مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* إنكار أحاديث السحر وحد الساحر - إنكار حديث "الجساسة

اذهب الى الأسفل

* إنكار أحاديث السحر وحد الساحر - إنكار حديث "الجساسة Empty * إنكار أحاديث السحر وحد الساحر - إنكار حديث "الجساسة

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 8:15 am

مضمون الشبهة
ينكر بعض المتوهمين أحاديث السحر التي جاءت بها السنة الصحيحة، ويستدلون على ذلك بأن السحر أوهام وخيالات لا حقيقة لها؛ لذلك قال الله سبحانه وتعالى: )يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (66)( (طه). كما يزعمون أن ما ورد في قتل الساحر حدا لا يصح؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أقام الحد على ساحر، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها فقد عصموا مني دماءهم، وأموالهم»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة» والساحر ليس من هؤلاء جميعا، كما يستدلون بما قصه الله علينا من خبر سحرة موسى - عليه السلام - وكيف أنهم صاروا من أوليائه تعالى في ساعة من نهار!!
رامين من وراء هذه الأدلة إلى تشكيك المسلمين في الأحاديث الصحيحة الثابتة في أمر السحر.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد بين القرآن الكريم في آيات كثيرة حقيقة السحر ووقوعه؛ قال تعالى: )يعلمون الناس السحر( (البقرة:١٠٢) وقول تعالى: )سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم (116)( (الأعراف)، لذلك أنزل الله - عز وجل - سورة الفلق؛ حفظا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته من كيد الشيطان والسحرة.
2) ثبوت صحة الأحاديث التي تؤكد أن السحر حقيقة وليس خيالا كما يدعون، وليس أدل على ذلك من حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ورد في الصحيحين، وهذا الذي عليه جمهور المسلمين.
3) لقد ذهب جمهور العلماء - قديما وحديثا - إلى وجوب إقامة الحد على الساحر وقتله لدلالة القرآن والسنة على كفره، قال تعالى: )وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر( (البقرة:١٠٢)، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيمن يذهب إلى العراف أو الساحر فيصدقه: فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وقد ورد عن الصحابة أنهم أقاموا الحد على الساحر وأمروا بقتله، وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله، وحفصة، وجندب البجلي رضي الله عنهم، وكلها وردت بأسانيد صحيحة.
أولا. إثبات القرآن أن السحر حقيقة وتحذيره من الوقوع فيها:
إن السحر حقيقة واقعة قررها القرآن الكريم في غير ما آية، يقول سبحانه وتعالى: )واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق( (البقرة:١٠٢).
وقد اختلف العلماء في حقيقة السحر؛ فمن قائل: "إنه تخييل لا حقيقة له: )فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (66)( (طه)، ومن قائل: إن له حقيقة كما دلت عليه آية البقرة"[1].
يقول الإمام القرطبي: السحر، قيل: أصله التمويه بالحيل والتخاييل، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني، فيخيل للمسحور أنها بخلاف ما هي به. واختلف هل له حقيقة أم لا؟ فذكر الغزوني الحنفي في عيون المعاني له: أن السحر عند المعتزلة خدع لا أصل له. وعند الشافعي: وسوسة وأمراض، قال: وعندنا أصله طلسم، ويبنى على تأثير خصائص الكواكب، كتأثير الشمس في زئبق عصي فرعون، أو تعظيم الشياطين؛ ليسهلوا له ما عسر. ثم يقول: وعندنا أنه حق، وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء، فقد ذهب أهل السنة إلى أن السحر ثابت وله حقيقة؛ لأنه وردت أمور جوزها العقل، وورد بها السمع، فمن ذلك ما جاء في هذه الآية من ذكر السحر وتعليمه، ولو لم يكن له حقيقة لم يمكن تعليمه، ولا أخبر تعالى أنهم يعلمونه الناس، فدل على أن له حقيقة، وقوله تعالى في قصة سحرة فرعون: )وجاءوا بسحر عظيم (116)( (الأعراف) وسورة "الفلق"، مع اتفاق المفسرين على أن سبب نزولها ما كان من سحر لبيد بن الأعصم للنبي - صلى الله عليه وسلم - ـ يدل على أنه حقا وحقيقة، ومقطوع به بإخبار الله تعالى ورسوله على وجوده ووقوعه[2].
وإلى هذا ذهب ابن كثير - رحمه الله - عند تفسيره لهذه الآية، فيقول: "حكى أبو عبد الله الرازي في تفسيره عن المعتزلة أنهم أنكروا وجود السحر، قال: وربما كفروا من اعتقد وجوده، قال: وأما أهل السنة فقد جوزوا أن يقدر الساحر أن يطير في الهواء، ويقلب الإنسان حمارا، والحمار إنسانا، إلا أنهم قالوا: إن الله يخلق الأشياء عندما يقول الساحر تلك الرقى والكلمات المعينة، فأما أن يكون المؤثر في ذلك هو الفلك والنجوم فلا، خلافا للفلاسفة والمنجمين والصابئة، ثم استدل على وقوع السحر، وأنه بخلق الله تعالى - بقوله تعالى: )وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله( (البقرة:١٠٢) ومن الأخبار بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحر، وأن السحر عمل فيه"[3].
وقال الخطابي - رحمه الله: قد أنكر قوم من أصحاب الطبائع السحر، وأبطلوا حقيقته، والحق أن السحر ثابت وحقيقته موجودة اتفق أكثر الأمم من العرب، والفرس، والهند وبعض الروم على إثباته، وهؤلاء أفضل سكان أهل الأرض وأكثرهم علما وحكمة، وقد قال تعالى: )يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت( (البقرة:١٠٢) وأمر بالاستعاذة منه، فقال عز وجل: )ومن شر النفاثات في العقد (4)( (الفلق)، وورد في ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبار لا ينكرها إلا من أنكر العيان والضرورة، وفرع الفقهاء فيما يلزم الساحر من العقوبة، وما لا أصل له لا يبلغ هذا المبلغ في الشهرة والاستفاضة، فنفي السحر جهل، والرد على من نفاه لغو وفضل[4].
"لقد حذر الإسلام من عمل السحر وذمه في مواضع، وليس ذلك بمقتضى إثبات حقيقة وجودية للسحر على الإطلاق، ولكنه تحذير من فساد العقائد، وخلع قيود الديانة، ومن سخيف الأخلاق، وقد اختلف علماء الإسلام في إثبات حقيقة السحر وإنكارها، وهو اختلاف في الأحوال فيما أراه، فكل فريق نظر إلى صنف من أصناف ما يدعى بالسحر، وحكى عياض في إكمال المعلم أن جمهور أهل السنة ذهبوا إلى إثبات حقيقته، قلت: وليس في كلامهم وصف كيفية السحر الذي أثبتوا حقيقته، فإنما أثبتوه على الجملة"[5].
إن السحر هو "القدرة على الإيحاء والتأثير، إما في الحواس والأفكار، وإما في الأشياء والأجسام، وإن كان السحر الذي ذكر القرآن وقوعه من سحرة فرعون كان مجرد تخييل لا حقيقة له: )يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (66)( (طه)؛ ولا مانع أن يكون مثل هذا التأثير وسيلة للتفريق بين المرء وزوجه، وبين الصديق وصديقه، فالانفعالات تنشأ من التأثيرات وإن كانت الوسائل والآثار، والأسباب والمسببات، لا تقع كلها إلا بإذن الله"[6].
وقد فصل القول في ذلك ابن قدامة فقال: "السحر: هو عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله، من غير مباشر له، وله حقيقة، فمنه ما يقتل، وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته فيمنعه وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يبغض أحدهما إلى الآخر، أو يحبب بين الاثنين، وهذا قول الشافعي، وذهب أصحابه إلى أنه لا حقيقة له، وإنما هو تخييل؛ لأن الله تعالى قال: )يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى (66)( (طه)، وقال أصحاب أبي حنيفة: إن كان شيئا يصل إلى بدن المسحور، كدخان ونحوه، جاز أن يحصل منه ذلك، فأما أن يحصل المرض والموت من غير أن يصل إلى بدنه شيء، فلا يجوز ذلك؛ لأنه لو جاز لبطلت معجزات الأنبياء - عليه السلام ـ؛ لأن ذلك يخرق العادات، فإذا جاز من غير الأنبياء بطلت معجزاتهم وأدلتهم، ولنا قول الله تعالى: )قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق (2) ومن شر غاسق إذا وقب (3) ومن شر النفاثات في العقد (4)( (الفلق) يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن، وينفثن عليه، ولولا أن السحر له حقيقة، لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه، وقال الله تعالى: )يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه( (البقرة:١٠٢)، وقد اشتهر بين الناس وجود عقد الرجل عن امرأته حين يتزوجها، فلا يقدر عن إتيانها، وحل عقده، فيقدر عليها بعد عجزه عنها؛ حتى صار متواترا لا يمكن جحده، وروي من أخبار السحرة ما لا يكاد يمكن التواطؤ على الكذب فيه"[7].
وبهذا يتبين أن القرآن قد أثبت أن السحر حقيقة واقعة بين الناس، وهو نوعان: نوع هو تخييل يعتمد على الحيل وخفة الحركة، ونوع له حقيقة يفرق بين المرء وزوجه ويؤذى به[8] وقد حذر القرآن من تعلمه أو عمله، وذكر أن الساحر كافر لا يجب اتباعه. فكيف ينكرون وجود السحر ويعتبرونه أوهام وخيالات؟!!
ثانيا. ثبوت صحة الأحاديث التي تؤكد حقيقة السحر:
لقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من عاقبة السحر في الدنيا والآخرة، وجعله من الموبقات، قال صلى الله عليه وسلم: «اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات» [9].
قال الإمام النووي تعليقا على الحديث: "وأما عده - صلى الله عليه وسلم - السحر من الكبائر فهو دليل لمذهبنا الصحيح المشهور، ومذهب الجماهير أن السحر حرام من الكبائر: فعله وتعلمه وتعليمه"[10].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»[11].
قال الإمام الشوكاني: "ظاهره أنه الكفر الحقيقي، وقيل: هو الكفر المجازي، وقيل: من اعتقد أن الكاهن والعراف يعرفان الغيب، ويطلعان على الأسرار الإلهية كان كفرا حقيقيا، كمن اعتقد تأثير الكواكب، وإلا فلا"[12].
وقال - صلى الله عليه وسلم - محذرا من الكهان: عندما سأله ناس عن الكهان: «ليس بشيء، فقالوا: يا رسول الله، إنهم يحدثوننا أحيانا بشيء فيكون حقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه، فيخلطون معها مائة كذبة»[13].
وقد روت بعض نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة»[14].
قال ابن حجر: "والوعيد جاء تارة بعدم قبول الصلاة، وتارة بالتكفير، فيحمل على حالين، كما أشار إلى ذلك القرطبي"[15].
وليس أدل على حقيقة السحر وتأثيره في الإنسان من حديث سحر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي ورد في الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «سحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهودي من يهود بني زريق، يقال له: لبيد بن الأعصم، قالت: حتى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم، أو ذات ليلة، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا، ثم دعا، ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه؟ جاءني رجلان، فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي، أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب[16]، قال: من طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة[17]، قال: وجب طلعة ذكر[18]، قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذي أروان قالت: فأتاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أناس من أصحابه، ثم قال: يا عائشة، والله لكأن ماءها نقاعة[19] الحناء، ولكأن نخلها رءوس الشياطين. قالت: فقلت: يا رسول الله أفلا أحرقته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله، وكرهت أن أثير على الناس شرا، فأمرت بها فدفنت»[20].
وقد علق الإمام النووي على الحديث قائلا: "قال الإمام المازري: مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة على إثبات السحر، وأن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء الثابتة، خلافا لمن أنكر ذلك ونفى حقيقته، وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها، وقد ذكره الله تعالى في كتابه، وذكر أنه مما يتعلم، وذكر ما فيه إشارة إلى أنه مما يكفر به، وأنه يفرق بين المرء وزوجه، وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له.
وهذا الحديث أيضا مصرح بإثباته، وأنه أشياء دفنت وأخرجت، وهذا كله يبطل ما قالوه، فإحالة كونه من الحقائق محال، ولا يستنكر في العقل أن الله - سبحانه وتعالى - يخرق العادة عند النطق بكلام ملفق، أو تركيب أجسام، أو المزج بين قوى على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر، وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم، ومنها مسقمة كالأدوية الحادة، ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض - لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوى قتالة، أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة.
قال - أي المازري: وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر، فزعم أنه يحط منصب النبوة، ويشكك فيها، وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل؛ لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وصحته وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويزه ما قام الدليل بخلافه باطل، فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها، ولا كان منفصلا من أجلها، وهو مما يعرض للبشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له"[21].
"وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث أنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخيل إليه أنه وطئ زوجاته ولم يكن وطأهن، وهذا كثيرا ما يقع للإنسان في المنام، فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة... قال عياض: فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده، وظواهر جوارحه، لا على تمييزه ومعتقده... وقال بعض العلماء: لا يلزم من أنه كان يظن أنه فعل الشيء ولم يكن فعله أن يجزم بفعله ذلك، وإنما يكون ذلك من جنس الخاطر يخطر ولا يثبت؛ فلا يتبقى على هذا للملحد حجة. وقال عياض: يحتمل أن يكون المراد بالتخيل المذكور أنه يظهر له من نشاطه ما ألفه من سابق عادته من الاقتدار على الوطء، فإذا دنا من المرأة فتر عن ذلك كما هو شأن المعقود"[22].
إن هذا المرض يعد من جنس ما كان يعتريه - صلى الله عليه وسلم - من الأسقام والأوجاع، وهو مرض من الأمراض، وإصابته به كإصابته بالسم لا فرق بينهما[23]، "وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده، وظاهر جوارحه، لا على عقله وقلبه؛ ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه من إتيان النساء، بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له، ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض"[24].
وقد ذهب الإمام القرطبي إلى صحة الخبر كما جاء في الصحيحين، فقال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما حل السحر: «إن الله شفاني»، والشفاء إنما يكون برفع العلة وزوال المرض، فدل على أن له حقا وحقيقة، فهو مقطوع به وبإخبار الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - على وجوده ووقوعه، وعلى هذا أهل الحل والعقد الذين ينعقد بهم الإجماع... ولقد شاع السحر وذاع في سابق الزمان وتكلم الناس فيه، ولم يبد من الصحابة ولا من التابعين إنكار لأصله"[25].
وبهذا يتبين أن السنة التي أثبتت السحر صحيحة ثابتة، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها من اتباع السحرة، بل وكفر الساحر ومن صدقه، وحديث سحره - صلى الله عليه وسلم - أكبر دليل على وقوع السحر، وأنه حقيقة.
ثالثا. جمهور العلماء على قتل الساحر حدا:
ذهب جمهور العلماء إلى إقامة الحد على الساحر، وقالوا: إن حد الساحر القتل، خلافا لمن لم ير عليه القتل بمجرد السحر، كما هو مذهب الشافعي، قال الإمام النووي: "عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد سبق في كتاب "الإيمان "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عده من السبع الموبقات، ومختصر ذلك أنه قد يكون كفرا، وقد لا يكون كفرا بل معصيته كبيرة، فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر، وإلا فلا، وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب منه، ولا يقتل عندنا، فإن تاب قبلت توبته. وقال مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، ولا تقبل توبته، بل يتحتم قتله. والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق؛ لأن الساحر عنده كافر كما ذكرناه، وعندنا ليس بكافر، وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق.
قال القاضي عياض: وبقول مالك قال أحمد بن حنبل، وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين.
قال أصحابنا: فإذا قتل الساحر بسحره إنسانا، واعترف أنه مات بسحره، وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص، وإن قال: مات به، ولكنه قد يقتل وقد لا، فلا قصاص، وتجب الدية والكفارة، وكون الدية في ماله لا على عاقلته؛ لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني.
قال أصحابنا: ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة، وإنما يتصور باعتراف الساحر"[26].
أما ابن قدامة فقد قال: "تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر بتعلمه وفعله، سواء اعتقد تحريمه أو إباحته، وروي عن أحمد ما يدل على أنه لا يكفر، فإن حنبلا روى عنه، قال: قال عمي في العراف والكاهن والساحر: أرى أن يستتاب من هذه الأفاعيل كلها، فإنه عندي في معنى المرتد، فإن تاب وراجع - يعني - خلي سبيله، قلت له: يقتل؟ قال: لا، يحبس لعله يرجع، قلت له: لم لا تقتله؟ قال: إذا كان يصلي، لعله يتوب ويرجع، وهذا يدل على أنه لم يكفره؛ لأنه لو كفره لقتله. وقوله: في معنى المرتد، يعني الاستتابة. وقال أصحاب أبي حنيفة: إن اعتقد أن الشياطين تفعل له ما يشاء كفر، وإن اعتقد أنه تخييل لم يكفر، وقال الشافعي: إن اعتقد ما يوجب الكفر، مثل التقرب إلى الكواكب السبعة، وأنها تفعل ما يلتمس، أو اعتقد حل السحر، كفر؛ لأن القرآن نطق بتحريمه، وثبت بالنقل المتواتر والإجماع عليه، وإلا فسق ولم يكفر"
ثم قال: وحد الساحر القتل، روي ذلك عن عمر، وعثمان بن عفان، وابن عمر، وحفصة، وجندب بن عبد الله، وجندب بن كعب، وقيس بن سعد، وعمر بن عبد العزيز، وهو قول أبي حنيفة، ومالك، ولم ير الشافعي عليه القتل بمجرد السحر، وهو قول ابن المنذر، ورواية عن أحمد، وقد احتج ابن قدامة بما يأتي:
فعن بجالة قال: «كنت كاتبا لجزء بن معاوية، عم الأحنف بن قيس، إذ جاءنا كتاب عمر قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر، فقتلنا ثلاث سواحر في يوم»[28].
وهذا اشتهر فلم ينكر، فكان إجماعا. وفي مصنف ابن أبي شيبة عن ابن عمر - رضي الله عنهما: "أن جارية لحفصة سحرتها، ووجدوا سحرها، واعترفت به، فأمرت عبد الرحمن بن زيد فقتلها، فبلغ ذلك عثمان فأنكره واشتد عليه، فأتاه ابن عمر فأخبره أنها سحرتها واعترفت به، ووجدوا سحرها، فكأن عثمان إنما أنكر ذلك، لأنها قتلت بغير إذنه"[29].
وقد أخرج الطبراني في معجمه الكبير عن أبي عثمان النهدي: "أن ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة، فكان يأخذ السيف ويذبح نفسه ويعمل كذا ولا يضره، فقام جندب إلى السيف فأخذه فضرب عنقه، ثم قرأ: )أفتأتون السحر وأنتم تبصرون (3)( (الأنبياء)"[30][31].
وهذه أدلة الذين ذهبوا إلى إقامة الحد على الساحر، أما الذين لم يروا إقامة الحد على الساحر، فاستدلوا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم الحد على لبيد بن الأعصم الذي سحره، وكذلك استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله»[32].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمفارق لدينه التارك للجماعة»[33].
كما استدلوا على رأيهم هذا بما قصه الله علينا من خبر سحرة فرعون، وكيف أنهم صاروا من أوليائه تعالى في ساعة من نهار.
أما ما استدلوا به من كون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقم الحد على لبيد بن الأعصم فذلك من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام القرطبي: لا حجة على مالك من هذه القصة؛ لأن ترك قتل لبيد بن الأعصم كان لخشية أن يثير بسبب قتله فتنة، أو لئلا ينفر الناس عن الدخول في الإسلام، وهو من جنس ما راعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - من منع قتل المنافقين حيث قال:«لا يتحدث الناس من أن محمدا يقتل أصحابه»[34][35].
وقد ذهب إلى ذلك الإمام الشوكاني؛ حيث قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتل من سحره، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ترك إخراج ما سحر فيه من البئر لمخافة الفتنة، فبالأولى تركه لقتل الساحر، فإن الفتنة في ذلك أعظم وأشد"[36].
ومن ثم فإن العلة في الترك تقوى هنا في هذه القصة؛ لأن سبب المؤاخذة ليس أمرا ظاهرا يعلمه كل أحد، فلو أخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك وقتله، لقال الناس من المشركين والمنافقين في ذلك مقالاتهم، ولكان ذلك سببا للصد عن دين الله تعالى، فلهذا ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - لبيدا ولم يقتله، وهذا من وفور عقله، وعظيم فطنته، ورحمته، وحرصه على دخول الناس في دين الله أجمعين، وقد يضاف إلى هذه العلة ما كان يخشاه - صلى الله عليه وسلم - من إثارة الفتنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «فكرهت أن أثير على الناس فيه شرا»، فإنه إذا أقبل على قتل ذلك اليهودي، لأوشك أن يغضب له قومه، فتثور بذلك فتنة، كما حدث في حديث الإفك الطويل"[37].
أما استدلاهم بقوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس...» الحديث، فهذا لا دليل لهم فيه؛ لأن وجود هذا الاستثناء "إلا بحقه" قيد لابد منه، فكل من كان من حق الإسلام وجب أن يكون داخلا تحت هذا الاستثناء خارجا عن هذين الأصلين، عصمة الدماء وعصمة الأموال، وإلا لو كان الأمر كذلك لما جاز قتل المرتد أو الزاني المحصن.
قال الحافظ ابن حجر: "عن الضمير في قوله "إلا بحقه" للإسلام، فمهما يثبت من حق الإسلام تناوله، ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة"[38][39].
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم...»الحديث. فهذا لا ينفي إقامة الحد على الساحر؛ لأنه كافر كما دل القرآن الكريم، والسنة النبوية، وإجماع العلماء على ذلك، يقول الإمام النووي: "وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «والتارك لدينه المفارق للجماعة»فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام، قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أو غيرهما... واعلم: أن هذا عام يخص منه الصائل ونحوه، فيباح قتله في الدفع، وقد يجاب عن هذا بأنه داخل في المفارق للجماعة، أو يكون المراد لا يحل تعمد قتله قصدا إلا هذه الثلاث"[40].
"وقال القرطبي في المفهم: ظاهر قوله «المفارق للجماعة» أنه نعت للتارك لدينه؛ لأنه إذا ارتد فارق جماعة المسلمين، غير أنه يلتحق به كل من خرج عن جماعة المسلمين، وإن لم يرتد، كمن يمتنع من إقامة الحد عليه إذا وجب، ويقاتل على ذلك كأهل البغي، وقطاع الطريق، والمحاربين من الخوارج وغيرهم، قال: فيتناولهم لفظ «المفارق للجماعة» بطريق العموم، ولو لم يكن كذلك لم يصح الحصر؛ لأنه يلزم أن ينفي من ذكر ودمه حلال، فلا يصح الحصر، وكلام الشارع منزه عن ذلك، فدل على أن وصف المفارقة للجماعة يعم جميع هؤلاء"[41].
وأكد الحافظ ابن حجر هذا الكلام بقوله: "والمراد بالجماعة جماعة المسلمين؛ أي فارقهم أو تركهم بالارتداد، فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلة، وإلا لكانت الخصال أربعا، وهو كقوله قبل ذلك:«مسلم يشهد أن لا إله إلا الله»، فإنها صفة مفسرة لقوله «مسلم» وليست قيدا إذ لا يكون مسلما إلا بذلك"[42].
وبناء على ما سبق "فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - خص هذه الثلاث؛ لأن عامة أسباب القتل إنما ترجع إليها، فكل من ثبت القتل في حقه مما لا يندرج تحت هذه الثلاث انضاف إليها، على أن الساحر كافر كما قدمنا - فهو داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "التارك لدينه المفارق للجماعة"[43].
أما استدلالهم بما قصه الله من خبر سحرة فرعون، وأنهم صاروا من أوليائه في ساعة من نهار بعد أن كانوا سحرة كفارا، وذلك في قوله تعالى: )فألقي السحرة سجدا قالوا آمنا برب هارون وموسى (70) قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر( (طه:70:71).
"إن هؤلاء كانوا كفرة أصليين انتقلوا من الكفر إلى الإيمان، وذلك لما علموا أن ما جاء به موسى - عليه السلام - لم يكن من قبيل السحر، وإنما كان معجزة وآية من الله تعالى له، فقبل الله تعالى منهم وتاب عليهم، فأين موضع الحجة من هذا؟ وما هو وجه الاستدلال؟"[44].
يقول الإمام القرطبي في تفسير الآية: "أي صدقنا بالله وحده لا شريك له، وما جاءنا به موسى عليه السلام )ليغفر لنا خطايانا( (طه:٧٣) يريدون الشرك الذي كانوا عليه، وقيل: )ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر( (طه: ٧٣)"[45].
إن هؤلاء السحرة كانوا تبعا لفرعون وخدما له، ثم إنه اختارهم لمواجهة موسى - عليه السلام - فمن كان سيقيم عليهم الحد؟! أيقيمه عليهم موسى - صلى الله عليه وسلم - الذي جاء يدعو فرعون وقومه لعبادة الله وحده، ولم يكن في الأرض من الموحدين إلا عدد قليل من بني إسرائيل المستضعفين في الأرض؟
وبهذا يتبين لنا أنه لا حجة لهم في هذه الآية وغيرها، لما دلت عليه النصوص من ضرورة إقامة الحد على الساحر؛ وذلك لأنه لا يتصور بحال أن رجلا من أكابر أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كعمر يأمر بقتل الساحر من عند نفسه، أو أن يقتل جندب ساحرا لمجرد رأيه، أو يقول بذلك عبد الله بن عمر، على ما هو معلوم عنه من شدة اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، من غير أن يكون هذا من هديه - صلى الله عليه وسلم - وحكمه في الساحر، على ما يعلم هؤلاء جميعا من حرمة دماء المسلمين وأنها محظورة، ولا تستباح إلا بيقين لا مرية فيه[46].

إنكار حديث "الجساسة
مضمون الشبهة
ينكر بعض المغرضين حديث "الجساسة"[1] الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، والذي جاء فيه أن الصحابي تميم الداري قد ركب سفينة في البحر مع ثلاثين من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم ألجأهم إلى جزيرة، فنزلوا فيها، وقابلوا هناك دابة غريبة الهيئة، تسمى الجساسة، التي بدورها دلتهم إلى رجل داخل الجزيرة يريد أن يقابلهم، ألا وهو المسيح الدجال، ودار بينهم حديث طويل...
ويستدلون على إنكار هذا الحديث بأن في رواته الشعبي، وهو يروي كثيرا عن الصحابة الذين لم يرهم ولم يسمع منهم، كما يزعمون أن الحديث ما هو إلا من مسيحيات تميم الداري التي نقلها من المسيحية.
كما أن الرواية فيها تصديق النبي - صلى الله عليه وسلم - لتميم الداري، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرا ما كان يصدق المنافقين والكفار في أحاديثهم، والمعلوم أن هذا ليس أمرا من أمور الدين التي يعصم الأنبياء من تصديق الكاذب فيها.
وقد ساقوا هذه الأدلة؛ هادفين من وراء ذلك إلى إنكار هذا الحديث الصحيح، وتشكيك المسلمين فيما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وجوه إبطال الشبهة:
1) لقد اتفق على صحة "حديث الجساسة" جمع كبير من علماء الأمة، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، كما أخرجه غيره من أصحاب السنن والمسانيد.

وقد روى هذا الحديث - غير فاطمة بنت قيس - أبو هريرة، وعائشة، وجابر رضي الله عنهم، كما أن الإمام الشعبي لم ينفرد بروايته عنها، فلقد تابعه في ذلك أبو سلمة، ويحيى بن يعمر وغيرهما.

2) لقد اتفق جل العلماء من الفقهاء والمحدثين على توثيق الإمام الشعبي والثناء عليه ثناء بالغا، لدرجة أنهم اعتبروا مرسله عن الصحابة صحيحا، لأنه سمع عن كثير منهم.

3) لقد شهد بفضل تميم الداري - رضي الله عنه - وصلاحه وتقواه الصحابة - رضي الله عنهم - ومن جاء بعدهم؛ مما ينفي عنه مظنة الكذب والدس في الدين.

4) مما لا شك فيه أن حديث الجساسة من أمور الغيب التي هي أصل من أصول الدين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - معصوم من تصديق الكاذب فيها.

التفصيل:
أولا. حديث الجساسة حديث صحيح، فقد رواه الإمام مسلم في صحيحه، كما رواه أصحاب السنن والمسانيد بطرق أخرى غير طريق الشعبي:
لقد أورد الإمام مسلم في صحيحه حديثا ذاع واشتهر بحديث الجساسة، والذي رواه من طريق الحسين بن ذكوان، عن ابن بريدة قال: «حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان؛ أنه سأل فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول؛ فقال: "حدثيني حديثا سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. لا تسنديه إلى أحد غيره، فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل، حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة... إلى أن قالت: فخرجت إلى المسجد. فصليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاته جلس على المنبر وهو يضحك، فقال: ليلزم كل إنسان مصلاه، ثم قال: أتدرون لم جمعتكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة. ولكن جمعتكم؛ لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال، حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهرا في البحر، ثم أرفئوا[2] إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة، فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم! انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير؛ فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلا فرقنا[3] منها أن تكون شيطانة، قال: فانطلقنا سراعا حتى دخلنا الدير، فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقا، وأشده وثاقا، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد، قلنا: ويلك! ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري، فأخبروني ما أنتم؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية، فصادفنا البحر حين اغتلم[4]، فلعب بنا الموج شهرا، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه فجلسنا في أقربها، فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر. فقلنا: ويلك! ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعا، وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة، فقال: أخبروني عن نخل بيسان، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر؟ قلنا له: نعم، قال: أما إنه يوشك ألا تثمر. قال: أخبروني عن بحيرة الطبرية، قلنا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء، قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب، قال: أخبروني عن عين زغر[5]، قالوا: عن أي شأنها تستخبر؟ قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين؟ قلنا له: نعم، هي كثيرة الماء، وأهلها يزرعون من مائها، قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب، قال: أقاتله العرب؟ قلنا: نعم، قال: كيف صنع بهم؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه، قال لهم: قد كان ذلك؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وإني مخبركم عني؛ إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج، فأخرج، فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة، فهما محرمتان علي - كلتاهما - كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحدا منهما، استقبلني ملك بيده السيف صلتا[6] يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعن بمخصرته[7] في المنبر: هذه طيبة، هذه طيبة، هذه طيبة - يعني المدينة - ألا هل كنت حدثتكم ذلك؟ فقال الناس: نعم. فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة. ألا إنه في بحر الشام، أو بحر اليمن، لا، بل من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، من قبل المشرق ما هو، وأومأ بيده إلى المشرق. قالت: فحفظت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم»[8].
ويكفي للحكم بصحة الحديث وروده في صحيح مسلم؛ الذي أجمعت الأمة على صحة كل ما ورد فيه، يقول الشيخ أحمد شاكر: "الحق الذي لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين، أو ممن اهتدى بهديهم وتبعهم على بصيرة من الأمر - أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها، ليس في واحد منها مطعن أو ضعف"[9].
بالإضافة إلى ذلك فلم يتفرد الشعبي برواية حديث الجساسة، بل قد تابعه في روايته أبو سلمة في روايات كثيرة، من ذلك ما أورده أبو داود في سننه، قال: "حدثنا النفيلي، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة بنت قيس: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال...»[10] الحديث.
وإضافة لما سبق فقد روى الحديث - غير فاطمة بنت قيس - أبو هريرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم.
يقول الحافظ ابن حجر: "وقد توهم بعضهم أنه غريب - يقصد حديث الجساسة - فرده، وليس كذلك؛ فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر، أما أبو هريرة فأخرجه أحمد من رواية عامر الشعبي عن المحرز بن أبي هريرة عن أبيه بطوله... وأما حديث عائشة فهو في الرواية المذكورة عن الشعبي قال: "ثم لقيت القاسم بن محمد، فقال: أشهد على عائشة حدثتني بما حدثتك فاطمة بنت قيس"[11][12]، وأما حديث جابر فأخرجه أبو يعلى الموصلي بسنده قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا محمد بن فضيل، حدثنا الوليد بن جميع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على المنبر، فقال:... "[13] وذكر الحديث.
وبالإضافة لما سبق فقد ذكر أهل العلم حديث الجساسة في كتبهم، بل وحكموا عليه بالصحة، ومن ذلك ما يلي:
قال ابن الأثير في "أسد الغابة" عن تميم بن أوس: "حدث عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الجساسة، وهو حديث صحيح"[14].
وقال ابن عبد البر في الاستذكار: "ثابت صحيح من جهة الإسناد والنقل"[15].
ونخلص مما سبق إلى أن حديث الجساسة صحيح لا مطعن فيه ولا مغمز؛ فقد رواه غير الشعبي عن فاطمة بنت قيس - أبو سلمة ويحيى بن يعمر، كما رواه غير فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم، والحديث أخرجه مسلم، وأحمد، وأبو يعلى وأصحاب السنن.
ثانيا. توثيق علماء الحديث للشعبي والثناء عليه:
لقد اتفق جل العلماء - من المحدثين والفقهاء - على توثيق الإمام الشعبي والثناء عليه:
فقد أورد ابن سعد في طبقاته: "عن مكحول قال: ما رأيت أحدا أعلم بسنة ماضية من الشعبي"[16].
وذكره أبو نعيم الأصفهاني في "الحلية" فقال:
"حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا منجاب بن الحارث، حدثنا علي بن مسهر عن أشعب بن سوار، عن ابن سيرين، قال: قدمت الكوفة وللشعبي حلقة عظيمة، وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ كثير...
وعن عاصم بن سليمان، قال: ما رأيت أحدا أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والآفاق من الشعبي"[17].
وقال الخطيب البغدادي في تاريخه: قال ابن عينية: "علماء الناس ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه"[18].
وقد قال الحافظ المزي في تهذيبه: "قال أشعث بن سوار: نعى لنا الحسن الشعبي، فقال: كان والله كبير العلم، عظيم الحلم، قديم السلم، من الإسلام بمكان...
وقال سعيد بن عبد العزيز، عن مكحول: ما رأيت أفقه من الشعبي.
وقال إسحاق بن منصور، عن يحيى بن معين، وأبو زرعة، وغير واحد: الشعبي ثقة.
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: إذا حدث الشعبي عن رجل فسماه، فهو ثقة يحتج بحديثه.
وقال أحمد بن عبد الله العجلي: سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم... ومرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحا"[19].
وذكره الذهبي في (السير) فقال: الشعبي: عامر بن شراحبيل بن عبد بن ذي كبار؛ قيل[20] من أقيال اليمن، الإمام، علامة العصر.
وقال عنه أيضا: سمع من عدة من كبراء الصحابة، وحدث عن سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن زيد، وأبي موسى الأشعري، وعدي بن حاتم، وأسامة بن زيد، وأبي مسعود البدري، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وعائشة، وجابر بن سمرة، وابن عمر..."[21] ذكر منهم خمسين، ومنهم فاطمة بنت قيس التي روت حديث الجساسة.
"قال علي بن القاسم عن أبي بكر الهذلي قال لي ابن سيرين: الزم الشعبي، فلقد رأيته يستفتى وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوافرون...
وذكر ابن فضيل، عن ابن شبرمة: سمعت الشعبي يقول: ما كتبت سوداء في بيضاء إلي يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي... وقال ابن عيينة، عن داود بن أبي هند، قال: ما جالست أحدا أعلم من الشعبي...
وقال أبو عاصم، عن ابن عون قال: كان الشعبي إذا جاءه شيء اتقاه"[22]، وهذا يدل على مدى تحريه ودقته البالغة.
وقد ساق الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" نقولا كثيرة للعلماء في توثيق الشعبي، منها قول أبي إسحاق الحبال: كان واحد زمانه في فنون العلم[23].
وعليه فقد تأكد لنا بعد سوق كل هذه الأقوال لأهل العلم والحديث في بيان علم الشعبي ومكانته المرموقة في مجال الرواية وغيرها من فنون العلم المتعددة - بطلان ما يدعيه هؤلاء المغرضون في شأنه.
ثالثا. مكانة تميم الداري - رضي الله عنه - الدينية بين الصحابة:
لقد شهد بفضل تميم الداري - رضي الله عنه - وصلاحه وتقواه الصحابة y ومن جاء بعدهم:
فقد ذكر ابن سعد في طبقاته، قال: "أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد، قال: أخبرنا عاصم الأحول، قال: حدثنا محمد بن سيرين قال: كان تميم الداري يقرأ القرآن في ركعة".
وقال أيضا: "أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، قال: أخبرنا خالج الحزاء، عن أبي قلابة، قال: كان تميم الداري يختم القرآن في سبع ليال"[24].
وذكر الحافظ المزي في "تهذيب الكمال": "روى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث الجساسة، وهي منقبة شريفة جدا، ويدخل ذلك في رواية الأكابر عن الأصاغر"[25].
قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" في ترجمة تميم رضي الله عنه: "مشهور في الصحابة، كان نصرانيا وقدم المدينة فأسلم، وذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - قصة الجساسة والدجال، فحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه بذلك، وعد ذلك من مناقبه".
ثم نقل عن أبي نعيم أنه قال: كان راهب أهل فلسطين، وعابد أهل فلسطين، وهو أول من أسرج السراج في المسجد... وكان كثير التهجد بالليل، قام ليلة بآية حتى أصبح، وهي قوله تعالى: )أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم( (الجاثية: ٢١)[26].
ومن مناقبه ما ذكره في "الإصابة" أيضا قال: "أخرج البغوي من طريق الجريري، عن أبي العلاء، عن معاوية بن حرمل: قدمت على عمر فقلت: يا أمير المؤمنين، تائب من قبل أن يقدر علي، فقال: من أنت؟ فقلت: معاوية بن حرمل، ختن مسيلمة - أي صهره - قال: اذهب فانزل على خير أهل المدينة، قال: فنزلت على تميم الداري، فبينا نحن نتحدث إذ خرجت نار بالحرة، فجاء عمر إلى تميم فقال: يا تميم اخرج، فقال: وما أنا؟ وما تخشى أن يبلغ من أمري؟ فصغر نفسه، ثم قام فحاشها حتى أدخلها الباب الذي خرجت منه، ثم اقتحم في أثرها، ثم خرج فلم تضره"[27].
ومما لا شك فيه أن لعمر بن الخطاب مكانة عالية ومعرفة بالرجال عظيمة، فهو العبقري الملهم المحدث الذي لا يخفى عليه حال تميم ومنزلته من الصلاح والاستقامة والإخلاص، وهو القائل: "لست بالخب[28]، والخب لا يخدعني"، فكيف تتقبل العقول أن يرمى مثل هذا بالكذب والدس والإفساد في الدين؟![29].
وذكر الزركلي في "الأعلام" بعض فضائله، ومنها قوله: "روي له البخاري ومسلم ثمانية عشر حديثا"[30]، وهذا يدل على ثقته عندهما، فلو كان متهما بشيء ما رووا عنه.
ومن ثم فقولهم: إن الحديث من مسيحيات الصحابي تميم الداري قول باطل لا يصح، كما أنه لا يستند إلى دليل يدعمه؛ فضلا عن أن الصحابي تميم الداري قد أسلم وحسن إسلامه، وشهد له كثير من الصحابة بالفضل والصلاح والتقوى.
فهل يعقل بعد هذا كله أن يتهم هذا الصحابي الجليل التقي بالكذب والدس وإثارة الفتن في الدين؟!!
رابعا. حديث الجساسة من أمور الغيب التي عصم النبي - صلى الله عليه وسلم - من تصديق الكاذب فيها:
مما لا شك فيه أن حديث الجساسة والدجال من أمور الدين الغيبية، وليس من أمور الدنيا - كما يدعي مثيرو الشبهة - يقول الدكتور أبو شهبة: "قد حدث به - يعني حديث الجساسة - النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر في جمع من الصحابة، واعتبره موافقا لما كان يحدثهم به عن المسيح الدجال وغيره من أشراط الساعة الكبرى، فكيف يكون هذا من أشراط الساعة ولا يكون من أمور الدين؟!" [31].
وهم يتساءلون كيف يكون هذا أمرا غيبيا وقد علمه تميم؟!
وللإجابة عن هذا يقول المعلمي اليماني: والحكمة في كشف الله تعالى لتميم وأصحابه عما كشف لهم عنه أن يخبروا بذلك، فيكون موافقا لما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر به، فيزداد المسلمون وثوقا به، وهذا بين في الحديث، إذ قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد ذكره لتميم: «وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن المسيح الدجال... ثم قال: ألا هل كنت حدثتكم بذلك؟. فقال الناس: نعم. فقال: فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه، وعن المدينة ومكة»[32][33].
وفي هذا رد على قولهم: أن هذا الحديث لا يدخل تحت السنة التقريرية.
قال الحافظ ابن حجر في "الفتح": " وقد اتفقوا على تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لما يفعل بحضرته، أو يقال ويطلع عليه بغير إنكار دال على الجواز، لأن العصمة تنفي عنه ما يتحمل في حق غيره مما يترتب عليه الإنكار فلا يقر على باطل"[34].
وبهذا يتبين أن حديث الجساسة أو الدجال من أمور الدين الغيبية، وهذه الأمور يعصم الأنبياء عن تصديق الكاذب فيها، فلو كان هذا الحديث كاذبا لما سكت الوحي عن بيان الحق فيما أخبر به، كما حدث في كثير من الأحيان حينما كان المنافقون وأضرابهم يقولون خلاف ما يبطنون فينزل الوحي فاضحا لهم ومبينا كذبهم[35].
وهذا يدفعنا إلى أن ننفي عنه - صلى الله عليه وسلم - الافتراء بأنه كثيرا ما كان يصدق المنافقين والكفار في أحاديثهم.
يقول المعلمي اليماني: "لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدق كاذبا"[36]، ويؤكد هذا قوله تعالى: )ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم (61)((التوبة).
قال الألوسي في تفسيرها: "إن المراد أنه - صلى الله عليه وسلم - يسمع قول المؤمنين الخلص ويصدقهم، ولا يصدق المنافقين وإن سمع قولهم"[37].
وبهذا تدفع شبه المغرضين، وتبقى الأحاديث النبوية الصحيحة نائية عن أي تحريف أو تشكيك.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى