مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تاريخ مختصر الدول : من ايام المعتضد - الى ايام القيروان

اذهب الى الأسفل

تاريخ مختصر الدول : من ايام المعتضد - الى ايام القيروان  Empty تاريخ مختصر الدول : من ايام المعتضد - الى ايام القيروان

مُساهمة  طارق فتحي السبت فبراير 05, 2011 5:19 pm

(1/85)

أنا أعلم أن هذا الصبي البائس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف والانكار لا يكون إلا على المعتمد دون الساهي الخاطئ. أعلم أن هذا الصبي البائس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف والانكار لا يكون إلا على المعتمد دون الساهي الخاطئ.
وفي أيام المعتضد علت منزلة بني موسى بن شاكر وهم ثلاثة محمد وأحمد والحسن. وكان موسى بن شاكر يصحب المأمون ولم يكن موسى من أهل العلم بل كان في حداثته حراميا يقطع الطريق ثم أنه تاب ومات وخلف هؤلاء الأولاد الثلاثة الصغار فوصى بهم المأمون اسحق بن ابراهيم المصعبي وأثبتهم مع يحيى بن أبي منصور في بيت الحكمة وكانت حالهم رثة رقيقة. على أن أرزاق أصحاب المأمون كلهم كانت قليلة. فخرج بنو موسى ابن شاكر نهاية في علومهم وكان أكبرهم وأجلهم أبو جعفر محمد وكان وافر الحظ من الهندسة والنجوم ثم خدم وصار من وجوه القواد إلى أن غلب الأتراك على الدولة. وكان أحمد دونه في العلم إلا صناعة الحيل فإنه فتح له فيها ما لم يفتح مثله لأحد. وكان الحسن وهو الثالث منفردا بالهندسة وله طبع عجيب فيها لا يدانيه أحد علم كل ما علم بطبعه ولم يقرأ من كتب الهندسة إلا ست مقالات من كتاب أوقليذس في الأصول فقط وهي أقل من نصف الكتاب ولكن ذكره كان عجيبا وتخيله كان قويا. وحكي أن المروزي قال عنه يوما للمأمون أنه لم يقرأ من كتاب أوقليذيس إلا ست مقالات. أراد بذلك كسره. فقال الحسن: يا أمير المؤمنين لم يكن يسألني عن شكل من أشكال المقالات التي لم أقرأها إلا استخرجته بفكري وأتيته به ولم يكن يضرني أنني لم أقرأها ولا تنفعه قراءته لها إذ كان من الضعف فيها بحيث لم تغنه قرآته في أصغر مسألة من الهندسة فإنه لا يحسن أن يستخرجها. فقال له المأمون: ما أدفع قولك ولكني ما أعذرك ومحلك من الهندسة محلك أن يبلغ بك الكسل أن لا تقرأه كله وهو للهندسة كحروف ا ب ت ث للكلام والكتابة. وفي دار محمد بن موسى تعلم ثابت بن قرة بن مروان الصابئ الحراني نزيل بغداد فوجب على محمد حقه فوصله بالمعتضد وأدخله في جملة المنجمين. وبلغ ثابت هذا مع المعتضد أجل المراتب وأعلى المنازل حتى كان يجلس بحضرته في كل وقت ويحادثه طويلا ويضاحكه ويقبل عليه دون وزرائه وخاصته. وله مصنفات كثيرة في التعليمات الرياضية والطب والمنطق وله تصانيف بالسريانية فيما يتعلق بمذهب الصابئة في الرسوم والفروض والسنن وتكفين الموتى ودفنهم وفي الطهارة والنجاسة وما يصلح من الحيوان للضحايا وما لا يصلح وفي أوقات العبادات وترتيب القراءة في الصلاة. والذي تحققنا من مذهب الصابئة أن دعوتهم هي دعوة الكلدانين القدماء بعينها وقبلتهم القطب الشمالي ولزموا فضائل النفس الأربع. والمفترض ثلاث صلوات أولها قبل طلوع الشمس بنصف ساعة أو أقل لتنقضي مع الطلوع ثماني زكعات في كل ركعة ثلاث سجدات. والثانية انقضاؤها مع نصف النهار والزوال خمسركعات في كل ركعة ثلاث سجدات. والثالثة مثل الثانية تنقضي مع الغروب. والصيام المفرض عليهم ثلاثون يوما أولها الثامن من اجتماع آذار. وتسعة أيام أولها التاسع من اجتماع كانون الأول. وسبعة أيام أولها ثامن شباط. ويدعون الكواكب. وقرابينهم كثيرة لا يأكلون منها بل يحرقونها. ولا يأكلون الباقلى والثوم وبعضهم اللوبياء والقنبيط والكرنب والعدس. وأقوالهم قريبة من أقوال الحكماء ومقالاتهم في التوحيد على غاية من التقانة ويزعمون أن نفس الفاسق تعذب تسعة آلاف ثم تصير إلى رحمة الله تعالى. وكان في دولة المعتضد أحمد بن محمد بن مروان بن الطيب السرخسي أحد فلاسفة الاسلام وله تآليف جليلة في علوم كثيرة من علوم القدماء والعرب وكان حسن المعرفة جيد القريحة بليغ اللسان مليح التصنيف وكان أولا معلما للمعتضد ثم نادمه وخص به وكان يفضي إليه بأسراره كلها ويستشيره في أمور مملكته وكان الغالب على أحمد هذا علمه لا عقله واتفق أن أفضى إليه بسر فأذاعه فأمر المعتضد بقتله فقتل.

(1/86)

" المكتفي بن المعتضد " لما توفي المعتضد كتب الوزير إلى أبي محمد علي بن المعتضد وهو المكتفي وعرفه أخذ البيعة له وكان بالرقة فأخذ له البيعة علىمن عنده من الأجناد وسار إلى بغداد فدخلها لثمان خلون من جمادى الأولى سنة تسع وثمانين ومائتين. وفيها ظهر بالشام رجل من القرامطة وجمع جموعا من الأعراب وأتى دمشق وبها طغج بن جف من قبل هارون بن خمارويه بن أخمد بن طولون وكانت بينهم وقعات. وفي سنة احدى وتسعين ومائتين خرجت الترك في خلق كثير لا يحصون إلى ما وراء النهر وكان في عسكرهم سبعمائة قبة تركية ولا تكون إلا للرؤساء منهم. فسار إليهم جيش المسلمين وكبسوهم مع الصبح فقتلوا منهم خلقا عظيما وانهزم الباقون. وفيها خرج الروم في عشرة صلبان مع كل صليب عشرة آلاف إلى الثغور فأغاروا وسبوا وأحرقوا. وفي سنة اثنتين وتسعين ومائتين جهز المكتفي إلى هرون بن خمارويه جيشا في البر والبحر فحاصروه بمصر وجرى بينهم قتال شديد ووقعات كثيرة آخرها أن بعض الرماة من أصحاب المكتفي رمى هرون بمزراق معه فقتله وانهزم المصريون وكان هو آخر أمراء آل طولون وانقرضت الدولة الطولونية في هذه السنة. وفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين أغارت الروم على قورس ودخلوها فأحرقوا جامعها وساقوا من بقي من أهلها لأنهم قتلوا أكثرهم. وفي سنة خمس وتسعين ومائتين من ذي القعدة توفي المكتفي بالله وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وكان عمره ثلاثا وثلاثين سنة.
وفي أيام المكتفي اشتهر يوسف الساهر الطبيب ويعرف أيضا بالقس وكان مشهور الذكر مكبا على الطب كثير الاجتهاد في تحصيل الفوائد وسمي الساهر لأنه كان لاينام في الليل إلا ربعه أو أزيد ثم يسهر في طلب العلم. وقيل إنما سمي الساهر لأن سرطان كان في مقدم رأسه وكان يمنعه من النوم. وإذا تأمل متأمل كناشه رأى فيه أشياء تدل على أنه كان به هذا المرض.

(1/87)

" المقتدر بن المعتضد " لما ثقل المكتفي في مرضه استشار الوزير وهو حينئذ العباس بن الحسن أصحابه فيمن يصلح للخلافة. فقالوا له: اتق الله ولا تول من قد لقي الناس ولقوه وعاملهم وعاملوه وتحنك وحسب حساب نعم الناس وعرف وجوه دخلهم وخرجهم. فقال الوزير: صدقتم ونصحتم. فبمن تشيرون؟ قالوا: أصلح الموجودين جعفر بن المعتضد. قال: ويحكم هو صبي. قال ابن الفرات: إلا أنه ابن المعتضد ولا نأتي برجل يباشر الأمور بنفسه غير محتاج إلينا. فركن الوزير إلى قولهم فلما مات المكتفي نصب جعفرا للخلافة وأخذ له البيعة ولقبه المقتدر بالله. فلما بويع المقتدر استصغره الوزير وكان عمره إذ ذاك ثلاث عشرة سنة. وكثر كلام الناس فيه فعزم على خلعه. ثم في سنة ست وتسعين ومائتين اجتمع القواد والقضاة مع الوزير على خلع المقتدر بالله والبية لابن المعتز. ثم أن الوزير رأى أمره صالحا مع المقتدر فبدا له في ذلك. فوثب به الحسين بن حمدان فقتله وخلع المقتدر وبايع الناس ابن المعتز ولقب المرتضي بالله ووجه إلى المقتدر يأمره بالانتقال إلى الدار التي كان مقيما فيها لينتقل هو إلى دار الخلافة فأجابه بالسمع والطاعة وسأل الإمهال إلى الليل. وعاد الحسين بن حمدان بكرة غد إلى دار الخلافة فقاتله الخدم والغلمان والرجالة من وراء الستور عامة النهار فانصرف عنهم آخر النهار. فلما جنه الليل سار عن بغداد بأهله وماله إلى الموصل لا يدري لم فعل ذلك ولم يكن بقي مع المقتدر من القواد غير مؤنس الخادم ومؤنس الخازن. ولما رأى ابن المعتز ذلك ركب معه وزيره محمد بن داود وغلام له وساروا نحو الصحراء ظنا منهم أن من بايعه من الجند يتبعونه. فلما لم يلحقهم أحد رجعوا واختفوا ووقعت الفتنة والنهب والقتل ببغداد وثار العيارون والسفل ينهبون الدور وخرج المقتدر بالعسكر وقبض على جماعة وقتلهم وكتب إلى أبي الهيجاء بن حمدان يأمره بطلب أخيه الحسين فانهزم الحسين وأرسل أخاه ابراهيم يطلب له الأمان فأجيب إلى ذلك ودخل بغداد وخلع عليه وعقد له على قم وقاشان فسار إليها. وفي هذه السنة سقط ببغداد ثلج كثير من بكرة إلى العصر فصار على الأرض أربع أصابع وكان معه برد شديد وجمد الماء والخل والبيض وهلك النخل وكثير من الشجر. وفي سنة ثلاث وثلاثمائة خرج الحسين بن حمدان بالجزيرة عن طاعة المقتدر فجهز الوزير رائق الكبير في جيش وسيره إليه فالتقيا واقتتلا قتالا شديدا فانهزم رائق وغنم الحسين سواده. فسمع ذلك مؤنس الخادم وجد بالسير نحو الحسين فرحل الحسين نحو أرمينية مع ثقله وأولاده وتفرق عسكره عنه فأدركه جيش مؤنس وأسروه ومعه ابنه عبد الوهاب. وعاد مؤنس إلى بغداد على الموصل ومعه الحسين فأركب على جمل هو وابنه وعليهما البرانس واللبود الطوال وقمصان من شعر أحمر وحبسا. وفي هذه السنة خرج مليح الأرمني إلى مرعش فعاث في بلدها وأسر جماعة ممن حولها وعاد. وفي سنة خمس وثلاثمائة وصل رسولان من ملك الروم إلى المقتدر يطلبان المهادنة والفداء فأكرما إكراما تاما كثيرا ودخلا على الوزير وهو في أكمل هيئة وأديا الرسالة إليه.

(1/88)

ثم إنهما دخلا على المقتدر وقد جلس لهما واصطفت الاجناد بالسلاح والزينة التامة وأديا الرسالة. فأجابهما المقتدر إلى ما طلب ملك الروم من الفداء وسير مؤنسا الخادم ليحضر الفداء وانفذ معه مائة ألف وعشرين ألف دينار لفداء أسارى المسلمين. وفيها أطلق أبو الهيجاء بن حمدان وأخوته وأهل بيته من الحبس. وفي سنة تسع وثلاثمائة قتل الحسين الحلاج بن منصور. وكان ابتداء حاله أنه كان يظهر الزهد ويظهر الكرمات وقيل أنه حرك يوما يده فانتثر على قوم دراهم. فقال بعض من تفهم أمره ممن حضر: أرى دراهم معروفة ولكني أؤمن بك وخلق معي إن أعطيتني درهما عليه اسمك واسم أبيك. فقال: و كيف لا يصنع. فقال له: من حضر ما ليس بحاضر صنع ما ليس بمصنوع. و كان قدم من خراسان إلى العراق و سار إلى مكة فأقام بها سنة في الحجر لا يستظل تحت سقف شتاء و لا صيفا و رئي في جبل أبي قبيس على صخرة حافيا مكشوف الرأس و العرق يجري منه إلى الأرض. و عاد الحلاج إلى بغداد فافتتن به خلق كثير و اعتقدوا فيه الحلول و الربوبية. ثم نقل عنه إلى الوزير حامد أنه أحيا جماعة من الموتى. فلما سأله الوزير عن ذلك أنكره و قال: أعوذ بالله أن أدعي النبوة أو الربوبية و إنما أنا رجل أعبد الله. فلم يتمكن الوزير من قتله حتى رأى كتابا له فيه: أن الإنسان إذا أراد الحج و لم يمكنه أفرد من داره بيتا طاهرا فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله و فعل ما يفعل الحجاج بمكة ثم يطعم ثلاثين يتيما و يكسوهم و يعطي كل واحد منهم سبعة دراهم. فأحضر الوزير القضاة و وجوه الفقهاء و استفتاهم. فكتبوا بإباحة دمه فسلمه الوزير إلى صاحب الشرطة فضربه ألف سوط فما تأوه لها ثم قطع يده ثم رجله ثم رجله الأخرى ثم يده ثم قتل و أحرق و ألقي رماده في دجلة و نصب الرأس ببغداد. و اختلف في بلدة الحلاج و منشأه فقيل من خراسان و قيل من نيسابور و قيل من مرو و قيل من الطالقان و قيل من الري. و قيل كان رجلا محتالا مشعوذا يتعاطى مذاهب الصوفية و يدعي أن الإلهية قد حلت فيه وأنه هو هو. و قيل له و هو مصلوب: قل لا إلاه إلا الله. فقال: إن بيتا أنت ساكنه غير محتاج إلى السرج. و امتحنه أبو الحسين علي ابن عيسى و ناظره فوجده صفرا من العلوم فقال له: تعلمك طهورك و فروضك أجدى عليك من رسائل لا تدري ما تقول فيها. لم تكتب إلى الناس بقولك: تبارك ذو النور الشعشعاني الذي يلمع بعد شعشعته. ما أحوجك إلى الأدب. و قال أبو الحسن بن الجندي أنه رأى الحلاج و شاهد من شعابيذه أشياء منها تصويره بين يديه بستانا فيه زروع و ماء. و في سنة خمس عشرة و ثلاثمائة استشعر مؤنس الخادم خوفا من المقتدر. فاجتمع إليه جميع الأجناد و قالوا له: لا تخف نحن نقاتل بين يديك إلى أن ينبت لك لحية. فوجه إليه المقتدر رقعة بخطه يحلف له على بطلان ما قد بلغه. فقصد دار المقتدر في جمع من القواد و دخل إليه و قبل يده. و حلف له المقتدر على صفاء نيته له. و في سنة سبع عشرة و ثلاثمائة خلع المقتدر بالله من الخلافة و بويع أخوه القاهر بالله محمد بن المعتضد فبقي يومين ثم أعيد المقتدر. و كان السبب في ذلك استيحاش مؤنس الخادم. و في سنة عشرين و ثلاثمائة سار مؤنس الخادم إلى الموصل مغاضبا و وجه خادمه بشرى برسالة إلى المقتدر. فسأله الوزير الحسين عن الرسالة فقال: لا أذكرها إلا للمقتدر كما أمرني صاحبي. فشتمه الوزير و شتم صاحبه و أمر بضربه و صادره بثلاثمائة ألف دينار. فلما بلغ مؤنسا ما جرى على خادمه و هو بحربى ينتظر أن يطيب المقتدر قلبه و يعيده سار نحو الموصل و معه جميع القواد فاجتمع بنو حمدان على محاربته. و لما قرب مؤنس من الموصل كان في ثمانمائة فارس و اجتمع بنو حمدان في ثلاثين ألفا فالتقوا و اقتتلوا فانهزم بنو حمدان و استولى مؤنس على أموالهم و ديارهم فخرج إليه كثير من العساكر من بغداد و الشام و مصر لإحسانه إليهم و أقام بالموصل تسعة أشهر ثم انحدر إلى بغداد و نزل بباب الشماسية. و أشار على المقتدر أصحابه بحضور الحرب فإن القوم متى رأوه عادوا جميعهم إليه فخرج و هو كاره و بين يديه الفقهاء و القراء و معهم المصاحف منشورة و عليه البردة و الناس حوله. فوقف على تل عال بعيد عن المعركة. فأرسل قواده يسألونه التقدم. فلما تقدم من موضعه انهزم أصحابه قبل وصوله

(1/89)

إليهم. فأراد الرجوع فلحقه قوم من المغاربة و شهروا عليه سيوفهم. فقال: ويحكم أنا الخليفة. قالوا: قد عرفناك يا سفلة. و ضربه واحد بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض و ذبحه بعضهم و رفعوا رأسه على خشبة و هم يكبرون و يلعنونه و أخذوا جميع ما عليه حتى سراويله و تركوه مكشوف العورة إلى أن مر به رجل من الأكرة فستره بحشيش ثم حفر له في موضعه و دفن و عفا قبره. و لما حمل رأس المقتدر إلى مؤنس بكى و لطم وجهه و رأسه و أنفذ إلى دار الخليفة من منعها من النهب. و كانت خلافة المقتدر خمسا و عشرين سنة و عمره ثماني و ثلاثين سنة.هم. فأراد الرجوع فلحقه قوم من المغاربة و شهروا عليه سيوفهم. فقال: ويحكم أنا الخليفة. قالوا: قد عرفناك يا سفلة. و ضربه واحد بسيفه على عاتقه فسقط إلى الأرض و ذبحه بعضهم و رفعوا رأسه على خشبة و هم يكبرون و يلعنونه و أخذوا جميع ما عليه حتى سراويله و تركوه مكشوف العورة إلى أن مر به رجل من الأكرة فستره بحشيش ثم حفر له في موضعه و دفن و عفا قبره. و لما حمل رأس المقتدر إلى مؤنس بكى و لطم وجهه و رأسه و أنفذ إلى دار الخليفة من منعها من النهب. و كانت خلافة المقتدر خمسا و عشرين سنة و عمره ثماني و ثلاثين سنة.
و في سنة سبع عشرة و ثلاثمائة مات محمد بن جابر بن سنان أبو عبد الله الحراني المعروف بالبتاني أحد المشهورين برصد الكواكب و يعلم أحد من الإسلام بلغ مبلغه في تصحيح أرصاد الكواكب و امتحان حركاتها. و كان أصله من حران صابئا. و في سنة عشرين و ثلاثمائة توفي محمد بن زكريا الرازي و كان في ابتداء أمره يضرب بالعود ثم ترك ذلك و أقبل على تعلم الفلسفة فنال منها كثيرا و ألف كتبا كثيرة أكثرها في صناعة الطب و سائرها في المعارف الطبيعية و دبر بيمارستان الري ثم بيمارستان بغداد زمانا. و كان في بصره رطوبة لكثرة أكله الباقلي ثم عمي في آخر عمره بماء نزل في عينيه. و جاءه كحال ليقدحهما فسأله عن العين كم طبقة هي. فقال لا أعلم. فقال له: لا يقدح عيني من لا يعلم ذلك. فقيل له: لو قدحت لكنت أبصرت. قال: لا قد أبصرت في الدنيا حتى مللت. و قيل أن أبا محمد بن زكريا الرازي أوحد دهره و فريد عصره جمع المعرفة بعلوم القدماء لا سيما الطب و كان شيخا كبير الرأس مسفطا. و لم يكن يفارق النسخ إما يسود أو يبيض. و ألف في الكيمياء اثني عشر كتابا و ذكر أنها أقرب إلى الممكن منه إلى الممتنع. و كان كريما متفضلا بارا بالناس حسن الرأفة بالفقراء و الأعلاء حتى كان يجري عليهم الجرايات الواسعة و يمرضهم. و حكي عن الكعبي أنه قال لابن زكريا: رأيتك تدعي ثلاثة أصناف من العلوم و أنت أجهل الناس بها تدعي الكيمياء و قد حبستك زوجتك على عشرة دراهم فلو ملكت يوما قدر مهرها ما رافعتك إلى الحاكم فحضرت معها و حلفت لها عليه. و تدعي الطب و تركت عينك حتى ذهبت. و تدعي النجوم و العلم بالكائنات و قد وقعت في نوايب لم تشعر بها حتى أحاطت بك. أقول الطعن الأول مباين لما نقل من حسن رأفته بالفقراء و لا يبعد أن الأخر قول حاسد. و من الأطباء الذين للمقتدر بختيشوع بن يحيى و سنان بن ثابا بن قرة الصابئ والد ثابت بن سنان صاحب التارخ. و لم يكن في أطبائه أخص من هذين. و سيأتي قصة سنان في باب خلافة القاهر.

(1/90)

" القاهر بن المعتضد " لما قتل المقتدر عظم قتله على مؤنس و قال: الرأي أن ننصب و لده أبا العباس فإنه تربيتي و هو صبي عاقل فيه دين و كرم و وفاء بما يقول. فاعترضعليه اسحق النوبختي و قال: بعد الكد استرحنا من خليفة له أم و خالة و خدم يدبرونه فنعود إلى تلك الحال لا و الله لا نرضى إلا برجل كامل يدبر نفسه و يدبرنا. و ما زال حتى رد مؤنسا عن رأيه و ذكر له أبو منصور بن محمد بن المعتضد فأجابه مؤنس إلى ذلك. و كان النوبختي في ذلك كالباحث عن حتفه بظلفه فإن القاهر قتله كما سيأتي ذكره. و أمر مؤنس بإحضار محمد ابن المعتضد فبايعوه بالخلافة لليلتين بقيتا من شوال سنة عشرين و ثلاثمائة و لقبوه بالله. و كان مؤنس كارها لخلافته و يقول: إنني عارف بشره و شؤمه. و لما بويع استحلفه مؤنس لنفسه و لحاجبه بليق و لعلي بن بليق. و استحجب القاهر علي بن بليق و تشاغل القاهر بالبحث عمن استتر من أولاد المقتدر و حرمه ثم أحضر القاهر أم المقتدر عنده و كانت مريضة قد ابتدأ بها استسقاء فسألها عن مالها فاعترفت له بما عندها من المتاع و الثياب و لم تعترف بشيء من المال و الجواهر. فضربها أشد ما يكون من الضرب و علقها برجلها و ضرب المواضع الغامضة من بدنها. فحلفت أنها لا تملك غير ما أطلعته عليه. و صادر جميع حاشية المقتدر و أصحابه و وكل على بيع أملاك أم المقتدر و حل وقوفها فبيع جميع ذلك. و في سنة إحدى و عشرين و ثلاثمائة استوحش مؤنس و بليق الحاجب و ولده علي الوزير و أبو علي بن مقلة من القاهر و ضيقوا عليه و وكلوا على دار الخليفة أحمد بن زيرك و أمروا بتفتيش كل من يدخل الدار و يخرج منها و أن يكشف وجوه النساء المنقبات. ففعل ذلك و زاد عليه حتى أنه حمل إلى دار القاهر لبن فأدخل يده فيه لئلا يكون فيه رقعة. فعلم القاهر أن العتاب لا يفيد فأخذ في الحيلة و التدبير عليهم و أرسل إلى الساجية أصحاب يوسف بن أبي الساج يغريهم بمؤنس و بليق و يحلف لهم على الوفاء فتغيرت قلوبهم. فبلغ ابن مقلة أن القاهر يجتهد في التدبير عليهم فذكر ذلك لمؤنس و بليق و ابنه فاتفق رأيهم على خلع القاهر إلا مؤنس فإنه قال لهم: لست أشك في شر القاهر و خبثه و لقد كنت كارها لخلافته و أشرت بابن المقتدر فخالفتموني و قد بالغتم الآن في الاستهانة به و ما صبر على الهوان إلا من خبث طويته ليدبر عليكم فلا تعجلوا حتى تؤنسوه و ينبسط إليكم ثم اعملوا على ذلك. فقال علي ابن بليق و ابن مقلة: ما يحتاج إلى هذا التطويل فإن الحجبة لنا و الدار في أيدينا و ما يحتاج أن نستعين في القبض عليه بأحد لأنه بمنزلة طائر في قفص. و اتفقوا على أن يدخل علي بن بليق على القاهر و يكون قد أمر جماعة من عسكره بالركوب إلى أبواب دار الخليفة فيقبض عليه. فهم في هذا أن خضر ظريف السكري في زي امرأة فاجتمع بالقاهر فذكر له جميع ما قد عزموا عليه فأخذ حذره و أنفذ إلى الساجية أحضرهم متفرقين و أكمنهم في الدهليز و الممرات و الرواقات. و حضر علي بن بليق بعد العصر و في رأسه نبيذ و معه عدد يسير من غلمانه بسلاح خفيف و طلب الإذن فلم يؤذن له فغضب و أساء أدبه. فخرج إليه الساجية و شتموا أباه. فألقى نفسه إلى طيارة و عبر إلى الجانب الغربي و اختفى من ساعته. و بلغ الخبر ابن مقلة فاستتر. و أنكر بليق ما جرى على إبنه و سب الساجية و حضر دار الخليفة ليعاتب على ذلك فلم يوصله القاهر إليه و أمر بالقبض عليه و على ابن زيرك. و راسل القاهر مؤنسا يسأله الحضور عنده و قال: أنت عندي بمنزلة الوالد و ما أحب أن أعمل شيئا إلا عن رأيك. فاعتذر مؤنس عن الحركة و أنه قد استولى عليه الكبر و الضعف. فأظهر له الرسول النصح و قال: إن تأخرت طمع و لو رآك نائما ما تجاسر على أن يوقظك. فسار مؤنس إليه فلما دخل الدار قبض عليه القاهر و حبسه. قيل لما علم القاهر بمجيء مؤنس هابه و هاله أمره و ارتعد و تغيرت أحواله و زحف من صدر فراشه ثم ربط جأشه. و لما قبض على مؤنس شغب أصحابه و ثاروا و تبعهم سائر الجند. و كان القاهر قد ظفر بعلي بن بليق فدخل القاهر إليه و أمر به فذبح و أخذوا رأسه فوضعوه في طشت ثم مضى القاهر و الطشت يحمل بين يديه حتى دخل على بليق فوضع الطشت بين يديه و فيه رأس ابنه. فلما رآه بكى و أخذ يقبله و يترشفه. فأمر القاهر فذبح أيضا و جعل رأسه

(1/91)

في الطشت و حمل بين يدي القاهر و مضى حتى دخل على مؤنس فوضعهما بين يديه. فلما رأى الرأسين تشهد و لعن قاتلهما. فقال القاهر: جروا برجل الكلب الملعون فجروه و ذبحوه و جعلوا رأسه في طشت و أمر فطيف بالرؤوس في جانبي بغداد و نودي عليها: هذا جزاء من يخون الإمام و يسعى في فساد دولته. الطشت و حمل بين يدي القاهر و مضى حتى دخل على مؤنس فوضعهما بين يديه. فلما رأى الرأسين تشهد و لعن قاتلهما. فقال القاهر: جروا برجل الكلب الملعون فجروه و ذبحوه و جعلوا رأسه في طشت و أمر فطيف بالرؤوس في جانبي بغداد و نودي عليها: هذا جزاء من يخون الإمام و يسعى في فساد دولته.
و في أيام القاهر كان ابتداء دولة بني بويه و هم ثلاثة عماد الدولة علي و ركن الدولة الحسن و معز الدولة أحمد أولاد أبي شجاع بويه بن فناخسرو من ولد يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس. و هذا نسب عريق في الفرس و لا شك أنهم نسبوا إلى الديلم حيث طال مقامهم ببلادهم. و قيل أن أبا شجاع بويه كان متوسط الحال و رأى في منامه كأنه يبول فخرج من ذكره نار عظيمة استطالت و علت حتى كادت تبلغ السماء ثم انفرجت فصارت ثلث شعب و تولد من تلك الشعب عدة شعب فأضاءت الدنيا بتلك النيران و رأى البلاد و العباد خاضعين لتلك النيران. فمضى بويه إلى رجل يقول عن نفسه أنه منجم و معزم و معبر المنامات و يكتب الرقي و الطلسمات و قص عليه منامه. فقال المنجم: هذا منام عظيم لا أفسره إلا بخلعة و فرس. فقال بويه: و الله ما أملك إلا الثياب التي على جسدي فإن أخذتها بقيت عريانا. قال المنجم: فعشرة دنانير. قال: و الله ما أملك دينارين فكيف عشرة. فأعطاه شيئا. فقال المنجم: اعلم أنه يكون لك ثلاثة أولاد يملكون الأرض و يعلو ذكرهم في الآفاق و يولد لهم جماعة ملوك بقدر ما رأيت من تلك الشعب. فقال أبو شجاع بويه: اما تستحي تسخر منا أنا رجل فقير و أولادي هؤلاء مساكين فكيف يصيرون ملوكا. قال المنجم: اذكروا لي هذا إذا قصدتكم و أنتم ملوك. فاغتاظ منه بويه و قال لأولاده: اصفعوا هذا الحكيم فقد أفرط في السخرية بنا. فصفعوه و أخرجوه. ثم خرج أولاد بويه من الديلم و صاروا إلى مرداويج بطبرستان فقبلهم أحسن قبول و خلع عليهم و قلد عماد الدولة علي بن بويه كرج. فاستمال أهلها بالصلات و الهبات فأحبوه و ملكوه و قوي جنابه و استولى على أصفهان و عظم في عيون الناس و ملك أرجان أيضا. و أنفذ أخاه ركن الدولة الحسن إلى كارزون و غيرها من أعمال فارس. فاستخرج منها أموالا جليلة و عاد إلى أخيه غانما سالما. و في سنة اثنتين و عشرين و ثلاثمائة استولى عماد الدولة علي بن بويه على شيراز و ملكها. و في هذه السنة خلع القاهر في جمادى الأولى و ذلك أن لبن مقلة كان مستترا و القاهر يتطلبه و كان يراسل قواد الساجية و الحجرية و يخوفهم من شر القاهر و يذكر لهم غدره و نكثه مرة بعد أخرى كقتل مؤنس و بليق و ابنه بعد الإيمان لهم إلى غير ذلك. و كان ابن مقلة يجتمع بسيما زعيم الساجية تارة في زي أعمى و تارة في زي مكد و تارة في زي امرأة و يغريه بالقاهر. ثم إن ابن مقلة أعطى منجما كان لسيما مائتي دينار. و كان يذكر أن طالعه يقتضي أن ينكبه القاهر. و أعطى أيضا شيئا لمعبر كان لسيما يعبر لهالمنامات و كان يحذره من القاهر. فازداد نفورا. فاتفق مع أصحابه و مع الحجرية على خلع القاهر. و بلغ ذلك الوزير فأرسل الحاجب سلاما و عيسى الطبيب ليعلماه بذلك فوجداه نائما قد شرب أكثر ليلته فلم يقدرا على إعلامه بذلك. فزحف الحجرية و الساجية إلى الدار. و لما سمع القاهر الأصوات و الغلبة استيقظ و هو مخمور و طلب بابا يهرب منه فقيل له: أن الأبواب جميعها مشحونة بالرجال. فهرب إلى سطح حمام. فأخذوه من هناك و حبسوه و كانت خلافته عاما واحدا و سبعة أشهر. ثم عاش خاملا إلى أن مات سنة ثمان و ثلاثين و ثلاثمائة.

(1/92)

عيسى الطبيب المذكور ههنا هو ابن يوسف المعروف بابن العطار كان متطبب القاهر و ثقته و مشيره و سفيره بينه و بين وزرائه و تقدم في وقته تقدما كثيرا. و شاركه سنان ابن ثابت بن قرة في الطب و كان خصيصا بالقاهر و كان عيسى أشد تقدما منه. و لكثرة اغتباط القاهر بسنان أراده على الإسلام فامتنع امتناعا شديدا كثيرا. فتهدده القاهر فخافه لشدة سطوته فأسلم و أقام مدة. ثم رأى من القاهر أنه إذا أمره بشيء أخافه فانهزم إلى خراسان و عاد توفي ببغداد في سنة إحدى و ثلاثين و ثلاثمائة. و من ظريف ما جرى لسنان في امتحان الأطباء عند تقدم الخليفة إليه بذلك أنه أحضر إليه رجل مليح البشرة و الهيئة ذو هيبة و وقار فأكرمه سنان على موجب منظره و رفعته. ثم التفت إليه سنان فقال: قد اشتهيت أن أسمع من الشيخ شيئا أحفظه عنه و أن يذكر شيخه في الصناعة. فأخرج الشيخ من كمه قرطاسا فيه دنانير صالحة و وضعها بين يدي سنان و قال: و الله ما أحسن أكتب و لا أقرأ شيئا جملة و لي عيال و معاشي دار دائره و أسألك أن لا تقطعه عني. فضحك سنان و قال: على شريطة أنك لا تهجم على مريض بما لا تعلم و لا تشير بفصد و لا بدواء مسهل إلا بما قرب من الأمراض. قال الشيخ: هذا مذهبي مذ كنت ما تعديت السكنجبين و الجلاب. و انصرف. و لما كان من الغد حضر إليه غلام شاب حسن البزة مليح الوجه ذكي. فنظر إليه سنان فقال له: على من قرأت. قال: على أبي. قال: و من يكون أبوك. قال: الشيخ الذي كان عندك بالأمس. قال: نعم الشيخ. و أنت على مذهبه. قال: نعم. قال: لا تتجاوزه و انصرف مصاحبا. و لسنان تصانيف جيدة و كان قويا في علم الهيئة و له في ذلك أشياء ظاهرة تغني عن الإطالة بذكرها.

(1/93)

" الراضي بن المقتدر " لما قبضوا القاهر سألوا عن المكان الذي فيه أبو العباس أحمد بن المقتدر فدلوهم عليه فقصدوه و فتحوا عليه و دخلوا فسلموا بالخلافة و أخرجوه و أجلسوه على السرير و لقبوه الراضي بالله يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى سنة اثنتين و عشرين و ثلاثمائة و بايعه القواد و الناس. و أرادوا علي بن عيسى على الوزارة فقال الراضي: إن الوقت لا يحتمل أخلاق علي و ابن مقلة أليق بالوقت. فأحضره و استوزره. فلما استوزر أحسن إلى كل من أساء إليه و أحسن سيرته. و في سنة ثلاث و عشرين و ثلاثمائة عظم أمر الحنابلة و قويت شوكتهم و صاروا يكبسون دور القواد و العامة و إن وجدوا نبيذا أراقوه و إن وجدوا مغنية ضربوها و كسروا آلة الغناء فأرهجوا بغداد. و ركب صاحب الشرطة و نادى في جانبي بغداد ألا يجتمع من الحنابلة اثنان و لا يصلي منهم إمام إلا جهر ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاة الصبح و العشائين. فلم يفد فيهم. فخرج توقيع الراضي بما يقرأ على الحنابلة ينكر عليهم فعلهم و يوبخهم على اعتقاد التشبيه و غيره. فمنه: إنكم تارة تزعمون أن صورة وجوهكم القبيحة السمجة على مثال رب العالمين و تذكرون الكف و الأصابع و الرجلين و النعلين الذهب و الشعر القطط و النزول إلى الدنيا. فلعن الله شيطانا زين لكم هذه المنكرات ما أغواه. و أمير المؤمنين يقسم بالله جهدا ألية يلزمه الوفاء بها لئن لم تنتهوا عن مذموم مذهبكم و معوج طريقكم هذه ليوسعنكم ضربا و تشديدا و قتلا و ليستعملن السيف في رقابكم و النار في منازلكم و محالكم. و في سنة أربع و عشرين و ثلاثمائة ألجأت الضرورة الراضي إلى أن قلد أبا بكر محمد بن رائق إمارة الجيش و جعله أمير الأمراء و ولاه الخراج و المعاون و الدواوين في جميع البلاد و أمر أن يخطب له على جميع المنابر و بطلت الوزارة من ذلك الوقت فلم يكن الوزير ينظر في شيء من الأمور إنما كان ابن رائق و كاتبه ينظران في الأمور جميعا و كذلك كل من تولى إمرة الأمراء بعده و صارت الأموال تحمل إلى خزائنهم فيتصرفون فيها كما يريدون و يطلقون للخليفة ما يريدون. و في سنة ست وعشرين و ثلاثمائة استولى معز الدولة أبو الحسن أحمد بن بويه على الأهواز. و فيها كتب أبو علي بن مقلة إلى الراضي يشير عليه بالقبض على ابن رائق و أصحابه و يضمن أنه يستخرج منهم ثلاثة آلاف ألف ألف دينار و أشار عليه بإقامة بجكم مقام ابن رائق و طلب ابن مقلة من الراضي أن ينتقل و يقيم عنده بدار الخليفة فأذن له في ذلك. فلما حصل بدار الخليفة اعتقله في حجرة و عرض على ابن رائق خط ابن مقلة. فشكر الراضي. و ما زال ابن رائق يلح في طلب ابن مقلة حتى أخرج من مجسه و قطعت يده. ثم عولج فبرأ فعاد يكاتب الراضي و يخطب الوزارة و يذكر أن قطع يده لم يمنعه عن عمله و كان يشد القلم على يده المقطوعة و يكتب و يهدد ابن رائق. فأمر الراضي بقطع لسانه. ثم نقل إلى محبس ضيق و لم يكن عنده من يخدمه فآل به الحال إلى أنه كان يستقي الماء بيده اليسرى و يمسك الحبل بفمه.و لحقه شقاء شديد إلى أن مات. و فيها دخل بغداد و لقي الراضي و قلده إمرة الأمراء مكان ابن رائق. و في سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة مات الراضي بالله بالاستسقاء في منتصف ربيع الأول و كانت خلافته ست سنين و عشرة أشهر و كان أديبا شاعرا سمحا سخيا يحب محادثة الأدباء و الفضلاء و الجلوس معهم.
و كان ببغداد في خلافة الراضي بعد سنة عشرين و ثلاثمائة و قبل سنة ثلاثين متى لبن يونس المنطقي النصراني عالم بالمنطق شارح له مكثر و طي الكلام قصده التعليم و التفهيم و هو من أهل دير قنى ممن نشأ في اسكول مار ماري قرأ على روفيل و بنيامين الراهبين اليعقوبيين. و متى نسطوري النحلة ذكره محمد بن اسحق النديم في كتابه و قال: إليه انتهت رئاسة المنطقيين في عصره و مصره.

(1/94)

" المتقي بن المقتدر " لما مات الراضي كان بجكم بالكوفة فورد كتابه مع الكوفي كاتبه يأمر فيه أن يجتمع مع أبي القاسم وزير الراضي العلويون و القضاة و العباسيون و وجوه البلد و يشاورهم الكوفي فيمن ينصب للخلافة. فاتفقوا كلهم على ابراهيم ابن المقتدر و بايعوه و لقبوه المتقي لله و سير الخلع و اللواء إلى بجكم إلى واسط و أقر سليمان على وزارته و ليس له منها إلا اسمها و إنما التدبير كله إلى الكوفي كاتب بجكم. و في هذه السنة و هي سنة تسع و عشرين و ثلاثمائة قتل بجكم قتله الأكراد و هو يتصيد في نهر جور. و لما قتل بجكم دخل أبو عبيد الله البريدي بغداد فنزل بالشفيعي و لقيه الوزير و القضاة و الكتاب و أعيان الناس فأنفذ إليه المتقي يهنئه بسلامته و أنفذ له طعاما عدة ليال ثم أنفذ البريدي إلى المتقي يطلب خمسمائة ألف دينار ليفرقها في الجند. فامتنع عليه. فأرسل إليه يتهدده و يذكره ما جرى على المعتز و المستعين و المهتدي. فأنفذ إليه تمام خمسمائة ألف دينار و لم يلق البريدي المتقي مدة مقامته ببغداد. فلما حصل المال في يد البريدي لم يؤثر الجند من المال بطائل فشغبوا عليه و حاربوه فهرب منهم هو و أخوه و ابنه و أصحابه و انحدروا في الماء إلى واسط و استولى كورتكين الديلمي على الأمور ببغداد و دخل إلى المتقي فقلده إمارة الأمراء و خلع عليه. و بعد قليل عاد محمد بن رائق من الشام إلى بغداد وصار أمير الأمراء. و في سنة ثلاثين و ثلاثمائة قتل ابن رائق و قلد ناصر الدولة ابن حمدان أمرة الأمراء و خلع على أخيه أبي الحسن علي و لقبه سيف الدولة. و بعد قليل ثار الأتراك بسيف الدولة فكبسوه ليلا فهرب من معسكره فلما بلغ الخبر أخاه ناصر الدولة سار إلى الموصل و كانت إمارته ثلاثة عشر شهرا و تولى توزون إمارة الأمراء. و في سنة إحدى و ثلاثين و ثلاثمائة توفي السعيد نصر بن حمدان بن اسمعيل صاحب خراسان و ما وراء النهر و كان حليما كريما عاقلا. و حكي عنه أنه طال مرضه فبقي به ثلاثة عشر شهرا فبنى له في قصره بيتا و سماه بيت العبادة فكان يلبس ثيابا نظافا و يمشي إليه حافيا و يصلي فيه و يدعو و يتضرع و تجنب المنكرات و الآثام إلى أن مات. و تولى بعده خراسان و ما وراء النهر ابنه نوح و لقب الأمير الحميد. و فيها خلع المتقي على توزون الأمير التركي و جعله أمير الأمراء. و فيها أرسل ملك الروم إلى المتقي يطلب منه منديلا مسح بها المسيح وجهه فصارت صورة وجهه فيها و إنها في بيعة الرها و ذكر أنه إن أرسلها إليه أطلق عددا كثيرا من أسارى المسلمين. فاستفتى المتقي القضاة و الفقهاء فأنكر بعضهم تسليمها و أجاب بعضهم قائلا: إن خلاص المسلمين من الأسر و الضر و الضنك الذي هم فيه أوجب. فأمر المتقي بتسليم المنديل إلى الرسل و أرسل معهم من يتسلم الأسارى. و في سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة ظهر ببغداد لص فأعجز الناس فأمنه ابن شيرزاد و هو من أكابر قواد توزون و خلع عليه و شرط عليه أن يوصل كل شهر خمسة عشر ألف دينار مما يسرقه هو و أصحابه و كان يستوفيها منه بالرواتب و هذا ما لم يسمع بمثله من شره. و فيها ازداد خوف المتقي من توزون أمير الأمراء و كان توزون بواسط فأنفذ المتقي يطلب من ناصر الدولة ابن حمدان إنفاذ جيش ليصحبوه إلى الموصل فأنفذهم مع ابن عمه. فخرج المتقي إليهم في حرمه و أهله و وزيره و ساروا إلى الموصل و أقام المتقي بها عند ابن حمدان ثم سار منها إلى الرقة و أنفذ رسلا إلى توزون في الصلح. فحلف توزون للخليفة و الوزير و انحدر المتقي من الرقة في الفرات فلما وصل إلى هيت أقام بها و أنفذ من يجدد اليمين على توزون. فعاد و حلف و سار عن بغداد ليلتقي المتقي فالتقاه بالسندية و نزل و قبل الأرض و قال: ها انا قد وفيت بيميني و الطاعة لك. ثم وكل به و بالوزير و بالجماعة و أنزلهم في مضرب نفسه مع حرم المتقي ثم كحله فأذهب عينيه و عمي المتقي. و انحدر توزون من الغد إلى بغداد و الجماعة في قبضته. فكانت خلافة المتقي ثلاث سنين و ستة أشهر.

(1/95)

" المستكفي بن المكتفي " لما قبض توزون على المتقي أحضر المستكفي بالله و هو أبو القاسم عبد الله بن المكتفي إليه إلى السندية و بايعه هو و عامة الناس في سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة. و كان سبب البيعة له ما حكاه بعض خواص توزون قال: إنني دعاني صديق لي فمضيت إليه فذكر لي أنه تزوج إلى قوم و أن امرأة منهم قالت له أن هذا المتقي قد عاداكم و عاديتموه و كاشفكم و لا يصفو قلبه لكم و ههنا رجل من أولاد الخلافة و ذكرت عقله و دينه تنصبونه للخلافة فيكون صنيعكم و غرسكم و يدلكم على أموال جليلة لا يعرفها غيره و تستريحون من الخوف و الحراسة. فقلت له: أريد أن أسمع كلام المرأة. فجاءني بها و رأيت امرأة عاقلة جزلة. فذكرت لي نحوا من ذلك و أحضرت الرجل أيضا عندي في زي امرأة فعرفني نفسه و ضمن إظهار ثمانمائة ألف دينار و خاطبني خطاب رجل لبيب فهم. فأتيت توزوت فأخبرته فوقع الكلام في قلبه و جرى ما جرى. و صارت تلك المرأة قهرمانة المستكفي و سمت نفسها علم و غلبت على أمره كله. و فيها سار سيف الدولة إلى حلب فملكها و كان مع المتقي بالرقة فلما عاد المتقي إلى بغداد قصد سيف الدولة حلب و استولى عليها ثم سار منها إلى حمص فلقيه بها عسكر الإخشيد محمد بن طغج صاحب مصر و الشام مع مولاه كافور فاقتتلوا فانهزم عسكر الإخشيد و كافور و ملك سيف الدولة مدينة حمص. و سار إلى دمشق فحاصرها فلم يفتحها أهلها له فرجع عنها. و في سنة أربع و ثلاثين و ثلاثمائة في المحرم مات توزون في داره ببغداد. فاجتمع الأجناد و عقدوا الئاسة عليهم لزيرك بن شيرزاد و حلفوا له و حلف له المستكفي و دخل إليه ابن شيرزاد و عاد مكرما يخاطب بأمير الأمراء. و بعد مدة يسيرة قدم معز الدولة بن بويه إلى بغداد و اختفى المستكفي و ابن شيرزاد. فلما استتر سار الأتراك الذين في خدمته إلى الموصل. فلما بعدوا ظهر المستكفي و عاد إلى دار الخلافة و أظهر السرور بقدوم معز الدولة و دخل إليه معز الدولة بن بويه و بايعه و حلف له المستكفي. و ظهر ابن شيرزاد أيضا و لقي معز الدولة فولاه أمر الخراج و جباية الأموال. و كانت إمارة ابن شيرزاد ثلاثة أشهر و عشرين يوما. و خلع المستكفي على معز الدولة و لقبه ذلك اليوم معز الدولة و لقب أخاه عليا عماد الدولة و لقب أخاه الحسن ركن الدولة و أمر أن يضرب ألقابهم و كناهم على الدراهم و الدنانير. و في هذه السنة بلغ معز الدولة أن علم قهرمانة المستكفي عازمة على إزالته فحضر معز الدولة و الناس عند الخليفة في اثنين و عشرين من جمادى الآخرة ثم حضر رجلان من نقباء الديلم فتناولا يد المستكفي فظن أنهما يريدان تقبيلها فمدها إليهما فجذباه عن سريره و جعلا عمامته في حلقه و ساقاه ماشيا إلى دار معز الدولة فاعتقل بها. و أخذت علم القهرمانة فقطع لسانها. و كانت مدة خلافة المستكفي سنة واحدة و أربعة أشهر و ما زال مغلوبا على أمره مع توزون و ابن شيرزاد. و لما بويع المطيع سلم إليه المستكفي فسمله و أعماه و بقي محبوسا إلى أن مات.
و كان في هذا الزمان من الأطباء المشهورين هلال بن ابراهيم ابن زهرون الصابئ الحراني الطبيب نزيل بغداد و كان حاذقا عاقلا صالح العلاج متفننا تقدم عند أجلاء بغداد و خالطهم بصناعته و خدم أمير الأمراء توزون. و حكى عنه ولده ابراهيم قال: رأيت والدي في يوم من أيام خدمته لتوزون و قد خلع عليه وحمله على بغل حسن بمركب ثقيل و وصله بخمسة آلاف درهم و هو مع ذلك مشغول القلب منقسم الفكر. فقلت له: ما لي أراك يا سيدي مهموما و يجب أن تكون في مثل هذا اليوم مسرورا. فقال: يا ابني هذا الرجل يعني توزون جاهل يضع الأشياء في غير موضعها و لست أفرح بما يأتيني منه من جميلة عن غير معرفة. أتدري ما سبب هذه الخلعة. قلت: لا. قال: سقيته دواء مسهلا فحاف عليه فأسحجه فقام عدة مرار مجالس دما عبيطا حتى تداركته بما أزال ذلك عنه و كفي المحذور فيه فاعتقده بجهله أن في خروج ذلك الدم صلاحا له فأنعم علي بما تراه و لست آمن أن يستشعر في السوء من غير استحقاق فتلحقني منه الأذية.

(1/96)

" المطيع بن المقتدر " هو أبو القاسم الفضل بن المقتدر. بويع له يوم الخميس ثاني عشر جمادى الآخرة سنة أربع و ثلاثين و ثلاثمائة و ازداد أمر الخلافة إدبارا و لم يبق بيد المطيع إلا ما أقطعه معز الدولة مما يقوم ببعض حاجاته. و في هذه السنة في ذي الحجة مات الأخشيد صاحب ديار مصر بدمشق و ولي الأمر بعده ابنه أبو جور و استولى على الأمر كافور الخادم الأسود. فسار كافور إلى مصر. فقصد سيف الدولة دمشق فملكها. ثم جاء كافور من مصر فأخرج أهل دمشق سيف الدولة عنهم. و في سنة سبع و ثلاثين سار سيف الدولة بن حمدان إلى بلد الروم فلقيه الروم و اقتتلوا فانهزم سيف الدولة و أخذ الروم مرعش و أوقعوا بأهل طرسوس. و في سنة ثماني و ثلاثين و ثلاثمائة توالت على عماد الدولة علي بن بويه الأسقام بمدينة شيراز فلما أحس بالموت و لم يكن له ولد أنفذ إلى أخيه ركن الدولة يطلب منه أن ينفذ إليه لبنه عضد الدولة فناخسروا ليجعله ولي عهده.فوصل إليه فأجلسه في داره على السرير و وقف هو بين يديه و أمر الناس بالانقياد له و كان يوما عظيما مشهودا. و في سنة تسع وثلاثين و ثلاثمائة دخل سيف الدولة بن حمدان إلى بلاد الروم فغزا و أوغل فيها و سبى و غنم. فلما أراد الخروج أخذو عليه المضايق فهلك من كان معه من المسلمين أسرا و قتلا و استرد الروم الغنائم و السبي و غنموا أثقال المسلمين و أموالهم و نجا سيف الدولةفي عدد يسير. و في سنة ثلاث و أربعين و ثلاثمائة مات الأمير نوح بن نصر الساماني في ربيع الآخر و ملك خراسان بعده ابنه عبد الملك. و فيها غزا سيف الدولة ابن حمدان بلاد الروم و قتل ابن نيقيفور الدمستق فعظم الأمر عليه.فجمع عساكر كثيرة من الروم و الروس و البلغار و قصد الثغور فسار إليه سيف الدولة فالتقوا و اشتد القتال بينهم و صبر الفريقان. ثم انتصر المسلمون و انهزم الروم و استؤسر صهر الدمستق و ابن ابنته. و في سنة تسع و أربعين و ثلاثمائة غزا أيضا سيف الدولة بلاد الروم و سبى و غنم و أسر و بلغ إلى خرشنة. ثم إن الروم أخذوا عليه المضايق فلما أراد الرجوع قال له من معه من أهل طرسوس: الرأي أن لا تعود في الدرب الذي دخلت منه و لكن ترجع معنا في مسالك نعرفها. فلم يقبل منهم و كان معجبا برأيه يحب أن يستبد و لا يشاور أحدا لئلا يقال أنه أصاب برأي غيره و عاد في الدرب الذي دخل منه. فظهر الروم عليه و استردوا ما معه من الغنائم و وضعوا السيف في أصحابه فأتوا عليهم قتلا و أسرا و تخلص هو في ثلاثمائة رجل بعد جهد و مشقة. و في سنة خمسين و ثلاثمائة سقط الفرس تحت عبد الملك بن نوح صاحب خراسان فمات من سقطته. و ولي بعده أخوه منصور ابن نوح. و في سنة إحدى و خمسين و ثلاثمائة في المحرم نزل الروم مع الدمستق على عين زربة و فتحوها بالأمان فدخلها و نادى في البلد أول الليل بأن يخرج جميع أهلها إلى المسجد و من تأخر في منزله قتل. فخرج من أمكنه الخروج. فلما أصبح أنفذ رجاله و كانوا ستين ألفا فقتلوا خلقا كثيرا من الرجال و النساء و الصبيان ممن وجدوه خارج المسجد. و أمر من في المسجد بأن يخرجوا من البلد حيث شاؤوا يومهم ذلك و من أمسى قتل. فخرجوا مزدحمين فمات بالزحمة جماعة و مروا على وجوههم لا يدرون أين يتوجهون فماتوا في الطرقات و قتل الروم من وجدوه بالمدينة آخر النهار. فلما أدرك الصوم انصرف الروم إلى القيسارية على أن يعودوا بعد العيد. و فيها استولى الروم على مدينة حلب و عادوا عنها بغير سبب. و فيها ملك الروم عليهم نيقيفور الدمستق و جعلوا شخصا يسمى شوموشقيق دمستقا له. و في سنة أربع و خمسين و ثلاثمائة فتح الروم مصيصة و طرسوس. و في سنة ست خمسين و ثلاثمائة مات معز الدولة بن بويه ببغداد و جلس ابنه بختيار في الإمارة و لقب عز الدولة. و كانت إحدى يدي عز الدولة مقطوعة قطعت في بعض الحروب. و فيها قبض أبو تغلب على أبيه ناصر الدولة بن حمدان و حبسه في القلعة لأنه كان قد كبر فساءت أخلاقه و ضيق على أولاده و خالفهم في أغراضهم للمصلحة فضجروا منه. و في سنة سبع و خمسين و ثلاثمائة ملك الروم مدينة إنطاكية. و في سنة إحدى وستين و ثلاثمائة سار المعز لدين الله العلوي صاحب بلاد المغرب من إفريقية يريد الديار المصرية فأقام قريبا من مدينة قيروان و لحقه رجاله و عماله و أهل
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى