مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* تفسير سورة النور 3

اذهب الى الأسفل

* تفسير سورة النور 3 Empty * تفسير سورة النور 3

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 09, 2011 8:34 pm

اعداد : طارق فتحي

قوله ( حتى تستأنسوا وتسلموا ) عطف بالواو ، وهي لا تقتضي الترتيب ، وقد بينت السنة أن البدء يكون بالسلام ، وصفته أن يقول : السلام عليكم أأدخل ؟
وقد صح عنه  التسليم قبل الاستئذان فعلاً وتعليماً ، حيث استأذن عليه رجل فقال : ( أألج ؟ فقال  : اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان ، فقل له : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ فأذن له النبي  ) .
قال النووي : ” والصحيح الذي جاءت به السنة ، وقاله المحققون ، أنه يقدم السلام فيقول : السلام عليكم أأدخل ؟ “ .
 قوله ( حتى تستأنسوا ) جاء في السنة عدد مرات الاستئذان ، وأنه ثلاث مرات .
قال  : ( إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له ، فليرجع ) . رواه البخاري
قال الشنقيطي : ” والحكمة في ذلك أن صاحب البيت قد لا يسمع في الأولى فيسمع في الثانية أو الثالثة “ .
 قال ابن كثير : ” ثم ليعلم أنه ينبغي للمستأذن على أهل المنزل ، أن لا يقف تلقاء الباب بوجهه ، ولكن ليكن عن يمينه أو يساره ... ثم ذكر حديث : ( كان رسول الله  إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ، ويقول : السلام عليكم ، السلام عليكم ) . رواه أبو داود
 قوله ( حتى تستأنسوا ) التعبير بالاستئناس قد يفيد معنى الاستئذان ومعنى آخر ، فهو يفيد استئذان وزيادة ، لأن المعنى : حتى تستشعروا أُنْسَ أهل البيت بكم ، ففيها إشارة لطيفة ، وهي أنه ينبغي للزائر أن يرجع إذا تبين له من حال صاحب البيت أنه لا يرغب دخوله وإن صرح بالإذن .
( فإن لم تجدوا فيها أحداً ) أي إن لم تجدوا أحداً من الآذنين أو إن لم تجدوا أحداً من أهلها .
( فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ) أي لا تدخلوها إلا بإذن أهلها ، وذلك لأن الاستئذان من أجل البيت وساكنه .
قال ابن كثير : ” وذلك لما فيه من التصرف في ملك الغير بغير إذنه “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 249 )
( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا ) أي وإن ردوكم من الباب قبل الإذن أو بعده .
( فارجعوا ) أي يجب رجوعكم .
( هو أزكى لكم ) أي رجوعكم أزكى لكم وأطهر .
( والله بما تعملون عليم ) أي إن الله عليم بكل أعمالكم ، خفيها وظاهرها ، وجليلها ودقيقها .
 ( فارجعوا ) فيه دليل على أنه إذا قال له صاحب المنزل ارجع فإنه يجب عليه الرجوع .
قال قتادة : ” قال بعض المهاجرين ، لقد طلبت عمري كله هذه الآية ، فما أدركتها ، أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي : ارجع ، فأرجع وأنا مغتبط “ .
( ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة فيها متاع لكم ) أي ليس عليكم إثم ولا جناح أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة بدون الانتفاء المحذور فيها .
وقد اختلف العلماء في تفسير البيوت الغير المسكونة على أقوال :
فقيل : هي الفنادق والبيوت المبنية في الطرق يأوي إليها المسافرون .
وقيل : هي الخِرب التي يدخلها الناس لقضاء الحاجة والاستظلال .
وقيل : هي جميع البيوت التي لا ساكن فيها ، لأن الاستئذان إنما جعل من أجل الساكن ، فإذا لم يوجد ساكن لم يلزم الاستئذان ، وهذا أجمعها وأرجحها .
( فيها متاع لكم ) أي منفعة لكم بأي وجه من الوجوه، كالاستظلال وقضاء الحاجة والأكل والشرب والسكن وغير ذلك.
( والله يعلم ما تبدون وما تكتمون ) أي إن الله سبحانه لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ما ظهر منها وما بطن .
فوائد عامة :
1- وجوب الاستئذان عند الدخول لبيوت الآخرين .
2- تحريم الدخول من غير استئذان .
3- أن الاستئذان من علامات الإيمان .
4- عظم الشريعة الإسلامية في شرعية الاستئذان لما في ذلك من المصالح والفوائد التي سبقت في الشرح .
5- مشروعية السلام عند الدخول ، سواء الدخول لبيت الإنسان أو غيره .
قال تعالى : (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً) .
وقال النبي  : ( أفشوا السلام بينكم ) .
6- أن أوامر الله وشرائعه وأحكامه كلها خير لنا .
7- وجوب رجوع الإنسان إذا قيل له ارجع .
8- أن رجوع الإنسان إذا قيل له ارجع من علامات تزكية النفس .
9- أن الله عليم بأعمالنا ونياتنا .
10- جواز دخول البيت من غير استئذان إذا كانت غير مسكونة ، كالخرب والتي على الطرقات .
11- أن الله عز وجل يعلم ما في الصدور .
12- وجوب الحذر من عصيان الله ، لأن الله يعلم ما نبدي وما نكتم .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ) .
------------------------------------
قال ابن كثير : ” هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح النظر إليه ، وأن يغمضوا أبصارهم عن المحرمات “ .
 قوله : ( يغضوا من أبصارهم ) المراد غضه عما يحرم ، وذلك بخفضه إلى جهة الأرض أو صرفه يميناً أو شمالاً .
 قوله ( من أبصارهم ) من تبعيضية ، فليس المراد غضه مطلقاً ، إنما المراد غضه عما حرم الله ، وأما النظر إلى المحارم وإلى ملكوت السموات والأرض وغيرها فجائز .
 قوله ( ويحفظوا فروجهم ) وحفظ الفرج يكون بأمرين :
الأول : يمنعه من الزنا .
كما قال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) .
ثانياً : وتارة بحفظه من الانكشاف أمام الناس .
كما قال  : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) .
 قوله ( يغضوا من أبصارهم ) قدم غض البصر على حفظ الفرج ، لأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج ، وإطلاق البصر سبب لعدم حفظ الفرج .
 قوله ( ذلك أزكى لهم ) أي أظهر وأتقى من دنس الذنوب والمعاصي .
 قوله ( إن الله خبير بما تعملون ) الخبرة : العلم التام الذي يصل إلى بواطن الأمور ويكشف عن دخائلها ، فإن الله سبحانه يعلم علماً تاماً بظواهر أعمالهم وبواطنها لا يخفى عليه منها شيء .
 فوائد غض البصر :
قال ابن القيم رحمه الله مبيناً فوائد غض البصر :
1- تخليص القلب من ألم الحسرة ، فإن من أطلق نظره دامت حسرته فأضر شيء على القلب إرسال البصر .
كلُّ الحوادثِ مَبْدَاهَا من النظر                    ومُعْظَمُ النار من مُسْتصْغَرِ الشرر
2- أنه يورث القلب نوراً وإشراقاً يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح ، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه ، ولهذا والله أعلم ذكر الله سبحانه آية النور في قوله تعالى : ( الله نور السموات والأرض ) عقيب قوله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) .
3- أنه يورث صحة الفراسة فإنها من النور وثمراته ، وإذا استنار القلب صحّت الفراسة لأنه يصير بمنزلة المرآة المجلوة تظهر فيها المعلومات كما هي .
4- أنه يفتح طرق العلم وأبوابه ، ويسهل عليه أسبابه ، وذلك بسبب نور القلب .
5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته ، فيجعل له سلطان البصيرة مع سلطان الحجة .
وفي الأثر : ( إن الذي يخالف هواه يفرق الشيطان من ظله ) ، ولهذا يوجد في المتبع لهواه من ذل القلب وضعفه ومهانة النفس وحقارتها ما جعله لمن آثر هواه على هواه .
6- أنه يورث القلب سروراً وفرحة وانشراحاً أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر ، وذلك لقهره عدوه بمخالفته ، ومخالفة نفسه وهواه .
7- أنه يخلص القلب من أسر الشهوة ، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه ، فهو كما قيل: ( طليق برأي العين وهو أسير ).
8- أنه يسد عنه باباً من أبواب جهنم ، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفعل ، وتحريم الرب تعالى وشرعه حجاب مانع من الوصول .
9- أن يقوي عقله ويزيده ويثبته ، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفت العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب فإن خاصة العقل ملاحظة العواقب .
10- أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة ، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ، ويوقع في سكرة العشق ، كما قال الله تعالى عن عشاق الصور : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) .

فوائد عامة :
1- وجوب غض البصر عما حرم الله .
قال تعالى : (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ) .
وقال النبي  : ( إياكم والجلوس في الطرقات ... ثم قال : غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ... ) .
وعن جرير قال : ( سألت رسول الله  عن نظر الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري ) . رواه مسلم
2- أنه لا يجب غض البصر عن الأمور غير المحرمة ، كالنظر إلى ملكوت السماء والأرض ، والنظر إلى مخلوقات الله .
3- وجوب حفظ الفرج ، بعدم الزنا وعدم إظهاره .
4- أن من علامات تزكية النفس غض البصر .
5- علم الله بالسرائر والظواهر .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) ) .
------------------------------------
 قوله ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ) الكلام في مثل الكلام فيما سبق ، لكن الله سبحانه خص النساء بالذكر هنا مع أنهن يدخلن في خطاب الشارع مع المؤمنين في الغالب لتأكيد التزامهن بهذا الحكم ، ولرفع توهم اختصاص ذلك بالرجال ، ولاشتمال هذه الآية على أحكام تختص بالنساء ولا يشركهن فيها الرجال .
 نظر المرأة على الرجال ينقسم إلى قسمين :
1- بشهوة ، فهذا حرام بالإجماع .
2- بغير شهوة ، ففيه خلاف ، قيل : يجوز ، وقيل : لا يجوز .
 قوله ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ) قال ابن كثير : ” أي لا تظهرن شيئاً من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه .
وقد اختلف العلماء في الزينة المستثناه في قوله تعالى : ( إلا ما ظهر منها ) :
فقيل : المراد بها الوجه والكفان .
وقيل : الكحل والخضاب ونحوهما .
وقيل : الثياب والرداء ، وهذا الصحيح .
قال الشنقيطي : ” وهذا القول هو أظهر الأقوال عندنا وأحوطها وأبعدها من الريبة وأسباب الفتنة “ .
ثم قال رحمه الله عن قول من قال إن المراد الوجه والكفان : توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول ، وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها : كالحلي والحلل ، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر ، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه ، وبه تعلم أن قول من قال : الزينة الظاهرة والوجه والكفان خلاف ظاهر معنى لفظ الآية ، وذلك قرينة على عدم صحة هذا القول ، فلا يجوز الحمل عليه إلا بدليل منفصل يجب الرجوع إليه .
وأما نوع البيان الثاني المذكور فإيضاحه : أن لفظ الزينة يكثر تكرره في القرآن العظيم مراداً به الزينة الخارجة عن أصل المزين بها ، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الشيء المزين بها ، كقوله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ) .
وقوله تعالى : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ) وقوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا) . وقوله تعالى : (وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا) .
فلفظ الزينة في هذه الآيات كلها يراد بها ما يزين به الشيء وهو ليس من أصل خلقته كما ترى ، وكون هذا المعنى هو الغالب في لفظ الزينة في القرآن يدل على أن لفظ الزينة في محل النزاع يراد به هذا المعنى الذي غلبت إرادته في القرآن العظيم.
وبه تعلم أن تفسير الزينة في الآية بالوجه والكفين فيه نظر “ .                    أضواء البيان : 6 / 197 – 198 ) .
( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) ( وليضربن ) وليسترن ( بخمرهن على جيوبهن ) يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيئاً .
 ( وليضربن ) الضرب هنا مضمن معنى الإلقاء ، أي وليلقين بخمرهن على جيوبهن ، وعبر سبحانه بالضرب مبالغة في التستر .
والخمر جمع خمار ، وهو ما تغطي به المرأة رأسها .
والمعنى : هو أنها تلقي بخمارها على جيبها بشدة ، فإذا فعلت ذلك فسوف يمر الخمار على الوجه ضرورة ، لأن الجيوب جمع جيب ، والجيب موضع القطع من الدرع والقميص ، والمراد به الصدر والنحر .
فإذا ألقت المرأة بخمارها بشدة على الصدر والنحر فإن الوجه يدخل في ذلك ، لأن مكانه بين الرأس والصدر .
 عن عائشة قالت : ( لما نزلت هذه الآية ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) أخذن أزرتهن فشققنها من قبل الحواشي فاخْتَمَرْن بها ) .
قال الحافظ : ” ( فاختمرن ) أي غطين وجوههن “ .
( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ) أي أزواجهن .
 والبعل : الزوج ، كما قال تعالى : (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ) أي زوجي .
 والزوج يرى من المرأة كل شيء ، إذ كل محلٍ من بدنها حلال له لذة ونظراً ، ولهذا بدأ بالبعولة ، لأن إطلاعه يقع على أعظم من هذا ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) .
( أو آبائهن ) أي لآبائهن .
( أو آباء بعولتهن ) أي آباء أزواجهن .
لأن الأب يصون عرض ابنته ، ووالد الزوج يحفظ على ابنه ما يسوءه .
( أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن ) ذكر تعالى الأبناء ، وأبناء الزوج ، والإخوة ، وأبناء الإخوة ، وأبناء الأخوات ، وكلهم من المحارم الذي يحرم الزواج بهم لما جبل الله في الطباع من النفرة من مماسة القريبات ونكاحهن .
 وقد اختلف ما حد الزينة المرخص فيها للمرأة أن تبديها أمام المحارم :
فقيل : ما عدا السرة والركبة .
وقيل : الأطراف ، كالسوار والقلادة والنحر والرأس .
والراجح تبدي للمحارم ما يظهر منها غالباً في البيت ، كالرأس ومواضع الوضوء وما يظهر منها في حال المهنة والعمل .
 لم يذكر في الآية العم .
فقيل : لئلا يصفها لابنه ، لأن ابن عم المرأة يكون متشوقاً إليها .
وقيل : أن في الآية ما يشير إليه ، فلو سمي لكان فيه شبه تكرار ، وذلك أنه ذكر أنّ ابن أخي المرأة وابن أختها من محارمها ، وهي عمة أحدهما وخالة الآخر ، فيؤخذ من أن العم والخال محرمان .
وقيل : ذكر في السنة وهذا يكفي ، فقد قال  لعائشة ( إنه عمك من الرضاعة ) فالعم من النسب من باب أولى .
( أو نسائهن ) اختلف العلماء في المراد بالنساء في هذه الآية :
فقيل : المراد بالنساء المؤمنات .
وعلى هذا القول فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر زينتها أمام الكافرة .
قال ابن كثير : ” ( أو نسائهن ) يعني تظهر بزينتها أيضاً أمام النساء المسلمات دون نساء أهل الذمة لئلا تصفهن
لرجالهن “ .                                                                                                                ( تفسير ابن كثير : 3 / 252 ) .
وقيل : المراد جميع النساء ، فلا يختص إظهار الزينة بنوع من النساء .
وهذا القول اختاره الرازي ، ويدل عليه :
ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة : ( أن يهودية دخلت عليها فذكرت عذاب القبر ، فقالت لها : أعاذك الله من عذاب القبر ، فسألت عائشة رسول الله  عن عذاب القبر ، فقال : نعم عذاب القبر ) .
وثبت أن أسماء استأذنت رسول الله  فقالت : ( إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة وهي مشركة ، أفأصل أمي ؟ فقال  : صِلِ أمك ) .
وهذا الصحيح .
( أو ما ملكت أيمانهن ) أي للمرأة أن تظهر على رقيقها من الرجال والنساء .
وقال بعض العلماء : المراد الإماء خاصة ، فلا يجوز أن تظهر زينتها أمام عبدها .
لكن القول الأول أرجح .
قال ابن كثير : ” وقال الأكثرون : بل يجـوز أن تظهر على رقيقها من الرجال والنساء ، واستدلوا بالحديث الذي رواه أبو داود عن أنس : أن النبي  أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها ، قال : وعلى فاطمة ثوب إذا قنّعت بها رأسها لم يبلغ رجلها ، وإذا غطت به رجـليها لم يبلغ رأسـها ، فلما رأى النبي  ما تلقـى قال : إنه ليس عليك به ، إنما هـو أبوك وغـلامك ) “ .                                                                                      ( تفسير ابن كثير : 3 / 252 ) .
( والتابعين غير أولي الإربة من الرجال ) اختلف العلماء في معنى هذه الآية :
فقيل : هو الأحمق الذي لا حاجة به إلى النساء .
وقيل : الأبله .
وقيل : الرجل يتبع القوم فيأكل معهم ، ويرتفق بهم ، وهو ضعيف لا يكترث للنساء ولا يشتهيهن .
وقيل : العنين .
وقيل : الخصي .
وقيل : الشيخ الكبير .
وهذا الاختلاف كله متقارب المعنى ، ويجتمع فيمن لا فهم له ولا أهمية ينتبه بها إلى أمر النساء .
فكل من ليس له حاجة في أمر النساء فإنه يشمل مفهوم هذه الآية .
 قوله ( الإربة ) الحاجة ، كما قال تعالى : (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) أي حاجات .
 والمعنى : أي : والذين يتبعوكم ويتعلقون بكم من الرجال الذين لا إربة لهم في هذه الشهوة كالمعتوه الذي لا يدري ما هنالك ، والعِنِّين الذي لم يبق له شهوة ، لا في فرجه ولا في قلبه ، فإن هذا لا محذور من نظره .  ( تفسير السعدي : 515 ) .
 قال الشنقيطي : ” والأولى دخول هؤلاء وغيرهم إذا اتصفوا بما وصفهم الله في قوله : ( والتابعين غير أولي الإربة ) وعدم دخولهم أو دخول غيرهم إذا لم يتصفوا بذلك “ .
 وقال رحمه الله : ” وهذه الآية تدل على أن الأعمال بالنيات ، ويؤخذ من مفهوم مخالفتها أن من ذكر الله من المحارم إذا حدث من بعضهم النظر إلى من حرمت عليه بشهوة ، أنه لا يجوز له النظر إليها ، وكذلك المرأة إذا بلغ فيها الفساد على أن تتعاطى السحاق ، لو نظرت إلى امرأة أخرى بشهوة ، فلا يجوز لها النظر إليها “ .
( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ) يعني لصغرهم لا يفهمون أحوال النساء وعوراتهن من كلامهن الرخيم وتعطفهن في المشية وحركاتهن وسكناتهن ، فإذا كان الطفل صغيراً لا يفهم ذلك ، فلا بأس بدخوله على النساء .
 الطفل : هو الصغير الذي لم يبلغ الحلم .
 عورات : جمع عورة ، وهي سوءة الإنسان وكل ما يستحيا منه .
والمراد هنا : ما تستره المرأة من محاسنها .
 قوله ( لم يظهروا ) مفهومه أنهم لو ظهروا لما جاز لهم النظر .
 قال ابن كثير : ” فأما إن كان مراهقاً أو قريباً منه ، بحيث يعرف ذلك ويدريه ، ويفرق بين الشوهاء والحسناء ، فلا يُمَكَّن من الدخول على النساء “ .                                                         ( تفسير ابن كثير : 3 / 253 ) .
( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ) هذا فيه نهي للمرأة أن تضرب برجلها حتى يسمع صوت خلخالها فيعلم أنها ذات خلخال ، فإن هذا مما يحرك الشهوة عند الرجال ، فإنه لما كان موضع الخلخال – وهو حلية تكون في الساق – مستتراً عن الأنظار ، فإن الوسيلة لإعلام الرجال به الضرب في الرجل حال المشي حتى يظهر صوته .
 في هذا دلالة واضحة على أن المرأة منهية عن كل ما يحرك الشهوة عند الرجال من التعطر والتطيب والتبختر والمشي وترقيق الكلام وما إلى ذلك .
 قال السعدي : ويؤخذ من هذا ونحوه ، قاعدة سد الذرائع ، وأن الأمر إذا كان مباحاً ولكنه يفضي إلى محرم أو يخاف وقوعه فإنه يمنع منه ، فالضرب بالرجِل في الأرض ، الأصل أنه مباح ، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة منع منه . ( 516 ) .
- جاءت الشريعة بسد الذرائع المؤدية إلى المحرمات :
- نهى سبحانه عن سبّ آلهة المشركين ، لكونه ذريعة إلى أن يسبّوا الله سبحانه وتعالى عدواً وكفراً على وجه المقابلة .
- وأخبر النبي e أن : ( من أكبر الكبائر شتْم الرجل والديه ، قالوا : وهل يشتم الرجل والديه ؟ قال : نعم ، يسب أبا الرجل ، فيسب أباه ، ويسب أمه فيسب أمه ) .
- وأمسك e عن قتل المنافقين ، مع ما فيه من مصلحة ، لكونه ذريعة إلى التنفير ، وقول الناس : إن محمداً يقتل أصحابه .
- ومنع النساء إذا خرجن إلى المسجد من الطيب والبخور .
- ونهى المرأة أن تصف لزوجها امرأة غيرها ، حتى كأنه ينظر إليها .
- ونهى عن بناء المساجد على القبور ، ولعن فاعله .
- ونهى عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وعند غروبها ، لكون هذين الوقتين وقت سجود الكفار للشمس .
( وتوبوا على الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) أي افعلوا ما آمركم به من هذه الصفات الجميلة والأخلاق الجليلة ، واتركوا ما كان عليه أهل الجاهلية من الأخلاق والصفات الرذيلة ، فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله ، وترك ما نهيا عنه .
 ( لعلكم تفلحون ) هذا يدل على أن التوبة من أسباب الفلاح .
فوائد عامة :
1- يجب على المرأة أن تغض بصرها عما حرم الله .
2- وجوب حفظ الفرج .
3- تحريم ابداء الزينة للأجانب .
قال  : ( صنفان من أهل النار لم أرهما : وذكر منهما : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ... ) .
وقال تعالى : ( وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) .
4- يجوز إبداء الزينة الظاهرة أمام المحارم إلا إذا خيف الفتنة .
5- أن الأحكام الشرعية معللة .
6- وجوب الاهتمام بالعورات .
7- سد الذرائع . لقوله : ( ولا يضربن بأرجلهن ).
8- وجوب اهتمام المرأة بعدم إظهار أي شيء يفتن الرجال .
9- أن المرأة فتنة .
قال  : ( واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ) . رواه مسلم
وقال  : ( ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ) . متفق عليه
10- وجوب التوبة .
11- أن التوبة من علامات الفلاح .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (33) وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ وَمَثَلاً مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (34) ) .
------------------------------------
هذا أمر من الله لعموم المسلمين أن يُزَوَّجُوا من لا زوج له من الرجال والنساء .
 الأيامى : جمع أيم ، وهو كل من لا زوج له من الرجال أو النساء ، سواء كان بكراً أو ثيباً ، وكثر استعمال الأيم في المرأة التي فقدت زوجها ، كما قال  : ( الأيم أحق بنفسها من وليها ... ) .
 قوله ( منكم ) أي من المسلمين ، فلو كان مشركاً لم يزوج .
كما قال تعالى : (وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) .
وقال تعالى : (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) .
 مناسبة الأمر بالنكاح لما تقدمه بغض البصر وحفظ الفرج للرجال والنساء هو أن النكاح وسيلة لتحقيق ذلك ، كما
قال  : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ) .
وفي الصحيح عن جابر قال : عن رسول الله  ( أنه رأى امرأة فأتى زينب فقضى حاجته منها ، وقال : إن المرأة تقبل في صورة شيطان ، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله ، فإن ذلك يرد ما في نفسه ) .
قال ابن القيم : في الحديث عدة فوائد :
أولاً : الإرشاد إلى التسلي عن المطلوب بجنسه ، كما يقوم الطعام مقام الطعام ، والثوب مقام الثوب .
ثانياً : الأمر بمداواة الإعجـاب بالمرأة المورث لشهـوتها بأنفع الأدوية ، وهو قضاء وطـره من أهله ، وذلك ينقض شهوته لها .                                                                                             ( الجواب الكافي : 318 ) .
( والصالحين من عبادكم وإمائكم ) أي وأنكحوا كذلك أهل التقى والصلاح من عبيدكم وجواريكم .
 قال بعض العلماء : وتخصيص الصالحين ، لأن إحصان دينهم والاهتمام بشأنهم أهم ، وفيه إشارة إلى مكانة التقى والصلاح في الإنسان .
 قوله ( إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله ) أي لا يمنعكم فقر الخاطب إليكم إذا كان كفؤاً عن تزويجه ، فإن الله تعالى سيغنيهم .
ففي هذا دليل على أن النكاح سبب الغنى .
قال بعض السلف : التمسوا الغنى في النكاح .
قال القرطبي : ” وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلباً لرضا الله واعتصاماً من معاصيه “ .      ( الجامع لأحكام القرآن : 12 / 160 ) .
وقال ابن مسعود : ” التمسوا الغنى في النكاح ، وتلا هذه هذه الآية “ .
وقال  : ( ثلاثة حق على الله عونهم : الناكح يريد العفاف ، ... ) . رواه الترمذي
 فإن قيل : فنحن نرى كثيراً من الفقراء يتزوجون ويستمر فقرهم :
قيل : إن هذا الوعد مقيد بالمشيئة كما في قوله تعالى : (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاء) .
وقيل : إنه قد يوجد مانع لبعض الناس من الغنى ، كعدم الطاعة ، أو وجود المعصية ، أو أن المتزوج لم يرد بزواجه العفة ، والله إنما وعد عباده الطائعين .
وقيل : يغني نفسه .
 حكمة الربط بين النكاح والغنى : هو إبطال ما كان يتصوره كثير من الناس من أن الزواج والأولاد والذرية سبب للفقر .
فبين الله تعالى أن الغنى والفقر بيد الله ، وأنه لا أثر للزواج والذرية في ذلك .
 قوله ( وأَنْكِحوا ) لو قرأها شخص ( واْنكِحوا ) لكان خطأ كبير ، لأنه يصير معناها ( تَزَوّجوا ) .
 قوله ( والله واسع عليم ) قال ابن جرير : ” يعني أن الله عز وجل يسع خلقه كلهم بالكفاية والإفضال والجود
والتدبير “ .
وقال الخطابي : ” الواسع هو الغني الذي وسع غناه مفاقر عباده ، ووسع رزقه جميع خلقه ، ( عليم ) يعلم مصالح عباده ويعلم من يصلح له الغنى ومن لا يصلح له “ .
 قوله ( وليستعفف الذين لا يجدون ... ) هذا أمر من الله تعالى لمن لا يجد تزويجاً بالتعفف عن الحرام حتى يهيء لهم أسبابه .
 الاستعفاف : هو طلب العفة بفعل أسبابه وترك ما يؤدي إلى الفتنة .
 قوله ( وليستعفف ... ) من أسباب العفة :
- الصوم ، قال  : ( يا معشر الشباب من استطاع ... فعليه بالصوم ) .
- سؤال الله ذلك ، عن ابن مسعود قال : ( كان النبي  يقول : اللهم إني أسالك الهدى والتقى والعفاف ) .
 فيه أن العفة سبب للغنى ، وقد قال  : ( ومن يستعفف يعفه الله ) .رواه مسلم .
( والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً ) ( يبتغون ) يطلبون . ( الكتاب ) أي المكاتبة وهي شراء العبد نفسه من سيده بأموال مقسطة .
قال ابن كثير : ” هذا أمر من الله تعالى للسادة إذا طلب منهم عبيدهم الكتابة أن يكاتبوهم، بشرط أن يكون فيهم خيراً “.
وقد اختلف العلماء هل هذا الأمر للوجوب أم للاستحباب ؟
فقيل : للوجوب .
وهذا قول أهل الظاهر ، ورجحه ابن جرير وقال : واجب على سيد العبد أن يكاتبه إذا علم فيه خيراً وسأله العبد الكتابة وذلك أن ظاهر قوله [ فكاتبوهم ] ظاهر أمر ، وأمر الله فرضٌ الانتهاء إليه ، ما لم يكن دليل من كتاب أو سنة على أنه ندب .                                                                                       ( تفسير ابن جرير : 18 / 152 ) .
لقوله : ( فكاتبوهم ... ) وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب .
وقيل : للاستحباب .
وهذا قول الأكثر .
واستدلوا على عدم الوجوب بقوله  : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ) .
والعبد مال لسيده ، فلا يجوز إجبار السيد على المكاتبة إلا برضاه .
وهذا الصحيح .
 قوله ( إن علمتم فيهم خيراً ) المراد بالخيرية هنا الأمانة والصلاح والقدرة على الكسب .
وقيل : المال ، لكنه ضعيف .
 قوله ( إن علمتم فيهم خيراً ) مفهومه إن لم نعلم منهم خيراً فلا تشرع الكتابة .
 قوله ( وآتوهم من مال الذي آتاكم ) اختلف المفسرون بها :
قيل : اطرحوا من الكتابة بعضها .
وقيل : هو النصيب الذي فرضها الله لهم من أموال الزكاة .
وهذا اختيار ابن جرير .
 قوله ( من مال الله ) إضافة المال إلى الله سبحانه للإشارة إلى أن المالك الحقيقي للمال الذي بين يدي الأغنياء إنما هو الله سبحانه وتعالى ، وهو وديعة عندهم .
 قوله ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً ... )
سبب النزول : هذه الآية نزلت في جواري عبد الله بن أبي بن سَلول كنّ يبْغِضْنَ الزنى ، وهو يكرههن عليه لينال بذلك ما كان يعتاد أهل الجاهلية من المكاسب الخبيثة ، فشكت الجواري إلى النبي  فنزلت الآية .
( ولا تكرهوا فتياتكم ) أي إمائكم ، ( على البغاء ) أي الزنا ، ( إن أردن تحصناً ) أي إن أردن التعفف عن مقارفة الفاحشة .
 قوله ( فتياتكم ) الفتيات تطلق على الشابات ، ولكن استعماله بمعنى الأمة أكثر ، وهو المراد هنا .
 قوله ( إن أردن تحصناً ) لا مفهوم له ، أي فلا يفهم أنهن إذا لم يردن التحصن يجوز إكراههن .
والمراد بالتحصن التعفف عن الرذيلة .
 ( لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) هذا التعليل خرج مخرج الغالب لأن الغالب في إكراه الإماء على الزنا إنما هو لأجل المال.
 قوله ( عرض الحياة الدنيا ) وصف المال بأنه عرض الحياة الدنيا لبيان أنه لا قرار له ولا ثبات فهو يعرض ويزول ، فإن أقصى حد لبقائه هو الموت ، حيث لا يستطيع الإنسان أن يذهب بشيء من ماله إلى قبره مهما كثر وزاد .
وهذا القليل إشارة إلى حقارة وتفاهة مقصدهم الذي حملهم على إكراه الإماء وهو المال الزائل ويبذلون العوض النفيس في مقابلة المال التافه الخسيس .
( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) أي ومن يجبرهن على الزنا ، فإن الله غفور لهن رحيم بهن لا يؤاخذهن بالزنا لأنهن أكرهن عليه .
وذهب بعض العلماء إلى أن الآية تتعلق بالمكرهين ، أي غفور رحيم لهم إذا تابوا وأنابوا ، لأنه ليس على الإماء المكرهات ذنب أصلاً ، فإن الإكراه يسقط الإثم .
والظاهر أن الآية عامة .
( ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات ) أي أنزلنا إليكم أيها المؤمنون آيات واضحات وأحكاماً مفصلات .
 قوله ( آيات ) المراد بالآيات هنا الشرعية ، لقوله ( أنزلنا ) .
 قوله ( آيات ) سميت بذلك لأنها تدل على :
- عظمة من أنزلها .
- وعلى صدق من جاء بها ، وهو الرسول .
( ومثلاً من الذين خلوا من قبلكم ) أي وأنزلنا إليكم ( مثلاً من الذين خلوا من قبلكم ) أي ضربنا لكم الأمثال بمن سبقكم من الأمم لتتعظوا وتعتبروا .
قال ابن كثير : ” أي خبراً عن الأمم الماضية ، وما حل بهم في مخالفتهم أوامر الله تعالى “ .  ( تفسير ابن كثير : 3 / 256 ) .
 قوله ( وموعظة للمتقين ) أي وأنزلنا إليكم موعظة للمتقين ، من الوعد والوعيد ، والترغيب والترهيب ، يتعظ بها المتقون .
والمتقون : هم الذين يجعلون بينهم وبين عذاب الله وقاية بفعل أوامره واجتناب نواهيه .
 قال الشنقيطي : ”إنما خصهم بالموعظة، لأنهم هم المنتفعون بها، وكثيراً ما يخص الله المنتفع، مع أن المراد العموم بها“ .
وقال رحمه الله : ” والموعظة الكلام الذي تلين به القلوب ، والعامة لا يفهمون من الموعظة والوعظ إلا الكلام الذي فيه ترغيب وترهيب ، بذكر الجنة ونعيمها ، وذكر النار وعذابها ، ولكن الله تعالى كثيراً ما يطلق في كتابه العزيز الموعظة على الأوامر والنواهي .
ولا شك أنها من أعظم المواعظ ، ووجه كون الأوامر والنواهي مواعظ أن المسلم العارف أعظم ما يلين قلبه أوامر الله تعالى ونواهيه عند ما يسمعها ، لعلمه بأن الله يثيبه إذا امتثل الأمر ، ويعاقبه إذا ارتكب النهي ، فيكون بين الخوف والطمع ، وهذا معروف مشاهد في المخلوقين ، فإنك ترى الناس يسارعون في تنفيذ رغبات الملوك ويبتعدون كل الابتعاد عما يسخطهم خوفاً من بطشهم وطمعاً في القرب منهم ، مع أنهم بشر ، فكيف بخالق السماوات والأرض وله المثل الأعلى ؟
وإطلاق الوعظ بهذا المعنى كثير في القرآن ، ومنه ما في هذه الآية ، وما مضى في قوله تعالى : (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ) وكذلك لما ذكر الله تعالى أحكاماً كثيرة في سورة البقرة في الطلاق والرجعة والنكاح ، قال تعالى : (ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) .

فوائد عامة :
1- مشروعية النكاح ، وقد يجب إذا خاف على نفسه الزنا .
2- أهمية النكاح في الشريعة الإسلامية ، وهو من سنن المرسلين .
3- أن النكاح من أسباب الغنى .
4- لا يجوز للمسلم أن يخاف من الفقر .
5- إثبات اسمين من أسماء الله : الواسع – العليم .
6- وجوب الاستعفاف لمن لم يجد نكاحاً .
والاستعفاف : طلب العفة بفعل الأسباب وترك ما يؤدي إلى الفتنة .
وقد كان النبي  يقول : ( اللهم إني أسألك التقى والعفاف والغنى ) .
وقال  : ( ومن يستعفف يعفه الله ) .
7- مشروعية مكاتبة العبد .
8- تشوف الشريعة للعتق .
9- أن المال الذي عند الإنسان هو من عند الله عز وجل .
10- تحريم إكراه الفتيات على البغاء .
11- أن عرض الدنيا زائل .
قال النبي  : ( لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء ) .
12- سعة رحمة الله .
13- إثبات علو الله ، لقوله ( أنزلنا ) .
14- أن القرآن منزل من عند الله .
15- أن القرآن آيات بينات واضحات .
16- أن القرآن موعظة يستفيد منه أهل التقوى .









قال تعالى : ( اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) ) .
------------------------------------
قوله تعالى : ( الله نور السموات والأرض ) اختلف هنا :
فقيل : أي منورهما .   وقيل : ذو نور ، كما يقال : رجل عدل ، أي ذو عدل ، أي الخالق للنور .
والصحيح أن الآية على حقيقتها وعلى ظاهرها ، وأن الله نور السموات والأرض .
لكن النور نوعان :
نور : هو ذات الباري ، وصفاته ، وآياته وأحكامه .
وهذا غير مخلوق ، قال تعالى : ( وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً ) .
ونور آخر حسي منفصل بائن عن الله ، فالنور الذي نراه في الشمس وفي القمر وفي النجوم وفي السرج ، هذه من النور الحسي المخلوق .
ثم النور المخلوق منه : حسي – معنوي .
الحسي : الذي مثلنا به نور الشمس .
ومعنوي : ما يكون في قلب المؤمن من العمل والإيمان .
وبهذا التفصيل يزول الإشكال .
( مثل نوره ) أي نور الله ، أي مثل نور الله تعالى في قلب عبده المؤمن .
( كمشكاة فيها مصباح ) المشكاة : الكُوَّة في الحائط غير النافذة ، لأن ذلك أجمع للضوء .
( فيها مصباح ) أي في المشكاة .
المصباح : هو السراج ، سمي مصباحاً لإضاءته ، ومنه الصبح لأنه يضيء الأشياء .
قال السعدي : ” لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق “ .
( المصباح في زجاجة ) الزجاجة جوهر شفاف يزداد النور فيه تألقاً ، بخلاف النور الذي لا يكون في الزجاج ، فإنه لا ينير كما ينبغي .
( الزجاجة ) من صفائها وبهائها .
( كأنها كوكب دري ) أي مضيء إضاءة البدر .
قال بعضهم : في إضاءته ولمعانه وتوقده وتلألئه .
( يوقد ) أي ذلك المصباح ، الذي في تلك الزجاجة الدرية .
( من شجرة مباركة زيتونة ) أي من زيت شجرة كثيرة الخير والبركة .
 والشجرة في لغة العرب ما قام على ساق .
 وإنما وصفت شجرة الزيتونة بكونها مباركة لكثرة خيراتها ، فإنها كلها خير ومنافع .
( لا شرقية ولا غربية ) قال ابن كثير : بعد أن ذكر فيها عدة أقوال :” وأولى هذه الأقوال القول الأول ، وهو أنها في مستوى من الأرض بادٍ ظاهرٍ ضاحٍ للشمس تقرعه من أول النهار إلى آخره ليكون ذلك أصفى لزيتها وألطف “ .
( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) كاد من أفعال المقاربة ، وهي تدل على مقاربة الفعل دون وقوعه ، أي أن زيتها من شدة صفائه ولمعانه ، يقرب من الإضاءة بدون إيقاد ، وهذا يدل على جودته ونقائه .
قال بعض العلماء : مبالغة في وصف صفاء الزيت وحسنه وجودته ، أي يكاد زيت هذه الزيتونة يضيء من صفائه وحسن ضيائه ولو لم تمسه النار ، فكيف إذا مسته النار ؟
( نور على نور ) أي الزجاجة تنير ، والمصباح كذلك ينير ، والزيت لصفائه يكاد ينير ، فهو نور على نور .
وكذلك المسلم قلبه ينير على الفطرة التي فطره الله عليها ، ويغذي فطرته نور الإسلام والطاعة ، فهو نور على نور .
( يهدي الله لنوره من يشاء ) أي يرشد الله إلى هدايته من يختاره ، ممن يعلم زكاءه وطهارته ، فالله يوفق من يشاء من عباده لنوره الهادي إلى صراطه المستقيم .
والهداية تنقسم إلى قسمين :
1- هداية دلالة وإرشاد .
وهذه يقوم بها الأنبياء وغيرهم .
قال تعالى : ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ) .
2- هداية توفيق وقبول .
وهذه خاصة بالله .
قال تعالى : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) .
 فيه أنه يسن للمسلم أن يسأل الله الهداية .
( ويضرب الله الأمثال للناس ) أي يبين لهم الأمثال ، والحكمة من ضرب الأمثال :
السنن والوعظ والتقرير والتذكير والاعتبار .
 ( ويضرب ) الضرب يطلق على معان :
منها : إمساس جسم بجسم بعنف ( فاضربوا فوق الأعناق ) .
ومنها : السير في الأرض ، قال تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض ) .
ومنها : الوصف ، كما قال تعالى : ( واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية ) .
( والله بكل شيء عليم ) أي أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء مهما دق ولطف ، فهو عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون .
 قوله ( ويضرب الله الأمثال ) الحكمة من ضرب الله للأمثال : لأنها أعظم وسيلة للإفهام ، والنظير يفهم بنظيره .
وقد بين تعالى العلة في ضرب الأمثال بقوله تعالى : ( ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون ) .
وبين تعالى أنه لا يعرفها إلا العالمون ، كما قال تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) .

المصدر : الشيخ اللهيميد
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى