مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* تفسير سورة النور 2

اذهب الى الأسفل

* تفسير سورة النور 2 Empty * تفسير سورة النور 2

مُساهمة  طارق فتحي الأحد يناير 09, 2011 8:32 pm

اعداد : طارق فتحي

رابعاً : أنه صار خيراً لهم لما فيه من شرفهم وبيان فضلهم من حيث نزلت آيات براءة عائشة ، وشهد الله بكذب القاذفين ، ونسبهم إلى الإفك ، وأوجب عليهم اللعن والذم ، وهذا غاية الشرف والفضل .
خامساً : تأديب المؤمنين ووعظهم مما ينبغي أن يكونوا عليه من عدم إطلاق القول والتجرؤ على أعراض الأعفاء .
 قال الشنقيطي : ” وكون ذلك خيراً من جهة كون الله تعالى أنزل فيه قرآناً يتلى ويتعبد به ، وهذا أعظم منقبة ، ومن جهة كون المقذوف ومن يتصل به يؤجر على ما قيل فيه ، ففي ذلك شرف وأجر “ .
 ( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) أي لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة بشيء من الفاحشة نصيب عظيم من العذاب .
 اللام في قوله تعالى ( لكل ) بمعنى : على ، والإثم هو ما حصل من هذا الإفك العظيم .
فالإثم الحاصل له بقدر عمله وخوضه .
 قوله ( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) فيه العدل من الله بالمجازاة على السيئة ، وأن الإنسان لا يحمل إلا ما اكتسب .
فالمشتركين ليس إثمهم واحد ، بل كل واحد على قدر خوضه وكلامه .
 ( والذي تولى كبره منهم ) أي الذي تصدى لذلك وتقلّده .
وكبر ه : أي كبر الإفك ، وكبر الشيء معظمه .
والمعنى : الذي ابتدأ به وكان يجمعه ويذيعه ويشيعه .
والمراد به : هو عبد الله بن أبي بن سلول ، وهذا ما عليه أكثر العلماء .
كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة قالت : ( وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أُبَيّ بن سلول ) .
وقيل : هو حسان ، لكن قول ضعيف .
قال ابن جرير الطبري : ” وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال : الذي تولى كبره من عصبة الإفك كان عبد الله ابن أبي ، وذلك أنه لا خلاف بين أهل العلم بالسير أنه الذي بدأ بذكر الإفك ، وكان يجمع أهله ويحدثهم “ . ( تفسير الطبري : 12 / 109 )
 عبد الله بن أبي بن سلول وهو رأس المنافقين في الإسلام من أهل المدينة .
كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم ، وأظهر الإسلام بعد موقعة بدر تقية ، ولما تهيأ رسول الله  لوقعة أحد انخذل ابن أبي ومعه ثلاثمائة رجل فعاد بهم إلى المدينة ، وفعل ذلك يوم التهيؤ لتبوك ، وكان كلما حلت بالمسلمين نازلة شَمَتَ بهم ، وكلما سمع بسيئة نشرها ، وله في ذلك أخبار .
ومن الغريب أن له ابناً من فضلاء الصحابة اسمه : عبد الله ، اختصه الله بصحبة نبيه ، ومن فضائله : أنه استأذن النبي  أن يقتل والده .
( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً )
قال ابن كثير : ” هذا تأديب من الله للمؤمنين في قصة عائشة حين أفاض بعضهم في ذلك الكلام السوء ، وما ذكر في شأن الإفك فقال تعالى ( لولا ) هلاّ ، والمقصود هنا التوبيخ ، توبيخ الخائضين في حديث الإفك “ .  ( تفسير ابن كثير : 3 / 242 )
( إذ سمعتموه ) أي ذلك الكلام الذي رميت به أم المؤمنين .
( ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ) ظن هنا بمعنى عرف وفهم ، أي هلاّ ظنوا الخير ولم يسرعوا إلى التهمة .
قوله ( بأنفسهم ) قيل المراد بإخوانهم الذين هم بمنزلة أنفسهم ، وإطلاق النفس على الغير في القرآن كثير .
كما قال تعالى : (فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) أي ليقتل بعضكم بعضاً .
وقوله تعالى : (فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ) أي ليسلم بعضكم على بعض إذا كان في البيت أحد .
وقوله تعالى : (وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ ) أي لا يلمز بعضكم بعضاً .
وقيل : أي ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً .
والمعنى : كما تظن بنفسك الخير يجب أن تظن ذلك بأخيك إلا بيقين يتبين خلاف ذلك .
والمراد بالخير : العفاف والتنزه عن الرذيلة .
( وقالوا هذا إفك مبين ) أي قال السامعون لهذا الكلام من المؤمنين والمؤمنات ، هذا كذب ظاهر وردوه على قائله وأنكروا عليه نقله والتحدث به .
 ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون ... ) فيه وجوب حسن الظن بالمسلم والرد عن عرضه ما لم يثبت عليه الاتهام بدليل شرعي .
 التحذير من عدم التثبت ، ولعدم التثبت آثار :
أولاً : اتهام الأبرياء من الناس زوراً وبهتاناً .
فقد اتهمت أم المؤمنين عائشة زوراً وبهتاناً بما لم يقع منها في الجاهلية ، فكيف بعد إذ أعزها الله بالإسلام ، وصارت زوجة لإمام المسلمين .
وكان سبب هذا الاتهام هو عدم التثبت أو التبين ، فلذلك قال  : ( هلا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم
خيراً ... ) .
ثانياً : الحسرة والندم .
فإن الصحابة الذين خاضوا الإفك وطاروا به من غير تثبت ولا تبين أصابتهم الحسرة وعمهم الندم .
ثالثاً : كثرة أخطاءه وتضاعف عثراته .
فمن تجرد من التثبت كثرت أخطاؤه وتضاعفت عثراته .
رابعاً : فقد ثقة مع النفور والكراهية .
فمن عرف عنه العجلة والرأي في الحكم أو عدم التثبت ، ينظر إليه الناس على أنه أرعن أحمق ، ومثل هذا يسحب الناس ثقتهم منه ، بل وينفرون منه .
أسباب سوء الظن :
أولاً : سوء النية وخبث الطوية .
قال تعالى : (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ ) .
وقال تعالى : (وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) .
ثانياً : عدم التنشئة على المبدأ الصحيح في الحكم على الأشخاص ، والذي يتمثل في  :
1- النظر إلى الظاهر وترك السرائر إلى الله .
2- الاعتماد على الدليل أو البرهان . قال تعالى : (قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) وقال تعالى : (لَوْلَا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء ) .
3- التأكد من صحة هذا الدليل . قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ ) .
ثالثاً : اتباع الهوى .
قوله تعالى : ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ) ( لولا ) هلا ( جاءوا ) أي على ما قالوه ( بأربعة شهداء ) يشهدون على صحة ما جاءوا به .
( فأولئك عند الله هم الكاذبون ) أي في حكم الله كاذبون فاجرون .
فقوله ( عند الله ) أي في حكم الله وشرعه ، لأن القاذف قد يكون في علم الله صادقاً لكن لمّا لم يأت بالبينة المطلوبة ترتب عليه حكم الكاذب المفتري ، لأن أحكام الدنيا تبنى على الظاهر لا على ما في علم الله سبحانه وتعالى ، فذاك يكون في الآخرة .
وقيل : إن معنى ( عند الله ) أي في علم الله ، والمقصود بذلك قذفة عائشة وصفوان ، لأنهم كاذبون في علم الله حيث لم يطابق خبرهم الواقع .
ولا مانع من القولين .
 ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ) فيه أن شهود الزنا لا بد أن يكونوا أربعة .
قوله تعالى ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب أليم ) لولا : حرف امتناع لوجود .
أي لولا فضل الله عليكم أيها الخائضون في شأن عائشة ورحمته في الدنيا والآخرة ، ( لمسكم ) : أي لأصابكم ، ( فيما أفضتم فيه ) أي بسبب ما أفضتم ، ( عذاب عظيم ) ، والمراد بالعذاب العظيم في الآية مبهم ، لكنه أشد مما حصل للخائضين من عقوبة تتمثل بالجلد والتوبيخ وغير ذلك .
 قوله ( فيما أفضتم ) يقال : أفاض في الحديث إذا اندفع فيه وأكثر منه ، وحديث مستفيض منتشر ، وأصله مأخوذ من فاض الماء من الإناء إذا كثر .
 قوله ( لمسكم ) عائد إلى الذين خاضوا في الإفك .
 قال ابن كثير : ” وهذا فيمن عنده إيمان يقبل الله بسببه التوبة ، كمِسْطح وحسان وحمنة بنت جحش أخت زينب بنت جحش ، فأما من خاض فيه من المنافقين كعبد الله بن أبي بن سلول وأحزابه ، فليس أولئك مرادين في هذه الآية ، لأنه ليس عندهم من الإيمان والعمل الصالح ما يعادل هذا ولا ما يعارضه “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 243 )
 قال الشوكاني في معنى الآية : ” لولا أني قضيت عليكم بالفضل في الدنيا بالنعم التي من جملتها الإمهال والرحمة في الآخرة بالعفو ، لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم فيه من حديث الإفك “ .  ( فتح القدير : 4 / 16 )
 قوله ( ولولا فضل الله عليكم ... ) فيه زجر عظيم ، وتأديب شديد .
قوله تعالى ( إذا تلقونه بألسنتكم ) إذا تلقونه: أي الإفك ، وتلقونه: أي يلقيه بعضكم إلى بعض ويتلقاه بعضكم من بعض.
 قوله ( بألسنتكم ) من المعلوم أن الإنسان يتلقى بإذنه لسمعه ، ويتكلم بلسانه ، فلم أضاف التلقين إلى اللسان ؟
الجواب : هذا يدل على سرعة بث الخبر ، فكأنه لا يقع على السمع ، وإنما يقع على اللسان مباشرة ثم يبثه ويفشيه .
وهذا إشعار بأنهم إنما يتلقون من أجل البث والنشر .
 قوله ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) أي تقولون ما ليس له حقيقة في الواقع، وإنما هو محض كذب وبهتان.
 قوله ( وتقولون بأفواهكم ) قيد الله سبحانه القول بالأفواه مع أنه لا يكون إلا بالأفواه ، فما الحكمة ؟
قيل : للتأكيد ، أي التأكيد أنهم قالوا ذلك .
كقوله تعالى : (وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ )
وقوله تعالى : ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ) .
وقولهم : مشى برجله .
وقيل : لبيان أن هذا الحديث والاتهام الذي حصل لعائشة وصفوان ليس له أساس في الحقيقة والواقع ، فهو مجرد كلام يدور بالأفواه فقط ، ولهذا قال تعالى : (وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) .
قوله تعالى : ( وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم ) ( وتحسبونه ) أي تظنونه ( هيناً ) أي سهلاً يسيراً لا يكسبنكم عذاباً ، والحال ( هو عند الله عظيم ) لأنه وقوع في أعراض المسلمين البُرءاء فيما لا ينبغي .
 ففي الآية دليل على أن قذف المحصنات جرم كبير ، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله  :
( اجتنبوا السبع الموبقات ... وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ) . متفق عليه
ولهذا قذف المحصن فيه الحد ، وقذف غير المحصن فيه التعزير .
 أن بعض الذنوب يظنها الإنسان صغائر وهي من كبائر الذنوب .
قال  : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً تهوي به في جهنم ) . رواه البخاري
وللبخاري : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب ) .
 ويتعاظم الأمر كلما كان الإنسان المقول فيه أبعد عما قيل فيه .
( ولولا إذا سمعتموه قلتم ما يكونوا لنا أن نتكلم بهذا ) ( لولا ) أي هلا ، وهي هنا لتوبيخ الخائضين في حديث الإفك
( ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ) أي ما يصح وما يجوز وما ينبغي لنا أن نتكلم بمثل هذا الكلام الشنيع .
 فائدة تقديم الكلام على القول في الآية الكريمة، للدلالة على أنه كان ينبغي أن يقال هذا القول عند أول سماع هذا الخبر.
 كلمة ما ينبغي تأتي للشيء الممتنع .
قال تعالى : (وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً ) أي يمتنع غاية الامتناع .
وقال  : ( إن الله لا ينام ولا ينبغي أن ينام ) أي يمتنع ولا يليق ولا يصح أن ينام ، وهذا لكمال حياته .
( سبحانك ) قيل : للتعجب ، وهذا ضعيف . وقيل : للتنزيه البالغ ، أي ننزهك يا ربنا أن يقع هذا من بيت رسول الله .
وهذا الصحيح .
( هذا بهتان ) أي كذب لأنه خلاف ما تقتضيه الحكمة .
والبهتان : أن يقال في الإنسان ما ليس فيه .
( عظيم ) وصف بذلك لأنه في بيت رسول الله .
( يعظكم الله أن تعودوا لمثله ) أي ينهاكم الله متوعداً أن يقع منكم ما يشبه هذا أبداً ، أي فيما يستقبل ، إن كنتم مؤمنين، إيماناً صحيحاً ، فإن إيمانكم يحجزكم ويمنعكم من الوقوع في مثل هذا ، فإن الكلام في مثل هذا ليس من صفات المؤمنين إيماناً صحيحاً .
 والوعظ هو تذكير الإنسان بما يلين قلبه من الثواب والعقاب .
( ويبين الله لكم الآيات ) أي يوضح لكم آياته وما تضمنته من أحكام وتوجيهات .
( والله عليم حكيم ) علم واسع وشامل ، يعلم الجزئيات والكليات ، ويعلم الماضي والمستقبل .
( حكيم ) في شرعه وقدره وإيجاده .
في شرعه : فكل ما شرعه فهو لحكمة .
قدره : فكل ما خلقه الله مطابق للحكمة .
إيجاده : إيجاد الشيء لحكمة .
فليس شيء إلا وله حكمة ، قد نعرفها وقد لا نعرفها .
( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ) أي إن الذين يرغبون ويودون أن تشيع وتفشو الفاحشة في أهل الإيمان .
 الفاحشة : أصل الفحش التناهي في الشيء، والمراد بالفاحشة هنا الخصلة المتناهية في القبح، وكثيراً ما تطلق على الزنا.
( لهم عذاب أليم في الدنيا ) في الحد .
( والآخرة ) بالنار .
 قوله ( إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة ... ) محبة إشاعة الفاحشة سبب لتوعد الله بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة.
فمن يحب كثرة الزنا ، أو اللواط ، أو تبرج النساء ، أو الاختلاط ، فإنه متوعد بالعذاب .
- الذي يحب انتشار الفساد في المجتمع المسلم له عذاب أليم ، فكيف بمن يعمل ذلك وينشره ، ويقوم عليه ، ويساعد على نشر الرذيلة ، ويسهل أمرها ويشجع عليها ، ومن يفتح القنوات الإباحية ، والمجلات الفاسدة .
 ويدخل في الآية القذف ، فإنه من إشاعة الفاحشة ، ويدخل في ذلك كل عمل أو قول يساعد على نشر الفاحشة .
 من ذلك التحدث بالمجالس بالفواحش ، لأن ذلك يهون شأنها في النفوس ، ويرقق الأسماع .
( والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) والله يعلم سبحانه من يحب إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا ، لأن المحبة من أفعال القلوب التي لا يطلع عليها ولا يعرف ما فيها إلا الله وحده  ( وأنتم لا تعلمون ) إلا ما علمكم الله .
 قوله ( وأنتم لا تعلمون ) ليس على الإطلاق ، لأن الإنسان عنده علم ، قال تعالى : (وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) وقال تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) .
لكن لا تعلمون : ما عند الله من العلم .
ولا يعلمون كعلم الله ، فإن علم الله واسع شامل تام ، وعلم بني آدم محدود ناقص .
 قوله ( لا يعلمون ) في هذا إشارة إلى أنه لا يجوز للإنسان أن يتكلم بمثل هذه الأمور حتى يكون عنده علم ، وإذا كان عنده علم يجب أن يتبع المصالح في ذلك .
( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) تكرير الفضل والرحمة لتأكيد المنة ولبيان عظم الجريمة ، وجواب ( لولا ) محذوف لإرادة التفخيم والتعظيم ، أي لعذبكم وأهلككم واستأصلكم .
( وأن الله رءوف رحيم ) الرءوف اسم من أسماء الله، والرأفة أشد الرحمة، أي لولا رحمته الشديدة بكم لعاجلكم بالعقوبة .
فوائد عامة :
1- كفر من قذف عائشة ، لأنه مكذب للقرآن الذي نزل ببراءتها .
2- دفاع الله عن المؤمنين ، كما قال تعالى : ( إن الله يدافع عن المؤمنين ) .
3- أن بعض الإبتلاءات قد تكون خيراً للإنسان ، كما قال تعالى : ( وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ) .
وقال تعالى في شأن النساء : ( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً ) .
وقال تعالى : ( ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ) .
4- أن الإبتلاء رفعة مع الصبر والاحتساب .
5- خطر المنافقين على الإسلام .
6- التهديد والوعيد لرأس المنافقين عبد الله بن أبي .
7- وجوب حسن الظن بالمسلم .
8- وجوب إنكار المنكر .
9- أن الشهود في الزنا أربعة رجال .
10- وجوب التثبت في نقل الأخبار .
11- إثبات الجزاء .
12- أن تقدير الشخص وحسبانه للمعاصي قد يكون خاطئاً ، فيعمل ذنباً فيظن أنه صغير وأن عقوبتها هينة وهو عند الله عظيم .
13- عظم ذم من يحب نشر الفاحشة في المجتمع المسلم .
ويدخل في ذلك بيع الأفلام الفاسدة ، والمجلات الهابطة والترويج لها ، وكل وسيلة تؤدي إلى نشر الفاحشة فإن صاحبها يدخل تحت الذم .
14- إذا كان هذا ذنب من يحب نشر الفاحشة ، فكيف بمن يعمل وينشر ويخطط ويجتهد في نشرها وتسهيلها على المسلمين .
15- عموم علم الله عز وجل .
16- أن علم بني آدم قاصر وناقص .
17- لا يجوز الكلام والحكم على الآخرين من غير علم .
18- سعة رحمة الله بقبول توبة التائبين .
19- إثبات اسمين من أسماء الله : الرؤوف – الرحيم .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21) )
------------------------------------
( يا أيها الذين آمنوا ) قال ابن مسعود : ” إذا سمعت الله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا ) فارعها سمعك ، فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه “ .
قال بعض العلماء : ” تصدير الخطاب بهذا النداء يدل على أنه فيه أمور :
أولاً : الاهتمام به ، والإغراء والحث على ما تضمنه الخطاب ، لأن مناداة هؤلاء باسم الإيمان يدل على أن ذلك من أجل أن يثير هممهم .
ثانياً : أن الالتزام بما دل عليه الخطاب من مقتضيات الإيمان .
ثالثاً : أن مخالفته منقصة للإيمان وسبب لنقصانه .
( لا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي طرقه ومسالكه وما يأمر به .
خطوات : جمع خطوة ، اسم لما بين قدمي الماشي .
واتباع خطوات الشيطان : اقتفاء أثره .
( ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) قال ابن كثير : ” هذا تنفير وتحذير من ذلك فأفصح عبارة وأبلغها وأوجزها وأحسنها “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 244 )
الفحشاء : كل شيء جاوز حده في القبح ، كالفاحشة .
والمنكر : هو ما أنكره الشارع ونهى عنه وحذر منه .
 قوله : ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) الشيطان مشتق من شَطَن إذا بعُد ، فهو بعيد بطبعه عن الخير .
 قوله ( لا تتبعوا خطوات الشيطان ) بين الله تعالى الحكمة في ذلك ، فقال : ( فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر ) .
وقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) .
وقال سبحانه : (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) .
وقال تعالى : (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً) .
 قوله ( لا تتبعوا خطوات الشيطان ) فمن خطواته :
- الأكل بالشمال ، قال  : ( إن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ) .
- المشي بنعل واحدة ، فقد نهى عنها النبي  لأنها مشية الشيطان .
- التخويف بالفقر ، قال تعالى : ( يعدكم الفقر ) .
 ومن خطوات الشيطان ما يتدرج به الإنسان حتى يقع فيما حرم الله .
كمن يشتري مجلة فاسدة من أجل أن يقرأ الخبر الفلاني .
أو يشاهد الدش الفاسد الذي يبث الدعارة الفاحشة بحجة الأخبار .
 وأعظم خطوات الشيطان التكذيب والاستكبار .
 والشيطان يوسوس للإنسان دائماً وخاصة إذا هم بفعل خير أو طاعة ، ولذلك شرعت الاستعاذة ، مثل قراءة القرآن .
وقد أقسم بالله ليقعدن لبني آدم صراطه المستقيم .
ثم اقسم ليأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم .
قال ابن القيم مبيناً طريقة الشيطان في إغواء بني آدم وأنه يأتيه بالتدرج فقال رحمه الله : ” لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحداً منها أو أكثر :
الأول : شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله ، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه .
الثاني : فإن يئس منه من ذلك ، وكان ممن سبق له الإسلام في بطن أمه نقله إلى المرتبة الثانية من الشر ، وهي مرتبة البدعة ، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي ، لأن ضررها في نفس الدين ، وهي ضرر متعد .
الثالث : فإن أعجزه من هذه المرتبة وكان العبد ممن سبقت له من الله موهبة السنة ومعاداة أهل البدع والضلال ، نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها ، فهو أشد حرصاً على أن يوقعه فيها ، ولا سيما إن كان عالماً متبوعاً .
الرابع : فإن أعجز الشيطان من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة ، وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها ، كما قال النبي  : ( إياكم ومحقرات الذنوب ، فإن مثل ذلك مثل قوم نزلوا بفلاة من الأرض ... ) .
الخامس : فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة ، وهي اشتغاله بالمباحات التي لا ثواب منها ولا عقاب ، بل عاقبتها فوق الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها .
السادس : فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة ، نقله إلى المرتبة السادسة ، وهوأن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه ليربح عليه الفضلة ويفوته ثواب العمل الفاضل ، فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه ، وقل من ينتبه لهذا من الناس “ .
( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً ) أي لولا هو يرزق من يشاء بالتوبة والرجوع إليه ، ويزكي النفوس من شركها ، وفجورها وذنبها ، وما فيها من أخلاق رديئة كل بحسبه ، لما حصل أحد لنفسه زكاة ولا خير .
( ولكن الله يزكي من يشاء ) أي من خلقه ، ويضل من يشاء ويرديه في مهالك الضلال والغي .
 قوله ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم ... ) فيه أن الله سبحانه هو الذي يتولى الناس ويزكيهم .
قال تعالى : (مَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) .
وقال تعالى : (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ) .
وقال تعالى : (بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) .
ولهذا نهى الله العبد أن يزكي نفسه ، كما قال تعالى : (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ) .
 قوله ( ولولا فضل الله عليكم ... ما زكى منكم ... ) فيه أنه يجب على العبد أن يسأل الله الهداية والتوفيق .
ولذلك كان أعظم الدعاء في أعظم سورة : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) .
وكان الرسول  يقول : ( اللهم إني أسألك الهدى والتقى ... ) .
 ينبغي للمسلم أن يسعى في تزكية نفسه ، كما قال تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) .
فقد أقسم الله ثمان أقسام (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا . وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا . وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا . وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا . وَالسَّمَاء وَمَا بَنَاهَا . وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا . وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا . فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا . قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ) .
فينبغي على المسلم أن يحمل نفسه ويجاهدها على تزكية نفسه ، لأن من زكى نفسه فقد أفلح ، ولهذا كان النبي  يقول :
( اللهم آتي نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها ) .
( والله سميع عليم ) أي سميع لكل ما يقوله الخلق في السر والعلن ، عليم بما يظهرون وما يبطنون .
 من تزكية النفس الإعراض عن خطوات الشيطان .
فوائد عامة :
1- تحريم اتباع خطوات الشيطان .
2- إثبات أن الشيطان عدو لبني آدم .
3- حرص الله عز وجل في تحذيرنا من الشيطان .
4- أن كل معصية يرتكبها الإنسان فإنها من الشيطان .
5- أن الشيطان يدعو إلى كل فاحشة وسيئة ومنكر .
فمن خطواته التخويف من الفقر ، كما قال تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) .
ومن خطواته التخويف من العدو كما قال تعالى : (الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) .
6- أنه يجب على الإنسان أن يسعى في تزكية نفسه ( قد أفلح من زكاها ) .
7- أن من أسباب تزكية النفس طلب ذلك من الله .
8- نعمة الهداية .
9- إثبات اسمين من أسماء الله : السميع – العليم .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) ) .
------------------------------------
سبب النزول :
ثبت في الصحيح لما نزلت براءة عائشة وكان مسطح ممن خاض في الإفك ، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : ( والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال ) فأنزل الله : ( ولا يأتل أولوا الفضل ) إلى قوله ( غفور رحيم ) قال أبو بكر : ( بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فأرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ) .
( ولا يأتل ) أي لا يحلف .
( أولوا الفضل ) أي الطول والصدقة والإحسان .
قال الشنقيطي : ” الفضل المراد هنا الصلاح في الدين والعمل ، بدليل عطف السعة عليه “ .
( والسعة ) أي الجدة .
( أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ) أي لا تحلفوا أن تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين ، وهذا في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام .
( وليعفوا وليصفحوا ) العفو : ترك المعاقبة على الذنب ، والصفح : الإعراض عن الذنب ونسيانه مطلقاً وكأن الجاني لم يصدر منه شيء .
( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) أي ألا تحبون أيها المؤمنون أن يغفر الله لكم على عفوكم وصفحكم وإحسانكم إلى من أساء إليكم .
روي أن أبا بكر لما سمع الآية قال : ( بلى أحب أن يغفر الله ) وأعاد النفقة إلى مسطح ، وقال : ( والله لا أنزعها منه أبداً ).
( والله غفور رحيم ) مبالغ في المغفرة والرحمة مع كمال قدرته على العقاب .
 فيه فضل العفو والمصافحة .
قال تعالى : ( وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
وقال تعالى : (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) .
وقال تعالى : (وَإِن تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) .
وقال تعالى : (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) .
وقال  : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) .
 قوله ( أولوا الفضل ... ) فضيلة ظاهرة ومدح وثناء على أبي بكر الصديق .
ويكفي في فضله قوله تعالى : ( إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ) .
وقال  : ( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ) .
وقال  : ( اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر ) .
 قوله ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) فيه أن الجزاء من جنس العمل .
وهذه قاعدة في الشرع لها أدلة كثيرة بالقرآن والسنة :
قال الله تعالى : (إِن تُبْدُواْ خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) .
وقال  : ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) . متفق عليه
وقال  : ( ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) . رواه أبو داود
وقال  : ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله ) . متفق عليه
وقال  : ( من ستر مسلماً ستره الله ) . رواه مسلم
وقال  : ( من يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ) . رواه مسلم
 فوائد عامة .
1- بيان عظم أبي بكر .
2- وقوف أبو بكر مع القرآن والعمل به .
3- أن من الصفات العالية ، الكرم والجود والإنعام .
4- أن الجزاء من جنس العمل .
5- أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان ، فإن مسطحاً قذف عائشة ، ومع ذلك قال : ( والمهاجرين في سبيل الله ) .
6- الحرص على الإنفاق على الأقارب .
7- إثبات اسمين من أسماء الله : الغفور – الرحيم .
ــــــــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) ) .
------------------------------------
قال ابن كثير : ” هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 245 )
 تقدم معنى الرمي ، وهو الرمي بالزنا ، سمي رمياً لأنه يشبه الرمي بالحجارة من حيث إيلامه بالمقذوف .
 والمحصنات المراد العفيفات كما سبق .
 والغافلات : جمع غافلة ، والمراد من الغفلة هنا المدح ، لا الغفلة بمعنى الصفة التي يذم صاحبها ويوصف بأنه مغفل .
فالمراد هنا : أنهن حسنات النية ، سالمات الصدر ، ولا يخطر ببالهن الفحش ، وهذه الصفة محمودة ، وكانت عائشة كذلك .
( لعنوا في الدنيا والآخرة ) تقدم معنى اللعن .
وقد اختلف في معنى هذه الآية :
فقيل : إنها في عائشة .
وفيه نظر ، لأن مسطحاً وحمنة وحسان كانوا قد قذفوا عائشة .
وقيل : إنها خاصة في أزواج النبي  خاصة .
وقيل : إنها خاصة بعبد الله بن أبي بن سلول ، ومن هو على شاكلته من المنافقين فهم الذين يستحقون هذا الوعيد .
والراجح أن الآية عامة ، ورجحه ابن جرير ، حيث قال : ” وأولى هذه الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال : نزلت في عائشة والحكم بها عام في كل من كان بالصفة التي وصفها الله بها ، وإنما قلنا ذلك أولى تأويلاته بالصواب لأن الله عمَّ بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) كل محصنة غافلة مؤمنة رماها رام بالفاحشة من غير أن يخص بذلك بعضاً دون بعض “ . ( تفسير الطبري : 18 / 126 )
ورجحه ابن كثير ، وقال : ” ويعضد العموم حديث أبي هريرة في قوله  : : ( اجتنبوا السبع الموبقات ... وقذف المحصنات الغافلان المؤمنات ... ) “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 245 )
لكن هذا اللعن قد يتخلف بسبب توبة قبل الممات ، أو بمصائب مكفرة ، أو بأعمال تكفر ذلك .
وهذه من نصوص الوعيد المقصود منها الزجر .
 قوله ( الغافلات ) هذا القيد ليس بشرط ، فليس شرطاً أن تكون المرمية ممن هي غافلة .
 قوله ( المحصنات الغافلات ) ومثل ذلك المؤمنين الغافلين بالإجماع .
( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون )
( يوم تشهد عليهم ) أي يوم القيامة ، تشهد وتعترف وتنطق جوارح الإنسان ، فتنطق الألسنة والأيدي بما اقترف من سيء الأعمال .
 فالجوارح تشهد على الإنسان .
قال تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) .
وقال تعالى : (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .
وعن أنس قال : ( كنا عند النبي  فضحك ، ثم قال : أتدرون مما أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال : من محادثة العبد ربه ، يقول : يا رب ، ألم تجرني من الظلم ، فيقول : بلى ، فيقول : لا أجيز علي شاهداً إلا من نفسي ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام عليك شهوداً ، فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي ، فتنطق بعمله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، فيقول : بُعداً لَكنّ ، فعنكُنَّ كنتُ أناضل ) . رواه مسلم
( يوفيهم ) أي يوم القيامة .
( يوفيهم الله دينهم الحق ) أي جزاءهم ، أي يوم القيامة ينالهم حسابهم وجزاؤهم العادل من أحكم الحاكمين .
الحق : أي العدل .
 والدين يطلق على معنيين :
تارة يراد به الجزاء .
كما في قوله تعالى : (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أي يوم الجزاء .
وتارة يراد به العمل .
كما في قوله تعالى : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)
ويقال : ( كما تدين تدان ) أي كما تعمل تجازى .
( ويعلمون أن الله هو الحق المبين ) أي ويعلمون حينئذ أن الله هو العادل الذي لا يظلم أحداً .
 قوله ( هو الحق ) قال بعض العلماء : وجه أحقية الله من وجوه :
أولاً : بوجوده ، فإن وجوده حق ، وهو أحق الأشياء وجوداً .
ثانياً : ما يقدره فهو حق من خير أو حكم .
ثالثاً : ما يستحقه فهو حق ، فكون الله يختص بأشياء لا يشاركها فيها غيره ، هذا حق .
قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) .
 قوله ( المبين ) أي هو بيّن الأحقية .
كيف أبان لعباده كونه حقاً ؟
أولاً : لما ركبه من الفطر السليمة .
ثانياً : بالوحي .
ثالثاً : في العقل السليم .
فوائد عامة :
1- عظم ذنب رمي المحصنات .
2- دفاع الله عن المؤمنين والمؤمنات .
3- إثبات الحساب .
4- إثبات الجزاء .
5- إثبات يوم القيامة .
6- وجوب استغلال الجوارح بطاعة الله ، لأنها ستشهد على الإنسان .
7- عدل الله .
8- لا مهرب للمجرم يوم القيامة ، فإن أعضاءه ستشهد عليه .
9- عظمة الله .
ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى : ( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) ) .
------------------------------------
الخبيث : ضد الطيب .
وقد اختلف في معنى الآية على قولين كلاهما لا يتعارضان :
فقيل : الكلمات الخبيثات للخبيثين من الناس ، والخبيثون من الناس للخبيثات من الكلمات ، والطيبات من الكلمات للطيبين من الناس ، والطيبون من الناس للطيبات من الكلمات .
فكأن الله عز وجل يقول للذين اختلقوا في الإفك : إن أم المؤمنين من الطيبين من الناس يليق بها الطيب من الكلام لا ما ألصقتم بها من الكلام الخبيث .
وفي هذا غاية المدافعة عن العِرْض .
وقيل : الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال ، والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء ، وكذلك الطيبات للطيبين .
وفي هذا دلالة واضحة على براءة عائشة ، لأن الرسول  طيب ، فلا يصلح يرتبط به إلا طيبة .
 في الآية الكريمة مبدأ من مبادئ الحياة الاجتماعية وهو أن النفوس الخبيثة لا تلتئم إلا مع النفوس الخبيثة من مثلها ، والنفوس الطيبة لا تمتزج إلا بالنفوس الطيبة من مثلها .
وقد قال  : ( الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف ) . متفق عليه
 إشكال : وهو أن الله قد يقيض الخبيثة من النساء لأطيب الناس ، كامرأتي نوح ولوط اللتين ذكر الله عنهما أنهما خانتاهما ، كما قد قيض الخبيث من الرجال للطيبة من النساء ، كما في امرأة فرعون التي طلبت من الله أن يبني لها بيتاً في الجنة .
الجواب : أن الغالب التئام الطيبة مع الطيب ، والخبيثة مع الخبيث ، والآية من العام المخصوص ، وقد يخرج الله هذه القاعدة لحكم عظيمة فيضربها أمثالاً للناس ، والحكمة من ذلك العبرة والاتعاظ .
 التحذير أن يتزوج الطيب من خبيثة ، وكذلك الطيبة أن تتزوج من خبيث .
 قوله ( أولئك مبرءون مما يقولون ) أي أولئك الفضلاء منزهون مما تقوّله أهل الإفك في حقهم من الكذب والبهتان .
( لهم مغفرة ) أي بسبب ما قيل فيهم من الكذب .
( ورزق كريم ) أي عند الله جنات النعيم .
قال ابن كثير : ” وفيه وعد بأن تكون زوجة رسول الله  في الجنة “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 246 )
فوائد عامة :
1- أن الإنسان الطيب يميل للطيب مثله ، كما أن الخبيث يميل للخبيث مثله .
2- تحريم مجالسة الخبيث .
3- أن الإنسان الطيب لا يمكن أن يصدر منه أي عمل أو قول خبيث .
4- ينبغي على الإنسان الطيب أن يتزوج امرأة طيبة وكذلك العكس .
5- وجود الخير والشر في الدنيا ، وأنه لا يخلو المجتمع من الشر حتى قيام الساعة .
6- دليل لحديث : ( الأرواح جنود مجندة ... ) .
7- سعة مغفرة الله .
8- الوعد العظيم للطيبين والطيبات بالمغفرة والجنان .







قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)) .
------------------------------------
قال ابن كثير : ” هذه آداب شرعية أدب الله بها عباده المؤمنين ، وذلك في أمرهم أن لا يدخلوا بيوتاً غير بيوتهم حتى يستأنسوا ، أي يستأذنوا قبل الدخول ويسلموا بعده “ . ( تفسير ابن كثير : 3 / 247 )
وقد اختلف العلماء في معنى تستأنسوا على قولين :
قيل : أي يستأذنوا .
ويكون الاستئناس الذي هو ضد الاستيحاش ، لأن الذي يقرع باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا ، فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه ، فإذا أذن له استأنس وزال عنه الاستيحاش .
ويشهد لهذا القول قوله تعالى : (لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ) وقوله تعالى : (فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ) .
وقيل : إن معنى الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف .
والمعنى يكون : حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال ، هل يؤذن لكم أو لا ؟ وتقول العرب : استأنس هل ترى أحداً ؟ ومن هذا المعنى قوله تعالى : (فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً) أي علمتم رشدهم وطهرهم .
ورجح هذا القول الشنقيطي ، وقال : ” وهذا الوجه الذي هو معنى تستأنسوا وتستكشفوا وتستعلموا هل يؤذن لكم ، وذلك بالاستعلام والاستكشاف ، إنما يكون بالاستئذان أظهر عندي “ .
( وتسلموا على أهلها ) المراد بالأهل السكان الذين يقيمون فيها ، سواء كان سكنهم عن طريق الملك أو الإجارة .
( ذلكم ) أي الاستئذان السلام .
( خير لكم لعلكم تذكرون ) خير لكم أي خير من الطرفين للمستأذن ولأهل البيت .
 قوله ( لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا ) دليل على تحريم دخول المنزل من غير استئذان .
وقال  : ( الاستئذان ثلاثاً ، فإن أذن لك وإلا فارجع ) .
 قوله ( حتى تستأنسوا ) الحكمة من شرعية الاستئذان :
أولاً : حفظ العورات من النظر إليها ، وقد قال  : ( إنما جعل الاستئذان من أجل النظر ) . متفق عليه
ثانياً : سد الذرائع عن الفواحش .
ثالثاً : حفظ حرمات البيوت .
رابعاً : رفع الحرج عن أهلها الناتج من الدخول بغتة .
خامساً : صيانة المرأة المسلمة عن التبذل .
سادساً : سد الريب .
سابعاً : ستر للأموال والمتاع .
ثامناً : بقاء البيت سكناً لصاحبه ، بأخذ راحته به .

المصدر : الشيخ اللهيميد
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى