مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* نحن اولى باسرئيل من اليهود - نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم.

اذهب الى الأسفل

* نحن اولى باسرئيل من اليهود - نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم. Empty * نحن اولى باسرئيل من اليهود - نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم.

مُساهمة  طارق فتحي السبت يوليو 23, 2011 4:43 pm

نحن اولى باسرئيل منهم
مُساهمة  طارق فتحي في الثلاثاء 4 أكتوبر 2011 - 7:11
ما جاء في القرآن الكريم من صفات نبي الله تعالى يعقوب عليه السلام:
مما لا شك فيه أن أنبياء الله عز وجل هم صَفْوَة خَلْقه، وأسيادُهم، وخِيْرَة البَشَر جميعًا، وأَكْمَلُهم. وقد أَثْنَى الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم على كثير منهم بجَمِيل الصِّفات، وعَظيم الشَّمائل، وكريم الأخلاق، وجَلِيْل النُّعُوت، وما يعقوب عليه السلام إلا نبي من خِيْرة أنبياء الله سبحانه وتعالى، ورسول من أكرم رُسُله عز وجل.
قال تعالى مُبَيِّنًا حِرْص هذا النبي الكريم على أن يُوصي أبناءه بالتَّمَسُّك بتوحيد الله تعالى، وإسْلام الوجه له، حتى في آخر لحََظات عُمره، وهو يَجُود بنَفْسِه على فِراش الموت: ﴿ وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:132-133].
وأمرنا الله عز وجل بالتَّمَسُّك بمِلَّة يعقوب عليه السلام - وهي مِلَّة الإسلام التي دان بها جميع أنبياء الله ورسله ودَعَوا إليها - في قوله سبحانه: ﴿ وَقَالُواْ كُونُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُواْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:135-136].
وبَيَّن نَبِيُّ الله يوسف عليه السلام فَضْل الله على أبيه يعقوب عليه السلام، بتَنْزِيهه عن الوقوع في أَدْران الشِّرْك، فقال فيما حَكاه الله تعالى عنه: ﴿ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَآئِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَن نُّشْرِكَ بِاللَّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ ﴾ [يوسف:38].
ونَفَى اللهُ تبارك وتعالى عن نَبِيِّه يعقوب عليه السلام وَصْف اليهودية، أو النَّصْرانية، وبَرَّأه من ذلك، فقال: ﴿ أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة:140].
وأَخْبَرَنا عَزَّ وجَلَّ عَمَّا كان من تَوارُث النُّبَوَّة والدِّيْن في آل يعقوب عليه السلام زَمنًا طويلًا، فيما حَكاه من دُعاء نَبِيِّه زكريا عليه السلام حين قال: ﴿ وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ﴾ [مريم:5-6].
وأمرنا الله سبحانه بأن نَجْهَر بالإيمان بما أُنْزِل على أنبياء الله تعالى جميعًا، ومنهم هذا النبي الكريم[1]، قال تعالى: ﴿ قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:84].
وأخبر الله تعالى نَبِيَّه صلى الله عليه وسلم أن الوَحْي الذي ينزل عليه صلى الله عليه وسلم هو عين الوحي الذي نزل على من قبله من الأنبياء[2]، ومنهم يعقوب عليه السلام، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴾ [النساء:163].
وقد بَشَّرَت ملائكةُ الله تعالى سارَّةَ زَوْج إبراهيم عليه السلام، بأنها سيُوْلَد لها وَلَدٌ اسمه إسحاق عليه السلام، وأنه سيكون لإسحاق عليه السلام وَلَدٌ يَخْلُفُه في حياتها، وحياة زَوْجِها، وهو يعقوب عليه السلام، قال تعالى: ﴿ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ﴾ [هود:71]، فيعقوب عليه السلام داخِلٌ في هذه البِشارة.
وأوضح الله تعالى كيف امْتَنَّ على خَليله إبراهيم بأن وَهَبه إسحاق، ومن ورائه يعقوب عليهم السلام جميعًا، وأنه تعالى أنعم عليهم بالهداية، ووصفهما وغيرهما من الأنبياء من ذرية نوح عليهم بالإحسان والصلاح، قال تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنعام:83 - 85].
وأخبر تعالى أنه امْتَنَّ على خَليله عليه السلام بهذين النبيين الكريمين: إسحاق ولده، ويعقوب ولد ولده، مُجازاة له على اعتزاله لقومه الذين يعبدون الأوثان من دون الله تعالى، ووَهَب له، ولذُرِّيَّته الذَّكْر الحَسَن، والثناء الجميل، بعد النُّبوة والكتاب، قال تبارك وتعالى: ﴿ فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا ﴾ [مريم:49-50].
وقال سبحانه عن تلك الهِبة: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [العنكبوت:27].
وكَرَّر الله تعالى ذِكْر ما أَنْعَم به على إبراهيم عليه السلام من الهِبَة بالوَلَد والحَفِيد، واصفًا إياهما بالصَّلاح، فقال: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴾ [الأنبياء:72].
ووَصَف اللهُ تعالى يعقوبَ عليه السلام بما وَصَف به إبراهيم، وإسحاق عليهما السلام، من القُوَّة في طاعة الله، والبَصِيرة في دِيْنه، وبَيَّن سبحانه وتعالى أنه اخْتَصَّهم بخَصائص عَظيمة؛ حيث جَعَل ذِكْرى الدَّار الآخرة في قلوبهم، فعَمِلوا لها بطاعة الله تعالى، ودَعَوا الناسَ إليها، وذكَّروهم بها، وأَبان اللهُ تعالى أنه اخْتارهم لطاعته، واصْطفاهم لرسالته، قال تعالى: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ ﴾ [ص:45 - 47 ].
وقال تعالى بعد أن ذكر عددًا من الأنبياء والمرسلين، وذكر ما امْتَنَّ به عليهم من الخِلال الكريمة، والشَّمائل الشَّريفة، وكان من هؤلاء المذكورين: موسى، وهارون عليهما السلام، وهما من ذُرِّيِّة يعقوب عليه السلام، وأَوْضَح سُبحانه وتعالى ما أَنْعَم به عليهم من الهِداية، والاصْطِفاء، وما اتَّصَفوا به من الخُشُوع والانْكِسار عند سماع آيات الله تعالى: ﴿ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا ﴾ [مريم:58].
وأَعْلَمَنا الله عز وجل بإتْمام نِعْمَته على نَبِيِّه يعقوب عليه السلام، وعلى آله؛ حيث ذكر الله تعالى قول يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف:6].
وأَثْنى الله سبحانه وتعالى على يعقوب عليه السلام بالعِلْم الذي عَلَّمه إياه، فقال: ﴿ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف:68].
وقَصَّ اللهُ تعالى علينا صورًا من صَبْره الجَميل عليه السلام في القرآن، فقال تعالى حِكاية عنه عليه السلام، أنه قال لبَنِيه لما جاؤوا بقَميص أخيهم يوسف عليه السلام مُلَطَّخًا بالدماء، مُدَّعِيْن أن الذِّئب قد أكله: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف:18].
ولما رجعوا من مصر بدون أخيهم الصغير بنيامين، وذكروا لأبيهم أنه سرق، قال يعقوب عليه السلام: ﴿ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف:83-84]، فقال له أبناؤه: ﴿ تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف:85] فقال لهم يعقوب عليه السلام: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 86].
فإنه عليه السلام ما شكا بَثَّه، وحُزْنه إلى مَخْلوق، و إنما شكاه إلى الله تعالى وحده، والبَثُّ هو شدة الحُزْن، وإن وُقوع البُكاء، والحُزْن من غير صَوْت، ولا كلام مُحَرَّم لا يُنافِي الصَّبْر، والرِّضا، وهذا ما كان من يعقوب عليه السلام؛ فإن الله تعالى وَصَف ما اعْتَراه عليه السلام من الحُزْن؛ لفِراق يوسف وبنيامين، فقال سبحانه: ﴿ وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف:84]، قال قَتادَة: كَظِيم على الحُزْن، فلم يَقُل إلا خَيرًا[3].
________________________________________
[1] أصل دين الأنبياء والرسل عليهم السلام جميعًا واحد هو الإسلام، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ [آل عمران:19]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85]، وثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ».والإخوة من عَلَّات: هم أبناء الرجل الواحد من أمهات شَتَّى، والعَلَّات هُنَّ الضَّرائِر. والمراد: أن أصل دينهم واحد؛ وهو التوحيد، وإن اختلفت فُروع الشرائع، كما أن أولاد الضرائر من أب واحد، وأمهات شَتَّى، وليس المقصود بإيماننا بما أنزل على جميعهم أن نؤمن بجواز العمل بما أنزل عليهم من شرائع، ربما يكون بعض أحكامها أو كثير منها في عداد المنسوخ، فلكل أمة شرعة ومنهاجًا، كلننا نؤمن بما أنزل عليهم من دعوة للتوحيد، ونبذ الشرك، ونؤمن أن ما أنزله الله عليهم من الكتب والشرائع كان حقًا، مع علمنا بما طرأ على الكتب السابقة عبر الأعصار من تبديل وتحريف.
[2] المراد بالوحي هنا جِنْس الوحي، وإلا فالمُوْحَى به يختلف من نبي لآخر، كما لا يخفى أن أنواع نزول الوحي على الأنبياء والرسل تختلف، وقد كان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم على كيفيات مختلفة، مذكورة في حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين. ومن المفسرين من ذهب إلى كون المراد من الآية أن الله تعالى أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم مثل الذي أوحاه إلى نوح عليه السلام، وغيره من الرسل، من التوحيد، والعدل، وغيرهما. انظر: التحرير والتنوير (6/31)، وتفسير السعدي (1/214).
[3] أخرجه ابن المبارك في الزهد (ص159)، ومن طريقه الطبري في تفسيره (16/218)، وابن أبي حاتم في تفسيره (7/2187).
قد جاء عن غير واحد من السَّلَف أن كلمة (الإل) المذكورة في القرآن هي بمعنى لفظة الجَلالة المُعَظَّمَة، (الله) عز وجل؛ فقد عَزا السيوطي في الدُّر المَنْثور[1] لابن المُنْذِر، عن عكرمة، قال: جبريل اسمه: عبد الله، وميكائيل اسمه: عُبيد الله، قال: والإل الله، وذلك قوله: ﴿ لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّاً وَلا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ ﴾ [التوبة:10]، قال: لا يرقبون الله.
وعَزا في المصدر نفسه[2] لأبي عُبَيْد في فضائل القرآن - ولم يُعْثَر عليه في المطبوع منه - وابن المُنْذِر في تفسيره، عن يحيى بن يَعْمَر، أنه كان يقول: جَبْر هو عَبْد، وإل هو الله.
وأخرج عبد الرزاق في تفسيره[3]، والطبري في تفسيره[4]، وابن أبي حاتم في تفسيره[5] عن مُجاهِد، أنه قال في تفسير قوله تعالى: ﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾ [التوبة: 10]: لا يَرْقُبون اللهَ تعالى، ولا غَيْرَه[6].
وعزاه السيوطي في الدر المنثور[7] لابن المُنْذِر، وأبي الشَّيْخ في تفسيريهما.
ولَعَلَّ الأَثَران آنِفا الذِّكْر عن يحيى بن يعمر، ومُجاهِد هما المُرادان في كلام ابن أبي حاتم رحمه الله تعالى المُتَقَدِّم نَقْلُه.
وقد جاء عن أبي مِجْلَز رحمه الله تعالى[8] تفسير الآية على نفس المعنى المذكور في الروايات الآتية عن عكرمة، ومجاهد، ويحيى بن يعمر رحمهم الله تعالى.
فقد روى الطبري في تفسيره[9] عنه، أنه قال: ﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾، قال: مثل قوله: "جبرائيل"، "ميكائيل"، "إسرافيل"، كأنه يقول: يضيف "جَبْر" و "ميكا" و "إسراف"، إلى "إيل"، يقول: عبد الله، ﴿ لاَ يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ﴾، كأنه يقول: لا يَرْقُبون الله[10].
وقد ذكر كثير من المُفَسِّرين، واللُّغَوِيِّين، أنه رُوي عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه قال لمَّا سمع بسَجْع مُسَيْلمة الكذاب: «هذا كلامٌ لم يَخْرُجْ من إلّ» أي لم يأت من عند الله عز وجل.
ولم نقف على أحد أَسْنَد هذا الخبر، ولو بإسناد ضعيف، وإنما نقل أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث[11] عن ابن إسحاق أنه ذكره، وأورده الطبري - رحمه الله تعالى -[12]، وغيره مُعَلَّقًا بدون إسناد، والله أعلم.
قال الأصمعي[13]: معنى إيل: معنى الرُّبُوبِيَّة، فأُضِيف جَبْر، وميكا إليه.
وقال أبو عمرو ابن العلاء[14]: جَبْر هو الرجل، قال أبو عبيد: فكأن معناه: عبد إيل، رجل إيل، قال: فهذا تأويل قوله: عبد الله، وعبد الرحمن، ثم نقل كلام يحيى بن يعمر المتقدم.
وذكر أيضًا غيرُ واحد من المُفَسِّرين[15] في معنى اسم نبي الله «إسماعيل» أنه: اسمع يا الله؛ لأن إيل بالسُّرْيانية هو الله، ولما دعا إبراهيمُ عليه السلام رَبَّه، قال: اسْمَع يا إيل، فلما أجابه، ورزقه بما دعا من الولد، سَمَّى بما دعا.
وأقوال المُفَسِّرين، واللُّغَوِيِّين، وغيرهم من أهل العلم في بيان هذا المعنى كثيرة جدًا، وإنما ذكرنا منها ما يؤدي الغَرَض، لاسيما كلام الصحابة، والتابعين، والعلماء المتقدمين؛ فإن لكلامهم من الثِّقَل العِلْمي ما ليس لغيره.
قال الدكتور عبد الوهاب المسيري[16]: «إيل» الاسم السامي للإله، و«إيل» مفرد كلمة «إيليم» الكنعانية، يُراد بها الجمع، والتعدد، وكلمة «إيل» في الأكادية تعني «الإله على وجه العموم»، ولا يُعرَف أصل الكلمة، ولكن يُقال: إنه من فعل بمعنى «يقود»، أو «يكون قويًا». وقد ورد في النصوص المصرية التي تعود إلى عهد الهكسوس مُصطلَح «يعقوب إيل»، أي «ليعقب الرب بعده»، ومُصطلَح «بيت إيل» (تكوين 12/8، 35/7). وكثيرًا ما يُستخدَم اسم «إيل» مع لقب من ألقاب الإله، مثل: «إيل عليون»، أي «الإله العلي»، و «إيل شدَّاي»، أي «الإله القدير». وتُستعمَل كلمة «إيل» كجزء من أسماء عديدة مثل «إليعازر»، أي «الإله قد أعان». والواقع أن أسلوب قَرْن أسماء الأشخاص بكلمة «إيل» لا يزال مستعملًا حتى يومنا هذا، مثل «ميخائيل»، وربما يكون أصل كلمة «خليل» هو (خل - إيل)، أي «صديق الإله»، ومن المرجح أن يكون معنى إسماعيل (شماع - إيل) هو «ليسمع الإله». ويُقال أيضًا: إلياهو، وصموئيل،
قال الحافظ ابن حجر: وفي إطلاقه البُطْلان نَظَر؛ فإنه قول تُرْجمان القرآن عبد الله بن عباس، ومن تَبِعه، بل جاء ذلك مرفوعًا[26]، ثم سرد الحافظ ابن حجر عددًا من الآثار في ذلك المعنى، ثم قال: فقول النووي: لا أصل له، عَجِبتُ منه، وأي أصل أعظم من هذا.
والجواب عن إشكال الفارسي واضح، أما أولًا: فإن إيل وميك ليسا باللُّغة العربية، حتى يُدَّعي عدم كونهما من أسماء الله، وأما ثانيًا: فعَدَمُ الصَّرْف للعُجْمَة، والعَلَمِيَّة.

نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم
فإن توضيح الواضحات من أَعْضَل المُعْضِلات، وتَبيين المُسَلَّمات من أَشْكَل المُشْكِلات، وكم من الواضحات تَمَسُّ الحاجة إلى توضيحها عند فُشُو الجهل! وكم من المُسَلَّمات يَلْزَم أهل الحَقِّ تَبيينها إذا رُفع العلم!
والمَرْجُو من هذا المقال: إماطة اللِّثام عن مُسَلَّمَة من المُسَلَّمات، حالتْ دون إدراكها حُجُبٌ كثيفة، أَسْدَلَها انْهِيار صَرْح الولاء والبراء في قلوب أكثر المسلمين، تحت مَعاوِل الغَزْو الفِكْري، ومَرْدوداته التي لا تُحْصَى عَدَدًا، والمُبْتَغى من ورائه: إزالة اللَّبْس عن حقيقة رَّاسخة، غَشِيَها غُموض شديد، واعْتَراها تَخْلِيط كثير.
وقد ارْتَأيْتُ التَّقْديم بين يدي البَدَهِيَّة الشرعية المؤمَّل إجْلاؤها بثلاث مُقَدِّمات تَوْطِئةً وتَمْهيدًا

المقدمة الأولى:
الإسلام دين جميع الرسل والأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين:
من القَواطِع المعلومة بالضرورة من دين الإسلام أن أصل الدين لدى جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام واحد لا يتعدد، وإنما وقع التعدد في الشرائع المُنَزَّلَة من عند الله تعالى على رُسُله الكرام عليهم الصلاة والسلام.
قال تعالى: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ ﴾ [آل عمران:19]، وقال سبحانه: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران:85]، وقال عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام أنه قال لقومه: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} ﴿ ﴾[يونس:72]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة:131،130]، وقال عَزَّ مِنْ قائل عن الخليل عليه السلام: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [آل عِمران:67]، وذكر الله تعالى من دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وهما يرفعان قواعد البيت قولهما: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ ﴾ [البقرة:128]، وقالت الملائكة الكرام الذين أُرْسِلوا لمعاقبة قوم لوط حين نزلوا ضيوفًا على خليل الرحمن: ﴿ فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ, فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الذريات:35-36] أي بيت قوم لوط عليه السلام، وامرأته مستثناة من ذلك كما هو مذكور في مواضع عدة من كتاب الله تعالى، وقال تعالى عن يعقوب عليه السلام وبَنِيه من الأسباط الذين جاء بنو إسرائيل جميعاً من نسلهم: ﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة:133]، وكان من دعاء يوسف بن يعقوب عليهما السلام الذي حكاه القرآن عنه: ﴿ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف:101]، وقال تعالى واصفًا أنبياء بني إسرائيل: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ ﴾ [المائدة:44]، وقال موسى عليه السلام لقومه: ﴿ يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ ﴾ [يونس:84-86]، وقال فرعون حين أدركه الغرق: ﴿ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس:90-91]، وأرسل سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ: ﴿ أَلاَّ تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل:31]، وقال سليمان عليه السلام: ﴿ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴾ [النمل:42] أي من قبل ملكة سبأ، وقالت تلك الملكة حين رأت الآيات: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل:44]، وقال الله عز وجل عن المسيح عليه السلام حين أَحَسَّ الكفر من بني إسرائيل: ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:52].
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما ـ واللفظ لمسلم ـ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ».
فدين أنبياء الله تعالى واحد؛ وهو توحيد الله عز وجل، وإفراده سبحانه بالعبادة، قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل:36]، وقال جل وعلا: {﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء:25] وكان أُسُّ دعوة كل نبي كريم وأساسه: ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ﴾.
والإخوة من عَلَّات: هم أبناء الرجل الواحد من أمهات شَتَّى، والعَلَّات هُنَّ الضَّرائِر. ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «إِخْوَةٌ مِنْ عَلاَّتٍ» عند أكثر أهل العلم: أن أصل دينهم واحد؛ وهو التوحيد، وإن اختلفت فُروع الشرائع، كما أن أولاد العَلَّات من أب واحد، وأمهات شَتَّى.[1]

المقدمة الثانية
استعلاء المؤمنين بإيمانهم:
قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ ﴾ [المنَافِقون:8]، وقال سبحانه: {﴿ وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران:139]، وقال عز وجل: ﴿ فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾ [محمد:35]، وقال تبارك وتعالى: ﴿ وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِىَ الْعُلْيَا ﴾ [التّوبَة:40].
فالمؤمنون لا يُعْطون الدَنِيَّة في دينهم، ولا يتَزَلَّفون للكفار اسْتِجْداءً لمؤازرتهم، ولا يُطَوِّعون أحكام الشرع لأهواء المشركين تَمَلُّقًا ومُداهنة، ولا يُفَرِّطون في قليل ولا كثير مما يَدينون الله تعالى به تقريبًا للآراء كفعل المُنْهَزِمين نفسيًا.
وكيف تَنْهَزِم نُفوسهم وهم يَحُوزون بين ضُلوعهم إيمانهم الذي يأبى الخُنوع للباطل، ويَسْتَعْلِي بأصحابه عن الاسْتِخْذاء للكفر، ويوْرِث أَتْباعه العِزَّة والكرامة والسُّؤدد؟
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾[فاطر:10] لا تُنال إلا بطاعته تبارك وتَقَدَّس، مَنْ رجاها عند غير الله تعالى، فقد رجا المُحال، وعَوَّل على الوهم، وسعى وراء السراب، قال الله تعالى عن المشركين: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً ﴾[مريم: 81، 82]، وقال تعالى عن المنافقين: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ﴾ [النساء:139].
إنه الإيمان الذي تَشْمَخ أُنوف أتباعه اسْتِنْكافًا عن الخُضوع لأهواء الذين لا يعلمون، قال تبارك وتعالى: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ﴾ [الجاثية:19،18].
إنهم يَسْتَعْلون اسْتِعْلاء لا أَشَر فيه، ولا بَطَر، ويَشْمَخُون شُمُوخًا لا طُغيان فيه، ولا تَجَبُّر، فاسْتِعْلاء الإيمان مَمْزوجٌ بالخُشُوع لرب العالمين، وشُمُوخ المؤمنين مَقْرونٌ بالإخْبات لجَبَّار السماوات والأرض.

نحن أولى بسليمان عليه السلام منهم
المقدمة الثالثة:
المسجد الأقصى مُتَعَبَّد الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وإرْث أتباعهم من أهل الإسلام:
من الثوابت التاريخية عند علماء المسلمين: أن المسجد الأقصى كان مَنْبَعًا للدعوة إلى توحيد الله تعالى، ومَجْمَعًا لتعليم شرائعه، والحَضِّ على طاعته عز وجل، ومَوْطِنًا لعبادته وحده لا شريك له، في رِحابه يَصْدَع الأنبياء والصّدّيقون بالمِلَّة الحَنِيفِيَّة، وفي ساحاته يُعْذِرُون إلى ربهم بالوَعْظ والتَّذْكير، والبيان والإرشاد، وفي جَنَباته يَقْنُتون آناء الليل سُجُودًا وقِيامًا، قد أَطْبَق على ثُبوت ذلك أهلُ الرِّواية، والدِّراية، والرِّعاية، وأَجْمَع على الجَزْم بصحته عُدُول المؤرخين، وثقات الأَخْبارِيين.[1]
وانْدِراج هذا الأمر في عِداد الثَّوابت ليس دَفْعًا بالصَّدْر، ولا تَحَكُّمًا بالرأي؛ بل بتواطؤ نُصوص الوَحْيَيْن على إثباته، وتعاضُدها على تَقْريره.

ولا يُشَوِّش على ما ذكرنا اختلاف أهل العلم في تَعْيين مُبْتَدِئ البناء للمسجد؛ فكون المُبْتَدِئ للبناء هو آدم عليه السلام، أو أحد أبنائه، أو سام بن نوح عليه السلام، أو إبراهيم عليه السلام، أو يعقوب عليه السلام، أو الملائكة الكرام لا يُزَعْزِع الثابت التاريخي الذي ذكرناه آنفًا، ولا يُوْهِن رُسُوْخَه؛ فقد اتصف المسجد المبارك بما وصفناه آنفًا على مَرِّ العُصور التالية لإنشائه، أيًا كان واضِع أساسه الأول، وأحيا الله تعالى تلك المآثر على يدي المُجَدِّدين لعمارته من الأنبياء والرسل.
وقد كان التجديد الأكبر لعمارة المسجد من نصيب سليمان عليه السلام، فاشتهرت نسبة المسجد له، وإن لم يكن مُؤسسه أول مرة.[2]
قال الإمام الخطابي رحمه الله تعالى: يُشْبِه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان، ثم داود وسليمان، فزادا فيه ووسعاه, فأضيف إليهما بناؤه.[3]
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: المسجد الأقصى كان من عهد إبراهيم عليه السلام، لكن سليمان عليه السلام بناه بناء عظيمًا.[4]
وهذا البناء العظيم أشمل وأوسع من المسجد الحالي، فيدخل فيه بالمعنى الشرعي كل ما احتواه السور الكبير ذي الأبواب، فالأقصى اسم للمسجد كله، ولا يختص بالمسجد القائم بالناحية القبلية الجنوبية، كما يظنه بعض الناس.
وقد تعرض المسجد الأقصى للتخريب والتدمير مرتين: أولاهما: على يد ملك بابل نبوخذ نصر (بُخْتنَصَّر) في عام سبع وثمانين وخمسمائة قبل ميلاد المسيح عليه السلام، وثانيهما: في العام السبعين من ميلاد المسيح عليه السلام على يد تيتوس (طيطوس) الروماني، وتعرض للامتهان زمنًا طويلًا قبل الفتح الإسلامي؛ حيث اتخذ البيزنطيون النصارى من مَوضع الصخرة وما حولها ـ وهو قِبْلة اليهود ـ مَجْمَعًا للقاذورات والنَّجاسات؛ مُجازاة لليهود على صُنْعهم ذلك بمَوضع صَلْب شَبيه المسيح عليه السلام[5].
وظل ذلك المَوْضِع الشريف على تلك الحال المُزْرِية، حتى فتح المسلمون بيت المقدس، وتسلمها عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بطريرك القدس في العام السادس عشر من الهجرة النبوية الشريفة، فتم تطهير موضع الصخرة من القاذورات، وصَلَّى الفاروق رضي الله عنه في المسجد.[6]
وقد دخلت مرحلة فاصلة في التاريخ المعماري للمسجد الأقصى في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان رحمه الله تعالى؛ حيث بناه بناء ضخمًا مهيبًا، واعتنى به من بعده العديد من الملوك والأمراء، إلى أن وقع المسجد أسيرًا في أيدي الصليبيين سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وظل في أيديهم إلى أن خَلَّصه الله تعالى منهم على يدي السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، ثم سَلَّمه الملك الكامل الأيوبي دون قتال إلى الإمبراطور الألماني فريدريك الثاني[7] تسليمًا ملؤه الخزي والعار سنة ست وعشرين وستمائة؛ إيفاءً بوعد غير شريف، منحه الكامل لفريدريك الصليبي لغرض خبيث؛ وهو إشغال أخيه عيسى المُلَقَّب بالمُعَظَّم، واضطر إلى تنفيذ الوعد المشؤوم؛ لانشغاله بحيازة ممتلكات ابن أخيه الناصر داود بن عيسى، الذي تولى عقب وفاة والده[8]، إلى أن أراح الله المسلمين من هذا البلاء سنة اثنتين وأربعين وستمائة على يد الجيش المصري بقيادة ركن الدين بيبرس مملوك الملك الصالح نجم الدين أيوب رحمه الله تعالى، مدعومًا بالجيش الخوارزمي الذي استدعاه الصالح.

وظل القدس الشريف منذ ذلك الحين في حَوزة المسلمين، حتى وقع فريسة الجيش الإنكليزي الصليبي في آخر العام السابع عشر من القرن الميلادي العشرين، فحكموه ثلاثين عامًا، وَطَّدوا فيها دعائم الوجود اليهودي في أرض فلسطين المباركة، وعَبَّدوا الطريق أمام قيام دولة إسرائيل التي أعلن بن جوريون عن قيامها قبل إنهاء الانتداب ـ الاحتلال ـ البريطاني بساعات قلائل، والتي تلا إعلانها قيام الحرب من العام نفسه، والتي تَمَخَّضت عن توسيع تلك الخَلِيَّة السَّرَطانية لمساحتها المُعْلَنة من قبل، بَيْد أن القدس الشرقية التي تضم المسجد الأقصى بين جَنَباتها قد ظلت تحت حكم المملكة الأردنية إلى يوم الخامس من يونيو في العام السابع والستين من القَرْن المُنْصَرِم، ليدخل المسجد الأقصى مباشرة تحت الحكم اليهودي البغيض، فَكَّ الله أَسْرَه من أغلاله المشؤومة.

فمن أحق الناس بإرث الأنبياء والمرسلين؟
إن الأحق بالأرض المقدسة, مُتعبَّد إبراهيم, ومِحْراب داود, ومسجد سليمان هم أتباعهم من الموحدين، وأشياعهم من المسلمين.
ألم يقل الله تعالى: ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 68].
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم عن اليهود: "نحن أولى بموسى منهم"[9]؟
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الأُولَى وَالآخِرَةِ"[10]؟
بل الموحدون هم الأحق بالأرض كلها، كما قال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].
وقال سبحانه: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ﴾ [النور: 55].
والنصوص الشرعية في هذا المعنى كثيرة جدًا، لا يسعنا سَرْدها في مثل هذا المقام.
ـــــــــــــــــــــــ
[1] لا يعارض ما ذكرناه تَسَلُّط بعض أحبار السوء على تولي زمام الأمور فيه بما يخالف دعوة الأنبياء والمرسلين؛ فهو عارض مُباين لنهج المؤسسين والمجددين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم من الموحدين، وهل غَيَّر نَصْبُ مُشْرِكي العرب أوثانهم حول الكعبة المشرفة ـ وهي أفضل من المسجد الأقصى قطعًا ـ من كونها مُتَعَبَّدًا للحُنَفاء من أتباع الخليل عليه السلام وخير بقعة على ظهر الأرض وكونهم أولى الناس بها؟
[2] يُعْرَف مسجد سليمان عليه السلام في المصادر اليهودية باسم هَيْكل سليمان، قال الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (4/260): الهيكل: كلمة يقابلها في العبرية «بيت همقداش»، أي «بيت المقدس»، أو «هيخال»، وهي كلمة تعني «البيت الكبير» في كثير من اللغات السامية (الأكادية والكنعانية وغيرهما).
والبيت الكبير، أو العظيم: هو الطريقة التي كان يُشار بها إلى مَسْكَن الإله، فكلمة «فرعون» تعني «البيت الكبير»، وهي تُشْبِه إلى حدٍّ ما عبارة «الباب العالي».
وقد تبدَّت الطبقة الحلولية اليهودية التي تراكمت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي في شكل تقديس الأرض الذي تمثَّل في عبادة يسرائيل والعبادة القربانية المركزية المرتبطة بالدول العبرانية المتحدة (1020 ق.م) التي قام الكهنة بالإشراف على إقامة شعائرها. ومركز هذه العبادة القربانية هو الهيكل.
ومن أهم أسماء الهيكل «بيت يهوه»، لأنه أساساً مسكن للإله وليس مكاناً للعبادة (على عكس الكعبة مثلاً). ومن هنا، ورغم أنه كان مصرَّحاً للكهنة بل لعبيد الهيكل بالدخول فيه، فلم يكن يُسمَح لهم بالتحرك فيه بحرية كاملة. ولم يكن يُسمَح لأحد على الإطلاق بدخول قدس الأقداس إلا الكاهن الأعظم في يوم الغفران،انتهى.
وشرحه لكلمة البيت الكبير بالصورة الحرفية السابقة مرتبط بعقيدة الحلول التي ذكر في غير موضع تغلغلها في الفكر اليهودي، وإلا فإن ثمة شرحاً للكلمة منسجماً مع عقيدة التوحيد؛ فإن وصف مَوضع عبادة الله سبحانه ببيت الله تعالى لا يلزم منه حُلول ممقوت أبدًا؛ فبَيْتُ الله تعالى ـ وهو المسجد ـ هو بيت خُصص لعبادة الله تعالى، وذكره، وهو تعبير ثابت في كثير من النصوص الشرعية، ولكن الدكتور المسيري لم يُفَرِّق في مواضع عدة من كتابه بين ما كان عليه أنبياء بني إسرائيل، وأتباعهم بإحسان من الأحبار والرهبان، وما نسبه إليهم مَنْ يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا من كَذَبة الأحبار والرهبان، ولا تكاد تجده يتعقب الروايات التاريخية اليهودية المكذوبة في حق داود وسليمان عليهما السلام، وإنما يتابع تلك المصادر في وصفهما بالمَلَكِيَّة دون اقتران بالنبوة، بل يسير على دَرْبها في نسبة العظائم لهما.
ومما قاله في هذا الباب (4/266): وكثيرًا ما كان ملوك اليهود يضطرون إلى إدخال العبادات غير اليهودية؛ تعبيرًا عن تحالفاتهم السياسية، فأنشأ سليمان مَذابح لآلهة زوجاته الأجنبيات، الأمر الذي يتنافى مع مبدأ التوحيد.
وقال عن دولة هذا النبي الكريم الذي دعا الله تعالى أن يرزقه مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده (4/291): لا ينبغي مع ذلك أن نظن أن دولة سليمان كانت دولة عظمى؛ فاقتصادها كان محدودًا، ونشاطها التجاري الداخلي كان محصورًا في نطاق ضيِّق جدًا، وكانت الصناعة بِدائية ومُتَخَلِّفة.
وقال في الموضع نفسه: وتذكر التوراة أن سليمان صاهر فرعون، ملك مصر، وتزوَّج ابنته (ملوك أول 3/1)، وقد حصل على مدينة جيزر (بالقرب من القدس)، وكانت تابعة لمصر، مهرًا لزواجه، ثم يعلق قائلًا: وهذا هو التوسع الوحيد الذي أنجزه سليمان. ويبدو أن هَيْبَة مُلوك مصر في تلك الحقبة كانت قد هبطت، حتى ارتضت مصر أن يتزوَّج مَلِك صغير الشأن كسليمان من إحدى أميراتها.
وقال (4/292): ويقف كثير من النُّقَّاد موقف المُسْتَرِيب إزاء قصة مَجْد سليمان التي توردها أسفار الملوك والأيام، ويقولون: إن التَّحَيُّز القومي لدى كُتَّاب متأخرين هو الذي دعاهم إلى الإضافة والمغالاة في القصة.
وقد نقل عن المصادر اليهودية (4/263ـ265) وصف معبد سليمان عليه السلام المُسَمَّى بالهيكل، دون نَقْد لما تضمنه ذلك الوصف من مظاهر الوثنية، ولا تعقيب لما حواه من مُضاهاة معابد الجاهلية، بل أكد ذلك المعنى بقوله عن الهيكل: وهو لا يختلف كثيرًا في تقسيمه الثلاثي (المدخل، والهيكل أو البهو المقدَّس، وقدس الأقداس) عن الهياكل الكنعانية، كما تم العثور على هيكل في سوريا، بجوار قصر ملكي يعود تاريخه إلى القرن الثامن أو التاسع قبل الميلاد، يكاد يكون نسخة من هيكل سليمان.
وقوله: لا يختلف هيكل سليمان في معماره عن الهياكل الكنعانية، التي يبدو أنها تأثرت بالطراز الفرعوني، الذي أخذه الفينيقيون من مصر، وأضافوا إليه ما أخذوه من الآشوريين والبابليين من ضروب التزيين، ولذلك، فإن الطراز الذي بُني عليه الهيكل يُسمَّى «الطراز الفرعوني الآشوري».
ولا يمكن القول بصدور تلك الأقوال ونظائرها منه على سبيل الحكاية؛ لما يظهر في العديد من المواضع الفائتة وغيرها من التعليق والنقد الذَّاتيين، دون الاقتصار على النقل المُجَرَّد، فضلًا عن كونه لا يعامل المسيح عليه السلام ـ وهو مسيح كذاب حسب اعتقاد اليهود ـ معاملة داود وسليمان عليهما السلام، ويصفه بما ينبغي له من النبوة والتكريم، والشواهد على ذلك كثيرة جدًا، ليس المقام مقام حَصْرها.
ولم أعمد إلى حَشْد النقول السابقة إسقاطًا للقيمة العلمية لموسوعة الدكتور المسيري، بل إيضاحًا لخَلل عَقَدي كبير لا يجوز السكوت عنه، ويَلْزَم المُتَصَفِّحين لتلك الموسوعة الضخمة ـ فضلًا عن الدَّاعين إلى قراءتها والمُزَكِّين لها ـ وَضْعَه في الاعتبار، وأَخْذ الحَيْطة منه. أما مؤلف الموسوعة، فنرجو أن يكون قد تراجع عن الآراء الآنفة ومثيلاتها، وقد صَنَّف سيرة ذاتية في آخر عمره، أفصح فيها عن الأطوار الفكرية التي مر بها، ولم أظفر بنسخة منها، وأرجو ألا يضيق صدر بعض المُعْجَبين بموسوعية الرجل، ومواقفه السياسية من النقد السابق؛ فإن أنبياء الله تعالى الكرام أعز وأكرم عند المسلم من كل أحد، ولا أحسب هذا يحتاج إلى بَرْهَنَة.
[5] ذكر العليمي في كتابه [الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل] (2/171،170) أن هيلانة أم قسطنطين هي التي أمرت أن يُصْنَع ذلك بالصخرة في السنة الحادية عشرة من مُلْك ابنها، وأضاف أنها خَرَّبت هيكل بيت المقدس إلى الأرض. والمشهور أن الهيكل خُرِّب على يدي بختنصر البابلي، وأُعيد بناؤه على مدار حكم ثلاثة من أباطرة الفرس، وهم: قورش، ودارا الأول، وأرتحشتا، ولكنه كان بناء متواضعًا، فسعى هيرود الروماني بدءًا من العام العشرين قبل الميلاد في بنائه بناء كبيرًا، فقام بهدمه وإعادة بنائه، واستمر العمل فيه حتى عهد أجريبا الثاني الروماني الذي بدأ عهده في عام أربع وستين بعد الميلاد، ثم قام تيتوس الروماني بهدمه قبل وضع اللمسات الأخيرة فيه في عام سبعين، ولم يُبْنَ بعد تخريبه بناء يُذْكَر؛ ولذلك يُسَمِّي اليهود الهيكل الذين يعتزمون إعادة بنائه بالهيكل الثالث، وبعضهم يطلق الهيكل الثالث على هيكل هيرود، فأين الهيكل بعد تدميره الأخير حتى تهدمه هيلانة؟ إلا أن يكون المراد بذلك الإتيان الكامل على بعض ما تبقى من خراب هيكل هيرود، أو هدم هيكل بسيط بناه اليهود بإمكاناتهم المحدودة في تلك الأزمنة، والتي لم تجعل منه بناء مذكورًا في التاريخ.
[7] وَرِث عن والديه عَرْشي ألمانيا، وصقلية، وتَوَّجَه البابا أونوريوس الثالث إمبراطورًا على الإمبراطورية الرومانية المُسَمَّاة بالمُقَدَّسة، فصار ملكًا على إيطاليا، وألمانيا، وسويسرا، وتَمَلَّك قُبرص والقدس لعدة سنوات، وقد دخل في صراع مع البابوية، وكثر عليه الخارجون والمتؤلبون، حتى اشتد به الغم، ومات في عام خمسين ومائتين وألف وفق التاريخ الميلادي النصراني، وكان متقنًا للعربية، وله مؤلف فلسفي بها، وأتقن أيضًا الألمانية، والإيطالية، واليونانية، واللاتينية، وكان قد نشأ في صقلية بين مُسْلِميها، فأورثه هذا ميلًا إليهم، مع تشربه ـ شأن ملوك أوروبا في عصره ـ بالروح الصليبية. انظر: تاريخ ابن الوردي (2/147)، والأنس الجليل (1/406،405) وتاريخ غزوات العرب في فرنسا وسويسرا وجنوب إيطاليا للأمير شكيب أرسلان (هامش ص274)، ومقال "حضارة العرب في صقلية وأثرها في النهضة الأوروبية" للدكتور عبد الجليل شلبي المنشور بمجلة الأمة، العدد 27، ربيع الأول 1403هـ.
[8] تقتضي الأمانة العلمية أن أُشير إلى اشتراط الكامل الكثير من الشروط على فريدريك، وتقييده بكثير من القيود، وإلى التزام فريدريك إلى حد كبير بهذه القيود والشروط، ولكن هذا كله لا يُسَوِّغ فِعْلَه الكامل، ولا يُبَرِّرُها ألبتة؛ فتسليم جزء من أرض الإسلام إلى الكفار ـ ولو اقترن بالعديد من القيود والشروط ـ جريمة شنعاء، ناهيك عن كونها من أحب البقاع إلى المسلمين، وأفضلها عندهم.
[9] وفي لفظ (أنا أولى) وفي لفظ (أنتم أحق) وكلها في صحيح البخاري.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى