مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* عالم الجن - عالم السحر-الأسرة وحماية البيئة

اذهب الى الأسفل

*  عالم الجن - عالم السحر-الأسرة وحماية البيئة Empty * عالم الجن - عالم السحر-الأسرة وحماية البيئة

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 4:34 pm

عالـم الجن بين العقيـدة والخرافـة
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله حق حمده ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أما بعد : فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن من كلام الله تعالى قوله: (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون * والجآن خلقناه من قبل من نار السموم)1 .
وقد تكلمنا في الخطبة الماضية عن عالم الملائكة وقلنا أن خلق الله أوسع مما تدركه الحواس ، والخبر عن عوالم الغيب لا يؤخذ إلا من وحي قاطع أو علم ساطع ، ولما كانت عوالم الحس تعجز عن إدراك كنه الغيبيات ، فلا يكون الدليل عنها إلا بالنقل الثابت عن كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة ، ونتابع اليوم حديثنا عن عالم آخر من عوالم الغيب : عالم الجن ؛ فهل هناك فعلا خلق يدعى الجن وهل هم كفرة أم مؤمنون وهل هم مكلفون شرعا وهل يعلمون الغيب ، وما العلاقة بين الجن وإبليس والشياطين ، وهل لكل إنسان شيطان يرافقه ، وهل يقع الإنسان فريسة للجن والشياطين فيدخلونه ، وهل تحب جنية حسناء أحد بني البشر فيكون في المشرق فيتزوجها وهي مقيمة بالمغرب ، وما الذي على المؤمن أن يفعله في مواجهة تلك العوالم ، وهل الشيطان عدو للإنسان وما الذي يدفع عنه مكره وكيده وكيف تكون مقاومته ، وعلى من تتسلط الشياطين ، وأخيرا ما العبرة من علمنا بوجود الملائكة والجن.
سنحاول الإجابة باختصار شديد عما سبق فنقول : لقد أثبت كتاب الله تعالى وجود خلق آخر سماه الجن وأخبرنا أن منهم الصالح ومنهم الطالح قال تعالى : (وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا)2 ؛ أي ضروبا وأجناسا ، وقال تعالى : (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا * وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا)3 ، وهم مكلفون كالبشر قال تعالى : (يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا..)4 ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن بأصحابه صلاة الفجر فاستمع إليه نفر من الجن ؛ قال تعالى : (قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)5.
هل يعلم الجن الغيب؟ إنهم لا يعلمون ؛ فقد قال تعالى في سورة سبأ عن قصة سيدنا سليمان معهم (فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين)6 ، وبذلك تعلم فقه حديث نبيك : )من أتى عرافا فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة)7 فان كثيرين من الناس امتهنوا التدجيل حرفة يخدعون الحمقى ويأخذون أموالهم بحجة صحبتهم للجن وأنهم سيسألون لهم عن مكنونات الغيب وهذا مردود بنص القرآن ومن اعتقد أن هناك من يعلم الغيب من دون إذن من الله فقد كفر لمناقضته ورده القرآن ؛ قال تعالى : (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا * إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا)8 أي يجعل الله حرسا حول هذا الرسول الذي أطلع على بعض الغيب من ملائكته أو شهب لحفظ هذا الغيب من تلاعب الشياطين.
ولكن شياطين البشر يوحون للجهلة بقدرتهم على معرفة الغيوب ، وهذا تدجيل وإسفاف بل انحراف عن الإيمان واحتقار للعقول وانتهاب للجيوب ، وزرع للحماقات في أمة يعجز كثر منها عن بناء المستقبل من خلال الأسباب التي جعلها الله قياما للناس فيلجئون إلى السخافات والخرافات لتكون لهم حيلة نفسية للقعود.
فهذا نقل له عن ملك الجن أن الصفقة الفلانية خاسرة! وهذا أخبروه أن ملك العفاريت اطلع على نتائج (البكالورية) قبل أن تصدر بسنة فرأى أن فلانا راسب! فما عاد درس بعدها! وهذه أخبروها أن العريس الفلاني لم يجده الشياطين مناسبا لأنه لا يملك شقة في (حي المالكي) ليتزوج بها! وهذا علم من صلاته الخاصة مع الأشباح والأرواح أن العرب لن تقوم لهم قائمة وأنه خير لهم أن يقبلوا يد (أميركا) ووجنات (إسرائيل) ويبيعوا القضية!! ومسكينة هذه الأمة كم هي فقيرة في العلم والفقه والدين حتى يتلاعب بها هذا التلاعب المخيف.
أما العلاقة بين إبليس والشياطين والجن ؛ فإبليس على رأي بعض العلماء مشتق من الإبلاس وهو اليأس من رحمة الله ، ومنع من الصرف لأنه لا نظير له من الأسماء ، وهو أبو الشياطين وأصلهم الأول ؛ كما أن آدم أبو البشر؛ والشياطين جمع شيطان والشيطان هو كل متمرد من الإنس والجن والحيوان ، ويطلق اصطلاحا على المتمرد من عالم الجن ، وشياطين الإنس والجن توسوس بالباطل وتدعو إلى الشر وتقعد عن الخير ، وفي حديث سَبرَة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن الشيطان قعد لابن آدم بطرق: فقعد له بطريق الإسلام فقال: أتسلم وتترك دينك ودين آبائك ؛ فعصاه وأسلم ؛ ثم قعد له بطريق الهجرة فقال أتهاجر؟ أتدع أرضك وسماءك ؛ فعصاه وهاجر ، ثم قعد له بطريق الجهاد فقال: أتجاهد (وهو تلف النفس والمال) فتقاتل فتقتل فتنكح نساؤك ويقسم مالك فعصاه وجاهد! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن فعل ذلك فمات كان حقا على الله أن يدخله الجنة)9. ؛ وكل إنسان معه ملك يدعوه إلى الخير وشيطان يدعوه إلى الشر ، وفي حديث مسلم عن عائشة أنها غارت فقال صلى الله عليه وسلم: (أقد جاءك شيطانك؟ قلت يا رسول الله: أومعي شيطان؟ قال: نعم ؛ قلت: ومع كل إنسان شيطان؟ قال: نعم ؛ قلت: ومعك يارسول الله؟ قال: نعم ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم)10. وظاهر السياق أنه أصبح مؤمنا فلا يأمر إلا بخير ، ويؤيد ذلك قوله تعالى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)11، فليس لتلك العوالم الشيطانية سيطرة على المؤمن إلا إن أعطاها هو الصلاحية ؛ إن أعرض عن ذكر الرحمن ؛ إن رضي أن يفتح قلبه لها ؛ عندها تستحوذ عليه وتمتلكه ؛ فلا تدعوه جوارحه إلا إلى معصية ولا يميل قلبه إلا لشهوة ولا تقنع نفسه إلا بحرام ؛ قال تعالى (استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون)12؛ فمن فتح لهم قلبه سكنوه فإن تمكنوا منه حجبوه عن ذكر الله فهلك فضموه إلى حزبهم ، وهنالك الخسران المبين.
لدينا سؤال مهم جدا: هل تدخل الشياطين في ابن آدم؟ وقد يسأل سائل: ولماذا هذا البحث؟ وأقول له : لأن وقتا لا يستهان به من أوقات الأمة ينفق في هذه الأبحاث من دون عقيدة سليمة ولا علم صحيح ؛ فينصرف الكثيرون ليتبعوا الدجالين وصيادي المغفلين ومن يستثمرون تلك الأمور ؛ فيبقى كثيرون من الناس في خبل وجهل ، ونسبتهم حتى في الطبقات المثقفة عال مريع ، والكثيرون عندما يعقون في مشكلة يتصرفون بطفولة عقلية معها كل بصمات الجهلة ، وهذا عند المؤمن لا ينبغي أن يحصل ؛ فإيمانه راسخ لا يتغير.
ورحم الله الإمام ابن القيم فقد كان فقيها وطبيبا إيمانيا ونفسيا ؛ تحدث في زاد المعاد عن الصرع فقال الصرع صرعان : صرع من الأرواح الخبيثة الأرضية وصرع من الأخلاط الردية (أي هناك من يكون صرعه بسبب عضوي ؛ أي بلغتنا المعاصرة : إفراز المخ لمواد كيميائية أو نقص مواد كيميائية أو اختلالات عضوية أو هرمونية ، وهذه دواؤها حسي مادي ، وصرع من أسباب نفسية وغيبية) ويقول أن العلاج لهذا الأمر يلزم فيه التنبه لأمرين: المصروع والمعالج.
فالذي من جهة المصروع يكون بقوة نفسه ، وصدق توجهه إلى فاطر هذه الأرواح وباريها والتعوذ الصحيح بالله والذي قد تواطأ عليه القلب واللسان ؛ فإن هذا نوع محاربة ، والمحارب لا يتم له الانتصاف من عدوه بالسلاح إلا إن كان السلاح صحيحا في نفسه جيدا ، وأن يكون الساعد قويا فمتى تخلف أحدهما لم يغن السلاح كثير طائل ؛ فكيف إذا عدم الأمران جميعا ؛ بكون القلب خرابا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه ولاسلاح له ؛
أما من جهة المعالج ؛ فأن يكون فيه هذان الأمران أيضا .. صدق التوجه إلى الله والتعوذ الصحيح بالله.
وذكر ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية أنه كان يعالج بآية الكرسي ، وكثرة قراءة المصروع ومن يعالجه بها ، وقراءة المعوذتين ؛ ثم يقول ابن القيم : وأكثر تسلط الأرواح الخبيثة على أهله يكون من جهة قلة دينهم وخراب قلوبهم وألسنتهم من حقائق الذكر والتعاويذ والتحصنات النبوية والإيمانية. ا.هـ
والخلاصة أن المس أو الصرع قد يكون لأسباب عضوية مادية فعلاجه عند أطباء الأجسام ، ومس أو صرع مرتبط بسبب غيبي ؛ فعلاجه بصدق التوجه إلى الله تعالى والتوكل عليه والاستعاذة الصحيحة به ، ولا شيء خير من القرآن الكريم ؛ أما من يطلبون من أهل المصروع أن يصنعوا مزيجا من ذنب ثور وقرون سلحفاة ولبن العصفور مع مرارة الحية! فهم أهل التدجيل على الناس والاستخفاف بعقولهم وإضاعة أموالهم وأعمارهم ، وصدق رب العالمين فإنه لو تدبرت الأمة هذه الآية لوفرت خلال القرون أوقاتا وجهودا وأموالا طائلة سكبتها بين أيدي الدجاجلة ؛ قال تعالى (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم * إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون * إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون)13.
فإن كنت مؤمنا بحق متوكلا على الله بحق فليس لشيطان من الإنس ولا الجن عليك سبيل! فإن توليته أنت فلا تلومن إلا نفسك. إن كنت عبدا لله فليس يجرؤ أحد على أذاك ؛ قال تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا)14. وقد ورد عن رسول الله في الأحاديث الصحيحة أن (من قرأ قل هو الله أحد والمعوذتين كفته)15 ؛ ومن لم تكفه فلا كفاه الله.
المشكلة أيها الناس هي قلة اليقين ؛ عندما يخرج الإنسان من بيته ليلقي القمامة والشارع معتم والريح باردة تصفر وبعض انعكاسات الأشجار والأبنية تنعكس كالأشباح الهائلة ، وفي قلب ذلك الإنسان ضعف فانه يحس بالعفاريت والجن والأشباح من حوله وينخلع قلبه ؛ أما صاحب العقل الراجح فيعلم أسباب تلك الأمور فلا تهز في قلبه وترا واحدا ، وكذلك المؤمن ؛ لا تهزه الأشباح والأرواح ولا الجن ولا الشياطين ، ويعتقد اعتقادا جازما أن الله يتولاه ويحفظه وليس بعد القرآن عاصم ؛ فيعيش دائما في أمان الله ورحمته ؛ أما ولي الشياطين فمن دجال إلى محتال ومن فزع إلى اضطراب ، وتختل أموره ، وكثيرة هي الأمور التي يفكر الناس فيها بشكل لا يقره شرع ولا عقل! تكون المرأة سيئة التصرف مع زوجها فيحصل الطلاق فلا تحاول إصلاح خلقها المعوج بل يتهمون الجارة بوضع رصد للتفريق! ويسيء الإنسان تربية ابنه فيخرج فاجرا ؛ يكون الأب أول ضحاياه فيندب الأب حظه لأن جنيا دخل فيه منذ كان صغيرا فما استطاع بعدها فلاحا! ويغامر الإنسان بالمال فيخسر فيدعي أن جاره كتب لملك الجن فبارت التجارة من وراء رأسه! وتفشل حرب 1948ضد اليهود بسبب أسلحة الملوك الفاسدة فيقول لك أحمق ساذج أو مجنون: لم تنطلق المدافع لأنه كان يسكنها بعض الجن!! ولا أدري لماذا يسكنون دائما في مدافع عربية ولا يسكنون في مدافع (الأميركان أو الصهاينة) مثلا! ويأتيك الطالب الكسول البليد ينام طول العام فيرسب في (البكالورية) عشر مرات ولا يريد أن يعترف أن صنعة أو حرفة يدوية انفع له ؛ فتندب الأم حظها وحظه بسبب أنه ممسوس! وللناس في إدخال الباطل إلى عقولهم مذاهب (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا قليلا من المؤمنين) 16.
أما من يتزوج جنية بالصين وهو مقيم بالمغرب فأمر لا يطيقه العقل السليم ولا الشرع القويم ، وعلى من يصدق هذه الطرف والنكات أن يزوج كل الشباب العزاب ؛ فمهور بنات آدم غالية جدا والبيوت أغلى ، والزواج من الجنية أسهل بكثير ؛ أعاذنا الله من سوء التفكير والتدبير.


مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
طــارق فــتــحــي
الرئيسيةالبوابةاليوميةس .و .جبحـثقائمة الاعضاءالمجموعاتالبيانات الشخصيةالرسائل الخاصةخروج [ طارق فتحي ]

بحـث...
بحـث

السحر بين الحقيقة والوهم
إرسال موضوع جديد إرسال مساهمة في موضوع
مـنـتـديــات الــبـــاحـــث :: ( البـاحـث في االاديان) :: الدين الاسلامي :: القرآن الكريم
صفحة 1 من اصل 1 • شاطر • المزيد!
استعرض الموضوع السابق استعرض الموضوع التالي اذهب الى الأسفل
رد مع اقتباس نص المساهمة
تعديل/حذف هذه المساهمة
حذف هذه المساهمة
استعرض رقم الإيبي IP للمُرسل
السحر بين الحقيقة والوهم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا كما يحب ربنا ويرضى ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعبده مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، ونشهد أن الهادي محمدا عبد الله ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
عباد الله اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ؛ أما بعد :
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها وكلَّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ، وإن من كلامه تعالى قوله لموسى عليه السلام في مواجهة فرعون وسحرته : ( قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إنما صنعوا كيدُ ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى ) 1 ويحتاج المسلمون إلى هذه العزيمة والصدق في وجه جيوش من الخرافات تجتاح عقولهم وتبلبل عزائمهم ، والمسؤول عن الموضوع عاملان ؛ أولهما: الانحطاط الإيماني ومن ورائه كل أنواع الضعف العلمي والفكري والثقافي والاجتماعي ، وثانيهما: التركيز الشديد خلال مئات السنين على موضوع السحر وكأن العقيدة لا تقوم إلا عليه مع أنه من أصغر فرعياتها ، ولا أدري ماذا ينفع أمة تستباح أراضيها وتنتهك أعراضها وتنتهب أموالها وتنكس راياتها في كل الميادين ، أن يقوم فيها نفر يركزون على موضوع السحر والسحرة بطريقة مغلوطة حتى غلب التفكير الخرافي على عقول الدهماء وضاع بينهم العلماء ، لذا نتصدى لطرح الموضوع باختصار فنقول:
السحر في العرف الشرعي مختص بكل أمر يخفى سببه ويُتخيل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التمويه والخداع ، ومتى أُطلق أفاد ذم فاعله.
وهل للسحر حقيقة أم هو مجرد تخيل وخداع؟ قال القرطبي: بأن السحر عند المعتزلة خدع لا أصل له ، وعند الشافعي وسوسة وأمراض ، وعندنا ؛ يقول القرطبي : "أنه حق وله حقيقة يخلق الله عنده ما شاء".
وفي كل الحالات فإن الله تعالى لم يتعبدنا ولا يسألنا يوم الدين عن هذا الأمر ، والذي نسأل عنه هو التوحيد والإخلاص ، وعقيدتنا أنه لا ينفع ولا يضر شيء إلا بإذن الله ، وقد وردنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : (قل هو الله أحد ؛ قل أعوذ برب الفلق ؛ قل أعوذ برب الناس ؛ لم يتعوذ الناس بمثلهن) وفي رواية النسائي أنه قال لأحد أصحابه (قل: قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا يكفك كل شيء)2
ولكن الإسرائيليات دخلت في كثير من العقول الشاردة وحتى وجدت لها مكانا لتزاحم العقيدة النقية بأباطيل وترهات ، وبعض من يدرسون الناس يستدلون لهم عن السحر بقصة الملكين في سورة البقرة وأغلب ما ذكر فيها إسرائيليات قبيحة ، ومن ذلك قولهم أن ملكين من خيار الملائكة نزلا من السماء ثم فتنا بامرأة اسمها الزهرة وراوداها عن نفسها ووقعا بها ودخلا في دينها وشربا الخمر وقتلا نفسا بغير حق ثم استدرجتهما حتى علمت منهما الاسم الذي يُصعد فيه إلى السماء فعرجت فمسخت كوكبا وهو الذي يسمى الزهرة ، وهذا سخف قبيح وباطل صريح يتنزه عنه أهل الحق في تفاسيرهم والعلماء في دروسهم ؛ إلا أنَّ قرونا من الخرافات لا بد أن تدع بعض البصمات الخبيثة فترى أن هناك من لا يزال يخبط هنا وهناك ويمهد الناس لقبول ما لم يأت به شرع ولا يقره عقل.
ذكر الإمام القاسمي في محاسن التأويل: (أن للعلماء في هذه الآية وجوها كثيرة فمنهم من نقل الغث والسمين ، وبعضهم وقف مع ظاهرها البحت ، وتمحل لما اعترضه بما المعنى الصحيح في غنى عنه ، ومنهم من ادعى التقديم والتأخير ورد آخرها على أولها بما جعلها أشبه بالألغاز والمعميات التي يتنزه عنها بيان أبلغ كلام).
ورحم الله القاسمي فقد كان رجل فصل يكره طريقة الضعفاء الذين يوهمون الناس بقولهم : للموضوع أثر ، أو قد ورد شيء من هذا ؛ لأنه ما كل ما ورد يؤخذ وما كل ما يؤخذ بصحيح وعلى العلماء تبيين ما يعتقدون حقا من دون مهادنة للجهلة وأشباه العوام الذين تستطيب نفوسهم ذكر الغرائب والعجائب من أجل رواج سوقهم عند الدهماء ولو استطالوا على كتاب الله وسنة رسوله  ، ولو شوهوا صفاء العقيدة وأدخلوا الأكاذيب وأقحموا الإسرائيليات بما فيها من العجب العجاب الذي لا يقره عالم من أولي الألباب.
وقد أفضنا في الموضوع لأن تفسير الآية بشكل معوج أصل من الأصول التي يعتمد عليها الدجالون في تمرير الحيل على الناس ؛ بما يشرحونه من غوامض فيها وإحالات واستدلالات فاسدة كلها ؛ فلا يخرج السامع منها إلا باضطراب عقيدته وتشتت نفسه وذهاب نعمة العقل عنه وضياع هدي الكتاب والسنة من بين يديه.
وقصة الملكين كما رواها الكتاب العزيز وردت في سورة البقرة قال تعالى: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)3.
وأغلب ما يتناقله جهلة القصاص مأخوذ من تلمود اليهود قاتلهم الله من الإصحاح الثالث والثلاثين (مدراس يديكوت) أما التفسير السليم الصحيح الذي يتفق مع العقيدة السليمة فما نقله القاسمي عن المحققين من العلماء ونسوقه بتصرف : من أن هاروت وماروت كانا رجلين متظاهرين بالصلاح وكانا يعلمان الناس السحر وبلغ من حسن ظن الناس بهما (كما ينخدع الناس لكثير من الدجالين اليوم) أن ظنوا أنهما ملكان نزلا من السماء وما يعلمانه للناس إنما هو بوحي من الله ، وبلغ من مكر هذين الرجلين ومحافظتهما على ظن الناس الحسن فيهما أنهما صارا يقولان لكل من أراد أن يتعلم منهما: (إنما نحن فتنة فلا تكفر)4 أي انما نحن أولو فتنة نختبرك أتشكر أم تكفر وننصح لك ألا تكفر ليزيدا الناس إيهاما بصلاحهما. كالذي يذهب اليوم إلى أحد الدجالين ممن يضع ذراعا من قماش وله ذقن (ببلاش) يطلب منه أن يجلب له قلب امرأة متزوجة يحبها وهو من أكبر الذنوب فيقول له الدجال : اتق الله ولا تفعل ولا أنصحك بذلك ، ولكن إذا كنت مصرا فأنت وما تريد ويعطيه ما يدخله في غضب الله ولعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
ثم يقول القاسمي: ولليهود في ذلك خرافات كثيرة حتى أنهم يعتقدون أن السحر نزل عليهما من الله ، وهذا كفر مبين رده القرآن المبين وكذب دعواهم في نزول السحر من السماء وهو ما يصطاد به الدجالون وجهلة المتصدرين للتدريس ؛ قال تعالى : (يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين)5 وما هنا نافيه أي أنه لم ينزل عليهما من شيء ولفظ الملكين وارد هنا حسب عرف الناس بتسميتهم بذلك ، ومن باب إظهار قبح ما يفعلانه ومناقضته لما يظنه الناس فيهما قال تعالى (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه)6 أي بلغ من أمر ما يتعلمونه من ضروب الحيل وطرق الإفساد أن يتمكنوا به من التفريق بين أعظم مجتمع كالمرء وزوجه والمقام كله للذم وبعض الجهال يتمسكون بأن الملكين قد أنزل عليهما ، ولو كانوا يصاحبون كتاب الله لرأوا فيه ما يفضح باطلهم ؛ قال تعالى : (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)7 فنص القرآن صراحة أن الله لم يرسل إلا الإنس لتعليم بني نوعهم .
لماذا كل هذا الشرح؟ لأن هناك كثيرين يعتقدون أمورا هي عين الباطل ، وهناك كثيرون يتأثرون بهذا الأمر وكثيرون يسمعون به فلا يعرفون حقا يزهق ذلك الباطل ، والبعض يبحثون فربما وجدوا بين أيديهم تفسيرا حوى أباطيل وخرافات فيظن أنه وقع بحق وما ثمة هناك منه شيء.
الاستدلال الثاني : قضية سحر النبي صلى الله عليه وسلم وهذه القصة ردها بعض العلماء جملة وتفصيلا لكونها تناقض قوله تعالى (والله يعصمك من الناس)8 فكيف يسحرك اليهود؟ والجمهور يقول بها ، ومن أخذ بها (أي قصة سحره  ) مُسلِّم بما ورد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس"..)9 وبحديث أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان يتعوذ من أعين الجان وأعين الإنس فلما نزلت المعوذتان أخذ بهما وترك ما سواهما)10.
أما قضية تحضير الأرواح! فننقل بإيجاز ما ذكره العلامة الشيخ علي الطنطاوي في فتاويه قال: أما استحضارها فلا أعتقد صحته وإمكانه وليس لدي دليل أثبت به بطلانه ؛ أما ما يدعيه ناس بأنهم رأوا حركة أو سمعوا صوتا أو قرؤوا كتابة وأن الذي فعل ذلك هو الروح المستحضر فأجيب عنه بأن القاعدة عندنا أن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال بطل به الاستدلال وهذا الذي أبصروه أو سمعوه يحتمل أن يكون وهما لا واقع له أو أن يكون من عمل جني أو شيطان أو يكون سببه حيلة خفية دبرها من زعم أنه يستحضر الأرواح كما يفعل سحرة السيرك ، انتهى.
وكنت سمعت من فضيلة سيدي الوالد رحمه الله أن هناك شخصا قوي الأعصاب ثابت الجنان دخل في حلقة من تلك الحلقات فتعسرت بعض الأمور على المحضر ، وطلب الشخص من المحضر أن يحضر له روح النبي صلى الله عليه وسلم فبهت ثم طلب منه أن يحضر روح خالد بن الوليد وعظماء آخرين فما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وهناك مدرسة كاملة لتحضير الأرواح في العالم فيها أصابع يهودية تلهي الناس بعفاريت الجن والأشباح والأرواح عن بلاد تضيع وأمم تستعمر وحقوق تسلب وممن كتب في فضح ذلك الأديب الإسلامي الدكتور محمد محمد حسين في رسالة اسمها الروحية الحديثة.
ولسنا ننكر أن هناك آفاقا واسعة للروح فإن ذلك نقرؤه في كتاب الله (ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلا)11 إلا أننا نرفض استدراج اليهود ومخاريق الدجالين واضاعة الأوقات والأعمار في السفاسف والترهات.
أما الحسد فقد أثبته القرآن في سورة الفلق وهو تمني زوال النعمة وورد في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين (أي لا غبطة هنا وليس معناها تمني زوال النعمة بل سؤال مثلها) ؛ (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار)12 قال الإمام القرطبي: الحاسد لا يضر إلا إذا ظهر حسده بفعل أو قول ، وذلك بأن يحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود.
وخلاصة الموضوع كله في هذه الخطبة وما سبقها من الحديث عن عوالم الملائكة والجن ثم الحديث عن السحر والأرواح والحسد: أن ما خلق الله أعظم مما نحيط به وهناك عوالم أخرى منها مطيع ومنها عاص ، ولا نؤمن حولها إلا بما ورد بنص قاطع ، وأن ما فيها من إمكانات الشر فإنما يقع الإنسان فيها بتوليه لأهلها ، والشيطان ليس له سلطان إلا على الذين يتولونه ، وأن من تمسك بكتاب الله وسنة رسوله الصحيحة لم يضره شيء. وكما يقول الغزالي رحمه الله: التعوذ ليس مجرد القول بل القول عبارة عما كان للمتعوذ من ابتعاده بالفعل عما يتعوذ منه ؛ وفي قصة إبليس من العبرة : عدم الغرور والأدب مع الله كي لا يصل العبد إلى مساخط الله ، وفي الملائكة عبرة رؤية التقصير في جنب الله وفي عوالم الجن عبرة الحذر من الانحراف ، والبقاءُ على الصراط ، ومع كل عبرة آلاف العبر ، وأعظمها أن من دخل هذه الأبواب من غير حجة من كتاب أو سنة ضل وأضل ، ونحن نؤمن بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله الصحيحة ولا نقفُ ما ليس لنا به علم ومالا نُسأل عنه يوم الدين ، وفي ديننا ألف جانب ضائع وألف حمى مستباح وأوطان مستعمرة وجيل يُدفع إلى الفساد دفعا ويهودُ تمكر وتتربص والجدل فينا قائم والعلم صائم والناس في نوم طويل ، وقصاص بني إسرائيل فينا يخربون ، وليس لنا من دون الله من عاصم ، ومن اعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.

الأسرة وحماية البيئة
الحمد لله (إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون)1، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً)2 ، ونشهد أن سيدنا محمداً عبد الله و رسوله (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله و اليوم الآخر و ذكر الله كثيراً)3.
يا أيها الناس اتقوا ربكم (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها)4.
أما بعد فإن أصدق الكلام كلام الله و خير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله و سلم و إن من هدي نبيكم قوله في الحديث الصحيح : (كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته و الأمير راع و الرجل راع على أهل بيته و المرأة راعية على بيت زوجها وولده فكلكم راعٍ و كلكم مسؤول عن رعيته)5 وموضوع الرعاية و المسؤولية أمر خطير يحتاج إلى فقه شموليٍ واسع وكما أن المؤسسات الناجحة لا تقوم إلا على تخطيط سليم و إدارة ذكية فكذلك الأسرة لا يمكن أن تقوم ببعدها الصالح إلا بإدارة ناجحة و آفاق تربوية سليمة .
الذي يلفت النظر أنه ليس كل من أنشأ أسرة يكون ناجحاً في إضفاء التوازن و الاستقرار عليها ، و بالتالي فإن أكبر مصيبة قد يكون سببها إهمال صغير في رعاية أُولى قفزت فوق اللوازم التربوية .
إن الحديث الصحيح الذي يقول: (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى)6 هذا الحديث توجد غيبوبة عن إدراك آثاره . و التصدعات و النزوفات الدامية في المجتمع إنما تبدأ من خلل أسروي مبكر و في الحديث الصحيح أن الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم (كُخ كُخ ارم بها أما علمت أنَّا لا تحل لنا الصدقة)7 (و كُخ كلمة زجر للصبي عن المستقذرات). وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال : كنت غلاماً في حِجر رسول الله صلى الله عليه و سلم (أي في عهدته وتحت رعايته) و كانت يدي تطيش في الصحيفة فقال لي عليه الصلاة و السلام : (يا غلام سمِّ الله تعالى و كل بيمينك و كل مما يليك فما زالت تلك طِعمتي بعد)8.
إن البصمات التربوية الأولى تزرع بصمات عميقة في النفس البشرية و بالتالي فإن آثارها تنعكس لاحقاً فتكون خيراً أو شراً ، و كما اعتاد الناس الغافلون أن يقولوا لشاب أو فتاة يلتزمان بالدين باكراً: حرام عليك أن تذهب شبابك الآن و معك وقت ، وعندما تصبح عجوزاً فعندها لا تترك من أمور العبادة شيئاً ؛ فإن كثيرين من الناس أيضا يظنون أن أطفالهم الصغار قد لا يتأثرون و هناك وقت لاحق للتربية و هذا وهم شديد فالنبي عليه الصلاة و السلام لفت أنظارنا في أحاديث كثيرة إلى أهمية البناء المبكر كالحديثين اللذين ذكرناهما و حديث: (يا غلام إني أعلمك كلمات.. )9 ، وحديث: (يا أبا عمير.. )10 و غيرهما ، لما في الزرع الأول من خصوبة اجتماعية و نفسية و إيمانية ، و قد لاحظنا أن الإنسان الذي يلتزم بالدين مثلاً في آخر حياته تبقى في حياته ثغراتٌ ملحوظة .. إذ أنَّ يد التربية لا تطال كل زاوية من زوايا النفس البشرية الشائكة ، و ربما حاص حيصة تتطاير معها مسلمات إيمانية واضحة و كذلك من ربى طفلاً على الاستقامة و التقوى ؛ على الحياء و الدين ؛ على النظافة و الذوق .. على الرقي والحضارة .. الثبات و الإيمان .. فإن كل ذلك ينغرس و تتشربه النفس في أدق منعطفاتها و مساربها الظاهرة و الخفية ، وقد ذكروا أن مالك بن نبي رحمه الله أتي بطفل رضيع لأحد تلامذته وطلب منه التلميذ تأدباً أن يشمله برعايته فقال له: أجئتني به الآن بعد أن أصبح كبيراً ؛ أراد لفت نظره إلى أن البداية مهمة جداً من اليوم الأول . ومن الملفت للنظر أن بعض الطباع النفسية للطفل تتأثر بسلوك و مزاج أمه في فترة الحمل فتبارك الله أحسن الخالقين. كم هي التربية عملية واسعة شاملة مستمرة دقيقة و الخسارة الهائلة التي تحصل في فوات فقه الحديث الصحيح: (مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى)11 إنما سببها البدايات التربوية الأولى ، ونحن نتكلم كثيراً عن الإيجابيات و لكن كثيراً منها مفقود من الناحية العملية.
الجسد الواحد الذي تنهشه الذئاب سيموت ، وكم تنهش النميمة و الكذب و الغيبة فينا‍‍‍؟ (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)12 ، والأمور الجماعية في الحياة كيف تقوم إذا كانت الأنانية الطاغية هي التي يربى الطفل عليها منذ نعومة أظفاره ، و تثبيت الحقوق في الحياة ، وكف يد كل ظالم ، كيف يتحقق إذا احتاجت هذه الأمور إلى إرادة جماعية و كل فرد يرضع الغَنَمِيَّة و التَأَرْنُب و الخضوع من بداياته الأولى .
عبد الله بن الزبير من الشجعان المعدودين في تاريخ الإسلام .. تلك الشجاعة لم تأت بلحظة‍‍ إنما هي محصلة تربوية .. و قد ذكرت السير أنه كان صبياً صغيراً يلعب مع أقرانه عندما مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ففر الصبيان ووقف عبد الله في الطريق لا يبالي فقال عمر : لِمَ لَمْ تهرب كما هرب الصبيان ؛ فقال رضي الله عنه : لم أرتكب ما أعاتب عليه فأخافك و لم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك.
أتاني طفل صغير في الصف الخامس باكياً و قال أن الطلاب يضربونه في المدرسة دائماً! فسألته و هل تؤذيهم بشيء حتى يضربوك؟ فقال لا و لكنهم يضربونني لأنني لا أرد عليهم! فقلت: ولماذا لا تدافع عن نفسك؟ قال: إن أمي تطلب مني الانسحاب دائماً ؛ وقد شعرت أن أمه تبني في نفسه الجبن و روح الانهزام و تدلـله بما سيقتله و يحطم شخصيته ، وكانت تعلل تصرفاتها بأنه حرام أن يؤذيهم! وعجيب هذا المنطق ، فأن يؤذي الإنسان الآخرين فهذا حرام ؛ ولكن أن يسمح لهم باجتياحه و أذاه و ضربه و يكون صده لذلك حراماً فهذا خلاف المنطق و الواقع و الشرع! وفي الحديث الشريف أن رجلاً قال: (يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي! قال: فلا تعطه مالك ؛ قال :أرأيت إن قاتلني؟ قال :قاتله ؛ قال: أرأيت إن قتلني! قال :فأنت شهيد ؛ قال: أرأيت إن قتلته ؛ قال: هو في النار)13.
و ليس المقصود بحال البدء بالظلم و لا اشتهاء القتال و لا إثارة المشاكل و لكن المقصود هو الثبات على المبدأ و بناء النفس التي لا تطيق الظلم و التي تستشهد في سبيل حفظ حقوقها.
و ذكرنا مرة قصة رجل ذهب إلى بلد نظام السير فيه آية بديعة من التناسق ؛ فلا مواطن يخالف و لا شرطي يرتشي ولا إشارة مرور حن عليها مراهق فعانقها بسيارة ليست من ماله و لا من مال أبيه ثم غادرها و قد تفطر كبدها من حرِّ العناق الشديد ؛ بل الأمور كل كلها تسير مثل ساعة دقيقة و كان في وجه صاحبنا طريقان أحدهما نظامي طويل و الآخر مخالف قصير و الطرقات خالية ؛ فجمحت به نفسه إلى ما ربيَّ عليه فدخل الطريق القصير المخالف بسيارته ، و شاهدته عجوز تتكئ على مظلة قديمة و ما إن رأته حتى انتصبت في منتصف الطريق مثل مقاتل عنيد و فتحت مظلتها في وجه سيارته ، و قد حاول استعمال بوقه و الزمجرة بسيارته علَّها تخاف (يمتلك السائق نفسية إرهابية تحتاج إلى شهيد كي يوقف شرها) وصرخت العجوز بأعلى ما تستطيعه من صوت: ارجع .. ارجع! إذا كنت لا تعرف النظام و لم يربك أهلك عليه فاعلم أن النظام هنا قد دفعنا ثمنه من دموعنا و عرقنا و دمائنا .. وزمجر ثانية بسيرته .. و بدأ الناس بالتجمع .. فصرخت فيه: لا تظنن أنك تستطيع المرور إلا فوق جثتي!! ورجع ذلك الذي لم يربه أبواه ؛ وانتصر الحق الذي وجد جنوداً والحق أن كل ساحات الحياة تحتاج إلى استشهاد .. لقد تعلمنا أن بذل الدم لا يكون إلا استشهادا في معركة بالسلاح ، و هذا الأمر حين يطلب عملياً فإنَّ كثيرين ستتقصف الركب منهم هلعاً ، وفاتنا أنَّ الأمر لا يؤتي ثماره الشرعية و أبعاده التطبيقية إلا عندما يكون في محله المناسب و في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: (دينار أنفقته في سبيل الله و دينار أنفقته في رقبة و دينار تصدقت به على مسكين و دينار أنفقته على أهلك أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)14.
وقد ذكر الإمام بن القيم رحمه الله أن أفضل عبادة في كل وقت هي العبادة المناسبة لذلك الوقت ففي وقت الجهاد لا خير من الجهاد وفي وقت الذكر لا خير من الذكر وفي وقت الحج لا خير من الحج وفي وقت إغائة الملهوف و إعانة الضعيف و سد حاجة الأرامل و الفقراء لا خير من ذلك ، ومعاقد كل ذلك في التربية الأولى .. في البيت .. في الأسرة.
العالم الغربي و بسبب ما يدعوه بالحرية الفردية فصل بين الفرد و المجتمع فكل إنسان حر في ما يفعل ما لم يخالف القانون ؛ لكن بعض أصحاب الفطرة فيهم بدءوا ينتبهون بأنه ما شئ إلا و له علاقة بكل شئ! بدءوا يتعرفون على علاقة الجزء بالكل و النسبي بالمطلق و الخاص بالعام ؛ فالحرية الجنسية الفوضوية قادت إلى دمار الأسرة .. قادت إلى مشاكل و جرائم و تصدعات في المجتمع .. إيثار الراحة الذاتية و الشخصية أدت إلى انكماش في العلاقات الاجتماعية .. أدت إلى برود حياتي قاتل .. الاستهزاء بالدين سبب فراغاً روحياً هائلاً تبعه بحثٌ عن سد للفراغ و هذا أدى إلى انتشار المدارس الحائرة المشتتة التي انبثق منها انحراف كبير مسخ الفطرة و غمسها في أَتون مرعب كله ضياع و حيرة و خواء ، ولكن في نفس الوقت فإن هناك شيئاً معيباً في الموضوع يتعلق بنا ، فالمستيقظ فيهم يرى أن ساحات الحياة ميادين بذل .. اكتشفوا ذلك و عرفوا أن هناك رابطة وثيقة بين الكل و الجزء لذا رأينا فتياناً و فتيات مثل أكمام الورد! يجمعون المال و يشترون السفن و يذهبون آلاف الأميال من أجل أن يحاولوا صد دولة توسعية مثل فرنسا عن إجراء تجاربها النووية في المحيط الهادي وهم يتعرضون للمصادرة والضرب والاعتقال و يتابعون الطريق! أما شبابنا فماذا يفعلون؟ إنهم لا يتصرفون إلا من خلال تأثيرات الأجهزة الأسرية و التربوية و الدينية في المجتمع.
أما غير المتدينين فهم قالب مغلوط لسلبيات الشباب الغربي: قصات شعر .. أحذية .. ألبسة غريبة .. تسكع .. تدخين .. لحاق للفتيات في الطريق أو التخطيط من الفتيات لإيقاع مراهق في حبائلهن للتسلية .. و لا مانع من صخب جماعي كل فترة .. لا نتيجة من وراءه إلا مزيد من الخلخلة و الخديعة للشباب و إغراقهم و إغراقهن في العزف و القصف و هز الأجساد .. مع قلة الذوق ووقاحة السلوك والاستهزاء بكل دين أو خلق كريم ، ولتحيا أمة العرب من المحيط إلى الخليج فمعاقد النصر صارت في أيديها ؛ أما المتدينون فأكثرهم في واد آخر ، غالبهم يحتقر كل عمل مفيد للأمة (والاهتمام بآفاق الحضارة عند البعض بدعة غليظة لاجزاء لصاحبها إلا جهنم وساءت مصيرا) فتراه أو تراها إما في صومعته راهباً قد طلق الدنيا و تعالى على العباد ، أو ترى بعضهم في جدال لا ينتهي وكل عمل لا يمر في محاورهم فلا قيمة له ، وكل فكر لا ينكمش ليكون مفصَّلاً على قد أفكارهم فلا اعتبار له ، و الناس ضائعة بين متغرب أو مترهبن ، بين ذائب و بين مستعلٍ ، وأعان الله الناس ؛كل تلك السلبيات بداياتها الطفولة الأولى .. الزرع الأول .. وصدق الهادي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة)15. أتدرون لم يتقلص كثير من الخير فينا؟ لأننا لا نربي أبناءنا على إدراكه و معرفة أهميته . نحن نظرياً نسلم بكثير من الأمور نتيجة كم من الثقافة النظرية التي نتلقاها و لكن عملياً أين هو التطبيق؟ إن أولئك الفتيان و الفتيات من كل أنحاء العالم الذين يقاتلون من أجل إيقاف التجارب النووية يكادوا يكونون أقرب الناس إلى فقه حديث النبي صلى الله عليه و على آله و سلم: (بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر اللهُ له فغفر له)16. و تربيتنا لأسرنا ينبغي أن تبدأ من حديث النبي صلى الله عليه و آله و سلم: (الإيمان بضع و سبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله و أدناها إماطة الأذى عن الطريق و الحياء شعبة من الإيمان)17.
إماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان فكيف بإماطة الأذى عن كل الحياة.
البارحة كان يوم البيئة في بلادنا و على كل المتدينين أن يكونوا أسبق الناس إلى دعم هذا اليوم ؛ لأن دينهم دين الحفاظ على الحياة كلها .. دين العبادة في كل ساحة من ساحات هذا الوجود .. دين الالتزام الداخلي وعلينا أن نفكر بأهمية غرس ذلك في نفوس أطفالنا .. في أسرنا .. في كل مفصل من مفاصل حياتنا .. وصدق صلى الله عليه و آله و سلم إذ يقول: (عرضت عليَّ أعمال أمتي حسنها و سيئها فوجدت في محاسن أعمالها الأذى يماط عن الطريق ووجدت في مساوئ أعمالها النخاعة تكون في المسجد لا تدفن)18.
إن أمامنا أيها الأخوة ميداناً واسعاً و البيئة عندنا لا تشمل البيئة المادية فقط فهي جزء مما نحن مأمورون شرعاً بالحفاظ عليه ، و لدينا خطواط هامة جداً في الحفاظ على البيئة تشمل المحاور التالية :
1ًـ الحفاظ على البيئة الإيمانية القلبية : بتطهير النفس من الحسد و الحقد و النفاق و الغيبة و الآفات القلبية من تكبر والعجب و الغرور .
2ًـ الحفاظ على البيئة الإيمانية الاجتماعية : بتطهير المجتمع من الغش و الكذب و الواسطة والرشوة و تطويق أصحابها و فضحهم و في الحقيقة فإن محاربة الرشوة هو أمر أساسي.
3ًـ الحفاظ على البيئة الإيمانية النفسية : ببتر أسباب العداوة و الخصام و نشر الألفة و صلة الرحم و التعاضد و التواصل و إعطاء الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه.
4ًـ الحفاظ على البيئة الإيمانية التعاونية : بالرعاية للفقير و المسكين و تفقد اليتيم و الأرملة و الضائع و المسن و سد حاجات المرضى و المحرومين.
5ًـ الحفاظ على البيئة الإيمانية العبادية : بالسكينة في المساجد ، و نظافة أماكن الوضوء و السجاد و ترك اللغو و الإقبال على الله كما يجب و يرضى.
6ًـ الحفاظ على البيئة النفسية العامة : بعدم الضوضاء و الضجيج و الصخب و كل أنواع الإزعاج و منها أبواق السيارات في الأعراس في أنصاف الليالي ، أو استخدام مكبرات المساجد لبث غير الأذان و لساعات طويلة من دون مبرر شرعي و لا منطقي.
7ًـ الحفاظ على البيئة الصحية : بإلقاء القمامة في أوقاتها و عدم إلقاء الأوساخ في الطرقات و تنظيف أمكنة التنزه و دفن نفايات المستشفيات و المصابغ و المعامل لا صبها في (بردى ) المسكين الذي كان آية من آيات الله في الأرض و الذي أصبح الآن و بفضل هذه النفايات لا يمكن النظر إليه.
8ًـ الحفاظ على البيئة الطبيعية : بالاحترام و الزرع و العناية بالخضرة البهية التي رزقنا الله إياها شجراً و عشباً طبيعةً و غابات و كل مصادر المياه و الغذاء و الجو و الهواء.
9ًـ الحفاظ على البيئة الداخلية : بالبحث عن عوامل التوازن و الاستقرار و السكينة النفسية لأن فاقد الشيء لا يعطيه و الاستقرار الداخلي هو الذي يمد بكل أشكال الاستقرار الخارجي وخصوصا ًالاستقرار في الأسرة .. ومن ذلك العطف على الصغير و إجلال الكبير و إعطاء العالم حقه.
10ًـ الحفاظ على البيئة الوطنية و القومية : بالحفاظ على الآثار و مواقع التاريخ والجمال و التعرف على نعم الله على هذه البلاد المباركة زادها الله خيراً و أماناً و إيماناً.
هذه الأمور إنما بداياتها من غرسٍ أسري سليم .. ليس الموضوع قانوناً فقط .. ليس الأمر مطالبة للمسؤولين فقط .. لأن المسؤولين جميعاً مهما كانت مواقعهم هم نتاج أسرهم في النهاية .. فرجعنا إلى الأسرة .. أرأيتم كم هي الأسرة خطيرة و شديدة الأهمية و صدق تعالى : )فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره * و من يعمل مثقال ذرة شراً يره)15.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى