مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

*امبراطورية بابل الحديثة -سقوط امبراطورية اشور-العراق الفارسي والاغريقي

اذهب الى الأسفل

*امبراطورية بابل الحديثة -سقوط امبراطورية اشور-العراق الفارسي والاغريقي Empty *امبراطورية بابل الحديثة -سقوط امبراطورية اشور-العراق الفارسي والاغريقي

مُساهمة  طارق فتحي الجمعة فبراير 04, 2011 8:24 pm

الامبراطورية البابلية الحديثة
لم تتم تهدئة الكلدانيين الذين كانوا يقطنون المنطقة الساحلية للخليج الفارسي، من قبل الاشوريين. ففي حوالي 630 اصبح نبوبلاصر ملكا على الكلدانيين. في 626 اخرج الاشوريين بالقوة من ( الوركاء) وتوج نفسه ملكا على بابل. لقد ساهم في الحروب التي كانت تهدف الى تدمير الدولة الاشورية. وبنفس الوقت بدا باعادة تشغيل شبكة القنوات المائية المخربة في المدن البابلية وخاصة في مدينة بابل نفسها. ولقد حارب الملك الاشوري آشور اوباليت الثاني وثم حارب المصريين، قوبلت نجاحاته بسوء الحظ. مات نبوبلاصر في بابل عام 605 .

نبوخذنصر الثاني :
سمى نبو بلاصر ابنه الكبير بنبوخذنصر تيمنا بالملك الشهير للسلالة الثانية لايسن، ودربه بعناية لتولي العرش وشاركه في تحمل المسؤوليات. فعندما مات الاب في 605 كان نبوخذنصر مع جيشه في سوريا؛ حيث كان قد سحق المصريين قرب كارجيميش في معركة دامية قاسية وطاردهم الى الجنوب. عاد نبوخذنصر فورتسلمه نبأ وفاة ابيه الى بابل. لا يذكر نبوخذنصر في كتاباته على العديد من الابنية، الا القليل عن حروبه الكثيرة؛ وكلها تنتهي بالصلوات.
ان التسلسل البابلي للاحداث يمتد فقط للسنوات 605 – 594 ، ولا يعرف الكثير من مصادر اخرى عن السنوات الاخيرة لهذا الملك الشهير. كان يذهب غالبا الى سوريا وفلسطين، لطرد المصريين منها. في عام 604 احتل المدينة الفلسطينية أشكيلون. حاول في 601 دفع المصريين الى مصر ولكنه اجبر على الانسحاب بعد معركة دامية غير محسومة من اجل اعادة تنظيم جيشه في بابل. اثر بعض الحملات التاديبية الصغيرة ضد العرب في سوريا، هاجم فلسطين في نهاية 598. ثار جيهوياكيم ملك جودا مؤملا على دعم من مصر. وحسب تسلسل الاحداث التاريخي فقد احتلت القدس في 16 آذار 597. ومات الملك جيهوياكيم خلال الحصار، وتم سبي ابنه جيهوياجين مع 3000 من اليهود اسرى الى بابل. تمت معاملتهم بصورة جيدة حسب الوثائق. وعين زيدكيا ملكا جديدا.
في عام 596 حين جاء الخطر من الشرق سار نبوخذنصر الى نهر دجلة مجبرا العدو على الانسحاب. بعد سحق الثورة في بابل بطريقة دموية جهز حملة اخرى الى الغرب.ثارت جودا ثانية في 589 حسب العهد القديم، وتمت محاصرتها. سقطت
المدينة في 587/586 ودمرت تماما. واخذ عدة آلاف من اليهود اسرى الى بابل، والحقت بلادهم كمقاطعة بالامبراطورية البابلية. ويذكر ان الاحتلال المصري كان سبب الثورة حيث تم التغلغل الى سيدون. وقام نبوخذنصر بمحاصرة تاير لمدة 13 عاما دون ان يتمكن من دخولها لعدم امتلاكه اسطولا بحريا. في 568/567 عاود مهاجمة مصردونما نصر يذكر ولكن توقف المصريون منذ ذلك الوقت من مهاجمة فلسطين. عاش نبوخذنصر بسلام مع دولة ميديا طول فترة حكمه وتوسط بينها وبين ليديا في حربهم 590 – 585 .
امتدت الامبراطورية البابلية في عهد نبوخذنصر الى الحدود المصرية. كان لديها نظاما اداريا جيدا. بالرغم من انه كان نبوخذنصر يفرض ضرائب وجزية عالية من اجل ادامة جيوشه والاستمرار في مشاريع البناء، جعل نبوخذنصر دولة بابل من اغنى الاراضي في غرب اسيا، في الوقت الذي كانت فيه فقيرة تحت الحكم الاشوري. كانت بابل اكبر مدن العالم المتحضر. استمر نبوخذنصر بادامة شبكة قنوات المياه و انشأ العديد من القنوات الثانوية جاعلا من الارض اكثر خصوبة مما هي عليه. وازدهرت التجارة في عهده.
احاقت بجنوب دولة بابل مشاكل مهلكة ، فقد هاجمتها عيلام في 664. وجاء هجوم آخر في 653 ، حيث ارسل آشور بانيبال جيشا كبيرا ألحق بالعيلاميين هزيمة نكراء. وقتل ملكهم مما شجع بعض الولايات العيلامية على الانفصال .
لم تعد لعيلام القوة الكافية لاستعادة دورها الفعال في المجالات الدولية. كان لهذا الانتصار نتائج مهمة لبابل. اصبح شاماش شوم اوكن متعبا بسبب اهماله من قبل اخيه الذي فرض سيطرته. لقد شكل شاماش شوم اوكن تحالفا سريا في عام 656 مع الايرانيين، والعيلاميين والاراميين والعرب والمصريين، موجها ضد آشوربانيبال.
ربما كان انسحاب العيلامين المندحرين من التحالف هو السبب في الهجوم غير المكتمل الاعداد من قبل شاماش شوم اوكن في نهاية عام 652 دون الانتظار للمساعدة الموعودة من مصر. بعد ان اخذ آشور بانيبال على حين غرة، استطاع من لملمة جيشه. هزم الجيش البابلي واسر شاماش شوم اوكن في مدينته الحصينة بابل. ولم يتمكن حلفاؤه من الصمود امام الآشوريين. وهزمت امدادات العرب المحملة على الجمال. وبقيت مدينة بابل محاصرة لمدة ثلاث سنوات. وسقطت في العام 648 وسط مشاهد مذابح مروعة، ومات شاماش شوم اوكن في قصره المحترق.
بعد عام 648 شن الاشوريون عدة هجمات تاديبية على العرب،محفزين بهذا روح الاندفاع والقتال لدى القبائل العربية لسنوات قادمة. كان الهدف الرئيس للاشوريين هو تامين استقرار نهائي لعلاقاتهم مع عيلام. ان رفض دولة عيلام عام 647 تسليم امير آرامي كان سببا في هجمات جديدة تغلغلت معها جيوش الاشوريين عميقا في الاراضي العيلامية. وقد اعقب ذلك الصولة على العاصمة سوسة المحصنة بقوة ربما في عام 646 .
دمر الاشوريون خلالها المدينة بضمنها المعابد والقصور. واحتلوا اراض شاسعة. وكالمعتاد فقد تم نفي اصحاب الاراضي والطبقة العليا الى بلاد آشور ومناطق اخرى من الامبراطورية واصبحت عيلام مقاطعة آشورية. وامتدت سلطة الدولة الاشورية الى جنوب شرق ايران. ودفع سيروس الاول الجزية واعطى رهائن الى نينوى. متعشما في تامين الحماية لحدوده مع ميديا. لا يعرف الا القليل عن أواخر سنوات حكم اشوربانيبال.
لقد ترك اشوربانيبال الهاما اكثر ممن اعقبه من الملوك. لم تسجل معاركه دائما بتسلسل زمني ولكنها جمعت كمجموعات حسب الغايات منها. ان عدد معاركه تسجله الذاكرة. احدى اهم مآثره هي تاسيس مكتبة القصر العظيمة في نينوى ( كويونجق الحديثة)،
والتي تعتبر اليوم احدى اهم المصادر لدراسة التاريخ القديم لبلاد مابين النهرين . ولقد اشرف الملك نفسه على انشائها. ولقد حفظ اكثر من نسخة من الاعمال المهمة، بعضها كان مخصصا للاستخدام الشخصي للملك. ان اعمال الترتيب قد سحبت تجربة قرون من ادارة تجميع كميات كبيرة من اراشيف المعبد مثل تلك الموجودة في آشور. يتحدث آشوربانيبال في احدى مخطوطاته عن انه صياد متلهف لصيد الحيوانات الكبيرة، وكيف انه حصل على متعتها خلال صراعه مع الاسود المهاجمة. هناك في قصره في نينوى صفوف طويلة من مشاهد الصيد تظهر حذاقة الفنانين في النحت البارز؛ وصل الفن الاشوري بهذه المنحوتات الى قمته. بمسلسلات تحكي عن حروبه وخاصة الحروب التي خاضها في عيلام، تعج المشاهد بالشخوص البشرية. وتلك التي تظهر المعارك ضد القوات العربية على جمالها هي ابدع ما تم تنفيذه.
احدى اسباب بقاء الامبراطورية الاشورية لمدة طويلة هو ممارسة التهجير لاعداد كبيرة من سكان المناطق المحتلة وتوطينهم في اماكن اخرى. لقد منع هذا الاجراء الوطنين من المناطق المحتلة من استعادة قوتهم. وبنفس الاهمية كان تعيين العديد من الموظفين المدنين الاكفاء في الاراضي المحتلة تحت امرة ضباط مدربين. كانت اعلى درجة وظيفية هي "تارتان"، وهي كلمة حرانية. ولقد مثل التارتان الملك ايضا خلال غيابه. المرتبة الاقل كان ملاحظ القصر، وهو حامل الصواع، واداري القصر وحاكم آشور. غالبا ما كان القادة يحتلون مراكز رسمية عالية، وخاصة في المقاطعات. كان عدد موظفي الدولة يقارب ال 100.000 أغلبهم من مواطني المقاطعات المحتلة. ولقد اصبح الاسرى عبيدا ثم اطلق سراحهم.
لم تكن هناك قوانين معروفة للامبراطورية\ن بالرغم من ان المستندات تشير الى وجود قواعد وضوابط للعدالة. كان الذين يفسخون العقود عرضة لعقوبات شديدة، وحتى في حالات الاهمية القليلة فان التضحية بابن او اكل رطل من الصوف وشرب كميات كبيرة من الماء بعد ذلك مما يؤدي الى موت مؤلم. كان للمراة مكانة سفلى، ماعدا الملكة وبعض الاميرات.
ولاتتيسر دراسات مفصلة عن الوضع الاقتصادي لتلك المرحلة. اما النبلاء اصحاب الاقطاعيات فقد استمروا على لعب دور مهم، اضافة الى التجار في المدن. ان الزيادة في كميات المعادن الثمينة – والتي كانت تستلم كجزية او تؤخذ كغنائم – لم تشوش الاستقرار الاقتصادي في العديد من المناطق. لقد ادت الرعاية الملكية ورعاية المعابد الى ازدهار الفنون والحرف خلال هذه الفترة.
ان سياسة توطين الاراميين وغيرهم من سكان الاراضي المحتلة في الدولة الاشورية قد جلب العديد من الفنانين والحرفيين الموهوبين الى المدن الاشورية، حيث قدموا اساليب وتقنيات جديدة. كان اصحاب الدرجات العليا من الموظفين، والذين غالبا هم من المتنفذين، عملوا على ان تستفيد مراكز المقاطعات كذلك من هذا النمو الاقتصادي والحضاري
اصبحت حران اهم مدينة في القسم الغربي من الامبراطورية؛ اما مستوطنة حوزيرينا الجاورة ( حاليا سلطان تبه في شمال سوريا)، تم اكتشاف بقايا اثار مكتبة مهمة. عثر على القليل من النصوص الارامية من هذه الفترة؛ ان مناخ بلاد مابين النهرين لا يصلح لتخزين البردي والجلود التي كانت النصوص تكتب عليها. لا تتيسر ادلة على وجود موروث تعليمي بلغات اخرى منطوقة ضمن حدود الامبراطورية الاشورية في ذلك الوقت، ماعدا بعض المناطق الساحلية من سوريا وفلسطين.
تخلفت بابل من الناحيتين الاقتصادية والثقافية عن آشور في هذه الفترة. ان الحروب مع الدولة الاشورية ( وبالاخص الاندحار المأساوي في 689 و 648) اضافة الى العديد من الحروب القبلية الصغيرة قد اثؤت على التجارة والانتاج الزراعي. اما المعابد البابلية العظيمة فقد كانت باحسن حال خلال هذه الفترة، مادامت تحظى بالرعاية الملكية الاشورية. حفظت بعض الوثائق من المعابد فقط. هناك دلائل تشير الى ان مدارس النسخ والتاليف استمرت بالعمل وان كتابات بالسومرية كانت قد حررت للملك شاماش شوم اوكن. مقارنة بالتطور الاشوري فان فن التصوير كان مهملا ولربما وجد الفنانون البابليون عملا لهم في آشور.
بدا الناس خلال هذه الفترة باستخدام اسماء الاسلاف مثل الالقاب؛ لربما كان ازدياد هذه الظاهرة مؤشرا الى تقلص حجم بعض العوائل القديمة. خلال هذه الفترة فان اسلوب الحياة الارامي كان قد بلغ المدن القديمة لدولتي بابل وآشور.يظهر ان هذه الحقبة لم تكن مثمرة من الناحية الادبية في كل من بابل وآشور. ففي آشور هناك العديد من الكتابات الملكية، بعضها بطول 1.300 سطرا كانت من ضمن اهم النصوص، حتى ان بعضها كان متنوعا في المحتوى ومنشأ باسلوب جيد. معظم التراتيل والصلوات كانت مكتوبة بالاسلوب التقليدي. والعديد من الايحاءات ، وغالبا كان محتواها غريبا، كانت مكتوبة باللهجة الآشورية، غالبا معظمها من قبل كاهنات عشتار آلهة اربيلا. لوحظ في آشور كما في بابل بدايات الادب التاريخي الحقيقي، وبقي معظم المؤلفين غير معروفين لحد الوقت الحاظر.
بقي الالهة التقليديون الكثر يعبدون في بابل واشور في المعابد الكبيرة والصغيرة كما في الايام الاولى. كانت الطقوس التفصيلية تنظم القرابين وتفسيرات الشعائر التي كانت تختلف احيانا واحيانا اخرى كانت غريبة جدا.
انشات مراصد فلكية في بعض ابراج المعابد ( الزقورات). اقدمها قد يكون مرصد معبد نينورتا في كلخ في الدولة الاشورية والذي يرجع تاريخه الى القرن التاسع ق م. ولقد دمر مع المدينة في612 .
اهم مرصد في بابل من حوالي عام580 كان في زقورة اتيمنانكي في معبد مردوخ في بابل. اما في الدولة الاشورية فان رصد الشمس والقمر والنجوم كانت قد وصلت الى مستوى عال جدا؛ ولقد عرف حساب الخسوف القمر ومواعيد حدوثه. بعد عام 600 فان الرصد الفلكي وحساباتها كانت قد تطورت بشكل منتظم ووصلت الى اعلى نقطة بعد عام 500 ق م حين بدا البابليون والاغريق تعاونهم المثمرة. بدا التقويم الفلكي غير الكامل في بداية 652 وغطى حوالي 600 سن .

سقوط الامبراطورية الاشورية
بقي القليل من المصادر التاريخية لاخر 30 سنة من الاميراطورية الاشورية. لايوجد كتابات لاشوربانيبال بعد عام 640 ق م، وان القليل من الكتابات لخلفه تحوي على تلميح غامض عن الامور السياسية. هناك صمت قد يكون مطبق فيما يخص الدولة البابلية لغاية 625 ق م حيث يعود التسلسل الزمني.
ان الانهيار السريع للامبراطورية الاشورية كان يعزى سابقا الى الهزائم العسكرية، على الرغم من انه ليس من الواضح كيف كان من الممكن لدولتي ميديا وبابل من تحقيق ذلك لوحدهما. الاعمال الاحدث تشير الى انه بعد عام 635 حدثت حرب اهلية، اضعفت الامبراطورية بحيث لم تكن قادرة على الوقوف ازاء اي جيش اجنبي. كان لاشوربانيبال ابنين توأمين.
عين "آشور-اتيل –الاني" وليا للعهد، ولكن اخاه التوأم "سن-شار-إشكون"، لم يعترف به. اجبر القتال بينهما وبين انصارهما الملك الكبير على الانسحاب الى حران، على الاكثر في 632 ، ربما كان يدير الحكم من هناك على القسم الغربي من الامبراطورية حتى وفاته في 627 . حكم آشور-اتيل-الاني آشور من حوالي 633، ولكن القائد "سن-شوم-ميشر" سرعان ما ثار ضده واعلن نفسه ملكا بالمقابل. وبعد عدة سنوات (629؟) استطاع "سن-شار-اشكون" اخيرا من تولي العرش.
يمكن العثور على تواريخ الملوك الثلاثة في الوثائق البابلية. لزيادة التشويش، فانه لغاية 626 هناك تواريخ ايضا لاشوربانيبال وملك يدعى كاندالانو. في عام 626 ثار نبوخذنصر الكلداني (نبو أبال اوشور) من الوركاء "اوروك" واحتل بابل. كان هناك العديد من التغييرات في الحكومة. واجبر الملك آشور اتيل ايلاني على الانسحاب غربا حيث مات في وقت ما بعد 625 . حوالي عام 626 اضاف السيثيانيون اراض جديدة الى سوريا وفلسطين. في 625 توحد الميديون تحت حكم سياخارس وبدأوا باحتلال المقاطعات الايرانية من الدولة الاشورية. احدى الحوادث المتسلسلة تشير الى حروب بين سن شار اشكون ونبوبلصر في بابل في 625-623 . لم يمض طويلا حتى طرد الاشوريون من بابل. في 616 هاجم الميديون نينوى، ولكنهم صدوا من قبل السيثيون حسب المؤرخ الاغريقي هيرودوتس.
وعلى اية حال ففي 615 احتل السيثيون "ارابخا" (كركوك)، وفي 614 استولوا على العاصمة القديمة آشور، وقاموا بنهبها وتدميرها.
قام سيخارس ونبوبلصر بالتحالف من اجل تقسيم الدولة الاشورية. في عام 612 خضعت كلخ ونينوى لقوة الحلفاء العظيمة. ان الانتقام الذي اخذ من الاشوريين كان فظيعا: فبعد 200 سنة وجد خينوفون الدولة قليلة السكان.
مات ملك آشور سن شار اشكون في قصره المحترق. وتوج قائد الجيش الاشوري في الغرب نفسه ملكا في مدينة حران، منتحلا اسم مؤسس الدولة الاشورية، آشور اوباليت الثاني ( 611-609 ق م). كان على آشور اوباليت مواجهة كل من البابليين والميدين. قاموا باحتلال حران في 610 دون ان يدمروا المدينة تماما. في 609 كان على بقية القطعات الاشورية ان تستسلم. بهذا الحدث انتهى تاريخ الدولة الاشورية . وان الامبراطوريات العظيمة التي اعقبتها تعلمت الكثير من الاشوريين، في مجال الفن وكيفية تنظيم دولهم.
لقد فاقت فعاليات نبوخذنصر الانشائية كل فعاليات الملوك الاشوريين. لقد حصن جدران بابل المزدوجة مضيفا جدارا ثالثا خارج الجدار القديم. اضافة الى ذلك فقد اقام جدارا آخر، هو الجدار المدياني الى الشمال من المدينة بين نهري دجلة والفرات. حسب تقديرات الاغريق يمكن ان يكون هذا الجدار بارتفاع 100 قدم. ولقد وسع القصر القديم مضيفا العديد من الاجنحة.
بحيث اصبح للدوائر المركزية للامبراطورية مئات الغرف وقاعات داخلية كبيرة. ولقد زينت الجدران بالبلاطات الملونة المزججة والمنحوتات نصف البارزة. واضيفت حدائق عرفت فيما بعد بجنائن بابل المعلقة. لا بد وان هذه المشاريع تطلبت مئات الالاف من العمال. وكانت المعابد غايات ذات اهتمام خاص، فلقد سخر نفسه اولا واخيرا لاكمال معبد اتيمينانكي "برج بابل".
بدأ العمل بانشاء هذا المعبد في عهد نبوخذنصر الاول، حوالي 1110 . وكان كبناية اثرية لغاية حكم الملك الاشوري اسرحدون، والذي عاود البناء حوالي عام 680 لكنه لم يكمل. استطاع نبوخذنصر الثاني من اكمال البناء باكمله. يمكن العثور على الابعاد الحقيقية لمعبد اتيمينانكي في الواح اساكيلا والتي عرفت منذ القرن التاسع عشر. ابعاد القاعدة حوالي 300 قدما لكل جانب وبارتفاع 300 قدما ايضا.
هناك خمس مدرجات على شكل ممرات تحيط بالمعبد، وان ارتفاع المعبد ككل كان ضعف بقية المعابد. ان الشارع العريض الذي كان يستخدم للمواكب كان يمر من الجهة الشرقية بالجدار الداخلي للمدينة متقاطعا مع باب عشتار الكبير والذي يعرف عالميا ببلاطاته الملونة ومنحوتاته نصف المجسمة. وبنى نبوخذنصر العديد من المعابد الصغيرة في شتى ارجاء البلاد.

آخر ملوك بابل :
آول مردوخ ( والمسمى مردوخ الشرير في العهد القديم 561 – 560)، هو ابن نبوخذنصر، لم يتمكن من نيل اسناد كهنة الاله مردوخ. لم يستمر حكمه طويلا، وسرعان ما ازيل. اما نسيبه وخلفه، نيركال شار اوشور ( والمسمى نركيلصر في المصادر القديمة؛ 559-556)، فقد كان قائدا عسكريا قاد حملة في 557 في اراضي السلجوقيين الوعرة والتي كانت تحت سيطرة الميدين. كانت قطعاته الارضيه يسندها الاسطول . اما ابنه الاصغر لاباشي مردوخ فقد اغتيل بعيد ذلك بقليل، على ادعاء انه لم يكن يصلح لمنصبه.
آراميان نابونيدوس كان الملك التالي (نبو نايهه 556-539) من حران، احد اكثر الشخصيات ابهاما في العصر القديم. كانت امه "أداجوبه" ، كاهنة للاله سن في حران، جاءت الى بابل وتمكنت من تامين منصب مهم لابنها في القصر. ولقد كافأها اله القمر لطاعتها وتقواها بعمر مديد -- فلقد عاشت 103 سنوات – ودفنت في حران في 547 بكل حفاوة الملكة. ليس من المعروف اي الجهات المتنفذة تلك التي دعمت عرش نابونيدوس؛ قد تكون جهة مناوئة لكهنة مردوخ، والذي اصبح ذا سلطة عظيمة.
غزا نابونيدوس سيليسيا في 555 وامن حصار حران، والتي كانت تحكم من قبل ميديا. ولقد وقع معاهدة دفاع مع الملك الميدي استياجيس ضد الفرس الذين اصبحوا خطرا متزايدا منذ 559 تحت حكم ملكهم سيروس الثاني. ولقد كرس جهده ايضا لتجديد العديد من المعابد، موليا اهتماما كبيرا بالكتابات القديمة. ولقد فضل الهه سين وكان له من بين كهنة الاله مردوخ اعداء اقوياء.
لقد عثر من خلال الحفريات الحديثة على شضايا الواح فيها قصائد للدعاية كتبت ضد نابونيدوس واخرى معه.ان المشاكل الداخلية والاقرار بان الشريط الضيق من الارض الممتد من الخليج الفارسي الى سوريا لا يمكن الدفاع عنه ضد هجوم رئيس من الشرق .
دفعنا بونيدوس الى ترك بابل في حدود 552 والعيش في تايما في شمال الجزيرة العربية. هناك قام بتنظيم مقاطعة عربية.
اما ولي عهده في بابل فقد كان ابنه " بلشار اوسور"، "بلشصر" حسب كتاب دانيال في الانجيل. لقد حول سيروس هذا لصالحه بان ضم اليه ميديا في 550 . وبالمقابل تحالف نابونيدوس مع الملك الليدي كرويسوس من اجل محاربة سيروس. الا ان سيروس عند مهاجمته ليديا وضمها اليه في 546 لم يتمكن نابونيدوس من مساعدة كرويسوس. كان سيروس مستبشرا بالوقت. في عام 542 عاد نابونيدوس الى بابل حيث كان ابنه متمكنا من ادامة النظام في الامور الخارجية ولكنه لم يستطع من التغلب على المعارضة الداخلية المتزايدة ضد والده.
ونتيجة لذلك، كانت حياة نابونيدوس العملية قصيرة بعد عودته، بالرغم من محاولته الحثيثة على كسب ود البابلين. وعين ابنته لتكون كاهنة للاله سن في اور، وبهذا عاد الى التقاليد الدينية السومرية-البابلية القديمة. كان كهنة مردوخ يتطلعون الى سيروس آملين اقامة علاقات معه افضل من تلك التي مع نابونيدوس؛ واعدين سيروس على
تسليم بابل دون قتال ان هو منحهم حقوقهم بالمقابل. في عام 539 هاجم سيروس شمال الدولة البابلية بجيش كبير ملحقا بنابونيدوس الهزيمة، ودخل مدينة بابل دونما قتال. ولم تبد بقية المدن مقاومة ايضا. ولقد استسلم نابونيدوس واستلم مقاطعة صغيرة في شرق ايران. لقد خلطت المصادر بينه وبين سلفه العظيم نبوخذنصر الثاني. ويشير كتاب دانيال اليه في الانجيل نيبوخذريزار.
ان تقديم بابل بسلام الى سيروس حماها من ان يكون مصيرها مصير الدولة الاشورية. فقد اصبحت مقاطعة تحت حكم التاج الفارسي ولكنها احتفظت باستقلالها الثقافي. حتى الجزء الغربي من بابل المؤلف من خليط عرقي فقد استسلم دون مقاومة.لقد انهك البابليون في 620 من الحكم الاشوري. ولقد تعبوا ايضا من الصراعات الداخلية. لذا فلقد كان من السهل اقناعهم لتقديم الطاعة للملوك الكلدانيين. فكانت النتيجة اندماج اجتماعي واقتصادي سريعين بشكل مدهش، ومما ساعد على ذلك انه بعد سقوط الدولة الاشورية، لم يعد هناك خطر خارجي يهدد الدولة البابلية لما يزيد عن 60 عاما. كانت المعابد في المدن جزءا مهما من الاقتصاد، فكانت لها فوائد شاسعة تحت امرتها.
واستعادت طبقة رجال الاعمال قوتها، ليس في مجال التجارة فحسب بل في ادارة الزراعة في المناطق الحضرية. لقد ازدهرت تربية الحيوانات ( الاغنام والماعز والابقار والخيول) اضافة الى مزارع الدواجن.
ان زراعة الذرة والتمور والخضراوات قد ازدادت اهميتها. ولقد بذل الكثير لتحسين المواصلات، بشقيها البري والمائي مع المقاطعات الغربية للامبراطورية.
لقد كان لسقوط الامبراطورية الاشورية نتائج منها ان العديد من الروافد التجارية كانت قد عادت لتصب في بابل. ومن نتائجه الاخرى ان بابل اصبحت مركزا عالميا.
ان الكميه الهائلة من مواد التوثيق والمراسلات التي امكن انقاذها لم يجر تحليلها بعد. لم يجر تطوير نظام قانوني او اداري جديدين خلال هذه الفترة. ولقد تحولت اللهجة البابلية تدريجيا الى الارامية؛ كانت لا تزال تكتب مبدئيا على الالواح الطينية مضافا اليها حروفا ارامية.
لم تصمد الوثائق المكتوبة على البردي او الجلود . على عكس التطور في الميادين الاخرى فليس هناك دلائل تشير الى ابداع فني. ماعدا بعض الكتابات الملكية، وخاصة نابونيدوس، والتي لا يمكن مقارنتها من وجهة النظر الادبية بتلك التي عند الاشوريين، فان الجهد الرئيس كان منصبا على اعادة كتابة النصوص القديمة. اما في مجال الفنون الجميلة، فان بعض التماثيل الصغيرة فقط هي التي تشير الى اتجاهات جديدة .

العراق تحت الحكم الفارسي والاغريقي
قام سيروس الثاني مؤسس الامبراطورية الاخمينية بتوحيد بابل مع بلاده في وحدة شخصية وانتحل لقب " ملك بابل وملك الاصقاع". وعين ابنه كامبيسيس نائبا للملك وسكن في سيبار. اعتمد الفرس على دعم الكهنة وطبقة رجال الاعمال في المدن. في مخطوطة بابلية، يدعي سيروس بفخر احتلاله لمدينة بابل بطريقة سلمية غير دموية. وبذات الوقت يتحدث عن مردوخ كملك الالهة. ان اعتداله و تحفظه قد اثمرا فقد اصبحت بابل اغنى مقاطعة في امبراطوريته.
ليس هناك اية اشارة الى اي تمرد او ثورة وطنية في بابل تحت حكم سيروس و كامبيسيس (529 – 522 ). الا انه لابد وان احاسيس عدم الرضا قد تراكمت واصبحت واضحة في عيد جلوس الملك داريوس الاول ( 522 – 486 )، عندما قام مغتصب بالاستيلاء على عرش بابل تحت اسم نبوخذنصر الثالث من اجل ان يخسر كل من العرش وحياته بعد عشرة اسابيع. وقد محى داريوس اي عمل عقابي. كان عليه اتخاذ تدابير اكثر قسوة في 521 عندما قام نبوخذنصر آخر باعلان ثورة اخرى. واستمر حكم المغتصب هذا شهران. تبع ذلك عمليات اعدام ونهب، فامر داريوس بهدم اسوار بابل الداخلية، واصلح تنظيمات الدولة. وبقيت بابل العاصمة للولاية الجديدة وكذلك اصبحت المقر الاداري لولايات دولة آشور وسوريا. نتج عن ذلك توسعة القصر.
بقيت بابل ارض خير ورخاء، على عكس آشور اتي كانت لا تزال بلادا فقيرة. وبنفس الوقت كانت ادارة المملكة في ايادي الفرس، وزاد ثقل الضرائب. مما نتج عن هذا حالة من عدم الرضا تمركز خاصة في المعابد الكبيرة في بابل. خيرخيس ( 486 – 465 ) والذي كان يسكن بابل عندما كان وليا للعهد، وكان يعرف البلد جيدا. عندما اعلن تتويجه ملكا قام من فوره بتقليص استقلالية الولايات. وهذا يدوره مهد للكثير من الثورات. كان في بابل حكومتان انتقاليتان لفترتين قصيرتين لبابليين مطالبين بالعرش خلال 484 – 482 . وانتقم خيرخيس بان دنس وهدم جزئيا
الاماكن المقدسة للاله مردوخ وبرج بابل في مدينة بابل. واعدم الكهنة وصهر تمثال الاله مردوخ.
ظلت العوائل المالكة تسكن في القصور في بابل، ولكن اللغة الارامية اصبحت يوما بعد آخر هي لغة الادارة الرسمية. احد المصادر الاساسية للمعلومات عن هذه الفترة هو ارشيف الرقم الطينية للبيوت التجارية لموراشو وابنائه في نيبور للسنوات 455 – 403 ، والتي تتحدث كثيرا عن الدور المهم الذي لعبه الايرانيون في البلاد. ملكيات الولاية كانت بايديهم. فهم كانوا يسيطرون على الكثير من الماجورات الاقطاعية، وتجمعوا بطيقات اجتماعية وفقا لجذورهم ووظائفهم.
ان رجال الاعمال كانوا على الاغلب بابليين وآراميين. وتغدو الوثائق بعد 400 ضئيلة. وتصبح الحياة الثقافية لبابل مركزة في بعض المدن المركزية، وخاصة مدينة بابل واوروك (الوركاء)؛ واور ونيبور كانت ايضا مراكز مهمة. واستمر عمل المنجمين كما يثبت من سجلات الرصد. نابو-ريماني، الذي عمل وعاش حوالي عام 500 و كيدينو القرن الخامس او الرابع ق م، كانا معرفين للاغريق، كلا المنجمين كانا مشهورين لاساليبهما في حساب مدارات القمر واللاجرام السماوية. اما في حقل الاداب، واعمال الاشعار الدينية، اضافة الى نصوص التعاويذ والكلمات السومر-اكدية والتي كانت تستنسخ غالبا مع هوامش.

الفترة السلجوقية (320 – 141 ق م)
كانت بلاد مابين النهرين عند نهاية الامبراطورية الاخمينية مقسمة الى ولاية بابل في الجنوب، في حين ان القسم الشمالي من بلاد مابين النهرين ضم الى سوريا ضمن ولاية اخرى. لا يعرف كم استمر هذا التقسيم، ولكن عند وفاة الاسكندر الكبير في 323 ق م ، سلخ شمال مابين النهرين من ولاية سوريا واصبح ولاية منفصلة.
عانت بلاد مابين النهرين من الحروب التي خاضها خلائف الاسكندرالكبير من خلال عبور تلك الجيوش وعمليات السلب التي اقترفوها. وعندما قسمت امبراطورية الاسكندر في 321 ق م ، استلم احد قادته سلجوق ( وعرف فيما بعد بسلجوق الاول نيكاتور) حكم ولاية بابل . وعلى اية حال فمنذ حوالي 312 ق م استولى انتيكونس الاول مونوفثالموس (اي الاعور) على حكم الولاية كحاكم لكل بلاد مابين النهرين، وهزم سلجوق وقبل اللجوء في مصر. وبمساعدة البطالمة المصريين تمكن من دخول بابل في 312 ق م ( حسب اعتقاد البابليين في 311 ) وتمكن من الثبات بها لفترة قصيرة تجاه جيوش انتيكونس قبل الاتجاه شرقا حيث اسس حكمه.
لا يعرف بالتاكيد متى عاد الى بابل واعاد ملكه هناك؛ قد يكون في 308 ، ولكن في 305 اطلق على نفسه لقب ملك. باندحار وموت انتيكونس في معركة ايبسوس في 301 اصبح لسلجوق امبراطورية كبيرة تمتد من افغانستان الحالية الى البحر المتوسط. واسس العديد من المدن اهمها مدينة سلجوقيا على دجلة ومدينة انطاكية على نهر ارونتس في سورية. سميت المدينة الاخيرة على اسم ابيه او ابنه فكلاهما يحمل اسم انطيوخوس، واصبحت انطاكية العاصمة الرئيسة في حين اصبحت سلجوقية العاصمة للمقاطعات الشرقية.
ولا يعرف تاريخ تاسيس هاتين المدينتين ولكن من المفترض ان سلجوق اسس سلجوقية بعد ان اصبح ملكا، ولكن انطاكية تاسست بعد دحره لجيش انتيكونس.
نادرا مايذكر اسم بلاد مابين النهرين في المصادر الاغريقية فيما يخص السلاجقة، لان حكام السلاجقة كانوا مشغولين مع اليونان والاناضول وبحروب مع بطليموس مصر في فلسطين وسورية. حتى ان التقسيم السياسي لبلاد مابين النهرين ليس محددا خاصة وان كل من الاسكندر وسلجوق وابنه اطيوخوس الاول سوتر اسسوا مدنا كانت مستقلة مثل "بولس" الاغريقية. ان تقسيم الارض سياسيا الى 19 او 20 ولاية، والذي وجد اخيرا تحت حكم البارثيين، بدأ اساسا تحت حكم السلاجقة.
ولكن يمكن تقسيم بلاد مابين النهرين جغرافيا، الى اربعة مناطق: كراسين ( وتدعى ايضا ميسين، في الجنوب؛ وبابل والتي سميت بعدئذ اسورستان، في الوسط؛ وشمال مابين النهرين، حيث كانت هناك فيما بعد سلسلة من الولايات الصغيرة مثل كوردين، اوسرون، اديابين، وكراميه، واخيرا مناطق الصحاري في شمال الفرات، والتي اطلق عليها في عهد الساسانيين عربستان. لهذه المناطق الاربعة سجلات تاريخية مختلفة الى غاية الحكم العربي في القرن السابع،
بالرغم من ان جميعها كانت تابعة للسلاجقة اولا ثم البارثيين والساسانيين. كانت قسم من هذه المناطق مستقلة تماما نظريا وعمليا، ولبعض الوقت، في الوقت الذي تباينت العلاقة بين بعض المدن مع الحكومة الاقليمية وكذلك الحكومة المركزية. عرف من خلال الكتابات المسمارية ان الحكومات في بلاد مابين النهرين قد مارست طقوس الديانات التقليدية اضافة الى التقاليد الاخرى، كانت هناك بعض المراكز الاغريقية مثل سلجوقية وجزيرة ايكاروس ( جزيرة فيلكه الحالية) حيث كانت تمارس تقاليد المدن الاغريقية. اما المدن الاخرى فكان فيها القليل من الموظفين الاغريق او المعسكرات ولكنها استمرت بممارساتها السابقة.

لم تكن سلجوقيا على دجلة العاصمة الشرقية ولكنها كانت مدينة مستقلة تحكم من قبل حاكم منتخب، وحلت مكان بابل كمركز اداري وتجاري في اقليم بابل القديم. اما في الجنوب فهناك العديد من المدن التي اصبحت غنية في التجارة البحرية مع الهند، مثل فرات و كاراكس ؛ اصبحت كاراكس الميناء الرئيس للتجارة بعد سقوط السلاجقة.لم يكن في الشمال مدينة اساسية مركزية،
بل العديد من المدن المتوسطة الحجم مثل ارابيلا ( اربيل الحالية) ونصيبيس ( نصيبين الحالية)، واصبحتا فيما بعد مركزين مهمين. اما في اقليم الصحراء،فقد بدأت " مدن القوافل" مثل الحضر وباليمرا بالازدهار في العهد السلجوقي ووصلت اوجها تحت حكم البارثيين.
المرة الوحيدة التي فقد السلاجقة فيها السيطرة على بلاد مابين النهرين كانت من 222 ولغاية 220 ق م، وذلك عندما ثار مالون حاكم ميديا واتجه بجيش غربا. وعندما تحرك الملك السلجوقي الجديد انتيوخوس الثالث ضده من سوريا، وعلى اية حال فان قطعات مالون كانت قد تركته وهكذا انتهى التمرد.
اما الباريثيون تحت ملكهم المقتدر ميثراديتس الاول فقد احتلوا الاراضي السلجوقية في ايران ودخلوا سلجوقيا في 141 ق م. بعد وفاة ميثراديتس الاول في 138 ق م، فقد بدأ انتيخوس السابع حملة لاستعادة ممتلكات السلاجقة في الشرق. كانت هذه الحملة ناجحة الى ان فارق اننتيخوس السابع الحياة في ايران في 129 ق م. انهت وفاته الحكم السلجوقي في بلاد مابين النهرين وحددت بداية مملكات صغيرة في كل من شمال بلاد مابين النهرين وجنوبها.
لقد جلب حكم السلاجقة العديد من التغييرات في بلاد مابين النهرين وخاصة في المدن التي كان قد سكنها الاغريق والمقدونيون. في تلك المدن غالبا ما كان الملك يعمل لتفاقيات منفصلة مع موظفين المدينة الاغريق فيما يخص السلطة المدنية والعسكرية، الحصانة من ضرائب السخرة او ما شابه. اما المدن الاخرى فاستمرت في نظامها القديم المتبع من قبل الحكومة المحلية كما كان متبعا من قبل الاخمينيين
كان الهة الاغريق يعبدون في معابد مخصصة لهم في المدن الاغريقية وكانت هناك معابد مخصصة لالهة بلاد مابين النهرين في مدنهم. وبمرور الزمن فان التوفيق بين الحركات الدينية وقد تطورت اساليب تمييز الالهة المحلية والاجنبية. بالرغم من ان سياسة الالتزام بالثقافة الاغريقية لم تفرض على الشعب الا ان الافكار الاغريقية اثرت بالطبقات المثقفة كما ان الاغريق قد تبنوا تدريجيا الممارسات المحلية.
كما في اليونان واراضي شرق المتوسط فان فلسفات الرواقين (مذهب زينون 300 ق م المنادي بالتحرر من انفعالات الفرح والحزن والخضوع من غير تذمر للحكم الضرورة القاهرة) والمدارس الاخرى ربما كان لها تاثير كما كان للديانات الروحية؛ وكان كلاهما اشارات مميزة للعصر الهيلينيكي.
لا يوجد لسوء الحظ اي دليل من الشرق حول شهرة المعتقدات الاغريقية ضمن السكان المحليين، ويمكن للباحثين الافتراض على اساس الهوامش والذيول لكتاب مثل سترابو. احترم الحكام السلاجقة الكهنة المحليين لبلاد مابين النهرين، ولا يوجد سجل لاي اضطهاد ديني. بل بالعكس فقد فظل الحكام الممارسات الدينية المحلية، واستمرت الاشكال القديمة للعبادة.
استمرت الكتابات المسمارية من قبل الكهنة والذين استنسخوا التعويذات والنصوص الدينية القديمة حتى العهد البارثياني.وبقيت الاعراف الادارية في الارياف اكثر تقليدا من تلك الموجودة في المدن؛ الضرائب القديمة كانت تدفع الى الاسياد الجدد. وقد كانت الولايات، والتي قد قلص حجمها عنه في زمن الاخمينيين، الاساس في سيطرة السلجوقيين على الارياف.
المرزبان (منصب عسكري( كان يرأس كل ولاية، وكانت الولايات مقسمة الى " هيبارجات او ايبارجات" وصورة تقسيم الولايات غير واضحة. كانت هناك اشكال مختلفة كثيرة لوحدات ادارية صغيرة. كانت تستخدم في العاصمة و مراكز الاقاليم اللغة الاغريقية والارامية كلغات حكومية مكتوبة
. لقد اوقف استخدام الخط المسماري في الوثائق الحكومية لفترة من الزمن خلال العهد الاخميني، ولكنها استمرت في النصوص الدينية لغاية القرن الاول للعهد الحالي. كانت الاراشيف في العاصمة ومدن الاقاليم تدار من قبل موظف يدعى " بيبلوفيلاكس".
كان هناك العديد من الموظفين الماليين؛ البعض منهم كان يدير الاملاك الملكية وآخرون يديرون الضرائب المحلية وآخرون الشؤون الاقتصادية.ان النظام القانوني في الامبراطورية السلجوقية غير مفهوم بصورة جيدة، ولكن يفترض انه تم تطبيق قانون بلاد مابين النهرين المحلي والقانون الاغريقي، واللذان استوعبا او حلا محل القوانين الاستعمارية الاخمينية.

ان الحفريات في منطقة سلجوقيا قد كشفت عن آلاف الاختام الطينية، تشير الى النظام المتطور للسيطرة والضرائب على البضائع التجارية. العديد من هذه الاختام عبارة عن سجلات دفع ضريبة الملح. معضم التعرفة والمكوس كانت عبارة عن تقييمات محلية وليست ضرائب ملكية.
ان الآثار الفنية من الفترة السلجوقية نادرة وعلى عكس الفن الاخميني فلم يعثر على آثار ملكية، وقد يستطيع الفرد من تشخيص المواد التي تعود الى العهد الساساني كفن شخصي او شعبي، مثل الاختام والتماثيل والتماثيل الصغيرة المصنوعة من الطين.
يمكن ملاحظة كلا من الطابع الاغريقي والمحلي مع تداخل الاسلوبين في نهاية الحكم السلجوقي، كدليل على تمازج الحضارات.ان الاعداد الكبيرة من تماثيل هرقل الصغيرة والكبيرة التي عثر عليها في الشرق يؤكد شهرة آلهة الاغريق في بلاد مابين النهرين على هيئة الاله المحلي نيركال.
كانت الارامية هي لغة الكتابة الرسمية للامبراطورية الاخمينية؛ ولكن بعد احتلال الاسكندرالكبير، احل محلها اللغة الاغريقية لغة المحتل. وكانت كلا اللغتين الاغريقية والارامية هما اللغتان الرسميتان للدولة في العهد السلجوقي.
وطرأ تغيير تدريجي على اللغة الارامية في مناطق مختلفة من الامبراطورية وفي بلاد مابين النهرين في عهد البارثيين فتطورت الى اللغة السريانية بلهجة مختلفة عن السريانية الغربية المستخدمة في سوريا وفلسطين. اما في جنوب بلاد مابين النهرين فقد نشأت لهجات اخرى احداها كانت الماندائية اللغة المكتوبة للديانة المندائية.
لم يوجد أدب باللغات المحلية، ماعدا نسخ من النصوص الدينية القديمة بالخط المسماري وشضايا من الكتابات الارامية. وكان هناك مؤلفون كتبوا باللغة الاغريقية ولكن القليل من انتاجهم قد بقي وكما اقتبس عنه في الاعمال التي تلت.
اهم هؤلاء المؤلفين هو بيروسوس، وهو كاهن بابلي الذي كتب في تاريخ بلده، لربما تحت حكم انتيوخوس الاول ( الذي حكم 281 – 261 ق م ).
وعلى الرغم من ان ما محفوظ مما أقتبس من عمله تتناول تاريخ الاساطير القديمة وعلوم الفلك والتنجيم، فان حقيقة كونها باللغة الاغريقية هو دليل على اهتمام المستعمرين الاغريق بثقافة جيرانهم. والكاتب الاخر المشهور هو ابولودوروس من ارتيميتا ( مدينة قرب سلجوقيا ) الذي كتب تحت حكم البارثيين تاريخ بارثيا باللغة الاغريقية اضافة الى اعمال اخرى في الجغرافية.

بقي الاغريق يتكلمون لغة مشتركة مستخدمة من قبل المثقفين من ابناء بلاد مابين النهرين خلال العهد الباريثي.كان اسلوب تاريخ الاحداث ابان الحكم السلجوقي، وكما معروف، هو باعتماد سنة معينة كاساس لحساب تاريخ مستمر، واستخدم هذا الاسلوب لاول مرة في الشرق الاوسط.
واعتمدت سنة دخول السلاجقة الى بابل في 311 قم استنادا الى سكان مابين النهرين، و312 حسب السريان. وكل ماقبل هذا فكان التاريخ حسب سنوات الحكم الملكي لملك ما ( فمثلا السنة الرابعة من حكم داريوس).
سعى البارثيون متبعين نهج السلاجقة لتاسيس نظام تاريخ خاص بهم معتمدين على الاحداث في الماضي وبموجبها لا يمكن للباحثين الا الحدس – من المحتمل افتراض لقب الملك من خلال الحاكم الاول للبارثين، ارساكيس.
ولما كانت اليونان مزدحمة بالسكان خلال بداية الحكم السلجوقي، فلم يكن من الصعب اقناع المستعمرين للمجئ الى الشرق، وخاصة عندما كانوا يمنحون مساحات من الاراضي من الاملاك الملكية والتي يمكنهم توريثا الى ورثتهم؛ وان لم يكن لهم ورثة، فتعود الارض الى الملك.
كل الاراضي تعود نظريا الى الحاكم، ولكن كان النفع العام هو السائد. وبمرور الوقت اضمحل نفوذ الاستعمار الاغريقي ثم انتهى عندما قاطعت حروب الملوك الهيلينيكين هذه الحركة.
وعلى اية حال استمر النفوذ الاغريقي ومن الامور الدهشة ان تجد في الوثائق المكتوبة بالخط المسماري سجلات لعوائل يكون للاب اسم محلي من اسماء بلاد مابين النهرين ولابنه اسم اغريقي، او العكس. وبالرغم من الامن الذي تمتعت به بلاد مابين النهرين تحت الحكم السلجوقي، فانه قد ازدهر السكن والغذاء ضمن السكان.
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى