مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* دعوى تعارض حديث "إذا أنا مت فأحرقوني" - أثر الإيمان بالقيم الأخلاقية على الدول الأوربية

اذهب الى الأسفل

* دعوى تعارض حديث "إذا أنا مت فأحرقوني" -   أثر الإيمان بالقيم الأخلاقية على الدول الأوربية Empty * دعوى تعارض حديث "إذا أنا مت فأحرقوني" - أثر الإيمان بالقيم الأخلاقية على الدول الأوربية

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 8:04 am

مضمون الشبهة:
يدعي بعض المشككين تعارض السنة مع ما علم من الدين بالضرورة، ويستدلون على ذلك بحديث الرجل الذي قال لبنيه:«... إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم اذروني في الريح في البحر، فو الله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه به أحدا. قال: ففعلوا ذلك به. فقال للأرض: أدي ما أخذت. فإذا هو قائم. فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: خشيتك يارب - أو قال - مخافتك؛ فغفر له بذلك».
ويرون أن الرجل قد وقع في الكفر الصريح بشكه في قدرة الله - عز وجل - على إعادة الأبدان وإن تفرقت. فكيف يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد سرد هذه القصة: «فغفر له»؟ وكيف يغفر الله تعالى للكافر، وهو الذي يقول: )والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور (36)( (فاطر)
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة الثابتة الصحيحة.
وجه إبطال الشبهة:
·   إن من جهل صفة من صفات الله تعالى، وآمن بسائر صفاته، وعرفها لم يكن - بجهله لبعض صفات الله تعالى - كافرا، والرجل المذكور في الحديث إنما شك - جاهلا - في طلاقة قدرة الله - عز وجل - لذلك فهو معذور بجهله، وليس كل من وقع في شيء منالكفر وقع الكفر عليه.
التفصيل:
لقد عد قوم من الناس هذا الحديث من الحديث المشكل، فظاهره أن الرجل كان شاكا في قدرة الله؛ لأنه قال: لئن قدر علي ربي، والشك في قدرة الله كفر، ولا يغفر الله لكافر.
وعلى هذا رد هؤلاء الحديث بدعوى تعارضه مع القرآن وثوابت الدين.
والحق أن ما حدث في هذا الحديث من خلاف، ليس في الأخذ به أو رده؛ وإنما في طريقة فهمه، فالحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقد رواه أصحاب الصحاح والمسانيد عن عدد كبير من الصحابة، فلا سبيل لرفضه أو رده.
لقد فهم هؤلاء أن الحديث متعارض مع آيات القرآن التي تقول بأن الكافر لا يغفر له، بيد أن الحديث مشكل في لفظه فقط, أما معناه فيدل على أن الرجل في صنيعه هذا كان جاهلا بطلاقة قدرة الله - عز وجل - ومع ذلك كان مؤمنا بالبعث والحساب، والثواب والعقاب، تدل على ذلك روايات الحديث:
فقد روى البحاري بسنده عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجل يسرف على نفسه، فلما حضره الموت قال لبنيه: إذا أنا مت فأحرقوني، ثم اطحنوني، ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك، فأمر الله الأرض، فقال: اجمعي ما فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك. فغفر له»[1].
وروى البخاري بسنده عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«قال رجل - لم يعمل خيرا قط - إذا مات فحرقوه واذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: لم فعلت؟ قال: من خشيتك وأنت أعلم، فغفر له»[2].
وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - «أنه ذكر رجلا فيمن سلف - أو فيمن كان قبلكم - قال كلمة يعني أعطاه الله مالا وولدا، فلما حضرت الوفاة قال لبنيه: أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فإنه لم يبتئز - أو لم يبتئر[3] - عند الله خيرا، وإن يقدر الله عليه يعذبه، فانظروا إذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني - أو قال فاسحكوني - فإذا كان يوم ريح عاصف فأذروني فيها. فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ مواثيقهم على ذلك، وربي ففعلوا، ثم أذروه في يوم عاصف، فقال الله عز وجل: كن، فإذا هو رجل قائم. قال الله: أي عبدي ما حملك على أن فعلت ما فعلت؟ قال: مخافتك - أو فرق منك - قال: فما تلافاه أن رحمه عندها، وقال مرة أخرى: فما تلافاه غيرها فحدثت به أبا عثمان فقال: سمعت هذا من سلمان غير أنه زاد فيه: أذروني في البحر أو كما حدث»[4].
وعن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان رجل ممن كان قبلكم يسيء الظن بعمله، فقال لأهله: إذا أنا مت فخذوني فذروني في البحر في يوم صائف. ففعلوا به، فجمعه الله ثم قال: ما حملك على الذي صنعت؟ قال: ما حملني عليه إلا مخافتك. فغفر له»[5].
فالحديث إذن حديث صحيح وثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل في أعلى درجات الصحة، ولا مجال للطعن في سنده كما يبدو من روايات الحديث أن الرجل مؤمن بوجود الله - عز وجل - ومؤمن بأن الله يبعث من في القبور، وأنه سيحاسبهم يوم القيامة، فريق في الجنة وفريق في السعير.
فهو مؤمن بهذا كله، لكن الجهل الذي وقع فيه هو أنه ظن أن قدرة الله لها حد محدود، وهذا الحد المحدود مع عظمه واتساعه وشموله إلا أن وراء هذا الحد شيء أو مجال لا تدخل القدرة فيه، ومن هذا المجال هذا اللحم الذي أكلته النار، وهذا العظم الذي طارت به الريح واختلط بذرات الماء فوق سطح بحر متلاطم الأمواج.
وقصارى ما يمكن أن نأخذه على هذا الرجل أنه ما قدر الله حق قدره[6]، لقد قرر علماء الإسلام أن الإنسان إذا أخطأ في بعض صفات الله جاهلا فإنه لا يعد بهذا الخطأ كافرا.
قال ابن عبد البر: "إن هذا الرجل قد شك في قدرة الله تعالى على جمعه بعد تحريقه وطحنه وتفرق أجزائه، كما شك في إحيائه وبعثه بعد ذلك، لكنه كان جاهلا، ومن جهل صفة من صفات الله تعالى وآمن بسائر صفاته وعرفها لم يكن - بجهله بعض صفات الله - كافرا، قالوا: إنما الكافر من عاند الحق لا من جهله، وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين"[7].
وقال ابن قتيبة: "هذا رجل مؤمن بالله، مقر به، خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته، فظن أن إذا أحرق، وذري به في الريح، أن يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له - بمعرفته تأنيبه، وبمخافته من عذابه - جهله بهذه الصفة من صفاته، وقد يغلط في صفات الله تعالى قوم من المسلمين ولا يحكم عليهم بالنار، بل ترجأ أمورهم إلى من هو أعلم بهم وبنياتهم"([8]).
وقال الخطابي: "وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يغفر له وهو منكر للبعث، والقدرة على إحيائه وإنشاره؟! فيقال: إنه ليس بمنكر للبعث إنما هو رجل جاهل ظن أنه إذا فعل به هذا الصنيع ترك فلم ينشر ولم يعذب. ألا تراه يقول: فجمعه. فقال: لم فعلت ذلك؟ فقال: من خشيتك، فقد تبين أنه رجل مؤمن بالله، فعل ما فعل من خشية الله إذا بعثه إلا أنه جهل، فحسب أن هذه الحيلة تنجيه مما يخافه"([9]) هذا، وقد استدل ابن حزم على عدم كفر هذا الرجل بجهله وعدم قيام الحجة عليه، بقوله: "وبرهان ضروري لا خلاف فيه وهو أن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحد منهم وهو أن كل من بدل آية من القرآن عامدا، وهو يدري أنها في المصاحف بخلاف ذلك، أو أسقط كلمة عمدا كذلك، أو زاد فيها كلمة عامدا، فإنه كافر بإجماع الأمة كلها، ثم إن المرء يخطئ في التلاوة، فيزيد كلمة وينقص أخرى، ويبدل كلامه جاهلا، مقدرا أنه مصيب ويكابر في ذلك ويناظر قبل أن يتبين له الحق، ولا يكون بذلك عند أحد من الأمة كافرا ولا فاسقا ولا آثما، فإذا وقف على المصاحف، أو أخبره بذلك من القراء من تقوم الحجة بخبره، فإن تمادى على خطئه فهو عند الأمة كلها كافر بذلك لا محالة، وهذا هو الحكم الجاري في جميع الديانة"[10].
أما شيخ الإسلام ابن تيمية فقد جعل نظير هذا الحديث ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى، قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها عندي، انقلب فوضع رداءه، وخلع نعليه، فوضعهما عند رجليه، وبسط طرف إزاره على فراشه، فاضطجع، فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدا، وانتعل رويدا، وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدا، فجعلت درعي في رأسي واختمرت، وتقنعت إزاري، ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع فقام، فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، فأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فدخلت، فليس إلا أن اضطجعت فدخل، فقال:" ما لك يا عائش؟ حشيا رابية[11]!" قالت: قلت: لا شيء، قال: "لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير"، قالت: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! فأخبرته، قال: "فأنت السواد الذي رأيت أمامي؟" قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال: "أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله؟" قالت: مهما يكتم الناس يعلمه الله؛ نعم، قال: "فإن جبريل - عليه السلام - أتاني حين رأيت فناداني، فأخفاه منك، فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك، وظننت أن قد رقدت. فكرهت أن أوقظك، وخشيت أن تستوحشي، فقال: إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم" قالت: قلت كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال: "قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون»[12].
قال ابن تيمية معلقا على هذا الحديث: "فهذه عائشة أم المؤمنين سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - «هل يعلم الله كل ما يكتم الناس؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: نعم»، وهذا يدل على أنها لم تكن تعلم ذلك، ولم تكن قبل معرفتها بأن الله عالم بكل شيء يكتمه الناس كافرة، وإن كان الإقرار بذلك بعد قيام الحجة من أصول الإيمان، وإنكار علمه بكل شيء كإنكار قدرته على كل شيء، هذا مع أنها كانت ممن يستحق اللوم على الذنب، ولهذا لهزها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال:«أتخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟» وهذا الأصل مبسوط في غير هذا الموضع.
فقد تبين أن هذا القول كفر، ولكن تكفير قائله لا يحكم به حتى يكون قد بلغه من العلم ما تقوم به عليه الحجة التي يكفر تاركها، فكانت السيدة عائشة جاهلة بمعنى "علم الله" فلم تكفر لذلك. وأيضا الرجل، فهو جاهل بمعنى "قدرة الله" فلا يوجب جهله تكفيره، فكان هذا دليلا على إيمانه[13].
ولكن، إذا كان الرجل قد شك في قدرة الله تعالى جاهلا، فهذا لا يعني أنه كان جاهلا بصفة القدرة مطلقا - جملة وتفصيلا - فهذا بعيد لدلالة الشرع والعقل عليه، فهو مؤمن بمطلق القدرة، لكنه جاهل بقدرة الله المطلقة، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه ما شاء كان، وأنه على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئا قال له: كن فيكون؛ ولذا لم يقل مثلا: إذا مت فادفنوني؛ لأنه يعلم أن الله قادر عليه حينئذ.
ومثل هذا يقال في البعث، فهو لم ينكر البعث مطلقا، وإنما شك في قدرة الله على بعثه وهو على هذه الحال؛ ولذا لم يترك أولاده بدون وصية؛ لأنه يعلم أن مصيره حينئذ إلى البعث والحساب، فهرب من هذا بهذه الوصية، خشية من الله تعالى.
والحاصل أن هذا الرجل عنده إيمان مجمل بقدرة الله تعالى، لكنه شك في بعض متعلقاتها لجهله بها، ومن أطلق القول بجهله - من أهل العلم - فهذا مراده"[14].
وجملة القول، أن الرجل المذكور في الحديث كان جاهلا بطلاقة قدرة الله - عز وجل - ولكنه كان مؤمنا بوحدانية الله - عز وجل - ومما يدل على أنه كان من أهل التوحيد ما رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن مسعود، «أن رجلا لم يعمل من الخير شيئا قط إلا التوحيد، فلما حضرته الوفاة قال لأهله: إذ أنا مت فخذوني، وأحرقوني حتى تدعوني حممة، ثم اطحنوني ثم اذروني في البحر في يوم راح، قال: ففعلوا به ذلك، قال: فإذا هو في قبضة الله، قال: فقال الله - عز وجل - له: ما حملك على ما صنعت؟ قال: مخافتك، قال: فغفر الله له»[15].
كما أن الحديث يدل على إسلام الرجل وإيمانه بالله، وذلك لما جاء فيه من أنه فعل ذلك خشية من الله تعالى، والكافر لا يخشى الله عز وجل.
قال ابن عبد البر: "والدليل على أن الرجل كان مؤمنا: قوله حين قيل له: لم فعلت هذا؟ فقال: من خشيتك يا رب. والخشية لا تكون إلا لمؤمن مصدق، بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم، كما قال الله عز وجل: "إنما يخشى الله من عباده العلماء"[16]، فكانت خشيته من الله - عز وجل - دليلا آخر على إيمانه وليس كفره.
إن الإشكال الوارد في الحديث، والذي على أساسه رد هؤلاء الحديث يزول إذا عرفنا أن الحديث يدل على أصلين عظيمين:
الأصل الأول: العذر بالجهل، فمن جهل صفة من صفات الله تعالى، فأنكرها أو شك فيها؛ فإنه لا يحكم بكفره لمجرد ذلك حتى تقام عليه الحجة.
قال ابن عبد البر: "وأما جهل هذا الرجل المذكور في هذا الحديث بصفة من صفات الله في علمه وقدره، فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب، وعمران بن حصين، وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القدر، ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا في حين سؤالهم عنه غير مؤمنين"[17].
إن أغلب الناس لا يعرف دليل البعث إلا من الشرع، ولا يعرفه من العقل، فالبعث عند هذا الصنف من الأمور السمعية النقلية لا الأمور العقلية. فلا تقوم الحجة عليه إلا بأن يطلع على السمعي القائل بذلك، أما إذا جهل السمعي وأنكره بناء على جهله، فلا تقوم عليه حجة.
"وهذا الرجل ما كان عالما بدلائل البعث الشرعية، ولم يعرفه بعقله؛ فشك فيه جاهلا، فكان معذورا. ومثل هذا من شك في بعض أحوال الآخرة، وأهوال القيامة، وصفات الجنة والنار؛ لأنه لم يعرف دليلها النقلي، فمن شك في عدد أبواب النار - أعاذنا الله منها - لأنه لم يعلم الآية التي ذكرت عددها، أو شك في الصراط وفي صفته لم يكفر، ولا خلاف في ذلك"[18].
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الكلام بقوله: "وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة التي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر، ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام فأنكر شيئا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة، فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول"[19].
وأما الأصل الثاني: فهو التفريق بين التكفير المطلق والتكفير المعين.
"الشك في قدرة الله تعالى أو المعاد كفر لا ريب فيه، لكن لا يوجه إلى شخص معين حتى تقام عليه الحجة، فتتوفر فيه الشروط وتنتفي عنه الموانع، فهذا الرجل مع شكه في القدرة والمعاد لم يحكم بكفره؛ لوجود ما يمنع من ذلك، وهو الجهل"[20].
قال ابن تيمية: "التكفير حق الله، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وأيضا: فإن تكفير الشخص المعين وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر"[21].
قال الدكتور يوسف القرضاوي موضحا معنى التفرقة بين تكفير النوع وتكفير الشخص المعين: "ومعنى هذا أن نقول مثلا: الشيوعيون كفار، أو الحكام العلمانيون الرافضون لحكم الشرع كفار، أو من قال كذا أو دعا على كذا فهو كافر، فهذا وذاك حكم على النوع. فإذا تعلق الأمر بشخص معين، ينتسب إلى هؤلاء وأولئك، وجب التوقف للتحقق والتثبت من حقيقة موقفه، بسؤاله ومناقشته، حتى تقوم عليه الحجة، وتنتفي الشبهة، وتنقطع المعاذير"[22].
فالرجل المذكور في الحديث، وإن كان قد فعل فعل الكفر، إلا أنه لا يجوز تكفيره؛ لوجود مانع من ذلك، وهو الجهل. ولا يغير هذا قول بعض العلماء: إن جاحد صفة القدرة كافر. إذ أن هذا الرجل - كما سبق - لم يجحد صفة القدرة، وإنما جهل طلاقتها وشمولها.
يقول ابن القيم رحمه الله: وكفر الجحود نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص.
فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله، وإرساله الرسول. والخاص المقيد: أن يجحد فرضا من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله بها نفسه، أو خبرا أخبر الله به؛ عمدا، أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض.
وأما جحد ذلك جهلا، أو تأويلا يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله عليه, وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله له، ورحمه لجهله. وإذا كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله على إعادته عنادا أو تكذيبا"[23].
وعليه فلا سبيل لرد الحديث بدعوى تعارضه مع ثوابت الدين، كما أن الإشكال الذي يدعيه هؤلاء في الحديث إنما هو إشكال في اللفظ فقط، وقد بين علماء الإسلام معنى الحديث والمراد منه، كما بينوا أن الرجل كان جاهلا في فعله، وغايته أن يغفر الله له، ففعل الله ذلك؛ لأنه وحده هو الأعلم بالسرائر.
الخلاصة:
·   إن الحديث الذي طعن فيه هؤلاء حديث صحيح، وفي أعلى درجات الصحة، فقد رواه الشيخان؛ البخاري ومسلم، كما أنه لا يتعارض مع ثوابت الدين والقرآن كما يدعون، والإشكال الذي فيه إنما هو إشكال في اللفظ فقط، وقد بين العلماء معنى الحديث، وأزالوا الإشكال الذي على أساسه رد هؤلاء الحديث.
·   إن الرجل المذكور في الحديث لم يكن منكرا لقدرة الله تعالى جملة وتفصيلا، وإنما شك في شمولها وإحاطتها جاهلا، والعلماء على أن من جهل صفة من صفات الله، وآمن بسائر صفاته وعرفها لم يكن بجهله لهذه الصفة كافرا.
·   التكفير حق لله، فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله، وتكفير الشخص المعين موقوف على أن تبلغه الحجة، وإلا فليس كل من جهل شيئا من الدين يكفر.
·   هناك عدد من الصحابة جهلوا أشياء ثابتة في الدين وسألوا عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فهل كفروا بجهلهم هذا؟
·   لقد دلت روايات الحديث على أن الرجل كان مؤمنا بالله موحدا له، خائفا منه، وليس كافرا كما يدعون؛ لذلك لما كانت نيته الخوف من الله والخشية منه، وأنه كان جاهلا بما فعل، غفر الله له برحمته الواسعة وفضله العظيم.

أثر الإيمان بالقيم الأخلاقية على الدول الأوربية
إن أثر هذا الإيمان لم يقف عند المسلمين فقط، بل تعداهم إلى بقية أمم الأرض وشعوبها، وفي ذلك يقول الأستاذ محمد قطب: إن أوربا - في عصورها المظلمة - كانت واقعة في الجهالة العلمية التي حرص عليها حكام شعوبها، كما حرصت عليها الكنيسة؛ ليظل سلطانها الرهيب قائما في قلوب الناس وأرواحهم، وكانت واقعة تحت وطأة الإقطاع[
ممزقة لا رباط بينها - وإن كانت كلها مسيحية - لأن السيد الإقطاعي يمثل في إقطاعيته السلطان المطلق، فهو السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية في وقت واحد، وواقعة من جهة أخرى تحت سطوة البابوية التي تستعبد أرواح الناس وأفكارهم، وتأكل جهدهم كما تأكل أموالهم بالباطل:
يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم (34)( (التوبة).
وبينما أوربا في حالتها هذه إذ التقت بالإسلام يحيط بها من كل جانب، التقت به سلما في الأندلس، والشمال الإفريقي، وصقلية، وغيرها، والتقت به حربا عبر الحروب الصليبية التي استغرقت حوالي قرنين من الزمان، ثم كان من نتيجة ذلك تلك الآثار في أوربا:
· أخذت أوربا العلوم الإسلامية كلها، وبصفة خاصة المنهج التجريبي في البحث العلمي وأقامت عليه نهضتها العلمية الحاضرة.
· أخذت معنى "الأمة" التي يربطها رباط واحد وتحكمها شريعة واحدة، ولكنها لم تستطع إقامتها على أساس العقيدة؛ لفساد العقيدة عندهم، وفساد القائمين عليها من الكهنوت[30]، فأقاموها على شكل قوميات، هي الأساس الذي قامت عليه دول الغرب الحالية.
· حاولت إصلاح الفساد العقدي والكنسي في حركات كالفين ومارتن لوثر، وغيرهما، وإن كانت لم تحقق إلا إصلاحات جزئية في داخل الفساد الشامل؛ وذلك لأنها رفضت الإسلام ابتداء، وهو الطريق الوحيد للإصلاح الحقيقي.
· أخذت نظام الجامعات الإسلامية وأنشأت جامعاتها على غراره.
· قامت فيها حركات فروسية تحاول أن تقلد ما وجدوه عند المسلمين من الشهامة والنجدة والأخلاق العالية.
تأثرت أوربا بالنظم المعمارية الإسلامية، وقلدتها في بعض مبانيها عامة "خذ مثالا بسيطا على ذلك إدخال الحمامات في البيوت وتنظيف الأبدان بالاستحمام، ولم تكن أوربا تمارسه حتى التقت بالمسلمين".
بدأت فكرة "الدساتير" التي تشمل أسسا واضحة للحكم بغير هوى الحكام، وشهواتهم الشخصية، واقتبست أوربا كثيرا من الفقه الإسلامي، ومما يذكر في هذا الصدد أن القانون المدني الفرنسي أخذ معظمه من فقه مالك؛ لأنه كان أقرب المذاهب إليهم في الشمال الإفريقي.
· استفادت أوربا في الكشوف الجغرافية من الخرائط الإسلامية، فبدأت تنساح في الأرض على هدي هذه الخرائط.
وباختصار فإن أوربا أخذت بذور نهضتها الحالية كلها من الإسلام، وإن كانت جمدت أثر الإسلام والمسلمين في حياتها، ورفضت في عصبية جاهلية أن تعتنقه.
ماذا عن تجاهل القيم الحياتية والأخلاقية؟
ها هي الحضارة الغربية وريثة الباطل بشتى صوره تري العالم كله الفرق بين وراثة الحق، ووراثة الباطل، ونترك الكلام لفضيلة الشيخ محمد الغزالي مجيبا على سؤال طرح عليه: ما أثر الإيمان على الأخلاق والسلوك والضمير في ضوء ما يحدث في الدول المتقدمة التي تأخذ بالعقل ونتائج العلوم فقط؟
يقول: لا نستطيع إنكار المدى الكبير الذي بلغته الحضارة الحديثة في اكتشاف أسرار الكون؛ إنها حضارة ذكية العقل واسعة المعرفة، وقد طوعت ما بلغته إلى تقدم صناعي باهر طفر بالإنسانية طفرة قوية في جميع المجالات المدنية والعسكرية.
ولكن هناك إحساسا عاما بأن هذا التقدم المادي لم يواكبه تقدم روحي، وأن إنسان العصر الحديث لا يختلف كثيرا عن إنسان العصر الأول في غرائزه وشهواته! وإذا كانت ثمة فروق، ففيالوسائل، لا في البواعث والغايات، بل لقد قيل في إنسان العصر الحاضر: إن عضلاته أكبر من عقله، والواقع أن الإنسان يتضاعف شره عندما يكون حاد الذكاء حقير الخلق، ولطالما رددنا أن الإسلام عقل يرفض الخرافة، وقلب يكره الرذيلة.
إن الكمال الحقيقي امتداد ونضج في جميع الملكات الإنسانية، وهذا التوازن أساس لا بد منه لقيام مجتمع رشيد، وحضارة يانعة الثمار، مديدة الظلال، فهل الحضارة الحديثة بعد تلك المقررات جديرة بالخلود؟ أو هي أرجح من غيرها في موازنة منصفة؟ الحق أن لا؛ فالرجل الأبيض، قائد هذه الحضارة ورائدها، إنسان طافح الأنانية، يشده إلى منافعه ألف رباط، وقبل أن نشرح شرهه المسعور واستعلاءه على غيره، نذكر أحد مظاهر الحضارة الإسلامية القديمة.
فالعرب الفاتحون قدموا الإسلام للأعاجم، ونقلوهم به من الظلمة إلى النور، وبعد ردح من الزمان، كان هؤلاء العرب يصلون وراء الأتقياء في شتى الأجناس، ويتلقون عنهم العلوم الدينية، دون غضاضة أو كبرياء، فالبخاري هو المحدث الأول، وأبو حنيفة الفقيه الأول، والحسن البصري المربي الأول، وسيبويه اللغوي الأول، ولم يشعر المصريون بأي ضيق من أن يقودهم قطز التركي في معركته الهائلة ضد التتار بعين جالوت، وما خامرهم حرج في أن يقودهم صلاح الدين الكردي ضد الصليبيين في معركة "حطين".
إن الإسلام محا النعرات الجنسية في أغلب الميادين، وربط الناس بمثلهم العالية وحدها. أما الجنس الأبيض وطلائعه الغازية والمكتشفة، فقد كانوا يعبدون أنفسهم ويقدسون مصالحهم ولا تحكمهم إلا شريعة الغاب.
اكتشف الإنجليز استراليا فماذا صنعوا بسكانها؟ شرعوا يطاردونهم من مكان إلى آخر، حتى حصدوا جمهرتهم، وأخبرني - والكلام للشيخ محمد الغزالي - صديق قادم من أستراليا أن البيض ييسرون أردأ الخمور لهؤلاء السكان الأصليين حتى يقضوا عليهم القضاء الأخير، وتبقى أستراليا للمغيرين المسلحين بالتقدم العلمي والصناعي المجردين من كل رحمة وإيثار.
ولم يكن سكان أمريكا الأصليون أسعد حظا من أستراليا، فقد كانت رؤوسهم تقطع لنيل التيجان المرصعة بالذهب، قد يقال: كان ذلك في الأيام الأولى لاكتشاف العالم الجديد وقد ارتقت البشرية اليوم، وضاقت بما كان يفعله المستعمرون الأولون واستنكرته!
ونجيب بأن الاستهانة بالأجناس الأخرى كانت وما زالت ديدن الرجل الأبيض وعندما أعوزه الانتصار السريع ضد اليابان ألقى قنبلتين مبيدتين على هيروشيما وناجازاكي، فقتل نصف مليون إنسان بين طفل وامرأة وشيخ وشاب، ولا ريب أن عشر هؤلاء الهلكى فقط هو الذي كان يمكن أن يجند في الحرب!
إن الإنسان يتحول إلى وحش كاسر عندما ينسى الله واليوم الآخر، لا سيما إذا كان هو واضع القانون ومطبقه! إن القانون يومئذ يحرس الأقوياء ويجتاح الضعفاء، وقد رأينا كيف يباد الشعب الفلسطيني ويمحي وجوده من فوق الأرض، ويجاء بألوف مؤلفة من اليهود لتحيا على أنقاضه، والقانون الدولي مكمم الفم؛ لأن ملاك القوة يريدون ذلك، وأجهزة الدعاية قديرة على إبطال الحق، وإحقاق الباطل: )ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار (42) مهطعين مقنعي رءوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء (43) وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل( (إبراهيم)
إن وراثتكم للباطل جعلتكم في دنياكم لا تذوقون طعم سعادة أو هناء، ولسان حالكم ومقالكم يقول ذلك؛ فها هي أعلى نسب انتحار على مستوى العالم عندكم، وها هو الفساد قد انتشر في شتى مناحي حياتكم، لا وزن للإنسان عندكم، أصبحتم كالذئاب الجائعة تعيثون في الأرض فسادا، عبيدا لشهواتكم ونزواتكم، عبيدا للمادة والمصلحة، لا تملكون من الخير إلا شعارات براقة تطلقونها في الآذان إذا أردتم وراء ذلك مآرب.
إن ما يقع على معظم شعوب الأرض الآن من ظلم من هذه الحضارة العاتية المتجردة من كل الأخلاق والفضائل ليوحي لنا بأنها وريثة التتار، والصليبيين، وكل المخربين على مدار التاريخ؛ فالتتار الذين أحرقوا العلم بإحراقهم مكتبة بغداد، وإلقاء مئات الآلاف من الكتب في نهر دجلة، وقتلوا مئات الآلاف من البشر حتى تغير لون نهر الفرات بلون الدم من كثرة إلقاء القتلى فيه - أنتم ورثتهم في سفكهم الدماء، وتخريبهم البلاد، فلا غرو إذن أن أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية حربها الأخيرة على العراق في 14 محرم، وهو نفس اليوم الذي دخل فيه التتار بغداد.
· وكذلك الصليبيون وتقتيلهم بشراسة في المسلمين دون تفريق بين كبير وصغير، أو رجل وامرأة، أو شيخ وشاب. وهذا ما فعلتموه في المسلمين في فلسطين، والعراق، والشيشان، وكشمير، والبوسنة، والهرسك، وإندونيسيا، ومصر، والجزائر، وشتى بقاع العالم الإسلامي، فيا ورثة الباطل، أي الأمرين أولى: وراثة الحق، أم وراثة الباطل؟ قال سبحانه وتعالى: )هذا بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولو الألباب (52)( (إبراهيم).
الخلاصة:
· إن للإيمان معنى وحقيقة، وصحة الإيمان أو بطلانه ليسا مرتبطين بوجود دليل عليه وعدم وجوده، مع التسليم التام بأنه يزيد بالأدلة وينقص بعدم وجودها. وهذه صورة من رحمات الإسلام بالناس ومراعاته لكل مستوياتهم الفكرية والعلمية، إله ما أرحمه، ودين ما أيسره!!، فالمؤمن بربه ينجو من جحيم الاختلافات بين المذاهب والطرق البشرية القاصرة الضيقة التي يضعها بشر يزدادون علما كل يوم؛ لأنه يتلقى الهدى من خالق كل شيء، الذي أحاط علما بكل شيء، والذي خلق الناس ومنحهم مقدرة محدودة بها يتعلمون ما جهلوا، ويهتدون إلى ما غاب عنهم.
· إذا اتصف إنسان ما أو شيء ما بصفتين كان من الأولى أن نصفه بالصفة اللاحقة أم السابقة؟ السابقة بالطبع، وفطرة الإيمان ليست سابقة لوراثته فحسب، بل هي أغلب منها؛ لأنها فطرة - أو طبيعة - الناس جميعا؛ فالرجل الذي ماجت به أمواج البحر حتى إذا أيقن بالهلاك نجده يناجي من أعماق قلبه قوة هائلة خفية لا يراها، ولكنه على يقين من وجودها، ويرجو منها النجاة، هذه القوة هي قدرة الله عز وجل، ولجوء المضطرين إليها هو الفطرة، وكل الناس مفطورون على ذلك.
· الفطرة لها معنى، والوراثة لها معنى، وحال المسلمين يبرهن على: أنهم مفطورون على الإيمان لا مجرد ورثة له، وإلا لكانت أعمالهم نسخة مكررة من أعمال أسلافهم، ولكان الأمر وراثة لا فطرة، فالمعرفة الدينية فطرية دينية على الحالين، سواء قيل إنها فطرية بنفسها، أو قيل: إنها تحصل بأسباب كالأدلة التي تنتظم في النفس،فإن النفس بفطرتها قد يقوم بها من النظر والاستدلال ما لا يحتاج معه إلى كلام أحد، وهذه الفطرة لا يمكن الوفاء بحقها إلا بالدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عقيدته التي يجد فيها العقل البشري الحل الصحيح المقنع لكل تساؤلاته عن مسائل الوجود والكون والحياة.
· هب أن إيمان المسلمين موروث فذاك محل فخر واعتزاز؛ لأنه الحق الأوحد على ظهر هذه الأرض، فالعقيدة تنشئ الإنسان الصالح، وهو الإنسان العابد لله بالمعنى الواسع للعبادة، الذي يشمل ــ إلى جانب شعائر التعبد ــ كل عمل، وكل فكر وكل شعور فيه وجه الله ويلتزم فيه بأمر الله، فالإنسان المستعلي على شهوات الأرض. المتحرر لعبوديته الحقة لله من كل عبودية لأحد أو لشيء سواه، المتوازن في سلوكه وفكره وفي شعوره الذي يعمر الأرض بجهده، وهو يتطلع إلى رضوان الله، والتاريخ يثبت ذلك وحقائق العلم تقره، وواقع المسلمين وواقع غيرهم ينطق بشهادة الحق، ويؤكد أن وراثة الحق أولى من وراثة الباطل.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى