مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* محكمة الشعب - اول حادث اغتيال سياسي - الملك فيصل اول ملوك العراق - ذطريات مطوية.

اذهب الى الأسفل

* محكمة الشعب - اول حادث اغتيال سياسي - الملك فيصل اول ملوك العراق - ذطريات مطوية. Empty * محكمة الشعب - اول حادث اغتيال سياسي - الملك فيصل اول ملوك العراق - ذطريات مطوية.

مُساهمة  طارق فتحي السبت يوليو 23, 2011 5:07 pm

المحكمة العسكرية الخاصة أسست عام 1958 بأمر من الزعيم عبد الكريم قاسم
مُساهمة  طارق فتحي في الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 19:07

محكمة الشعب 1958
ويطلق عليها ايضا محكمة الشعب واسمها الرسمي، المحكمة العسكرية العليا الخاصة، وهي محكمة اسست عام 1958، بعد ثورة تموز مباشرة بأمر من الزعيم عبد الكريم قاسم بموجب المرسوم الجمهوري المرقم (18) والمؤرخ في 25/7/1958، المعدل في المرسوم الجمهوري المرقم (164) والمؤرخ في 15/8/1958.
وقد تم تعيين العقيد فاضل عباس المهداوي رئيساً لها وعضوية كل من المقدم حسين خضير الدوري والمقدم فتاح سعيد الشالي والمقدم شاكر محمود السلام والرئيس الاول (الرائد) ابراهيم عباس اللامي والرئيس الاول (الرائد) كامل الشماع كعضو احتياط، وكان المدعى العام العقيد ماجد محمد امين.
وقد تشكلت لجنة التحقيق من المقدم الحقوقي نور الدين الوّنه رئيسا واحمد العبيدي عضوا والملازم عبد الهادي سلمان عضوا وعبد الستار ناجي عضوا وخالد عبد الرزاق الهاشمي عاملا في هيئة التحقيق.
الغرض الاساسي من تشكيل المحكمة كان لمحاكمة رجال العهد الملكي
وكان الغرض من تشكل تلك المحكمة هو محاكمة المسؤولين في النظام الملكي، وكانت جلساتها تعقد في قاعة الشعب في منطقة الباب المعظم قرب مبنى وزارة الدفاع في بغداد. وكانت وقائعها تنقل عبر التلفزيون والاذاعة، حيث استمرت جلساتها برئاسة فاضل عباس المهداوي حتى سقوط نظام الزعيم عبد الكريم قاسم عام 1963.
هذه المحكمة شهدت محاكمة رجال العهد الملكي، حيث ابتدأت جلساتها لمحاكمة الفريق الركن غازي الداغستاني قائد الفرقة الثالثة وصدر عليه الحكم بالاعدام مع تسعة ضباط آخرين ثم خفف الحكم لاحقاً، ثم تمت محاكمة فاضل الجمالي وهكذا توالت محاكمات العسكريين والمدنيين من المحسوبين على النظام الملكي. كذلك تمت محاكمة عناصر حركة الشواف الذي قام بالتمرد على الحكومة في الموصل، وكذلك رشيد عالي الكيلاني الذي اتهم بالتآمر على نظام السلطة الوطنية.
وقامت المحكمة بمحاكمة الرجل الثاني في ثورة تموز عبد السلام محمد عارف بتهمة الاتصال بجهات عربية والشروع بقلب نظام الحكم،
ثم قامت المحكمة بوضع القوميين والبعثيين في قفص الاتهام من الذين شاركوا في العملية الفاشلة لاغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم في شارع الرشيد.
ويروي المهندس «رواء» وهو ابن العقيد ماجد محمد امين المدعي العام في محكمة الشعب، ان والده اصر على تطبيق حكم المحكمة الصادر بحق عبد السلام عارف لاتهامه بالخيانة العظمى، الا ان عبد الكريم قاسم طلب تخفيف الحكم من الاعدام الى السجن المؤبد وقد حدث ذلك بعد جلسة المداولة التي دارت بين رئيس المحكمة فاضل المهداوي وماجد محمد امين المدعي العام، وامام اصرار امين على تنفيذ الحكم، اضطر المهداوي الى الاتصال بعبد الكريم قاسم، واخباره بالامر ((وعندما طلب الزعيم من والدي –كما يقول رواء- تخفيف عقوبة الاعدام عن عبد السلام رفض ذلك قائلا ان هذا الشخص سيكون اول من يتآمر عليك ولذلك ارجو قبول استقالتي فخفف الحكم عن عبد السلام عارف بالسجن بدلا من الاعدام، ولم يكن والدي حاضراً لحظتها في قاعة المحكمة، وبقي جليس المنزل لمدة اسبوعين)) ويذكر (رواء) ان عبد الكريم قاسم وعلى اثر ذلك زارهم في المنزل ليطلب من والده العودة الى المحكمة، وفعلا تم ذلك تقديرا للزعيم ومكانته الكبيرة.
وقد كانت جلسات المحكمة تعرض مساء كل يوم عبر الاذاعة والتلفزيون، الا ان جماهير غفيرة من كل شرائح وقطاعات المجتمع العراقي كانت ترغب في الحضور الى قاعة الشعب لمتابعة سير الوقائع، وبما ان عدد المقاعد كان محدوداً داخل القاعة، فانه كان يتعين على الراغبين بالحضور، ان يأتوا قبل يوم من موعد الجلسة ليتسنى لهم الحصول على تذكرة الدخول.
الدعاية المصرية
ولم تحضَ المحكمة بسمعة حسنة في اوساط الاعلام العربي، والسبب في ذلك الدعاية المصرية الناصرية والتي كانت تهيمن بشكل كامل على المنطقة العربية، بما تمتلكه من امكانيات هائلة في تلك الفترة حيث كان عبد الناصر يساند القوميين والبعثيين.
وقد كشف بشكل واضح عن عدائه وكرهه للسلطة الوطنية في العراق وحاول تجنيد فضلا عن وسائل اعلامه، اجهزته الاستخبارية، وعلاقاته السياسية لاجل اسقاط نظام الحكم في العراق.
وكان عبد الكريم قاسم قد نأى بنفسه بعيدا عن اوهام الوحدة العربية وسعى نحو بناء المجتمع العراقي واعمار مدنه واصلاح اراضيه الزراعية.
ان الجوانب التي كان الاعلام العربي الخاضع للدعاية المصرية يعتبرها من ضمن سلبيات المحكمة، هي تلك الطريقة التي كان المهداوي يحاكم فيها المتهمين فقد كان يلقي الطرائف والنكات والقصائد ويحكي القصص والامثال محاولا السخرية من المتهمين وسط هتافات الجمهور وصيحاته .
وقد يعترض الكثيرون على هذا الاسلوب والذي يبدو وكأنه مسرحية، او هو اقرب الى التهريج الذي لايليق بالمحكمة والقضاء، الا انه من الواضح ان غالبية ابناء الشعب العراقي كانت تقف بصف المحكمة وتشجع اعمالها وتبدي اعجابها الشديد برئيسها فاضل المهداوي، وبجرأته وذكائه في انتزاع اعترافات المتهمين.

سلبيات وايجابيات
وقد كان العديد من المؤرخين العراقيين اشاروا الى سلبيات وخروقات قانونية كانت تقوم بها المحكمة، مما يخل بهيبة القضاء، وكان يفترض حسبما يقولون ان يكون رئيس المحكمة محايداً، ولايكيل الشتائم للمتهمين بدون ان تتم ادانتهم بشكل قانوني.
الا ان هناك من يعتبر ان الاخطاء التي وقع بها المهداوي لم تكن سوى رد فعل لمواقف وافعال القوى المضادة للجمهورية وزعيمهاعبد الكريم قاسم، وكان المهداوي مدفوعا بحبه للثورة ومحاولة الحفاظ على مكتسباتها التي يتربص بها المتربصون.
ولابد ان لكل انسان سلبياته وايجابياته، ومن المؤكد ان للمهداوي مواقف تسجل ضده، ولكن بالمقابل فان له ايجابياته الكثيرة وخصوصا المحكمة الشهيرة التي عرفت باسمه، فيعتقد الكثيرون انها ساهمت بشكل كبير واساسي في ردع المتآمرين على الثورة من خلال محاولاتهم المستمرة في القضاء عليها.
كما انه لايمكن بأي حال من الاحوال انكار شفافية محكمة الشعب فهي لم تكن سرية على الاطلاق وكانت تبث وقائع جلساتها على الملأ، كما اعطي الحق للمتهمين في الدفاع عن انفسهم وتوكيل المحامين، ثم ان المحكمة قد برأت الكثير من المتهمين وافرجت عنهم.
ويبقى امر مناقشة اسباب تشكيل محكمة عسكرية بدلا من المحاكم المدنية، وعدم الالتفات في ذلك الى الناحية القانونية نقطة سلبية (منهم من يبررها بظروف الوضع الراهن) مع ان القضاء العراقي المدني كان مؤهلا لاجراء مثل هذه المحاكمات.
ويبدو ان المهداوي قد دخل هذه اللعبة وهو عارف بابعادها ونتائجها ومؤمناً اشد الايمان بما كان يقوم به فأصر على الاستمرار في المسير رغم المصاعب والمشاكل والدعايات، فأخطأ في جوانب ومواقف واصاب في اخرى، لكنه مع ذلك كان عراقياً وطنياً ومخلصا لمبادئ الثورة التي كان احد ضباطها الاحرار.
وتذكر المصادر( رغم مانشر عنه خصومه ) ان فاضل عباس المهداوي كان ضابطا نزيها وقد تضمنت اضبارته في وزارة الدفاع ما يشير الى نظافة سلوكه الوظيفي والشخصي. وتفانيه في مسلكه العسكري، كما عرف عنه سرعة البديهة وحبه للطرائف، ولم تسجل عليه نقطة تدل على تعلقه بالمال او حبه للاثراء، ولم يوافق على تقديم طلب للحصول على قطعة أرض مثل باقي الضباط من الامرين، وكان يقول بأن زوجته تملك دارا آلت اليها ارثاً من اهلها، وليس له حاجة بدار اخرى.

نبذة عن حياة فاضل عباس المهداوي
ولد فاضل عباس المهداوي في بغداد عام 1915، وقد اهله معدله للدخول في الجامعة الا انه آثر الانخراط في الكلية العسكرية لما فيها من بريق يغري الشباب بالدخول اليها. وقد تخرج في الكلية العسكرية في عام 1939، ليتدرج في المناصب العسكرية المختلفة، فأصبح آمر فصيل في الفوج الثاني لواء بغداد الاول، وشارك في حركة مايس ثم في حرب فلسطين 1948، وكان يرتبط بعلاقة خاصة مع عبد الكريم قاسم فهو ابن خالته، بالاضافة الى توجهاتهما السياسية المتقاربة كذلك توجهاتهما الاجتماعية، حيث كانوا قريبين من الطبقات الاجتماعية الفقيرة، عكس الضباط المنحدرين من العوائل المعروفة والثرية، وتذكر (نضال) ابنة المهداوي في لقاء معها «لقد تفتحت ذاكرتي على والدي وهو ضابط في معسكر المسيب، وكان ودوداً له اصدقاء من الضباط والمدنيين وكثيراً ما كانوا يأتون لزيارته في المنزل المطل على النهر» وتذكر ايضا «ان عبد الكريم قاسم كان دائم الاتصال بوالدي حينما كنا نسكن في المسيب حيث يذهب والدي الى زيارته في بغداد، وعندما كانا يلتقيان، يجلسان لوحدهما، ويتحدثان في امور تخص العراق... هكذا يقول والدي».

مقتل المهداوي
وقد وقف المهداوي الى جانب الزعيم عبد الكريم قاسم في مختلف مراحل الثورة، حتى انه اصبح الصوت المتحدث باسمه من خلال مرافعات (محكمة الشعب) وانتهازه لتلك الفرصة للنيل من الدول التي كانت تتآمر على العراق وسلطته الوطنية.
وكان من المألوف ان ترفع صور المهداوي الى جانب صور عبد الكريم قاسم من قبل الجماهير في الشوارع والساحات العامة.
والمهداوي قاتل حتى اللحظات الاخيرة مع رفيقه عبد الكريم قاسم حيث التحق به في مقر الوزارة، بعدما كان خارجها اثناء وقوع الانقلاب( أنقلاب 8 شباط عام 1963)، ولم ينسحب اثناء الليل مثلما فعل الكثير من الضباط بعد ان طلب منهم قاسم ذلك بل ثبت باصرار الى ان قتل دون محاكمة، على يد الانقلابيين الذين كانوا يتذللون له بخضوع اثناء مثولهم امامه في محكمة الشعب، امثال عبد السلام عارف واحمد حسن البكر. تلك المحكمة التي اشتهرت باسمه، اكثر مما اشتهر هو باسمها.
وهكذا شغل العقيد فاضل عباس المهداوي حيزّاً من تاريخ العراق السياسي وكان مثار نقاش وجدل بين اوساط السياسيين في العراق وخارجه، مثلما شغلت محكمته (محكمة الشعب) ذلك الحيّز، ولازال الجدل والانقسام يدور حولها الى الآن.

** تعقيب
رغم تحيز المحكمة ورئيسها المرحوم فاضل عباس المهداوي لقضايا الشعب الوطنية غير ان العديد من الممارسات غير المنضبطة والتعليقات المرتجلة التي كانت تصدر منه أعطت ذرائع للجهات المتحاملة على المحكمة وللطعن بثورة 14 تموز . كما ان العديد من المتهمين لم يكونوا خونة بالمقاييس التي سيق الأتهام لهم . فبعضهم كانوا يتصرفون بقناعات وطنية وبوضع كان يتلائم مع النظام الملكي أنذاك . وقد جرت تقييمات كثيرة للمحكمة توصلت الى ان الدافع الوطني والأخلاص لايكفي أذا لم يقترن بروح التسامح وعدم الأنتقام في تحقيق العدالة القضائية ورغم ذلك فلقد ظل تشكيل المحكمة لمحاكمة رموز العهد الملكي وكما اطلق عليها محكمة الشعب ومن ثم ـ محكمة المهداوي ـ من ابرز القرارات الحكومية لثورة 14 تموز عام 1958)

اول حادث اغتيال سياسي
تشهده بغداد تسجله الحكومة ضد مجهول عام 1924م
في مساء يوم الجمعة المصادف 22 شباط من عام 1924 جرت في بغداد اول عملية اغتيال سياسي في تاريخ العراق الحديث.
اذ بينما كان السيد توفيق الخالدي متوجها الى داره سيراً في احد ازقة محلة جديد حسن باشا اعترضه شخص مجهول واطلق عليه اربع عيارات نارية اردته قتيلا في الحال وعند وصول الشرطة الى محل الحادث ومشاهدة المجني عليه تقرر نقله لى المستشفى لاجراء الكشف الطبي عليه .
وبعد اتخاذ الاجراءات المطلوبة تبين ان الجاني اطلق عياراته من الخلف فاخترقت ظهرالمجني عليه ومزقت قلبه وقضت عليه في الحال وان الاطلاقات كانت من عيار 9 ملم ولم يعلن عن الحادث الا بعد مرور يومين على أمل العثور على الفاعل .
ولكن جهود التحقيق ذهبت سدى ولم يلق القبض على الجاني وسجل الحادث ضد مجهول.

تركي الهوى.. جمهوري النزعة
اما المغدور السيد توفيق الخالدي فقد كان شخصية معروفة لدى الاوساط البغدادية بثقافته العالية وسعة اطلاعه يتكلم الانكليزية والفرنسية والتركية وكان ضابطا في الجيش العثماني ثم اختير نائبا في مجلس المبعوثان عن ولاية بغداد وقد عاد الى العراق بعد سقوط الدولة العثمانية واشيع في حينه انه كان تركي الهوى جموري النزعة.
و رغم صلته القوية بالمندوب السامي البريطاني في بغداد مما الب عليه أعوان الملك فيصل الاول فاخذوا يكيدون له المكائد وقد ادى ذلك الى حرمانه من التمتع بالمنصب الوزاري عندما شكل السيد عبد الرحمن النقيب اول وزارة في تاريخ العراق الحديث في شهر تشرين الاول من عام 1920 ويقال ان السير برسي كوكس طلب اسناد وزارة الداخلية الى الخالدي لكن الملك فيصل الاول عارض ذلك واكتفى بتعيينه بمنصب متصرف لواء بغداد (محافظ).
وعندما شكل النقيب وزارته الثانية في ايلول عام 1921 ظل الخالدي خارج الوزارة رغم ميل الانكليز له ولكن الفرصة حانت مندما استقال خمسة وزراء لخلافهم مع الملك فيصل كان من بينهم وزير الداحلية فاسند المنصب الى توفيق الخالدي في 1 نيسان 1922 لكنه لم يستمر في منصبه سوى اربعة اشهر فقط بعد ان قدم استقالته الى رئيس الوزراء في 3 اب قائلا لرئيس الوزراء (اني رأيت منذ عشرة ايام ظهور علائم الوهن في المملكة المتسبب في عدم اتساق العلامات والمؤدي الى مشاغبة المتطرفين)
وما لبثت الوزارة ان استقالت برمتها فعهد الملك الى عبد الرحمن النقيب بتشكيلها للمرة الثالثة وتم ذلك في 20 ايلول عام 1922 وعهدهذه المرة بوزارة العدلية الى توفيق الخالدي وعندما استقالت هذه الوزارة في 16 تشرين الثاني عام 1922 لم يتبوا الخالدي اي منصب وزاري الى يوم مقتله.
نظرا للعلاقة غير المودية التي كانت تربط توفيق الخالدي بالملك فيصل الاولفقد اشيع في حينه ان الملك اصابه الهلع من الصلة الوثيقة التي كانت تتنامى باضطراد بين توفيق الخالدي وبرسي كوكس فادلى بمخاوفه الى جعفر العسكري (رئيس الوزراء) و(نوري السعيد) وزير الدفاع واتفق الثلاثة على وجوب التخلص من الخالدي وتولي نوري السعيد مسؤولية التنفيذ فاتفق مع كل من شاكر القره غولي وعبد الله على افتراف الجريمة التي تمت مساء يوم 22 شباط 1924 .
وكان لتستر الحكومة على ملابسات الحادث اثر كبير في ترويج مثل هذه الاشاعة وهكذا سجل اول حادث اغتيال سياسي في تاريخ العراق الحديث ضد مجهول واغلق التحقيق.

آخر ليلة في حياة الملك فيصل الأول
حكمَ الملك فيصل العراق مدة 12 سنة (1921 - 1933) واثناء حكمه كان على خلاف مع نوري السعيد وعبدالمحسن السعدون.
بدأ خلافه مع نوري السعيد عندما شكل نوري اول وزارة له عام 1930 واخذ يتصرف كمركز قوة بديلة عن الملك، وعند قيام الاضراب العام عام 1931 اشتد الخلاف بينهما بسبب وقوف نوري السعيد الى جانب مزاحم الباجه جي وزير الداخلية ووكيل رئيس الوزراء ضده.
يضاف الى ذلك موقف نوري السعيد من زيادة تعداد الجيش ما ادى الى طرده وتعيين رشيد عالي الكيلاني مكانه وهو من الدّ خصومه.
كان الملك فيصل واعياً لحاجات العراق متفهماً لواقعه ومدركاً للعقبات التي كانت تواجهه في تحقيق النهضة التي كان يصبو اليها. ولم يكتف فيصل بطرح الافكار بل حاول وضعها موضع التنفيذ، فراح يمارس الضغط على شركات النفط للتخلي عن سياسة المماطلة والتسويف في استثمار النفط واخراجه الى الاسواق العالمية للحصول على المبالغ اللازمة لتنفيذ المشاريع التي تحتاج اليها البلاد، ما ادى الى تصادمه مع الحكومة البريطانية التي كانت تدعم"شركة نفط العراق". كما حاول الملك تعديل المعاهدة مع الحكومة البريطانية التي وقعّت عام 1922 لأنها مجحفة بحق العراق كما كانت تعتبرها الحركة الوطنية. ولكن شاءت الاقدار ألا يحقق الملك فيصل امنياته تلك، اذ وافته المنية بعد سنة.
ففي الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة يوم الخميس في السابع من ايلول 1933 استدعى الملك ممرضته وأمرها بأن تدعو حاشيته للحضور حالاً. فصعد اليه شقيقه الملك علي، ونوري السعيد، ورستم حيدر، وتحسين قدري، ووجدوه يلفظ انفاسه الاخيرة.
وفي الساعة 11،45 فاه بهذه الكلمات: "انا مرتاح، قمت بواجبي، خدمت الأمة بكل قواي، ليسر الشعب بعدي بقوة واتحاد”. هكذا رحل الملك فيصل الاول الذي كان أمل الامة العربية .
رحل في الغربة حيث كان يستشفي في مدينة بيرن السويسرية في فندق (بيل فو).
لقد توفي الملك فيصل الاول ولكن هل كانت وفاته بنوبة قلبية؟ يروي موسى محمود الشهبندر الذي كان احد اعضاء الوفد المرافق للملك ساعاته الاخيرة، فيقول: ((بعد العشاء كان الجميع مجتمعين حسب العادة، في بهو الفندق، وكان الملك علي يتحدث مع الامير شكيب ارسلان في احدى زوايا البهو، في الوقت الذي انشغل فيه الملك فيصل الأول وعادل ارسلان في حديث عميق، اما بقية اعضاء الحاشية فقد كانوا منشغلين بمتابعة مباراة بكرة المنضدة (اي كرة الطاولة) بين سيدة انكليزية واحد رجال الوفد.
في هذه اللحظة نادى فيصل على موسى الشهبندر، وقال له: تعال يا ابا شرارة - يقصد موسى - قل الحق من اكبر انا ام عادل؟ وقبل ان يرد الشهبندر، واصل الملك كلامه. عادل كان مبعوثا عندما كنت انا لم ازل ادرس في اسطنبول... قل بالله عليك من اكبر هو ام انا؟ وبالفطنة والذكاء اللذين عرف بهما الشهبندر، اجاب: جلالتك اكبر، وان كان الامير عادل قد ولد قبلك. وهناك ادرك فيصل نباهة الشهبندر وحسن اجابته فضحك فرحا كالطفل)). وبعد ساعات مات الملك فيصل.
تعددت الروايات حول وفاة الملك. تذكر احداها ان الممرضة البريطانية الليدي باجيت شاهدته يوم وفاته بعد عودته من نزهة بالسيارة، وهي تعتقد انه كان بصحة جيدة، وكانت الساعة تشير الى السادسة مساء، وكانت ترافقه امرأة هندية جميلة المظهر، وكذلك اخوها الطبيب، ولم تتأكد (الليدي) من كان مع الملك عند تناوله الشاي، وفي الساعة السابعة شعر بعطش شديد فأعطي شيئا ليشربه فتقيأ بشدة.
سرت شائعة بأن الملك مات مسموما بمادة الزرنيخ. ويبقى السؤال: أ مات ميتة طبيعية ام قتل بمؤامرة دبرت له؟
الدكتور كوفر المشرف على صحة الملك لم يتخذ الاجراءات لفحص القيء، كما كان يجب ان يفعل لمعرفة فيما اذا كان فيه سم.
كان ثلاثة اطباء سويسريين مشهورين قد اجروا فحوصات للملك قبل وفاته بيومين واكدوا ان قلبه لا يعاني من شيء خطر.كذلك لم يجر تشريح دقيق للجثة لمعرفة اسباب الوفاة بل جرى تحنيطها بسرعة.
كان الملك قد صرح لمراسل جريدة "الديلي ميل" في بيرن انه جاء لإجراء فحوص سنوية طبية، أي انه لم يأت للعلاج من مرض معين. تشير الحقائق الطبية الى ان المصاب بالتسمم بالزرنيخ المذاب بالشاي والحليب يشعر عادة بعطش شديد ودوار وألم شديد في المعدة، مع تقيؤ يعقبه هواء، اي تقيؤ من معدة فارغة، وقد تسبب حالة التسمم هذه عجزا في القلب، ما يرجح فرضية ان يكون السم قد دسّ في الشاالذي شربه الملك قبل ساعات.

هناك من يتهم المرأة الهندية (المس) بابس بافري التي كانت مع شقيقها الدكتور جال بافري في ضيافة الملك هي التي دست السم او شاركت في ذلك. والذي يرجح ان سبب الوفاة مفتعل ان رئيس التشريفات الملكية قال: "ان فيصل قد قتل" ولكنه لم يدرك من هو القاتل! وهناك من يتهم نوري السعيد الذي امر بتحنيط جثة الملك ونقلها بسرعة الى العراق.وهناك روايات اخرى.
يلخص ناصر الدين النشاشيبي في كتابه "نساء من الشرق الاوسط" سبب وفاة الملك فيصل،فيقول: ((هناك فتاة يهودية مصرية باسم فيكي او (فيكتوريا حكيم) تسكن في منطقة المعادي بالقاهرة وتجيد التحدث بأكثر من لغة اجنبية (الانكليزية والفرنسية، والايطالية) كما تجيد لعبة البريدج.وكانت فيكي وعائلتها يقضون شهور الصيف في رأس البر... وشاءت الصدف ان تتعرف عائلتها الى رستم حيدر الذي وقع في حب فيكي فوعدها بأن لا يفارقها مطلقا.وانه سوف يضمها الى الحاشية الملكية.
وكان رستم قد علم بأن فيكي كانت درست التمريض في المستشفى الاسرائيلي بالاسكندرية واشتغلت في ذلك المستشفى.وبعد فترة قصيرة تلقت فيكي برقية مستعجلة من رستم حيدر يطلب فيها ان تعد نفسها لكي تقوم بمهمة الممرضة الخاصة للملك فيصل الاول.
وفي شهر آب سافر الملك ومعه اخوه الملك علي ونوري السعيد ورستم حيدر وتحسين قدري الى سويسرا لغرض العلاج. وفي ميناء الاسكندرية التحقت فيكي بالحاشية الملكية.
((لقد اعجب الملك بها مثلما وقعت هي بحب الملك، أو هذا كان شعورها)).
يتابع النشاشيبي سرد قصته فيقول: ((رأيت فيكي بعد موت الملك وقد جاءت الى مدينة لوزان برفقة زوجها احمد صديق باشا (محافظ الاسكندرية) وعيّن بعد زواجه بها سفيرا لمصر في اليابان.وسألتها عن قصتها مع الملك فيصل الاول فانزعجت لسؤالي ولم تجبني.
وعندما مرضت فيكي بالسرطان زرتها في المستشفى وذكّرتها بسؤالي ثانية فأجابت: "انا كنت صغيرة، لكني اذكر ان شخصية بريطانية غامضة قد اتصلت بي فور اقلاع الباخرة من الاسكندرية ودعتني الى تناول فنجان شاي وكشفت لي عن منصبها وعملها وطلبت مني بصراحة تامة أن اوافيها على مدى الاربع والعشرين ساعة بتفاصيل حالة الملك الصحية ونوع الحقن التي يأخذها واقراص الدواء التي يتناولها وحركاته ونشاطه.ثم قالت لي تلك الشخصية ان رستم حيدر لا يعترض على مثل هذا العمل وانه على علم تام به...
ثم تتابع قائلة: وفي فندق "بيل فو" اختاروا لي غرفة ملاصقة لغرفة الملك، وكانت مهمتي ان ارافقه معظم ساعات الليل والنهار. وكنت اول من يدخل عليه في الصباح وآخر من يراه عند منتصف الليل.
وفي اليوم الثاني من وصولنا الى بيرن سلمني طبيب الملك الخاص مجموعة الحقن التي سأعطيها للملك، وهو الذي اختار له العلاج. وشرح لي كيفية استعماله، وطلب مني ان اوافيه بتقارير سرية عن حالة الملك الصحية اثر كل حقنة من العلاج اعطيها له.
وقد جاء السفير البريطاني في بيرن الى الفندق ودق عليّ باب غرفتي ودخل وشرح لي بأن رئيس الديوان الملكي (رستم حيدر) على علم بهذه الزيارة. وطلب مني ان اطلعه على علب الحقن التي يتناولها الملك وعلى بقية الدواء الخاص به، وفجأة دق جرس التلفون وسمعت صوت رستم حيدر يطلبني لأمر مهم، فتركت السفير البريطاني في غرفتي وعندما عدت اليها وجدت جميع الحقن واقراص الدواء، قد اعيد ترتيبها بعناية خاصة وبنظام يلفت النظر بحيث لم اعد واثقة تماما من ان هذه العشرات من مجموعات الحقن وعلب الدواء هي مجموعات العلب والحقن نفسها التي تركتها. ولم اقدر ان اطلب من السفير ان يفتح لي حقيبة يده كي افحص ما بداخلها، ولم اقدر ان احصي عشرات من العلب كي اعرف ماذا نقص منها، وماذا زاد عليها، وما تبدل منها.؟
ادرك السفير البريطاني حيرتي فاستأذن لارتباطه بموعد سابق على ان يتصل بي في المساء. وفي المساء وبعد عودتي الى غرفتي بعد ان اعطيت الحقنة الطبية للملك - لكي استريح - وجدت السفير البريطاني في انتظاري حيث امطرني بعشرات الاسئلة عن صحة الملك. ولم اجد ما يبرر هذه الاسئلة لأنني كنت انقل كل شيء عن صحته الى رستم حيدر.
بعد يومين من هذه الواقعة ذهب الجميع الى الجبل المجاور للفندق تلبية لدعوة عائلة هندية معروفة وكان الملك في ذلك اليوم بكامل نشاطه وموفور الصحة. لكن عندما عاد بعد الظهر بدأ يشعر بضيق في الصدر وتعب في الجسم، فأعطيته الحقنة اللازمة. وقبل حلول العشاء سمعت صوت حسين قدري يناديني من وراء الباب كي آتي بحقنة انعاش لاعطائها للملك فورا. وعند دخولي وجدت الملك مستلقيا فوق سريره وقد ارتسمت خطوط زرقاء فوق وجهه. رفعت سماعة التلفون لطلب الطبيب الخاص، واتصلت بالسفير البريطاني لكي ادعوه. لكن السفير وفي ضوء حساباته وتوقعاته كان جالسا في بهو الفندق في انتظار المفاجآت.

وحضر الطبيب واعطيت الاسعافات اللازمة للملك، لكن الموت كان اقوى من كل شيء، اذ اغمض عينيه وفارق الحياة بعد ساعة واحدة، وكان موجودا على سرير الملك عند وفاته كل من: رستم حيدر وتحسين قدري والممرضة فيكي والسفير البريطاني (يلاحظ عدم وجود نوري السعيد معهم)”.
ويتابع النشاشيبي روايته فيقول: عندما سألتها عن اسماء الاشخاص الذين يحملون سر وفاة الملك فيصل في صدورهم، قالت فورا: كان رستم حيدر يعرف سر القصة لكن الذين يعرفون عنه ذلك قرروا التلخص منه فارسلوا اليه مفوض شرطة مفصولا من عمله اطلق عليه الرصاص في مكتبه منتصف شهر حزيران عام 1940)).
الجدير ذكره ان ما روته الممرضة فيكي للنشاشيبي يتوافق مع ما توصل اليه الدكتور مظفر الادهمي والدكتور علاء جاسم في كتابيهما عن الملك فيصل الاول وكذلك مع ما قاله الدكتور عصام شريف من ان اصابع الاتهام تشير الى السلطات البريطانية في التخطيط لقتل الملك فيصل، وان رستم حيدر كان المنفذ للمخطط البريطاني من خلال صديقته اليهودية الممرضة فيكي.وهنا تلتقي مصالح كل من بريطانيا واليهود للتخلص من الملك فيصل الاول الذي كان يسعى للتخلص من الاستعمار البريطاني ويعمل على توحيد العرب.
في مقال لي تناولت فيه مذكرات رستم حيدر جاء ما يلي: ((في 18 كانون الثاني وليس كما ورد اعلاه في منتصف شهر حزيران - وبينما كان رستم حيدر في مكتبه بوزارة المال دخل عليه المدعو حسين فوزي توفيق وهو من مفوضي الشرطة المفصولين واطلق عليه النار فأصابه في خاصرته اليسرى. فنقل رستم حيدر الى المستشفى ولكنه توفى متأثرا بجروحه في 22 كانون الثاني 1940. القي القبض على الجاني الذي اعترف بأنه هو الذي اطلق النار لعدم حصوله على وظيفة كان الوزير حيدر يعده بها دون جدوى فأقدم على فعلته... ثم صدر حكم باعدامه ونفذ فيه في 27 آذار 1941. وقيل ان حراس السجن الذين حضروا عملية تنفيذ الاعدام سمعوا حسين فوزي توفيق يصيح جهارا وهو في طريقه الى المشنقة: "ورّطني... ورّطني" وهو يقصد ان نوري السعيد هو الذي ورطه في اغتيال رستم حيدر.
وكان نوري السعيد قد قابل الجاني في سجنه فغير اثر ذلك افادته. فهل كان لنوري السعيد ضلع ومعرفة بقتل الملك فيصل؟ واذا كان لرستم حيدر دخل في مقتل الملك فيصل الاول عام 1933 فلماذا جرت تصفيته بعد سبع سنوات اي في 1940؟))..؟

ذكريات مطوية مع الملك فيصل الأول
الراحل ابراهيم الواعظ (1893 – 1958) من رجال المحاماة والقضاء. انتخب نائبا عن الحلة في دورتين 1930 – 1937 شارك في مؤتمرات الدفاع عن الحق العربي في فلسطين المؤتمر الاسلامي 1931: مؤتمر بلودان 1937 والمؤتمر البرلماني العربي في القاهرة 1938.
انتخب سكرتيرا لنادي الاتحاد العربي فرع العراق 1944. تقلد في المناصب القضائية للفترة 1945 – 1958 رئاسة محكمة استئناف الموصل ورئاسة محكمة استئناف بغداد وعين رئيسا لهيئة التفتيش العدلي. اعيرت خدماته مديرا للادارة القانونية في جامعة الدول العربية 1951 – 1952. له مؤلفات تاريخية وادبية وديوان شمر مخطوط.
ومن ابرز الشخصيات السياسية التي اتصل بها المرحوم ابراهيم الواعظ: الملك فيصل الاول ونوري السعيد وياسين الهاشمي ومزاحم الامين الباجه جي ومحمد رستم حيدر. وقد ضمت مذكراته المخطوطة التي اسماها "مواقف في الحياة" التي بدأ بتدوينها في 16 مايس 1956 صورا من هذه الصلات، وكتب "الواعظ" هذه المذكرات في شكل مسودة – كما هي عادته – ولم يرجع اليها ويوثقها حتى وافاه الاجل يوم 8/7/1958، اذ شغلته عن ذلك سفراته العديدة الى الخارج. وبعد مراجعتي للمخطوطة وجدت ان قسما منها ذو طابع شخصي لاقيمة تاريخية له وانحصر اهتمامي بالقسم الذي ضم مذكراته مع الشخصيات السياسية، وقد وثقت شخصياتها واحداثها.
كان اللقاء الاول مع الملك فيصل الاول يوم 20/11/1029. وقد سبق هذا اجتماع عقده المحامون مساء يوم تشييع جثمان رئيس الوزراء المنتحر "عبد المحسن السعدون" للمداولة في سبل تخليد "ذكراه" ومنها اقامة حفل تأبين في يوم الاربعين تحت رعاية الملك. واسفر الاجتماع عن انتخاب لجنة برئاسة محمد زكي وعضوية ابراهيم الواعظ وشفيق نوري وعبد العزيز السنوي وعلي محمود الشيخ علي ونجيب الراوي. وانتدبت اللجنة اربعة من اعضائها. هم: ابراهيم الواعظ وشفيق نوري وعبد العزيز السنوي ونجيب الراوي لمقابلة الملك وعرض الاقتراح عليه واتفقوا على ان يكون الواعظ هو المتحدث باسم اللجنة.
وحين حظيت الهيئة بمقابلة الملك التمس الواعظ منه ان يشمل حفل التأبين برعايته فاجاب الملك شاكرا وانه اناب عنه رئيس الوزراء ناجي السويدي لحضور الحفل، ثم قال (ارجو ان يكون الخطباء والشعراء في هذا الحفل اقل تحمسا بالنظر لما بيننا وبين الحليفة الحكومة البريطانية من عهود ومواثيق) فرد الواعظ (عفوا – يا صاحب الجلالة – ان العراقيين اعرف بالسياسة من غيرهم وان حفل التأبين سوف لايكون حفلا يكرم به الميت انما هو ثورة على السياسة البريطانية الغاشمة التي اتبعتها من يوم دخولها الى بلادنا الى يومنا هذا. ونحن اذا ما طالبنا بحقوقنا فانما نطالب بحق اقزه الانكليز انفسهم اذ قالوا "جئنا الى بلادكم محررين لا فاتحين" فاين اعمالهم من اقوالهم ) وعند ذاك اشار الملك على اعضاء الهيئة بالجلوس وباشر يتكلم مستعرضا مواقف الحلفاء منه وكيف تخلت بريطانيا عنه وفقد عرش سوريا ولما تمض سنتان على الحكم العربي في سوريا، اذ زحف الجنرال الفرنسي "غورو" على دمشق واحتلها وارغمه على مغادرتها تطبيقا لمعاهدة "سايكس – بيكو"، وانه قبل عرش العراق ليأخذ بيده ويبذل الجهد لرفع الانتداب عنه وجعله بلدا مستقلا مؤهلا لعضوية "عصبة الامم"، وانه مع تقديره لمشاعرهم الوطنية يرى ان التعامل مع الدولة المنتدبة بالعنف والتحدي لايؤلد الا تصلبا وتعسفا وان سياسة المراحل تؤتي ثمارها بالنتيجة، والهدف واحد، وخرج المحامون الاربعة الشباب من عند "فيصل" وهم اشد اصرارا على جعل حفل التأبين مظاهرة سياسية. وكان الحفل، وانبرى الزهاوي والرصافي والاثري والقشطيني ينددون في قصائدهم بالانتداب البريطاني.
وحين دعي الواعظ، وكان نائبا في مجلس النواب، مع لفيف من الشخصيات العراقية لحضور المؤتمر الاسلامي المنعقد في بيت المقدس (كانون الاول / 1941) طلب مقابلة الملك. ويحدثنا عن هذه المقابلة فيقول: (قصدت البلاط لمقابلة الملك للاستئذان بالسفر ولما قابلته شكرني على الزيارة وطلبت منه الارشاد. فقال – انني مطمئن منك فلا تحتاج الى الارشاد ، وودعته وخرجت). ثم يحدثنا الواعظ عن نشاطه الدعائي خلال سفرته على هامش المؤتمر قائلا (سافرت الى فلسطين وعند مروري ببيروت قابلني مراسل جريدة "النهار" اللبنانية وادليت بحديث اشدت فيه بالملك فيصل وما قام به من خدمات، وان المعاهدة التي صدقها البرلمان العراقي بين دولة صغيرة كالعراق ودولة كبرى كبريطانيا تعتبر خطوة نحو الاستقلال التام، وفي القدس ادليت بحديث الى جريدة مقدسية اسهبت فيه عن الحالة في العراق وتشجيع الملك فيصل للصناعات الوطنية. وقدمت للمحرر نماذج من منسوجات معمل "فتاح باشا" وبعض المنتوجات الوطنية، وتطرقت في الحديث الى المعاهدة والملك فيصل وقابلني في القدس مراسل جريدة "البلاغ" المصرية لسان حال حزب الوفد المصري وادليت له بحديث عن التقدم السريع الذي حصل في العراق. وتطرقت الى المعاهدة وان "النحاس باشا رئيس حزب الوفد المصري" بارك طنوري السعيد" على هذه المعاهدة، وعند عودتي الى العراق قصدت البلاط لمقابلة الملك فاستقبلني واجلسني بجانبه وقدمت له وصفا لسفرتنا وما قمت به من خدمة لجلالته. فقال اعرف ذلك واطلعت عليه واني اشكرك يا ابراهيم. ثم قمت مودعا فوضع يده على كتفي ومشى معي حتى باب الغرفة فودعته وخرجت).
وعندما اثيرت قضية "الرسائل السرية" 1931، وكانت هذه الرسائل قد وزعت بالبريد وتضمنت طعنا في الملك وبعض الشخصيات السياسية، اتهم وزير الداخلية "مزاحم الامين الباجه جي" بان له ضلعا فيها، وعلى اثر ذلك قدم رئيس الوزراء "نوري السعيد" استقالته واعاد تشكيل الوزارة بدون مزاحم وحل محله ناجي شوكت وزيرا للداخلية، ويتحدث الواعظ عن ذيول القضية ومناصرته لمزاحم تحت قبة البرلمان ووكيلا عنه في ساحة القضاء: (اقتضى الامر رفع الحصانة النيابية عن مزاحم لتقديمه للمحاكمة وقررنا ان يقدم مزاحم استقالته من المجلس قبل قرار رفع الحصانة وقد اثيرت ضجة في مجلس النواب كنت بطلها، اذ تخلى "جميل المدفعي" عن الرئاسة لنائب الرئيس واخذ يهاجني مع العديد من النواب وبقيت وحدي مدافعا، وقبل دخولي الجلسة وكنت في غرفة الاستراحة مع عدد من النواب جاء "رستم حيدر" – وكان يومئذ وزيرا للمالية – وخاطبني قائلاً (ما هذه التصرفات من مزاحم؟ انت الذي سببت هذه الضجة) فقلت له: (الزم حدك واذا لم تخرج من هذه الغرفة اهنتك) فخرج. ويستطرد الواعظ (وعلى اثر ذلك طلبت من "تحسين قدري" رئيس التشريفات الملكية تحديد موعد لمقابلة الملك على شرط ان لاتكون المقابلة في البلاط.
وحدد الموعد في "قصر الحارثية" فذهبت في الموقع المعين ولم اجد هناك سوى المرافق ودخلت على الملك فوجدته واقفا بانتظاري وطلب مني الجلوس فقلت "لا اجلس حتى تؤمن لي ان اتكلم ما اريد" فاجابني "لك ذلك" فقلت "يا صاحب الجلالة ان قضية مزاحم الباجه جي امام المحكمة وان المحكمة يرأسها (المستر لوئيد) الحاكم البريطاني واني كمحام اجد ان الحاكم مفرض في هذه القضية واخشى من الظلم على الابرياء. وان هناك تزويرا يحاك في الوزارات واخشى ان يؤثر ذلك في القضية ويزهق الحق".
وحين تطرقت الى الوزارات قال الملك (الا رستم حيدر)! فقلت له (انا قصدت من الوزارات الوزارة التي يشغلها رستم حيدر، ان التزوير يا سيدي يحاك في وزارة المالية وتحت اشراف رستم حيدر، وان رستم - يا صاحب الجلالة – سيمثل دور "العلقمي"، وسيقضي على العرش بالدسائس التي يدبرها والتفرقة التي يبثها. فيا سيدي انت الوازع في هذا البلد وانت المسؤول امام الله وامام الناس فلا تدع لهؤلاء الهدامين سبيلاً. ولا تعتقد ان كلامي هذا في شيء من التلفيق فكل ما عرضته هو واقع وعليه دلائل وبراهين، فائق الله – يا صاحب الجلالة – في رعيتك" . واني اقول لك ان من اصدق الناس لك ولعرشك نوري السعيد ومزاحم الباجه جي، والله يتولى هدانا وهداك، واستودعك الله، وسلمت عليه وخرجت ولم يئبس بكلمة واحدة).
وعلى اثر هذه المقابلة العاصفة يتحدث الواعظ عن مقابلة اخرى: (كان المرحوم جميل قفطان مرافقا للملك فيصل وقد وقعت بيدي وثائق هامة حصلت عليها منه تثبت ما قلته للملك في مقابلتي الاولى عن الدسائس التي تحاك ضد العرش).
ويحدثنا الواعظ عن لقاء آخر مع الملك: (في سنة 1931 كنت نائبا في البرلمان وحضر الى داري ثلاثة من رجال الدين وقال احدهم – اننا حضرنا لأمر يخص الاسلام، فاحضر مصحفا ومسدسا، وعندا احضرتهما قال: (احلف بهذا القرآن انك ستكتم ما نبديه لك واذا وافقت عليه ونكلت ستنال جزاءك بهذا المسدس) فحلفت لهم فقال احدهم (لدينا مشروع هو مطالبة الحكومة بفصل دائرة الاوقاف عن الدولة واناطة ادارتها الى هيئة اسلامية كما هو الحال في فلسطين وسوريا ولبنان وقد وقع اختيارنا عليك كرجل قانون لوضع نظام لهذه الهيئة) وقد وافقت على ذلك. ويشاء الملك ان يدعو قسما من النواب للافطار وكنت من جملتهم، وبعد الافطار اخذ المعدوون يسلمون على الملك، فلما جاء دوري لمصافحته اشار علي بان اقف خلفه، وبعدما فرغ النواب والوزراء من السلام وبقيت والملك وحدنا اخذني الى غرفة صغيرة وبادرني قائلا: (ما هذه الجمعية التي قررتم تأسيسها)؟ فعلمت ان احد الثلاثة قد وشى بنا. وكان من حسن المصادفة ان مسودة النظام كنت احملها في جيبي فقلت (ياسيدي ليس هناك جمعية تخفي عليك، انما اجتمع بعض العلماء وطلبوا مني اعداد نظام يقدمونه للحكومة ويطلبون فيه اجازة لتأسيس الجمعية) ثم اخرجت النظام وقدمته للملك وبعد ان اطلع عليه اعاده لي قائلا "لا تعتمد على هؤلاء فانهم غير صادقين بما يقولولن وربما يتخذونك سلما للوصول الى مآربهم الشخصية) فاجبته بالايجاب وودعته!). وعن اللقاء الاخير مع الملك فيصل الاول يحدثنا الواعظ: (بعد ان دخل العراق حضيرة عصبة الامم 1932 دعا النائب (داود الحيدري) اقطاب حزب العهد: نوري السعيد وجعفر العسكري ورستم حيدر وعارف حكمت وسلمان البراك وغيرهم وكنت من ضمن المدعوين. وتكلم الداعي عن فضلا لملك فيصل على العراق ودخوله عصبة الامم واقتراح تقديم هدية للملك وبعد المداولة تقرر جمع التبرعات لاقامة تمثال للملك تخليدا لخدماته للعراق وقد اختار المجتمعون كلا من سلمان البراك وعارف حكمت وابراهيم الواعظ لعرض الاقتراح على الملك. وعند حضورنا للبلاط قرر الممثلون ان اكون المتكلم عنهم. ولدى مثولنا وترحيب الملك بنا قلت: (يا سيدي ان رجال حزب العهد قرروا اقامة تمثال لجلالتكم تخليدا لخدماتكم الجليلة للعراق واخرها ادخاله عصبة الامم والله نسأل ان يحفظكم للعراق لتتموا رسالتكم ويتمتع الوطن بحريته واستقلاله).
عن كتاب ذكريات سياسية
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى