مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* إني لا يخاف لدي المرسلون - العبودية لله طاعة - الظلم فى الاسلام

اذهب الى الأسفل

* إني لا يخاف لدي المرسلون -  العبودية لله طاعة - الظلم فى الاسلام Empty * إني لا يخاف لدي المرسلون - العبودية لله طاعة - الظلم فى الاسلام

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 4:10 pm


إني لا يخاف لدي المرسلون
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله الذي لا يخلف وعدَهُ رُسُلَه (يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون)1 ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ، جاء بالهدى ودين الحق بشيرا للعالمين ونذيرا.
عباد الله : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، أما بعد: فإن أصدقَ الكلام كلام الله ، وخيرَ الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن من كلامه تعالى قولَهSadالذين آمنوا ولم يلبِسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )2 ، وقد أخرج البخاري ومسلم والإمام أحمد واللفظ له ، أن هذه الآية (لما نزلت شق ذلك على الناس فقالوا: يا رسول الله فأينا لا يظلم نفسه قال: إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : )يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم(3 إنما هو الشرك(4 .
وبين الظلم الصغير والظلم العظيم الذي هو شرك سبب ونسب ، وكما قال السلف رضي الله عنهم : لا صغيرة مع الإصرار .
والتفريط في ارتكاب المظالم الصغيرة مَهلكةٌ يؤدي اعتيادها إلى ارتكاب ما هو أعظم والرضى بها ، وربما أودت إلى أكبر الكبائر وهي الشرك بالله ، و إن ملابسة المؤمن للظلم أمر خطير ، فكلما ازدادت ملابسته له خلع الأمن عنه والإيمان ، و في الصحيح : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، ولا يَنتَهِبُ نُهبة ذاتَ شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن)5 . والأمن مطلب يُفزع إليه ، والخوف من فواته يلزمه حرص شديد ، ووعي رشيد ، وصدق حميد ، وقد فرط كثير من الناس أفرادا أو مجتمعات بلوازم الأمن الإيماني ، وفتحوا أبواب الخوف الشيطاني لقلوبهم تستقي منها فيزدادون خبالا وضياعا ؛ أما الخوف الرباني فضعف فيهم فدالت دولة شجاعتهم ، وأرجفت الشياطين فيهم تزرع فيهم خوفا لا يعرفه المؤمن ولا ينبغي له أن يرضى به فحرمتهم بذلك من سكينة الإيمان ، والخوف في الإنسان فطرة إما أن تتجه إلى محاريب العبودية فتكون لله وإما أن تنحرف إلى المخاريق الضلالية فتكون للباطل وأهله ، وكلما ازدادت الصلة بالله ومعرفته زادت شجاعة العبد في مواجهة الباطل وأحس بالأمان وفارقه الخوف ، وكلما وهت الصلة مع الله زاد جبن العبد وذله بين يدي الباطل وركبه الخوف وفارقه الأمن والإيمان.
الأمر يشابه تماما ما حذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه أمته في حديث البخاري ومسلم عن الدجال الذي يخرج في آخر الزمان: (إن الدجال يخرج وإن معه ماء ونارا ، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب ، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب)6 ، وكذلك الباطل تزداد مساحته بمقدار ما تعطيه من نفسك فإن حاصرته وقطعت أسبابه فَنيَ ؛ فلا تجد إلا حقا والحق منصور (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) 7 .
وعندما هجم التتار على ديار المسلمين يدمرون معالمها ويمحون حضارتها ، ويلقون بكتب العلم في الأنهار حتى تسود المياه من حبرها ثم بعد ذلك يبنون التلال من الجماجم البشرية ؛ ساد الناس فزع قاتل ورعب شديد حتى ذكر بعض المؤرخين أن الجندي من التتار كان يقف في أول الحارة المسدودة التي فر إليها المائة من الناس فيشير إلى أولهم فيأتيه هَلِعا مرعوبا فيذبحه ثم يشير إلى الثاني فالثالث حتى يأتي عليهم كلَّهم ذبحا لوحده ، وما بقيت في واحدهم قوة ليثب عليه أو يمنعه ، وصار الناس في هَرج ومرج ، ثم سارت الجيوش الجرارة من التتار تريد الإجهاز على بلاد المسلمين باحتلال دمشق ثم غزو أرض الكنانة مصر ، وساد الناس الخوف ؛ إلا أن ثلة من الأمراء الشجعان خرجوا إلى الجهاد ، ومعهم السلطان الآتي من مصر بسبب التحريض الشديد لشيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه الذي كان يحلف بالله الذي لا إله إلا هو أن المسلمين منصورون على التتار ، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله ، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا ؛ فلقد اجتمعت أسباب النصر ورآها ابن تيمية بعين قلبه قبل أن يراها الناس بعيون رؤوسهم ، والسلطان المتردد جاء أخيرا من مصر وقَيَّدَ جواده كي لا يهرب ، وبايع الله تعالى صادقا على الموت ، والأمراء تجردوا من شهواتهم وحظوظهم ، والعلماءُ الصادقون يزجون في الأمة بكتائبَ من جُندِ الإيمان ، والأمة وصلت إلى حافة من الخوف واليأس ليس عليها مزيد ، ففزعت إلى الله وأحسنت الافتقار إليه (إن تنصروا الله ينصركم)8 والعدد والعُدة جُمعت حسب الطاقة (وأعدوا لهم ما استطعتم)9 وحصلت الملحمة التي سميت وقعة مرج الصُّفُّر قريب دمشق ، وذكر الإمام ابن كثير أن السيف كان يعمل في رقاب التتار ليلا ونهاراً ، وأنهم هربوا وفروا واعتصموا بالجبال والتلال ولم ينج منهم إلا القليل ؛ هلك كثيرون منهم في الأودية والمهالك ، وغرق الباقون الفارون على شطآن نهر الفرات (في رمضان سنة سبعمائة واثنين هجرية) واعتقل قازان ، ومات (في شوال سنة سبعمائة وثلاث) ، وقبلها عين جالوت (في رمضان عام ستمائة وثمانية وخمسين) . أذكر تلك الوقائع لنبصر المستقبل لا لنتحمس للماضي .
إن الأمة المسلمة في حضيض مخيف حقا ، ولكن ليس الحل في اليأس ولا في القنوط ، الحل في معرفة معادلات النصر ، وأولها الخروج من الخوف ممن يمسكون بقياد العالم والخروج من الخوف من الدول الكبرى وطلاق الخوف من مواجهة الحياة.
إن بقيت أخلاق الجبناء تسيطر علينا ولو في مستوياتها الدنيا ؛ فالأمر مشكلة فعلا ؛ فلماذا صار الخوف عقدة فينا سواء على المستوى الحضاري أو على المستوى الفردي ، وهما مشتبكان مع بعضهما في عناق جدلي طويل. لقد كتب المفكر الإسلامي مالك بن نبي يوما في أحد كتبه فصلا سماه (قابلية الاستعمار) وإن الإنسان هو الإنسان منذ خلقه الله ، ولكن إما أن يبنى بطريقة تجعله قابلا للاستعمار والاحتلال والهيمنة وإما أن يبنى بطريقة تجعله حرا شجاعا ، وكما قلنا إن ما نظنه النار المحرقة أحيانا فإنما يكون هو الماء البارد العذب وما نظنه الماء الزلال فإنما يكون الشقاء والعذاب.
المشكلة تنبع من الداخل ، وقرار ذاتي يحول الأمور ، وقد أعجبتني قصة سمعتها يوما عن شاب مؤمن أتاه جبان مرجف وقال له أوهاما مضللة منها أنه إن بقي يصلي فان البعض ستحمر أعينهم منه ، ولن تكون له فرصة لمتابعة دراساته العليا فأجابه: دعني من ترهاتك وسخفك. إنما أنا مسلم والصلاة روح تسري في جسمي ؛ أحيا بها وأعيش لها وأموت عليها ، وإن كان هناك حق وباطل. إن كان هناك فعلا من يكره الصلاة والمصلين الركع السجود فليفعل ما شاء أن يفعله فأنا لا أستطيع ترك حق من أجل باطل وإن كان هناك خياران فقد اخترت الحق. اخترت أن أصلي ؛ أن أبقى على الصراط ؛ أن أعانق القباب والمآذن وكل جوارحي تهتف: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ؛ إن صلاتي ونُسُكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، أما إن كنت لا تصلي فنسأل الله أن يتوب عليك ، ولكن دعنا من جهلك وذلك دعنا من جبنك وقعودك دعنا من تخريفك وتخريبك فينا!! ما الذي تريده منا أكثر ؛ حتى الصلاة تريد أن تحولها في نفوسنا إلى جريمة !
وصدق ربنا عز وجل (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن)10 ، وذكرتني هذه القصة بسيرة أحد الظلمة من القدماء وقد أمر الناس أن يعبدوه وكان زبانيته يمسكون بالرجل فيقولون له: لعلك تعبد الله فيقول الضعيف: لست له بعابد حتى أتوا على رجل قد ملئ إيمانا ، فسألوه فقال: ومن أعبد إن لم أعبد الله تعالى ؛ فخوفوه بالسجن والعقاب ، فدفع تخويفهم بهدي أبي الأنبياء إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
(وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون)11 ، وسجنوه فازداد إلى الله توجها وابتهالا، ووضعوه في كوة رأى منها الظاِلمَ وحوله المعاصي والخمور ؛ تحيط به الغيد الحسان وتعزف المعازف والمجلس كله فرح لهو وبطر ؛ مملوء بأطايب الطعام والشراب ، فبكى العبد الصالح وبكى…وبكى ، حتى سمع سجانه نشيجه فأقبل متلصصا ، ووضع أذنه على الباب فسمعه في نشيجه يقول: (إلهي هذه نعمتك سابغةٌ طالت حتى من عصاك فكيف هو إنعامك على من يُعذَّبُ فيك) ، ولك يا ابن الإسلام في هذه القصة عبرة فان نعم الله مبسوطة يأخذها الفاجر فيستعملها في المعصية فتهلكه ، وتحف بالمؤمن فيزداد شكرا وتواضعا لله وإجلالا ، ويرى (المؤمن) إنعام الله عليه في مرضاته مما هو أجل من كل الطيبات (ورضوان من الله أكبر)12 فيكون من دعائه: (اللهم لا تحجبنا عنك بسواك ، ولا تشغلنا بنعمك عنك) فيصبح ما أراده الظلمة له خوفا ؛ باب أمن ، وما يظنونه باب أمن لغفلتهم باب خوف لهم وشقاء.
فبالله عليك يا من فقهت ما ذكرناه عُضََّ عليه بنواجذك ، فإنه باب رحمتك ، وانظر إلى قصة أم موسى لما أوحى الله إليها في شأن ابنها الرضيع (فإذا خِفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني)13، فأي إعجاز هذا؟
إذا خفت عليه فألقيه في اليم ، وهو مظنة الخوف عند الناس ، ولا تخافي ولا تحزني (إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين)14 .
وبالله عليك: يا من دخل الخوف والجبن من العباد قلبك ؛ أشفق على نفسك ، ولا تحرقها ودعنا من إرجاف فينا لا نقبله ، ويا ابن الإسلام: سر إلى الله وطلق الخوف فما في الإسلام من شيء يستحيا منه ، وافهم كلمات الإمام القدوة الشيخ عبد القادر الجيلاني إذ يقول لك: (يا غلام عليك بالصف الأول فانه صف الشجعان وفارق الصف الأخير) ،وفِقهُهَا يا ابن الإسلام أن نبيك صلى الله عليه وآله وسلم حثك على الصف الأول فقال فيما أخرجه البخاري ومسلم عنه: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا)15 وفي رواية لمسلم (لو تعلمون ما في الصف الأول لكانت قرعة)16 وفي رواية لأحمد (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأُوَل)17 . وفي رواية ابن ماجة والنسائي وابن خزيمة أنه صلى الله عليه وآله وسلم (كان يستغفر للصف المقدم ثلاثا وللثاني مرة)18 ، وأخرج أبو داود وابن خزيمة في صحيحه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله في النار)19 وهذه ساحات الإيمان تنتظر يا ابن الإسلام رجالها يقبلون بوجوه باسمة مشرقة يملئون الدنيا إيمانا وخيرا ؛ يكونون في مقدمة الصفوف صلاةً وعبادة ، علما ويقينا ، شجاعة ويقظة ، ولا يَدَعون الصفوف الأُوَلَ لمن يغالط الناس أو ينشر فيهم الإرجاف ، فان بقيت في نفسك آثار محدثٍ لا ينصحك ، سألتني: والحذر أليس مطلوبا؟ فأجيبك: الحذر شيء والجبن شيء ؛ كما أن الشجاعة شيء والتهور والطيش شيء ، ومسكين إسلامك يا ابن الإسلام ، فلقد ضيعه صنفان من الناس: جبان ذليل مرجف ، وطائش متهور أحمق ، والسلامة في مجانبة كلا هذين الصنفين ، وترك منطقهما الأعوج ، وفي كتاب الله السلامة وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الهداية ، وللحديث بقية نسأل الله أن نوفق إليها.

العبودية لله طاعة وذل وحب
الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا كما يحب ربنا ويرضى ، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن الهادي محمدا عبده ورسوله ، جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وأحثكم على طاعته ، وأستفتح بالذي هو خير أما بعد:
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد  وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ، وإن من هدي نبيكم  قولَه فيما أخرجه أبو داود عنه ؛ قال: (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)1 وقد ورد أيضا Sadأفضل الأعمال الحب في الله والبغض في الله)2 ، وإن كانت شعب الإيمان تبدأ بأعلاها وهي شهادة أنه لا إله إلا الله وتنتهي بإماطة الأذى عن الطريق فإن الحب في الله من المنازل العليا.
والناس تظن الحب في الله أمرا قلبيا محضا ، وهو أوسع بكثير فإنه ما يكون في القلب شيء إلا وينبعث منه إلى الجوارح أثر ، والناس إذا أخبرتهم أن فلانا من الصالحين يصلي ساعات في الليل استغربوا... وإن أخبرتهم أن فلانا لا يقرب المال الحرام تعجبوا... وان أعلمتهم عن همة عالم في طلب العلم دهشوا... وليس ذلك إلا من غفلتهم وبعدهم عن صحبة الصالحين. ذكروا عن الإمام البخاري رضي الله عنه أن دبورا لسعه مرات أثناء الصلاة فما تحرك له ، وتحدثوا عن عبد الله بن الزبير أنه كان يصلي في الكعبة فأتاه حجر من منجنيق الحجاج فذهب ببعض ثوبه فما انفتل معه ، ورووا عن فلان من شهداء لا إله إلا الله أنه أقبل على الموت بوجه مشرق وابتسامة عريضة ؛ فكاد البعض يتساقط على الأرض هلعا وجبنا كما تتساقط أوراق الخريف من على الشجر اليابس ، وكأنه هو المصلوب في سبيل الأيمان أو المفتون ببريق السيوف. إن أهل الغفلة مع الدنيا في صحبة ، ومع الله في إعراض ، ولقد أضحكني وآلمني تفكير شاب قليل العلم بآداب الصحبة مع الله ذكر له أصحابه أن أحدهم كان صائغا للذهب وكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء للصلاة لم يردها بل ألقاها لا من جهةِ وَجهِهِ بل إلى قفاه لأن ذلك أسرع في وصولها إلى الأرض ، وأسرع في قيامه إلى الصلاة ؛ قال الفتى: أو ذاك معقول!! فقلت: ولماذا لا يكون معقولا فزع ذلك الرجل إلى الصلاة ويكون معقولا فزعك إلى هوى نفسك فلا يفوتك النظر إلى أية فتاة تمر من أمام محلك بعينيك اللتان تتحولان كالرادار تستشفان الكاسيات العاريات من وراء الواجهات الزجاجية ، ولماذا لا يكون معقولا أن يقطع أهل التشمير آلاف الأميال في طلب حديث واحد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويكون معقولا أن يذهب آلاف من شباب المسلمين آلاف الكيلومترات إلى قارة أخرى ليطلبوا شهادة دنيوية بعضهم يحوزها وكثيرون يفقدون الشهادتين ، ولماذا لا يكون معقولا أن يخر رجل صالح ميتا لآية من كتاب الله صدعت قلبه ويكون معقولا أن تتصدع قلوب كثيرين من الناس من أجل ارتفاع سعر أو ذهاب صفقة تجارية أو نزول وصعود الدولار ؛ فيصيب أحدهم شلل والآخر جلطة والثالث يذهب عقله فلا يعود. طول الغفلة أيها الناس أرانا السقم صحة والمرض عافية ، وعقيدة لا إله إلا الله ظنها البعض قولا باللسان وهو ما بينا بطلانه في الخطبتين السابقتين ، والبعض ظنها أعمالا لا روح فيها ، وهو ما يحتاج إلى بيان ؛ فإن مدار صلاح العمل قائم على النية ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوى)3 ، ولكن النية هي نتيجة عقيدة صالحة فبعض العباد لهم نية صالحة وأعمال طيبة ولكنهم يحسون بشيء مفقود يبحثون عنه فلا يجدونه ، وسمعت من يقول: أنا أقوم بالفرائض ولا أقرب المحرمات ولكني ما شعرت يوما بهذا الخشوع العميق الذي يتحدثون عنه وأرى البعض يبكون إذا سمعوا بعض أخبار الصالحين فما تسقط لي دمعة ، ويسمع غيري أخبار اضطهاد المؤمنين في الأرض فتراه كالأسد الهصور ؛ همة ونية واعتقادا والتزاما ، وغيري يسمع بالآية أو الحديث فيه أمر أو نهي أو استحباب فتراه أسرع إليه من إسراع الظامئ إلى الماء الزلال ولا تراني مثله إلا بعد نقاش طويل وجدال عقيم و إفحام ولا أكون مثله! فما الذي ينقصني؟ والجواب: لقد فاتك يا أخي ركن من أركان العبودية ، وهو الحب لله. ما الدليل على ذلك؟ إنه قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)4؛ ففاقد الحب لله لا يمكن أن يحوز خصال الأيمان العالية ، وهو على خطر ، والتحذير شديد! فالآية تشير إلى فقدان الحب لله عند أصحاب الردة ومن مفهوم المخالفة يكون المعنى: إن الحب لله لا يوجد إلا عند أصحاب المقامات الإيمانية العالية. أما النبي صلى الله عليه وسلم فيقول في الحديث الصحيح : (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الأيمان ؛ من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ؛ ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ؛ ومن كان يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار )5 وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)6 وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله ، والله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي ؛ فقال: لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك ؛ فقال: فوالله لأنت أحب إلي من نفسي ؛ فقال: الآن يا عمر)7. أما الإمام الغزالي فيقول في كتاب المحبة من الإحياء : اعلم أن الأمة مجمعة على أن الحب لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم فرض ، والطاعة تبع الحب وثمرته ؛ فلا بد أن يتقدم الحب ثم بعد ذلك يطيع من أحب ، وساق شواهد كثيرة من الآيات والأحاديث ؛ منها الحديث الصحيح: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من أهله وماله والناس أجمعين)8. إن لا إله إلا الله لا تنبعث من قلب لا عبودية فيه لله ، ولا عبودية حقة من دون حب عميق.
يقول ابن تيمية رحمه الله: (العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى وغاية المحبة له) ويقول في موضع آخر: (إنما الدين الحق هو تحقيق العبودية لله بكل وجه وهو تحقيق محبة الله بكل درجة وبقدر تكميل العبودية تكمل محبة العبد لربه وتكمل محبة الرب لعبده ، وبقدر نقص هذا يكون نقص هذا ، وكلما كان في القلب حب لغير الله كانت فيه عبودية لغير الله بحسب ذلك ، وكلما كان فيه عبودية لغير الله كان فيه حب لغير الله بحسب ذلك ، وكل عمل أريد به غير الله لم يكن لله وكل عمل لا يوافق شرع الله لم يكن لله بل لا يكون لله إلا ما جمعَ وصفين: أن يكون لله وأن يكون موافقا لمحبة الله ورسوله) ؛ أما صاحب المدارج الإمام ابن القيم فيقول: (أصل العبادة محبة الله ؛ بل إفراده بالمحبة وأن يكون الحب كله لله فلا يحب معه سواه وإنما يحب لأجله وفيه). إذا فالحب لله من لوازم العبودية وبدون الحب تصبح الأعمال جافة لا روح فيها ، وأصل الحب لغة من الصفاء أو من الحب الذي هو إناء واسع يوضع فيه الشيء فيمتلئ به بحيث لا يسع غيره ، ومثلُ غير ذلك. والناس يتكلمون عن حب الله وربما لم يعرفوه ؛ حتى أن ثوبان ابن إبراهيم أحد مشاهير الزهاد تكلموا عنده في مسألة المحبة فقال: أمسكوا عن هذه المسألة! لا تسمعها النفوس فتدعيها ، وقد ذكر ابن القيم أن المحبة هي ميلك إلى المحبوب بكليتك ثم إيثارك له على نفسك وروحك ومالك ثم موافقتك له سرا وجهرا ثم علمك بتقصيرك في حبه ، وباختصار هي مصاحبة المحبوب على الدوام. ألا ترى إلى من صاحب الصالحين فما أطاق بعدها أن يفارقهم وهامت روحه معهم فقال:
ومن عجب أني أحن إليهـــم وأسأل عنهم من لقيتُ وهم معـي
وتطلبهم عيني وهم في سـوادها ويشتاقهم قلـبي وهم بين أضـلعي
هذا ثوبان رضي الله عنه كان شديد الحب لله ورسوله أتى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وقد تغير لونه ونحل جسمه يعرف في وجهه الحزن ؛ فقال له المعلم الهادي صلى الله عليه وسلم 9: (يا ثوبان ما غير لونك؟ فقال: يا رسول الله ما بي وجع ولا ضر غير أني إذا لم أرك اشتقت إليك واستوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك ولولا أني أجيء فأنظر إليك لظننت أن نفسي تخرج ؛ ثم ذكرت الآخرة وأخاف ألا أراك هناك لأني عرفت أنك مع النبيين وأني إن دخلت الجنة كنت في منزلة هي أدنى من منزلتك وإن لم أدخل فذلك حين لا أراك أبدا فيشق ذلك علي وأحب أن أكون معك) ؛ فأنزل تعالى قوله: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا * ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما)10.
وهذا الحب يدفع بصاحب رسول الله عبد الله بن حذافة السهمي رضي الله عنه فيشمخ في وجه إغراءات المال والنساء واللآلئ ولا يرهبه التهديد بصلبه ؛ فيؤتى بالقدر العظيمة التي يغلي فيها الزيت ويلقى فيها الأسير فتتفتت عظامه فيبكي ابن حذافة ؛ فيظن هرقل أنه قد جزع من الموت ويسأله: مالك بكيت؟ فيقول: وددت لو أن لي مائة نفس فتموت في سبيل الله مثل تلك الميتة! إن الموقف ليس موقف شجاعة بشرية ولا حماسة دافقة ؛ الموقف موقف إيمان مازج الروح وخالط الدم ، وحب شديد لله تعالى.
وذلك الأعرابي الذي سألَ إن كان الله تعالى يقبل التوبة ويغفر الذنب فبُشر بذلك ؛ فانصرف ملتاعا واضعا يديه على رأسه يقول: يا رب ... واخجلتاه منك وإن غفرت!! وهل يبعث على ذلك إلا الحياء الشديد مع الحب الدافق الحي.
إن كثيرا من آفات قلوبنا وأمراضنا ترجع إلى خفوت حب الله ورسوله في قلوبنا ، وهو من أوثق عرى الأيمان. وما بين شعب الأيمان التي تبدأ بلا إله إلا الله وتنتهي بإماطة الأذى عن الطريق ؛ بضع وسبعون شعبة لا بد لها من خوف الله والطمع برحمته ، ولا بد لها من محبة سائقة تعين على مشقة الطريق ومجاهدة النفس ، والبعد عن أهل الغفلة ، والتشمير مع المجدين. إن الحب أمر قلبي ولكن الجوارح كلُّها أسيرة للقلب تسير بسيره وتقف لوقوفه. والقلب يحتاج إلى الحب الذي يملؤه فتشرق منه الأعمال الصالحة والأخلاق الزكية والنفوس الرضية.
إني رأيت الدهر ليلا حالكا فجعلت حب الله فيه ضيائي
فأين ضياؤكم يا أبناء وبنات الإسلام؟
إن الحب يحتاج إلى المعرفة وكيف تحب شيئا لا تعرفه ؛ أما سمعتم الحسن البصري يقول: من عرف ربه أحبه.
والمعرفة تحتاج إلى علم ؛ أما سمعتم قول الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)11.
والعلم يحتاج إلى إخلاص ؛ أما سمعتم نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه)12.
والإخلاص يحتاج إلى تجرد ؛ أما رأيتم أبا بكر رضي الله عنه لما طُلِبَ المال للجهاد خرج من كل ماله فسألوه عما أبقى لعياله؟ فقال لهم : أبقيت لهم الله ورسوله!13
والتجرد يحتاج إلى عزيمة ؛ أما تذكرون نبيكم صاحب العزم صلى الله عليه وسلم يدعو: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل ومن غلبة الدين وقهر الرجال)14.
والعزيمة تحتاج إلى صدق ومجاهدة وقيام ليل واستغفار وحضور مجالس العلم وترويض النفس على مخالفة الهوى وترك أهل الغفلة وصحبة الصالحين ، والتفكر بالموت والبذل لله وعدم الخشية ممن لا يخشاه ، وكلها أعمال إن حرصتم عليها وعودتم عليها جوارحكم انبعث منها إلى قلوبكم أثر ولا بد فتبقون في خير أبدا.
إن محبة الله تعالى تملأ النفس سكينة ورضا وتملأ الحياة نورا وسعادة ، وتملأ المجتمعات البشرية تفاهما وتراحما وتكافلا ومن حرم تلك النعمة لابسه الشقاء ؛ فهو عن الله بعيد.
إني رأيت الدهر ليلا حالكا فجعلت حب الله فيه ضيائي
فأين ضياؤكم يا أبناء وبنات الإسلام؟
لتعلموا أن صولات الباطل لا تطفئ نور الله ، وأن تواطؤ الدول على ذبح الأطفال واغتصاب النساء في البوسنة والهرسك لا يزيد المسلمين إلا وعيا ، وأن الإبادة الجماعية للمسلمين في بورما والمذابح في كشمير وسيف التنصير في اندونيسيه وأفريقية ، ومكر اليهود الخبثاء وجولات وزير خارجيتهم الأفاك في الهند والصين ومباحثاته هناك للتفاوض على تطويق الصحوة الإسلامية وطلب (إسرائيل) من الصين ألا تزود بعض الدول الإسلامية بالسلاح15 وإصدار إحدى الدول قرارا بمنع المحجبات من العمل في الدوائر الرسمية إحياء لسنن اليهود أول من خلعوا الحجاب عن امرأة مسلمة ، واضطهاد شعب العراق على يد جلاديه وتجويع الأطفال وإبادة الأكراد وفتح السجون في فلسطين لشباب الأمة وفتياتها واغتيال الأطفال واستمرار مأساة المبعدين في مرج الزهور ، وكل الكيد والحرب على الإسلام ؛ كل تلك الأمور ما كانت لتطفئ نور الله ؛ بل إن الصحوة الإسلامية تشتد وتقوى والإسلام يعلو ولا يعلى عليه وكل ما يفعله الحاقدون على الإسلام دليل فشل ذريع لهم (والله متم نوره ولو كره الكافرون)16 وسنة الله في الابتلاء والتمحيص والتمكين والنصر لا يفهمها إلا المشمرون في المحبة.
إن الدول الاستعمارية التي تضطهد المسلمين اليوم وتشتتهم وتتربص بهم ؛ إنما تسير مسيرة فرعون الأول الذي أراد أن يقتل الأطفال فربى الله نبيه موسى في قصره إذلالا لكل فرعون وإرغاما ، وصحوة الإسلام لا يستطيع أن يوقفها أحد ، وإنما تحتاج إلى بصيرة حتى تعرف ، وكما تدرب الأمم جيوشها التدريب الشاق المتعب فتقطف ثمار ذلك نصرا مبينا ؛ كذلك يبتلي الله ويدرب ويربي حملة دينه فيصطفي منهم من يريد ؛ كان ذلك حتما مقضيا! (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)17.

الظلم في العالم الإسلامي
الحمد لله ( ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون )1 ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له نعبده مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.
( فذلكم الله ربكم الحقُّ فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون )2 .
ونشهد أن الهادي سيدنا محمداً عبد الله ورسوله جاء بالهدى ودين الحق للعالمين بشيراً ونذيرا.
(فلا تحسبن الله مخلفَ وعدِهِ رسله إن الله عزيز ذو انتقام )3 ، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين )4 ؛ أما بعد :
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن من كلامه تعالى قوله ( فماكان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )5 ، وقد ورد هذا البيان في آيات كثيرة أوضحت وبينت وحذرت من الظلم الذي يلابس الأفراد أو ترتضيه المجتمعات كيلا تحيق العاقبة المحتومة: ( وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلِكِهِم موعدا )6
( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا )7
( هل يهلك إلا القوم الظالمون )8
وقال تعالى : ( وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون )9.
وقال تعالى : ( ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيراً )10.
فالارتباط واضح بين الظلم الذي يرتكبه الإنسان أو يسمح بوجوده وبين العاقبة المهلكة.
ونحن نبحث عن الأسباب البعيدة والتحليلات الغامضة ، وننسى ما نبنيه بأيدينا للظلم من جسور وإن الفساد لم ينتشر في العالم الإسلامي إلا لما صرنا نتظالم فيما بيننا فلا يرجع واحدنا إلى الحق وبالتالي فتحنا لكل عدو حاقد وخبيث مخرب ألف باب وباب ؛ حتى عشعش الظلم فينا وفشا ونحن الذي ثبتناه وأعناه.
انظروا إلى قضية بسيطة هي قضية الصلاة ؛كثيرون ظلموا أنفسهم بخوفهم من الصلاة ؛ فصاروا يخشون منها وهي باب الأمان. كيف يدخل قلبك يا مسلم خوف وأنت تقف بين يدي الله لتقول : (إياك نعبد وإياك نستعين)11؛ لو كانت مخاوف الدنيا كلها أمامك ثم فزعت إلى الله لأصبحت في نجاة وأمان ، ولكن لما فزع البعض من الصلاة ثم أرجفوا بذلك حولوا الصلاة إلى جريمة في نفوسهم ، ثم بثوا الباطل بين الناس فأتى كل صاحب غرض وكل حاقد على الصلاة وكل من يريد أن يتسلى فوجد مجالاً ليُرعب الناس من الصلاة ؛ لما أرعبوا أنفسهم منها ؛ لما ظلموا أنفسهم ( فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون )12 ، وأذكر قصة طريفة لطالب جامعي دخل المحاضرة عجلاً بعد الطلاب ، وأراد المدرس أن يمازحه بطريقة غير لائقة فصرخ فيه : لماذا تأخرت؟ لعلك كنت تصلي! يريد تحويلها في صدره إلى جريمة فقال سالكُ إياك نعبد وإياك نستعين بكل هدوء وسكينة : نعم كنت أصلي ولله الحمد ، وأنت يا دكتور ألا تصلي ؛ فبهت الذي سخر وبطل ما كان أمثاله يعملون.
وكما يستقر الظلم من خلال سياق فردي فإنه يستقر من خلال سياق جماعي. بعض الأخوة ظنوا لما تحدثنا في الجمعة السابقة عن الاستفادة من كل العلماء ؛ عن ضرورة الحرص على كل الاتجاهات الإسلامية ؛ عن ضرورة أن تكون نفسيتنا عندما نتحدث عن خطأ لأحد العلماء مثل نفسية المحدث الذي كان يمضي في الجَرح والتعديل وهو يبكي ويقول : لعلنا نتحدث عن أقوام قد حطوا رحالهم في الجنة منذ مائة عام13 ، و عن فهمنا لقول الإمام بديع الزمان النُورسي لما حاكموه وسألوه :من أي حزب أنت؟ من أي جماعة؟ من أي طريقة؟ فقال: (ليس الزمان زمان حفظ الطريقة ؛ الزمان زمان حفظ الإيمان. كثيرون هم الذين يدخلون الجنة من دون طريقة ، ولكن لا أحد يدخل الجنة من دون إيمان). لما تحدثنا عن كل ذلك ظن بعض الأخوة أننا نغمز من بعض الجماعات الإسلامية وما كنا نريد إلا أن نخرج من جهلنا ؛ من محدودية تفكيرنا ومن انغلاقنا و ظلمنا لأنفسنا . إن القيادة المحنكة إذا كانت تقاتل على عشرات الجبهات فإنها تحرص على تقليلها ما أمكن ووحدهم الحمقى و الجهال في لحظات الطيش يفاخرون بأنهم يفتحون في كل يوم جبهة جديدة والمسلمون بينهم جبهات ملتهبة تنزف فيها الدماء14، ويسفه العلماء15 ، ويضيع الناس وتتحطم الآمال وتنتشر الأراجيف ويسود القنوط والنتيجة في النهاية تمكن الظلم واستبداده لأنهم فتحوا له الحصون ؛ فدخل فتمكن فسيطر فحل الهلاك وصدق تعالى : ( ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد )16، وبدل أن تتجه جهود المسلمين من خلال جبهة واحدة لصد الانحرافات والمظالم التي تحيط بهم انطلقوا إلى الاقتتال الداخلي سيفاً و فكراً و ثقافة و فقها ؛ حتى انفرطت هيبتهم في قلوب المتربصين بهم فاستخفوا بهم حتى اجترأ صبيان الماركسية فألقوا إليهم طرحاً ماركسياً للقرآن ، وهذا الطرح أسخف من أن يشار إليه وما أتلف أوقات كثرة من الناس به إلا انصراف الدعاة عن الجبهات الخطيرة العظيمة إلى معارك هزيلة تملاً النفوس بنشوة نصر كاذب وأوهام حق متخيل وما ثمة نصر ولا حق وإنما خيالات و توهمات و جهالات و تخبيطات ، وصدق تعالى إذ يقول: ( ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجآءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين * ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون )17.
والخطاب لأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما ذكر غير واحد من المفسرين فهل بعد ذلك تعود إلى التظالم. حدثني أخ من البوسنة أن الدعاة يأتون إليهم وفي أذهان الكثيرين منهم نظريات ضيقة فصلت تحت هيمنة سياسية لبعض الدول التي لا يهمها الإسلام في قليل ولا كثير ما دام حكامها على العروش ؛ أو يحمل أولئك الدعاة جموداً هائلاً في فهم الفقه أو العقيدة ؛ في إدراك الحياة وطبائع المجتمعات ، ثم قال: وكثيرون من المسلمين لم يسمعوا عن الإسلام شيئاً بسبب حكم شيوعي دموي ملحد ارتكب المجازر البشعة وشنق العلماء وأعدم الدعاة ونكّل بكل متمسك بدينه وما بقي في قلوب الكثيرين إلا عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله تعانق قلوبهم ويسري حبها في دمائهم وتدفعهم إلى الموت إن رفرف لوائها وتفيض عيونهم دمعاً غزيراً في جوف الليل وأرواحهم مشدودة محلقة مع أرواح صحابة رسول الله ؛مع رايات القعقاع والنعمان مع جحافل أبي عبيدة مع ابتهالات البرآء مع دوي جيش سعد مع أصوات سنابك خيل خالد مع قوافل الحق والنور والشهادة والإيمان وتمضي الليالي وهم في لوعة وشوق وحنين إلى رايات الإسلام تأتي من جديد ؛ إلى سفن طارق إلى هدير كتائب السلطان محمد الفاتح. لقد عاش المسلمون في قهر وظلم يسقون كلمة التوحيد بدمائهم ودموعهم ؛ عاشوا يتعلمون دينهم في سراديب عميقة حفروها تحت بيوتهم فإذا اكتشفتها المخابرات الشيوعية ذهب أصحابها إلى حيث لا يدري أحد ، وأطرق الأخ برأسه وقال: وذهب الشيوعيون الكفرة ثم ابتلينا بالصرب وابتلينا بصليبية حاقدة يتوزع أدوارها:منظمة أمم متحدة على الظلم ويعينهم الأميركان طوراً و الفرنسيون أخرى ؛ البريطانيون مرة الروس ثالثة ، وعشنا من المجازر والمآسي ما شهدته الأرض كلها وهي ساكتة وشهده المسلمون كلهم وهم نائمون وشهده الحكام والملوك وهم يتفرجون ، ثم أتانا بعض الدعاة فما كان من وراء أكثرهم إلا المشاكل والنزاعات ، أتانا بعض المتصوفة فما استفدنا منهم إلا قصص الكرامات و الشطحات وأحاديث المشي على الماء والطيران في الهواء و زواج الأنس من الجنيات وأتانا بعض الأخوة السلفية فبدأوا بتعليمنا أن الاحتفال بولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدعة وكثيرون منا وخصوصاً كبارنا لو رأوا قصاصة ورق كتب عليها اسم محمد لساقته إلى الموت و لربما قتلته من الفرح والشوق وعلمونا أن السنة قص الثياب إلى منتصف الساق وأن حلق اللحية حرام وكثيرون لا يعلمون أن الخمر حرام! وأتانا وأتانا.. حتى اشتعلت مجالسنا تحت القصف حروباً بين أهل السنة والمعتزلة بين الأشاعرة والحنابلة بين الذين يزعمون أن كل آية تخالف مذهبهم فهي مؤولة أو منسوخة و بين الذين يسفهون كل الأئمة والعلماء ولم تنسنا إيران ولا السعودية ولله الحمد ، و لا نقول أن الكل كذلك ولكن عدداً لا يستهان به بث الفتن والمشاكل والآراء المضطربة ثم بكى الأخ وقال وقد نسينا كل العالم الإسلامي وما زال عشرات الألوف من نسائنا في معسكرات الاغتصاب الجماعية حتى اليوم فلم يتغير شيء ومنذ أسابيع شقوا بطن فتاة مسلمة بعد اغتصابها ووضعوا فيه جرو كلب حتى ماتت من الألم والتعذيب الرهيب وهي تصرخ صراخاً يهد الجبال ؛ وتمنيت والله لو مت ولم أسمع مثل هذا الكلام. أهكذا أصبح بعض الدعاة؟ أين هم أصحاب الطرق الصوفية الذين يتبعون الجنيد وهو يقول (علمنا مقيد بالكتاب والسنة) أين هي رايات الصوفية التي نشرت الإسلام في أفريقيا وصدت هجمة الصليبية الحاقدة في أكثر من قطر إسلامي وأين هم الأخوة السلفيون يصدون مع ابن تيمية جيوش المغول والتتار ويفزعون إلى الله ويتعلمون معه: ( ولا يدخل على أحد ضرر إلا من ذنوبه ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) ويفهمون كلامه إذ يقول: (أن الله تعالى أمرنا بالجماعة والائتلاف ونهى عن الفرقة والخلاف وربنا واحد ورسولنا واحد وكتابنا واحد وأصول الدين ليس بين السلف وأئمة الإسلام فيها خلاف ولا يحل فيها الافتراق لأن الله تعالى يقول ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)18.
إن مهمة الدعاة إلى الله تعالى مهمة جسيمة ؛ مهمة ألا يظلموا أنفسهم وألا يفتحوا الجبهات فيما بينهم ؛ ألا يتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون. إن أعدائنا يعيشون على جهلنا وظلمنا لأنفسنا وإن هناك ذنوباً جماعية مهلكة على الإسلاميين أن يتصدوا لها وأن يفقهوا الناس بخطورتها بدل الصراع على الجزئيات ، ومطاحن الدول الكبرى تطحننا.
إن العالم الإسلامي يقع تحت وطأة ألفي وخمسمائة إذاعة تبث كل ما تريد حتى إلى أصغر قبيلة .
إن العالم الإسلامي أصبح مطوقاً بمنظومات الأقمار الصناعية ولها عواقب وخيمة آتية ما دمنا في هذا النوم الطويل المرعب.
إن العالم الإسلامي ما زال يشهد الإعدامات للدعاة وما تزال سجون بلاد عديدةٍ مملوءة بشباب الإسلام الأطهار وقد دجنت الشعوب فجبنت و خافت وسكتت.
إن العالم الإسلامي في أقطار كثيرة محكوم بديكتتوريات عسكرية خربت شعوبها وسببت هجرة الآلاف من خيرة العلماء والمفكرين ليعيشوا مشردين مضطهدين.
إن نفط العالم الإسلامي يُسرق الكثير منه ويتصرف به البعض كأنه مالهم الخاص ولا تسمع إلا عن أرصدة بالمليارات والملايين (أحد الوزراء في دولة إسلامية نفطية أفريقية رصيده المعلوم 800 مليون دولار فقط!).
إن العالم الإسلامي أصبح يموج في أقطار عديدة بالفساد الإداري والاقتصادي والسياسي وهو يحقن دائماً بما يجعله مخدراً كي يقضي عليه .
إن عدد سكان العالم الإسلامي أكثر من خمس عدد سكان العالم لا رأي لهم ولا وزن على صعيد العالم كله في ظلال الهمجية الصهيونية والصليبية ، وإن مساحة العالم الإسلامي تقارب ربع مساحة العالم ومعظمه واقع تحت الاحتلال والعسكري والاقتصادي والسياسي والثقافي.
إن في العالم أنظمة لا تفكر إلا بشكل بوليسي فتقمع حرية الفكر والتعبير بل تمنع الإبداع والاختراع بل تغلق كل آفاق التطور وامتلاك المعلومات لتبقى شعوبها مستهلكة ضعيفة جاهزة للاحتلال الغريب.
إن إحصائيات المنظمات الدولية تدرج كل البلدان العربية دون استثناء ضمن تلك الدول الجائعة معلوماتياً في حين توصف (إسرائيل) بأنها دولة نهمة تكنولوجياً وأن أحد أهدافها من إقامة سلام (أي سلام) مع الدول العربية هو السيطرة على سوق التكنولوجيا المتقدمة في المنطقة.
إن العالم الإسلامي رغم كل أمواله لا توجد فيه صناعة متقدمة ولا ثقيلة وليس له نظام صناعي واضح ولا اقتصادي سليم .
كل ذلك ذنوب جماعية تحتاج إلى تصد واستغفار عملي ، ومهمة الإسلاميين أعظم مما يتصورون وكل المحاور الصغيرة فإنما هي ملهيات ينتهي أكثرها عندما تنتهي الكبائر المخيفة ، ونحن لا نيأس لسبب واحد أننا لسنا دعاة حزب سياسي نخشى من تقوضه بل نحن جنود لدعوة الله نؤدي ما علينا عبودية لله وامتثالاً لأمره فإن أُكرمنا ففضل و مِنَّة من الله ، وإن مُنعنا فبذنوب فردية وجماعية نلابسها نزيد الاستغفار العملي لنتركها وسنبقى نشد الرحال إلى الحق ، ونرفض الظلم ونسأل الله العون والنصرة والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى