مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*قصص قصيرة - فزاعة الحب : الاجزاء من ( 11-20 )

اذهب الى الأسفل

*قصص قصيرة - فزاعة الحب : الاجزاء من ( 11-20 ) Empty *قصص قصيرة - فزاعة الحب : الاجزاء من ( 11-20 )

مُساهمة  طارق فتحي الخميس أغسطس 02, 2018 11:17 am

...
فزاعة الحب  11
طارق فتحيش

استقبلته شقيقتها في صالة الدار , كانت الصدمة شديدة الوقع على سالم اذا راى لاول مرة في حياته مسحة الجمال الفتان والآخاذ بامراة كاملة المواصفات, انقطع حينها عن العالم المحيط به في صمت رهيب متفكرا في هذه المخلوقة الحسناء الودودة اللطيفة التي لم يرى مثلها في البلاد. والحق اقول لكم ان سالما هذا شديد الضعف امام الجمال اينما يكون وفي جميع الخلائق , ارتشف فنجان قهوته على عجل فهو لا يريد لنفسه ان تتعذب اكثر مطرقا براسه نحو الارض خلال حديثه مع شقيقتها,
هذه المرة تغيرت احوال سالم كثيراً حتى انه جلب انتباه عائلته شقيقته الكبرى ووالدته وجدوه دائم الابتسامة متفائلا مشرقاً وهاجاً يكثر من الاهتمام بنفسه وبزينته على غير عادته. قفشته شقيقته وهو يتصل بفتاته فاخبرها بكل شيء. تم دعوة الفتاة الى دار شقيقته للتعارف واعجبت بها ايما اعجاب . قالت لاخيها هذه هي الفتاة المناسبة لك لا تفرط بها بجنونك الديني ورهبنتك المملة , لابد ان تتزوج وتكون اسرة فيها اولاد وبنات وتعيش حياتك كالاخرين فانت لست اقل منهم شأناً.
اخيراً استجاب لطلب شقيقته وتغيرت معاملته لفتاته بشكل ملفت للنظر حيث وقع في الحب عن جدارة وامتحنها بعد ذلك عدة مرات حتى انه واعدها في يوم تسوق فيه الغيوم الممطرة مدرارا فوجدها تتنظره في ساحة الاندلس مبتلة الثياب والماء يقطر من جميع اجزاء جسدها تقطيراً, كانت هذه مشورة احد اصدقائة لاختبار حبها له .
نجحت الفتاة في هذا الاختبار ايما نجاح وتوالت عليها الاختبارات العديدة عندما علم اقرانه واصدقائه وخلانه بامره فاجتازت كل هذه الاختبارات بنجاح دون ان تدري ما خطط لها وتم رسمها في القلب واقفل عليها ورمي المفتاح في جب لا قرار له ومن هنا كانت البداية الجادة في علاقته معها حتى انه اصبح لا يرى غيرها في الوجود كله.
انتهى الموسم الدراسي وتواعدا الى لقاء يعقبه فراق طويل نسبياً على الاقل لسالم, وتم الاتفاق على خطبتها بعد مضي شهر على تواجدها بين اهلها لتمهد لهم الطريق لاستقبال الخاطبين. انتهت المدة المقررة وتم ارسال شقيقته ووالدته الى محافظتها ومن هناك التحق بعض الاعمام والخوال وكونوا وفدا محترما مهيب الجانب, ما ان تم استقبالهم بكل ود واحترام من قبل اهل العروس , اتضح انها مخطوبة لابن خالتها بعقد مأذون رسمي منذ عام تقريباً وبموافقة الفتاة نفسها, وتم الاعتذار من الجميع وعاد الاهل الى بغداد بخفي حنين.
ايعقل ان فتاة بهذه الشفافية والطهارة والادب الجم تكذب .!! لماذا هذا الكذب.؟ وغيرها من الاسئلة التي كانت تدور في مخيلة سالم جعلته يعتكف ردحا من الزمن في غرفته العلوية لم يراه احدأ من عائلته لمدة شهرين كاملين. وعبثا حاول العم وزوجه الذين عادا مع العائلة ثنيه عن معاقبة نفسه الا ان جهودهما باءت بالفشل.
يتبع...
فزاعة الحب  12
طارق فتحي

صادف ان قدم بعض نساء المحلة لسلامة الوصول مهنئين والدته وشقيقته. اذ قدمت جميلة مع والدتها , تلك الفتاة الصغيرة شقراء الشعر وقد نضجت والبسها الزمن حلة من الجمال والبرائة والطفولة العذبة . التفتت اليها زوجة العم وانتبهت لوجودها وهي تراقب سالم بعينيها الصفراوين في رواحه ومجيئة في الدار, علمت بحدس النساء الذي قلما يخطيء انها تهوى سالم .
بعد انفضاض الضيوف المهنئين دار حديثا ساخنا بين زوجة العم والوالدة والشقيقة الكبرى انتهى الامر على ضرورة تزويج سالم من هذه الفتاة رغم فارق العمر بينهما في حال وافقت عائلتها واخوتها وهم الذين يحبون سالم كثيرا. في صباح اليوم التالي واثناء تناول الفطار  تم طرح الموضوع على سالم من قبل زوجة العم . اختيرت لاخباره دونا عن الوالدة والشقيقة لخوفهم من ردة فعله عليهما.
استمع سالم لحديث زوجة عمه وما ان انهت حديثها معه حتى انفجر بها كالبركان الثائر يقذف حممه كيف ما اتفق وتعلو سمائه السحب والغيوم المكفهرة وهو يزبد من شدقيه كانما الطامة الكبرى وقعت على ام رأسه . ارتدى ملابسه على عجل خرج من الدار لا يلوي على شيء. ترك الجميع بين فاغراً شدقيه وبين موسعا حدقات عينيه .
لعدم تصديقهم  لما حصل لسالم ذلك الانسان البالغ الناضج القويم الوديع, اطبق الصمت على الجميع. عاد قبل مساء ذلك اليوم معتذرا من زوجة عمه مقبلا اياها معرفا بخطأه تجاهها كذلك اعتذر من اهله علل كل هذا بسبب الضغط النفسي الهائل الذي يعاني منه منذ سنوات طويلة مضت وان ما تم طرحه عليه كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
جميلة تلك الشابة الصغيرة التي لفتت نظره نحو الفتيات لاول مرة في حياته واشعلت نار الغيرة في قلبه وهو يرى بقية اقرانه كل له صاحبة تربطه معها علاقة عاطفية ,غرام وشواق وحب وهيام يلهب المشاعر والاحاسيس. اصبح بعضهم شاعرا وغيره امسى كاتبا مرموقا فيما بعد, ومنهم من اصبح رساما لا يشق له غبار.
امتهن اغلبهم المهن المؤججة بالمشاعر والاحاسيس كالكاتب والفنان والرسام والحلاق والخياط النسائي كل يبحث عن الذوق الرفيع والاحساس العالي بالمسؤولية والتهيؤ لتكوين اسرة اجتماعية وبالتالي ترك ظل خلفهم يشعرهم باستمرارية الوجود بعد مماتهم وهم بالتاكيد الاولاد من البنات والبنين.
منهم من تكللت علاقته بالزواج المشرف ومنهم من فشل في ذلك لتدخل العادات والتقاليد المجتمعية في امر علاقاتهم مع بعض, ومنهم من اشتهر بحبه ووله بفتاته حتى اصبح علما مشهورا في مجتمعه وغيرها الكثير من الافكار راودته وهو يستعيد ذكرياته جميعها منذ طفولته حتى بلوغه عامه الثلاثون.
يتبع...
فزاعة الحب  13
طارق فتحي

يا الهي ..!
كم اصبحت جميلة شابة يافعة ذات حسن وبهاء وانوثة طاغية طافحة بكل مقومات ملكات الجمال في العالم, شعرها الاشقر الذهبي تتمايل جذائله كلما التفتت يمينا او شمالا, خصلتان او ثلاثة من شعرها في مقدمة راسها تتدلى على جبينها ترفعه بين الفينة والاخرى في حركة غنج ودلال افقدت بها صوابه , تنهدها كلما طال بها المكوث امامه مع والدتها وبقية العائلة كادت ان توقف له نبضات قلبه . الهدوء والسكينة والوقار كلها علامات مميزة اتسمت بها عن جدارة وهي التي يعرفها وعائلتها عن كثب بشكل جيد.
تلك العينان الجميلتان الصفراوان الواسعتان المحدقتان في اللا شيء تحفزه  كثيرا للانقضاض عليها ضما وتقبيلا حتى لو بات الامر امام الجميع , كل ما يراه فيها يبعث على الجرأة والشجاعة لاقتحام حصونها المحمية وقلعتها الرصينة . من اين له الجرأة ليفعل كل ما يورد على خاطره وهو المعروف عنه بدماثة خلقه وحسن اخلاقه.
تبا لمجتمع لا يراعي المشاعر والاحاسيس والف تب , مجتمع يغلب عليه الطابع البدوي القبلي الذكوري مقيدا تصرفات ابنائه بالعادات والتقاليد البالية التي ما انزل الله بها من سلطان يتوارثونها اثراً عن اثر ابا عن جد حتى باتت مشوهة ملتوية محرفة عن مسارها الصحيح بتأويلات شيوخها وعلية القوم اغلبهم تسود فيهم الامية والجهل .
مع انه ابن العاصمة العراقية بغداد التي كانت منارا للعلم والتعلم الا انه ود  لو ولد في بلد متطور ترفل فيه الحرية في التعبير عن المشاعر والاحاسيس لكلا الجنسين امام الملأ, ماذا لو ولد في فرنسا مثلاً وقابل جميلة هناك, ماذا سيحصل يا ترى.؟
القى بنظره متفحصاً جميلة التي امامه فوجدها جميلة في كل شيء تعجب من نفسه لماذا هذا الاحساس العارم والطاغي على كل كيانه في مثل هذه الساعة؟ لماذا لم يشعر بها حين التقى بها لاول مرة في الباص مع والدتها قبل بضع سنوات خلت. تيقن عندها كم كان غبيا واحمقا وساذجاً, حمد الله وشكره كثيرا في سره انها لازالت فتاة لم تتزوج بعد, استرجع ذاكرته قليلا الى الوراء مستمعا جيدا لاقوال زوجة عمه التي غادرتهم من فترة قصيرة فوجدها كم هي صائبة في اقوالها .تيقن اخيرا من ان لا تعرف المرأة الا من قبل امرأة اخرى.
يتبع...
فزاعة الحب   14  
طارق فتحي

ود لو تكلم مع والدتها وعبر لها عن كبير حبه لابنتها وانه يروم الزواج بها في الحال وللتو لولا حيائه المعروف عنه منعه من تنفيذ رغباته, كل حركاته وسكناته واهاته وأناته كانت مراقبة ومحسوبة عليه من قبل شقيقته ووالدته حتى انتبه لنفسه اخيراً بانه اطال المكوث امام جميلة والعائلة وهو بمفرده على غير عادته.
قال في سره ربما اترك المجلس, انصرف فورا الى غرفته, ربما يدور بين النساء حديثا لا يجب ان يطرح اما الرجال, اقنع نفسه بهذا الامر وانصرف عنهم وهو مشغول البال لا يحسن كيف يتصرف وشعر انه تائه وسط صحراء العادات والتقاليد في مجتمع غريب الاطوار حيناً والعجيب احيانا.
بعد قليل لحقت به اخته في الطابق العلوي من المنزل واخبرته من تلقاء نفسها بامر خطبة جميلة  له  خصوصا وهي رأتها كيف تحدق به حال نهوضه وانصرافه (( كان لسان حالها يقول لا..لا.. ارجوك امكث معنا قليلا اني اود رؤياك امامي دائما اني احبك واعشقك من زمن لا تفعلها لا ترحل عني اتوسل اليك ابقى معنا قليلا لاكحل عيناي برؤياك, كم اتمنى ان تكون زوجا لي هذا كل امنيتي في الحياة, ثم تنهدت وازفرت كتنين يخرج النار من شدقيه ومنخريه )).
صفق سالم بحرارة لشقيقته  بعد ان صمتت عن الكلام فاخبرها انها ممكن ان تكون روائية او كاتبة جيدة في روايات العشق والغرام, نهض من مجلسه وطبع قبلة خفيفة على جبينها وشكرها على فكرتها التي طرحتها , ثم قال في معرض رده عليها انه لا مانع لديه من خطبتها ولكن المشكلة تكمن في اولاد عمومتها واخوالها فهم كثيرون يناهزون العشرون شخصاً من المؤهلين منهم للزواج. قالت لا عليك انت فقط وافق وسنتكتم على امر خطبتها عن عشيرتها خاصة وهم يسكنون في محافظة اخرى بعيدة عن بغداد. ولا علاقات جيدة مع اقاربهم الذين اهملوهم ولم يسالوا عنهم منذ زمن بعيد. انا وامنا  سوف سنتكلم مع امها سراً دون ان يعلم احداً فهي تحترم امنا كثيرا وتوقرها.
مر اسبوع واعقبه الاسبوع الثاني تم خلاله نسيان كل شيء بسبب المشاغل الحياتية واليومية للجميع. كعادته جالسا في حديقة منزله اذا باخته تتهادى عليه من بعيد على غير عادتها تاركة زوجها واطفالها في دارها البعيدة نسبيا وهي بمفردها في وقت غير مخصص للزيارة فاندهش وهو يراها حاثة الخطى نحوه حتى انه وقف على قدميه مستغربا الامر لعل امرا غير محمودا حصل لها او لعائلتها التقى بها وجلبها الى حديقته واجلسها امامه فوجدها دائمة الابتسامة وهي تكثر من الاشارة ففهم منها العبارة حتى التقطت انفاسها اخيرا مبشرة اياه بموافقة امها على الخطبة وكتمان الامر وانها أي اخته اتت للتو من بيت جميلة واخبرته ان جميلة كانت غير موجودة حيث كانت بصحبة اختها الكبرى الضيفة عندهم حيث تسكن في محافظة اخرى هي وزوجها واطفالها.
ارتعب سالم للامر وهو يصغي جيدا لكلام شقيقته حيث قال لها ما العمل الان, ردت عليه لا عليك سوف اتدبر الامر مع امنا وسنذهب سوية ونخطبها لك مبدئيا من امها والباقي يتكفل به الرزاق الكريم, وفعلا تم الامر وتمت خطبتها من امها, الا ان العادات والتقاليد كانا يحتمان خطبتها من قبل رب الاسرة واشهار الامر على الجميع. حدد مساء يوم الخميس للذهاب لخطبتها رسميا. وكان الاب والوالدة والشقية وبعض وجهاء القوم نفرا قليلا ذهبوا لخطبتها من اخيها الكبير كون ابيها توفاه الاجل منذ زمن بعيد.
وعلى احر من الجمر انتظر سالم عودة الخطابة والقاء البشارة عليه بالموافقة والتهيؤ لمستلزمات العرس وبالتالي الزواج من جميلته وتكوين اسرة غاية في الروعة والجمال وانه سيولدها الكثير من الاولاد والبنات الحلوين. وسيكون له شأن عظيم في مستقبلهما الزاهر خصوصا مع جهوزيته ماديا ومعنويا لمواجهة كل متطلبات عش الزوجية. وسرح سالم كما ذكرت لكم كعادته دائماً حتى تفاجأ بصراخ والده من خلف سياج حديقته الامر الذي اربكه كثيرا وهو يراه يزعق في المحلة لاول مرة في حياته على غير عادته, اخفى نفسه خلق الشجيرات كي لا يراه ابيه وهو مارا من امام حديقته ونجح في اخفاء نفسه دون ان يتنبه له الوالد.
اتضح ان اخيها الكبير المشهور بحدة طبعه ومزاجه المتقلب لم يوافق على طلباتهم وطرد جميع الحضور شر طردة . مر مساء يوم حزين على سالم وذويه. تناهت الى اسماعه تهديدات اخوتها له, كل بطريقته الخاصة. كتم سالم امره وهو يتجرع الهم والغم غير المتوقعين بتاتا بكل صبر وأنائه ,ضاقت به الدنيا على ما رحبت, بعد مرور يومان وهو متفكرا في صومعته بالسفر خارج البلاد والخلاص من هذا البلاء الذي امتحن به عله يجد اسباب العيش الرغيد والطمأنينة والسلام.
اتاه من يخبره ان الاخ الاكبر لجميلة شوهد مسرعا حاث الخطى باتجاه دار سالم وهو يهتز كالسعفة في مهب الريح, واوجس سالم بداية الامر خيفة منه ولامر قد لا يحمد عقباه . سارع الى التقاط عصى غليظة ملقاة مصادفه في المكان اركنها خلف مقعده تحسباً لما قد يحصل في الدقائق القليلة القادمة. بينما هو على هذا الحال اذا بالاخ الاكبر يقتحم عليه باب صومعته بقوة وبعصبية بادية للعيان, نهض سالم بسرعة من مجلسه متحفزاً بانتظار ما سيحصل خلال الثواني القادمة حتى يصل اليه والاخ الاكبر يرعد ويبرق ويصرخ بكلام لم يفهم سالم جله.
اشار سالم بيديه الى المقعد المقابل له ليجلسا سوية ويتفاهمان الا ان الاخ ابى ذلك وهو يعنف سالم بشدة . سالم ما خطبك يا اخي ا ن امي وابي دخلوا داركم من الباب وخطبوا البنت التي هم يرغبون بها لتكون زوجة لولدهم وعلى سنة الله ورسوله كما يقول المثل الدارج عندنا فان وافقت فبها. وان لم توافق فالبنت في امثالنا الشعبية كالجسر يمر عليها الكثير من الخطابة والامر برمته كما تقول جدتي قسمة ونصيب .
انتصب الاخ على قدميه بصورة مفاجئة بينما كانت اصابع يد سالم اليمنى تلامس عصاه الغليضة, صرخ به يا اخي لماذا ترسل امك وابيك لخطبة الفتاة ما هذا التخلف وكيف اعلم انك تريدها انت لنفسك وحسب رغبتك, لا بحسب رغبة امك وابيك , اني اريد ان اتأكد هل ترغب بها ولماذا لم تاتي مع الجميع الم نكن صديقين مقربين منذ زمن وانت مشهود لك بالعقل والتعقل.
تنفس سالم الصعداء اذ عرف نية صديقه الحميم وافلت يده من عصاه دون ان يلاحظه احد , رد عليه اما سبب عدم قدومي معهم هو غلبة حيائي منك. اما عن رغبتي بها فاعلم اني ارغب بها بشدة ويكفي انها اختك. طيب ما دخل امك وابيك بالموضوع كان يفترض ان تاتي انت لوحدك وتخطبها مني لترى بعينيك ردة فعلي تجاهك ايها الصديق الصدوق. الم اقل لك انها العادات والتقاليد وجريا مع الماثور والمنقول منذ ازمنة بعيدة, يا لعجبي عليك صديقي وانت المثقف الواعي ومحط حسد كل اصدقائنا تتكلم كبدوي ترجل للتوعن بعيره.
ما علينا انا وهبتك اختي اكراما لك ولعائلتك الطيبة بشرط ان لا تصرف على التجهيزات واللوازم جريا وراء العادات والتقاليد وانت تعلم تمردي على المجتمع قبل غيرك. واذا ما علمت انك كلفت نفسك باي مصروف سوف ابطل الخطبة وانهي الموضوع فوافقه على ذلك . خرج الاخ مسرعا مغاضبا مثل ما دخل نهض من فوره ليبشر والدته بالخبر. تقبلت الامر على غير عادتها وعبثا حاول ان يفهمها سبب طرده لهم ومجيئه اليه ليشرح موقفه ونيته في تصرفه فلم يفلح.
دبت الحماسة في جسده من جديد وارتدي ملابسه على عجل حاث الخطى نحو دار شقيقته الكبرى. وما ان بشرها بالخبر السار حتى انهالت عليه تقبيلاً مهنئة تاره ومتعجبة تارة اخرى وبالكاد اوصل لها الفكرة وما حصل للجميع . تفهمت الامر وقالت لا عليك انا سوف اتكلم مع والدتنا غداً وسيكون كل شيء على احسن ما يرام فلا تخشى دركا اخي الحبيب.
في صباح اليوم التالي اتت شقيقته مسرعة دخلت على  امها في المطبخ وبدأت المحاورة بينهما تارة يعلو صوتها وتارة اخرى يعلو صوت امه. خرج سالم مسرعا من البيت ليبري نفسه مع علمه انه امر دبر بليل. وتم اقناع الوالدة بعد جهد جهيد . حيث اوكلت الامر وفوضته الى والد سالم. مر اسبوعان او ثلاثة حتى تمكنت والدة سالم من اخبار ابيه بالامر. الا ان الاب رفض الفكرة برمتها واصر على غلق موضوع الخطبة لا من هذه الفتاة وحسب بل من كل فتيات العالم.
مرت شهور عدة توعكت خلالها صحة والد سالم مما استوجب ادخاله مشفى خصوصي  لاجراء عملية ازالة احد كليته لعطب فيها. رقد يومان وحسب ثم عاد الى فراش مرضه في داره. تقاطر عليه الاصدقاء والخلان والمعارف لتهنئته بنجاح العملية داعين له موفور الصحة والعافية, صادف من جملة الحضور رجل كبير في السن تاجر مرموق معروف لدى الجميع استطاعوا بعد جهد قليل ان يحيطوا بوالد سالم بعد ان انفض اغلب الناس من حولهم . الوالد ومختار المحلة والتاجر الكبير واثنان من علية القوم مكثوا عنده لم يغادروه.
صادف ان اتت ام جميلة بصحبة ابنتها الجميلة جميلة لتبارك له وتهنئه بالسلامة. فغر التاجر الكبير فاه عند رؤيته لجميلة وحال انصراف الام وابنتها همس التاجر في اذن الوالد انه يروم خطبة هذه الفتاة لنجله التاجر الميسور وهو مستعد بكل التكاليف وتوفير دار سكن لها ولابنه وان ارادت يسجل الدار باسم جميلة زيادة في الاطمئنان على شرط الموافقة فوراً. تدخل كل من المختار وبقية القوم بالموافقة على راي التاجر الكبير وانهم شهود عليه.
انبرى والد سالم في الحديث معتذرا عن الامر كون الفتاة خطيبة ولده سالم تم خطبتهت بتكتم قبل شهر تقريباً . اعتذر التاجر الكبير من الوالد بشدة وانقده بشيك مصرفي هدية منه على سلامته بانتظار عودته قريبا للعمل معهم في التجارة, فرح والد سالم بالشيك فقد اضاف له رصيد مادي اضافة الى رصيد لاباس به لتغطية نفقات زواج ولده سالم.
كانت المفاجئة كبيرة لجميع العائلة بعد حضورهم في عصر اليوم الثاني بموافقة الوالد على خطبة الفتاة نفسها بالذات بعد ان رأها لاول مرة واعجب بها وافتن بحسن خلقها وخلقتها. اطلقت الشقيقة زغرودة كاد صداها ان يصل الى دار جميلة. وعمت الفرحة على الجميع . مع ا ن اهل المحلة والجيران اعتقدوا ان هذه الزغاريد بسبب نجاح عملية الوالد وعودته لعائلته بسلام وصحة جيدة, الا ان الامر لم يكن يبدوا كما كان يعتقد الجيران واهل المحلة.
تمت خطبة جميلة من قبل عائلة سالم وحسب حيث ذهب الاب والام والشقيقة الكبرى لحالهم ولم يكن معهم احدأ غيرهم. علل اخيها موقفه تجاههم في المرة الاولى التي قابلهم فيها, قبل والد سالم اعتذاره والغصة في حلقه مع انه لا يريد ان يفوت جميلة لولده سالم. بدأت التجهيزات تجري على قدم وساق لمدة اسبوعين اخرين حيث زفت جميلة الى سالم. دون علم من عشيرتها واولاد عمومتها بعد اسبوعين من التحضيرات للامر ومر كل شيء بسلام.
اصبح زواجهما مثار مفاجئة ودهشة لاصدقاء سالم لعلمهم بعزوفه عن الزواج والارتكان في صومعته غالب الاوقات واعتكافه للصلاة والدعاء ليلا ونهارا تقربا الى الله سبحانه وتعالى. ولكن بات الامر سنة الله في خلقه, ابتسم الحظ كثيرا لسالم وتغير مجرى حياته نحو الافضل اولد منها البنين والبنات, كانوا غاية في الحسن الجمال كأمهما وابيهما اشتهروا في ما بعد بالايمان الصادق.
تحققت اغلب اماني سالم واحلامه الوردية وغيرها من نبؤاته التي كان يزفها لاقرانه من الشباب بين مصدقا به ومكذباً, ابتنى له دارا فسيحة في اطراف بغداد وتملك سيارته الخاصة. بدأت الايام الذهبية تنزلق من ايديهم رويدا رويدا حتى بدأ العد التنازلي في دخول البلاد في حروب ضروس استمرت سنين عدة خرج منها سالم سالماً لم يصبه منها أي مكروه وكادت البلاد تسترجع انفاسها حتى دخلت في حرب ثانية مع جارتها وهنا كانت القشة التي قصمت ظهر البعير حيث تم فرض حصارا امميا على البلاد برمتها استمر اكثر من عقد من الزمن. نال منه المجتمع العراقي الشيء الكثير , ظهرت فيه طبقة جديدة من المجتمع متمثلة بالايتام والارامل وضاعت مقاييس الفضيلة وتبدلت احوال البلاد اوحالاً.
الغيت الطبقة المتوسطة من ابناء المجتمع العراقي حيث اصبح غالبية الشعب من الفقراء والمساكين وتركزت الثروة بيد نفر قليل من حاشية البلاط وغيرهم من المحسوبين على السلطان. هاجر سالم الى دول الخليج العربي ليجد له فرصة عمل شريفة هروباً من هذا الكم الهائل من الكذب والخداع والغش في المشاعر الانسانية حيث بات الجميع كالذئاب الجائعة تنهش بعضها لحم بعض عياناً جهاراً ليلاً ونهاراً. وهي بالتاكيد افرازات الروب التي خاضها العراق مع دول الجوار دون مبرر مقنع يذكر من غير حساب افرازات هذه الحروب والمعارك على المجتمع العراقي ككل في المستقبل المنظور القريب منه والبعيد.
مكث في دولة خليجية لمدة عام كامل حينها ارعبته الاخبار العالمية من ان حرباً اممياً ستقع قريباً تحرق الاخضر واليابس في العراق وتأكد لديه بما لايقبل الشك فيه ان هذه الحرب واقعة لا محالة بحدسه الذي قلما يخيب . ترك عمله وقفل عائدا الى بلده لانقاذ اسرته وجميلته ما قد يحصل  لهما في قادم الايام وربما الشهور. وما ان حط رحاله في بغداد الحبيبة حتى مرت شهور قليلة حينها اشرفت الحرب الاممية العراقية قاب قوسين او ادني للوقوع . وفعلاً صح حدسه اذ بز الشيطان بقرنيه وكان يا مكان من ابريل نيسان الاسود من العام 2003 باحتلال بغداد رمز العراق الخالد وسقوطها بيد الساقطين الذين تولوا الحكم فيها بامرة اسيادهم المحتلين الجدد , واصبحت هذه الامة العريقة في تاريخها وحضارتها مثار تندر واستهزاء واستهجان من قبل جميع دول العالم طبقاُ لمقولة يا امة ضحكت من جهلها الامم.
انقطعت اخبار سالم وجميلة واولادهما عن الاصدقاء وابناء المحلة بعد ان ارتحل وعائلته الى بعض دول المهجر وعلم مؤخراً انه لازال على قيد الحياة وجميلته واولاده جميعاً. بعد ان تفرقت هذه الاسرة في بلاد الله امسيا الان عجوزين كبيرين الا ان مسحة الجمال والحب بينهما لم يغادر احدهما بتاتاً ولغاية يومنا هذا. وبات الحب بينهما اقوى مما كان عليهما ايام الصبا والشباب واخيراً انتصر الحب وكسرت رباعية فزاعته ...
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى