مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* التحالف الاستراتيجي ين الولايات المتحدة وإسرائيل

اذهب الى الأسفل

* التحالف الاستراتيجي ين الولايات المتحدة وإسرائيل Empty * التحالف الاستراتيجي ين الولايات المتحدة وإسرائيل

مُساهمة  طارق فتحي الجمعة ديسمبر 04, 2015 9:20 am

التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ووجهات النظر الإسرائيلية تجاهه
قبل التطرق إلى إتفاق التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل ووجهات النظر الإسرائيلية تجاهه، ومن أجل وضع الإتفاق في سياقه التاريخي، كان لابد من إطلالة قصيرة وسريعة على العلاقات التحالفية التي أقامتها الحركة الصهيونية ومن ثم إسرائيل مع أطراف أجنبية. ويمكن تقسيم هذه الأطراف إلى ثلاثة، إثنان منها على وشك الغروب، والآخر لا يزال قائماً وإن اقتصر على دولة واحدة.
1 - الظاهرة اللاسامية الأوروبية.
2 - الظاهرة الإستعمارية الأوروبية بشقيها: الفاشي والإستعماري التقليدي.
3 - الامبريالية الأميركية.
ومن أجل مقتضيات البحث سيقتصر الحديث على الظاهرتين الثانية والثالثة. ولكن لا ينبغي أن يغيب عن البال أن الحركة الصهيونية، التي كان ظهورها بمثابة رد على الحركة اللاسامية، قد استفادت بشكل كبير من الواقع اللاسامي في عدد من البلدان الأوروبية. ولا نبتعد عن الحقيقة إذا قلنا أن الواقع اللاسامي كان بمثابة الحليف الطبيعي للحركة الصهيونية خلال الربع الأخير من القرن التاسع عشر وحتى إنتهاء الحرب العالمية الثانية حيث أخذ بالزوال بفعل زواج الأفكار الليبرالية والإنسانية، وأن الحركة الصهيونية تعاني، في الوقت الحاضر، من واقع تحسن أوضاع اليهود في العالم، أي من واقع غياب هذا العامل.

التحالفات الصهيونية – الإستعمارية التي سبقت الإتفاق:
يعتبر الإتفاق الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن كونه خطوة جريئة تقوم بها دولة بالتحالف مع دولة أخرى هي في حالة حرب مع مجموعة دول تمتلك ثروات طبيعية ضخمة وأراض محتلة، يعتبر تتويجاً للعلاقات بين المشروع الصهيوني والامبريالية الأميركية، والحلقة الأخيرة في سلسلة التحالفات مع القوى الاستعمارية.
لقد بذلت الحركة الصهيونية، منذ نشوئها، جهوداً حثيثة لإقامة تحالف مع أي طرف يدعم مشروعها ويسانده. وبحكم طبيعة هذا المشروع والتقائه مع المصالح الإستعمارية كان توجهها للتحالف مع الجهات الإستعمارية ذات المصالح في المشرق العربي بالذات. وقد أحرزت نجاحات في هذا المضمار، حتى قيام الكيان الإسرائيلي في العام 1948م، من أهمها:
1 – توطيد العلاقة مع بريطانيا العظمى، أكبر دولة استعمارية في ذلك الحين. فقد تمكنت الحركة، بحكم التقاء مصالحها مع المصالح البريطانية الاستعمارية، من الحصول على وعد من وزير الخارجية بريطانيا بمنح ((وطن قومي)) لليهود في فلسطين. ووجد هذا التحالف تعبيرات عنه في تسهيل الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ومنح الوكالة اليهودية مكانة دولة داخل الدولة، ووقوفها في الأعوام 1936 – 1939م إلى جانب المشروع الصهيوني بشكل حاد، على أثر تضافر وتطابق المصالح، بتحالفها مع منظمة الهاغاناه الصهيونية، وما ترتب عن ذلك من تعزيز لقوتها العسكرية، حيث تم إنشاء سرايا جديدة تابعة لها وتدريب عناصرها وتزويدها بالأسلحة لمواجهة الثورة الفلسطينية، وارتقاء هذا التحالف في العام 1941م بتشكيل قوات خاصة (البلماح) تابعة للهاغاناه، تتلقى التدريب والدعم المالي من القوات البريطانية، إلى جانب دورها في دعم ورعاية المجندين اليهود في الجيش البريطاني ومنحهم تشكيلاً خاصاً في العام 1944م أطلق عليه اسم ((الفرقة اليهودية المقاتلة)).
2 – بداية التحالف مع الولايات المتحدة: إلى جانب رغبتها في توطيد العلاقة مع السلطة البريطانية الإستعمارية القائمة في فلسطين، حرصت الحركة الصهيونية، مع بداية توجه الولايات المتحدة لغرس نفوذها في الشرق الأوسط، على نقل مركز ثقلها إلى الوافد الجديد، من خلال حسابات دقيقة لقوة الدول الاستعمارية المتنافسة على بسط نفوذها في المنطقة، وحجم الحركة الصهيونية ونفوذها في كل منها. فقد أدركت الحركة الصهيونية القوة النامية للولايات المتحدة وطموحاتها الاستعمارية الرامية للحلول محل النفوذين البريطاني والفرنسي في المنطقة، خاصة عقب خروجها من الحرب العالمية الثانية كأكبر قوة عالمية على الصعيدين الإقتصادي والعسكري، وما نجم عن ذلك من دخول بريطانيا، التي خرجت من الحرب بإقتصاد مدمر، لأول مرة في تاريخها، ضمن التبعية الإقتصادية للولايات المتحدة. فعمدت إلى نقل مركز ثقل نشاطها من لندن إلى واشنطن مستغلة وجود تجمع يهودي كبير ونشط، للضغط على متخذي القرار في البيت الأبيض، ليس فقط بهدف ملاءمة الأطماع الأميركية الشرق – أوسطية مع المخططات الصهيونية وإنما أيضاً للضغط، عن طريق واشنطن، على بريطانيا التي دخلت في طور التبعية الإقتصادية للولايات المتحدة، بهدف احتواء التعارضات السياسية معها، ودفعها لإنتهاج سياسة موالية أكثر للمشروع الصهيوني.
وقد كان من نتيجة نقل مركز ثقل النشاط الصهيوني إلى واشنطن، والذي عبّر عنه مؤتمر بلتيمور عام 1942م، أن أخذت العلاقات الأميركية الصهيونية تزداد توثقاً خلال الأربعينيات. ومن أبرز معالم هذا التوثق، تعاطف الحزبين الرئيسيين: الجمهوري والديمقراطي، وكذلك الرؤساء روزفلت وترومان مع أهداف الحركة الصهيونية، والموقف الأميركي المطالب بتهجير مئة ألف يهودي من معسكرات اللاجئين في أوروبا إلى فلسطين فوراً، والتعاطف البارز مع الأهداف الصهيونية للأعضاء الأميركيين في اللجنة الملكية التي زارت فلسطين في ربيع 1946م.
3 – التحالف مع الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية: إدراكاً منها للعلاقة الجدلية القائمة بين متطلبات تحقيق مشروعها وبين تطلعات أية دولة، وبغض النظر عن نظام حكمها السياسي، لاستعمار الشرق الأوسط أو إحدى مناطقه، سعت الحركة الصهيونية لإرساء علاقات تحالفية مع إيطاليا الفاشية وكذلك مع ألمانيا النازية. وليس من المستبعد أن يكون وزير خارجية اسرائيل يتسحاق شمير، الرجل الثاني في الوفد الإسرائيلي في مفاوضات الإتفاق الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، قد راوده طيف ((إتفاق استراتيجي)) آخر كان قد صاغه مع زميله ابراهام شتيرن في عام 1941م لعرضه على زعيم ألمانيا النازية.
ففي أوائل العشرينيات نشطت الحركة الصهيونية لإقامة علاقة مع الحزب الفاشي الإيطالي، وقدم جابوتنسكي، في 16 تموز (يوليو) 1922م، مذكرة بإسمها إلى زعيم الحزب موسوليني، أكدت فيها على مسألة تماثل المصالح بين المشروع الصهيوني والنفوذ الإيطالي في الشرق العربي، ذلك أن المصالح الإيطالية، وفق ما جاء في المذكرة ((تتلاءم مع أهداف المشروع الصهيوني في فلسطين، بينما الحركة القومية العربية هي بمثابة عكاز هش، مآلها التعرض للدول الأوروبية))[1]. ومما يسترعي الإنتباه أن الرسميين الإسرائيليين ساروا على منوال روحية هذه المذكرة في انتقاداتهم الراهنة لسياسة الولايات المتحدة تجاه حلفائها في منطقة الشرق الأوسط. إذ يجمع هؤلاء على ضرورة عدم وضع اهتمام خاص على التحالف مع السعودية ومصر بحجة عدم استقرار نظامي الحكم فيهما، ليطالبوا بتركيز الإهتمام على إسرائيل، وإحلالها في المرتبة الرئيسية في التحالف، باعتبارها صمام الأمان للمصالح الأميركية في المنطقة.
وقد قطعت العلاقات الفاشية الصهيونية شوطاً بعيداً في الثلاثينيات، عبّر عن نفسه بعقد اتفاق سري عام 1934م بين موسوليني ووايزمان، تعهد فيه الأول ((بدعم مطامح الصهيونية في البلاد باستثناء القدس، وتسهيل مرور المهاجرين اليهود عن طريق الموانئ الإيطالية، بينما تعهد الثاني ((بالمساعدة في تطوير الصناعة الكيمياوية في إيطاليا لتحريرها من الإرتباط بالعلماء الألمان والمنتجات الألمانية))[2]. وكذلك بعقد إتفاق أخطر مع الجناح التصحيحي في الحركة الصهيونية بزعامة جابوتنسكي، إذ تمكن هذا الجناح من التوصل إلى إتفاق عسكري مع الدوتشي تم بموجبه تأهيل أعداد من عناصر حركة بيتار* في مدرسة بحرية أقيمت في إحدى ضواحي روما، وتخرج منها ما بين 1934 – 1938م قرابة مئتين من أعضاء الحركة، برتب مختلفة في القيادة البحرية[3].
وفيما يتعلق بالعلاقات مع ألمانيا النازية، فقد كان للتيارين الصهيونيين محاولات لتوطيد العلاقة مع النظام النازي، وليس سراً استبشار عدد من الزعماء الصهاينة في مرحلة مبكرة من ظهور النازية بهذه الحركة، اعتقاداً منهم بالتماثل المصلحي الصهيوني – النازي حول مسألة تنظيف أوروبا من اليهود دون أن يخطر ببالهم هول المجازر البشعة التي ستتمخض عن السياسة العنصرية النازية في الأربعينيات. وقد توصل التيار العمالي الصهيوني، انسجاماً مع هوس هتلر، للتخلص من اليهود وسعي الحركة الصهيونية الحثيث لتهجير يهود أوروبا إلى فلسطين، إلى إتفاق يعرف باسم الـ((هعفراه)) (النقل). بيد أن الأخطر من ذلك محاولة فريق من الجناح التصحيحي بزعامة ابراهام شتيرن ويتسحاق شمير وزير الخارجية الحالي، القيام بمحاولات عدة للتوصل إلى تحالف عسكري مع النظام النازي. ومن أهم هذه المحاولات، تلك التي جرت عام 1941م حين اجتمع موفد من قبل هذا الفريق، يدعى نفتالي بأحد كبار الضباط النازيين في السفارة الألمانية في بيروت، قدم خلاله الطرف الصهيوني مذكرة تحت عنوان ((الخطوط الأساسية لاقتراح التنظيم العسكري القومي في فلسطين (ها إرغون هتسفائي هليئومي) حول حل القضية اليهودية في أوروبا وحول الإشتراك الفعلي للتنظيم العسكري القومي في الحرب إلى جانب ألمانيا)) شرحت، بشيء من المبالغة، قدرة التنظيم على تجنيد أعداد كبيرة من يهود أوروبا إلى جانب القوات النازية، مع التأكيد على القدرة القتالية للتنظيم داخل فلسطين ((أما القدرة القتالية للتنظيم العسكري القومي، فلم يعترها، جزماً، أي شلل أو ضعف ملحوظ نتيجة العنف الشديد الموجه من قبل الإدارة البريطانية والعرب أو حتى من قبل الاشتراكيين اليهود))[4].
ومن الجدير بالذكر أن بيغن تفوّه، أثناء جولته الأخيرة في الولايات المتحدة، بكلمات شبيهة، في روحيتها، بالمذكرة الآنفة الذكر حين هوّل في محاضرة له من قدرة الجيش الإسرائيلي وخبرته القتالية، ودوره في التشكيل الإستراتيجي الأميركي، إذ قال إن ((بوسع إسرائيل تجنيد 700.000 جندي. يوجد لدينا جيش ممتاز. يسألونني دائماً إذا كان هذا هو أفضل جيش في العالم. وأجيب أنه ليس الأفضل، ولكنني لا أعرف من هو أفضل منه. ولكن عندما يسألونني إذا كان سلاحنا الجوي هو الأفضل في العالم، فإنني أوافق على ذلك، لكونه يمتلك خبرة قتالية أكثر من سلاحي الجو في الدولتين الأعظم))[5].
كان من نتيجة تحالف الحركة الصهيونية مع الظاهرة الإستعمارية الأوروبية بمختلف أشكالها، والنشاط الذاتي لهذه الحركة، وضعف حركة التحرر في العالم العربي، إن أخذ المشروع الصهيوني بالتطور في فلسطين والتجسد على شكل دولة في عام 1948م.
وعلى الرغم من إعلان الدولة الوليدة عن إنتهاجها طريق الحياد في ((وثيقة الإستقلال))، فقد بقي هذا الإعلان بمثابة حبر على ورق. فقد سعى المسؤولون الإسرائيليون، وعلى رأسهم بن غوريون، لدمج الدولة الجديدة في التشكيل العسكري الغربي. وكانت مشاركته في الحرب الكورية التي أخذت شكل معونات للقوات الأميركية بمثابة مؤشر على توجهاته. بيد أن رغبته اصطدمت بتمنع من جانب دول حلف الأطلسي خشية من تأثر مصالحها في الوطن العربي. وإزاء هذا الرفض، دخلت إسرائيل في تحالفات منفردة مع بريطانيا وفرنسا خلال الخمسينيات، مستغلة واقع إرتفاع حرارة الصراع بينهما وبين حركة التحرر العربي، وكان من نتيجة هذا إشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وفتحها أجواءها عام 1958م للطائرات البريطانية لتسهيل عملية هبوطها في الأردن لحمايته من إحتمال امتداد إنتفاضة ثورة 14 تموز في العراق. وفي الوقت نفسه حرصت على توطيد علاقاتها مع ألمانيا الغربية إلى أقصى حد ممكن.
ومع انحسار ظلال النفوذين البريطاني والفرنسي عن المنطقة في أوائل الستينيات، بهت التحالف، وانتقل إلى الولايات المتحدة وريثة هذين النفوذين.
كانت محطة التحالف الرئيسية الأولى في عهد الرئيس الأميركي جون كينيدي، عندما اتخذ عام 1962م قراراً بالموافقة على تزويد إسرائيل بصواريخ هوك المضادة للطائرات. ولم يكن اتخاذ هذا القرار سهلاً، فقد أتى بعد مداولات استغرقت أكثر من عام تناولت تبعاته السلبية على المصالح الأميركية في الوطن العربي، في ظل نمو حركة التحرر العربي في تلك الفترة. وحتى بعد الإعلان عنه، وجد الرئيس الأميركي نفسه مضطراً لتبادل الرسائل مع الرئيس عبدالناصر، مقترحاً عليه استعداده لإلغاء الصفقة مع إسرائيل شرط وقف سباق التسلح في المنطقة[6]. وقد وجد في رفض عبدالناصر لإقتراحه ما شجعه لتنفيذ عقد الصفقة التي دشنت بداية التعاون الجدي بين الولايات المتحدة وإسرائيل على الصعيد الأمني، حيث بدأت حلقات حصول إسرائيل على أحدث الأسلحة الأميركية تزداد وتتسع ويزداد معها توثق العلاقات الأميركية الإسرائيلية. ففي عهد الرئيس الأميركي جونسون إزداد التعاون، وبدا واضحاً من خلال المعونات العسكرية إلى اسرائيل في حرب 1967م، واتسع في عهدي الرئيسين نيكسون وفورد، وكان من أبرز تعبيراته تأهب إسرائيل والولايات المتحدة للتدخل في الأردن أثناء معارك أيلول (سبتمبر) 1970م بين المقاومة الفلسطينية والنظام الأردني، وإقامة جسر جوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل خلال حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973م، إلى جانب استنفار وحدات عسكرية أميركية استعداداً للتدخل، والتوصل عام 1975م في ظل اتفاق فصل القوات الثاني إلى عقد ((مذكرة تفاهم)) سرية بين الولايات المتحدة واسرائيل تعهدت فيها الأولى، حسبما نشر، بعدم الإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية والتنسيق بين الدولتين في حال تعرض أمن اسرائيل أو استقلالها للخطر من قبل دولة عظمى، هذا فضلاً عن مواصلة إمداد اسرائيل بأحدث المعدات العسكرية. وقد بقيت العلاقات الأميركية الإسرائيلية محافظة على استمرارية توطدها في عهدي الرئيسين كارتر وريغان إلى أن توجت في عهد الأخير بالإعلان عن الإتفاق الإستراتيجي.
كخلاصة لما سبق يمكن القول أن الحركة الصهيونية، ومن ثم إسرائيل، سعت من أجل تحقيق مشروعها والحفاظ عليه، إلى إرساء علاقات تحالفية مع أي طرف تتناقض مصالحه جذرياً مع تطلعات الشعوب العربية. ومن هنا جاءت تحالفاتها مع الظاهرة الإستعمارية الأوروبية بشقيها الفاشي والإستعماري التقليدي، وكذلك مع تلك الأنظمة التي تكن عداء لحركة التحرر العربي مثل نظام الشاه في إيران والامبراطور في إثيوبيا. ومع أفول الظاهرة الإستعمارية الأوروبية، وإنهيار نظامي الشاه والامبراطور، لم يبق أمام إسرائيل سوى عنوان واحد: الولايات المتحدة الأميركية بصفتها أكبر قوة إمبريالية تمكنت من إحتلال الدور الذي كانت تقوم به دول الإستعمار التقليدي في المنطقة.
ومن الملفت للنظر أن مجموع حلقات التحالف الصهيوني الأجنبي قد أحيطت، بشكل أو بآخر، بنوع من السرية باستثناء التحالف الأخير الذي عمد طرفاه إلى الإعلان عنه بصوت عال.
وإذا كان الإتفاق يعتبر بمثابة الحلقة الأخيرة في سلسلة التحالفات الصهيونية مع الأوساط الغربية، فإنه قد جاء في سياق تطورات شرق – أوسطية، كان من نتائجها تعميق النفوذ الأميركي في المنطقة. ومن أبرز معالم هذه التطورات:
1 – انتقال مصر، التي شكلت تاريخياً مركز الثقل في الوطن العربي، بشكل دراماتيكي، إلى دائرة النفوذ الأميركي. ووجد هذا التطور الخطير تعبيرات عنه في زيارة السادات لإسرائيل عام 1977م وعقد إتفاقية كامب ديفيد عام 1978م، وتصريحات السادات المتكررة حول استعداده لمنح التسهيلات للقوات الأميركية في الأراضي المصرية، لكي يكون بوسعها التدخل في أي قطر عربي أو إسلامي أو إفريقي في حال تعرضه لما أسماه بالخطر الشيوعي. وأخيراً، في المناورات العسكرية المشتركة بين القوات الأميركية والمصرية.
2 – تعاظم ارتباط الدول الغربية بالبترول العربي، الأمر الذي تطلب تعميق الهيمنة الأميركية في السعودية ودول الخليج.
وكان من نتيجة حدوث هذه التطورات، أن وجدت الولايات المتحدة نفسها، للمرة الأولى، تضم في دائرة نفوذها، في آن واحد، كلاً من مصر التي تحتضن أكبر تجمع عربي، والسعودية وتوابعها في الخليج التي تحتضن في المقابل ثروات هائلة، إلى جانب إسرائيل كحليف ثابت، مما تطلب منها توجهاً جديداً، اتسم بتركيز اهتماماتها الشرق – أوسطية على مصر وبخاصة في عهد كارتر، وعلى مصر والسعودية معاً في عهد ريغان دون إغفال متطلبات إسرائيل. وقد نجم عن هذا التوجه تخوفات بين أوساط إسرائيلية من إمكانية تدني مكانة إسرائيل في الإستراتيجية الأميركية، واحتلال مصر أو السعودية مكان الصدارة. وتردّدت هذه التخوفات أكثر من مرة على لسان عدد من المسؤولين الإسرائيليين وعلى رأسهم رئيس الإستخبارات العسكرية يهوشوع ساغي الذي أعرب عن تذمره من تعاظم النفوذ الأميركي في مصر خشية أن يكون ذلك لغير صالح إسرائيل، وليطالب من ثم الولايات المتحدة بتركيز رهانها على إسرائيل لكي تصبح بمثابة ((رافعة ضخمة لمصالحها في المنطقة))[7]. وقد دفع ذلك الولايات المتحدة، على أثر ((حوار إستراتيجي)) استمر لفترة طويلة بينها وبين إسرائيل، إلى عقد تحالف إستراتيجي بينهما، يتلاءم مع السياسة الأميركية وتوجهاتها ويضمن لإسرائيل، كرافعة ضخمة للمصالح الأميركية، إحتلال مكانة خاصة في الإستراتيجية الأميركية.

الإعلان عن الإتفاق:
عشية وصول بيغن إلى واشنطن في السادس من أيلول (سبتمبر) الماضي على رأس وفد يضم وزير الخارجية يتسحاق شمير ووزير الدفاع اريئيل شارون ووزير الداخلية يوسف بورغ، إلى جانب عدد من المسؤولين العسكريين، ردّد الرئيس الأميركي ريغان المصطلح الذي ما فتئ يتردد على لسان بيغن منذ تربعه على سدة الحكم، والقائل إن إسرائيل بمثابة ((كنز إستراتيجي)) للولايات المتحدة، في حين أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً رسمياً اعتبرت فيه إسرائيل، للمرة الأولى، بمثابة ((حليف إستراتيجي للولايات المتحدة))[8].
وفي المقابل أكد المسؤولون الإسرائيليون، وبخاصة بيغن وشارون، على أهمية إسرائيل إستراتيجياً للعالم الغربي في صراعه مع الإتحاد السوفياتي. ووسط هذه التصريحات كانت العلاقات الأميركية الإسرائيلية تشهد اهتزازات متتالية نتيجة التعارض في المواقف المعلنة تجاه عدد من القضايا، ومن بينها: قصف المفاعل الذري العراقي. وقصف الأحياء السكنية في بيروت، ومشروع الأمير فهد، والأهم من ذلك كله صفقة الأواكس مع السعودية.
وكان يبدو للكثير من المعلقين الإسرائيليين أن فرص نجاح المفاوضات ضعيفة، بيد أن اندفاعة الرئيس الأميركي في توجهه لخلق جبهة شرق أوسطية في وجه الإتحاد السوفياتي، وحماس بيغن لاحتلال مكانة الصدارة في هذه الجبهة، قد حالا دون إيلاء إهتمام كبير للتعارضات في المواقف، ودفعا الطرفين إلى التركيز على موضوع التحالف. وقد توصل الطرفان إلى إتفاق مبدئي حول التحالف الذي عرف بأسماء متعددة، مثل إتفاق ((التعاون الإستراتيجي)) و((التفاهم الإستراتيجي)) و((الدفاع الإستراتيجي)) أو ((مذكرة التفاهم الإستراتيجي)) على أن يجري في وقت لاحق، وبواسطة وزيري الحربية في كلا البلدين، إعداد صياغته النهائية ليصار إلى المصادقة عليه رسمياً*.
ويعتمد الإتفاق، وفق المقترحات الإسرائيلية في المفاوضات، على الأمور التالية[9]:
1 - تبادل المعلومات الإستخبارية.
2 - القيام بتدريبات مشتركة لسلاح البحرية الإسرائيلية والأسطول السادس، مع إمكانية إجراء مناورات برية مشتركة داخل إسرائيل.
3 - تخزين وصيانة أسلحة أميركية متقدمة، بما في ذلك دبابات، في مستودعات طوارئ داخل إسرائيل، بهدف تمكين القوات الأميركية من التدخل سريعاً في حال تعرض المصالح الأميركية، في البلدان العربية النفطية، للخطر.
4 - تقديم الخدمات للطائرات الأميركية في المطارين اللذين تشيدهما الولايات المتحدة في النقب.
5 - إقامة مستشفى ميداني داخل إسرائيل، لخدمة القوات الأميركية في حالة الطوارئ.
6 - فتح الموانئ الإسرائيلية أمام سفن الأسطول السادس الأميركي وتقديم الخدمات لها.
7 - دعم الصناعة العسكرية الإسرائيلية باعتبارها شريكاً في الجهد الإستراتيجي. وفي هذا الإطار تلتزم الولايات المتحدة بشراء أعتدة أمنية من إسرائيل، ومنح الصناعة الجوية حق إنتاج أجهزة لطائرات ((ف16))، وإصلاح طائرات ومعدات أميركية في الورش الإسرائيلية.
8 - إلتزام سلاح الجو الإسرائيلي بتقديم غطاء جوي لطائرات النقل الأميركية في المنطقة وفي البحر الأبيض المتوسط.
إلى جانب مقترحات الإتفاق هذه، والتي وافق الجانب الأميركي على معظمها، قدم الجانب الإسرائيلي طلباً برفع حجم المعونات الأميركية الإقتصادية والعسكرية لإسرائيل إلى ثلاثة مليارات دولار سنوياً.
لقد رأى بيغن في هذا الإتفاق ((إنجازاً غير عادي)) يضع المنطقة على أبواب ((عصر جديد)) اعتقاداً منه بأنه جاء كتتويج للعلاقات الأميركية الإسرائيلية ((ووضع الأسس لتحالف عسكري إستراتيجي بين الدولتين))[10]. في حين أوضح شارون أن هذا التحالف يرتكز على دمج إسرائيل، كحليفة للولايات المتحدة، في تشكيل عسكري لردع الإتحاد السوفياتي عن تهديد الشرق الأوسط وأفريقيا، ويمنحها القوة لكي يكون بوسعها ((الصمود بشكل أقوى في وجه التوسع السوفياتي وإستراتيجيته العدوانية التي تشكل أكبر خطر يواجه إسرائيل))، وطالب بضرورة إنتهاج إسرائيل، على ضوء هذا الإتفاق، سياسة أكثر حزماً تجاه الإتحاد السوفياتي، عن طريق إنتزاع المبادرة منه، وخلق المشاكل أمامه ((أي يتوجب)) حسب قوله ((نقل المشاكل إلى الطرف الثاني. وهذا يعني أنه لا يجوز إنتظار قيام الإتحاد السوفياتي باحتلال منطقة، ليجيء الرد عليه بعد وقوع الحدث، بل يقتضي الأمر منع عدوانه قبل حدوثه، عن طريق وضع القوات اللازمة بالقرب من المكان، وخلق الشروط والأدوات الضرورية لنقل القوات بالسرعة والنجاعة المطلوبين، من مكان إلى آخر))[11].
/culture/0/236/#ixzz3tLGjz2SK

وجهات نظر التحالف الامريكي الاسرائيلي
مُساهمة طارق فتحي في الخميس 3 ديسمبر 2015 - 22:22

وجهات نظر المعلقين الإسرائيليين:
يمكن تقسيم تحليلات المعلقين في وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى فئتين، الأولى: وهي صادرة عن صحف المعارضة، والأخرى عن الصحف المستقلة. وقد أجمعت تحليلات الصحف المستقلة على تركيز الإنتقاد على جوانب متعددة من الإتفاق، في حين تميزت تحليلات الفئة الأولى بحدة النقد. فقد اعتبر دانيئيل بلوخ، المعلق السياسي في صحيفة دافار الهستدروتية، الإتفاق بمثابة إنهاء لما تبقى من استقلالية إسرائيل ((لقد باعوا بقية إستقلال إسرائيل وحرية عملها، مقابل ثمن بخس، ومشكوك فيه، للتنسيق الإستراتيجي الذي لا تعرف الولايات المتحدة كيف تنضجه، ولا تعرف إسرائيل كيف تهضمه)) ليصل من ذلك إلى أن الهدف الأميركي من الإتفاق هو، تمرير صفقة الأواكس والحد من حرية عمل إسرائيل. وهزئ من قيمة الغطاء الجوي الذي تبدي إسرائيل استعدادها لتقديمه للطائرات الأميركية واصفاً إياها بـ((الذبابة التي تمنح الفيل غطاءً جوياً))[12].
أما زميله أهارون ميغد، فقد انتقد بشكل لاذع، المصطلح الذي يتردد بكثرة، لدرجة الإسفاف، على لسان بيغن والقائل إن إسرائيل بمثابة ((كنز إستراتيجي للولايات المتحدة)) بقوله: "لا أعرف إنساناً يتحلى بإحترام ذاتي، يعلن أنه يريد أن يكون بمثابة كنز لإنسان آخر، ويتوسل أمام الأقوى منه قائلاً: إنني تحت رعاية عطفك، اجعلني كنزاً لك! وعندما يرفض هذا طلبه ويتهرب منه، يمسك بتلابيب ثيابه متوسلاً: ألا تعي أنه من المجدي لك أن أكون لك بمثابة كنز ولكن هنا، تقوم بهذا الدور الدولة بكاملها، وتوشك أن تسقط على ركبتيها وهي تردد: من فضلك... إنني على استعداد لتقبيل التراب، لكي أصبح كنزاً لك...".
ويشن من ثم حملة على قادة الليكود لدمجهم إسرائيل في الخط الأمامي للإستراتيجية الأميركية في مواجهة الإتحاد السوفياتي بقوله: "إن رئيس الحكومة يظهر في عاصمة الولايات المتحدة ليس كزعيم لإسرائيل فقط، بل كزعيم للعالم الغربي كله! إنه يقف على رأس جيوش العالم لحمايته من التهديد الشيوعي! فهو على دراية أكثر منهم بالمخاطر التي تنتظرهم! وهو المستعد لحمايتهم حتى عندما لا يطلبون منه ذلك!".
ويتساءل في نهاية مقاله ((هل حقاً نحن معنيون ونرغب في أن نصبح بمثابة الخط الأمامي في حرب يأجوج ومأجوج؟ هل نقف على عتبة عصر جديد لإسرائيل، عصر الدولة التابعة))[13].
أما زميله تيدي برويس فقد اعتبر الإتفاق، إذا لم يكن خديعة كبرى حسب رأيه، بمثابة مرحلة جديدة هامة في تاريخ العلاقات الأميركية الإسرائيلية بغض النظر عن سلبياته أو إيجابياته وعالجه من خلال التعارض بين المصالح الإسرائيلية والأميركية والمتمثل في مسألة تحديد العدو، فاسرائيل ترى في العرب العدو الرئيسي، بينما ترد الولايات المتحدة أن عدوها الرئيسي هو الإتحاد السوفياتي، لذا فإن الإتفاق وضع إسرائيل أمام عدو جديد إعتقاداً منه بأنه ((ستقام في إطار هذا الإتفاق قواعد عسكرية أميركية في إسرائيل – حتى ولو أطلق عليها اسم مستودعات الطوارئ وقاعدة لوجستية وما شابه ذلك من التعابير الغامضة – كما وأن الجيش الإسرائيلي لن يقصر عمله بعد الآن على خدمة المصالح الإسرائيلية فقط، بل سيندمج في التشكيل العالمي الذي قد تتشابه متطلباته، ولكنها لا تتماثل، مع متطلبات إسرائيل. إن الخصم الذي يخشاه الأميركيون هو الإتحاد السوفياتي، في حين أن العدو الذي تتخوف منه إسرائيل هو العرب. بمعنى آخر، ليس هنالك تماثل أو تماس في المصالح... بل تشابه في المصالح))[14].
ولم تختلف نظرة أليكس فايشمان المعلق السياسي لصحيفة عل همشمار عن المنحى العام لوجهتي نظر زميليه، فهو يرى في الإتفاق – وحتى بدون التوقيع عليه – دخول العلاقات الأميركية الإسرائيلية في مرحلة جديدة، تقتضي من إسرائيل دفع ثمن مزدوج، الأول، تقييد حرية عمل إسرائيل عسكرياً ضد العرب، أخذاً بعين الإعتبار المصالح الأميركية، والثاني، تحول إسرائيل إلى حلقة، في الجبهة الخلفية الأميركية، موجهة ضد الإتحاد السوفياتي[15].
وفيما يتعلق بتحليلات أصحاب الفئة الثانية، فقد اتسمت، بحكم عدم انتمائها للمعارضة العمالية، بتهجم أخف على زعامة الليكود، ومن بين هؤلاء شفايتسر، المعلق السياسي في صحيفة هآرتس، الذي يرى أن خطورة الإتفاق تكمن في إضافة عدو جديد – الإتحاد السوفياتي – إلى الجبهة المعادية لإسرائيل[16]. أما زميله يرمياهو يوفال، فإنه لا يعارض التعاون الإستراتيجي بحد ذاته، باعتباره كان قائماً من قبل، وإنما يعارض جوانب معينة منه تضع الجيش الإسرائيلي، حسب اعتقاده، ((في خدمة المصالح العالمية للولايات المتحدة، التي لا تلتقي مع المصالح الإسرائيلية الصرفة)). وهذا من شأنه إلحاق الضرر بمكانة إسرائيل، لا سيما وأن ((صورتها المرتسمة اليوم في أذهان الشعوب الأوروبية، صورة الدولة التي تسعى لتكريس إحتلالها، وتقوم بقمع الفلسطينيين)). وبعد أن يشكك في الفوائد العائدة على إسرائيل من الإتفاق، يؤكد على أن الإتفاقات قابلة للتغيير مع الظروف المستجدة، ويتساءل ((أين فيتنام الجنوبية؟ وماذا حصل في تايوان؟ ولماذا ترتعد أوصال بانكوك)) ليصل إلى القول: "من الأفضل لإسرائيل أن تظهر في الولايات المتحدة كمجسدة لرغبات اليهود العادلة في تحقيق الإستقلال الوطني إنطلاقاً من الإعتراف بحقوق الطرف الآخر، والإستعداد للتوصل إلى حد وسط تاريخي، من أن تبدو كتايوان أخرى من نسل يعقوب..."[17].

وجهات نظر شخصيات عسكرية ومحللين عسكريين:
لا تخرج وجهات نظر المعلقين العسكريين وعدد من الشخصيات العسكرية خارج الحكم، عن الإطار العام لوجهات نظر المعلقين الإسرائيليين في الصحف الإسرائيلية، والخيط الجامع لوجهات نظر هؤلاء يتمثل في الخطورة الكامنة من دمج إسرائيل في تحالف موجه بالأساس ضد الإتحاد السوفياتي، والدعوة إلى إبقاء إسرائيل متحالفة مع الولايات المتحدة على قاعدة المصالح الصهيونية الصرفة. فقد اعتبر المعلق العسكري يعقوب كروز، في مقال له، أن الإتفاق موجه في أساسه ضد الإتحاد السوفياتي ((فهذه هي المرة الأولى منذ قيام الدولة، التي تسعى فيها إسرائيل بشكل علني لتصبح شريكة في الترتيبات ذات الطابع العسكري المتعلقة بالتوجهات الممكنة لموسكو في الشرق الأوسط)) وأعرب عن خشيته من أن يؤدي ذلك إلى تصليب موقف الإتحاد السوفياتي ضد إسرائيل، ليخرج من ذلك بالقول: "أن خطر هذه المبادرة الصارخة للتعاون الإستراتيجي الأميركي، الذي قد يكون مصيره كمصير الجبل الذي تمخض فولد فأراً، أكثر من فائدتها"[18].
في حين يؤكد مردخاي غور الرئيس السابق لأركان الجيش الإسرائيلي أن من شأن الإتفاق تقييد يد إسرائيل والحد من حرية العمل ضد أعدائها، وزجها أمام خصم جبار. ولكنه لا يرى عيباً في عقد إتفاق إستراتيجي مع الولايات المتحدة أو الدول الغربية، باعتباره مطلباً إسرائيلياً ثابتاً ولكن شرط إقتصاره على خدمة المصالح الصهيونية المحضة[19].
ولم يخرج موشيه ديان، في مقال له كتبه قبيل وفاته، عن دائرة التفكير هذه، فقد انتقد التشديد على التعاون الإستراتيجي دون معارضة له. بيد أنه يتساءل عن العدو الذي يجمع الدولتين في تحالف ضده، منتقداً تمرير صفقة الأواكس مع السعودية من خلال هذا الإتفاق، إذ قال: "... إن المناورات البرية والجوية والبحرية المشتركة مخصصة بالتأكيد لضمان عمل عسكري مشترك. ولكن أين يتم تنفيذ هذه العمليات العسكرية؟ في الدفاع عن إسرائيل أو عن السعودية؟ وهل نحن مشتركون في معاهدة مع الأميركيين للدفاع عن الخليج الفارسي؟ صحيح أن السيد بيغن يعلن بأننا حلفاء للولايات المتحدة. ولكن أين هو هذا الحلف؟ أهو في الإطار الذي من خلاله يبيع الأميركيون الأواكس للسعودية، ويخططون معها لتعاون عسكري واسع النطاق"[20].
أما الجنرال أهارون ياريف الذي شغل مناصب أمنية عالية في عهد التجمع العمالي، فقد ركز حديثه على التحذير من مغبة التورط في صدام مباشر مع الإتحاد السوفياتي، ولكنه أجاز إمكانية المشاركة مع الأميركيين في حماية الأقطار العربية الموالية للغرب من خطر ((غزو)) أقطار عربية وطنية ضدها، إذ أنه ((من الممكن)) حسب رأيه ((تقديم غطاء جوي أثناء استخدام قوات أميركية في شبه الجزيرة العربية في حال حدوث غزو يمني للسعودية مثلاً، ولكن يتوجب الإمتناع عن مواجهة مباشرة مع سلاح الجو السوفياتي...))[21]. أما الجنرال متتياهو بيلد فيطل على الإتفاق من منظور مختلف تماماً عن زملائه، فهو يرى أن الدافع لإقدام إسرائيل على التعاون الإستراتيجي يكمن في سعيها لتكريس إحتلالها للأراضي العربية بموافقة ضمنية من جانب الولايات المتحدة. ((فمن الواضح)) حسب قوله ((أن إسرائيل معنية بجر الولايات المتحدة إلى التعاون الإستراتيجي، ليتاح لها الإحتفاظ بالمناطق، مقابل الدعم الإستراتيجي الذي تقدمه للولايات المتحدة)). كما ويعتقد بأن الإتفاق يشكل إرباكاً للولايات المتحدة التي تأتي موافقتها على المشروع ((... كضريبة تدفعها لأسباب سياسة، لا علاقة لها بالحاجات الإستراتيجية الحقيقية للولايات المتحدة)). ويرى أن الولايات المتحدة ليست بحاجة إلى غطاء جوي، كما وأنها في غنى عن الموانئ الإسرائيلية لإستخدامها كموانئ لها في البحر المتوسط، وليست بحاجة لمستودعات تخزين أو أعمال صيانة، إذ من المريح لها، سياسياً، إختيار مصر أو السعودية لأعمال كهذه. أما في حال إختيار إسرائيل كمخزن للأسلحة الأميركية فإنها ستواجه كثيراً من التعقيدات، إذ ((سيتضح أن أية مخازن موجودة في إسرائيل لن تكون قابلة للإستخدام، ذلك أن أياً من الدول العربية التي ستهب القوات الأميركية لمساعدتها، لن توافق على استخدام هذه القوات منشآت داخل إسرائيل)). وفيما يتعلق بالمواجهة مع السوفيات، يرى الكاتب أن ليس بمقدور إسرائيل تقديم شيء يذكر في حال إندلاع الحرب بين العملاقين، ويخرج، من ذلك كله، بالقول أن المصلحة الإسرائيلية تكمن في دفع الشرق الأوسط باتجاه التحييد وليس التمحور، وحل الصراع العربي الإسرائيلي من خلال التفاوض مع الفلسطينيين[22].

موقف المعارضة العمالية:
نظراً لتركيبة التيار العمالي وتعدد وجهات النظر داخله، فقد تراوحت ردود الفعل على الإتفاق بين الشجب لجوانب منه، والتحفظ، والتأييد المتحفظ. وتقسم ردود الفعل هذه إلى فئتين، الأولى، الصادرة عن حزب مبام شريك حزب العمل في التجمع العمالي، والأخرى الصادرة عن حزب العمل نفسه.
وبشكل عام استندت مواقف المعارضة العمالية على النقاط التالية:
1 - عدم جواز إندماج إسرائيل في جبهة عسكرية ضد دولة كبرى.
2 - أن التحالف قائم مع الولايات المتحدة الأميركية، وليس هنالك حاجة لإعلانه على الملأ، تمشياً مع النهج العمالي التقليدي المتسم بالتركيز على الجانب العملي لتحقيق الأهداف الصهيونية.
3 - ضرورة بناء التحالف على أرضية المصالح الصهيونية الصرفة، التي تتشابه أو تتماثل مع مصالح الحليف.
4 - الحرص بقدر الإمكان على عدم تقييد التحالف لإستقلالية إسرائيل في تعاطيها مع عدوها الرئيسي.
وإنطلاقاً من هذه القواعد العامة، عالج الحزبان المؤتلفان موضوع التحالف الإستراتيجي، فقد عقد حزب مبام مؤتمراً شجب فيه السكرتير العام للحزب فيكتور شمطوف مجمل زيارة بيغن لواشنطن، وأرضية الإتفاق المبنية على عداء الإتحاد السوفياتي. واتخذ المؤتمر مقررات من أهمها[23].
1 - يعتبر الحزب الإتفاق العسكري الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الهادف ((لردع العدوان السوفياتي ضد جهات في الشرق الأوسط)) أنه يشكل خطوة خطيرة للغاية، وسابقة خطيرة في السياسة الإسرائيلية.
2 - يرى الحزب أن المصلحة الصهيونية واليهودية تكمن في الإمتناع عن مواجهة عسكرية مع أية دولة كبرى، وفي وضع إسرائيل خارج دائرة الصراع الأميركي السوفياتي.
3 - ضرورة إدارة المعركة ضد العداء السوفياتي لإسرائيل والصهيونية، في المجالات السياسية والدبلوماسية والإعلامية.
لم يتمكن حزب العمل، خلافاً لشريكه في التجمع العمالي، من التوصل إلى مقررات بالنسبة للإتفاق، فقد ظهرت إنقسامات في الرأس بين زعامة الحزب تجاه مسألة التركيز على إيجابيات الإتفاقات وسلبياته. ففي حين ركز ابا ايبن، في إجتماع عقده مركز الحزب لتداول الإتفاق[24]، على الجانب الإيجابي، لجهة دعم الجهد العسكري الإسرائيلي ورفع القدرات العسكرية الإسرائيلية، مع الإشارة إلى معارضته لإتفاقية الأواكس، وتأكيده على أن إسرائيل لن تكون بالضرورة دمية بيد الولايات المتحدة، ومطالبته الحزب ((بالنظر إيجابياً إلى استعداد الولايات المتحدة لتطوير العلاقات مع إسرائيل في مجال الأمن))، ركز زعيم الحزب شمعون بيرس حديثه على الجوانب السلبية التي تتمثل، حسب رأيه، في خروج إسرائيل في تحالفها مع الولايات المتحدة عن أرضية المصالح الصهيونية البحتة. وسخر من ادعاء بيغن بأن جميع الرؤساء الإسرائيليين، وعلى رأسهم دافيد بن غوريون، كانوا يحلمون باتفاق كهذا، مؤكداً على أن التحالف قائم بين إسرائيل والولايات المتحدة. وادّعى أن الإتفاق الإستراتيجي يفتقر إلى مشاريع حقيقية اعتقاداً منه بأن المشاريع التي يتضمنها هي مجرد مشاريع إسرائيلية ((وإنني أشك فيما إذا كان الطرف الآخر يسعى إليها)). أما يتسحاق رابين[25] فقد شدد على ((المخاطر الكبيرة)) التي ينطوي عليها الإتفاق بالنسبة لإسرائيل على المدى البعيد، محدداً هذه المخاطر بعاملين:
1 - التأكيد على أن السعودية هي حجر الزاوية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط على حساب كل من إسرائيل ومصر، فذلك من شأنه إحداث إنحراف لمسار كامب ديفيد بتأثير من حجر الزاوية هذا المعارض لهذه الإتفاقية.
2 - استعداد إسرائيل للتعاون ضد الإتحاد السوفياتي.
من الواضح أن حملة حزب العمل المتعلقة بالإتفاق الإستراتيجي، لا تمس جوهر التحالف بين الولايات المتحدة وإسرائيل وإنما تمس جوانب معينة من الإتفاق. ويتبين ذلك بوضوح من خلال تأكيد بيرس في مقابلة له، على ((أن هنالك تعاوناً استراتيجياً بين إسرائيل والولايات المتحدة جرى حتى الآن على المستوى العملي، بصمت. فإذا أمكن تعميق التعاون فأهلاً وسهلاً. لكن من يحتاج إلى الكلام، المتسم بالغطرسة الصادر عن رئيس الحكومة ووزير الدفاع، عن حلف استراتيجي يحتضن العالم، بدءاً من أفغانستان، وإنتهاءً بالإتحاد السوفياتي؟..))[26].
ولعل في الحوار الذي جرى بين عضوي الكنيست إيهود ألمرت (الليكود) وموشي حاريف (التجمع العمالي) ما يكفي للإشارة إلى الفارق بين نهجي الحزبين في النظرة إلى الإتفاق بشكل خاص، وتجاه العلاقات التحالفية الصهيونية الأجنبية بشكل عام، وكذلك إلى رغبة التيار العمالي في الحصول على ما يريده، من الولايات المتحدة دون الظهور علناً في الصف الأمامي معها. فقد أبدى ممثل ((التجمع)) استعداداً لدمج إسرائيل في التشكيل الإستراتيجي الأميركي شرط أن لا تقف إسرائيل فيه الخط الأول. ورد عليه ممثل ((الليكود)) بأن لكل خط ثمنه ((من لديه الإستعداد لأن يكون في الخط الثاني أو الثالث للإستراتيجية الأميركية، فإنه يقود نفسه، بالضرورة، ليصبح في المرتبة الثانية أو الثالثة من حيث القيمة بالنسبة للأميركيين. وهذا يتنافى مع القلق الذي يعترينا إزاء النتائج التي قد تنجم عن التوجه الأميركي نحو وضع السعودية ومصر في المرتبة الأولى. وإزاء ذلك يتوجب علينا أن نقرر، فالذي يكون في الخط الثاني أو الثالث، يحكم على نفسه بالركود أيضاً في مرتبة الأهمية الثانية أو الثالثة لدى الأميركيين. ولست واثقاً بأن موشي حاريف يبغي ذلك))[27].
ومن الجدير بالذكر أن زعامة الليكود لم تقف مكتوفة اليدين إزاء الإنتقادات الواسعة التي عبرت عن تخوفات أوساط كبيرة من جوانب معينة في الإتفاق.
ويمكن إجمال ردها بالنقاط التالية:
1 - إن الإتفاق يعزز من قدرات إسرائيل العسكرية والإقتصادية.
2 - إن صفقة الأواكس مع السعودية ليست لها علاقة بالإتفاق، وأن الحكومة متمسكة بموقفها الرافض لهذه الصفقة، وليس من المستبعد، كما أكّد ذلك أكثر من مسؤول إسرائيلي، قيام سلاح الجو الإسرائيلي بإسقاط أية طائرة أواكس في حال قيامها من داخل الأراضي السعودية بمهام التجسس على إسرائيل.
3 - وفيما يتعلق بالإدعاء بأن الإتفاق يحد من حرية إسرائيل في صراعها مع الوطن العربي، أكد المسؤولون الإسرائيليون، أنه على الرغم من إلتزام أي من الفريقين، بموجب الإتفاق، بالأخذ بعين الإعتبار مصالح الحليف الآخر، قبل الإقدام على خطوة ما، فإن إسرائيل لن تجد نفسها مكبلة اليدين تماماً، ((لن نتردد في المستقبل عن قصف فرن ذري إذا ما أقيم في أراض عربية)) كما جاء على لسان وزير الدفاع اريئيل شارون ((.. ولكن بعد أن نفهم الشريك، في الوقت المناسب، خطورة الوضع التي تلزمنا بالعمل))[28].
4 - وفيما يتعلق بالتهم القائلة أن الإتفاق لا يخدم الأهداف الصهيونية الصرفة، أكد المسؤولون الإسرائيليون على أنه ينبع أساساً من خدمة الأهداف الصهيونية. وإزاء صعوبة التمييز بين المصالح الصهيونية والمصالح الإمبريالية الأميركية وترابطهما وحيال الحملات التي تتهم زعامة الليكود بوضع الجيش الإسرائيلي في خدمة مغامرات لجهات أجنبية، وجد شارون نفسه مضطراً للقول أنه سبق لزعامة العمل أن زجت الجيش الإسرائيلي في مغامرة السويس عام 1956م خدمة للمصالح الفرنسية البريطانية.

خلاصة:
لقد جاء إعلان التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل كتتويج لتطور العلاقات بينهما، وكتعبير عن الإلتقاء في المصالح والأهداف، في سياق حدوث تطورات وتبدلات خطيرة جرت في الوطن العربي في السبعينيات، تمثلت في خروج مصر من الصف العربي على أثر إتفاقية كامب ديفيد ودخولها ضمن دائرة النفوذ الأميركي، وفي تعميق الهيمنة الأميركية في السعودية وتوابعها في الخليج العربي على أثر تعاظم إرتباط العالم الغربي بالبترول العربي.
وأخذت دائرة النفوذ الأميركية هذه تلقى عناية فائقة عقب إنحسار النفوذ الأميركي في كل من إيران وأثيوبيا المحيطتين بالجزيرة العربية التي تشكل ((رصيداً استراتيجياً)) فعلياً للولايات المتحدة.
وكان من نتيجة هذا السياق، وإنسجاماً معه، ومن أجل الحفاظ على مصالحها في المنطقة أن طورت الولايات المتحدة استراتيجية لها تعمل على تعزيز المحورين السعودي والمصري لحماية دائرة نفوذها من رياح التغيير. وخلال بلورة هذه الإستراتيجية، جرت ((حوارات استراتيجية)) بين الولايات المتحدة وإسرائيل استغرقت أعواماً، لدمج إسرائيل في الإستراتيجية الجديدة، ولتحتل مكانة مرموقة فيها باعتبارها الحليف الأمين والثابت للمصالح الأميركية. وكانت العقبة الأساسية في هذا التحالف تكمن في كيفية إعلانه دون إحراج الحلفاء العرب. ووجد الطرفان حلاً لهذا الإشكال يتمثل في بناء التحالف واستناده على أرضية العداء للإتحاد السوفياتي وحماية الشرق الأوسط – الوطن العربي – من ((شر خطره))، انسجاماً مع الموقفين المصري والسعودي. وبذلك تمكن الطرفان من الإعلان عن الإتفاق الذي يعزز من قدرات إسرائيل عسكرياً، ويجعلها بمثابة ترسانة وقاعدة – بناء على إتفاق – لصالح قواتها والقوات الأميركية معاً، معدة أساساً للعمل ضد أية إنتفاضة وطنية قد تحدث في الدول العربية الرجعية لإسترجاع الثروات البترولية من يد النهب الأميركية، وليس بالضرورة ضد الإتحاد السوفياتي.
إن خطورة هذا الإتفاق، من وجهة النظر العربية، لا تكمن في رفع قدرات العدو الإسرائيلي عسكرياً وإقتصادياً إلى تلك الدرجة التي تضمن استمرار تفوقها على العرب وتكريس إحتلالها للأراضي العربية المحتلة، فحسب، وإنما أيضاً في واقع إقدام الولايات المتحدة على الإعلان عن تحالفها عسكرياً مع دولة هي في حالة حرب مع وطن عربي يعاني من إحتلالها لأجزاء من أراضيه في الوقت الذي تعمق فيه القوى العربية الرجعية من تحالفها مع الولايات المتحدة، وتتخذ فيه القوى العربية الوطنية مواقف تقتصر على الشجب، وكأن التحالف المعلن بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم يكشف، حتى الآن، واقع كون الولايات المتحدة حليفاً حقيقياً لإسرائيل.
رابط الموضوع: http://www.alukah.net/culture/0/236/#ixzz3tLHYSxx9
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى