مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الجاذبية أم الإله ؟!

اذهب الى الأسفل

الجاذبية أم الإله ؟! Empty الجاذبية أم الإله ؟!

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 02, 2014 6:59 am

طالعت مؤخرًا كتاب التصميم العظيم أوThe Grand Design من تأليفالفيزيائيَّين ستيفن هوكينج و ليوناردو ملودينو.. و الكتاب يحوي في طياته نقض فكرة الإله جملة وتفصيلا، و يصف الإله بأنه مجرد فكرة ليس لها أي أساس علمي و إن العلم ينفي وجوده مطلقا. هكذا زعم المؤلفين وهكذا دائما يزعم هوكينج، و حاول أن يستدل على صحة ما ذكره بمجموعة من النظريات و القوانين العلمية التي تعد أحد أعمدة الفيزياء، فهل نجح في ذلك أم جانبه الصواب ؟!

- دعونا نناقش سويًا ما طرحه ستيفن هوكينج في كتابه، بموضوعية و حيادية، و في ضوء الأدلة العلمية التي توصل إليها العلم، و ننظر في صحة كلامه من عدمه.. هل ما قاله بُني على أساسٍ علمي تقره الفيزياء أم أن العكس صحيح؟ و هل كان موفقًا في طرحه و استدلالاته و ما ذهب إليه؟ هذا ما سنتعرض له في موضوعنا..

و حيث أن المقام لن يتسع لجميع ما جاء في الكتاب من أطروحات، فسوف نسعى جاهدين لنفند ما طرحه المؤلف جزئية جزئية في هذا المقال و في مقالات قادمة إن يسر الله لنا ذلك.. و حيث أن هذا المقال يعتبر كمقدمة و تفنيد لجزئية طرحها المؤلف، فقد قمت باختيار جزئية مما أشار إليه، و أرجأت الأطروحات الأخرى للقاءات قادمة إن شاء الله تعالى، و قد وضعت عنوانا لها و هو "الجاذبية أم الإله؟!"

أعلم أن الأمر يثير التعجب و يبعث الاندهاش، إلا أن الأمر يتطلب منا شيئا من الاهتمام، و الوقوف على حقيقة ما طرحه هوكينج.

يقول هوكينج في كتابه التصميم العظيم في ص142 :

"لأنها تشكل الزمان و المكان، فإن الجاذبية تسمح للزمكان باستقرار موضعي، و عدم استقرار عالمي. و على نطاق الحديث عن الكون بأكمله، فإن الطاقة الموجبة المتمثلة فى المادة يمكن أن تكون في توازن مع الطاقة السالبة المتمثلة في الجاذبية، و بذلك فإنه لا قيود تمنع من تخليق أكوان كاملة".

"طالما أنه يوجد قانون كالجاذبية، فالكون يستطيع و سيقوم بخلق نفسه من لاشيء! الخلق التلقائي هوسبب وجود شيء بدلا من لا شيء.. ليس لزاما أن نقحم إلها ليبدأ عمل الكون".
يدعي هوكينج هنا أن سبب خلق الكون هو وجود قوة الجاذبية، ويدفعنا ذلك إلى التساؤل.. ما هي الجاذبية؟!

- الجاذبية هي ميل (الكتل والأجسام) للتحرك و الانجذاب نحو بعضها البعض -كما في الجاذبية بين الأرض و الشمس مثلا- وكمحاولة لوصف قوى الجاذبية بين الأجسام غير المشحونة، استنبط نيوتن قانون الجذب العام من خلال مشاهدات فلكية عديدة.

حيث ينص قانون الجذب العام لنيوتن: "إنّ كل جسم يجذب جسمًا آخر في الكون بقوة محمولة على الخط الواصل بين المركزين، و شدتها متناسبة طرديًا مع كتلتيهما وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما."
الصورة القياسية لقانون الجذب العام لنيوتن

حيث:
هي عبارة عن القوة الناتجة عن الجاذبية
هوثابت الجذب العامبين الكتل
هي كتلة الجسيم الأول
هي كتلة الجسيم الثاني
هو البعد بين الجسيمين
يتبين لنا من التعريف السابق أن الجاذبية ناشئة عن المادة، طارئة عليها، حيث وُجدت الأجسام (الكتل) أولا ثم عملت الجاذبية على ربطها ببعض..! و هذا هو مفهوم نيوتن عن الجاذبية.
و بعد أن تعرضنا لمفهوم الجاذبية و قانون الجذب العام، هيا بنا الآن عزيزي القاريء لنرى كلام هوكينج عن خلق الجاذبية للكون! حيث يقول هوكينج في بداية كلامه:

"إن الجاذبية هي التي تشكل الزمان و المكان (الزمكان)" و هذا صحيح، فوجود الجاذبية هو السبب في ربط الكتل مع بعضها البعض، بل و ربط الزمان بالمكان -كما بين آينشتاين- و هذا ما سنعرفه بعد قليل، و لكن دعنا نكمل كلامه، حيث يقول:

"و على نطاق الحديث عن الكون بأكمله ، فإن الطاقة الموجبة المتمثلة في المادة يمكن أن تكون في توازن مع الطاقة السالبة المتمثلة في الجاذبية، و لذلك فإنه لا قيود تمنع من تخلق أكوان كاملة" هذه جزئية سنتعرض لها فيما بعد عندما نتحدث عن نظرية الأكوان المتعددة، و نظرية إم M-Theory (واحدة من الحلول المقترحة لنظرية كل شيء TOE) تفصيليا، و لكن دعنا نعرض الجزء الذي ارتبط بكلامه الأول؛ ألا و هو:

"طالما أنه يوجد قانون الجاذبية فإن الكون يخلق نفسه من لا شيء"
حيث لا أعلم أين الأساس العلمي الصحيح الذي بنى عليه هوكينج كلامه هذا؟!. إذ بعد أن تعرضنا لكلام نيوتن و تعريفه للجاذبية، نجد أن أطروحات هوكينج تعارض ما طرحه نيوتن حول الجاذبية و فهمه لها، حيث يقول نيوتن إن الجاذبية هي عبارة عن:

"قوة بين أجسام مادية"، و بالتالي فإنها وجدت بعد وجود الأجسام لا قبلها، فوجودها مترتب على غيرها، لا العكس.. و لأن فهم نيوتن عن الجاذبية لم يكن مكتملا، لنذهب إلى أينشتاين و مفهومه الأوضح و تفسيره الأصح عن الجاذبية. ففي أوائل القرن العشرين، و في بحثين نُشر أولهما في عام 1905، و ثانيهما في عام 1915،قام الفيزيائي الشهيرألبرت أينشتاينبتغيير مفهوم الجاذبية. فحسب نظرية نيوتن كانت الجاذبية هيقوة، بينما أثبتت النسبية أن الجاذبية هيمجال، فحسب النسبيةSadالجاذبية هي عبارة عن انحناءات في الفراغ تُسببهاالكتلة، فكلما كانت كتلة الجسم أكبر كلما كان انحناء الفضاء حوله أكبر. و الأجسام الأقل كتلة سوف تقع في هذا الانحناء الذي صنعه الجسم الأول، و بالتالي سيأسرها بجاذبيته). و هو ما يعرف بنظرية النسبية لأينشتاين،و بالتدقيق في تعريف أينشتاين، نجد ثلاثة أشياء في غاية الأهمية قد ذكرها واستنتجها من مفهومه للجاذبية:

أما الأول فهو الفراغ؛ و هنا ربما يتصور البعض أن الفراغ هو العدم، و هذا خطأ بالطبع لأن العدم هو اللاشيء، أي ليس هناك شيء لا مادة و لا طاقة، بل و لا حتى فراغ، فالفراغ الذي يقصده أينشتاين هو الفراغ الفيزيائي، و يمكن تعريفه بأنه "المكان أو الحيز الخالي من أي مادة أو طاقة، سوى جزء ضئيل جدا من الطاقة" حيث لا يوجد ما يسمى فراغًا كاملا، فلم يستطع أحد إفراغ حيِّز ما من كل جزيئات الطاقة (المادة)، أي في كل الأحوال فإنه سيحتوي على جزء -ولو ضئيل جدا- من الطاقة.

وأما الشيء الثاني الذي أثبته أينشتاين، فهو المجال؛ و المجال هو المنطقة التي تظهر فيها آثار الشيء، كالمجال المغناطيسي مثلا، فهو المنطقة التي تظهر فيها آثار المغناطيس، و لأنه لا يوجد مجال دون شيء ناتج عنه بالمثل، فالجاذبية هي الأخرى لا يمكن أن توجد دون أن يوجد ما نتجت عنه، و هو المادة (الكتلة).

ثالثا: حسب نسبية أينشتاين: الجاذبية هي عبارة عن انحناءات في الفراغ تُسببهاالكتلة، و بإلقاء الضوء على هذه الجملة جيدا، و بالأخص آخر كلمتين (تُسببها الكتلة)، و الضمير في تسببها عائد على الجاذبية، نجد أن الجاذبية ناتجة عن وجود الكتلة و ليس العكس! فعلى حسب كلام كلا من نيوتن و أينشتاين، يتبين أن الجاذبية ما هي إلا قوة ناشئة عن الكتلة (مفهوم نيوتن)، أو مجال ناتج عن وجود الكتلة (مفهوم آينشتاين)، و هو ما يجعل كلام هوكينج غير مقبول لأنه جعل الجاذبية المتولدة بسبب وجود المادة خالقة للمادة.

و كما أنه من المعروف أن بداية الكون و الزمان، و القوى الأربع بما فيها الجاذبية هو الانفجار الكبير، فالحديث عن ما قبل الانفجار الكبير هو شيء خارج نطاق قوانين الفيزياء.

- يجدر بنا أيضا الحديث أنه حتى في الأوساط العلمية لم يلقى كتاب هوكينج "التصميم العظيم" قبولا يذكر، ونرى ذلك واضحًا في آراء بعض العلماء، نذكر هنا بعضها فقط..

يقول البروفيسور باول ديفيز الفيزيائي الإنجليزي في صحيفة الجارديان منتقدًا هوكينج بشدة:

"تبقى القوانين المطروحة غير قابلة للتفسير، هل نقبلها هكذا كمعطى خالد؟ فلماذا لا نقبل الله؟ حسنا و أين كانت القوانين وقت الإنفجار الكبير؟ إننا عند هذه النقطة نكون في المياه الموحلة"

- أيضا الفيزيائي و عالم الفضاء مارسيلو جليسريقول:
"إن ادعاء الوصول لنظرية نهائية يتنافى مع أساسيات و أبجديات الفيزياء و العلم التجريبي و تجميع البيانات، فنحن ليس لدينا الأدوات لقياس الطبيعة ككل فلا يمكننا أبدا أن نكون متأكدين من وصولنا لنظرية نهائية، و ستظل هناك دائما فرصة للمفاجآت كما تعلمنا من تاريخ الفيزياء مرات و مرات، و أراها ادعاء باطل أن نتخيل أن البشر يمكن أن يصلوا لشيء كهذا.. أعتقد أن على هوكنج أن يدع الله و شأنه"

- عالم الفيزياء النظرية بيتر ويت من جامعة كولومبيا:
"لست من أنصار إدخال الحديث عن الله في الفيزياء، لكن إذا كان هوكنج مصرا على دخول معركة الدين و العلم، فما يحيرني هو استخدامه لسلاح مشكوك في صلاحيته أو فاعليته مثل النظرية إم"
كما أفردت جريدة الإيكونومستحديثا عن كتاب هوكنج، و وصفت كلامه بغير القابل للاختبار.. مضيفة:

" يبدو أن الفلسفة حلت محل العلم"
- الفيلسوف الأمريكيويليام كريج يقول ساخراهو الآخر:
"لا شيء جديد علميًا في هذا الكتاب بالمرة، و لكن نقاش فلسفي بحت خصوصًا في الثلث الأول! و هو شيء غريب إذا علمنا أن هوكنج في أول صفحة من كتابه يقول: إن الفلسفة قد ماتت"
كما يقول محمد باسل الطائي أستاذ الفيزياء الكونية بجامعة اليرموك بالأردن:
"قوانين الفيزياء على الحقيقة بحاجة إلى مُشغل، هذا ما نتعلمه من ميكانيكا الكم، فجميع الصياغات القانونية في ميكانيكا الكم تتخذ الصياغة الرياضية الإجرائية Operator formulation و هذه الصياغة تخفي في مضمونها وجود المُشغل، و من جانب آخر فإن جميع الفيزيائيين الدارسين لميكانيكا الكم يعلمون أن الصفة المؤسسة لميكانيكا العالم و ظاهرات العالم هي الصفة الاحتمالية و ليست الحتمية، أي أن نتائج فعل قوانين العالم (القياسات) ليست حتمية بل هي احتمالية، هذه الحقيقة تغيب عن عقل واينبرج، و عن عقل هوكنج حين يتحدثون عن الله"

البروفيسور الرياضيات جون لينوكس والذي أفرد كتابا بعنوان "الإله وستيفن هوكنق.. لمن التصميم إذاً؟" يحدثنا قائلا:
"إن القول بأن الفلسفة قد ماتت، خطير جدا، خصوصا عندما لا تتوقف أنت نفسك عن استخدامها، و لأن هوكينج لديه فهم مغلوط لكل من الفلسفة و الدين، فهو يريدنا أن نختار بين الله و قوانين الفيزياء، إن القوانين الفيزيائية لا يمكن أن تخلق شيئا فهي مجرد الوصف الرياضيللظواهر الطبيعية، فقوانين نيوتن للحركة لن تدفع كرة البلياردو على الطاولة بدون لاعب يضربها، القوانين لن تحرك الكرة فضلا عن خلقها.. إن ما يقوله هو هوكينج خيال علمي بحت.

من أين جاءت الخطة الكونية التي تحدث عنها هوكنج؟ إنها ليست من الكون حتما، فمن جعلها تعمل إن لم يكن الله؟ إن محاولة العلماء الملحدين الهروب من فكرة الخالق يجعلهم يعزون الوجود لأشياء أقل مصداقية كالطاقة و القوانين أو الكتل! بالنسبة لي: كلما زاد فهمي للعلم كلما زاد إيماني بالله، لتعجبي من اتساع و تعقيد وتكامل خلقه"

ولعل السؤال المطروح بشدة الآن، أيهما وُجد أولا الجاذبية أم المادة؟!
فإن قلنا الجاذبية كما يدعي هوكينج، و أنها سبب خلق الكون نفسه، فمن أين جاءت؟ و من الذي كتب لها القانون الذي تسير عليه؟ و إن كانت المادة هي من وُجدت أولا (حسب ما فسره نيوتن و أينشتاين) فلا يوجد أي حجة لهوكينج فيما ذهب إليه، و يصبح مقاله مجرد فلسفة لا دليل على صحتها، و على عكس ما ذكره لنا في كتابه بأن الفلسفة قد ماتت !

و أخيرا ربما يطرأ على الذهن اعتراض على ما ذكرناه: أن كلام ستيفن هوكينج عن الجاذبية ربما يحتمل شيئا آخر غير ما تقدم، كوجود عوالم أخرى غير عالمنا، ربما يكون قد نشأ منها، و قد كنت أن أستعرض الكتاب بالكامل حتى لا يدور بالذهن مثل تلك الاعتراضات، ذلك أن أطروحات الكاتب كثيرة و مترابطة ببعضها البعض، و هو ما يكون أفضل و أكمل، إلا أن المقام لا يتسع لذلك مع الأسف. فلعل اللقاءات القادمة تفي بهذا الغرض إن شاء الله، فإلى موعدنا القادم.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى