* الطعن في حديث "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح"
صفحة 1 من اصل 1
* الطعن في حديث "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح"
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المشككين في الحديث الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي فيه: «أن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش أملح، ثم يذبح بين الجنة والنار».
مستدلين على ذلك بأن هذا الحديث يخالف صريح العقل؛ لأن الموت عرض، والعرض لا ينقلب جسما، فكيف يذبح؟!!
هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في هذا الحديث، والادعاء بأنه يخالف العقل، ومن ثم التشكيك في السنة.
وجه إبطال الشبهة:
· إن حديث «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح...» حديث صحيح متفق على صحته، بل له شواهد ومتابعات في كتب السنة الأخرى، وما أخبر عنه فهو من الغيبيات التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يجب التصديق بها، سواء أقبلها العقل؛ أم عجز عن إدراكها، وما يحتويه هذا الحديث ليس بمستغرب عن العقول، فإن العقل له حدود لا يتخطاها، والعقل نفسه الذي يعترض به على هذا الحديث هل يستطيع أن يدرك نفسه؟ أو يدرك الروح التي تسري في الجسد؟ وحياتنا كلها مليئة بهذه الأشياء التي لا يدركها العقل، مثل الكهرباء، فهل يستبعد أن يحول الله المعاني إلى مواد فيجعل الموت على هيئة كبش ويذبح؟!.
التفصيل:
نظرا لسوء فهم بعض الناس، فإنهم عارضوا أحاديث الغيب بعقولهم، والمتأمل الحصيف يعلم أن لعقله حدودا، كما أن للحواس ذاتها حدودا، فمن حكم عقله فيما لا مجال للعقل فيه، فقد برئت منه الإنسانية المفطورة على عجز الإنسان أمام قوانين الغيب، وإن الفلاسفة لما بحثوا في الكون مثلوا الحقيقة الكبرى بجماعة يجلسون في بيت، ثم طرق بابه، فتخيل كل واحد من الجالسين حقيقة معينة وصفة مميزة لهذا الطارق، إلا أنهم اتفقوا اتفاقا تلقائيا أن هناك طارقا، ولله المثل الأعلى.
لقد اتفق جل العقلاء على وجود خالق إلا أنهم اختلفوا في حقيقته، فمن أجل أن يخفف الله عن العقل البشري القاصر أرسل الرسل فعرفتهم بحقيقة الخالق، وذلك بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فإذا آمنا بالله - عز وجل - وهو (الغيب الأول)، فيجب أن نؤمن بكل غيب أخبر به الله ورسوله على هذه الصورة من الإيمان بالغيب.
ومن تلك الغيبيات الواقعة في يوم القيامة حادثة ذبح الموت بين الجنة والنار؛ ليراه أهلهما، ويعلن الخلود في كلتيهما.
وهؤلاء زعموا أن مثل هذا شيء فوق العقل، وهو أن يحول الله الموت - وهو معنى - إلى مادة لكي يجرى عليه الذبح، وعلى هذا يكون ذلك مستحيلا؛ لعدم موافقته صريح العقل.
ونحن نقول لهم: إن هذا الحديث صحيح متفق عليه، لم يطعن فيه بأية شبهة سندا ولا متنا بين نقاد الحديث.
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت - وكلهم قد رآه - ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت، وكلهم قد رآه. فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت. ويا أهل النار، خلود فلا موت. ثم قرأ: )وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (39)( (مريم)» [1].
وباتفاق الشيخين على هذا الحديث فهو صحيح في أعلى درجات الصحة سندا ومتنا، ومع ذلك فقد رواه غيرهما من المحدثين، مما يعضد رواية الشيخين له؛ فقد رواه الترمذي[2]، وأحمد[3]، وأبو يعلى[4]، وابن حبان[5]،والبغوي، والآجري، وعبد بن حميد بطرق مختلفة وألفاظ متنوعة يعضد بعضها بعضا، ويعضد الكل رواية الشيخين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وبهذا فالحديث صحيح في أعلى درجات الصحة. هذا من ناحية ثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما من ناحية ما اشتمل عليه الحديث من ذبح الموت، فإنه من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، ولذا لابد من الانقياد والتسليم لكل ما جاء به الله - عز وجل - فإن أول صفة وصف الله - عز وجل - بها عباده المتقين في القرآن هي الإيمان بالغيب، فقال - عز وجل - عن كتابه: )هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب( (البقرة)، وأركان الإيمان - كما وضحها لنا النبي صلى الله عليه وسلم - هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، والإيمان باليوم الآخر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله - عز وجل - وأمور الغيب من الأشياء التي أخفاها الله عن كل الناس، فلم يطلع عليها لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، فما علينا إلا تمام الإقرار والتصديق، والإذعان والاستسلام والخضوع، لما جاء به الله - عز وجل - أو بلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل: )إن الله عنده علم الساعة( (لقمان: ٣٤)، وعلم الساعة يقصد به يوم القيامة ووقت قيامها، وما سيحدث فيها من معجزات وخوارق لطاقة الإنسان العقلية والبدنية، فلقد أخبرنا رسول الله عن أشياء تحدث للإنسان، ولولا أنها ثابتة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة، لعجز العقل أن يصدقها، ولكن كل شيء عنده بمقدار، وما ذلك على الله بعزيز.
إن يوم القيامة مليء بالمعجزات وخوارق العادات التي لا تعد ولا تحصى، وكلها ثابتة بالقرآن والسنة، ومنها: أن يكون الإنسان طوله ستون ذراعا، وأن يكون ضرس الكافر مثل جبل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام، وما بين منكبيه مسيرة ثلاث، وأن يمشي على وجهه، وعندما سئل النبي عن ذلك، أخبرهم بأن الله - عز وجل - الذي أمشاه على قدمه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة، فالله - عز وجل - لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والأمر كله بيده، ومتوقف على قدرته، وليس لنا أن نحكم عقولنا فيما دبره الله - عز وجل - فهو لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.
يقول د. محمد السيد الجليند: "لقد أنكر المعاندون للوحي قضية البعث واليوم الآخر جملة وتفصيلا، وكان الحوار حولها مع أنبيائه ورسله إحدى محارات العقول، كما كان إحدى مثارات الشبه والشكوك، ولقد لخص القرآن موقف المنكرين للبعث في آيات كثيرة، جاءت في صيغ متنوعة، وبأسلوب استفهامي متعدد، تتفاوت دلالته بين الإنكار والرفض أحيانا"[6]، وكذلك موقف المنكرين لليوم الآخر وما يحدث فيه، ملخص في أقوالهم الباطلة التي أوردها القرآن والسنة أيضا، فالقرآن والسنة أتيا بمحارات العقول، ولم يأتيا بمحالاتها، أي: أتيا بما يحير العقل، ولا يستطيع الإنسان إدراكه، إلا إذا أنعم الله عليه بنعمة التصديق التي تقر في قلبه، ثم يصدقه عمله بعد ذلك، ولم يأتيا بما يستحيل على العقل فهمه من الأشياء المحالة الفهم.
وإذا علمنا أن الوحيين قد يأتيان بما يحير العقل، عرفنا أن للعقل حدوده وإمكانياته، بل ومجالاته التي لا يمكنه - بل لا يجوز له - تجاوزها، فلا يجوز للعقل الاعتراض على شيء ثابت في القرآن والسنة، ثم يدعي مدع أن هذا الذي جاء به القرآن، أو جاءت به السنة يخالف العقل؛ لأن القاعدة المعروفة عندنا أن صريح المعقول موافق لصحيح المنقول، وأن العقل الصحيح السليم لا يخالف النقل الصحيح ألبتة، وقد كفانا الإمام ابن تيمية هذا المجال في مصنفه الثمين «درء تعارض العقل والنقل".
وخلاصة القول: أنه لا يجوز للعقل التعدي إلى أشياء قد كفاه النقل إثباتها.
ولما كان العقل له حدوده التي يجب الوقوف عندها، كان لابد له من مطلب أساسي للمعرفة بعالم الغيب، ألا وهو اليقين، وفي هذا يقول د. الجليند: "واليقين هنا مطلب أساسي لهذا اللون من المعرفة بعالم الغيب؛ لأن العقل يتخيل أمورا وعوالم كثيرة، لا نصيب لها من الواقع، والخيال العلمي له دوره المعرفي في عالم الشهادة، ولا سبيل إلى إنكاره، لكي ينبغي أن نعرف هنا أنه لما غابت الحواس عن العقل تخلف عنه العلم اليقيني بعالم المحسوسات؛ لأن روافد المعرفة الحسية أصبحت مفقودة بالنسبة له، فانتقل المستوى المعرفي للشخص من اليقين إلى التخيل. هذا في عالم الشهادة، أما في عالم الغيب، فإن الأمر يختلف تماما عن ذلك؛ لأن الحواس لا تناله أصلا، ولا سبيل لها إليه، وبالتالي فإن روافد العقل التي تزوده بالمعرفة بعالم الغيب مفقودة، والتخيل العقلي هنا ليس مطلوبا؛ لأن مطلوب المعرفة هنا هو اليقين الجازم الذي لا مجال فيه للتخيل"[7].
ومن الملاحظ أن كل المعارف الحسية المتنوعة ترتبط بالواقع الحسي، وتبدأ منه وتعود إليه بسبب ما، أما المعارف العقلية الخالصة، فلا علاقة لها بالمحسوسات أصلا، لا بدءا ولا نهاية، وإنما هي إدراك عقلي عن الحسيات ولواحقها.
ولكن هناك لون آخر من المعرفة يتعلق بما وراء المحسوسات، يتعلق بعالم الغيب، وليس التعرف على هذا العالم معزولا عن العقل، ولا منقطع الأسباب بالعالم الحسي، كما يخيل للبعض أن يزعم ذلك، ولكنه يختلف عن منهجه في التعرف علي عالم المحسوسات أو عالم الشهادة.
إن الخلاف فقط خلاف في المنهج والوسائل، وإذا أحسن الباحث توظيف المنهج العلمي في التعرف على عالم الشهادة، والتعرف على وظيفة هذا العالم، وأهداف وجوده ومقاصده، والغاية الإلهية من وجوده، فإن ذلك يقوده بالضرورة إلى التعرف إلى عالم الغيب وقضاياه.
ويوضح لنا د.الجليند - أيضا - أهمية الوحي في اليقين بهذا الغيب، فيقول: ولما كان هذا العلم عزيز المنال على كثير من العقول، صعب التحصيل؛ لكثرة ارتباط العقل بالمحسوسات، كان دور الوحي في التعرف عليه مهما وضروريا؛ ليقود العقل إلى ما غاب عنه؛ وليقرب إليه ما بعد عنه؛ وليكشف له عما وراء حجب المحسوسات، وليست حاجة العقل إلى الوحي هنا تعني الطعن في العقل أو التقليل من شأنه، كما يحاول البعض أن يصور القضية، وكأنها صراع بين العقل والوحي، لا؛ إن القضية ليست طعنا في العقل، ولا تهوينا من شأنه، إنها فقط توزيع وظائف، إنها أشبه بوضع كل أداة من أدوات المعرفة في مكانها المناسب لها، ومحاولة الإفادة منها في مكانها، وبوضعها الطبيعي المخلوقة من أجله[8].
وهكذا يوضح لنا فضيلة الدكتور أن لكل شيء مهمته ووظيفته، فالعقل له وظيفته في عالم الشهادة والمحسوسات، والوحي له وظيفته في عالم الغيب، فعالم الشهادة هو المقابل الشرعي للعالم الحسي والمحسوسات لدى علماء المناهج أو المعرفة الحسية.
فالمريض لا يسوغ له أن يمتنع عن تناول الدواء الذي وصفه الطبيب بدعوى أنه لم يجربه قبل ذلك بنفسه، والأعمى لا يسوغ له أن ينكر ضوء الشمس بحجة أنه لم يره بنفسه، وهكذا يتواتر العلم لدى العامة والخاصة بكل ما ثبت صدقه مما جربه غيرنا، ولم تدركه حواسنا، وأصبح العلم به والعمل بمقتضاه لازما لنا لزوم ما جربناه بأنفسنا وأدركناه بحواسنا، ولا فرق في ذلك بين ما جربه الشخص بحواسه، وما جربه غيره، فالأخذ بكل منها ضرورة عقلية كمصدر من مصادر المعرفة.
ومما ينبغي أن يعلم أن هناك أمورا كثيرة يقتصر العلم بها على مجرد الإخبار عنها فقط؛ لأن الحواس لا تنالها بسبب غيابها عن الحواس، وليس لنا طريق إلى العلم بها إلا الخبر المتواتر، وهذا يشمل علمنا بتاريخ الإنسانية كله، فإنه لم ينقل إلينا إلا عن هذا الطريق، ومن العبث إنكار تاريخ الأمم الماضية بدعوى عدم التجريب أو عدم السماع به[9].
وقياسا على الكلام السابق، فإن هناك أشياء لا تستطيع الحواس أن تدركها أو تصدقها بسبب غيابها عنها، ومن هذه الأشياء الإتيان بالموت يوم القيامة على هيئة كبش أملح وذبحه.
ومن الأشياء التي يحسها الإنسان ويدركها ويراها بعينه، لكنه لا يستطيع تفسيرها، ولا يعرف حقيقتها الموت، فالإنسان يرى الموت أمامه كل يوم، لكنه لا يستطيع أن يفسر حقيقة الروح وكيفية خروجها، فجسم الميت أمامنا كجسم الحي، ترى ماذا ينقصه؟! إنه لا ينقصه شيء، لكنها الحقيقة التي أخفاها الله - عز وجل - عن أعيننا وعن عقولنا فقال: )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي( (الإسراء: ٨٥)، فما علينا إلا الإيمان والتصديق، وكذلك من الأشياء التي نستخدمها في حياتنا، وهي مباحة لنا: استخدام الكهرباء، فأنت ترى المصباح مضيئا، وتراه مظلما، فما حقيقة هذا الضوء؟ إنها الكهرباء، فأنا أسألك هل رأيتها؟ بالطبع لا، هل تعرف كيف تسير؟ هل رأيت سيرها؟ بل أين عقلك هذا الذي تفكر به؟ هل تستطيع أن تمسكه بيدك؟!!
وخلاصة الكلام: أن للعقل حدودا لا يحق له أن يتخطاها قيد أنملة، وما عليه في هذه الحالة إلا أن يصدق ويوقن، ويؤمن إيمانا جازما راسخا لا شك فيه، حاله )سمعنا وأطعنا( (البقرة: 285) و )آمنا به كل من عند ربنا( (آل عمران: 7)؛ لأننا إذا أطلقنا لعقلنا العنان، فإننا نستنكر أشياء أقرها الإسلام، ونحرم على أنفسنا أشياء أحلها لنا الإسلام، والكلام السابق ما كان إلا مقدمة لإثبات أن حديث إتيان الموت على هيئة كبش يوم القيامة ليذبح من أحاديث الغيب التي تتعلق باليوم الآخر، والتي يجب الإيمان بها، وإن خالفت العقل، فالعقل له حدوده ومجالاته.
وقد ذكر الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع هذا الحديث تحت عنوان "مخالفة العقل" في مبحث التعليل بالمخالفة، فقال عن الحديث: "إنما يوجد في بعض الحديث ما لم تستوعب بعض العقول فهمه، تارة للجهل، وتارة للهوى، والبدعة، وبغض السنن، ووقع مثل ذلك عن طوائف من الناس ردوا بمحض العقول نصوصا تتصل بالغيب، كبعض نصوص الصفات واليوم الآخر، مما لم تنفرد به السنة الصحيحة، وإنما له في القرآن نظائر، وهذا مما لا يجوز أن يكون العقل فيه حاكما على النص... والذي ألجأ إلى ظن مخالفة صريح العقل قياس الغيب على الشهادة، وأمر الآخر غيب، وقص علينا ربنا تبارك وتعالى من شأنه، وكذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما لا يأتي على القياس، ولا تتصوره العقول، والله تعالى يخلق ما يشاء، ويحيل ما يشاء إلى ما يشاء، وليس في قدرته مستحيل، والوقف عند النص هو اللائق هنا دون التأويل، وهكذا في جميع ما تظن به العقول أنه لا يأتي على مقاييسها من أخبار الثقات المتقنين، فإن بابه كباب هذا الحديث، أو يكون وجهه خفي على مدعي معارضته للعقول"[10].
قال ابن حجر: ذكر مقاتل والكلبي في تفسيرهما لقوله عز وجل: )الذي خلق الموت والحياة( (الملك: ٢)، أن خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر على شيء إلا حيي.
قال القرطبي: الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء، كما فدي ولد إبراهيم بالكبش، وفي (الأملح) إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار؛ لأن الأملح ما فيه بياض وسواد[11].
ونظرا لأن عقيدة أهل السنة تقر أن الموت مخلوق وذلك لقوله تعالى: )خلق الموت والحياة( (الملك: ٢)، فإنه يجوز تشبيه هذا المخلوق بأي شيء، وليس على الله ببعيد أن يجعله مثل الكبش، بل إن الله قادر على أن يجعله أقل من ذلك، وإنما جعله كبشا لعلة يعلمها الله عز وجل.
يقول ابن حجر: "قال القاضي أبو بكر بن العربي: استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل؛ لأن الموت عرض، والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح؟!! فأنكرت طائفة صحة الحديث ودفعته، وتأولته طائفة، فقالوا: هذا تمثيل، ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته، والمذبوح متولي الموت، وكلهم يعرفه؛ لأنه الذي تولى قبض أرواحهم قلت - أي ابن حجر: وارتضى هذا بعض المتأخرين"[12].
أما قول الطائفة الأولى فمردود؛ لأن الحديث صحيح سندا ومتنا؛ فهو في أصح كتابين بعد كتاب الله - عز وجل - وقول الطائفة الثانية مردود أيضا؛ لأنه لا مجاز في الغيبيات، بل هي حقائق ثابتة بالقرآن والسنة، والراجح هو قول الطائفة الثالثة؛ لأن الموت حقيقة، والذبح حقيقة، والموت مخلوق، وليس ببعيد أن يأتي به الله على أي صورة شاء.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن قائل لم يعينه: "لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجسادا يجعلها مادة لها، كما ثبت في صحيح مسلم في حديث: «إن البقرة وآل عمران تجيئان كأنهما غمامتان»[13]، ونحو ذلك من الأحاديث"[14].
ومن هذه الأحاديث أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتهليله - يتعاطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن»[15]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك في حديث عذاب القبر الطويل، حينما يتكلم العمل ويقول: «أنا عملك الصالح»، «أنا عملك الخبيث»[16].
ويقول الشيخ أحمد شاكر في الرد على مثل هذه الشبهة: "وكل هذا تكلف وتهجم على الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وليس لنا إلا أن نؤمن بما ورد كما ورد، لا ننكر ولا نتأول، والحديث صحيح، ثبت معناه أيضا من حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري، ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وابن حبان، وعالم الغيب الذي وراء المادة لا تدركه العقول المقيدة بالأجسام في هذه الأرض، بل إن العقول عجزت عن إدراك حقائق المادة التي في متناول إدراكها، فما بالها تسمو إلى الحاكم على ما خرج من نطاق قدرتها ومن سلطانها؟! وها نحن أولاء في عصرنا ندرك تحويل المادة إلى قوة، وقد ندرك تحويل القوة إلى مادة، بالصناعة والعمل، من غير معرفة بحقيقة هذه ولا تلك، وما ندري ماذا يكون من بعد، إلا أن العقل الإنساني عاجز وقاصر، وما المادة والقوة والعرض والجوهر إلا اصطلاحات لتقريب الحقائق، فخير للإنسان أن يؤمن ويعمل صالحا، ثم يدع ما في الغيب لعالم الغيب؛ لعله ينجو يوم القيامة"[17].
إن الذي يتأمل هذا الحديث يجد فيه من الفوائد العقدية، والمعاني الباطنة ما يستحق الوقوف أمامها، فمن فوائده العقدية:
· عدم فناء الجنة والنار.
· إثبات الخلود في الجنة للمؤمنين، وفي النار للكافرين.
· تسمية يوم القيامة يوم الحسرة؛ لتحسر الكافرين على تفريطهم في حق الله.
· ذبح الموت دلالة على الخلود الأبدي، والذبح للموت نفسه، وليس لملك الموت. والقول أن الذبح لملك الموت هو من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله، والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل، وسببه إنما هو قلة الفهم عن مراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن المعاني الجيدة في هذا الحديث: أن الفناء والنعيم ضدان يؤثر الأول منهما على كمال الثاني، فكلما ظن المتنعم أو دار في خلده أن ما هو فيه من النعيم سوف يذهب وينقضي، آلمه ذلك ونغص عليه نعيمه، وكذلك المعذب إذا ظن أنه سيأتي عليه يوم ينتهي عذابه، فإن عذابه يهون، وصبره يعظم، ورجاءه يخفف ما هو فيه من ألم وشقاء.
وزيادة في نعيم المؤمنين وعذاب الكافرين قضى الله بذبح الموت ذبحا حسيا أمام الجميع - أهل الجنة وأهل النار - وذلك ليدفع كل معاني الأمل من نفوس الكافرين في النجاة، وليقطع كل الظن في الفناء مما ينغص عيش أهل الجنة، ويذهب كمال نعيمهم، فيفرح أهل الجنة فرحا عظيما، ويشقى أهل النار شقاء مريعا، فلا نجاة لهم في حاضرهم، ولا نجاة لهم في مستقبلهم، فيعذبون حسيا بما هم فيه من العذاب، ويعذبون معنويا بانقطاع الرجاء من النجاة.
وخلاصة القول: أنه لا يصح لأي شخص أن يطلق لعقله العنان، وأن يجعله يتدخل فيما يعجز عنه، فعقل الإنسان قاصر لا شك في ذلك مهما أوتي من علم، فصدق الله العظيم؛ إذ يقول: )وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء: ٨٥)، كما يجب إلزام العقل بالوقوف عند حدود الله، وعدم تعديها، قال الله عز وجل: )تلك حدود الله فلا تعتدوها( (البقرة: ٢٢٩)، وبهذا يتبين عدم تعارض حديث إتيان الموت على صورة كبش أملح مع العقل الصحيح؛ لأنه كما قلنا: إن صريح المعقول يوافق صحيح المنقول، والحديث الذي تناولناه في أعلى درجات الصحة فهو متفق عليه، ونسأل الله عز وجل أن يعطينا عقولا صحيحة تعي ما يقال وما تسمع عن ربها - عز وجل - ورسولها صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
· إن حديث إتيان الموت يوم القيامة على هيئة كبش أملح، ثم ذبحه أمام أهل الموقف، حديث صحيح متفق عليه سندا ومتنا، فهو في أعلى درجات الصحة؛ حيث إنه ورد في أصح كتابين - الصحيحين - بعد كتاب الله عز وجل.
· حديث إتيان الموت على هيئة كبش من أحاديث اليوم الآخر، أي الغيبيات التي لا يجوز استخدام المجاز فيها، ولا العقل إلا إذا كان صحيحا، كما لا يجوز تأويلها إلا بمراد الله - عز وجل - ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· ذبح الموت يوم القيامة حقيقة، والمذبوح هو الموت، وليس ملك الموت كما يفهم بعض الناس خطأ، والموت مخلوق كما هو معلوم، وذبحه دليل على الخلود الأبدي.
· إن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح، وهناك كثير من الأشياء الغائبة عنا لا نحسها ولا نلمسها، ومع ذلك لا ننكرها؛ لأننا لو أنكرناها لعشنا في ظلام وضلال، ومن ذلك: الروح، والعقل، والكهرباء، ولك أن تتخيل إذا أنكر المنكر وجود العقل ماذا سيحدث؟!
· إن اليقين مطلب أساسي لمن يريد أن يبحث في عالم الغيب؛ وذلك لأن الوحي هو آلة هذا العالم الغيبي، أما عالم الشهادة فآلته الحواس والعقل يوافق ذلك ويقبله؛ لأنه يراه ويشاهده ويحسه.
· إن كل ما على الأرض فان، ولن يبقى إلا وجه الله، وحتى يعلمنا أنه )كل شيء هالك إلا وجهه( (القصص: ٨٨)، ولذا فقد أمات الموت.
· من رحمة الله - عز وجل - أنه أدام الجنة للمؤمنين، فلا تفنى أبدا، وأدام النار للكافرين فلا تفنى أبدا.
· لقد سمى الله - عز وجل - يوم القيامة يوم الحسرة؛ وذلك لتحسر الكافرين على تفريطهم في حق الله عز وجل.
· إن ذبح الموت ذبحا حسيا أمام أهل الجنة وأهل النار زيادة في نعيم المؤمنين، ونكاية في عذاب الكافرين، حتى لا يفكر المؤمن أن النعيم سينتهي، ولا يفكر الكافر أن العذاب سينتهي؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خلود فلا موت».
يطعن بعض المشككين في الحديث الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي فيه: «أن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش أملح، ثم يذبح بين الجنة والنار».
مستدلين على ذلك بأن هذا الحديث يخالف صريح العقل؛ لأن الموت عرض، والعرض لا ينقلب جسما، فكيف يذبح؟!!
هادفين من وراء ذلك إلى الطعن في هذا الحديث، والادعاء بأنه يخالف العقل، ومن ثم التشكيك في السنة.
وجه إبطال الشبهة:
· إن حديث «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح...» حديث صحيح متفق على صحته، بل له شواهد ومتابعات في كتب السنة الأخرى، وما أخبر عنه فهو من الغيبيات التي أخبر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي مما يجب التصديق بها، سواء أقبلها العقل؛ أم عجز عن إدراكها، وما يحتويه هذا الحديث ليس بمستغرب عن العقول، فإن العقل له حدود لا يتخطاها، والعقل نفسه الذي يعترض به على هذا الحديث هل يستطيع أن يدرك نفسه؟ أو يدرك الروح التي تسري في الجسد؟ وحياتنا كلها مليئة بهذه الأشياء التي لا يدركها العقل، مثل الكهرباء، فهل يستبعد أن يحول الله المعاني إلى مواد فيجعل الموت على هيئة كبش ويذبح؟!.
التفصيل:
نظرا لسوء فهم بعض الناس، فإنهم عارضوا أحاديث الغيب بعقولهم، والمتأمل الحصيف يعلم أن لعقله حدودا، كما أن للحواس ذاتها حدودا، فمن حكم عقله فيما لا مجال للعقل فيه، فقد برئت منه الإنسانية المفطورة على عجز الإنسان أمام قوانين الغيب، وإن الفلاسفة لما بحثوا في الكون مثلوا الحقيقة الكبرى بجماعة يجلسون في بيت، ثم طرق بابه، فتخيل كل واحد من الجالسين حقيقة معينة وصفة مميزة لهذا الطارق، إلا أنهم اتفقوا اتفاقا تلقائيا أن هناك طارقا، ولله المثل الأعلى.
لقد اتفق جل العقلاء على وجود خالق إلا أنهم اختلفوا في حقيقته، فمن أجل أن يخفف الله عن العقل البشري القاصر أرسل الرسل فعرفتهم بحقيقة الخالق، وذلك بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلا، فإذا آمنا بالله - عز وجل - وهو (الغيب الأول)، فيجب أن نؤمن بكل غيب أخبر به الله ورسوله على هذه الصورة من الإيمان بالغيب.
ومن تلك الغيبيات الواقعة في يوم القيامة حادثة ذبح الموت بين الجنة والنار؛ ليراه أهلهما، ويعلن الخلود في كلتيهما.
وهؤلاء زعموا أن مثل هذا شيء فوق العقل، وهو أن يحول الله الموت - وهو معنى - إلى مادة لكي يجرى عليه الذبح، وعلى هذا يكون ذلك مستحيلا؛ لعدم موافقته صريح العقل.
ونحن نقول لهم: إن هذا الحديث صحيح متفق عليه، لم يطعن فيه بأية شبهة سندا ولا متنا بين نقاد الحديث.
فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي مناد: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت - وكلهم قد رآه - ثم ينادي: يا أهل النار، فيشرئبون وينظرون، فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت، وكلهم قد رآه. فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة، خلود فلا موت. ويا أهل النار، خلود فلا موت. ثم قرأ: )وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (39)( (مريم)» [1].
وباتفاق الشيخين على هذا الحديث فهو صحيح في أعلى درجات الصحة سندا ومتنا، ومع ذلك فقد رواه غيرهما من المحدثين، مما يعضد رواية الشيخين له؛ فقد رواه الترمذي[2]، وأحمد[3]، وأبو يعلى[4]، وابن حبان[5]،والبغوي، والآجري، وعبد بن حميد بطرق مختلفة وألفاظ متنوعة يعضد بعضها بعضا، ويعضد الكل رواية الشيخين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وبهذا فالحديث صحيح في أعلى درجات الصحة. هذا من ناحية ثبوت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما من ناحية ما اشتمل عليه الحديث من ذبح الموت، فإنه من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، ولذا لابد من الانقياد والتسليم لكل ما جاء به الله - عز وجل - فإن أول صفة وصف الله - عز وجل - بها عباده المتقين في القرآن هي الإيمان بالغيب، فقال - عز وجل - عن كتابه: )هدى للمتقين (2) الذين يؤمنون بالغيب( (البقرة)، وأركان الإيمان - كما وضحها لنا النبي صلى الله عليه وسلم - هي الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر، والإيمان باليوم الآخر من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله - عز وجل - وأمور الغيب من الأشياء التي أخفاها الله عن كل الناس، فلم يطلع عليها لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، فما علينا إلا تمام الإقرار والتصديق، والإذعان والاستسلام والخضوع، لما جاء به الله - عز وجل - أو بلغ عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل: )إن الله عنده علم الساعة( (لقمان: ٣٤)، وعلم الساعة يقصد به يوم القيامة ووقت قيامها، وما سيحدث فيها من معجزات وخوارق لطاقة الإنسان العقلية والبدنية، فلقد أخبرنا رسول الله عن أشياء تحدث للإنسان، ولولا أنها ثابتة بآيات قرآنية وأحاديث نبوية صحيحة، لعجز العقل أن يصدقها، ولكن كل شيء عنده بمقدار، وما ذلك على الله بعزيز.
إن يوم القيامة مليء بالمعجزات وخوارق العادات التي لا تعد ولا تحصى، وكلها ثابتة بالقرآن والسنة، ومنها: أن يكون الإنسان طوله ستون ذراعا، وأن يكون ضرس الكافر مثل جبل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاثة أيام، وما بين منكبيه مسيرة ثلاث، وأن يمشي على وجهه، وعندما سئل النبي عن ذلك، أخبرهم بأن الله - عز وجل - الذي أمشاه على قدمه في الدنيا قادر على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة، فالله - عز وجل - لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، والأمر كله بيده، ومتوقف على قدرته، وليس لنا أن نحكم عقولنا فيما دبره الله - عز وجل - فهو لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون.
يقول د. محمد السيد الجليند: "لقد أنكر المعاندون للوحي قضية البعث واليوم الآخر جملة وتفصيلا، وكان الحوار حولها مع أنبيائه ورسله إحدى محارات العقول، كما كان إحدى مثارات الشبه والشكوك، ولقد لخص القرآن موقف المنكرين للبعث في آيات كثيرة، جاءت في صيغ متنوعة، وبأسلوب استفهامي متعدد، تتفاوت دلالته بين الإنكار والرفض أحيانا"[6]، وكذلك موقف المنكرين لليوم الآخر وما يحدث فيه، ملخص في أقوالهم الباطلة التي أوردها القرآن والسنة أيضا، فالقرآن والسنة أتيا بمحارات العقول، ولم يأتيا بمحالاتها، أي: أتيا بما يحير العقل، ولا يستطيع الإنسان إدراكه، إلا إذا أنعم الله عليه بنعمة التصديق التي تقر في قلبه، ثم يصدقه عمله بعد ذلك، ولم يأتيا بما يستحيل على العقل فهمه من الأشياء المحالة الفهم.
وإذا علمنا أن الوحيين قد يأتيان بما يحير العقل، عرفنا أن للعقل حدوده وإمكانياته، بل ومجالاته التي لا يمكنه - بل لا يجوز له - تجاوزها، فلا يجوز للعقل الاعتراض على شيء ثابت في القرآن والسنة، ثم يدعي مدع أن هذا الذي جاء به القرآن، أو جاءت به السنة يخالف العقل؛ لأن القاعدة المعروفة عندنا أن صريح المعقول موافق لصحيح المنقول، وأن العقل الصحيح السليم لا يخالف النقل الصحيح ألبتة، وقد كفانا الإمام ابن تيمية هذا المجال في مصنفه الثمين «درء تعارض العقل والنقل".
وخلاصة القول: أنه لا يجوز للعقل التعدي إلى أشياء قد كفاه النقل إثباتها.
ولما كان العقل له حدوده التي يجب الوقوف عندها، كان لابد له من مطلب أساسي للمعرفة بعالم الغيب، ألا وهو اليقين، وفي هذا يقول د. الجليند: "واليقين هنا مطلب أساسي لهذا اللون من المعرفة بعالم الغيب؛ لأن العقل يتخيل أمورا وعوالم كثيرة، لا نصيب لها من الواقع، والخيال العلمي له دوره المعرفي في عالم الشهادة، ولا سبيل إلى إنكاره، لكي ينبغي أن نعرف هنا أنه لما غابت الحواس عن العقل تخلف عنه العلم اليقيني بعالم المحسوسات؛ لأن روافد المعرفة الحسية أصبحت مفقودة بالنسبة له، فانتقل المستوى المعرفي للشخص من اليقين إلى التخيل. هذا في عالم الشهادة، أما في عالم الغيب، فإن الأمر يختلف تماما عن ذلك؛ لأن الحواس لا تناله أصلا، ولا سبيل لها إليه، وبالتالي فإن روافد العقل التي تزوده بالمعرفة بعالم الغيب مفقودة، والتخيل العقلي هنا ليس مطلوبا؛ لأن مطلوب المعرفة هنا هو اليقين الجازم الذي لا مجال فيه للتخيل"[7].
ومن الملاحظ أن كل المعارف الحسية المتنوعة ترتبط بالواقع الحسي، وتبدأ منه وتعود إليه بسبب ما، أما المعارف العقلية الخالصة، فلا علاقة لها بالمحسوسات أصلا، لا بدءا ولا نهاية، وإنما هي إدراك عقلي عن الحسيات ولواحقها.
ولكن هناك لون آخر من المعرفة يتعلق بما وراء المحسوسات، يتعلق بعالم الغيب، وليس التعرف على هذا العالم معزولا عن العقل، ولا منقطع الأسباب بالعالم الحسي، كما يخيل للبعض أن يزعم ذلك، ولكنه يختلف عن منهجه في التعرف علي عالم المحسوسات أو عالم الشهادة.
إن الخلاف فقط خلاف في المنهج والوسائل، وإذا أحسن الباحث توظيف المنهج العلمي في التعرف على عالم الشهادة، والتعرف على وظيفة هذا العالم، وأهداف وجوده ومقاصده، والغاية الإلهية من وجوده، فإن ذلك يقوده بالضرورة إلى التعرف إلى عالم الغيب وقضاياه.
ويوضح لنا د.الجليند - أيضا - أهمية الوحي في اليقين بهذا الغيب، فيقول: ولما كان هذا العلم عزيز المنال على كثير من العقول، صعب التحصيل؛ لكثرة ارتباط العقل بالمحسوسات، كان دور الوحي في التعرف عليه مهما وضروريا؛ ليقود العقل إلى ما غاب عنه؛ وليقرب إليه ما بعد عنه؛ وليكشف له عما وراء حجب المحسوسات، وليست حاجة العقل إلى الوحي هنا تعني الطعن في العقل أو التقليل من شأنه، كما يحاول البعض أن يصور القضية، وكأنها صراع بين العقل والوحي، لا؛ إن القضية ليست طعنا في العقل، ولا تهوينا من شأنه، إنها فقط توزيع وظائف، إنها أشبه بوضع كل أداة من أدوات المعرفة في مكانها المناسب لها، ومحاولة الإفادة منها في مكانها، وبوضعها الطبيعي المخلوقة من أجله[8].
وهكذا يوضح لنا فضيلة الدكتور أن لكل شيء مهمته ووظيفته، فالعقل له وظيفته في عالم الشهادة والمحسوسات، والوحي له وظيفته في عالم الغيب، فعالم الشهادة هو المقابل الشرعي للعالم الحسي والمحسوسات لدى علماء المناهج أو المعرفة الحسية.
فالمريض لا يسوغ له أن يمتنع عن تناول الدواء الذي وصفه الطبيب بدعوى أنه لم يجربه قبل ذلك بنفسه، والأعمى لا يسوغ له أن ينكر ضوء الشمس بحجة أنه لم يره بنفسه، وهكذا يتواتر العلم لدى العامة والخاصة بكل ما ثبت صدقه مما جربه غيرنا، ولم تدركه حواسنا، وأصبح العلم به والعمل بمقتضاه لازما لنا لزوم ما جربناه بأنفسنا وأدركناه بحواسنا، ولا فرق في ذلك بين ما جربه الشخص بحواسه، وما جربه غيره، فالأخذ بكل منها ضرورة عقلية كمصدر من مصادر المعرفة.
ومما ينبغي أن يعلم أن هناك أمورا كثيرة يقتصر العلم بها على مجرد الإخبار عنها فقط؛ لأن الحواس لا تنالها بسبب غيابها عن الحواس، وليس لنا طريق إلى العلم بها إلا الخبر المتواتر، وهذا يشمل علمنا بتاريخ الإنسانية كله، فإنه لم ينقل إلينا إلا عن هذا الطريق، ومن العبث إنكار تاريخ الأمم الماضية بدعوى عدم التجريب أو عدم السماع به[9].
وقياسا على الكلام السابق، فإن هناك أشياء لا تستطيع الحواس أن تدركها أو تصدقها بسبب غيابها عنها، ومن هذه الأشياء الإتيان بالموت يوم القيامة على هيئة كبش أملح وذبحه.
ومن الأشياء التي يحسها الإنسان ويدركها ويراها بعينه، لكنه لا يستطيع تفسيرها، ولا يعرف حقيقتها الموت، فالإنسان يرى الموت أمامه كل يوم، لكنه لا يستطيع أن يفسر حقيقة الروح وكيفية خروجها، فجسم الميت أمامنا كجسم الحي، ترى ماذا ينقصه؟! إنه لا ينقصه شيء، لكنها الحقيقة التي أخفاها الله - عز وجل - عن أعيننا وعن عقولنا فقال: )ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي( (الإسراء: ٨٥)، فما علينا إلا الإيمان والتصديق، وكذلك من الأشياء التي نستخدمها في حياتنا، وهي مباحة لنا: استخدام الكهرباء، فأنت ترى المصباح مضيئا، وتراه مظلما، فما حقيقة هذا الضوء؟ إنها الكهرباء، فأنا أسألك هل رأيتها؟ بالطبع لا، هل تعرف كيف تسير؟ هل رأيت سيرها؟ بل أين عقلك هذا الذي تفكر به؟ هل تستطيع أن تمسكه بيدك؟!!
وخلاصة الكلام: أن للعقل حدودا لا يحق له أن يتخطاها قيد أنملة، وما عليه في هذه الحالة إلا أن يصدق ويوقن، ويؤمن إيمانا جازما راسخا لا شك فيه، حاله )سمعنا وأطعنا( (البقرة: 285) و )آمنا به كل من عند ربنا( (آل عمران: 7)؛ لأننا إذا أطلقنا لعقلنا العنان، فإننا نستنكر أشياء أقرها الإسلام، ونحرم على أنفسنا أشياء أحلها لنا الإسلام، والكلام السابق ما كان إلا مقدمة لإثبات أن حديث إتيان الموت على هيئة كبش يوم القيامة ليذبح من أحاديث الغيب التي تتعلق باليوم الآخر، والتي يجب الإيمان بها، وإن خالفت العقل، فالعقل له حدوده ومجالاته.
وقد ذكر الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع هذا الحديث تحت عنوان "مخالفة العقل" في مبحث التعليل بالمخالفة، فقال عن الحديث: "إنما يوجد في بعض الحديث ما لم تستوعب بعض العقول فهمه، تارة للجهل، وتارة للهوى، والبدعة، وبغض السنن، ووقع مثل ذلك عن طوائف من الناس ردوا بمحض العقول نصوصا تتصل بالغيب، كبعض نصوص الصفات واليوم الآخر، مما لم تنفرد به السنة الصحيحة، وإنما له في القرآن نظائر، وهذا مما لا يجوز أن يكون العقل فيه حاكما على النص... والذي ألجأ إلى ظن مخالفة صريح العقل قياس الغيب على الشهادة، وأمر الآخر غيب، وقص علينا ربنا تبارك وتعالى من شأنه، وكذلك نبيه - صلى الله عليه وسلم - ما لا يأتي على القياس، ولا تتصوره العقول، والله تعالى يخلق ما يشاء، ويحيل ما يشاء إلى ما يشاء، وليس في قدرته مستحيل، والوقف عند النص هو اللائق هنا دون التأويل، وهكذا في جميع ما تظن به العقول أنه لا يأتي على مقاييسها من أخبار الثقات المتقنين، فإن بابه كباب هذا الحديث، أو يكون وجهه خفي على مدعي معارضته للعقول"[10].
قال ابن حجر: ذكر مقاتل والكلبي في تفسيرهما لقوله عز وجل: )الذي خلق الموت والحياة( (الملك: ٢)، أن خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس لا يمر على شيء إلا حيي.
قال القرطبي: الحكمة في الإتيان بالموت هكذا الإشارة إلى أنهم حصل لهم الفداء، كما فدي ولد إبراهيم بالكبش، وفي (الأملح) إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار؛ لأن الأملح ما فيه بياض وسواد[11].
ونظرا لأن عقيدة أهل السنة تقر أن الموت مخلوق وذلك لقوله تعالى: )خلق الموت والحياة( (الملك: ٢)، فإنه يجوز تشبيه هذا المخلوق بأي شيء، وليس على الله ببعيد أن يجعله مثل الكبش، بل إن الله قادر على أن يجعله أقل من ذلك، وإنما جعله كبشا لعلة يعلمها الله عز وجل.
يقول ابن حجر: "قال القاضي أبو بكر بن العربي: استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل؛ لأن الموت عرض، والعرض لا ينقلب جسما فكيف يذبح؟!! فأنكرت طائفة صحة الحديث ودفعته، وتأولته طائفة، فقالوا: هذا تمثيل، ولا ذبح هناك حقيقة، وقالت طائفة: بل الذبح على حقيقته، والمذبوح متولي الموت، وكلهم يعرفه؛ لأنه الذي تولى قبض أرواحهم قلت - أي ابن حجر: وارتضى هذا بعض المتأخرين"[12].
أما قول الطائفة الأولى فمردود؛ لأن الحديث صحيح سندا ومتنا؛ فهو في أصح كتابين بعد كتاب الله - عز وجل - وقول الطائفة الثانية مردود أيضا؛ لأنه لا مجاز في الغيبيات، بل هي حقائق ثابتة بالقرآن والسنة، والراجح هو قول الطائفة الثالثة؛ لأن الموت حقيقة، والذبح حقيقة، والموت مخلوق، وليس ببعيد أن يأتي به الله على أي صورة شاء.
وقد نقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن قائل لم يعينه: "لا مانع أن ينشئ الله من الأعراض أجسادا يجعلها مادة لها، كما ثبت في صحيح مسلم في حديث: «إن البقرة وآل عمران تجيئان كأنهما غمامتان»[13]، ونحو ذلك من الأحاديث"[14].
ومن هذه الأحاديث أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الذين يذكرون من جلال الله من تسبيحه وتحميده وتهليله - يتعاطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل يذكرون بصاحبهن»[15]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كذلك في حديث عذاب القبر الطويل، حينما يتكلم العمل ويقول: «أنا عملك الصالح»، «أنا عملك الخبيث»[16].
ويقول الشيخ أحمد شاكر في الرد على مثل هذه الشبهة: "وكل هذا تكلف وتهجم على الغيب الذي استأثر الله بعلمه، وليس لنا إلا أن نؤمن بما ورد كما ورد، لا ننكر ولا نتأول، والحديث صحيح، ثبت معناه أيضا من حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري، ومن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه وابن حبان، وعالم الغيب الذي وراء المادة لا تدركه العقول المقيدة بالأجسام في هذه الأرض، بل إن العقول عجزت عن إدراك حقائق المادة التي في متناول إدراكها، فما بالها تسمو إلى الحاكم على ما خرج من نطاق قدرتها ومن سلطانها؟! وها نحن أولاء في عصرنا ندرك تحويل المادة إلى قوة، وقد ندرك تحويل القوة إلى مادة، بالصناعة والعمل، من غير معرفة بحقيقة هذه ولا تلك، وما ندري ماذا يكون من بعد، إلا أن العقل الإنساني عاجز وقاصر، وما المادة والقوة والعرض والجوهر إلا اصطلاحات لتقريب الحقائق، فخير للإنسان أن يؤمن ويعمل صالحا، ثم يدع ما في الغيب لعالم الغيب؛ لعله ينجو يوم القيامة"[17].
إن الذي يتأمل هذا الحديث يجد فيه من الفوائد العقدية، والمعاني الباطنة ما يستحق الوقوف أمامها، فمن فوائده العقدية:
· عدم فناء الجنة والنار.
· إثبات الخلود في الجنة للمؤمنين، وفي النار للكافرين.
· تسمية يوم القيامة يوم الحسرة؛ لتحسر الكافرين على تفريطهم في حق الله.
· ذبح الموت دلالة على الخلود الأبدي، والذبح للموت نفسه، وليس لملك الموت. والقول أن الذبح لملك الموت هو من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله، والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل، وسببه إنما هو قلة الفهم عن مراد الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن المعاني الجيدة في هذا الحديث: أن الفناء والنعيم ضدان يؤثر الأول منهما على كمال الثاني، فكلما ظن المتنعم أو دار في خلده أن ما هو فيه من النعيم سوف يذهب وينقضي، آلمه ذلك ونغص عليه نعيمه، وكذلك المعذب إذا ظن أنه سيأتي عليه يوم ينتهي عذابه، فإن عذابه يهون، وصبره يعظم، ورجاءه يخفف ما هو فيه من ألم وشقاء.
وزيادة في نعيم المؤمنين وعذاب الكافرين قضى الله بذبح الموت ذبحا حسيا أمام الجميع - أهل الجنة وأهل النار - وذلك ليدفع كل معاني الأمل من نفوس الكافرين في النجاة، وليقطع كل الظن في الفناء مما ينغص عيش أهل الجنة، ويذهب كمال نعيمهم، فيفرح أهل الجنة فرحا عظيما، ويشقى أهل النار شقاء مريعا، فلا نجاة لهم في حاضرهم، ولا نجاة لهم في مستقبلهم، فيعذبون حسيا بما هم فيه من العذاب، ويعذبون معنويا بانقطاع الرجاء من النجاة.
وخلاصة القول: أنه لا يصح لأي شخص أن يطلق لعقله العنان، وأن يجعله يتدخل فيما يعجز عنه، فعقل الإنسان قاصر لا شك في ذلك مهما أوتي من علم، فصدق الله العظيم؛ إذ يقول: )وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء: ٨٥)، كما يجب إلزام العقل بالوقوف عند حدود الله، وعدم تعديها، قال الله عز وجل: )تلك حدود الله فلا تعتدوها( (البقرة: ٢٢٩)، وبهذا يتبين عدم تعارض حديث إتيان الموت على صورة كبش أملح مع العقل الصحيح؛ لأنه كما قلنا: إن صريح المعقول يوافق صحيح المنقول، والحديث الذي تناولناه في أعلى درجات الصحة فهو متفق عليه، ونسأل الله عز وجل أن يعطينا عقولا صحيحة تعي ما يقال وما تسمع عن ربها - عز وجل - ورسولها صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
· إن حديث إتيان الموت يوم القيامة على هيئة كبش أملح، ثم ذبحه أمام أهل الموقف، حديث صحيح متفق عليه سندا ومتنا، فهو في أعلى درجات الصحة؛ حيث إنه ورد في أصح كتابين - الصحيحين - بعد كتاب الله عز وجل.
· حديث إتيان الموت على هيئة كبش من أحاديث اليوم الآخر، أي الغيبيات التي لا يجوز استخدام المجاز فيها، ولا العقل إلا إذا كان صحيحا، كما لا يجوز تأويلها إلا بمراد الله - عز وجل - ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
· ذبح الموت يوم القيامة حقيقة، والمذبوح هو الموت، وليس ملك الموت كما يفهم بعض الناس خطأ، والموت مخلوق كما هو معلوم، وذبحه دليل على الخلود الأبدي.
· إن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح، وهناك كثير من الأشياء الغائبة عنا لا نحسها ولا نلمسها، ومع ذلك لا ننكرها؛ لأننا لو أنكرناها لعشنا في ظلام وضلال، ومن ذلك: الروح، والعقل، والكهرباء، ولك أن تتخيل إذا أنكر المنكر وجود العقل ماذا سيحدث؟!
· إن اليقين مطلب أساسي لمن يريد أن يبحث في عالم الغيب؛ وذلك لأن الوحي هو آلة هذا العالم الغيبي، أما عالم الشهادة فآلته الحواس والعقل يوافق ذلك ويقبله؛ لأنه يراه ويشاهده ويحسه.
· إن كل ما على الأرض فان، ولن يبقى إلا وجه الله، وحتى يعلمنا أنه )كل شيء هالك إلا وجهه( (القصص: ٨٨)، ولذا فقد أمات الموت.
· من رحمة الله - عز وجل - أنه أدام الجنة للمؤمنين، فلا تفنى أبدا، وأدام النار للكافرين فلا تفنى أبدا.
· لقد سمى الله - عز وجل - يوم القيامة يوم الحسرة؛ وذلك لتحسر الكافرين على تفريطهم في حق الله عز وجل.
· إن ذبح الموت ذبحا حسيا أمام أهل الجنة وأهل النار زيادة في نعيم المؤمنين، ونكاية في عذاب الكافرين، حتى لا يفكر المؤمن أن النعيم سينتهي، ولا يفكر الكافر أن العذاب سينتهي؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خلود فلا موت».
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى