مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* إعلان الدولة الصهيونية - مدارس اليهودية - أدباء اليهود - أوضاع اليهود

اذهب الى الأسفل

* إعلان الدولة الصهيونية - مدارس اليهودية - أدباء اليهود - أوضاع اليهود Empty * إعلان الدولة الصهيونية - مدارس اليهودية - أدباء اليهود - أوضاع اليهود

مُساهمة  طارق فتحي السبت أكتوبر 31, 2015 8:35 am

إعلان الدولة الصهيونية
وقام بن جوريون في 15/5/1948م بإعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين. وترأس الحكومة المؤقتة للدولة الجديدة التي تكونت من أعضاء اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، في حين ترأس الدولة حاييم وايزمن رئيس المنظمة الصهيونية، وبقي في رئاسة الحكومة حتى استقال سنة 1955م.
وفي سنة 1965م استقال من حزب "الماباي" وأسس حزب "رافي" مع بعض أعوانه أمثال موشيه دايان وشيمون بيريز.
وقد آمن بن جوريون بالفكر التوسعي، وترك حدود إسرائيل مفتوحة، كما طالب بجعل القدس عاصمة الدولة الصهيونية، وأدى دوراً رئيسيّاً في بلورة الفكر الصهيوني في فلسطين، وكان من مؤيدي مقاطعة العرب وطردهم من أراضيهم.
وبعد إقامة الدولة أقدم على حل كل المنظمات العسكرية الصهيونية وحولها إلى "جيش الدفاع الإسرائيلي"، وأولاه اهتمامه، وشغل منصب وزير الدفاع في معظم الوزارات التي كان يرأسها.
واعتمد في سياسته على التحالف مع القوى الإمبريالية بعد أن أكد دور إسرائيل كحامية للمصالح الإمبريالية في المنطقة العربية، فتحالف مع بريطانيا وفرنسا، واشترك في شن العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956م، وشهد هزيمة إسرائيل السياسية والعسكرية في حرب أكتوبر 1973م.

• إسحق شامير الصهيوني المتطرف:
ويأتي إسحق شامير، وهو من مواليد بولندا، درس القانون في جامعة وارسو، وعمل قبل هجرته إلى فلسطين محاميا تحت التمرين، وعند وصوله الى فلسطين عام 1935م انضم إلى عصابة "أرجون"، ثم رأس عصابة "شتيرن" التي دبرت اغتيال الوسيط الدولي الكونت "فولك برنادوت"، فضلا عن أعمالها الإرهابية ضد العرب في فلسطين.
وبعد إعلان دولة إسرائيل عمل شامير عميلا سريا للمخابرات الصهيونية "الموساد" حتى عام 1970م، وكان نشاطه طوال تلك الفترة يتركز في أوربا الغربية، وبعد عودته إلى إسرائيل انضم إلى حزب "حيروت"، ثم صعد بسرعة إلى الصفوف الأولى، حيث انتخب رئيسا للكنيست عام 1976م، وشغل منصب وزير الخارجية بعد بضعة أشهر من استقالة موشيه دايان عام 1980م، ثم تولى رئاسة الحكومة بعد حكومة مناحم بيجن في الثمانينات.
وكان شامير من أشد الإسرائيليين تطرفا في معتقداتهم الصهيونية، ويعرف عنه أنه صاحب "اللاءات الثلاث" التي صرح بها عقب توليه وزارة الخارجية، وهي لا لعودة إسرائيل إلى حدود 1967م، ولا لقيام دولة فلسطينية، ولا لتقسيم القدس.
وكان يدعم بشدة التوسع في سياسة الاستيطان في الأراضي العربية المحتلة، وكان يعد الضفة الغربية وغزة جزءا من أراضي إسرائيل، وعارض بشدة إزالة المستوطنات من سيناء. وهو صاحب اقتراح إصدار القانون الذي يحظر الاتصال بأعضاء منظمة التحرير الفلسطينية، والذي صدر في بداية عام 1983م.
وقد امتنع عن التصويت على معاهدة "كامب ديفيد"، وقت الاقتراع عليها في الكنيست - وكان رئيسا له - حيث كان يرى أنها لا تحقق أهداف السياسة الإسرائيلية بالقدر المطلوب، وأن بيجن قدم تنازلات. كما كان يرى أن أعظم إنجازات حكومة سلفه - مناحم بيجن - هي: المستوطنات ونسف المفاعل النووي العراقي والحرب ضد منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، وكان يرى أيضا ضرورة أن يكون لإسرائيل وجود عسكري في جنوب لبنان.
وكان شامير سفاحا عتيدا؛ فعصابة شتيرن التي كان يرأسها وعصابة أرجون التي شارك فيها ارتكبتا مذبحة "دير ياسين" المشهورة عام 1948م، كما نفذتا عشرات المذابح الأخرى ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وفي عام 1982م وجهت لجنة التحقيق في مذابح مخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت - التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف ما بين شاب وشيخ وامرأة وطفل - لوما شديدا إلى شامير لأنه تجاهل عندما تلقى تحذيرا من "موردخاي تزيبوري" وزير المواصلات آنذاك بأن هناك مذبحة تجرى في المخيمات، ولم يتخذ أي إجراء.
• إسحق رابين وسياسة تكسير العظام:
وبعد شامير يأتي رابين (1922م - 1995م) الذي ولد في القدس، ودرس في مدرسة زراعية، ثم اندرج ابتداءً من عام 1940م في منظمة صهيونية إرهابية تدعى "البالماخ" وتحول إلى الهجوم على حكومة الانتداب، وفي حرب 1948 عمل كضابط عمليات، واشترك في الاستيلاء على القدس، وما لبث أن صار قائداً للواء عسكري ثم ضابطاً مسؤولاً عن الجبهة الجنوبية.
وخلال الأعوام العشرين التالية شغل مناصب عسكرية متصاعدة، فكان قائداً للمنطقة الشمالية (1956م - 1959م) ثم رئيساً لشعبة العمليات ونائباً لرئيس الأركان ثم رئيساً لها (1964م - 1968م) وقائداً للجيش خلال حرب 1967م.
وتقاعد رابين في عام 1968م، وعمل سفيراً لإسرائيل في أمريكا، وبعد عودته في 1973م نشط حزبيّاً، ودخل وزارة جولدا مائير وزيراً للعمل، وعقب سقوط الحكومة بسبب حرب 1973م، انتخب رابين من قبل حزب العمل لخلافة مائير، وفي ظل حكومته وُقّعت اتفاقية الفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية والمصرية (1974م) والاتفاق المرحلي مع مصر (1975م) وأول مذكرة تفاهم بين أمريكا وإسرائيل (1975م)، إلى أن سقطت حكومته بدعوى انتهاك حرمة يوم السبت.
وبقي رابين - برغم ارتباط اسمه بفضيحة مالية بسبب زوجته - في طليعة الصف الأول من السياسيين الإسرائيليين. وفي الأعوام التي سبقت 1982م وقف رابين مع الغزو الإسرائيلي للبنان، واقترح انسحاب الجيش من لبنان مع الاحتفاظ بشريط أمني، وذلك في أثناء توليه وزارة الدفاع في حكومة الوحدة بين حزبي العمل والليكود (1984م - 1990م).
وفي أثناء الانتفاضة الفلسطينية (1987م - 1991م) انتهج رابين سياسة عُرفت باسم "تكسير العظام"، وهي التي ألجأته إلى تبني أساليب وحشية منظمة لقمع الفلسطينيين، وكانت مثار انتقاد واسع عربيّاً ودوليّاً.
وبعد انطلاقة عملية التسوية في مدريد، وعقب سقوط حكومة الليكود، لمع نجم رابين من جديد فتولى رئاسة حزب العمل ثم رئاسة الحكومة في عام 1993م، ووقَّعت حكومته اتفاق "أوسلو" مع منظمة التحرير الفلسطينية، واتفاقية "وادي عربة" مع الأردن 1994م، وخاضت مفاوضات مطولة مع سوريا أفضت إلى ورقة عُرفت بوديعة رابين نصت على انسحاب كامل من الجولان لقاء ترتيبات أمنية وتطبيع للعلاقات.
وانتهت حياة هذا السفاح الصهيوني باغتياله على يد يميني متطرف سنة 1995م احتجاجاً على سياسته في عملية التسوية.

مدارس الاليانس اليهودية العالمية
يرجع تاريخ هذه المدارس إلى عام 1860 م عندما قامت جمعية (التحالف الإسرائيلي العالمي) إسرائيل يونيفرسل Alliance Israelite Universelle التي عرفت إختصاراً بأسم (الأليانس) وتعني بالفرنسية (التحالف)، وهي منظمة يهودية فرنسية تأسَّست في باريس بهدف الدفاع عن الحريات المدنية والدينية للجماعات اليهودية وسعت لتنمية مجتمعاتها المختلفة عن طريق التعليم والتدريب المهني وإغاثتهم في الأزمات، وهي مدعومة من قبل المليونير اليهودي الماسوني الشهير (آدمن دي روچيلد) وقد أسست لها هذه المدرسة مدارس فرعية في جميع أنحاء العالم حيثما وجدت جاليات يهودية. وكانت الغاية طبعاً بث روح الثقافة الغربية والتبعية للمشاريع القومية والانفصالية للزعامات اليهودية الاوربية.
في العراق تأسست أول مدرسة في بغداد عام (1865) ثم توالت المدارس في كل من البصرة والموصل والحلة والعمارة والموصل.
ومع الزمن راحت تتكشف سياسة الأليانس في دعم الصهيونية من خلال حث الطلاب على الهجرة إلى فلسطين وتوجيههم إلى العمل من أجل الوطن الموعود.وأما من حيث المناهج الدراسية فأن المدارس كانت تطبق الخبرة الفرنسية إلى جانب الخبرة اليهودية بما فيها من تطور وتقدم، وقد أتفقت جمعية الأليانس على أن يكون التعليم في المدارس باللغة الفرنسية وأن تكون المناهج علمانية إلاّ أن قوة الأليانس جعلت فرنسا توافق على تدريس المواد الدينية وباللغة العبرية!! وأما اللغة العربية التي يدَّعي اليهود أنهم ينتمون إلى بلدانها وأنها لغتهم الأصلية فلم يكن لها حظ يذكر أو كانت في هامش تفكيرهم، وكان الحرص على تعلّم اللغات الأجنبية والتحدّث بها بطلاقة في المدارس اليهودية، أشد كثيراً من الحرص على تعلم اللغة العربية، كل ذلك، من أجل قطع رابطة الطالب اليهودي والطالبة اليهودية باللغة العربية، أو لتهمل دراستها وإجادة الكتابة بها. فأن مدير مدرسة الأليانس اليهودية في مدينة العمارة على سبيل المثال، كان يُقاصص كل طالب يتكلم اللغة العربية، ويجبرهم على التكلم باللغة الفرنسية.
مقطع من دراسة : (الأليانس مدارس يهودية في قلب العالم العربي / خليل محمود الصمادي/ الرياض / مجلة المعرفة/ العدد155 / http://www.almarefh.org/news.php?action=show&id=65
يبقى أن نشير الى أنه من دلائل الحضور اليهودي الحالي في العراق، وجود هذا العدد الكبير من المراقد اليهودية المقدسة، التي أصبحت مع الزمن مقدسة أيضاً لدى المسيحيين والمسلمين، منها : ((مرقد النبي ناحوم في القوش - شمال نينوى // قبر عزرا أو العزير - بين القرنة والعمارة // مدفن النبي حزقيال أو ذي الكفل - قرب الحلة // مرقد يوشع كوهين بجانب الكرخ - بغداد // مرقد الشيخ اسحق الغاووني - بجانب الرصافة - بغداد)).
بالاضافة الى أن هنالك مقامات مقدسة لدى العراقيين مسلمين ومسيحيين وهي تنسب الى أنبياء يهود، منها (مقام النبي يونس) في الموصل، و(مقام النبي دانيال) في كركوك.

من أدباء اليهود في العصر الحديث
لقد شارك اليهود في الحياة الثقافية وأصدروا الصحف والمجلات (مجلة المصباح والحاصد) وكتبوا نتاجهم باللغة العربية ومن أبرزهم الأديب مير بصري والشاعر أنور شاؤول ومراد ميخائيل ويعقوب بلبول وسالم درويش وأخوه سلمان وإبراهيم يعقوب وعبيده وسالم الكاتب وسالم قطان.
· أنور شاؤول : شاعر وقاص ومحام ولد في الحلة عام 1904 واستقر في بغداد، زاول المحاماة وأصدر مجلة الحاصد الأسبوعية، غادر العراق في عام 1971 وتوفي عام1984 ، له مؤلفات كثيرة كان من أبرزها قصة الفلم السينمائي (عليَّة وعصام)، كما قام بنظم قسم من ملحمة کلکامش شعراً، وترجم بعض الأعمال الأدبية، حتى عَدَّه المهتمون بالقصة من رواد القصة الحديثة.
· الدكتور مراد ميخائيل : ولد في بغداد 1906 واشتغل في سلك التعليم حتى أصبح مديراً لعدة مدارس ثم درس الحقوق ورحل إلى طهران لإدارة المدرسة العراقية هناك ثم إلى باريس وفلسطين مشتغلاً بالصحافة ونال شهادة الماجستير في العربية والحضارة الإسلامية ثم الدكتوراه في عام1965 واشتغل بتدريس العربية في يافا ومحاضراً في الجامعة. كان ميالاً للأدب منذ الصغر وقد أخذ ينشر مقالاته وشعره تحت أسم (نزيل الشرقاط ) وقد غلب على شعره طابع الحزن والأسى وبعده عن الجمل المعقدة متأثراً بأدباء المهجر.
نشر مجموعتين شعريتين وألف تاريخ الأدب العربي في ثلاثة أجزاء. توفي في عام1986 .
· شالوم درويش : ولد في ميسان وأنتقل إلى بغداد ونال شهادة الحقوق عام 1938 وشارك في الحياة السياسية والأدبية حتى أصبح عضواً في مجلس النواب، وبعد حرب 1948 نزح إلى فلسطين متسللاً عبر إيران ليعمل في الصحافة ويواصل عمله الأدبي بعد الانقطاع. تميزت قصصه بالمبالغة في الوصف وأعتنائه بأختيار شخصيات من الحياة وتصوير عالمها الداخلي، وهي غالباً ما تكون محبطة وهامشية، ومن أبرز مجاميعه القصصية (أحرار وعبيد) ومجموعة (بعض الناس).
· مير بصري : ولد في بغداد 1911 ودرس اللغة العبرية والاقتصاد والأدب العالمي وتاريخ العراق والعروض، وبدأ بنظم الشعر باللغتين (العبرية والفرنسية) ما لبث أن تحول إلى العربية، ويعتبر مؤلفه (أعلام اليهود في العراق الحديث) الأول من نوعه في اللغة العربية كونه كتبه عن شخصيات عاشرها وعرفها عن كثب وترجم لها بصدق وموضوعية. بدأ (مير بصري) بنشر نتاجه الأدبي في الصحف والمجلات ثم قام بنظم العديد من الملاحم الشعرية، وقد نظم شعراً بأغراض متعددة، ومن أبرز شعره قصيدته (يهودي في ظل الإسلام) التي يقول فيها (إن كنت من موسى قبست عقيدتي / فأنا المقيم بظل دين محمد، وسماحة الإسلام كانت موئلي / وبلاغة القرآن كانت موردي، ما نال من حبي لأمة أحمد / كوني على دين الكليم تعبّدي).
هذا وله مؤلفات عديدة في مختلف الاختصاصات.
مقطع من محاضرة في دار المرتضى عن كتاب الدكتور ( طالب مهدي الخفاجي) أستاذ الأدب العبري القديم في كلية اللغات / جامعة بغداد الموسوم بـ (أدب اليهود العراقيين وثقافتهم في العصر الحديث).
أوضاع اليهود في العصرين العثماني والحديث
هكذا إذن، ظلت اليهودية في العراق تزدهر مع ازدهار الوطن، وتتراجع بتراجعه. فبعد سقوط بغداد على يد المغول عام 1258 م، عانى اليهود مثل باقي العراقيين، من الاضطهاد والانحطاط الحضاري. وفقدوا دورهم الريادي في قيادة يهود العالم. ولم تبدأ أوضاعهم بالتحسن إلاّ بعد استقرار الاوضاع في الدولة العثمانية. نسجل هنا هذه المقاطع المختلفة التي تكشف عن أحوال اليهود الانسانية والثقافية حتى هجرتهم الى إسرائيل في خمسينات القرن العشرين :
أحوال اليهود في العصر العثماني
في ظل العهد العثماني تمتعت الأقليات الدينية بأستقلالها الذاتي في الإشراف على أمورها الدينية وإدارة مؤسساتها الخيرية والتعليمية مع أتصال هذه الأقليات في النهاية بجهاز الدولة العام. وقد كان على رأس الطائفة اليهودية جهاز ديني مدني، وكانت الأمور الدينية بيد رئيس الحاخامية (حاخام باشا) الذي يعين من قبل الباب العالي. أما الإدارات الطائفية فكانت بيد إحدى الشخصيات التي تنتمي إلى عائلات يهودية رفيعة المقام ويسمى (ناسي) أي الرئيس. ويأتي بعد هاتين الشخصيتين مجلس مكَّون من عشرة أشخاص ومحكمة حاخامية برئاسة الحاخام باشا، كما كانت للطائفة اليهودية في بغداد مؤسساتها التي تتلقى الدعم المادي من صندوق الطائفة.
النشاط الاقتصادي
برزت مكانة اليهود (خلال الفترة الأخيرة من الحكم العثماني) في مجال التجارة والأعمال، وكان رئيس صيارفة الوالي المعروف باسم (صراف باشا) يهودياً، وأشتهر من بين هؤلاء الصيارفة ساسون بن صالح بن داود الذي تقلد هذه الوظيفة أعواماً طويلة. وقد انتشر يهود العراق في المدن والقرى العراقية ولا سيما بغداد والموصل والبصرة وكركوك، وكانوا يقومون بالأعمال الاقتصادية المختلفة، وكانت لهم علاقات تجارية وثيقة بالهند وإيران. وازدهر هذا الدور إثر افتتاح قناة السويس في مصر عام 1868، وتعاظم دورهم في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق بعد الحرب العالمية الأولى عام1919 . وتولى العديد من يهود العراق رئاسة المصالح الاقتصادية والمكاتب الحكومية، وكان لهم بنوك عديدة منها بنك زلخة وبنك كريديه وبنك إدوارد عبودي وغيرها، كما احتكروا عدة صناعات كالأبسطة والأثاث والأحذية والأخشاب والأدوية والأقمشة والتبغ والجلود وغيرها، واحتكروا استيراد بعض السلع مثل منتجات شركة (موبيل أويل) الأميركية، كما عملوا في معظم المهن الحرة كالطب والصيدلة والصحافة والطباعة. وبلغت مساهمة يهود العراق في الحركة الاقتصادية أوجها قبيل الحرب العالمية الثانية، إذ كان أكثر من نصف الأعضاء الثمانية عشر بغرفة تجارة بغداد من اليهود وكان من بينهم الرئيس والسكرتير.
النشاط الاجتماعي والسياسي
كان للطائفة اليهودية في العراق مؤسساتها الخيرية الخاصة التي تقدم لأفرادها الخدمات الاجتماعية والتعليمية والصحية، مما جعل المستوى الاجتماعي العام للطائفة فوق المعدل العام للسكان. وبرزت في ذلك المجال جمعية شومري متسفا (المحافظون على الشريعة) حيث كان لها دورها في مجال النشاط الاجتماعي. كما تعددت الجمعيات الخيرية اليهودية في بغداد، وكانت لها نشاطاتها المتعددة وخدماتها المتميزة لأبناء الطائفة. ولم يكن مصرحاً لليهود بالخدمة العسكرية، وكانت الحكومة التركية تقدر مبلغاً سنوياً تدفعه الطائفة ويعرف بـ (بدل العسكرية) مع إعفاء لرجال الدين وأولادهم من دفع هذا المبلغ. وظل هذا الوضع قائماً حتى بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، حيث أصدرت الحكومة بياناً تضمنت الفقرة الأولى منه ضمان حقوق الأقليات ومنحها المساواة في الحقوق المدنية والسياسية وغيرها.
ويمكن القول إن الطائفة شهدت تغيراً كبيراً في جوانب حياتها الاجتماعية المختلفة في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق، حيث ظهرت علامات الانفتاح على الغرب وتناقص التمسك بالشرائع اليهودية. وكان للطائفة بالعراق مجلس ينتخب أعضاؤه من بين أفراد الطائفة كل أربع سنوات، ثم أصبح كل سنتين فيما بعد.
أما فيما يتعلق بمشاركة الطائفة في الحياة السياسية العامة، فقد كان لليهود مندوب تنتخبه الطائفة ليمثلها في مجلس (المبعوثين) الذي أفتتحه الأتراك عام1876 . ولما أعلن الدستور العثماني عام 1908 قابله اليهود بالترحاب، كما رحبوا بالحكومة العراقية الجديدة تحت الانتداب البريطاني، وتم تعيين اليهودي ساسون حزقيال أول وزير للمالية العراقية عام 1921 بالإضافة إلى يهود آخرين تولوا مناصب حكومية مهمة في العراق.
وكشأن سائر الأقليات كان لليهود ممثلون في مجلس النواب والأعيان بالعراق. وقد نصت الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون المجلس التأسيسي عام 1922 على أن يكون من بين الأعضاء يهوديان من بغداد وواحد من كل من البصرة والموصل وكركوك، كما نصت المادة التاسعة من قانون انتخاب النواب (رقم 11 لعام1946 ) على أن يمثل اليهود العراقيين ثلاثة نواب من بغداد، ونائب عن الموصل، إلى جانب من يمثلهم في مجلس الأعيان.
وباستثناء بعض الحوادث التي وقعت نتيجة عوامل خارجية، لم يواجه يهود العراق أي مصاعب من قبل المسلمين وبخاصة في الفترة الواقعة من منتصف الستينيات من القرن التاسع عشر وحتى الهجرة الجماعية من العراق في منتصف القرن العشرين. وقد كان للقوانين التركية التي صدرت منذ عام 1839 وحتى عام 1914 الفضل في تحسين أوضاع يهود العراق أسوة بغيرهم من يهود البلاد الإسلامية الأخرى الخاضعة للدولة العثمانية، حتى أنهم توقفوا عن دفع الجزية التي كانت مقررة عليهم.
التعليم والثقافة
بالاضافة الى المدارس اليهودية الخاصة، مثل الاليانس، كان أيضاً من المسموح به ليهود العراق الالتحاق بالمدارس الحكومية، ودأبت الحكومة على إرسال مدرس للدين اليهودي في كل مدرسة بها تلاميذ يهود، كما أقامت الحكومة عام 1933 مدرسة حكومية للبنات خاصة باليهود أسوة بالمسيحيين وأسمها (مدرسة منشى صالح) ثم أنشئت أخرى للبنين عرفت بأسم (رأس القرية). ويمكن ملاحظة الاهتمام الخاص بتدريس اللغة العبرية وبخاصة في أعقاب الاحتلال البريطاني للعراق، كما كانت الدعوة توجه إلى مدرس العبرية من فلسطين إلى العراق. وقد ظهرت آثار كبيرة لتغيير مناهج التعليم في المدارس اليهودية وتدريس اللغات الأجنبية والحية ودروس المحاسبة ومسك الدفاتر وتعليم المهن والحرف والمساعدات المالية التي تتلقاها هذه المدارس اليهودية من الأثرياء والأوقاف ووزارة المعارف.. وهو ما أسهم في خلق وضع متميز للمدارس اليهودية في العراق عامة وفي بغداد خاصة، وانعكس ذلك كله على المجال الأدبي، فظهر من بين أبناء الطائفة شعراء وأدباء كتبوا بالعربية، كما أعطت الصهيونية - التي بدأت تمارس نشاطها بالعراق- دفعة قوية للَّغة العبرية، وإن كان ذلك في معظم الأحيان قد أتخذ صورة غير رسمية.
ولعل أول مطبعة عبرية تأسست في العراق كانت عام 1863 على يدي موسى باروخ مزراحي حيث قامت بطباعة أول جريدة عبرية وسميت (هادوفير) أي المتحدث، كما نشرت بعض الكتب. ومع أوائل القرن العشرين أنشئت مطابع أخرى قامت بطباعة العديد من الكتب العبرية، وكانت أشهر دور النشر اليهودية دار (رحمايم) في بغداد، وكان إنتاج هذه الدور يلقى رواجاً بين الطوائف اليهودية في الهند والصين.
وشهد القرن العشرين نهضة يهودية فيما يتعلق بأستخدام اللغة العربية، إذ اتجه الشباب اليهودي في العراق إلى البحث العلمي والتأليف الأدبي بالعربية ممثلين بذلك انتصاراً للتيارات العلمانية التي سادت الطائفة في ذلك الوقت. وكان أول كتاب صدر بالعربية الفصحى في هذا القرن عام 1909 وعنوانه (الثورة العثمانية) لليهودي العراقي سليم إسحاق، كما صدرت صحيفة عربية تركية هي صحيفة (الزهور) التي حررها اليهودي نسيم يوسف سوميخ وغيره.
العلاقات الإسلامية اليهودية
من خلال عرض أحوال الطائفة اليهودية بالعراق يمكن القول إن العلاقة بين مسلمي العراق ويهودها على المستوى الرسمي والشعبي كانت جيدة للغاية، إذ لم يكن هناك ما يعكر صفوها، حيث كانت الطائفة تنعم بالحياة الآمنة المستقرة مع سائر سكان البلاد. ولم تكن الشدائد والصعاب التي مرت بالعراق في بعض فترات تاريخه لتميز بين مسلم ويهودي ومسيحي. وقد انعكست هذه العلاقات الطيبة في أدبيات يهود العراق على نحو ما نجد عند القصاص أنور شاؤول وسمير نقاش وإسحاق بار موشيه وغيرهم. ولم يفكر يهود العراق في ترك البلاد خلال العصور المختلفة، وجميع من هاجر خلال القرنين الماضيين (مثلاً) كانت دوافعهم إما تجارية حيث اتجهت بعض العائلات نحو الهند والشرق الأقصى، أو دينية إذ هاجرت بعض العائلات أيضاً إلى فلسطين منذ منتصف القرن19 . وبسبب تسرب الفكرة الصهيونية القومية إلى يهود العراق وإقامة إسرائيل شهد العراق في أعوام الخمسينات هجرة جماعية لمواطنيه اليهود، ولم يبق منهم إلاّ القليل لا تتوفر أي معلومات موثقة عنهم خاصة بعد الأحداث الأخيرة التي ألَّمت بالعراق.

اليهودية العراقية في العصر العباسي
إستمر اليهود مقيمون في العراق ويشاركون في صنع تاريخه وحضارته طيلة أكثر من 2500عام، وقد اعتبروا أنفسهم مثل باقي العراقيين. كذلك استمر أيضاً دورهم الريادي الاول في الديانة اليهودية في أنحاء العالم وتطويرها من كل النواحي.
حال اليهود في العصر ـ الآرامي ـ المسيحي
بعد سقوط بابل، آخر دولة عراقية في العصر القديم، على يد الفرس، بدأت الحضارة العراقية بالخفوت. ومع بروز الرومان، بدأت تتكون مراكز حضارية مهمة جديدة في البحر المتوسط، وخصوصاً في الاسكندرية، التي أصبحت مركزاً للثقافة الهيلينية التي كانت تجمع بين عرفانية الشرق الروحانية وفلسفة الاغريق. وأصبحت الاسكندرية أيضاً مركزاً لنشاط اليهود وتطوير اليهودية، وخصوصاً بعد أن تمت فيها الترجمة السبعينية للتوراة الى اللغة اليونانية في القرن الثاني ق.م.
أما في العراق فقد شارك اليهود باقي الطوائف العراقية معاناتهم ومباهجهم. فخلال الدولة الفارسية الساسانية (226- 651 ميلادية). فقد تعرضت الطوائف العراقية (غالبية مسيحية نسطورية مع أقليات من الصابئة والمانوية واليهود) الى حملة قمع وإعدامات من قبل ملوك فارس، بسبب رفض العراقيين اعتناق المجوسية. وتعتبر الفترة الواقعة بين عام 339ـ 379 ميلادي من أكثر عهود الاضطهاد المسيحي حيث سميت بفترة الاضطهاد الأربعيني، حيث دامت أربعين عام، إبان فترة الملك سابور الثاني. فقد حدثت ما تعرف بمذبحة الاضطهاد الأربعيني سنة 341م واستمرت عشرة أيام وراح ضحيتها 130 رجل دين مسيحي، وفي سنة 345 م حدثت مذبحة أخرى راح ضحيتها 120قساً وكاهناً. إلاّ أن وضع المسيحيين في العراق تحسن في عهد الملك الساساني يزدجر الاول (399-420 ) بعد أن تحقق الصلح مع الرومان. إلاّ أن الملك بهرام الخامس (421-438 ) عاد الى ممارسة اضطهاد المسيحيين في العراق موغلاً في قتل القساوسة والرهبان موجهاً حملةً دموية على منطقة (كرخ سلوخ) أي كركوك كانت نتيجتها مقتل 446 من القساوسة هناك.وشملت إعدامات الكهنة من جميع الاديان وخصوصاً المسيحيين. كذلك في زمن الملك (فيروز 459- 486م) بلغ الاضطهاد ذروته، فأغلقت المدارس الدينية ومنها أكاديمية صور اليهودية. وفي أول القرن السادس 501م طغى مذهب مزدك الذي جعل الممتلكات والنساء حظاً مشاعاً بين الناس،، ولحق بغير المجوس اضطهاد عنيف، ولكن مدة مزدك لم تطل، فقد مات سنة 528م، فتنفس العراقيون الصعداء من جديد. لقد ظهر بين اليهود معلمون جدد كانوا يسمون ساباريم (السابرون أي المفكرون).
دور اليهود في العصر العباسي العراق
وبعد سقوط الدولة الفارسية بعد الفتح الاسلامي سنة 636 م قابل العراقيون (مسيحيون ويهود ومانوية وصابئيون) وصول العرب المسلمون الفاتحون بارتياح وترحيب كبيرين لأنهم سأموا ما تعرضوا له من ظلم إبان العهد الفارسي. عاش اليهود بنوع من السلام والازدهار، لأن الاسلام اعترف بهم كدين كتابي مثل باقي الطوائف. ولقد ازداد عدد اليهود في العراق بعد إجلاء يهود نجران (اليمن) إلى الكوفة حوالي سنة 20 هجرية. وبحكم وجودهم العريق في العراق ودورهم الثقافي والمالي المتميز فأنهم تمكنوا من العمل تحت إمرة الولاة العرب في مجالات إدارية عديدة، بل ومنهم من عمل في مجال علوم اللغة العربية كالأدب والنحو. وتحسن أوضاعهم أكثر مع الخلافة العباسية والحصول على رعاية الخليفة. كما كانت ليهود العراق لهجة عربية خاصة بهم، وكتبوا كذلك بعض مؤلفاتهم بلغة عربية وبحروف عبرية وخاصة في مجال العلوم الدينية، كما برز منهم أدباء وشعراء كتبوا بلغة عربية فصحى، وترجموا إليها من لغات كانوا يعرفونها كالآرامية واليونانية. وقد أصبح لهم رئيس يتولى شؤونهم كان يسمى (رأس الجالوت ـ رئيس الجالية)، الذي اعتبر رئيس الطائفة اليهودية في العالم أجمع. لقد استفاد اليهود من جو التسامح والرعاية، فلمع منهم العديد من العلماء والأطباء والحرفيين والخازنين، ورجال المال، وكان منهم الطبيب (فرات بن شحناتا) و(حسداي بن أسحق). وقد ازدهرت معابدهم في عهد الخليفة المعتضد خصوصاً (أكاديمية سورا التلمودية)، ولمع من الأحبار والعلماء (سعديا بن يوسف الفيومي) و(هارون بن يوسف) وغيرهم.
لكنهم أيضاً مثل باقي الطوائف العراقية كانوا يتعرضون لفترات اضطهاد، لكونهم من (أبناء الذمة)، كما حصل في عهود بعض الخلفاء المتعصبين، مثل عهد المتوكل (القرن التاسع) وكذلك القادر بالله (القرن11 ) حيث فرضت عليهم التمايز ببعض المظاهر. ولقد تحدث (الرابي بنيامين القطيلي) الذي زار العراق في عهد خلافة المستنجد بالله (القرن12 ) عن حالة اليهود المزدهرة في هذا العهد، حيث يقول:
((ويقيم ببغداد نحو أربعين ألف يهودي، وهم يعيشون بأمان وعز ورفاهية في ظل أمير المؤمنين الخليفة، وبين يهود بغداد عدد كبير من العلماء وذوي اليسار، ولهم فيها ثمانية وعشرون كنيساً، قسم منها في جانب الرصافة، ومنها في جانب الكرخ على الشاطئ الغربي من نهر حدقل (دجلة) الذي يمر في المدينة فيشطرها شطرين. وكنيس رأس الجالوت بناء جسيم، فيه الأساطين الرخام المنقوشة بالأصباغ الزاهية المزوقة بالفضة والذهب، وتزدان رؤوس الأساطين بكتابات من المزامير بحروف من ذهب، وفي صدر الكنيس مصطبة يصعد إليها بعشر درجات من رخام، وفوقها الأريكة المخصصة لرأس الجالوت)). وتذكر المصادر أنه كان لليهود في العراق كله خلال القرن الثاني عشر الميلادي 10 مدارس دينية و238 كنيساً.
مترجموا التوراة الى العربية في القرن العاشر
برز العديد من المترجمين للكتب اليهودية (الآرامية والعبرية) الى العربية أو العكس منهم: (يهوذا ابنيوسف) المعروف بـ (ابن أبي الثناء) تلميذ (ثابت بن قرة الصابئ) في الفلسفة والطب وفي الرقة // (سعيد بن علي المعروف بابن أشلميا بالرقة أيضاً// يعقوب بن مردويه ويوسفبن قيوما // إبراهيم اليهودي التستري // العلامة سعيد بن يعقوب الفيومي (عاش ومات في بغداد)([62]).
تأسيس فرقة القرائين في بغداد
في القرن الثامن تكونت طائفة القرائين (קָרָאִים: قَرائِيم) اليهودية في بغداد على يد الكاهن اليهودي العراقي (عنان بن داود). وتعتبر إمتداد للتيارات اليهودية التي رفضت الاعتراف بالتلمود، بأعتباره كتاباً غير مقدس موضوع من قبل الكهنة. وقد تأسست أيام الخليفة (أبي جعفر المنصور) (القرن الثامن).
إن إيمان القرَّائين يقتصر على التوراة وسفر يوشع بأعتبارهما المصدرين الوحيدين للفكر الديني اليهودي ولتشريع الفرائض. انتشرت الفرقة القرائية إنتشاراً واسعاً بين جمهور اليهود وكادت أن تطغى على التلموديين حتى قام الحبر المتكلم سعاديا بن يوسف الفيومي وبدأ بمجادلة القرائين معتمداً في ذلك على مناهجهم العقلية التي أخذوها عن متكلمي المسلمين وخصوصاً المعتزلة.
كذلك تاثر الدين اليهودي بالتطور الحاصل في الاسلام والتيارات المختلفة التي ظهرت فيه. فظهر مجددون من أمثال الفيلسوف (بنيامين النهاوندي) الذي جدد التعاليم التوراتية، ومنحها بعداً روحياً فلسفياً. وعاصر النهاوندي متفلسف آخر هو (دانيال الخوميسي)، وكان صاحب نزعة مخالفة لصاحبيه معاً، سواء في العقيدة أو الشريعة، فقد أنكر النـزعة التأملية التي دعا (عنان) إليها، وكذلك أنكر النزعة الرمزية التي نادى بها (النهاوندي).
تطوير اللغة العبرية وإبداع نحوها في بغداد
كان للثقافة العربية الاسلامية في العراق خصوصاً، وكذلك في الاندلس ومصر، أثر فعّال في العصورالوسطى في تطوير اللغة العبرية والمحافظة عليها من الانقراض، وقد دأب علماء اليهودعلى تأليف الكتب اللغوية على غرار المؤلفاتالعربية في قواعد اللغة من صرف وبلاغة وعروض، حتى إن الشعراءاليهود لا سيما الأندلسيون منهم قرضوا الشعر العبري وفقاً للأبحر الشعرية المألوفةفي اللغة العربية.وتناولت فنون الشعر العبري جميع الأغراض المعروفة في الشعر العربي من مدحوهجاء وفخر ورثاء وحكمة ووصف وغزل. لقد حاكى الشعراء اليهود الشعراء العرب فيالنظم العلمي التعليمي، وفي نظم الأحاجي والألغاز، وانفرد الشعراء العبريون في فنواحد هو الحنين إلى أرض الميعاد.
ويعتبر (سعديا بن يوسف الفيومي) من القرن العاشر م. من مؤسسي النحو العبري بالاعتماد على النحو العربي. وهو علامة يهودي مصري انتقل الى بغداد وأبدع في علوم الدين واللغة العبرية. وترجم اسفار العهد القديم من الآرامية الى العبرية. ثموضع كتابي اللغة العبرية والفصاحة. كذلك تأثر سعديا بالعلومالدينية الاسلامية وخصوصاً بمذهب المعتزلة، ويظهر هذا التأثير جلياً في معالجته الديانةاليهودية، ويعتبره النحاة اليهود (أبا النحو العبري)، وجاء من بعده من النحاة(مناحيم بن سروق) الذي ألف كراسة في قواعد العبرية، و(دوناش بن لبراط) و(يهودا بن داودحيوج) المشهور عند العرب بـ (أبي زكريا يحيى)، وغيرهم، وقد ألفوا كتبهم من لغوية وغيرهاباللغة العربية، وسلك جميعهم في كتبهم النحوية مسلك النحاة العرب. وقد نقل اليهود إلى لغتهم العلوم الإسلامية كاللاهوت والطب والفلسفةوغيرها ككتب ابن سيناء وككتابَيْ : (تهافت الفلاسفة للغزالي وتهافت التهافت لابن رشد)،وقد أدى هذا الاحتكاك إلى تهذيب العقيدة اليهودية فيما يتعلق بالذات الإلهيةوصفاتها، ويسمي مؤرخوا الأدب العبري العصر الأندلسي بالعصر الذهبي للغةالعبرية.

المسيحية أول ديانة توحيدية ـ سماوية
إن من يطالع كتاب اليهودية (التوراة) وكتاب المسيحية (الانجيل)، سوف يندهش من هذا التناقض العجيب والحاد بين مضموني الكتابين والرسالة الاخلاقية والالهية لكل منهما. فكما بيَّنا في أول دراستنا هذه، إن (التوراة) مليئة بالمضامين اللاّأخلاقية واللاّأنسانية التي تبرر كل الافعال المشينة ضد الانسان. وإن رب اليهود (يهوه) لا أخلاقي ودموي وغيور ومزاجي ومخادع ولا يعرف الرحمة أبداً. وهو رب قومي عنصري خاص باليهود ويبرر لهم كل جرائمهم ضد غير اليهود (الغويوم ـ العوام).
أما كتاب (الانجيل) فهو يعتبر خلاصة الروحانية العرفانية المفعمة بالدعوة الى السلام والتسامح ومحبة الانسانية جمعاء. وإن المسيح نقيض (يهوه) المطلق، إذ أتى من أجل خلاص الأنسانية والتضحية بذاته من أجلها. وإذا كانت التوراة تدعوا إلى تبرير كل السلوكيات أللاّ أخلاقية من أجل الاستفادة من الحياة الدنيا، فأن الأنجيل نقيضها التام إذ يدعوا الى الزهد بالحياة الدنيا من اجل الفوز بالحياة الآخرة ملكوت السماء.
إذن هنا يفرض هذا السؤال المحير والخطير نفسه: ما الذي دعى المسيحية أن تتبنى التوراة (وباقي اسفار العهد القديم) وتعتبرها المصدر المساوي بأهميته للأنجيل؟!
علماً بأن هذا الاستغراب من تبَّني المسيحية لكتاب اليهودية، ليس بدعة حديثة من قبلنا، بل كان أمراً شائعاً لدى المسيحيين خصوصاً في قرون التأسيس الاولى. وجرت محاولات عدة خصوصاً من الجماعات المسيحية الروحانية. فها هو المصلح المسيحي الكبير (مرقيون) من القرن الثاني م، وهو سرياني من آسيا الصغرى (تركيا)، وقد كتب ما سمي بـ (إنجيل مرقيون) أو (إنجيل الرب) وقد نظفه من كل أثر يهودي، وأعتبر (يهوه) أله الشر. لكن الكنيسة الكاثوليكية قد أعتبرته مارقاً وأحرقت كتبه.
ليس لدينا جواب مفصل حول هذا التساؤل المشروع، ونحن غير مؤهلين للدخول بمثل هذا المعترك البحثي التاريخي والعقائدي من أجل بلوغ الجواب الشافي. لكننا نطرح الجواب الأولي التالي :
ـ ان تبني المسيحية للتوراة، يعود الى سبب سياسي فرضه الواقع التاريخي الذي ولدت فيه المسيحية. فهي ولدت في فلسطين حيث كان اليهود هم الحكام المخولين من قبل الامبراطورية الرومانية المهيمنة على فلسطين وعموم البحر المتوسط. لهذا فأن المسيحية من أجل أن تمنح نفسها بعض المقبولية بين الحكام والنخب الفاعلة في فلسطين اضطرت أن تدَّعي بأنها لم تأت كنقيض لشريعة موسى، بل مكملة لها. يقول السيد المسيح: ((لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أوالانبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل.. الى أن تزولالسماء والارض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل)) (انجيل متي 5 : 17و18 ) وقد فسر ورثة المسيحية على أن المقصود بالناموس (شريعة موسى)، ولكن بعض المذاهب المسيحية العرفانية، أمثال (مارقيون) قد عارضت هذا التفسير، وان المقصود شريعة الله.
لقد أصبح هذا الارتباط باليهودية ضرورة عندما انتشرت المسيحية في نواحي البحر المتوسط، لأن الرومان كانوا يرفضون الاديان الجديدة، لكنهم يتسامحون مع الطوائف التي تدَّعي بأنها فروع مجددة داخل أحد الاديان المعترف بها في داخل الامبراطورية، وهذا ما دعى المسيحية الى الأبقاء على المصدر اليهودي لتبرير إدعائها بأنها طائفة يهودية مجددة.
ثم بعد أن تحولت المسيحية الى (دين دولة) بعد القرن الرابع م، كان من الضروري الابقاء على الكتاب اليهودي، لأن الانجيل بروحانيته وزهده ودعوته الى المحبة، لايصلح أن يكون كتاب أمبراطورية تمارس التوسع والهيمنة والقمع الديني والسياسي.
عظمة اليهودية
إن سر اليهودية وقدرتها على التأثير في الأديان التي أعقبتها واستمرارها كمصدر ميراثي ديني أساسي في العالم، وتأثيرها الكبير في المسيحية والاسلام، إنها جمعت في اسفارها خلاصة ثلاث عقائد أنسانية كبرى:
1- الميراث العقائدي الشفاهي البدائي المعبر بصورة صادقة وساذجة عن أولى معالم الايمان الديني لدى البشر. وقد عبَّرَت الاسفار الخمسة (التوراة) بصورة صادقة وأدبية ناجحة عن هذا الأيمان البدائي.
2- الديانة العراقية القديمة المسجلة بكل أساطيرها الكبرى مثل الخليقة والطوفان والجنة المفقودة والمهدي المخلص وغيرها الكثير، بالاضافة الى ثقافتها ورموزها وشرائعها.
3- الديانة العرفانية بكل تنوعاتها الروحانية والفلسفية والتي بلغت ذروتها في التصوف اليهودي (مذهب القبالا).
لقد نجحت اسفار (اليهود) بصورة أدبية فائفة بالتعبير عن نهاية المرحلتين العقائدية البدائية والحضارية العراقية والمشرقية، وميلاد مرحلة دينية جديدة: (الديانة السماوية التوحيدية).
هنا يكمن سر عظمة اليهودية وسر هذا التأثير السحري الذي مارسته على شعوب المنطقة بحيث تم إعتبارها (خطأ) أساس الأديان التوحيدية. إن الصدفة التاريخية مكَّنَت اليهودية من معايشة آخر زفرات العقيدة البدائية البدوية الموروثة منذ حقبة عميقة بقدمها، ثم آخر زفرات الحضارة العراقية وعموم الحضارة المشرقية التي دامت أكثر من ثلاثة آلاف عام شبه مستمرة. تمكنت التوراة بكل براعة ومأساوية أن تسرد خلاصة هذه العقائد والحضارات ألتاريخية التأسيسية الكبرى، بكل آلام احتضارها وخيباتها ولعناتها ونكساتها وخياناتها. إن الصور المأساوية الفنية العميقة والصادقة السائدة في نصوص التوراة، لم تعَّبر عن معاناة اليهود قدر ماعبَّرَت عن معاناة جميع شعوب المشرق وشعورهم بالأثم لأنهم خانوا ذواتهم ولم يتمكنوا من الحفاظ على سلطانهم وانحدروا الى أسفل مراتب الانحطاط .
وكان ذكاء النخب اليهودية، إنهم سرعان ما أدركوا قصور يهودية التوراة عن مجارات التطورات العقائدية الكبرى الجارية في المنطقة في القرنين الأخيرين السابقين للميلاد، لهذا سارعوا الى تبني (العرفانية) التي بلغت ذروتها بمذهب (القبالا) معتبريها جزءاً حيوياً وأساسياً من الديانة، بحيث ان الكثيرين ينسبون خطأ الى التوراة، الكثير من التصورات الروحانية السماوية الموجودة في العرفانية. في هذا الجمع الثنائي الخلاّق يكمن سلطان اليهودية.
سر تاريخ اليهود يكمن في جوهر ديانتهم
لو تمعّنا جيداً في تاريخ اليهود منذ ألفي عام وحتى الآن، للاحظنا الاستمرار العجيب لخاصيتين متناقضتين تماماً، نابعتين أساساً من طبيعة إيمانهم اليهودي نفسه :
1- خاصية التفوق: إنهم دائماً متميزين ونشيطين ويلعبون أدواراً أساسية ومعروفة في تاريخ الشعوب التي يعيشون بينها، سواء في الشرق أم في الغرب، وفي كل العصور. رغم إنهم أقلية، فإنهم في العصر الحديث يلعبون دوراً متميزاً في العالم، وخصوصاً في الغرب، على كل الأصعدة الحضارية والسياسية. لننظر الى اسرائيل التي تعامل وكأنها قوة عظمى، رغم حجمها الصغير جداً. وهذه الخاصية التفوقية نابعة من إحساسهم بالتفوق على باقي البشر لأن الله ميزهم واعتبرهم أسياداً على البشرية جمعاء، فهم (شعب الله المختار).
2- خاصية جذب العداء: رغم هذا التفوق فأن اليهود في كل المجتمعات التي عاشوا فيها، عانوا من الذم والعزلة والعنصرية التي تبلغ أحياناً حد القتل والتصفية الجماعية، كما حدث لهم مرات عدة في اوربا، آخرها مجازر (هتلر) في الحرب العالمية الثانية. حتى الآن ورغم كل التأثير السياسي والاعلامي الذي يمارسون على الانسان الغربي، الذي بلغ حد فرض القوانين الجزائية المرعبة على كل من يمس بكلمة واحدة سمعة اليهود (معادات السامية)، إلاّ أنه مع ذلك لا زال كره اليهود مخبئاً في أعماق غالبية الغربيين، ويعبّرون عنه همساً. إن خاصية جذب العداء، أيضاً نابعة من إيمانهم الديني. فأن الله الذي جعلهم (شعب الله المختار) أيضاً جعلهم (شعب الله المحتار) الذي عانى مشاعر ثقيلة من الأثم لأنهم إرتكبوا الخطايا وخانوا الانبياء ولم يتقيدوا بوصايا الرب. وان الرب جعلهم يتحمَّلون العذابات نيابة عن باقي البشرية، حتى بلوغ (الارض الموعودة)، وعندها يتحقق الخلاص لليهود وللبشرية جمعاء. إن إحساسهم بالخطيئة وتأثيم الذات والضياع يجعلهم يفتشون بصورة لا واعية عمن يعاقبهم ويمارس القسوة والاضطهاد ضدهم.
إذن هذا هو جوهر اليهود واليهودية: الثنائية التناقضية، بين الاحساس بالعظمة والتفوق، والاحساس بالاثم والضعة!
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى