مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* الطالب والهارب - المرأة المجذومة - الاسترهاب الإعلامي الدولي

اذهب الى الأسفل

 * الطالب والهارب - المرأة المجذومة - الاسترهاب الإعلامي الدولي  Empty * الطالب والهارب - المرأة المجذومة - الاسترهاب الإعلامي الدولي

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 4:49 pm

الالتزام بين الطالب والهارب
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله .. (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك و لا يضرك فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين )1.
و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعبده مخلصين له الدين ( وأن أقم وجهك للدين حنيفاً ولا تكونَنَّ من المشركين )2. ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله جاء بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و كفى بالله شهيداً (يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فإنما يضلُّ عليها و ما أنا عليكم بوكيل )3.
أخوة الإسلام ؛ أخوات الإسلام : اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون (إن الذين آمنوا و عملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون )4.
أما بعد ، فقد أخرج مسلم عن نبيكم صلى الله عليه و آله و سلم قوله Sadخير الحديث كتاب الله و خير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه و على آله وسلم و شر الأمور محدثاتها و كلَّ بدعة ضلالة )5 ، و إن من هدي نبيكم صلى الله عليه و آله و سلم قوله : (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى . قيل و من يأبى يا رسول الله قال : من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فقد أبى )6، ورحم الله الحسن البصري إذ يقول : عجباً للجنة نام طالبها و عجباً للنار نام هاربها ؛ و يبدو أن الطالب و الهارب ، وكلنا واحد منهما ؛ يحتاجان إلى تذكير بعد تذكير ؛ فموضوع الطالب والهارب مشكلة مستعصية تبدأ بالأفراد و تنتهي بالأمة المسلمة بكل إمتداداتها ، وإذا كان الابتداع في الدين باب هلكة و ضلالة فإن عصيان الرسول و التأبي عن دخول الجنة أمر خطير لايقل عنه ولا يرضى عنه أبدا صاحب خير و لا إيمان .
من المشاكل الكبيرة في حياة الأمة المسلمة أنها ما زالت حتى الآن تعيش الإسلام انفعالات وتقاليد و عادات في كثيرٍ من جوانب حياتها أكثر مما تعيشه فقهاً و التزاماً و وعياً بأبعاده ومقاصده ومواقفه ، والأسرة المسلمة تتعرض لضغوطٍ شديدة تدفعها دفعاً إلى عدم البقاء في وسطية هذه الأمة التي أمر بها الله: (وكذلك جعلناكم أمةً وسطاً لتكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليكم شهيداً )7، ورغم أن هناك عوامل خارجية كثيرة مؤثرة إلا أن إلقاء الأضواء على العوامل الداخلية أكثر أهمية بكثير ؛ فقد تعودنا تخلياً عن المسؤولية أحياناً و حيلةً نفسيةً أحياناً و مجاراةً اجتماعيةً أحياناً أن نعفي وننزه أنفسنا عن الوقوع في الأغلاط ؛ حتى بقينا ندور حول الرحى في متاهات التاريخ و الحاضرو نهيئ لمتاهات المستقبل من دون وعي ولا تيقظ .
يؤكد القرآن الكريم على أهمية الالتزام بأمر الله و رسوله و وجوب الانقياد لحكم الله ؛ قال تعالى : (إنما كان قولَ المؤمنين إذا دُعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)8 ، وليس الأمر قولاً لسانياً فالمعنى كما ذكر الإمام القرطبي عن ابن عباس رضي الله عنه: أخبرَ بطاعة المهاجرين و الأنصار ؛ فهذا هو الالتزام و قال تعالى : (فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت و يسلموا تسليما)9، وقال: (وماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)10. وقال تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله و يغفر لكم ذنوبكم)11، وقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)12، وقال تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا)13، وقال تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)14، و قال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ *صراط الله..)15.
و قال تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن يصيبهم فتنةُ أو يصيبهم عذابُ أليم)16. وقد يبدو من السهل إقناع النفس أن لها نصيباً من الإلتزام ، ولكن دعونا نجول قليلاً في الأمة المسلمة لنرى الالتزام الفعلي!
و نبدأ من صفوف الصلاة ... أربعة عشر قرناً و حديث رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يحذر المسلمين (لتسوّن صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم)17؛ أي يوقع بينكم العداوة و البغضاء واختلاف القلوب ؛ فقولوا يرحمكم الله كم ألف مرةٍ و مرةٍ يذكر خطيب و إمام كلِّ مسجد المصلين بتسوية الصفوف وما زالت الصفوف معوجة ثم قولوا أية أسرة مسلمة وجه الأب أو الأم أبناءه فيها إلى أهمية تسوية الصف في الصلاة؟
ونأتي إلى الطعام فكم أسرة مسلمة تربي أبناءها تربية فعلية على حديث المعلم الهادي صلى الله عليه و آله و سلم : (إذا وقعت لقمةُ أحدكم فليأخذها فليُمط ما كان بها من أذى و ليأكلها و لا يدعها للشيطان)18.
انظروا في بطرٍ شديد نربي عليه أبناءنا حتى صار كثيرون منهم متخمين بطرين ، يرى أحدهم أن من فعل الأكابر ترك بقيةٍ من الطعام في صحنه و إذا وقعت لقمة حدهم فربما رفسها برجله و لا يحملها بيده وعينٌ له تدمع شكراً لله على نعمةٍ أُكرم بها وعينه الأخرى تدمع لملايين الجياع و المشردين و المضطهدين و اللاجئين في بقاع الأرض ما يجدون الفتات ، وكل يوم يموت على وجه هذه الأرض التي شقيت ببعدها عن نهج الله يموت أربعون ألف طفل جوعاً ، و اللاجئون في العالم ثلثاهم من أمة لا إله إلا الله كما تقول إحصائيات الإغاثة الدولية و الحقائق أدهى و أمر!
وحدثونا عن الأسر المسلمة التي تزرع في قلوب أبنائها فقه الإسلام بامتداداته العظيمة المذهلة فلا تخرج الابن معقداً ولا قابلاً للذوبان ؛ لا تخرجه ظاهري التفكير ولا منسلخ الإيمان ، وذلك حين تربيه على آفاق حديث المعلم الهادي صلى الله عليه و آله وسلم عن كلب ببئر (قد كاد يقتله العطش فنزعت بغي خفّها فاستقت له به فسقته فغُفر لها به)19، أو تربيه على فقه حب الخير و الغيرية على المجتمع و الحرص على المعروف ؛ إذ يقول صلى الله عليه و سلم: (لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرةٍ قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)20. ثم تعالوا ننظر الالتزام في الأسرة نفسها : (لا يفرك مؤمن مؤمنة _ أي لا يبغض _ إن كره منها خلقاً رضي آخر)21، وخبرونا عن الالتزام بعدم فضح أسرار البيوت (إن من أشرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته و تفضي إليه ثم ينشر سرها)22، وكم من ثرثار و ثرثارة و نمام و نمامة و آكَّال لحوم و آكالة ؛ لا يقر لهم قرار حتى يطلعوا على أسرار بيوت إخوانٍ لهم فما يكون منهم عونٌ ولا نصح بل وقوعٌ في كل المحرمات و إجحاف بكل الحقوق و نشر لكل المفاسد ؛ حتى أن امرأة علمت بطلاق أخت لها فهي كالمرجل المضطرب تريد أن تعرف السبب ، وصارت تنشر كل كذب و بهتان و لولا حرمة المساجد و آداب المنابر و التزام السنة لذكرت اسمها تحذيراً للناس من خبث ما تفعله ، وحدثونا عن رواية ابن ماجه و الحاكم : (ما من مسلم تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة)23؛ فيا من زهد في الخير ما أقعدك عن الجنة؟ ويا بقية الجاهلية في النفوس متى ترحلين؟ فيكون الاستبشار بالبنت مثل الولد و تذهب أخلاق المنحرفين (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم)24؛ ومن لم يفعلها بوجهه فعلها بحاله وقاله و قلبه و قالبه ، وخبرونا عما رواه ابن حبان بسند صحيح (من زوج كريمته من فاسق فقد قطع رحمها)25 ؛ فبمن تطمعون لبناتكم؟ أبصاحب مال و عقار و حذاء و كساء وبناء ، ولو كان دينه ما كان .. أم ماذا؟ و حدثونا عن أستاذة لا تجمع حولها إلا بنات الأغنياء ، وقد تزوجت تلميذة لها من رجل متدين عاقل و لا نزكي على الله أحداً فكان مهرها عشرة دراهم فضة فغضبت الأستاذة العظيمة الفقيهة و قالت بالحرف كما بلغنا (شو قطة ، ومعناها: أبلغ الأمر أن تصبح تلك الزيجة رخيصة مثل زيجات القطط) لأن التفاخر و التكاثر مصيدة عند أمثالها لاجتذاب بنات أصحاب الأموال ، ولو خالفت أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم (إذا خطب إليكم من ترضون دينة و خلقه فزوجوه إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد عريض)26، وحدثونا عن أمة يشقى فيها الشاب ؛ فالمكافح الساعي المجهد ربما ظفر بعشٍ صغير في أطراف المدينة فيأتي ليتزوج فيقال له: لا نزوج ابنتنا في الأطراف ، وثمن بيت الأطراف ربما ثمنه مليون وليس شيئاً سهلاً ، ولكنها جاهلية معشعشة و إن كان أصحابها يصلون و يصومون ، وتكبر مخيف على نعم الله أخشى أن تكون آخرته عنوسة مئات الألوف من الفتيات ، وعزوبة مئات الألوف من الشباب ومن يأبى السنة و الشرع و المنطق والحكمة فأخشى عليه من يوم تصبح فيه بناته بالمجان!! عافانا الله من سوء المآل .
و حدثونا عن الالتزام بالسنة عند الموت واتباع الجنائز و قد ورد أنه : (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار)27؛ فرفع الأصوات منهي عنه بكل الوجوه و بيع القرآن في أيام التعزية و المشارطة على قراءته فيها خطر عظيم ، و أهل الميت إن صنعوا الطعام للناس خالفوا السنة و ليس في شرع الله أربعين ولا سنوية و إنما هي عادات أمم غير مسلمة ، وما فيها خير بل تكلف مذموم ، أما خروج الناس إلى التشييع و الدفن فالسنة فيه الصمت و التفكر بالموت لا الحديث عن الدينار و الأسواق و الأرزاق! ورحم الله الإمام سفيان إذ سأله رجل أين أصلي فكأنه بفراسته أدرك ثغرة فيه ؛ فقال له: أطب مطعمك و صل في أي صف شئت. ليكن قرشك حلالاً يا ابن آدم .. دع عنك العِباد و ما فعل العباد و انتقاد العباد و امض إلى أي قبرٍ شئت تأتك موعظتك ..دع عنك الفضول و التكلف ؛ لاتسأل عما لا يعنيك طر إلى الحق بجناح الصدق كما يقول الإمام الجيلاني رحمه الله .
وأخبرونا عمن يربي أبناءه على وصية رسول الله لأصحابه بأن (لا يسألوا الناس شيئاً)28، فيا من يربي ابنه على رجولةٍ زائفة و يدس في جيبه كل يوم ألف ليرة يلهو بها ، وألف ليرة يرشو بها كل معترض ؛ ما أفلحتَ! ليدُ شاب يفلح أرضاً أو يافعٍ يحمل شيئاً يبيعه يدور به طوال النهار خير من كل ما أتيت به. ذلك يبني للأمة و يصبح رجلاً ، وتدليلك لابنك أنانية مخيفة و تخريب للأمة و لابنك معاً . لقد أصبح كثير من الشباب مثل غادة هيفاء تكسراً و ميوعة و رقة .
الالتزام كما يحب الله و رسوله لا كما نهوى ، والفرد و الأسرة والمجتمع الذي يعيش الذاتية الطاغية لا يصل إلى الحق أبداً! والدنيا وإن طالت فالعمر قصير و آه من طول السفر و قلة الزاد و مشقة الطريق ؛ يقول الإمام الجيلاني قدس الله سره : (لا تهربوا من خشونة كلامي فما رباني إلا الخشن في دين الله عز وجل).
ويا أصحاب الأموال و الدور و المناصب و القصور و المتاجر العامرة و السيارات الفارهة تعلموا من الإمام الجنيد و قد رآه أصحابه بعد وفاته فقالوا له : (ما فعل الله بك؟ فقال : طاحت تلك العبارات و فنيت تلك الإشارات وما نفعتنا إلا رُكيعات قمناها في جوف الليل) ، وقيل لإمام العلماء معاذ ابن جبل رضي الله عنه في مرض موته : ما تشتهي؟ فقال ليلةٌ باردة أقوم ليلها!
فيا طالب الجنة بادر و يا هارب النار حاذر ؛ من صحت بدايته صحت نهايته كما يقول لك ابن عطاء رحمه الله ، وإن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ؛ أي معرفة الله و القيام بحقوقه تعالى.


الالتزام والمرأة المجذومة
إرسال موضوع جديد إرسال مساهمة في موضوع
مـنـتـديــات الــبـــاحـــث :: ( البـاحـث في االاديان) :: الدين الاسلامي :: القرآن الكريم
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر • المزيد!
استعرض الموضوع السابق استعرض الموضوع التالي اذهب الى الأسفل
رد مع اقتباس نص المساهمة
تعديل/حذف هذه المساهمة
حذف هذه المساهمة
استعرض رقم الإيبي IP للمُرسل
الالتزام والمرأة المجذومة
الحمد لله (فلله الحمد ربِّ السماوات وربِّ الأرض ربِّ العالمين)1 ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له (أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون)2 ونشهد أن محمدا عبد الله ورسوله (يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم)3.
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أما بعد:
فإن الله تعالى يقول (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)4 ؛ قال الإمام ابن كثير: يأمر الله رسولَه والمؤمنيُن بالثبات والدوام على الاستقامة وذلك من أكبر العون على النصر، وينهى عن الطغيان وهو البغي فإنه مصرعة ولو كان على مشرك. إن من أعظم ما تستجلب به الاستقامة أيامُ رمضان.. و(من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)5 ولا تكاد عبادة تجمع كل معاقد الخير مثل الصيام فهي توقظ في الإنسان كل أحاسيس الإيمان وتسير به نحو كل الطاعات وتبعده عن المز الق والمهلكات ، ولعظم هذه العبادة جاء في الحديث الصحيح عن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)6 ورمضان باختصار شهر الالتزام مع الله سبحانه وتعالى ؛ فإذا لوحظ بعد ذلك أن الجهود والأوقات التي يبذلها المسلم لرمضان لا يكون مردودها من الالتزام مع الله كما ينبغي [وشهر إعادة التأهيل الإيماني إن جازت لنا تسميته لا تكون امتداداته في حياة الأمة المسلمة بالسوية المتوقعة] إن لوحظ مثل هذا فينبغي أن يعلم أن معنى الالتزام كله قد يكون ضائعا عند الكثيرين ؛ فما هو فهمنا لمعنى الالتزام مع الله؟
آية واحدة في كتاب الله تشرح كل ذلك ؛ قال تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون)7. ونقل القاسمي عن السيوطي في الإكليل أن في الآية وجوب الحضور لمن دعي إلى حكم الشرع وتحريم الامتناع.
ويبقى السؤال الملح يبحث عن جوابه : ما هو مستوى التزامنا بديننا وبعقيدتنا؟ وقبل أن أجيب سأذكر مثالا عن الالتزام حتى لا يذهب كل واحد منا إلى ما يتوهمه التزاما فيقيس الأمور من خلاله ، والمثال لم يحصل في أمة مسلمة ، والحكمة ضالة المؤمن ، وبعده سأذكر مثالا عن الالتزام في الأمة المسلمة.
في عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين ذهب فريق من علماء الجيولوجية إلى جزيرة نائية صغيرة في إندونيسية وفوجئوا بجندي عجوز يصوب إليهم بندقية قديمة ولكن صاحبها يعتني بها جيدا فما تزال تلمع في ضوء الشمس ، وهدد الجندي بإطلاق النار على كل من سيحاول التقدم في أراضي [جلالة] إمبراطور اليابان.
كان الجندي آخر رجال كتيبة يابانية احتلت بعض الجزر الإندنوسية في الحرب العالمية الثانية ، وانقطعت اتصالات الكتيبة بقيادتها وانتهت الحرب ومات الرجال ، وطويت السجلات العسكرية بعد أن ظُنَّ أن رجال الكتيبة قد فقدوا جميعا ، وبقي الجندي الشجاع وحيدا في الجزيرة! يستيقظ في كل يوم عند طلوع الفجر فيقوم بالتدريبات الرياضية المقررة ثم يتفقد التحصينات الدفاعية التي أقامها رفاقه ، وفي الساعة السادسة تماما من كل صباح كان يقف لوحده في الساحة ليحيي علم بلاده ويردد نشيد الأمة التي ينتمي إليها. لقد كان يعتني اعتناء شديدا بنظافة سلاحه ... ورفض الجندي العجوز إلقاء السلاح ولم يرد أن يسمع من أحد أن الحرب قد انتهت! كانت عقيدته أن الأرض التي يقف عليها من ممتلكات اليابان ، ومادام الإمبراطور أعطى أمرا بالدفاع عنها ؛ فلا بد من الدفاع عنها حتى الموت ، ورفض الجندي إلقاء السلاح إلا بأمر من القيادة التي أمرته بحمل السلاح! وبدأت الاتصالات الرسمية لإنهاء ذلك الوضع ! وعثروا أخيرا على أحد القادة العسكريين ممن خدم الجندي تحت إمرتهم.
كان القائد في التسعين من العمر! وقد ألبسوه ثيابه العسكرية كاملة وأتوا به من اليابان إلى الجزيرة النائية وفي موقف مؤثر للغاية قال القائد للجندي : باسم جلالة الإمبراطور الذي أمرنا بحمل السلاح فإنني آمرك الآن بإلقاء السلاح من أجل مصلحة أمتنا التي قاتلنا من أجلها .. وبكى الجندي وهو ينزل سلاحه الذي بقي على عاتقه ثلاثين عاما ثم قال بتأثر شديد : لقد حافظت عليه بعناية كطفلي ثلاثين سنة!!
ولما سألوه كيف صبرت ثلاثين عاما لوحدك في هذه الجزيرة النائية ، وبقيت مستنفرا للقتال ؛ قال: ظللت أحارب أعداء شعبي ثلاثين سنة لأن القيادة العليا لم تلغ أوامرها ، وحيث أن الأمر هكذا فكرامتي كمقاتل جعلتني أبقى ثلاثين سنة أحاربهم.
لقد تأثرت أيها الاخوة بهذه القصة تأثرا شديدا.. وأنا ما ذكرتها كي ننبهر بها.. بل لنستيقظ قليلا من النوم الحضاري الذي نعانيه لنكون مهيئين لفهم الالتزام في الإسلام.
المسلم الذي لا يشعر بتفوق إسلامه لا ينبغي له أن يعد نفسه مسلما! فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه والمسلم الذي لا يوقن أن آفاق الإسلام أرقى من كل آفاق أهل الأرض يكون في أمر التزامه دَخَل .. في عقيدته ضعف .. في إيمانه ثغرة !
وحكايات أهل الإيمان لا تدع لمؤمن راية إلا في ظلال الإسلام .. وهاهي واحدة منها : تهز القلوب هزا !!
جاء في الموطأ عن ابن أبي مُليكة قال: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بامرأة مجذومة (والجذام مرض معد خطير) وهي تطوف بالبيت فقال لها: يا أمة الله : لا تؤذي الناس ؛ لو جلست في بيتك ؛ فجلست ؛ فمر بها رجل بعد ذلك فقال : إن الذي كان نهاك قد مات [قد مات عمر يا امرأة] فاخرجي ؛ فقالت صاحبة العقيدة والمبدأ والالتزام والإيمان : (ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا)8!!!
الله أكبر.. أي عقيدة وأي إسلام والتزام عند هذه المرأة ؛ إن التزامها يطوح بالتزام الجندي الياباني المذهل! فهي لم تتعود الجندية ولم تتلق تدريبا على الانضباط ، وحتى طاعتها للأمير ليست كطاعة الجندي لإمبراطور تظنه أمته [مقدسا من نسل الآلهة]. قبل أن يكتشفوا أنه وكل ملوك الأرض وحكامها بشر فانون مصيرهم الدود والتراب! المرأة المجذومة أدركت بحسها الإيماني أن أمر عمر ليس مسألة شخصية وليس طلبا مزاجيا ؛ بل موضوعا حساسا مهما يتوخى المصلحة العامة ولابد من الالتزام به في كل الظروف..
إن فهمنا ما هو الالتزام سألتكم أين هو الالتزام أيها الناس؟ لا أسألكم عن مستوى الجندي الرائع ولا المرأة العظيمة ؛ أسألكم عن الغيبة تنخر فينا كما ينخر السوس الخشب (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه)9 أسألكم عن الفضول و(من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه)10 أسألكم عن حطكم من شأن بعضكم و(بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)11 أسألكم عن غشكم بعضكم و(من غش فليس منا)12 أسألكم عن ظلمكم لبعضكم و(الظلم ظلمات يوم القيامة)13.. أسألكم عن فراركم من التعلم واتباع أهواء نفوسكم .. والنفس لعابدها صنم ؛ أسألكم عن جريكم وراء الدنيا جري الوحوش وإهمالكم آخرتكم ، والدنيا فانية لا تبقى ؛ أسألكم عن مسارعتكم إلى الإنفاق في ما يظهر للناس وإعراض أكثركم عما لا يطلع عليه إلا الله! .. اللهم إنا نسألك مسجدا لا رياء فيه ولا سمعة ، وطعاما لا مباهاة فيه ولا إسراف ، وأعمالا خالصة لا تبتغي محمدة أحد من خلقك.
أسألكم عن هدرنا للمياه .. فلا يتوضأ أكثرنا إلا بنصف برميل من الماء ؛ وذلك من الإسراف والوسوسة. أسألكم عن حديثنا عن النظافة ؛ ودورات المياه في مساجدنا لا تسبق اتساخا وقرفا ؛ أسألكم عمن يأتي آخر الناس إلى المسجد فلا يدرك من الخطبة شيئا ؛ فيثور ولا يستوعب عقله أن يسجد على ظهر أخيه أو على التراب ويقيم النكير لأن هناك أخوات يحرصن على صلاة الجمعة وخطبتها أكثر منه ؛ بل يأتين قبله بساعة! ومادام لا يدرك إلا الصلاة فما عليه لو ذهب إلى أي مسجد يصلي فيه ، وأتاح المجال لمن يحرص على سماع الخطبة ، وأسألكم عن أخوات لنا يأتين لسماع الخطبة فلا يدعن الثرثرة والسلامات الطويلة وأحاديث الاستقبالات الفارغة ويشوشن على غيرهن من الأخوات ، والحديث الصحيح يقول (إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت)14.
وأسألكم عمن يؤذي جيرانه في أرض أو بناء أو بستان والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (والله لا يؤمن ... الذي لا يأمن جاره بوائقه)15 .. وأسألكم عمن يعرف الشرع جيدا إن كان له حق يأخذه ويعرض عن الشرع إن كان هناك حق يؤخذ منه. وأسألكم عمن يضيق صدره إذا ذكرنا مصائب المسلمين ومذابحهم ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، وأسألكم عن الالتزام بعدم التجمع أمام باب المسجد سيارات وأفرادا ؛ فإذا مرت جمعة لم يذكركم خطيبكم بالأمر انتشرتم انتشارا فأعقتم الطريق وزدتم الزحام ؛ وأسألكم عمن يخالف قانون السير إن لم يجد شرطيا يردعه ، وقانون السير يجب أن يحترم فهو ليس لأمير ولا وزير.. وأمور كثيرة سببها كلها عدم فقه الالتزام ، والذي يؤدي إلى كل هذا أمر شديد الأهمية فاسمعوه وعوه وافقهوه وانقلوه.
للنفس شعاب كثيرة ومتاهات ومنزلقات ، والهوى يلفها بظلمته ؛ فحدث ما شئت عن الآفات ؛ فإذا التزم الإنسان بالإسلام كان عليه أن ، يعرض كل ما في نفسه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)16 فإذا عُرضت النفس على دين الله نقيت من أدرانها وهذبت وطردت آفاتها ، ولكن في بعض الأحيان ولقلة فقه الإنسان ومعرفته بربه يبرز هواه ؛ فيبقي حصة صغيرة في النفس لا يدع أشعة الإسلام تخترقها ؛ فتبقى تلك الحصة مظلمة باردة رطبة متعفنة تعيش فيها هوام النفس وعناكب الهوى وعقارب الشهوات ؛ فإذا اضطربت الأمور.. فاضت تلك الزاوية بما فيها وحملت مجاريها المتعفنة كل ما تحويه من حشراتها السامة القاتلة .. كالذي تحاكمه إلى شرع الله بعدما رأيته صائما مصليا.. قائما ذاكرا .. فيقول لك: ضع الدين على جنب ، أو كالذي تذكره بحديث لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول لك : [ حتى لو كان .. خلص أنا أريد أن أفعل كذا! ] أو كالذي تنصحه بخير فتخرج لك تلك الزاوية التي لم تغمرها أشعة الإسلام ؛ تخرج لك التكبر والغرور فيقول لك ما ورد التحذير منه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه اتق الله ؛ فيقول: عليك نفسك أنت تأمرني)17 وهذه الزاوية قد تكون صغيرة ، وقد تستهلك صاحبها ، وقد كان للسلف رضي الله عنهم وقفات حازمة مع أصحاب الزوايا المظلمة ؛ وقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخذف وهو رمي الحصى الصغار ، وقال: إنه لا يقتل الصيد ولا ينكأ العدو وإنه يفقأ العين ويكسر السن ؛ ثم أن قريبا لابن مغفل خذف ؛ فنهاه وأعلمه بالحديث ثم عاد.. فقال: أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها ثم عدت تخذف ؛ لا أكلمك أبدا)18.
وذكر عبد الله بن عمر : (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)19 فقال أحدهم: والله لنمنعهن! فقاطعه.
والالتزام لا يعني الطاعة العمياء بل البصيرة الإيمانية التي تتوخى المقصد الشرعي في كل حركة ، ويشرح هذا الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (استعمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من الأنصار على سرية بعثهم وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا ؛ قال: فأغضبوه في شيء! فقال: اجمعوا لي حطبا فجمعوا ؛ فقال: أوقدوا نارا ؛ فأوقدوا ، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا ؛ قالوا: بلى ؛ قال: فادخلوها ؛ فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النار ؛ قال: فسكن غضبه وطفئت النار. فلما قدموا على النبي ذكروا ذلك له فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها إنما الطاعة في المعروف)20 والمعروف هو المعروف شرعا.
والإسلام بلا التزام لا يصح بل هو دمار للعقيدة والشريعة ، وربما يصل البعض في تفكيك الإسلام إلى ما ذكره العلامة الشيخ علي الطنطاوي لما استدعاه وبعض العلماء في الخمسينات حاكم قال لهم أنه يرى أن الصلاة والصيام بل كل العبادات إنما أتت لأمة بدائية ؛ أما فاعل الخير اليوم زكي النفس فلا حاجة له بهذه الأمور ، وتصدى له الطنطاوي رحمه الله ليقول له : الغريب يا كبير القوم ؛ أنكم وصلتم إلى درجات عالية من الإيمان ؛ و أنا أعرف عظماء كبارا ما استطاعوا الوصول إليها إلا مع التزام كل ما أمر الله ؛ فقال كبير القوم: ومن هؤلاء العظماء ، فقال: واحد منهم اسمه محمد بن عبد الله  وآخر اسمه أبو بكر الصديق وآخر اسمه عمر بن الخطاب.. فانقطع الرجل!
والالتزام بالإسلام سلسلة تبدأ من المحراب وتنتهي بالحضارة الشاملة ، وعملية تفكيكها وتخريبها متواصلة تبدأ من نفس تعشق الهوى وتنتهي بدول كبرى تكيد للأمة المسلمة.
الماركسيون يرون العقيدة تخلفا ، ودول الغرب ترى الجهاد شيئا يجب أن يلغى ، والجهلة يقطعون من الإسلام قطعا ؛ يعطون هذا قطعة وهذا قطعة وهم يفتتون ولا يشعرون ؛ والإنسان الذي يؤذي جاره لا يقل تخريبا عن صهيوني يقتل مجاهدا من حركة حماس ، والمسرف المبذر فينا لا يقل جريمة عن جندي صربي يحاصر المسلمين حتى يموتوا.
وتحرير العالم الإسلامي عسكريا وسياسيا واقتصاديا من هيمنة الطامعين مهمة الأجيال القادمة من أبناء المسلمين ، ولقد أصاب جيلنا وما قبله الترهل والكسل والإحباط.
ويا ابن الإسلام رغم كل ما ذكرناه لا تجزع فالدرب طويل لكنا لا نتعب أبدا ، و بداية السير تكون بالالتزام بدين الله ، والخروج من الأهواء والشهوات ؛ بالتجرد ؛ بمعرفة حق الله ومعرفة عاقبة المعرضين ، وفي الصحيح من حديث حذيفة ؛ لما سأل رسول الله عن الشر وأهله وماذا يصنع؟ فقال له: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ؛ فقال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؛ قال: تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)21.
الاسترهاب الإعلامي الدولي
الأسرة ومؤتمر بكين
الحمد لله (وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء)1.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليكون للعالمين نذيرا. يا أيها الناس اتقوا ربكم (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً)2.
أما بعد فالسنة الربانية لا تتخلف قال تعالى : ( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون )3
ضياع الذكرى فاتحة نسيان جهول ظاهره مغدق وباطنه عذاب ، وليس كل ما يلقى إلى الإنسان من علم بصحيح ولا نافع ؛ يحذرك إقبال (إياك وأن تكون آمناً من العلم الذي تدرسه فإنه يستطيع أن يقتل روح أمة بأسرها)4 والاختلاطات الناجمة عن علم مزيف شديدة الأذى سرطانية الانتشار.
كيان الأسرة في العالم يراد له التضعضع والتفكك ثم التلاشي , وقلب الأمور سياسة عالمية متبعة تشارك فيها كل وسائل الإعلام الدولية المبرمجة مسبقاً لطحن وتذويب وهدم واحات الاستقرار البشري.
الإعلام الدولي يصور المشاكل بعدسات خاصة تحيل التافه جليلاً والخطير بسيطاً والأدوات البشرية المنحرفة تختلف باختلاف التاريخ ولكن المنطلق واحد: التهويل والتضخيم والاسترهاب وهي أمور ينجو من حبائلها طويل الصحبة مع كتاب الله : (قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم)5
وتحطيم الأسرة الصالحة رافقه استرهاب عظيم للناس في زمن فرعون واقتضت الخطة أن يبدأ الاستئصال من مهاد الأطفال : ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين)6 مشكلة فرعون أنه وقع في غباء تنفيذي ؛ وسائله كانت متخلفة ولم تسعفه فرعونيته في إدراك ووضع بعض اللمسات الفنية الخبيثة لتمر الأمور من دون لفت نظر ؛ ولقد انتبه الشاعر الإسلامي أكبر الإله أبادي لذلك فقال في أشعاره: (يا لبلادة فرعون الذي لم يصل تفكيره إلى تأسس الكليات (والجامعات والمدارس واستخدام المغالطات المدعاة القائمة على علم مزيف) وقد كان ذلك أسهل طريق لقتل الأولاد ولو فعل ذلك لم يلحقه العار وسوء الأحدوثة في التاريخ)7. إن الزخم الإعلامي الدولي بحجة البحث عن حقوق المرأة ينسف المرأة والرجل والأسرة في لغم واحد ، ومسكينة أنت يا شعوب العالم الثالث والرابع والعاشر ؛ فحتى الحديث عن خَلاصِك المزعوم تكرهين فيه على حمل مشاكل ثلة محدودة من المنحرفات بينما تبقى همومكِ هي هي بل تزدادين تجرعاً للمهانة و الصغار و الذلة وتضيعين في مشاكل غيرك : (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون )8.
وفي محاسن التأويل عن سبب نزول الآية نقلاً عن الطبري أن الأخنس خلا بأبي جهل يوم بدر فقال يا أبا الحكم: أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهبت بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والنبوة فماذا يكون لقريش؟
والحق واضح ولكن إذا أتبع الحق فكيف تضلل الأمم والشعوب. إن أسهل وسيلة لحكم الأمم إغراقها في الشهوات الحسية وإحراق طاقات الشباب في أتون جنس مرعب وخشية أن ينشأ موسى ليقوض قصر فرعون فلتجتث الأسرة من الجذور وليكن ذلك بمقدمات طويلة وخطوات خبيثة وتلاعبات لفظية منتقاة ودغدغات لمشاعرَ مراهقةٍ تفقد الكثير من ضوابط المحاكمة السليمة ، وفوق ذلك فإن اتباع الحق سيحرم سحرة الإعلام الدولي من أموال هائلة تصب في صناديقهم يتقاسمونها مع كل فرعون خبيث.
(وجاء السحرة فرعون قالوا إنّ لنا لأجراً إن كنّا نحن الغالبين * قال نعم وإنكم لمن المقربين)9. ومقدار الأموال التي تدخل إلى جيوب لصوص الأرض من وراء الإعلام الدولي المخرب وتجارة الجنس مما يصعب رصده وحصره ، وكي تؤمن سوق مستمرة للاستهلاك فلا بد من خطط قصيرة وطويلة الأجل تكسر كل منع للتلاعب وليس هناك ما هو أفضل للتحطيم من تدمير الأسرة ومقوماتها والمناداة بالحياة البهيمية الحيوانية واسترهاب الناس لقبول الخطوات التدريجية للتحطيم وإلا فإن ألف مطرقة وسندان سيحصر الناس بينها.
(ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين)10 ؛ يقسمون بالله ويقرون بالربوبية بأنهم ما أرادوا الشر ولا الفساد ولا تدمير الدين ولا الأخلاق ولا تحطيم الأسرة ولا تفتيت المجتمعات ولا إلهاء الشعوب ولا الالتفاف الخبيث عليها : ( انظر كيف كَذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون )11.
وتحت الضغط والاسترهاب يشعر البعض وكأن تمسكهم بالأخلاق والفضائل أمر معيب ، وفاقد العقيدة وحده يخشى هذا المنطق المعوج الماكر ؛ فالأسرة في قاموس الشذوذ الدولي القادم بقية تخلف تاريخي والدين أساطير والفضائل خرافة والأخلاق أوهام والإشباع الحيواني بأي طريق هو وسيلة البشرية المسكينة للانعتاق من أسرها ومع التكرار الإعلامي الدولي تنحني قلوب وجباه ، وتخنع أجيال ومجتمعات ويصبح الطهر جريمة والانفلات بطولة والدين إرهابا والدعارة من لوازم الحياة (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )12 جريمة القوم الصالحين أنهم أهل طهر واستقامة ، والانحراف لا يطيق ذلك فإن وجود فرد نظيف ذو صوت مدوٍ يفضح كل الغارقين في حمأة الفساد.
وإذا كان من تعاليم اليهود الأساسية استخدام شعوب العالم حميراً للمصالح التلمودية فإن تدمير الأسرة يأتي في المقدمات ، وإغراق الفتيان والفتيات في المشاغل الجنسية ربح لا يقدر بثمن ؛ هم يريدون مسوخاً بشرية لا تتقن إلا المظاهر الفارغة والجري في الطرقات و التكالب على الشهوات ، و هي أسهل وسيلة لحكم العالم ، والمؤتمرات التي تعقد لتحرير المرأة لا تفعل شيئاً سوى تدمير المرأة والرجل والأسرة والمجتمع , وقد وضعت الباحثة الغربية (ديل أوليري) دراسة خاصة عن تلاعبات لفظية لتدمير المرأة وراءها جمعيات أميركية نسائية شاذة يترأسها عضوة سابقة في الكونغرس وهي يهودية صهيونية شديدة التعصب هدفها الأول الدعوة إلى الإجهاض والحرية الجنسية بشكل حيواني بشع وفتح أبواب الشذوذ بكل أنواعه ويعجبني ما ذكرته الكاتبة الإسلامية صافيناز كاظم في مقابلة إذاعية يوم الاثنين الماضي في برنامج الرأي الآخر من أن هناك هستريا إعلامية دولية هدفها الأول تحطيم الأسرة ، ومن ذلك أن المرأة الحامل يراد لها أن تجهض جنينها ويصبح الإجهاض أمراً متعارفاً عليه واللقاء الحيواني بين الرجل والمرأة هو الغاية , أما المرأة التي لا تحمل فلها مطالب وضغوط شديدة لتلقيحها بنطفة لتحمل ولو لم تكن النطفة لزوج شرعي ولتكن لسافل أو خنزير بشري لا فرق في النتيجة ، الحامل تساق إلى الإجهاض وغير الحامل تساق إلى التلقيح الصناعي؟ ويا أيتها البشرية المنكودة لا تعترضي وإلا فإن الأرض لن تزهر سعادة وزهوراً وسلاماً. (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)13. إن تجارة الدجل العالمي ينبغي أن تفضح وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر)14، والدجالون كثر وفي حديث النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم)15 , والدجاجلة والكذابون لا يصنعون شيئاً ما لم يخضع لهم الناس بإرادتهم وبانحرافهم وفسوقهم ؛ قال تعالى : (فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين )16 فلولا فسوقهم و لحاقهم بالشهوات لما تمكن الدجال منهم وهي قاعدة عامة عرفها مالك بن نبي فقال : أن العوامل الخارجية لا يمكن أن تؤثر إلا في حال وجود عوامل ضعف داخلية تسندها ؛ وفي حديث للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الدجال يقول: (أنا ربكم فمن قال ربي الله فلا فتنة عليه ومن قال أنت ربي فقد افتتن)17.
إن شقاء البشرية لا يتناهى عندما تغرق في طريق ظاهرُ أوله أزهار وآخره هلاك مريع ، والببغائية التي تكتنف عقول الكثيرين من الناس ينبغي أن تزول ، ورحم الله الشافعي إذ يقول: (من جهل شيئاً عاداه) والبشر عندما يجهلون آفاق النفس المدهشة يقعون في الحضيض ويتمرغون في الأوحال ويعبون من كؤوس الشهوات.
إن الروح والقلب مبعدان عن الساحة وكما تضمر العضلات التي لا تستخدم وكما تضيع اللغة التي لا تستخدم فكذلك الآفاق العليا يحجب عنها الخلق بالخلق فإذا رجعوا إلى الخالق العظيم وجدوها.
(ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين)18؛ ابن عطاء الله فقه المعادلة فقال لسالك في الطريق: (لا ترحل من كون إلى كون فتكون كحمار الرحى يسير والذي ارتحل منه هو الذي ارتحل إليه ولكن ارحل من الأكوان إلى المكون) (وأن إلى ربك المنتهى)19ويناجي الله تعالى فيقولSad إلهي كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته أم كيف يرحل إلى الله وهو منكب في غفلاته) ، ومعادلات الثبات ليس فيها غموض وإنما تحتاج إلى همة إيمانية ؛ لا يخرج الدجال حتى يذهل الناس عن ذكره وحتى تترك الأئمة ذكره على المنابر, وإن الدجال يقول: (أنا ربكم فمن قال ربي الله فلا فتنة عليه ومن قال أنت ربي فقد افتتن)20 , وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال هذا الدين قائماً تقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة)21. والاسترهاب الإعلامي الدولي إنما ينبغي أن تتفادى آثاره وتشتت جهوده بوعي إيماني ضارب الجذور ، صمته بحر عميق وكلامه موج هادر متلاطم. الببغائية يجب أن ترتفع من تفكيرنا والحمق في حمل الإسلام هو الذي جنى على الإسلام والمسلمين ، وما يضر الجاهل مثل نفسه ومقدمات الفساد إنما مفاتيحها بأيدينا إغلاقاً أوسماحاً بالمرور وهؤلاء الذين ما زالوا يفكرون بذاتية طاغية لا يدركون كم يفتحون أبواب الفساد فينا ، وفي هذه الأيام تتناقل كثير من الصحف أخبار عبادات شيطانية مجنونة تُصدَّرُ إلينا ويكون من ورائها انتحار لبعض الشباب وتعتمد أساساً على موسيقى (الهارد روك والهفي ميتال) وأشباهها وبعض باعة الثياب يضعون أمثالها في محلاتهم استجلاباً للزبائن وأرى بعضهم في المسجد! هم بصراحة جزء من شبكات التخريب والتدمير والتهوين للأمور الفاسدة وإن لم يعلموا! والحل بنصحهم وإلا فبمقاطعتهم ؛ من قال ربي الله فلا فتنة عليه ومن فلسف الخبائث له ولغيره فلا يلومنّ إلا نفسه ؛ إن العودة إلى الذات ومعرفة الخير الكامن في هذه الأمة من أساسيات الثبات ، والحفاظ على الأسرة من المحاولات الشيطانية لتدميرها لا ‏يأتي إلا بالحفاظ والثبات على كل بعد إيماني حلاً وحرمة (ولو أن تعضَّ على جذع شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك)22 كما ورد في الحديث الشريف.
تغطية الإسلام و تعمية الخيرية فيه لا تأتي إلا بمقدار ما نسمح نحن بذلك من أنفسنا ، وإلقاء المسوخ المستوردة في الأمة لا يفلح إلا بضعفنا وغفلتنا وقلة التزامنا ، وحديث السفينة المشهور ينبغي أن يذكر ليل نهار حتى يفقهه الجميع لأن كل واحد منا ربما يفتح ثقباً وهو يضحك ظاناً أنه يحضر الماء ولا يزعج الآخرين ، وصدق صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول عن أصحاب السفينة العقلاء مع الجهال : (فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً)23.
وسواء أكان الالتزام بفقه بعيد يمنع حصول أسواق عند أبواب المساجد24 أو كان الأمر التزاماً بعدم نشر أي فساد في المجتمع مهما كان صغيراً (بدءاً من إلقاء المحارم الورقية في الطرقات ، ومروراً بالمعاني الساقطة في أغان مجنونة وعطفاً على الدعايات التلفزيونية التي لا يسبقها شيء في قلة الذوق والاستهلاك الجنسي المبطن إلى حد القرف والتي ما فرضها التلفزيون ولا الدولة على أحد بل يصنعها تجار أكابر كثيرون منهم مسلمون وبعضهم يصلون في المساجد) فإن علاج كل ذلك يأتي عندما تدركون معنى أن تلتزموا بكلام إمامكم إذا طلب منكم عدم الشراء من على أبواب المسجد أو عدم التوقف والزحام ؛ عندما تدركون ذلك فسأشرح لكم كيف أن حملة مقاطعة سليمة هادئة لكل منتجات أصحاب نشر الفجور في المجتمع كفيلة بأن تخفف كثيراً من قلة حيائهم ، وبعدها فليست المشكلة أن يعقد ألف مؤتمر ؛ طيباً كان أو خبيثاً ما دامت هناك عقيدة ملتزمة وإيمان ممتد وفقه واسع عندها سيكون في وسع الداعية أن يلتفت إلى المشاكل الحقيقية للعالم من الظلم والاضطهاد ويرفع عن الشعوب القهر الطويل ولابد أن يتوقف عند مشاكل المرأة المسترقة بتجارة بشعة رقيقاً رخيصاً أبيض أو مؤودة بالملايين في الصين.. أو مقدمةًً خمس نساء كل يوم للحرق في الهند .. إن العالم من دون هداية عالم بشع وتحرير المرأة لا يمكن إلا مع تحرير الرجل أي عندما يهتديان سوية بهدى الله, ومن أصغر المنكرات إلى مشكلة المرأة إلى التفجيرات النووية الفرنسية في المحيط الهادي تبقى البشرية تئن وتتوجع فمتى تكون العودة إلى الله. أقول قولي هذا وأستغفر الله.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى