مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* كفاح كفيف - الجزء الرابع

اذهب الى الأسفل

* كفاح كفيف - الجزء الرابع Empty * كفاح كفيف - الجزء الرابع

مُساهمة  طارق فتحي الخميس أغسطس 02, 2018 11:19 pm

كفاح كفيف 4
طارق فتحي
اتقن كتابة الحرف بجهاز الموبايل بشكل صحيح وسليم ففكر بعمل جديد ومريح في بيع بطاقات التعبئة للهاتف . ذهب الى رجل دين ليستفتيه فاحل له البيع وحرم الربا . طلب من رجل الدين اين يجد له شخصا ما  يشاركه في العمل لثقته العالية في رجال الدين . ومن حيث هو لا يملك راس المال اللازم لشراء بطاقات التعبئة للهاتف فوعده خيراً .
بعد فترة وجيزة كفاية ليسأل عنه وعن امانته واخلاقه اضافة الى قدرته على العمل استدعاه رجل الدين على ان يكون هو بعينه شريكه . عمل معه لمدة شهرين فكان تعامل رجل الدين معه صعب للغاية وانهى العمل معه بوضعه شروط تعجيزية كانه يطرده  بشكل غير مباشر واعطاه مبلغا زهيدا من ارباح البيع لمدة شهرين . وعند مراجعته في الشهر الثالث من بدأ العمل سويا فاجأه بشرط عجيب وهو اما ان يترك العمل معه او يمتنع عن التدخين.
فكر مليا ووجد نفسه سوف يكون بلا عمل ويعو الى المربع الاول فوعده بترك التدخين . عندها انتابته نوبات عصبية واخذ يتشاجر مع الجميع لاتفه الاسباب وبعد مرور هذا الشهر الرهيب الذي تسبب له بمشكلات عديدة قرر ان يترك العمل امام جشع وطمع رجل الدين .
قرر حينها ترك التدخين نهائيا حفاظا على صحته من جهة والاقتصاد في المصروفات من جهة اخرى وبعد ايام طويلة تراكمت عليه ديون كثيرة . فعادت حليمة الى عادتها القديمة واخذ يدخن هذه المرة بشراهه بسبب صغوطات اهله والمجتمع وانطوى مع اشعاره والتصق اكثر فاكثر بهاتفه واصبح عضوا فعالا في الكثير من مراكز التواصل الاجتماعي وشارك في منتديات الشعر وكتابه القصة القصيرة ومنتديات ادبية اخرى وما الى ذلك من النشاطات الثقافية .
منح اخيرا لقب ( افضل مستمع ) من الاذاعة المحلية في نينوى بعد متابعة حثيثة لاحد برامجها وكثيرا ماكان يستضيفوه على الهواء مباشرة عبر الهاتف . وحصل ايضا على جائزة تكريم من المندى الادبي لاذاعةنينوى. واخرا وليس اخيرا حصل الكثير من الالقاب والجوائز كان آخرها لقب افضل مستمع .

كفاح كفيف  17
طارق فتحي
قد تكون قصة كفاح كفيف ليست فريدة من نوعها ولا ترقي لمصاف القصص العالمية لاصحاب العوق الجسدي وهي كثيرة على مر التاريخ الانساني من امثال العربي طه حسين والانكليزي ستيفن هوكنغ وغيرهما الكثيرين. الا ان المتتبع لحياة هذا الشاب منذ ولادته وحتى شب عن الطوقوالبيئة المحيطة به والاحباط المعنوي الذي لازمه على طول خط حياته وعدم توفيقه في كل اموره جعله يمتلك قوة خفيه صارع بها نفسه وعائلته ومجتمعه وكل ما كان يدور حوله .
تحديدا في يوم 6-12-2010 تمت دعوته من قبل كادر اذاعة نينوى لغرض تكريمه وبالفعل تمت استضافته في احد برامجها غمرته فرحة عامرة واعتقد جازما ان هذه هي فرصته الذهبية ليتعرف على العالم القريب منه وليتعرفوا هم ايضا عليه , تم اللقاء واخذ يسرد الشعر بحماسة اهل الريف وعند الانتهاء صفق له الكادر العامل المحيط به وعج هاتف البرنامج بطلبات المستمعين والجميع يطلب رقم هذا الشاب الشاعر المتحمس للغاية .
رغم ان احد المشتركين عبر الهاتف اسمعه كلاما غير ذي بال فيه الكثير من الاحباط بانتقاد قاسي وشديد في ظهوره الاول الا ان جمهرة من المعجبين انسته الانتقاد اللاذع , لم يرد على منتقده هذا كي لا يسقط نفسه من الوهلة الاولىامام جمهوره ومستمعيه. وبعدها اصبح صديقا لجمهوره الذين ما انفكوا يطلبون رقم هاتفه فاصبح صديقا للادباء والشعراء والمدرسين وذوي شهادات عليا  يحبهم ويحبونه.
عاد الى قريته بزهوا وفرح وهو نافش ريشه كالطاووس فالحدث عظيم بالنسبة اليهومر في طريق عودته لمحل صديق طفولته ليستريح قليلا فاذا بصديقه يخبره. بان هناك برنامج يقرأ الكتابة التي تظهر على شاشة الموبايل بصوت مسموع انه البرنامج الناطق, عليك ان تكمل دراستك عن طريق الامتحان الخارجي فتحمس للفكرة وطلب من صديقه ان يساعده في هذا الامر فوعده خيرا وساعده فعلا بعد ان اهداه البرنامج الناطق . قدم للامتحان في الصف السادس الابتدائي . وبمعونه بعض الطلاب الذين سجلوا له الدروس على اشرطة كاسيت وبالرغم من الاخطاء النحوية في التسجيل الا انه كان  يصحح ويدرس الاخرين ولم يعيقهشيئْ على الاخص انه  اتقن اللغة العربية ومساراتها منذ نعومة اظفاره . ولا يفوتني ان اذكر لكم انه كان تلميذ نشط في مدينة القواعد والبرامج الاذاعية الاخرى .
وسط هذه الحماسة الشديدة والرغبة في اجتياز امتحان البكالوريا اخذ يباشر دراسته بكل جدية بالرغم من تساقط مياه الامطار على ام راسه حينا وعلى بقية اعضاء جسده احيانا اخرى فسقف غرفته الخشبي باعمدة خشبية مستعرضة مغطاة بشي من اغصان واوراق النباتات والمدعوم من الاعلى بكتل الطين الممزوج بتبن الماشية لم يفلح في صد ومنع هطول بعض القطرات عليه وهو في هذا الوقت العصيب يصارع نفسه وهو يقرأ ويقرأ ولا يبالي حتى كادت اصابعه ان تتجمد من البرد الشديد .
في هذه الفترة بالذات لا زمه النحس بشكل عجيب وغريب لم يتوقف المطر طيلة ايام الاسبوع بعض اشرطته المرمية بجانبه على الارض وطئها حيوان الماعز ودمرت اغلبها وعليه ان يبدأ رحلة البحث من جديد عمن يسجل له الدروس ثانيةً . ذهب الى محل صديقه صاحب التسجيلات فانزلقت قدمه بالوحل وكادت ان تنكسر تحمل الالم وسار عليها حتى بلغ الدكان واذا به يكتشف انه اضاع محفظة نقوده انتابته حمى شديدة وهو في سيارة اجرة لاحد اهل القرية عندها طلب منه ان يصحبه الى الطبيب فرفض رد عليه بصوت متعب  بين الغيبوبة والوعي لا للطبيب خذني الى صديقي صاحب محل التسجيلات لجلب اشرطة الدروس خاصتي التي تبرع بتسجيلها احد الاصدقاء لكن السائق لم يمتثل لكلامه فاعاده الى داره.
حالما ابتعدت سيارة الاجرة قام متحاملا على نفسه للذهاب راجلا الى محل صديقه ليوصيه بتسجيل الدروس له او يتبرع احدهم بذلك وصل الدكان وهو يترنح يمنة ويسره بوجه مصفر وشحوب باد للعليان والحمى غالبة عليه بشكل ملفت للنظر استقبله صديقه خارج المحل وطمأنه وهو يربت على كتفه ان يعود الى البيت وانه اي صديقة سيتكفل بموضوع نسخ الدروس والكتب على اشرطة كاسيت جديدة ويبعثها له . حينها اطمأن قلبه وعاد الى البيت ثانيةً . انتابته هلاوس الحمى وحلم انه في قاعة الامتحان ولا يستطيع الاجابة فأسئلة التاريخ لم تمر عليه ولم يعرفها فانتابه خوف شديد من االرسوب في هذه المادة فاخذ يصرخ باعلى صوته بعصبية مبالغا فيها بشدة حتى استقيظ على يد والدته وهي تلامس خدية بضربات خفيفة بغية ايقاظه من كابوسه . واخيرا دخل امتحان البكالوريا للصف السادس الابتدائي ونجح بتفوق كبير على اقرانه وزملائه من الطلاب .

كفاح كفيف  18
طارق فتحي

قصيدة كتبها بعد نجاحه في البكالوريا  للدراسة الابتدائيةبتفوق غاية في الروعة
اني من جور الوكت ما عاد اهاب::: :من ابو خولة تعلمت الدرس: قلت اني عايش بقانون غاب: :قال اخويا قوم إحذر واحترس: :قلت له مو طوقت بي الذئاب : قال أنت صير كاسر مفترس: قلت له مو قلبي مكسور ومصاب: قال من دم جرحك اصنعله جبس: وقال إنسى الماضي وسنين العذاب : وترك هموم المضن وانسى الأمس : ::وقررت عالدوم أتحدى الصعاب: وقررت ما عاد اسلم لليأس :: وقررت ما عاد اعيش بإكتآب: وقررت أتحلا في ضبط النفس :وقررت من دم جراحي اصنع كتاب: وادرس بهذا الكتاب أحسن درس وقررت ما ابكي على صوت الرباب: وما اقول للناس انا حظي نحس: وإذا دقات القلب بها اضطراب: أحسبه إيقاع في حفلة عرس: واتوكل بس على ]الله الوهاب: وارجو بعد الليل تطلع لي شمس :
بعدها اخذ يفكر بجدية في كيفية تطوير نفسه اذ لا بد ان يترك قريته ويتجه صوب المدينة . راودته هذه الافكار بعد ان قدم له احدهم العون باستئجار دارا له في المدينة مدفوعة الايجار مقدما كنوع من تقديم المساعدة من احد ميسوري الحال والتاكيد على الوقوف معه لحين ايجاد فرصة عمل في المدينة واعتماده على نفسه آنذاك ,
انتقل فعلا الى مدينة الموصل فالتقت به قناة الشرقية ومنحته مبلغ مليون وثمنمائة الف دينار استطاع بها ان يتدبر نفسه ويسدد الديون المتراكمة عليه وحين طال المقام به بعض الشيء تخلى الكل عنه اصدقائه ومحبيه بسبب كونه لم يحضي بفرصة عمل نظيف يدر عليه ما يؤمن قوت يومه, مكث في مدينة الموصل شهرين متتاليين وبدون عمل واصدقاء . قفل حينها عائدا الى قريته ليجتر ماضيه واحزانه من جديد .
تحامل على نفسه كثيرا حيث قرر العيش في قرية الرشيدية لما عرف عنها من نبوغ بعض ابنائها في العلم والمعرفة الروحية والمدنية وانها كانت اقرب الى المدينة منها الى القرية بالمعنى المجرد. الا ان معاناته لم تنتهي فيها فهو لا يعرف مسالكها وطرقاتها مثل اماكن التسوق والطريق الى الجامع لتلبية حاجاته الروحية والمادية .
سخر الله له طفلة صغيرة كلما تراه يخرج من البيت تهرول نحوه فرحة ضاحكة لتمسك بيده وتذهب به الى حيثما يشاء . فلما سألها ما اسمك يا طفلتي الحلوة اجابته اسمي ( رحمه ) فتعجب في سره واعتبر الامر نوع من التكليف الالهي , مع مرور وقت قصير تعرفباصدقاء جدد من اهل الرشيدية , كانوا كثيرا ما يسألوه هل تعودت الامر .؟ هل تعلمت كيف الوصول لمبتغاك .؟ هل انت مرتاح هنا في قريتنا .؟ وغيرها الكثير من الاسئلة الاستفهامية التي تكاد لا تنضب .
كان يرد عليهم ببساطة ان الطفلة رحمه ترعاه وهي دليلة للوصول الى الاماكن التي يختارها ومتى ما تعلمت الطرق وكيفية الوصول الى محلات التسوق سوف استغني عنها كليا . هنا كانت المفاجئة الكبرى حيث اخبروه اصدقائه الجدد ان الطفلة رحمه هذه مجنونة وسوف تعبث به يوما ما كونها غير عاقلة او مدركة لتصرفاتها الغير طبيعية , لم يكترث بكلامهم كثيرا حول رحمه ولكنه اصبح اكثر حذراً منها .
تعلقت رحمه به كثيرا فحين عودتها من المدرسة ترمي بكتبها عند اهلها وتذهب مباشرة الى داره المجاورة لدارها فتهيء له الطعام والشراب وتمثل له دور الابنة والاخت والام الحنون , كان يجاريها ولا يريد ان يسرق فرحتها في الوثوق بنفسها كعائل له اهميته ويحتاجه الاخرون. عملت له في احد الايام كرة قدم من الخرق البالية وطلب منها ان تغلف الكرة  بمادة النايلون لكي تصدر صوتا عند ارتطامها بقدمه ليعلم وجهتها ويتابعها عن كثب .
كانت رحمه تقف متفرجة اثناء لعبه بكرة القدم مع اصدقائه وكثيرا ما كانت تقفز كالسناجب وتصرخ عاليا مشجعة مجتهدة له حين تكون الكرة في متناول اقدامه فتصرخ به نعم .. نعم .. وعندما يأخذون الكرة من بين اقدامه تصرخ به عاليا لآ .. لآ .. وعندما يكون عدد الفريق قليلا تشترك رحمه في اللعب كجارس مرمى حامي هدف فريقه المفضل لديها .
تعلمت رحمه الكثير منه وعلى الاخص في حل واجباتها المدرسية التي برعت فيه واصبحت مثارا للاعجاب بها من قبل مدرسيها واقرانها من البنات في المدرسة ورويدا رويدا اصبحت رحمه اكثر اتزانا وتعقلا وكسبت احترام زميلاتها وسط ذهول مدرساتها ومن عرفها عن قرب

كفاح كفيف  19
طارق فتحي
اصبحت رحمة جزء مهم من حياته وتعلق بها بصورة شديدة  حتى انه وعدها بالمشاركة في البرامج الاذاعية وحثها على ابلاغ عائلتها بالامر .ولما لم يجد عملا مناسبا له بحسب قدراته البدنية  فكر في العودة الى قريته حيث  عجز عن دفع مبلغ الايجار على الاقل هكذا كان يفكر وهو قابع في حجرته لا يلوي على شيء .
على حين غرة فاجأته رحمه وعلمت منه انه ينوي الرحيل بسبب عدم تمكنه من دفع ايجار داره التي يسكنها في الرشيدية . حاورته رحمة قائلة لو اني اكبر قليلا واصبح طبيبة لساعدتك كثيرا واخرجتك من ضنك عيشك هذا . بكل  براءة الاطفال اخذت رحمه تتقافز من حوله وتغني له حتى انسته بعض من همومه وضحكا معا ضحك طفلين نشطا من عقال .
ودع رحمه كما ودع الجميع من اصدقائة الذين اخلصوا اليه . عاد الى قريته اخيرا وهو يجتر همومه وكيف السبيل الى ان يرقى في حياته الى ما يصبوا اليه مع ان امنياته بسيطة جدا الا ان عوقه الجسدي يحيل دون ذلك ومرت الايام بطيئة فاذا به يتصل باخي رحمه ويساله عنها فرد عليه الاخ ان رحمة تبكية منذ ان غادرها ومازالت كل يوم تبكيه وتتندر بمواقفه معها وهي تحكي لاهلها ما يدور بينهما وبالتفصيل الممل . فكتب فيها قصيدة من اربعين بيتاً .
الحق اقول لكم انه تأثر كثيرا بمجتمعه في الرشيدية المتفهم والواعي على النقيض من مجتمعه في قريته البعيدة . حاول جاهدا الاتصال بمدير قناة الموصلية لغرض اجراء حوار معه على الشاشة الفضية مع القاء بعض الاشعار والخواطر الادبية التي كان يتقنها . تم له ما اراد فانتهز الفرصة ليوصلوا صوته الى كبار المسؤولين في المحافظة بغية توظيفه في احد الجوامع او اي وظيفة اخرى سيما وهو يتقن استعمال الالة الحاسبة بشكل مذهل.
ذهبت جميع مجهوداته سدى حيث لم يكترث به احداً . باستثناء الاتصال اليتيم من احد الاطباء من خارج العراق يبلغه انه سيشتري له حاسبة جديدة وسيساعده قدر الامكان في ايجاد وظيفة له او عمل ما يتدبر به قوت يومه ومعيشته .
بعدها طرق احدهم باب داره وسلمه حاسبة جديدة مع جميع محتوياتها وملحقاتها وذكر له اسم الطبيب المرسل . وهكذا كانت فرحته البسيطة والمتواضعة كانه ملك الدنيا بما رحبت . انتظر عاما كاملا حتي يستطيع ان يدخل امتحان البكالوريا للصف الثالث المتوسط بموجب القانون .
ومرت الايام وعبد المالك والفرح على طرفي نقيض واليأس اخذ ينشب اظفاره وينهك جسده . اخبره احد معارفه بحاجة احد جوامع مدينة الموصل الى مؤذن وفعلا تم تعينيه في الجامع بصفة مؤذن وقت اقامة الصلاة .
كان الجامع حديث البناء نوع ما . استقرت احواله بعض الشيء ومنحوه غرفة في محيط الجامع من الداخل يبيت فيها يا كل مما يقدمون له من طعام من قبل عائلة امام الجامع واستطاع ان يدخر بعض المال لكون مأكله ومشربه ومسكنه مجانا . عندها اخذ يحفظ جميع خطب الجمعة عن ظهر قلب ومع تقدم الايام اصبح هو الحارس والخادم والمؤذن واحيانا الامام والخطيب وبرع في عمله بشكل لا يصدق واصبح معروفا لدى الجميع.
يوما ما انقطع التيار الكهربائي عن الجامع فارتقى السلم ليقوم بالاذان من على سطحهوعند الانتهاء من تأدية الاذان استعجل النزول ليلحق بالمصليين فانزلقت قدمه ووجد نفسه فجاة في بئر السلم يتألم بشدة . عندها تم اسعافه ونقله الى مشفى الطواري فتبين ان احد اضلاعه قد كسرت مع شدة ورضوض في القفص الصدري اعادوه الى غرفته في الجامع فمكث شهرا كاملا لم يغادرها وعائلة الامام تقدم له الطعام والشراب وبعض المساعدات البسيطة .

كفاح كفيف   20 والاخير
طارق فتحي
شفي تماما مما الم به ومكث يخدم في هذا الجامع مدة سبعة شهور متتالية . انقسمت المحلة فيها ما بين كارها لوجوده فيه وبين مؤيدا له وحدثت اضطرابات كبيرة بين الاهالي تتراوح بين مناوشات كلامية حادةتصل الى حد الضراخ وبين اشتباكات بالايدي وقاموا بقطه الاسلاك الكهربائية وتخريب امدادات المياه التي تغذي الجامع .
ولما خشيء ان تحدث فتنة كبيرة بين الاهالي بسبب تغير ظروفهم الاجتماعية والفكرية حزم امره بالعودة الى قريته . اخذ يعمل في مجال تعبئة بطاقات الهاتف وهو عمله القديم قبل ان يرتحل الى المدينة . بعد مضي فترة من الزمن احيل احد معارفه الى التقاعد فتنازل له عن عمله بسبب انتهاء عقده الوظيفي الا ان امام الجامع رفضه بشدة كونه غير ملتحي ويكتب الشعر ويشارك في البرامج الاذاعية وهذا كفر بواح بحسب عقلية امام الجامع .
بزت الفتنه بقرنيها بعد احتلال الموصل من قبل العصابات الظلامية او كما يطلقون على انفسه دولة الخلافة الاسلامية في العراق والشام , كان امام الجامع سيء الخلق معه ورفضه بشدة متعللا بافكار الظلاميين خفافيش الليل تارة وتارة بحجة ان له مرتبا من قبل الرعاية الاجتماعية
ضاع كل شيء منه وعاد الى المربع الاول كعادته دوما مع الحياة التي تأبى ان تنصفه متحدية بذلك قدره . اخذت التهديدات تنهال عليه من ارقام مجهولة تحت عبارات ومسميات طائفية ولكنه تحدى الجميع واعرض عنهم . فمكث في غرفته ردحا من الزمن ريثما تنجلي هذه الغمة عنه وعن قريته . الشيء المؤلمحقا انه لم يستطيع اداء الامتحانات النهاية للدراسة المتوسطة بسبب داعش وتهديداتها للجميع فظل ملازما لغرفته حفاظا على حياته في حالة من الذعر والخوف .
انهمرت الامطار بغزارة وصادف ان نزل بعضها عليه من خلال سقف غرفته فابتل جسده وعندما فر هاربا من المطر تاركا  حاسبته ليجدها بعد حين قد تعطلت بسبب مياه الامطار. اطلت الغيوم السوداء في حياته من جديد وعاد الامل اليه بعد تحرير الموصل وقريته من قوى الظلام وعصابات المنظمة .
اخذ معه احد وجهاء القرية الى محل لبيع البضائع المنزلية ليكون له كفيل ضامن حيث قرر العمل في مجال البيع بالتجزئة ( وعلى التصريف ) مثل ما يقول المثل باللهجة العراقية المحلية فرفض صاحب المحل او التاجر اعطائه شيئا فاضطر ان يعمل في محل للحلويات بصفة شريك اضافة الى بيع بطاقات تعبئة الهاتف . بعد مرور شهور قليلة اتت منظمة انسانية الى قريته تعطي مبلغا من النقود لانشاء مشاريع صغيرة لمن يطلب العمل وهو قادر عليه . من خلال شهادة مختار القرية على صلاحية الشخص المتقدم لنيل هذه المساعدات.
اتصل بمختار القرية الا ان الاخير تجاهل طلبه ومنح المشاريع الصغيرة لاشخاص غير مستحقين لمصلحته الشخصية معهم وهكذا بقي بدون عمل الا ان روح الامل والتفائل بداخله لم تنطفيء جذوتها فاخذ يكد في عمله في محل الحلويات ويساعد طلاب قريته في تحسين مستواهم الدراسي عن طريق تعلمهم القواعد العربية وغيرها من الدروس وهو في مقر عمله في دكان الحلويات لكي لا يحل بهم مثلما حل به من عدم اكمال دراسته وكان شعاره معهم دائما هو ( العلم نور والجهل ظلام )
احب هذا المصطلح العلم نور فكتبه على جدران محل شريكة بالخط العريض الواضح وعلى صفحته الشخصية في الفيسبوك وعلى اغلفة كتبه وعجت بها مذكراته . مع ان كل امانية خابت في تحصيله للشهادات العليا . تجري الرياح بما لا تشتهي السفن . تقلصت طموحاته يوما بعد بعد يوم شهرا بعد شهر سنة بعد سنة . حتى في مجال عمله في الحلويات كان الاطفال يطلبون منه بعض الحلويات الملونة . فمن اين ياتي بعين باصرة لتميز الالوان وارضاء اذواق الاطفال.
اعتذر لكم احبتي عن نهاية قصتي المآساوية والمحزنة ولكن هذه هي الحقيقة التي تلطفت بكتابتها كثيرا . شكرا لاصغائكم الجميل انتم عائلتي الرائعة في نادي القصة القصيرة برعاية الاستاذ والاب الروحي طارق فتحي  . لم اتسول منكم العطف والاحترام فكرامتي فوق كل شيء وهذه مشكلة كل عراقي لا يسمح انت تمس كرامته عسى ان تكون فيها عبرة لمن يعتبر .
احياتي لكم جميعاً
عبد المالك محمد العلم نور
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى