مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* التدين :الإمام المنتظر

اذهب الى الأسفل

* التدين :الإمام المنتظر Empty * التدين :الإمام المنتظر

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء أبريل 10, 2012 6:32 pm

اعداد : طارق فتحي
الإمام المنتظر
كلمة لابد منها حول التدين المغلوط:
لقد تم فك الارتباط بين الإسلام والسلوك، وتم اختصار الدين إلى العبادات فقط، وتم اختصار العبادات إلى أداء الشعائر والانشغال بها دون غيرها انشغالا أجوف غير فاعل لا يحض على فضيلة حقيقية، أو يؤدى إلى انضباط السلوك. فنرى المسلم يحرص على أداء الصلاة فى موعدها، وهذا حسن، غير أنه يغش فى تجارته ويطفف فى الميزان. تراه يصوم ويستنكر إفطار المفطرين ، وهذا حسن، ولكنه يرتشي، بل يهرب بأموال البنوك بالمليارات إلى خارج البلاد. تراه يحج البيت كل سنة، ولكنه يستولي على أراضى الدولة  بوضع اليد... سلوكيات تبعد كثيرا عن جوهر الفضائل التى يحضنا عليها إسلامنا.  ولما كانت غاية الأديان هي ضبط سلوكيات الناس، لذا فإن وقوع هذه السلوكيات خارج دائرة الأخلاق ومخالفتها للمعايير والضوابط يبطل تأثير الدين ويعطل مهمته. ونظرة واحدة إلى سلوكيات أمة الإسلام المنكوبة تكشف بيسر بُعد الشقة بين الإسلام الحنيف وواقعنا المزري. وانحصرت اهتماماتنا الدينية والحياتية فى بعض قضايا لا تمثل جوهر الدين. ووقع خارج دائرة هذه الاهتمامات العدل والمساواة، والشورى ، وسيادة القانون ، والقضاء على الفقر والجهل والمرض، والتعليم والبحث العلمي . وانشغل وعاظنا بالنقاب واللحى فى زمن تتكالب علينا فيه الأمم كما تتكالب الأكلة على قصعتها كما تنبأ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وفى زمن الانسحاق والانكفاء والهزيمة، عمد المستضعفون إلى التفسير الغيبي للأحداث والقول بأن النصر لا يأتى إلا بالدعاء وحسن التدين. وذلك محض تبسيط مخل وضرب من الدروشة الجديدة، فأعداؤنا ليسوا بمسلمين، ومع ذلك هزمونا ويواصلون هزيمتنا. ولو كان الدعاء وحده هو طريق النصر وأداته، أفعدم المسلمون رجلا صالحا واحدا يدعو لهم بالنصر إبان هزائمهم التي دامت قرون؟ ولو صح ذلك ما كان الله تعالى ليقول : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة)، ولو كان الأمر بحسن التعبد وحده دون الأخذ بالأسباب، لكان أولى بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بالدعاء وهو المجاب الدعوة . ولكنه لم يفعل، بل أخذ بأسباب القوة ولجأ في الحرب إلى الحيلة والخديعة واستخدم السلاح، وأحكم الخطط ، وبث العيون، ثم بعد ذلك دعا الله بعد أن كان قد استفرغ جهده واصطنع الوسائل. وما يقوله وعاظ السلاطين هراء وقلب للحقائق وصرف للعقول عن اكتشاف أن تردى الأحوال ليس قضاءً من الله وقدرا مقدوراً، وإنما سببه هو التقاعس عن الأخذ بأسباب القوة، وليس بسبب تقصيرنا في أداء العبادات، وبذا تنسحب أسباب الفشل والهزائم إلى دائرة تقصير الناس في التعبد، أي ليس بسبب الحاكم الذي قصر في الإعداد للحرب وتجييش الجيوش، ولا بسبب غباوة وقلة دراية قادة الجيوش ، أو لنقص موارد الأمة التي نهبها أولو الأمر والمماليك، إنما المسألة تم اختصارها في قلة عدد من يصلون الفجر. وكان أحدهم قد قال إنه لا صلاح إلا إذا امتلأت مساجدنا بالمصلين صلاة الفجر كما تمتلئ بهم في صلاة الجمعة . وهذه نظرة قاصرة لا يقول بها سوى الدراويش الذين يمضون يومهم فى عد حبات مسابحهم ويمضون ليلتهم يزعقون بتراتيلهم في حلقات الذكر، وقد غفلوا أن الأرض تثمر الزرع لمن يحرثها ويسقيها لا من يصلى عليها فقط. فللقوة آلياتها من أخذ بها أصبح قويا عزيزا، ومن أغفلها وتاه عنها بات ضعيفاً مهيناً ولا شأن للدين بهذا. فالهند دولة قوية مرهوبة الجانب يعمل أعداؤها لها ألف حساب مع أن شعبها من الهندوس والوثنيين، والصين واليابان دولتان متقدمتان وهما على غير الإسلام. لقد أمرنا ديننا الحنيف أن نأخذ بأسباب القوة، ولكننا لم نسمع أو نفعل . هم يصنعون "مدنية" ، وليست حضارة . ولكننا بأسباب العلم والقوة وتحت مظلة إسلامنا الحنيف، يمكن أن نصنع "الحضارة" ، فالحضارة تقوم أيضا على البعد القيمى والأخلاقي، وهم بلا دين يصنعون "مدنية" وأسلحة وقوة ، ولكن بلا قيم أخلاقية تردعهم، مثلا، عن التخلص من فائض القمح في البحر بينما يموت الملايين جوعا في إفريقيا وغيرها. وليس لديهم الأخلاق التى تمنعهم من سحق الأطفال والنساء والشيوخ في بلاد خلق الله التي يطمعون في بترولها وثرواتها، ولم تردعهم "أخلاقهم" عن إبادة الهنود الحمر وشعب استراليا الأصليين، أو تحُول دون خطف واسترقاق ملايين الأفارقة، أو نهب ماس أفريقيا وبهارات الهند..
إن لدينا نحن المسلمين نظاماً متشابكاًُ من الأفكار المسيطرة والمعتقدات الحاكمة التى نظن أنها مقدسة وغير قابلة للتمحيص، ونحن أعجز من أن نزيلها من عقولنا ، إذ تركناها تؤثر فى حياتنا آمادا طويلة حتى ترسخت بفعل الوقت والممارسة، إنها الأفكار السارية الحاكمة والمعتقدات المسيطرة والظواهر الفاعلة التى تشكل سلوكياتنا على نحو مخالف للدين ومغاير للسنة، ومع ذلك نراها أفكاراً مقبولة ولا ضير من الإيمان بها. ومن هذه الأفكار والظواهر : القضاء والقدر، والإمام المنتظر ، والتصوف. وهى أفكار لم تحظ بالدراسة الواجبة أو الاهتمام الكافي. وسوف نلقى عليها، ما وسعنا فى ذلك الجهد، بعض الضوء فى الباب الحالي، عسى أن يتوفر باحث آخر على دراسة هذه الأفكار بإسهاب واستفاضة . وعلى الله قصد السبيل..
الإمام المنتظر والانهزامية وسيادة التفكير بالتمني
نحن نؤمن بالحلول السماوية السحرية السريعة التى تهبط علينا فجأة لتحيل ضعفنا قوة، وتمنحنا العزة بعد المذلة. ما زلنا نحلم بأنه لن ينقذنا من هذا الضعف والهوان إلا ظهور الخليفة أو المهدى المنتظر . ونسينا ما كان من خلفائنا السابقين. ونرى أن الحل فى تنصيب خليفة. وذلك ضرب من سيادة التفكير بالتمنى ، وهو تفكير يعفينا من مشقة العمل وجهد النظر والتأمل فى طبيعة مشكلاتنا والتفكر فى حلول واقعية تخرجنا من هذا النفق المظلم الذى قبعنا فيه سنوات وسنوات ولا يلوح لنا الخروج منه فى المستقبل القريب. وهذا التفكير يريحنا من مشقة العمل بجد لإصلاح أحوال العباد والبلاد، ومن العمل على إحداث نهضة ثقافية وعقلية وصناعية وزراعية وتكنولوجية وعلمية ، والعمل على إرساء مبادئ الحكم الشورى والعدل والمساواة وسيادة القانون والقضاء على الفساد بأشكاله كافة، وإحداث ثورة فى نظام التعليم والبحث العلمي والقضاء على الأمية الهجائية والثقافية، وتحقيق الوحدة بين الدويلات العربية بدلا من هذا التشرذم، والشروع فى إلغاء آثار معاهدة سايكس/بيكو التى فرقت العالم العربى ومزقته إلى كيانات فسيفسائية. فمصائر الأمم وأقدارها لا تتحدد بلمسة من عصا ساحر ماهر، بل يصنع أقدار الأمم حاكم شرعي مقتدر، والشرعية هنا ليست شرعية قريش أو شرعية الجيش، بل الشرعية الحقيقية الوحيدة هي شرعية الاختيار الحر من الشعب الحر فى نظام شورى تحكمه المؤسسات لا النظم الديكتاتورية أو الأتوقراطية أو الثيوقراطية أو حكومات العسكر.
وحماسة المسلم لدينه قد توهمه بعدم الخضوع للسنن التي يخضع لها سائر الخلق من حوله، فيظن ، فى وقت شدته، أن الله سيستثنيه فلا يخضع للقوانين والسنن التى يخضع لها الناس ، ويأمل أن تبادر قوى خفية لمساعدته فى الوقت المناسب ، وأن عناية خاصة مبهمة قد تمد له يد العون لتقيله من عثرته، وعليه فقط أن ينتظر المعجزة. ويطول بالمسلمين الانتظار ، عليهم انتظار اندحار الأعداء بلا قتال، إذ سيُهزمون بالدعاء أو بالوباء أو يتحولون فجأة مسلمين، أو انتظار موت المستبد ليحصلوا على حريتهم، فلا جدوى من مناهضة الظالم وانتزاع حريتهم وكرامتهم، بل عليهم انتظار وفاته، ونسوا أن ابن المستبد سيرثهم كما تورث الأنعام ، ويطول بهم الانتظار. لقد غفلوا عن أن انتظار الحلول السحرية التي تأتى بغته دون الأخذ بالأسباب واستفراغ الجهد، إنما هي محض أضاليل تشل عقولهم كما تشل الأحجار الثقيلة عنق من يحملها على رأسه. وهذا الانتظار، على طريقة انتظار الإمام المنتظر، سمة من سمات العقل المهزوم ، هكذا يفكر كل المهزومين وكل من ضاقت بهم السبل ، هكذا ظن الألمان بعد هزيمتهم فى الحرب العالمية الثانية، وكانوا يتوهمون أن هتلر سيخرج عليهم معلنا استخدام سلاح جبار يحول الهزيمة نصرا. وهكذا فكرنا بُعَيد هزيمة 67، إذ قلنا : لم يحن بعد استخدام صواريخنا الفتاكة من طراز الظافر والقاهر. وعودة الإمام المنتظر اعتقاد لدى فئة من الشيعة المسلمين إذ يرون أن الإمام سيعود ليملأ الأرض عدلاًُ بعد أن ملئت جوراًٍ. قالوا بهذا منذ أكثر من 1300 سنة، وما زالوا ينتظرون . إنها العقلية التي تنتظر الفرج السهل وتنأى بنفسها عن الصعب، وتترك المهام الجسام التي يتعين عليها الاضطلاع بها, لشخص آخر تتخيله وتتمناه وتنتظره. وبذا نترك الأهداف التي يمكن بلوغها بإصابات مباشرة، ولكن ببعض الجهد، ونكتفي بالجري وراء سراب وأوهام. والأمر واضح واضح، يقول الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). هذا هو السبيل ، والسبيل الوحيد . فعلينا أن نتنبه إلى كشف السنن التي خلقها الله لتسيير الحوادث.
ويحلم المقهورون بتغيير واقعهم ، ولكن لم يخطر ببالهم أن التغيير لا يبدأ إلا من داخلهم ، إذ يتعين عليهم رفض القهر، بل لا مندوحة من الشروع فورا في إعداد العدة لقهر قوى قهرهم. ولكن ذلك يبقى في دائرة الأماني فقط إن اطمأن المقهورون إلى ما بأنفسهم من رضا بالحال والأمل في معجزة من السماء تأتيهم على أجنحة الطير لتنقذهم من واقعهم البائس، أو ينتظرون الإمام المنتظر ليعتقهم من عبوديتهم. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) صدق الله العظيم. "ويقع المسلم في متاهة حين يريد التغيير، ولا يرى أن الموجود هو الذي يوصل إلى المقصود، وأما الوسيلة التي يتوق إليها فإنه لا يتمكن منها ، فالموجود غير مفيد في نظره ، والمفيد غير متوافر لديه. إذن لا فائدة من العمل في ما هو غير متيسر. ولذا فهو في أجازة مفتوحة حتى تتدخل القوى الخارقة الغامضة الأسباب بينما العقل المتبصر لم يعد يرى غموضا في الأسباب حتى في مستوى إنزال الملائكة للتأييد والنصر، إنه يخضع لقانون وسبب واضح هو اتخاذ الرب إلها والاستقامة منهجا، "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا ، وأبشروا بالجنة"، فصلت 31 ، إن النظرات الخاطئة التي تعرقل الحركة ليست ضخمة، ولكنها دقيقة لا يقف الفكر عندها، بل يتجاوزها دون أن يلمحها، ولكن هذه الغفلة اليسيرة توقف سير التاريخ"(1). وعبثا ينتظرون الإمام المنتظر الذي يزرع لهم الأرض ويحرثها، ويدير لهم ماكينات مصانعهم، ويسحق لهم المحتل الغاصب، ولا بأس من استعجال العون الغيبي ببعض الدعوات من نوع : يا عزيز يا عزيز مصيبة تأخذ الإنجليز، أو يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف. وهى دعوات كان يدعو بها العامة على عسكر الإنجليز والفرنساوية عندما احتلوا مصر. ذلك هو ما يرون فيه "الجهاد الأكبر". أمة أغلقت عقلها فخسرت دينها قبل دنياها. وكان المستضعفون من المسلمين -طوال تاريخهم – حريصين على نيل حريتهم والانعتاق من رق الاستبداد، ولكن ذلك الحرص لا يزيد علي مجرد أحلام تراود النائم في فراش وثير دافئ، ولا يريد حتى أن يغامر بمغادرة فراشه كي لا يفوته دفء الأغطية. ولم تؤت مساعي المقهورين للتصدى للمستبد ثمارها إذ بقيت مجرد أنشطة رخوة وجهود مبعثرة لا تجمعها ضوابط مقدرة، وكان سعيهم لنيل الحرية سعياً طفولياً لا يرقي إلى مستوى فاعل يحقق الأماني والأحلام.
بعد وفاة الخليفة الأموي يزيد بن الوليد واستعادة الأمويين السلطة، حاول المعتزلة إقناع جعفر الصادق زعيم الشيعة الإمامية بالبيعة لواحد منهم، ولكنه رفض المبايعة إذ كان مسالما وليس ممن يقول بقتال الطغاة، ويرى عبثية مناهضة المستبدين  بالسيف والثورة، وكان من أنصار "انتظار الفرج" ، والصبر على بني أمية الظلمة، وكان يرى بأن "لا يخرج واحد من أهل البيت حتى يأذن الله بزوال ملك بنى أمية"(2)، "وظل جعفر الصادق على رأيه فى رفض الخروج والثورة متمسكا بالإمامة الروحية! "وانتظار" أن يزيل الله ملك بنى أمية ويعطى الخلافة لآل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم"(3). وكان جعفر الصادق يرى مواصلة المقاومة السلبية حتى يظهر المهدى الذي سيرسله الله ليحكم بالحق. ولم يظهر هذا المهدى بعد 1300 سنة من انتظار الشيعة. وكفى بطلب السلامة من داء، ومدار الأمر في شجاعة القلب، فما ينجو من الموت من خافه، وما يُمنح الحياة من أحبها. واسمع معي ما يقوله أديب إسحاق ذلك السوري الحر الذي قال قبل قرن وربع القرن في عصري الخديوي إسماعيل وتوفيق، وهو يتخيل خروج الناس بالسيف على المستبد: "تصورتهم بأسمال تشف عن الجلود، يتدافعون في المسالك صائحين، يتلقون سيوف الجند بما قطعوا من الأشجار، ويقابلون رصاص البنادق بما اقتلعوه من الأحجار، زاحفين مكشوفة رؤوسهم لحملة السيوف، مفتوحة صدورهم للرماة، يبتسمون للموت سآمة من الحياة، فلا ينثنون عن القصد حتى يقف أخرهم على رأس أخيه من ربوة أشلاء ذويه، فيرفع بيده اللواء صائحا: ليفن الظلم! أو ينزع من صدره النصل منادياً: لتحيى الحرية! فقلت ما لهؤلاء الناس يهرقون الدماء ، ويغتالون الرؤساء، ويفسدون في الأرض ، قالوا لحجب الدماء، ودفع الغلبة، وجلب الصلاح، وقلت كيف تسمون ما يفعلون، قالوا الثورة وهى الدواء، بالتي كانت هي الداء(4)". لا فض فوك يا ابن إسحاق، وجزاك الله خيرا عن أمة المسلمين الغافلين، يقول قوله هذا، وهو دون سن العشرين.
وقد يكون المرء صالحاً حسن النية، ولكنه يرى في التصدي للظلمة والطغاة خروجاً على قدر الله، ويرى بحسن نية، أن الأفضل انتظار فرج الله، أو وصول الإمام المنتظر، أو موت الأعداء، أو إصلاح أحوالهم بين يوم وليلة بلمسة من يد أحد ملوك الرحمة. وهكذا تراوح تاريخنا ، كله تقريبا، بين حسن نية الأتقياء، وسوء نية المستبدين، واستسلام المستضعفين . ولله الأمر من قبل ومن بعد.
لما أنذر هولاكو الخليفة العباسي المستعصم بالله بغزو البلاد وإهلاك الحرث والنسل، ماذا كان من أمر الخليفة الهمام، قام من فوره بتسريح جيشه بناء على نصيحة وزيره الخائن مؤيد الدين (!!!) ابن العلقمي، والذي كان يتخابر مع التتار ويزين لهم غزو البلاد وذلك فى غفلة من الخليفة إذ كان مشغولاً مع جواريه، "وقيل إنه كان ينتظر "معونة إلهية" ، كما ذكروا أنه كان ينتظر مساعدة أمراء المسلمين... وعلى كل حال فإنه لزم خطة الجمود، ولم يقم بعمل يستحق الذكر، ولم تنزل عليه معونات إلهية، ولم يخف الأمراء المسلمون لنجدته"(5)
"ولا يمكن للمسلمين أن يتحركوا بجدية لتغيير واقعهم ، ما لم يقتنعوا أن مشكلتهم تخضع لقوانين وسنن . أما إذا بقى لديهم الشعور بأن المشكلة لا تحل إلا بالمهدى، أو بأن الزمن شارف على الانتهاء، فإن المشكلة تبقى دون حل، بل تزداد تعقيدا، ... وما لم نتمكن من معرفة تغيير ما بالنفس ، ومعرفة ما ينبغى أن نغير كماً وكيفاً، فسنظل ننتظر المهدى فعلا وإن نفينا عن أنفسنا ذلك نظريا"(6) . والله تعالى يقول Sadفهل ينظرون إلا سنة الأولين، فلن تجد لسنة الله تبديلا، ولن تجد لسنة الله تحويلا، أو لم يسيروا فى الأرض، فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ) صدق الله العظيم. "فاطر 42/44"
ودرج الناس على انتظار الحلول السماوية التي تهبط عليهم بدون جهد أو مشقة، وإنما يستمطرونها بالدعاء فقط كما يطلبون الغيث بصلوات الاستسقاء، وكان هديهم فى ذلك ظنهم أن الصبر مطية لا تكبو، وسيف لا ينبو . وفاتهم أن الغاية تُرجى بمشقة السعي إليها، لا مجرد انتظار الفرج الذي لا يواكبه عمل وجهد، ذلك الفرج الذي لا يمنحه الله تعالى للمتهاونين المتخاذلين، الفرج الذي لايوهب للجهلة وأشباه الرجال. وتحملوا عذابات القهر، واكتفوا بانتظار مجيء، حاكم يخشى الله فيهم، وطال بهم الانتظار، وتجرعوا صنوفا من الهوان، تتسلمهم يد طاغية لتسلمهم إلى جبار آخر، وهم ينتظرون صلاح الحال باستجابة السماوات لدعواتهم بموت الطغاة أو بجعل الأعداء "غنيمة لنا"، مثلما يردد وعاظ المساجد عندما يدعون على الصهاينة، ولا أدرى فرقا بين هذه المواقف التخاذلية وموقف اليهود عندما قالوا لنبيهم (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون).
انعقدت آمال فرق عديدة من المسلمين على عودة الإمام المنتظر الذى سيأخذ بأيديهم إلى بر القوة والحق والعدل، فزعمت فرقة "الرجعية" من فرق الرافضة، أن علياً كرم الله وجهه – وأصحابه يرجعون إلى الدنيا وينتقمون من أعدائهم. وتشكلت العقلية التى تنتظر ذلك الشيء السماوي المبهم الذي يحل لها مشكلاتها كلها، ويؤدى عنها أدوارها وواجباتها، والمطلوب فقط الانتظار والاستمساك بهذا المعتقد -معتقد عودة المنتظر – دون تمحيصه أو انتقاده فهذا كفر وهرطقة. وأصبحت فكرة ترقب الإمام المنتظر فكرة أساسية فى ضمائر بعض فرق المسلمين ، ويكون هذا المنتظر هو المُطَالب بمناهضة الأعداء ومحاربة الظلمة، وذلك يعفيهم من الواجبات والمسؤوليات إذ أحالوها جميعاً إلى الإمام المنتظر. وتشبَّه أصحاب فرقة المتربصة، من الرافضة أيضا، بزي النساك، ونصبوا فى كل عصر رجلا ينسبون الأمر إليه يزعمون أنه مهدى هذه الأمة، فإذا مات نصبوا رجلاً آخر.
"إن إدخال فكرة المهدى المنتظر ضمن العقيدة مخاطرة لا تستند إلى دليل، لأن العقيدة لا تثبت إلا بأدلة قطعية لا شبهة فيها، أما أخبار المهدى في أسمى حالاتها لا تفيد إلا الظن، وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا. ذلك لأنها أدلة ظنية حافلة بالشبه والاحتمالات فهي مهتزة لا تقر عقيدة ولا تورث يقينا،... وأخذ المسلمون يبحثون عن شخصية البطل  ويحلمون بالمنقذ ذي القوة التي لا تقهر"(7) . وفكرة انتظار الأبطال المنقذين، والحلم بالمنقذ البطل الذي لا يقهر ليست بدعا في التفكير الإسلامي وحده، فاليهود حين عانوا العنت حلموا بمن يظهر في آخر الزمان ويجمع شملهم وينافح عنهم – وفى العصر اليوناني "استولى الاتجاه الصوفي على وجدان الطبقات المستنيرة وغير المستنيرة على السواء، ولم تجد المذاهب والطوائف الدينية وقتا أنسب للازدهار من مثل هذا العصر، فظهرت الفيثاغورثية الجديدة، والأورفية التي كانت تدعو إلى تطهير النفس عن طريق الموسيقى والإنشاد الديني، وأصحاب نظرية قدوم المخلص المنتظر. وهناك من يقارن بين هذا التيار الصوفي الانتظارى الذي ساد في روما وبين الموجة الدينية التي أحدثها أنبياء بنى إسرائيل ابتداء من حزقيال إلى يوحنا المعمدان، حيث نودى في الناس أن المسيح المنتظر سوف يجيء ويضع نهاية للظلم في العالم"(Cool . وكذلك حلم المسيحيون في عصور اضطهادهم  بوهم عودة المسيح ليقيم دين النصرانية وينقذهم من الاضطهاد. إن فكرة انتظار البطل هي ابنة الظلم والقهر.

هوامش الفصل الأول
الإمام المنتظر

1- جودت سعيد – حتى يغيروا ما بأنفسهم
2- الشهرستاني – الملل والنحل الجزء الثاني
3- محمد عمارة – المعتزلة والثورة
4- أديب إسحاق – الدرر
5- د. مصطفى طه بدر – محنة الإسلام الكبرى
6- جودت سعيد – حتى يغيروا ما بأنفسهم
7- عبد المعطى عبد المقصود محمد – المهدى المنتظر
        فى الميزان
8- د. سيد الناصرى – تاريخ الإمبراطورية الرومانية
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى