمين؟! والآيات واضحة كل الوضوح في أن الخلود للكافرين! [28].
·       وأما قوله تعالى: )أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار (19)( (الزمر).
 قال القرطبي: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على إيمان قومه، وقد سبقت لهم من الله الشقاوة، فنزلت هذه الآية، قال ابن عباس: يريد أبا لهب وولده، ومن تخلف من عشيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان.
قال الفراء: المعنى: أفأنت تنقذ من حقت عليه كلمة العذاب، وقيل: في الكلام حذف، والتقدير: أفمن حق عليه كلمة العذاب ينجو منه، وما بعده مستأنف[29].
وقال ابن كثير: "يقول تعالى أفمن كتب الله أنه شقي تقدر تنقذه مما هو فيه من الضلال والهلاك؟ أي: لا يهديه أحد من بعد الله؛ لأنه من يضلل الله فلا هادي له، ومن يهده فلا مضل له"[30].
وتأسيسا على ما أوردنا من كلام المفسرين في هذه الآية يتبين أنها خطاب من الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - نزلت في أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين كان يرجو إسلامهم، لكنهم لم يفعلوا، فصار لا يملك لهم من الأمر شيئا؛ لأنهم قد حقت عليهم كلمة العذاب في النار، وما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يستغفر لهم بعد ذلك، كما قال تعالى: )ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم (113)( (التوبة).
ومن هذا كله يتبين أن الآيات التي استشهد بها القوم ليست على إطلاقها، بل هي خاصة في شأن المشركين والكفار الذين ماتوا على الشرك، أما المؤمنون والموحدون الذين ماتوا على الإيمان، ودخلوا النار بسبب رجحان سيئاتهم على حسناتهم، فلهم حكم مغاير تماما.
ومن هنا يبطل الادعاء بأن الآيات تناقض روايات السنة التي تثبت إخراج النبي - صلى الله عليه وسلم - لبعض المؤمنين من النار[31].
ثالثا. ثبوت شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الكبائر من أمته:
إن عقيدة أهل السنة في حكم مرتكب الكبيرة أنه لا يخلد في النار، بل يعذب على قدر كبيرته، ثم يخرج منها بشفاعة الشافعين.
قال الإمام الطحاوي: "وأهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - في النار لا يخلدون، إذا ماتوا وهم موحدون، وإن لم يكونوا تائبين بعد أن لقوا الله عارفين، وهم في مشيئته وحكمه إن شاء غفر لهم وعفا عنهم بفضله، كما ذكر الله - عز وجل - في كتابه: )ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء( (النساء: ٤٨)، وإن شاء عذبهم في النار بعدله، ثم يخرجهم منها برحمته وشفاعة الشافعين من أهل طاعته، ثم يبعثهم إلى جنته، وذلك بأن الله تعالى تولى أهل معرفته، ولم يجعلهم في الدارين كأهل نكرته الذين خابوا من هدايته، ولم ينالوا من ولايته"[32].
ويؤكد ذلك الإمام القرطبي عند تفسيره لهذه الآية، فيقول: "والخلود لا يقتضي الدوام، قال الله تعالى: )وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد( (الأنبياء: ٣٤)، وقال تعالى: )يحسب أن ماله أخلده (3)( (الهمزة)، وقال زهير:
ألا لا أرى على الحوادث باقيا
ولا خالدا إلا الجبال الرواسيا
وهذا كله يدل على أن الخلد يطلق على غير معنى التأبيد، فإن هذا يزول بزوال الدنيا، وكذلك العرب تقول: لأخلدن فلانا في السجن، والسجن ينقطع ويفنى، وكذلك المسجون، ومثله قولهم في الدعاء: خلد الله ملكه وأبد أيامه"[33].
يقول ابن القيم - رحمه الله: "وأكثر الأحاديث صريحة في أن الشفاعة في أهل التوحيد من أرباب الكبائر إنما تكون بعد دخولهم النار، وأما أن يشفع فيهم قبل الدخول فلا يدخلون، فلم أظفر فيه بنص، ثم إن الشفاعة إنما تنال بتجريد التوحيد، فمن كان أكمل توحيدا كان أحرى بالشفاعة، لا أنها تنال بالشرك بالشفيع، كما عليه أكثر المشركين"[34]. ولذلك وجدنا الإمام النووي - رحمه الله - قد ترجم لأحاديث الباب في شرحه لصحيح مسلم بقوله: "باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر"، ثم ذكر تحته حديث الطفيل وصاحبه الذي قتل نفسه، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - له بقوله: «اللهم وليديه فاغفر»[35]، ويعلق الإمام النووي على الحديث قائلا: فيه حجة لقاعدة عظيمة عند أهل السنة: أن من قتل نفسه، أو ارتكب معصية غيرها، ومات من غير توبة فليس بكافر ولا يقطع له بالنار، بل هو في حكم المشيئة، وقد تقدم بيان القاعدة وتقريرها، وهذا الحديث شرح للأحاديث التي قبله، الموهم ظاهرها تخليد قاتل النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار[36].
وقد علق الإمام النووي على حديث «من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة»[37] قائلا: "وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصرا عليها دخل الجنة أولا، وإن كان صاحب كبيرة مات مصرا عليها، فهو تحت المشيئة، فإن عفي عنه دخل أولا، وإلا عذب، ثم أخرج من النار وخلد في الجنة"[38]. وتبعه على ذلك ابن حجر فقال: "وفي الحديث أن أصحاب الكبائر لا يخلدون في النار، وأن الكبائر لا تسلب اسم الإيمان، وأن غير الموحدين لا يدخلون الجنة"[39].
هذه مجمل عقيدة أهل السنة في حكم مرتكب الكبيرة.
ثم إن الآية التي معنا، وهي قوله تعالى: )ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما (93)( (النساء)، لا يفهم منها إطلاقا تأبيد خلود قاتل النفس في النار وأنه لا يخرج منها.
قال صاحب "التحرير والتنوير": "قوله: )خالدا فيها( محمله عند جمهور أهل السنة على طول المكث في النار؛ لأجل قتل المؤمن عمدا، لأن قتل النفس ليس كفرا بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا خلود في النار إلا للكفر، على قول علمائنا من أهل السنة، فتعين تأويل الخلود بالمبالغة على طول المكث، وهو استعمال عربي، قال النابغة في مرض النعمان بن المنذر:
ونحن لديه نسأل الله خلده
يرد لنا ملكا وللأرض عامرا
ومحمله عند من يكفر بالكبائر من الخوارج، وعند من يوجب الخلود على أهل الكبائر، على وتيرة إيجاد الخلود بارتكاب الكبيرة"[40].
قال الشعرواي - رحمه الله: "لو أن زمن الخلود لا ينتهي لما وصف الحق المكث في النار مرة بقوله تعالى: )خالدين فيها( (النساء: ١٦٩)، ومرة أخرى بقوله: )خالدين فيها أبدا( (النساء: ١٦٩)، وهذا القول يدل على أن لفظ التأبيد )أبدا( فيه ملحظ يزيد على معنى الخلود دون تأبيد، وإذا اتحد القولان في أن الخلود على إطلاقه يفيد التأبيد، وأن: )خالدين فيها أبدا( تفيد التأبيد أيضا، فمعنى ذلك أن اللفظ )أبدا( لم يأت بشيء زائد.
والقرآن الكريم كلام الله، وكلام الله منزه عن العبث أو التكرار؛ إذن لا بد من وقفة تفيدنا أن الخلود هو المكث طويلا، وأن الخلود أبدا هو المكث طويلا لا ينتهي، وعلى ذلك: فكل لفظ في القرآن محكم وله معنى. ثم إن كملة )خالدين( حين وردت في القرآن فإننا نجد الحق - سبحانه وتعالى - يقول في خلود أهل النار: )يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد (105) فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك( (هود). فكأن الحق - سبحانه وتعالى - استنثنى من الخلود )إلا ما شاء ربك(، والاستثناء لا بد له من زمن، فلا نأخذ الخلود بمعنى التأبيد، لكن الخلود هو زمن طويل"[41].
وبما أوضحنا من عقيدة أهل السنة وحكمهم في مرتكب الكبيرة، وأنه إذا مات على ذلك فإنه سيدخل النار مدة يعذب فيها بقدر كبيرته، ثم تناله رحمة الله على إيمانه الذي في قلبه، وبقية أعماله الصالحة، فيخرجه الله من النار، ويدخله الجنة، وهذا يشمل القاتل وغيره من أهل الكبائر.
وأمام نصاعة الحق تتهاوى حجج الباطل، ويتضح أن الشفاعة وأحاديثها صحيحة ومتواترة، ولا يعارضها القرآن ولا تعارضه.
وقد أكدت السنة النبوية على ذلك؛ فقد روى جابر: «أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، هل لك في حصن حصين ومنعة؟ قال: حصن كان لدوس في الجاهلية، فأبى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - للذي ذخر الله للأنصار. فلما هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع، فأخذ مشاقص[42] له، فقطع به براجمه[43]، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - فقال: مالي أراك مغطيا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر»[44].
إن قاتل النفس لا يخلد في النار، بل يعذب فيها بقدر كبيرته، ثم يخرج منها ويدخل الجنة.
أما ما استدلوا به من وجود تعارض بين أحاديث الشفاعة وما ورد من روايات تنفي دخول الجنة عن أصحاب معاص معينة؛ كالنميمة والكبر، فهذا غير صحيح؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة قتات»[45]، و «لا يدخل الجنة قاطع»[46]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»[47] - مغفور بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح:«لأهل الكبائر من أمتي»[48].
إن معنى هذه الأحاديث يحمل على أحد معنيين:
أحدهما: لا يدخل الجنة، أي: بعض الجنان؛ إذ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أعلم أنها جنان من جنة، واسم الجنة واقع على كل جنة منها، فمعنى هذه الأخبار التي ذكرها من فعل كذا لبعض المعاصي حرم الله عليه الجنة، أو لم يدخل الجنة معناه: لا يدخل بعض الجنان التي هي أعلى وأشرف وأنبل، وأكثر نعيما وسرورا وبهجة وأوسع؛ لأنه أراد لا يدخل شيئا من تلك الجنان التي هي الجنة.
والآخر: أن كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد، فإنما هو على شريطة، أي: إلا أن يشاء الله تعالى أن يغفر ويصفح، ويتكرم ويتفضل، فلا يعذب على ارتكاب تلك الخطيئة؛ إذ قد أخبر الله - عز وجل - في محكم كتابه أنه: )لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء( (النساء: ١١٦).
ودليل صحة أن الجنة جنان ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن أم الربيع بنت البراء - وهي أم حارثة بن سراقة - أتت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا نبي الله، ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب - فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان في غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى»[49].
فمعنى هذه الأخبار التي فيها ذكر بعض الذنوب التي يرتكبها بعض المؤمنين، أن مرتكبها لا يدخل الجنة، ومعناها: لا يدخل العالي من الجنان التي هي دار المتقين الذين لم يرتكبوا تلك الذنوب والحوايا والخطايا[50].
وقد ذكر العلماء توجيهات عديدة في هذه النصوص وأمثالها، والمختار منها قولان:
أحدهما: أنها محمولة على من يستحل الكبيرة مع علمه بالتحريم، فهذا كافر مخلد في النار، ولا يدخل الجنة أصلا.
ثانيهما: أنها محمولة على أن مرتكب الكبيرة جزاؤه أن لا يدخل الجنة وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها لهم بل يؤخر، ثم قد يـجازى، وقد يعفى عنه فيدخلها أولا.
وهناك قول ثالث: وهو أن نصوص الوعيد الواردة في الآيات والأخبار في حق مرتكب الكبيرة، هذا الوعيد جزاؤه، ولكن تكرم - سبحانه وتعالى - فأخبر أنه لا يخلد في النار من مات مسلما[51].
إن معيار دخول الجنة كما وضح القرآن الكريم والسنة النبوية هو العمل الصالح، يقول الله تعالى: )فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (Cool( (الزلزلة)، ولكن هناك فرق بين من زادت حسناته على سيئاته فيدخل الجنة بعدل الله، وبين من زادت سيئاته على حسناته فيدخل الجنة برحمة الله ومغفرته وعفوه عنه؛ لذلك فإن قوله تعالى: )ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)( (الأعراف)، وقوله: )أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون (14)( (الأحقاف)، وقوله: )الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32)( (النحل)، وهذه الآيات وغيرها لا تنفي دخول أصحاب المعاصي الجنة.
فكل هذه الآيات وما جاء في معناها وارد فيمن آمن وزادت حسناته على سيئاته، فهؤلاء يدخلون الجنة دون سابق عذاب، أما الحديث فهو فيمن آمن وزادت سيئاته على حسناته، أو لم يعمل خيرا فقط، غير أنه مؤمن، وهذا هو الذي يتكلم عنه الحديث؛ لأن الناس يوم القيامة أربعة أصناف؛ الاثنان اللذان تقدما، والصنف الثالث: أناس كفروا بالله، ولم يعملوا صالحا، وهذا الصنف ليس لهم إلا النار، ولا خروج لهم منها، والصنف الرابع: أناس كفروا بالله وعملوا صالحا، وهؤلاء يجزيهم الله على أعمالهم الصالحة في الدنيا، وهم أهل جهنم في الآخرة؛ ذلك أنهم ضيعوا السبب الأهم في دخول الجنة، وهو الإيمان.
ومن أدلة الصنف الأول قوله تعالى: )فأما من ثقلت موازينه (6) فهو في عيشة راضية (7)( (القارعة)، وقوله تعالى: )والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا (122)( (النساء).
وأيضا من جملة الآيات التي استدل بها القوم على المخالفة قوله تعالى: )ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون (43)( (الأعراف)، ومنشأ الخطأ أنهم أخذوا الآيات الواردة في هذا الصنف وجعلوها في الصنفين جميعا؛ الصالحين والعصاة، والواضح من هذه القسمة الرباعية أن الإيمان هو السبب المقدم في دخول الجنة، ومعه تتأتى المغفرة والشفاعة، وهذا ليس مدعاة للامبالاة والكسل؛ فإن المسيء سيدخل جهنم فترة، وهذا كاف لردع الإنسان عن المعاصي طيلة حياته، فلا طاقة لأحد على جهنم ولو لحظة واحدة.
إن الآيات في المؤمنين الموحدين الصالحين، أما الحديث ففي المؤمنين الذين لم يفعلوا خيرا، وعليه فلا تعارض؛ إذ الموضوع مختلف، فلا يقع التعارض إلا إذا كان الموضوع واحدا واختلف الحكمان فيه، والحديث لم يفد دخول العصاة الجنة ابتداء مثل الصالحين، وإنما أفاد أن العصاة يدخلون النار، ثم يرحمهم الله، فيخرجهم من النار، ويدخلهم الجنة، فلا تعارض ولا تناقض.
وهؤلاء المؤمنون الذين دخلوا النار سيخرجون منها للأسباب الآتية:
·       مقتضى العدل الإلهي، قال تعالى: )أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36)( (القلم).
·       أن هؤلاء المؤمنين الذين لم يعملوا خيرا بجوارحهم في قلوبهم خير، فلقد كانوا يوحدون الله، وعاشوا على ذلك بقلب سليم، يقول عز وجل: )يوم لا ينفع مال ولا بنون (88) إلا من أتى الله بقلب سليم (89)( (الشعراء).
ثم إن حديث أبي سعيد رضي الله عنه - الذي جاء فيه: «شفعت الملائكة، وشفع النبيون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين...»[52] - يوافق قوله تعالى: )إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما (40)( (النساء)، فالمؤمن الذي مات على الإيمان لن يؤبد في النار، وإلا لضاع عليه إيمانه، والله - عز وجل - حرم الظلم على نفسه وجعله بين عباده محرما.
إن هذه الآية تتفق مع الحديث الذي ينكرونه، فالحديث يفيد أن الكفرة يدخلون النار ابتداء، والمؤمنين الصالحين يدخلون الجنة ابتداء، كل على حسب عمله، فالجنة درجات، أما المؤمنون الذين لم يعملوا صالحا فهؤلاء يفيد الحديث أنهم يدخلون النار، ثم يشفع الله فيهم الملائكة والنبيين والمؤمنين، ومن بقي بعد ذلك شمله الله بمغفرته فأخرجه من النار؛ وذلك لأنه كان مومنا يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله[53].
ومما سبق ينتفي التعارض بين الآيات التي استدل بها على أن دخول الجنة لا يكون إلا عن عمل، وبين أحاديث الشفاعة؛ لأن الآيات تتناول الحديث عن المؤمنين، خاصة الذين رجحت حسناتهم على سيئاتهم فدخلوا الجنة، أما ما جاء في الحديث بشأن الخروج من النار، فإنما هذا لأقوام مؤمنين رجحت سيئاتهم على حسناتهم.
وبهذا يتبين لنا أن مرتكب الكبيرة لا يخلد في النار، إن شاء الله عفا عنه وأدخله الجنة، وإن شاء الله أدخله النار وقبل شفاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيه، ثم أخرجه من النار وأدخله الجنة، وإذا كان هذا في حق مرتكب الكبيرة، فكيف بمن لم يرتكب كبيرة؟!
كما أن أصحاب المعاصي إن شاء الله عفا عنهم وغفر لهم وأدخلهم الجنة أولا، وإن شاء عذبهم ببعض ذنوبهم، ثم أخرجهم من النار، وأدخلهم الجنة بشفاعة الشافعين ورحمته سبحانه وتعالى.
رابعا. شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته خاصة، أما الكفار من المشركين وأهل الكتاب فلا نصيب لهم في الشفاعة:
إن القرآن الكريم يؤكد أن الكفرة من عباد الأصنام والمشركين وأهل الكتاب لا يدخلون الجنة أبدا، قال تعالى: )إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150) أولئك هم الكافرون حقا وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا (151)( (النساء)، ويقول تعالى: )إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية (6)( (البينة)، فكيف يحكم الله عليهم بالنار خالدين فيها أبدا، ثم يدخلهم في شفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!
إن زعمهم أن قوله تعالى عن اليهود: )ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (46)( (النساء)، وقوله تعالى: )فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (155)( (النساء) يثبتان قدرا من الإيمان لليهود، والحديث يقول: «أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان»[54]؛ إذن اليهود سيدخلون الجنة بحكم الحديث.
وبالرجوع إلى الفهم الصحيح لمعنى الآيتين - كما وضح المفسرون وأهل اللغة - يتبين وجه الصحة، قال تعالى: )ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا (46)(.
يقول ابن منظور في شرحه لمادة قلل: "وفي الحديث«أنه كان يقل اللغو»[55]، أي: لا يلغو أصلا، ثم نقل عن ابن الأثير قوله: وهذا اللفظ "قل" يستعمل في نفي أصل الشيء، كقوله تعالى: )فقليلا ما يؤمنون (88)( (البقرة)[56]. وهذه آية احتجاجهم قد استشهد بها علماء العربية قبل أن يوردها الواهمون!!
قال صاحب "التحرير والتنوير": ومعنى )فلا يؤمنون إلا قليلا (46)( أنهم لا يؤمنون أبدا، فهو من تأكيد الشيء بما يشبه ضده، وأطلق القلة على العدم، وفسر به قول تأبط شرا:
قليل التشكي للمهم يصيبه
كثير الهوى شتى النوى والمسالك
قال الجاحظ في كتاب "البيان" عند قول عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود يصف أرض نصيبين: "كثيرة العقارب، قليلة الأقارب": يضعون "قليلا" في موضع "ليس"، كقولهم: فلان قليل الحياء. ليس مرادهم أن هناك حياء وإن قل. قلت: ومنه قول العرب: قل رجل يقول ذلك، يريدون أنه غير موجود. وقال صاحب "الكشاف" عند قوله تعالى: )أإله مع الله قليلا ما تذكرون (62)( (النمل): "والمعنى نفي التذكير، والقلة مستعمل في معنى النفي"، وإنما استعملت العرب القلة عوضا عن النفي لضرب من الاحتراز والاقتصاد، فكأن المتكلم يخشى أن يتلقى عموم نفيه بالإنكار، فيتنازل عنه إلى إثبات قليل وهو يريد النفي[57].
وعلى هذا الرأي أو الاتجاه - أن القلة بمعنى النفي المحض - فلا إشكال بين الآية والحديث؛ لأن الآية لا تثبت إيمانا لليهود إطلاقا، بينما الحديث يتكلم عن الموحدين الذين دخلوا النار لقلة أعمالهم الصالحة، وهو بذلك متفق مع الآيات القرآنية التي تتحدث في هذا الموضوع، منها: قول الله تعالى: )إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا (107)( (الكهف)، وقوله: )والعصر (1) إن الإنسان لفي خسر (2) إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر (3)( (العصر) وغيرها.
أما إذا جعلنا القلة على حقيقتها، فهناك قولان في الآية:
الأول: أن القليل صفة للقوم، والمعنى: فلا يؤمنون إلا أقوام قليلون، ثم منهم من قال: كان ذلك القليل عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل: هم الذين علم الله أنهم يؤمنون بعد ذلك.
الثاني: أن القليل صفة للإيمان، والتقدير: فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا، فإنهم كانوا يؤمنون بالله والتوراة وموسى، ولكنهم كانوا يكفرون بسائر الأنبياء[58].
يقول القرطبي في تفسير قوله تعالى: )إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا (150)( (النساء): "قوله تعالى: )إن الذين يكفرون( لما ذكر المشركين والمنافقين ذكر الكفار من أهل الكتاب - اليهود والنصارى؛ إذ كفروا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبين أن الكفر به كفر بالكل؛ لأنه ما من نبي وإلا وقد أمر قومه بالإيمان بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وبجميع رسله - عليهم الصلاة والسلام، ومعنى: )ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله(؛ أي بين الإيمان بالله ورسله، فنص على أن التفريق بين الله ورسله كفر... قوله: )أولئك هم الكافرون حقا( (النساء: ١٥١) تأكيد يزيل التوهم في إيمانهم حين وصفهم بأنهم يقولون نؤمن ببعض، وأن ذلك لا ينفعهم إذا كفروا برسوله، وإذا كفروا برسوله فقد كفروا به عز وجل" [59]. ثم بين بعد ذلك أنه أعد لهم عذابا شديدا بسبب كفرهم وعنادهم.
لذلك أمرنا الله أن نؤمن برسله جميعا، ومن آمن بواحد وكفر ببقيتهم فقد كفر بهم جميعا، قال تعالى: )آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله( (البقرة: ٢٨٥). وقد بين الإمام النووي - رحمه الله - أن اليهود والنصارى وهم أهل كتاب إلا أنهم لم يصلوا إلى التوحيد الخالص، لذلك فهم من أصحاب النار، يقول: "وأما حكمه - صلى الله عليه وسلم - على من مات يشرك بدخول النار، ومن مات غير مشرك بدخوله الجنة، فقد أجمع عليه المسلمون، فأما دخول المشرك النار، فهو على عمومه فيدخلها ويخلد فيها، ولا فرق فيه بين الكتابي اليهودي والنصراني، وبين عبدة الأوثان وسائر الكفرة، ولا فرق بين الكافر عنادا وغيره، ولا بين ما خالف ملة الإسلام، وبين ما انتسبت إليها، ثم حكم بكفره بجحده ما يكفر بجحده، وغير ذلك"[60].
وبهذا يتبين لنا أن أحاديث الشفاعة لا تتعارض مع آيات القرآن الكريم، ولا مع أحاديث أخرى من أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - كما يدعون، ولكن القرآن الكريم يثبت أن الشفاعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - بنوعيها العامة للناس جميعا، والخاصة لأصحاب الكبائر من أمته - صلى الله عليه وسلم - وكذلك بينت الأحاديث كيف تكون هذه الشفاعة وأنواعها؟!
وهذا يوضح أن هذه الشفاعة لا تكون للكفار من المشركين وأهل الكتاب الذين حكم الله عليهم بالخلود والتأبيد في النار لكفرهم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
·       أحاديث الشفاعة صحيحة ومتواترة في كتب السنة الصحيحة، فقد رواها البخاري ومسلم في صحيحهما وغيرهما من أهل السنن والمسانيد، وهي تنال من مات لا يشرك بالله شيئا.
·   الشفاعات خمس يوم القيامة، مقسمة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء والصالحين والشهداء، وفوق كل ذلك شفاعات أخر؛ كشفاعة الشهيد والقرآن والصيام.
·       إن الخلود في النار لا يشمل العصاة من الموحدين؛ لأنهم ثبت إيمانهم، والآيات الواردة بشأن عدم الخروج بتاتا إنما هي خاصة بالكفار والمشركين وعبدة الأصنام.
·       لقد نفى الله - عز وجل - الشفاعة عن المشركين الذين ماتوا على شركهم، فهم ليس لهم شفيع يوم القيامة ولا حميم، وأثبت - سبحانه وتعالى - الشفاعة في القرآن بشرطين: الإذن للشافع، والرضا عن المشفوع له.
·       إن اليهود لا تشملهم شفاعة الشافعين يوم القيامة، ولا يخرجون من النار؛ لأنه ثبت كفرهم، والإيمان القليل الذي أثبته القرآن لهم فسر بثلاثة تفسيرات، جميعها لا تجعلهم ممن تنالهم الشفاعة، وهذه الأقوال هي:
o     القليل بمعنى النفي المحض؛ كما في لغة العرب.
o     القليل المقصود به من آمن من اليهود بعد ذلك، كعبد الله بن سلام وغيره.
o     القليل يعني أنهم آمنوا بأشياء وكفروا بأشياء، فما كفروا به ذهب بالذي آمنوا به.
·   لا يفهم من الشفاعة للعصاة أن أحدا يدخل الجنة بدون عمل، بل هم دخلوا النار أولا لرجحان كفة سيئاتهم على حسناتهم، فلما استوفوا نصيبهم من العذاب أخرجوا من النار، ودخلوا الجنة بفضل الله وعدله، )ولا يظلم ربك أحدا (49)( (الكهف).
·   أهل الكبائر من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لا يخلدون في النار، وإنما يخرجون منها بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - وشفاعة الملائكة والمؤمنين، ورحمة الله تعالى.
·   لم ينف الرسول - صلى الله عليه وسلم - الجنة عن مؤمن ألبتة، ومن ثبت نفي دخوله الجنة كالعاق والنمام وقاطع الرحم، إنما نفى عنه دخول بعض الجنان؛ لأن هناك جنانا لا جنة واحدة، فهو لا يدخل بعض الجنان التي هي الأعلى والأشرف والأنبل والأكثر نعيما وسرورا.
·       كل وعيد لأهل التوحيد في القرآن أو السنة فهو يفهم في نطاق قوله تعالى: )إلا أن يشاء الله( (الكهف: ٢٤).
·       إن ما ورد من نصوص في نفي الجنة عن قوم فعلوا الكبائر محمول على من مات مصرا عليها مستحلا لها، أو أنه لا يدخلها وقت دخول الفائزين إذا فتحت أبوابها، بل يؤخر، وقد يجازى بالعفو.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى