مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* لماذا يحاربون الحجاب - اجتياح الاسرة - معنى لا إله إلا الله

اذهب الى الأسفل

*  لماذا يحاربون الحجاب - اجتياح الاسرة - معنى لا إله إلا الله Empty * لماذا يحاربون الحجاب - اجتياح الاسرة - معنى لا إله إلا الله

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 23, 2011 3:52 pm

لماذا يحاربون الحجاب
اعداد : طارق فتحي
الحمد لله (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سُنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم)1
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له (ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيما)2 ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقاً)3.
اخوة الإيمان ؛ أخوات الإيمان : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ؛ أما بعد : فما الحكم الفقهي في التعامل مع ضغط خارجي تتعرض إليه الأسرة المسلمة وتحديداً : الفتاة المسلمة وخصوصا فيمن ينزع لها حجابها ، أو يجبرها على نزعه ، فالأمر يتعلق بظاهرة ليست مقتصرة على بلد معين ، وفي قطر إسلامي إفريقي تتعرض المرأة المسلمة لضغوط هائلة ؛ بل لقمع مباشر في أكثر الأحيان.
أكثر السائلين لديهم وجهة نظر واحدة وهي الانسحاب ؛ فالطالبة يجب أن تترك مدرستها ، والموظفة تقبع في دارها ضناً بإسلامها عن أن تمتد إليه بالأذى أيدٍ لاندري لماذا لازال تصر على أن يكون لأصحابها نسب مع يهود بني قينقاع أول من هتكوا حجاب امرأة مسلمة ؟
ما هو الحكم الشرعي في هذه الظروف؟ هل تترك الفتاة المسلمة ما هي فيه وتصبح قعيدة بيتها؟ أم تبحث عن حل خاص لها؟ وهل تكفي الحلول الخاصة المحدودة للحالات العامة التي لا تتناهى؟
ما سأطرحه هو عرض لكيفية الوصول إلى محاكمة شرعية حول الموضوع .. (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعمَّا يعظكم به إن الله كان سميعاً بصيراً)4
إن الذي يخلع حجاب أخت مسلمة قصده غمسها في مبادئه ؛ سلخها من التزامها عن طريق تمييعه ، وتحويل التزامها إلى جريمة تخشى هي أو غيرها من التصدي لها ؛ إضافة إلى حرمان الملتزمات من المواقع العلمية والعملية ، وتحويل النصل إلى خاصرة الإسلام باتهامه بالجمود والرجعية ومحاربة العلم! وإبعاد الفتيات المسلمات عن التعامل الواقعي إما بالتمويه ثم الخديعة ثم التغريب لمن استجابت للضغط ، أو التطويق والعزل والتهميش لمن استعصت على الضغوط ، وإفقار التربة من المتدينات ، وبالتالي إنشاء أجيال جاهلة إما بدينها أو بالواقع وكلا الأمرين خطير! وفوق ذلك كله استهلاك الشعوب المسلمة في جبهات ساخنة تستهلك طاقات معظم فعاليتها العلمية والدعوية فتبقى تدور في فراغ ؛ لأنها استدرجت إلى القتال بطريقة الصدام لا بطريقة الذكاء ، أو تركها تقتل تحت وطأة الهموم والاحباطات .
كما يهدف محاربو الحجاب إلى استغلال الحالات السلبية : كحالات الحجاب الظاهري [الناشئ عن ضغط أوقمع أو لكونه مجرد عادة مفرغة من المحتوى ، وكل ذلك مرفوض شرعاً] لتحطيم الحالات الإيجابية القائمة على الوعي والتقوى والالتزام الإيماني العميق.
في مثل تلك الحالات ؛ ما الفتوى؟ ... بصراحة لقد تعودنا الانسحاب لا إلى خط نعيد فيه تقييم الأمور .. بل إلى خط آخر نرفع فوقه راية استسلام!! وليس هذا من الحكمة في شيء ، ولا من الشريعة بمكان!
لقد استقر عند علماء الشريعة أنه عند تعارض مفسدتين فإنه تقدم المفسدة الأقل ؛ قال تعالى: وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه ، وقد فصل لكم ماحَّرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه)5 ؛ فإذا كانت هناك ثمة ضرورة وخشية من الهلاك ؛ دُفعت هذه المفسدة بارتكاب الأخف منها: وهي الأكل بما يدفع الهلاك ، ولو كان فيه تحريم بالأصل ، والضرورة تقدر بقدرها ، ومفسدة خسارة المواقع التي يريد معارضو الالتزام حرمان المسلمين منها ؛ أكثر خطورة على المدى الاستراتيجي البعيد من مفسدة الصبر على عدوانهم بحرمان فتيات الإسلام من الحجاب .. ولقد ذكرنا سابقاً قول الإمام الشاطبي في الاعتصام: من أن "مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها ، وعامها المرتب على خاصها ومطلقها المحمول على مقيدها ، ومجملها المُفسر بينها إلى ما سوى ذلك من مناحيها .... وكذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها ؛ لا من دليل منها : أي دليل كان ، وإن ظهر لبادي الرأي نُطق ذلك الدليل فإنما هو توهمي لا حقيقي" ا.هـ
ما يريده من يحاولون تقويض النظام الاجتماعي في الإسلام [ومنه الحجاب] : أن نخرب ديننا بأيدينا .. أن تتمرد بنات الإسلام على دين صُوِّرَ لهن : يزجهن في التخلف والجهل والجمود والانحطاط ؛ دين يحرِمُهُن الحياة ويلقيهن في القبور !! ونحن نساهم في خدمة المقوضين ؛ عندما نفعل ما يريدونه تماماً ، وقلب السحر على الساحر أبسط مما نتصور ؛ فلندع الفتاة المسلمة في الساحة ترى بأم عينيها الحرية المدعاة! ابتداء بأم الحريات [فرنسة] وقد ضاق صدرها رغم كل ما تدعيه من حرية ؛ بحجاب ثلاث فتيات صغيرات ؛ وانتهاء بتلك الدولة الأفريقية ؛ أول دولة مسلمة [ فيها شواطئ للعراة!] ومروراً بكل المستكبرين على شرع الله6 .
دعوا الفتاة المسلمة ترى بعينيها وتحس بقلبها وتكتوي نفسها بلفحات خبث من يمد يده ينزع عن رأسها حجابا ما التزمته عادة ولاجهلاً .. ولاخوفاً ولا كبتاً ؛ بل عقيدة وإيماناً .. وفطرة وإحساناً ، وبراءة وإيقاناً ، وكل الأمة النائمة تتفرج ، فتزداد بصيرة بمن يسقيها السم ، وتستيقظ من بعض غفلتها ، ويصبح سلاح العدو اللدود نصلاً يقوضه ببطئ!
إن المقاطعة الشاملة [للمدراس والجامعات والوظائف ... والتي يريدها بعض الاخوة] تفيد في حالة القوة ، ووجود رأي جماعي واحد ، وهذا مما لو يتوفر للمسلمين منذ وقت طويل! منذ تأرنبوا [ نسبة إلى الأرانب] وأصبحوا يتراجعون عن خنادق الثبات لا تحيزاً إلى فئة ؛ بل غفلة عم قوانين الشريعة والاجتماع والحياة! ، والمقصد الشرعي لا يحصل بالضغط والإكراه ، وليس أمقَت من أن يأتي مسلم فيخالف قوله تعالى : (لا إكراه في الدين)7 ومن يريد أن يجبر الناس إجباراً على الدين فمثله كمثل من يريد إبعادهم عن الدين قسراً ، والمؤمن لا مناص له من الثبات والصبر إن عرف المآل ، ومن نكص فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين.
إن التي لا تريد وضع الحجاب التزاماً وفقهاً لمعاني الحرية فيه فلتخلعه ولترح نفسها ، ولتكن في عبودية من تشاء ، والأبعاد الاستراتيجية لتثبيت الإسلام فقهها ابن القيم فذكر في الطرق الحكمية : أن "هناك طوائف عطلوا الحدود وضيعوا الحقوق ، وجرؤوا أهل الفجور على الفساد ، وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد ؛ محتاجة إلى غيرها وسدوا على نفوسهم طرقاً صحيحة من طرق معرفة الحق والتنفيذ له ، وعطلوها مع علمهم وعلم غيرهم قطعاً أنه حق مطابق للواقع ظنا منهم منافاتها لقواعد الشرع" ا.هـ
لقد صدق أحد الدعاة حين قال: انشغلت الأمة المسلمة بحماية الفتاة المسلمة عن مساعدتها على بناء وتنمية شخصيتها! ، لاينبغي للمسلم أن يجعل نفسه وصياً على المسلمة (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض)8 واجب المسلم هو التناصح والتعاون ، والإسلام هو دين المسلمة كما هو دين المسلم.
تلك المرأة التي ذكر في السيرة أن يهودياً من بني قينقاع قد هتك حجابها ؛ لم تفقد دينها بل أشهدت الدنيا كلها نذالة اليهود وحقدهم! وسمية التي قتلها رأس الجهل أبو جهل لم تفقد التزامها ، وإن سال دمها فضمخ الأرض بعطر الشهادة فضمخ الأرض بعطر الشهادة يسري على امتداد القرون والأزمان ؛ أسماء ماضاع دربها لما صفعها رأس الكفر وجنينها في بطنها ! صفية عمة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ماجبنت يوم الخندق بل صرعت برمحها فارساً جبن بعض الرجال عن لقائه! والأخت المجاهدة الأسيرة عطاف عليان ؛ لم تستطع كل نذالة المحتلين الصهاينة أن يفتنوها عن دربها وهي تقبع في زنازينهم ؛ ماضاع هدفها سجن ولاتعذيب ولا كي ولا جلد .. كانت تريد أن تصرخ : وامعتصماه .. ثم ماتت صرختها على شفتيها ، فما عادت الأمة رأت معتصما .. ومافل السجن عزيمتها .. بل بقيت تهدر كاللبوءة الضارية الجريحة ، على شفتيها وفي قلبها أمل واحد : واإسلاماه .. خيبر .. خيبر .. يايهود .. جيش محمد سوف يعود ؛ على يد لا يسار ولايمين ؛ لاعلى من يتاجر بالقضية حتى إذا تربع فوق الكرسي كان أول عمله اعتقال الآلاف المؤلفة من كتائب الجهاد ؛ أبطال حركة المقاومة الإسلامية [حماس] وشجعان الجهاد الإسلامي .
جيل النصر تصنعه ألف أخت مثل عطاف لا القدود والنهود .. جيل النصر تصنعه مثل من ربت الشيخ المجاهد أحمد ياسين وشهيد الإسلام عماد عقل .. لا المثقفات الفارغات ، ولا من يقوضون الأسرة المسلمة الغارقون في الغفلة .
لو أن ديننا كان خرافة أو وهماً ؛ أسطورة أو زيفاًلوجب الاعتزاز والاعتصام به في وجه ماتلقاه الأمة المسلمة اليوم من المحيط إلى المحيط .. فكيف بدين رباني شامل ؛ إنساني عادل ؛ متوازن كامل.
في بعض الضواحي الفرنسية قامت الشرطة بنزع أطباق الالتقاط لمحطات البث الفضائي العربي وصادرتها بحجة أنها ستحرك في القلوب خامداً بعد أن ظلت تلك القلوب سنواتٍ بعيدة عن الله!.. سيسمع المسلمون منها [رغم كل مافيها] صوت القرآن العظيم [والذي وإن وضعته الفضائيات مجاملة] لكنهم يخشون معه من أن تقوى صلة المسلمين مع دينهم مرة أخرى!!
الكائدون لنا أذكى منا بكثير.. وهم يدمرون حتى الأضواء البعيدة التي يحتمل أن يستعاد بها الرشد من جديد!
وما الذي يجري في ديار المسلمين؟ أجيبوا بالله عليكم ...
إن الذين يقوضون الأسرة المسلمة اليوم يمهدون بصراحة لاحتلال اليهود أحسوا أم جهلوا .. يدمرون العوائق في وجوههم .. يسلمونهم البلاد والعباد! مادامت أغلب المواقع قد سقطت ولم تبق إلا الأسرة المسلمة!
هناك من سيسأل : ماالحكم الشرعي فيمن يفعل ذلك .. لمن يقوض أسرة مسلمة ؛ لمن يدمر توازن الأسرة المسلمة ؛ لمن يهتك حجاب حرائرها؟
إن أولئك مثلهم تماما مثل : رسول حمزاتوف شاعر داغستان الكبير ؛ ففي الخمسينات صب هذا الشاعر كل طاقاته الأدبية ليشوه سيرة الأمام المجاهد العظيم [شامل الداغستاني] الذي دوخ القياصرة زمنا طويلا.
ألف حمزاتوف قصائد وشهد زورا ضد الإمام وألب المواطنين عليه .. وزالت القبضة الحديدية وانهارت الخرافة الشيوعية ؛ فإذا بحمزاتوف يستعيد وعيه ، وانحدر من داغستان إلى بلاد الحرية .. بلاد الشيشان ، وتاب مما سبق ، وكتب :
"لقد أعماني بريق ذلك الزمان كما تعمي الفتاة الجميلة الشاب الغبي ..
لقد تقرر آنذاك أن شاملاً عميل بريطاني أو تركي ، وأن هدفه إذكاء العداء بين الشعوب..
والآن ، من جديد ؛ يعود الجرح القديم الذي لم يلتئم ليمزق قلبي ويحرقه بناره..
ثم كتب حمزاتوف رواية "بلدي" وفيها مراجعة حارة متدفقة بالعاطفة تروي عظمة الإمام المجاهد .. وفيها مقاطع حافلة بسطور متفجرة متألقة ، ومنها : أن أصحاب الإمام سألوه يوماً : يا إمام : قل لنا لماذا منعت نظم الأشعار ؟ أجاب الإمام : أريد أن يبقى الشعراء الحقيقيون وحدهم هم الشعراء ؛ أن الشعراء الحقيقيين يستمرون في نظم الشعر مهما حدث ؛ أما الكذابون ؛ أما المنافقون الذين يدعون أنهم شعراء فسيخافون مني ويسكتون لأنهم جبناء!
وفي مقطع آخر يكتب حمزاتوف متخيلاً الإمام : في صباه أراه جاثياً على ركبتيه فوق صخرة "أخولغو" الملساء رافعاً إلى الأعلى يديه المغسولتين للتو في ماء النهر ؛ نهر " كولسو الافالاري " ؛ قفطانه مرفوع وشفتاه تتمتمان كلمة ما .. بعضهم يؤكد أنه حين كان يهمس أثناء صلاته بكلمة (الله) كان الناس يسمعون كلمة الحرية ؛ وحين كان يهمس بكلمة الحرية كانوا يسمعون كلمة (الله).
من يقوض غافلاً الأسرة المسلمة اليوم على امتداد الوطن الإسلامي ؛ لابد من الصبر معه ؛ فلسنا ممن يفقد الأمل في فطرة عميقة لابد أن تستيقظ في أعماقه يوماً ليرى الزيف ويعرف الحق ؛ وسنرفع أيدينا لنقول : اللهم اغفر لقومنا فإنهم لايعلمون ؛ اللهم ردهم إليك رداً جميلاً ليعلموا أن الإسلام بكل جنباته هو الخير ؛ ولا شك أن بعضهم حين يخلون بأنفسهم يبكون على ماصنعوه بأيديهم طويلا ، وأن مايفعلونه اليوم سيتمنون يوماً عندما يعودون إلى وعيهم أن تتشقق مهجهم وألا يكونوا قد فعلوه ؛ فيارب :
يسعى لغيرك مطرود لشقوته ومن يرجيك لا يسعى إلى أحد
من عمل صالحاً فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون.
- لقد جاء في الخطبة الثانية : أن البلاد الإسلامية التي تقع تحت تعسف شديد ضد الحجاب ، فإن كان القرار الإسلامي واحداً وللمسلمين قوة فليقاطعوا كل الجهات التي تحارب الحجاب ، أما إذا كان هذا الأمر غير ممكن ، والابتعاد عن التعلم والجامعات سيسبب على المدى الطويل مفسدة كبيرة للمسلمين ، فليرسلوا بناتهم مع تثبيتهن على الحجاب والإيمان ، وتعرضهن للاضطهاد سيولد في نفوسهن مقاومة أكبر يجب العمل على استثمارها بكل طريقة ، وحتى لو أجبرت الفتيات على خلع الحجاب فسيبقى الإسلام حيا في نفوسهن بدل سحبهن من الساحة وبالتالي تستغل تلك الظروف لتحطيم الإسلام كله لا الحجاب فقط ، وبإيحاءات خبيثة ، والأمر يحتاج إلى بحث أوسع واستفتاء العلماء أهل الاختصاص والله أعلم بالصواب.
- ورد في الخطبة الثانية أيضاً مايلي :
" نعزي إخواننا في العالم الإسلامي بوفاة الداعية الكبير : مولانا : إنعام الحسن ؛ الأمير العام لجماعة الدعوة والتبليغ ، ونخص بالدعوة إخواننا في الجماعة .
أعظم الله أجركم ، وأحسن عزائكم ، وغفر لميتكم ، وعوض الأمة خيراً ، وإن لله ما أخذ ولله ما أعطى وكل شيء عنده بأجلٍ مسمى فلتصبروا ولتحتسبوا وإنا لله وإنا إليه راجعون."

اجتياح الأسرة والهجوم المعاكس
الحمد لله(إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم )1. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله.
اخوة الايمان , أخوات الايمان اتقوا الله وذروا ظاهر الاثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون. أما بعد: فإن اصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي نبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن من كلامه تعالى قوله: (وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الأيات لقوم يذَّكرون)2؛ قال الإمام القاسمي في محاسن التأويل ما مؤداه : البيان الذي جآء به القرآن أو طريق التوحيد ، وإسلام الوجه إلى الله هو طريقه الذي ارتضاه لا ميل فيه إلى إفراطٍ وتفريط في الاعتقادات والأخلاق والأعمال ؛ فياربُ:
يسعى لغيركَ مطرود لشقوتهِ ومن يُرَجيكَ لايسعى إلى أحدِ
إن السعي إلى الغير في الحضارة والثقافة وبناء المجتمع والأسرة لم ينتج إلا اختلالات مروعة فبدل امتلاك العلم الذي هو تراث البشرية وتميز الشخصية الإسلامية ؛ رأينا تفريطاً في إدراك السنن الربانية مع ذوبان خطير للشخصية الإسلامية على صعيد المجتمع والأسرة ، وإذا كانت الأسرة المسلمة هي الدرع الوافي لكل محاولات الطحن أو التغريب فمعنى ذلك أنها تحتاج إلى عناية شديدة ، وإلا فإن أي اختراق لها معناه إصابة مركز قيادة العمليات البنائية الاجتماعية والنفسية بمقتل.
اليأس ليس من شيمنا الإسلامية (إنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون)3 ولكني من أنصار ذكر العله للمريض كي يتنبه فلا يستفحل مرضه فإخفاء الرأس في الرمال لاينفع ، وملف الأسرة المسلمة الذي تحدثنا عن ضرورة الحديث فيه ملف مأساوي فيه اشراقات ايمانية مرفرفة وفيه زوايا جاهلية رطبة ؛ فيه الصفاء والتقوى وفيه الآلام والمصائب ؛ فيه الطهر والفضيلة والفطرة ، وفيه انحرافات والتواءات ومسارب خفية تتستر بالإسلام وباطنها عيوب فاضحة.
ملف الأسرة المسلمة مثل آلاف الخيوط الحريرية المتشابكة مع شوكٍ مدمٍ واخز ، والكلام فيه أخطر من الكلام عن اليهود والأميركان والحكام الظلام ؛ لأنه يكشف الأمور ويضعها تحت الشمس ، وعملت الأيام فينا حتى صرنا نعتبر أن المساس به مساسٌ بمقدس ، ولا قدسية عندنا إلا لكلام الله والثابت الصحيح من كلام المعصوم صلى الله عليه وآله وسلم.
ترى كم من الوقت يلزم حتى يستقر في النسيج الإسلامي فقه قوله تعالى: (ذلك بأن الله لم يكُ مغيراً نعمةً أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم)4 وإن أعظم المصائب وأصغرها تبدأ من نقطة اختلال واحدة ، وإحراق ورقة واحدة ، أو غابة إنما يبدأ بعود ثقاب.
الاجتياح الخطير للعالم الاسلامي على كل صعيد حصل ليس بسبب انحراف الحكام فقط ، وليس بخطط الأميركان واليهود فقط ، وليس بالمؤامرات الدولية فقط! الاجتياح بدأ وسيستمر ما دامت مرجعية الأسرة المسلمة الايمانية التربوية والنفسية مفقودة!والهجوم الاسلامي المعاكس في ظروف الضعف التي ترون إنما يبدأ من الأسرة ، وكما أن الحب من النبات والنِطاف من المخلوقات تدخر في أعماقها كل خصائص ما انبثقت منه في تركيب مدهش معقد بديع ؛ فكذلك الأسرة المسلمة تدخر في ايمانياتها المتراكمة وأعماقها التربوية المدهشة كل الخصائص والتراكيب المحتملة لبنية إسلامية غنية مثمرة تؤتي أُكُلهاكل حين بإذن ربها.
إن الله تعالى يقول (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)5ولنقل بصراحة أن أكثر المسلمين لايفقهون معنى الولاء أصلاً حتى ينهضوا به ؛ ولاؤنا المشتت بين جاهلية وآبائية مذمومة أوانبهارات تغريبية ينعكس في كل مرافق حياتنا! الأسرة المسلمة ما هي مقوماتها؟ ما هي أركانها؟ ما هي موا صفاتها؟ البحث لا يحتاج إلى مجهر! ووجود بعض العينات الفردية الصالحة فقط يعني أن هناك وباءً كاسحاً لم يبق إلا عينات سليمة قليلة تكاد توضع في المتحف لِنُدرتها! فماذاعن باقي العينات؟
أتمنى لوكنت استطيع أن أجري بحثاً ميدانياً عن مدى استخدام الكذب في حياتنا ، ولا أتحدث عن دفع الضرر الشديد الذي يلجأ بعض الناس للكذب معه ؛ اتحدث عن الاستخدام العادي من دون إلجاء ولا إكراه! كم مرة يستعمل الأب الكذب في البيت مع الزوجة ، ومع الأولاد ؛ مع الجيران ومع الأصدقاء ؛ في المكتب وفي البيع والشراء؟
والنساء كم مرة يكذبن في اليوم؟ حتى صار الكذب مما نتنفسه مع الهواء ، والأطفال المساكين كم ألف مرة ومرة يسمعون الكذب حتى أصبح عندهم أمراً اعتيادياً ؛ هذا كله في المستويات البسيطة ولسنا بصدد الكلام عن الكذب الكبير الذي يستخدم على نطاق الأمة المسلمة كلها ، والذي يحبط في لحظات ويقتل في مواقف ملايين النفوس مثل القنبلة الفراغية. نتحدث عما نصنعه بأيدينا فتصبح نفسيتنا نفسية كذابين ! وإن صمنا وصلينا وحججنا وزكينا ، والبقايا اللئيمة من النفسيات المنحرفة التي ماتزال تموج فينا هل نعرف نسبتها؟ رجل وزوجته حصل بينهما طلاق فاشتعلت الأرض من حولهما بألف أكولة لحم ؛ تريد أن تعرف ما هو السبب ... آلاف حوادث الطلاق تحصل ... لا أحد يبحث عن الأسباب لدرئها ... كثير من الناس للثرثرة والفضول! و (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)6.
قوامة الرجل على المرأة ما هي ضوابطها الشرعية؟ لا جواب واضح عند الكثيرين ؛ الضعف والمزاجية مزجت بين الأمور الشرعية والآبائية ؛ بين عادات اجتماعية عرفيه ودين الله. كم هو عدد الأسر المسلمة التي يضع صاحبها لنفسه ولزوجه ولأولاده خطة مهما كانت متواضعة وبسيطة من أجل رفع المردود ، وبناء التوازن والاستقرار ، والطلاق هذا السهم المخيف هل يربى الرجل والمرأة على إدراك البعد الشرعي والحكمة فيه أم أنه غالبا نزوة مرعبة وقرار طائش أرعن ؛ لا نظر فيه إلى مصلحة ولا توازن ولا صواب ، وسفاسف الحياة التي يحشرها الناس في عقولهم حشراً فيعقدون حياتهم بها لترى مئات الآلاف من الشباب والصبايا يقبضون على الجمر والفساد محيط بهم! والزواج عسير ؛ لأن في الطريق مائة ألف عقبة كؤود ومائة ألف مطلب صعب ، وقد قالوا قديماً [وآسف لهذا المثال القاسي] قالوا: أن الحمار لايقع في الحفرة الواحدة مرتين! ومجتمعاتنا تقع في حفر عاداتها السخيفة ألف مرة ومرة ثم لا يتوب أصحابها ولا هم يذكرون.
والمرأة المسترجلة المتمردة لا تعرف لزوجها إلا قولة : [لا أعرف! دبر نفسك] عندما يكون في ضيق أو مأزق لا تُعينه على ضراء ، ولا تشكر معه في سراء! كم عدد مثيلاتها يا ترى؟ .... والذين يضربون زوجاتهم ضرب الجمَّال لبعيره! أي بُعد شرعي يفقهونه وأي دين يحملونه وأي أسرة يبنونها ، ونفسية المرأة الناشزة أو المرأة المضطهدة ما الذي يرجى من ورائها؟ والحَكَم في الخلافات والمشاكل من هو؟ وهل له مرجعية فعلية أم صورية وما وضع امرأة إزرقَّ جلدها من ضرب زوجها ؛ فلماعرضت عليه التحاكم إلىعالم يحضُرُ زوجها دروسه حلف الزوج [التقي! طالب العلم] أن يطلقها إن هي فعلت.
وهذه الأسر المختلة الممسوخة االمغسولة والمبهورة بشيء اسمه الغرب وحياة الغرب وبطاقة الإقامة في الغرب [البطاقة الخضراء] أي خير سيخرج من أبناءٍ زرعت النطاف في أرحام أمهاتهم ليولدوا في الغربة للحصول على الجنسية الغربية من دون حاجة ولاضرورة.
مساكين هؤلاء الأطفال حكم عليهم أباؤهم بالغسيل والتغريب قبل أن يولدوا ، وأحد المضحكات المبكيات : أشخاصٌ فوق السبعين من أعمارهم يذهبون كالمكوك كل عام من أجل الحصول على البطاقة الخضراء ، وصدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول: (لا يملأ عين آدم إلا التراب)7.
والنفسية الأنانية التي تصادفنا على كل صعيد ، والانتهازية الطاغية التي تصدفنا في سائر الدروب ؛ وأوقات فراغ أبنائنا وبناتنا وأروقة الجامعات التي تحفل بعروض أزياء لا تجدها في مكان آخر على وجه الأرض والشباب الضائع المائع يسير طوال النهار بسيارة فارهة ؛ والتي لايقدر بكل رجولته أن يُحصل ثمن صب مفتاح لها بجهده وعرقه ، والأجيال المسكينة تنمو مثل نبات بري لا يشذبه أحد ، والأساتذة المنظرون الذي ينطلق واحدهم من وضعه الشخصي فلا يعرف عن الحياة شيئاً؟ فيضيع الناس معه زيادة عن ضياعهم!
كل تلك السلبيات وغيرها إنما صنعت وبنيت في الأسرة لا خارجها ، وحديث الراعي منصوب أبدأ لطالب الفقه والرشاد (ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)8. والحق المر: أن قلة جداَ فقط تبحث عن الصواب وقلة جداَ تلتزم به ، وقلة جداً تتصدى للفساد المحيط وقلة جداَ تبني بشكل إيجابي.
أحد الأشياء العجيبة : أمٌ تطلب رعاية ابنها المراهق وقد سلمته سيارة فارهة ومصروفاً شهرياً لا يحلم به وزير وحوله ثلة من رفاق السوء ، وأبناء من تعرفون أشباه الرجال ولا رجال ، وآخر رباه أبوه وأمه على كره بلده وكره كل مافيه ، وأعميت عيناه عن كل إيجابيه ، وضخمت له كل سلبية حتى ما عاد يطيق ذكر اسم بلده! ثم دفعوه غضاً طرياً إلى بلاد انحراف وضياع ؛ فآتت تربيته العفنة أُكُلها فصار واحداً منهم! لا يطيق أن يتكلم معه بالعربية أحد! لأنه أخبرهم أنه من عرق آخر! أفتقول لي بعد هذا أن اليهود يخططون؟ اليهود ينجحون عندما نسلمهم مفاتيح القلاع بأيدينا ؛ فيا مؤمن ويا مؤمنة لن يسقط في يد يهود قلب خلص لله ؛ كيف يضيع قلب مفتاحه الآذان والصلاة ؛ كيف يشرد قلب غذاؤه الركوع والسجود ؛ كيف يتوه قلب قوته الصيام والقيام ؛ كيف يفل قلب عموده الإخلاص والتوحيد ؛ كيف ييأس قلب له نسب مع كل شهيد كل يكل قلب هائم بأحمد الرسول ؛ كيف ينام قلب تكويه حراب الجنود ... مثخن بالجراح ؛ اجتمع فيه أنين كل أهل الأرض يشكون الجور والظلم ... كيف يستسلم قلب معمور بنور الله؟
فالنور في قلبي ... وقلبي في يدي ربي ... وربي حافظي ومعيني
يا أبناءَ وبناتِ الإسلام : بذل الدموع لا يكفي... الدمعة غرور... لاتعيش العقائد من دون غذاء ؛ غذاء العقائد وقوتها القلوب والأرواح ؛ من هام بأمر وعشقه لايتركه أبداً الحماسة الطارئة قش تالف! والروح العاشقة يبقى حداؤها في الطريق.
بناء الأسرة ليس أمراً سهلاً ولا كلاماً ، وإذا كنا قلنا أننا راضون إذا انتظمت صفوف الصلاة في المسجد من دون صخب ولا صياح خلال سنواتٍ ثلاث ؛ فإننا راضون إذا علمتم فقه الأسرة في عشر سنوات ؛ راضون جداً إن أثمر فقهكم في الأمة بعد ربع قرن! أما صاحب وصاحبة الجدال والهوى فلا يتعبن أنفسهم فالطريق وعرة والنفوس جموح ... والهوى قائد! من تجرد يسير ؛ من فقه سيرة طالوتٍ فليسر معنا وإلا فليرحنا يرحمه الله! (فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنَهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غُرفَةً بيده فشربوا منه إلا قليلآَ منهم فلما جاوزوه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله والله مع الصابرين)9.
موضوع الأسرة المسلمة موضوع طويل شائك ويحتاج إلى جهد وصبر ؛ نبدأ به رويداً رويداً فإن وصلنا إلى موقف نعجز عنه اعتذرنا!
مما نختم به خطبتنا اليوم وقفات من الأرض الحرام وقف لها القلب ودمعت العين ، وهي تبحث عن الإسلام بأسرته الواسعة العظيمة ، وامتداده الرحب الواسع ، ومن ذلك أن الناظر إلى المئذنة الملاصقة للقبة الخضراء التي فيها الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ؛ يرى الناظر إن وقف في الجهة الشرقية أو الغربية أنها ليست عمودية على الأفق ؛ بل هي مائلة بزاوية بسيطة جداً بعكس اتجاه القبة! وسر ذلك : أن هذه المئذنة والتي بناها السلطان قاتيباي صممت خصيصاً كذلك ؛ خشية حدوث تصدع أو زلزلة فإذا سقط شيئ من أحجارها سقط بعكس القبة لافوقها! ولما جدد العثمانيون المسجد النبوي الشريف وضعوا على الأرض أخشاباً وفوقها طبقة سميكة من القطن بحيث لا يصدر أي صوت عند سقوط أي شيئ من أيدي ورشات البناء وذلك احتراماً لحضرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم! أما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لاترفعوا أصواتكم فوق صوت الرسول ولاتجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لاتشعرون)10 ومن الوقفات المؤثرة: أن العثمانيين رغم ماكان لهم من سلبيات فإن ملكهم زال ، ومارضي السلطان عبد الحميد بأن يبيع شبراً واحداً من أراض فلسطين لليهود ، وعندما أنشأ العثمانيون سكة الحديد الواصلة إلى المدينة المنورة جعلوا السكة أضيق من كل السكك في العالم ، وذلك درءاً منهم لأي خطر خارجي يحاول أن يقتحم الأرض الحرام ؛ إذ لابد له من تجهيزات خاصة وفترة طويلة حتى يتلائم مع وضع السكة الخاص وهذا يعطي الوقت لتحطيم الهجوم! أما جموع الحجيج في بيت الله الحرام فهي تبث في القلب الأمل رغم كل الإحباط في عالم المسلمين! وقد سمعنا عن امرأة تأففت وقالت أن مستواها ليس في النوم على فراش بسيط بل في فنذق ذو خمس نجوم! وهناك من تعبت من المشي ربع ساعة إلى الحرم وكانت تقضي الساعات في الشمس المحرقة لشراء أغراض مامنها شيئ إلا وموجود هنا! ورأينا من يتكبر على نعمة الله ورأينا أصحاب مئات الملايين تتحرك نفس واحدهم لعلبة فول نقصت من حصته! وقد استحى من فعل ذلك جياع افريقيا ومنكوبوا بنغلادش ، ورأينا من لا يعجبه العجب ولا المنام ولا الطعام ، وقد كان عليه الصلاة والسلام ينام على الحصير حتى يؤثر في جنبه11 وما شبع عليه الصلاة والسلام ثلاث ليال متتاليات12.
إن الحج عينة صغيرة عن أحوال العالم الإسلامية بكل مافيه من إيجابيات وسلبيات ويستطيع المرء أن يبكي طوال الوقت إن أراد أن يفكر بالبعد المأساوي لكل سلبية يراها! وإن كان ذلك لا ييئسه أبداً فإن في ظلام الخطوب أقماراً وبدوراً ، وفيها جند الله المجهولين الأخفياء الأتقياء ؛ الذين لا يعرفهم الناس ولكن الله يعرفهم ومن أكثر ما هزني حاج قال لي: لم أكن من قبل ملتزماً بالإسلام وكنت أعتبر الدعاة والباحثين عن الاستشهاد في سبيل العقيدة مجانين فلما أكرمني الله بالوقوف في حضرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم صرت أبكي بين يديه وأرتعش مثل أوراق الخريف ، وزالت حجب قلبي وعندها عرفت كيف يموت المؤمن ويستشهد في سبيل العقيدة! وكيف يجب أن يفي المؤمن للقائد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ويحمي عقيدته بكل ما يستطيع! ورحم الله القاضي أبو شجاع أحمد بن الحسين الأصفهاني صاحب متن الفقه المعروف بمتن أبي شجاع ؛ فقد لازم حجرة المصطفى وصاحبيه رضي الله عنهما سنين طويلة ؛ ولما حضره الأجل قال: ادفنوني في أقرب بقعة إلى قدمي الحبيب المصطفى واكتبوا على قبري قوله تعالى: (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد)13.
والصلة بين الأسرة الصغيرة وأسرة المسلمين العامة الشاملة الممتدة ؛ صلة اندغام كامل ؛ إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار ؛ اللهم فقهنا وزدنا علما ياعليم.

هل تعلم معنى : لا إله إلا الله
الحمد لله فاطر السماوات والأرض وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير ، ونشهد أن لا إله إلا هو الله وحده لا شريك له نعبده مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، ونشهد أن الهادي محمدا عبده ورسوله جاء بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير أما بعد :
فإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
وإن من كلام الله تعالى قوله : (فاعلم أنه لا إله إلا الله)1 وإن من هدي نبيكم صلى الله عليه وسلم قوله فيما رواه معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (ما من أحد يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار)2.
ورحمة الله واسعة لا يحدها حد ولكن فهم مراد الله لا يأتي بالأهواء بل بما دلت عليه آيات الله تعالى.
لا إله إلا الله هي كلمة التوحيد جمعت الإيمان واحتوته وهي عنوان الإسلام وأساسه ، ومعناها لا معبود يستحق العبادة إلا الله وحده ، ولكن هل المراد بلا اله إلا الله مجرد النطق اللساني. إن آيات الكتاب العزيز تبين بجلاء واضح أبعاد فقه لا اله إلا الله وهي :
1- العلم بمعناها: قال تعالى (فاعلم أنه لا اله إلا الله)3 وفي الصحيح عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من مات وهو يعلم أنه لا اله إلا الله دخل الجنة)4.
2- اليقين بها: فإن الظن لا يغني من الحق شيئا. قال تعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا)5 وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما فيحجب عن الجنة)6 وفي الصحيح أيضا أن رسول الله أرسل أبا هريرة قائلا له : (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا اله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة)7.
3- القبول لمقتضيات لا اله إلا الله بقلبه ولسانه ، وقد حدثنا القرآن عن المكذبين المستكبرين واستحقاقهم العذاب بذلك فقال تعالى : (إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون)8.
4- الانقياد لما دلت عليه لا إله إلا الله ؛ المنافي لترك ذلك ؛ قال تعالى : (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له)9، وقال تعالى (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور)10، ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد وتتمة الآيات : (ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور)11فدلت الآية على أن من لم يكن منقادا إلى الله كان على الكفر، وليس من الله في شيء.
قال الإمام القرطبي في تفسيره : (ومن يسلم وجهه إلى الله) أي يخلص عبادته وقصده إلى الله تعالى (وهو محسن) لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة القلب لا تنفع ونظيره (ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن ..)12، وفي حديث جبريل قال: (فأخبرني عن الإحسان ؛ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فانه يراك)13 (فقد استمسك بالعروة الوثقى) قال ابن عباس (لا إله إلا الله) انتهى كلام القرطبي.
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)14وهذا تمام الانقياد وغايته.
5- الصدق: فلا بد أن يواطىء القلب اللسان ؛ أما ما يتظاهر به المنافقون فمردود ؛ قال تعالى: (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون)15، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من أحد يشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا عبده رسوله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار)16. فاشترط في إنجاء هذه الكلمة من النار أن يقولها صدقا من قلبه.
6- الإخلاص: وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ؛ قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص)17، وقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء)18 ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ونفسه)19. وفي الصحيح أيضا قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل)20.
7- المحبة : فمن لوازم لا اله إلا الله المحبة لها ولمقتضياتها ، ولأهلها العاملين الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك ؛ قال تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله)21. أما الكفرة فهم خلاف ذلك ؛ قال تعالى في سورة غافر: (ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يُشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير)22.
هذا مجمل لمقتضيات لا اله إلا الله ، وهي أول واجب على المكلف وهي أول ما يسن أن يلقى في أذن الوليد! يتلقاها بفطرته فيحيا ويموت ويبعث عليها إن شاء الله ، ومن قال لا اله إلا الله محمد رسول الله فقد دخل في الإسلام وله ما لنا وعليه ما علينا ؛ لقد ضعف مفهوم لا اله إلا الله بين بعض الناس ، وبالتالي فان آثار لا اله إلا الله ضعفت في حياتهم وبقدر تمكنها في قلوبهم يحظون بالقوة والسعادة الدنيوية والأخروية ، وتوحيد الله تعالى لا بد له من جانبين :
الجانب الأول: الشهادة له بالوحدانية في ذاته وصفاته.
والجانب الثاني: قصده وإرادته وحده دون سواه في جميع العبادات.
وربما سماها بعض العلماء : توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية .
فتوحيد الربوبية أن يعتقد بأن الله رب كل شيء وخالقه والقادر عليه لا يخرج شيء عن ربوبيته وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره وهذا التوحيد يقر به كثير من الناس.
وتوحيد الألوهية هو الإقرار طوعا بأنه هو الله الذي لا إله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلا له ، وهذا النوع من التوحيد مما انحرف عنه كثير من الناس ، وقد رد الله على قوم يزعمون توحيده ربا خالقا قادرا ، ويشركون به عبادة واستعانة وتوكلا ورجاء وحبا وخوفا وتشريعا بقوله تعالى : (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)23 ، وقال تعالى : (ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا)24.
إن هناك قوما يقرون لله بأنه الخالق الرب الواحد ؛ ولكنهم يرفضونه إلها معبودا في حياتهم وشريعتهم وتحاكمهم والآيات واضحة في الرد عليهم فهم مشركون في عبادتهم وتحاكمهم وانقيادهم ، ولست أنا الذي يخرجهم من الإيمان والإسلام بل الله تعالى ؛ قال عز شأنه في أمثالهم : (ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصَّدَّقن ولنكونن من الصالحين * فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون * ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب*)25 (فهم مقرون ابتداء بالله ربا) وأمثالهم اليوم من يقول لك: الزكاة نظام متخلف وليتهم درسوه ؛ الصلاة إهدار للوقت وليتهم عاشوها ؛ الدين من بقايا عصور الإقطاع وليتهم فقهوا الدين ليتكلموا عنه ؛ هؤلاء يلمزون المؤمنين ، ويريدون اجتيالهم عن دينهم ويستغلون جهل الناس ليزيدوهم خبالا ، وليجعلوهم عبيدا للشهوات ولطواغيت الأرض (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين)26. إن دين الله ليس أحلاما ولا أوهاما ؛ ليس مناجاة عشاق في التكايا والزوايا ؛ ليس أطيافا وخيالات لراهب يعتزل الحياة ؛ دين الله نظام شامل متكامل يبدأ بلا اله إلا الله إفرادا لله بالربوبية والتوحيد والألوهية والعبودية ؛ فمن مقتضيات الإيمان السعي في رد الناس إلى الله تعالى وفق دين الله أما الذي يتدسس إلى الناس بالإسلام تدسسا ؛ يقر بالله ربا خالقا (وليس في وسعه ولا إمكانه أن يجحده) .. يقر بالله ربا ؛ ثم ينسف نسفا كل صلة للناس مع الله في التشريع والحياة. هذا النموذج لا يُقر له بدين ولا إيمان ولا إسلام ، ومن يدعو إلى الإسلام باللسان ثم يدمر كل توجه إلى الإسلام بالفعل والعمل فليس من الله في شيء.
لقد كثر المحسوبون على الإسلام ، ويبدو أن هناك مصلحة رائجة في هذه الأيام فالكل يتكلم عن الإسلام!! القليلون حبا وصدقا والبعض استغباء للمؤمنين وكثرة وقاحة وعدوانا ؛ يريدون قبر الإسلام وما هم بقادرين. بالصدفة كنت أقلب مجلة قديمة ، وجدت فيها تصريحا للمبشر العالمي الرئيس الأميركي السابق (جيمي كارتر) عندما كان رئيسا لبلاده يعقب فيه على العملية التي قامت بها القوات الأميركية لإخراج الرهائن المحتجزين في السفارة بطهران. وقتها فشلت العملية فشلا ذريعا ولسنا نناقش الموضوع من وجهة نظر سياسية أو عسكرية .. نريد فقط العبرة ؛ وقتها عرضت بعض جثث القوات الأميركية المعتدية في الشارع فبماذا عقب الرئيس كارتر ؛ لقد قال: إن ذلك ليس من الإسلام. الخبثاء يعلمون ما هو الإسلام ويريدون أن يعلموه للمسلمين ؛ هل كان دعم شاه إيران عسكريا واقتصاديا وإمداده بخبراء التعذيب أمرا يبيحه أي دين سماوي؟ أو مبدأ إنساني؟
إنهم يتكلمون فقط للمتاجرة ، وإن الهدف العالمي اليوم هو إشغال الشعوب الأوربية والأميركية بهدف مرعب : الإسلام .. والإسلام حين يحمله دعاته الذين اتضحت في قلوبهم الربوبية والعبودية فلن يقف في وجهه شيء.. ومن يريد قبر الإسلام فسيقبره الإسلام في الواقع والفكر والمصير. إن الإسلام عندما يصر على توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية فإنما يفعل ذلك رحمة بالناس ، وقد يحمله الناس دون أن يفقهوه ، وقد يفقهونه بما هو منه براء ، وقد يضعف بعضهم عن حمله كله فيحمل أجزاء منه ولكن كل ذلك لا بد له من الرد إلى أصول الإسلام الواضحة حتى تسعد الأمم به. إن الإسلام ليس دين همجية ولا عدوان بل دين رحمة ، وقد ذكر البخاري (أن زيد بن عمرو بن نفيل كان يحيي الموءودة ويقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنته: لا تقتلها أنا أكفيك مئونتها فيأخذها فإذا ترعرعت قال لأبيها إن شئت دفعتها إليك وإن شئت كفيتك مئونتها)27 وروي أنه كان يزوجها من ماله ؛ هذا الرجل جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (يحشر ذاك أمة وحده بيني وبين عيسى بن مريم)28. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد رأيت رجلا يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)29 ، وأخرج الشيخان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي (بئر) يلهث يكاد يقتله العطش فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك)30. وأخرج ابن حبان في صحيحه والإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد عنده)31 و أخرج الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)32 وفي الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي. يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ؛ يا ابن آدم إنك لو لقيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة)33.
إن دين الله رحمة ليس في الآخرة فحسب ، وليس في الوجدان فحسب بل في الدنيا والآخرة .. في الوجدان والجوارح والحياة كلها ، ولا تنبثق رحمته إلا باجتماع أسبابه وشعابه التي وردت في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا اله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)34 ، وشعب الإيمان لا تتحقق إلا باجتماع جانبي التوحيد: توحيد الربوبية أي الاعتقاد بالله ربا واحدا خالقا قادرا لا يخرج شيء عن ربوبيته ، وتوحيد الألوهية أي الاعتقاد بأنه الله الذي لا اله إلا هو الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلا له.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى