مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* حضارات سادت ثم بادت : السومريون 2 - الاكــديون

اذهب الى الأسفل

* حضارات سادت ثم بادت : السومريون 2 - الاكــديون Empty * حضارات سادت ثم بادت : السومريون 2 - الاكــديون

مُساهمة  طارق فتحي السبت يناير 01, 2011 4:33 pm

حضارات - السومريون 2
مُساهمة  طارق فتحي في السبت 1 يناير 2011 - 5:57
السومريون
الجزء الثاني  والاخير
الحضارة السومرية صور الحضارة السومرية
بالرغم من الدور القيادي للسومريين فانه لا ينبغي التقليل من الدور التاريخي للاقوام الاخرى. في الوقت الذي يمكن تقديم تواريخ تقريبية عن فترة ما قبل التاريخ، تتطلب الفترات التاريخية اطارا ثابتا للتسلسل الزمني والذي وللاسف ولحد الان لم يتم تثبيته للنصف الاول من الالفية الثالثة ق م. ان اسس التسلسل الزمني مابعد 1450 ق م قد تم تامينها ببيانات تتضمن قائمة باسماء ملوك الآشوريين والبابليين، والتي غالبا مايمكن تدقيقها عن طريق الرقم المؤرخة والقائمة الاشورية للاشخاص المؤسسين ( الموظفين الذين يعينون سنويا والذين تشير اسماؤهم الى سنة معينة). على اية حال فانه ليس من المؤكد كم من الوقت فصل بين منتصف القرن 15 ق م عن نهاية سلالة بابل الاولى، والتي ارخت بعدة اشكال 1594 ق م (وسط) 1530 ق م (قصير) او 1730 ق م (تسلسل طويل). وكحل وسط فقد استخدم هنا التسلسل الوسط .العديد من السلالات المتسلسلة تتداخل منذ 1594 ق م لتصل الى بداية سلالة اور الثالثة، حوالي 2112 ق م. ومن هذه النقطة الى بداية السلالة الاكدية ( 2334 ق م) فالفترة يمكن ان تحسب ضمن 40 الى 50 سنة من خلال حكام لكش والتقليد غير المؤكد بخصوص نواب الملك كوتيان. هناك احتمالية اختلاف من 70 الى 80 سنة مع "أور نانشه" الملك الاول في سلالة لكش (2520 ق م)، والتواريخ السابقة ما هي الا محض تخمين: يعتمدون على عوامل ذات صلة محدودة، مثل تخمين مستويات الاحتلال او التدمير، ومستوى التطور في النص ( علم دراسة الكتابات القديمة)، شخوص المنحوتات، والفخاريات، والاختام الاسطوانية، وعلاقتها بالمواقع المختلفة. وباختصار، فان التسلسل الزمني للنصف الاول من الالف الثالث هو محض تخمين الكتاب انفسهم. ان الكاربون – 14 كشف عن تواريخ تعتبر حاليا قليلة وابعد من ان تعطى وزنا كبيرا. وعليه فينبغي قبول التحول من الالفية الرابعة الى الثالثة بتحفض وحذر، حيث ان ازدهار حضارة اوروك القديمة واختراع الكتابة
لقد قام السومريون في اوروك ولربما في مدن اخرى بذات الحجم بالعيش حياة المدن والتي يمكن تخيلها كالاتي: معابد ومناطق سكنية؛ زراعة مكثفة، تربية المواشي، وصيد الاسماك، وزراعة اشجار النخيل مشكلين بذلك اعمدة الاقتصاد الاربعة الرئيسة؛ وصناعات عالية التخصص تمثلت بالنحت ونقش الاختام والتعدين والنجارة وبناء السفن وصناعة الفخار وعمال القصب والاقمشة. كان البعض من الشعب يمون بالارزاق من قبل نقطة مركزية للتوزيع، والتي اغاثت الناس المحتاجين بتامين احتياجاتهم من المواد الغذائية الرئيسة مقابل عملهم يوميا لمعضم ايام السنة. وقد ادامت المدينة ارتباط تجاري فعال مع الاراضي الاجنبية.
ان اسلوب حياة المدينة المنظم تمت معرفته من خلال الرقم المكتوبة. ان اقدم الرقم تحوي على شخوص باعداد وقياسات حسب المواضيع اضافة الى اسماء الاشخاص واحيانا ولربما المهن. ان هذا يظهر الاصول العملية البحتة للكتابة في بلاد مابين النهرين: لم تبدأ كوسيلة للسحر او وسيلة للحاكم لتسجيل مفاخره ومنجزاته، مثلا، ولكن كوسيلة مساعدة للذاكرة لادارة كانت دائمة التوسع في نطاق عملياتها. انه من الصعب الولوج في اقدم الامثلة على الكتابة بسبب صيغها المقتضبةالتي تقتضي معرفة بالمضمون وعدم المعرفة الكاملة بلفظ الكلمات لحد الان. اضافة الى ان العديد من العلامات القديمة كانت قد انمحت بعد فترة قصيرة من الاستعمال ولا يمكن متابعتها ضمن لغات فترات لاحقة لذا فلا يمكن التعرف عليها.
احد اهم الاسئلة التي ينبغي معرفة الاجابة عنها عند بحث "التنظيم" و " حياة المدينة" هو " البناء الاجتماعي" وشكل الحكومة؛ وعلى كل فيمكن الاجابة عليه بصعوبة وان استخدام الدلائل من مراحل لاحقة يحمل معه خطورة المفارقة التاريخية. ان الكلمة السومرية للحاكم، والجودة هي "لوكال" والتي تعني حسب جذر الكلمات " الشخص الكبير". ان اول ظهور لهذه الكلمة هو من زمن "كيش" حوالي 2700 ق م ، مادام ان الظهور الاقدم منذ "اوروك" غير اكيد حيث يجوز ان القصد منها هو اسم شخص:" المسيو ليغراند". كان اللقب الخاص للحاكم في اوروك هو " إن" . وعرفت هذه الكلمة في حقب لاحقة، ووجدت ضمن اسماء مقدسة مثل "إنليل" و " إنكي" والتي غلب عليها المفهوم الديني والتي تترجم الى السعي الى مركز افضل، مثل كاهن او كاهنة. ان لفظة " إن" كلقب للحاكم، قد جاء ذكرها في الملاحم القليدية للسومريين (كلكامش هو إن الكولاب" منطقة في اوروك) وخاصة في اسماء الاشخاص.

غالبا ما يسأل ان كان حاكم اوروك يمثل بالاعمال الفنية. رجل يطعم خروفا باغصان مزهرة، او شخصية بارزة في نقوش الاختام، قد تمثل الحاكم او الكاهن حسب منزلته كاداري او حامي الجماهير. ونفس السؤال قد يطرح عن رجل منقوشة صورته على عمود رخام يصوب سهمه على اسد. ان هذه الاسئلة مجرد تخمينات، وعلى اية حال، وحتى ان كان " حامي الجماهير" هو نفسه "إن" فلا يوجد اساس لرؤية شخص ذي طابع ديني في الحاكم
الادب والمصادر التاريخية الأخرى :ان الصورة التي يعكسها الموروث الادبي لبلاد مابين النهرين واضحة جدا ولكن ليست بالضرورة تعبر عن الارتباط التاريخي. كانت قائمة ملوك السومريين على مر الزمان مركزا للاهتمام. ان هذا هو انشاء ادبي، يعود الى ايام بابل الاولى والذي يصف الملوكية ( نام لوكال بالسومرية) في بلاد مابين النهرين من العصور البدائية الى نهاية سلالة إيسن الاولى. وحسب النظرية – او الفكرة – لهذا العمل، كان هناك رسميا ملوكية واحدة في بلاد مابين النهرين، والتي كانت منوطة بمدينة معينة واحدة في زمن معين؛ وعليه فان تغير السلالات قد جلب معه تغيرا في كرسي الملكية:
كيش –اوروك – اور – اوان – كيش – همازي – اوروك – اور – اداب – ماري – كيش – اكشاك – كيش – اوروك- اكد – اوروك – غوتيانس – اوروك – اور – إيسن.
ان قائمة الملوك تعطينا حسب تسلسلها عدة سلالات والتي تعرف اليوم بانها حكمت في وقت واحد. انها وسيلة مفيدة للتواتر الزمني والتاريخ، ولكن اما بالنسبة لسنوات حكم ملك معين، فانها تفقد قيمتها بالنسبة للزمن الذي يسبق سلاللة اكد، حيث ان هنا تكون المدة التي حكم بها كل ملك او حاكم اكثر من 100 سنة واحيانا عدة مئات من السنين. اعتمدت مجموعة واحدة من قوائم الملوك قصة الطوفان التقليدية السومرية، والتي استنادا لها فان كيش كان المقعد الملكي الاول بعد الطوفان، في حين ان خمس سلالات للملوك البدائيين حكموا قبل الطوفان في اريدو، باد-تبيرا، لاراك، سيبار ، و شروباك. يدعى ان كل هؤلاء الملوك قد حكموا فترات من مضاعفات ال 3600 سنة ( اعظمها 64800 او نسبة الى احدى المصادر 72000 سنة).
ان اثار قائمة ملوك السومريين لا زال لها صدى في بيروسوس. من المفيد ايضا ملاحظة ما لا تذكره قائمة الملوك السومريين. ان القائمة تفتقر الى الاشارة الى اي سلالة مهمة كسلالة لكش الاولى ( من الملك اور نانشي الى اوروك أكينا) ويبدو انها لا تذكر شئ عن ازدهار اوروك القديمة في بداية الالف الثالث ق م. اضافة الى المواصلة السلمية التي يعكسها الفن والكتابة، فالفن يعطي ايضا معلومات اولية عن تماس العنف: الاختام الاسطوانية من مستوى اوروك الرابع يصور رجال مقيدون مستلقين او جالسين القرفصاء على الارض، يجلدون بالعصي او تساء معاملتهم من قبل اشخاص واقفين. قد تمثل اعدام اسرى حرب. لا يعرف من اين جاء هؤلاء الاسرى او من اية حرب اسروا او منذ متى تم خوض الحروب المنظمة. على اية حال فان هذا يعطينا اول دليل عن الحروب ، على الرغم من كونه غير مباشر، التي كانت من السمات المميزة لتاريخ بلاد مابين النهرين.
كما يحكم انسان انسانا اخر، او تحكم قوى عليا الانسان فنجد من الصعب الحكم عن اول صيغة معروفة للاديان او العبادات واسمائها دون المغامرة في الوقوع بمفارقة تاريخية. باستثناء رموز ماقبل التاريخ والتي لا تعطي دليلا يمكن من خلاله القرار ان كانت الالهه يمثلها بشر او مجسمات الهية بصور بشرية، ان اول اقرار برموز معينة والتي اصبحت بعدئذ الرمز المسماري لاسماء الالهه : عمود البوابة بمباخر تمثل انانا الهة الحب والحرب والعمود بحلقة لاله القمر نانا. هناك مشهد على ختم اسطواني – ( ضريح برمز انانا و رجل في زورق) – قد يكون توضيحا مختصرا لموكب الالهة او سفرة عبادة بسفينة. ان الصلة الثابتة ل" عمود الباب بالمباخر" مع الخروف والعمود ذو الحلقة بالبقر قد يعكس منطقة المسؤولية لكل عبادة. ان العالم بالاثار السومرية " ثوركيلد جاكوبسن" يرى في الهيكل المقدس انعكاس لاقتصاديات مختلفة و اساليب حياة في بلاد مابين النهرين القديمة:
ان صيادي الاسماك وساكني الاهوار، وفلاحي بساتين النخيل، وقطعان الابقار والرعاة والمزارعين كل له مجموعاته الخاصة من الالهه يمكن معرفة كلا من اللغات السومرية وغير السومرية من خلال الاسماء المقدسة واسماء الاماكن. مادام لفظ الاسم صار معروفا منذ عام 2000 ق م او ما بعد ذلك فقط، فان الاستنتاجات حول الصلة اللغوية لتلك الاسماء ليس بالامر السهل. فالعديد من الاسماء، مثلا، اعيدت ترجمتها الى السومرية من قبل دارسين معروفين لاصل الكلمات. انه من المهم فصل التراكيب السوبرية ( ذات العلاقة بحران)، والتي قد تكون اهميتها اعظم مما يفترض. في مدينة "حاع" في جنوب بلاد مابين النهرين ( الترجمة التي لا لبس بها للعلامات) هناك شرح لفظ "شوباري" و تعويذة لا سومرية معروفة في لغة "حاع" والتي وجد انها سوبرية الاصل.

كان في بلاد مابين النهرين وباستمرار ناطقون باللغات السامية. من السهل اكتشاف هذه الظاهرة في بلاد مابين النهرين القديمة، اما اذا كان الناس قد يدأوا بالمساهمة في حضارة المدينة في الالف الرابع ق م او فقط في الالف الثالث كما هو معروف. منذ 4000 سنة مضت كان بعض الساميين ( الاموريين، والكنعانيين، والآراميين والعرب) بدوا رحلا يجوبون حافات البلاد العربية او الهلال الخصيب، والبعض استقر واستوطن؛ ويمكن ملاحظةالانتقال الى حياة الاستقرار من خلال ايقاع ثابت لكنه غير متساو. وعليه فهناك ارضية جيدة لافتراض ان الاكديين (واقوام اخرى سامية سبقت الاكديين غير معروفين بالاسم) كانوا يعيشون ايضا حياة البداوة بدرجة اكبر او اقل. على كل فقد يكونون رعاة دجنوا الغنم والماعز، والتي تتطلب تغيير المرعى حسب الوقت من السنة ولا يمكنهم المكوث اكثر من مسيرة يوم واحد بعيدا عن مصادر المياه. ان حياة البدو التقليدية ظهرت بتدجين الجمال في فترة الانتقال من الالف الثاني الى الالف الاول ق م.
ان السؤال الذي يبرز هو كم كانت سرعة انتشار الكتابة ومن هم الاقوام الذين استخدموها في حوالي 3000 ق م او بعد ذلك بقليل. في كيش، شمال بابل، حوالي 120 ميلا شمال غرب اوروك، عثر على رقم صخري بنفس مجموعة العلامات القديمة التي عثر عليها في اوروك ذاتها. ان هذه الحقيقة توضح انه كان هناك تماس ثقافي بين شمال وجنوب دولة بابل. ان انتشار الكتابة بشكل غير محور يفترض وجود مدارس في العديد من المدن والتي عملت على نفس المبادئ والتصقت ببعضها بنفس الذخيرة من العلامات المعترف بها. ان من الخطأ الافتراض بان اللغة السومرية كانت تنطق في كل المنطقة التي تبنت الكتابة. اضافة الى ان الخط المسماري للغات غير سومرية كان موجودا منذ القرن السابع والعشرين ق م.
اول الشخصيات التاريخية :
لا يمكن تثبيت الاحداث السياسية في بلاد مابين النهرين بعد ازدهار الحضارة القديمة لاوروك بدقة. لم تظهر اول شخصية تاريخية قبل 2700 ق م – تاريخيا لان اسمه، إنميبارغيسي ( ميباراغيسي) كان قد حفظ في التراث التالي. يفترض ، على الرغم من عدم وجود القدرة على تمثيل الظروف نصا، وجود نهاية مبتورة للثقافة العالية لمستوى اوروك الرابع. وسبب هذا الافتراض هو وجود توقف ملحوظ في كل من التراث الفني والمعماري: طابع مختلف وجديد تماما من الاختام الاسطوانية، والمعابد الكبيرة ( ان كانت بالاساس تعتبرمعابد) قد اخليت، التقليل من الاهتمام لمستمر في المواقع الدينية، و بني في المواقع الجديدة اضرحة على ممرات والتي كانت تمثل الطابق الاسفل لزقورة انانا التي تلتها. عندما تطورت الكتابة عضويا وكانت تتحسن باستمرار باختراعات ووسائل تطوير فان الافتراض بان تغيرا ثوريا قد طرأ على السكان يكون افتراضا متعجلا.
اصبح جنوب بلاد مابين النهرين خلال ربع او ثلث الفية بين اوروك المستوى الرابع و انمبراغيسي، مرصعا باشكال معقدة من المدن، اصبح الكثير منها مركزا لدول مستقلة صغيرة، من خلال الحكم على الموقف من حوالي منصف الالفية. كان مركز هذه المدن هو المعبد، واحيانا كان يحاط بجدار على هيئة حدود بيضوية ( ومنه جاء مصطلح المعبد البيضوي)؛ ويمكن للبنايات غير الدينية الاخرى، مثل القصور التي كانت سكنا للحكام ان تكون مركزا للمدينة.
يعتبر ملك كيش "انميبراغيسي" اقدم حاكم في بلاد مابين النهرين، وتتوفر عنه كتابات موثقة. هي شضايا مزهرية، عثر على احداها في المعبد البيضوي لخفاجه ( الخفاجي). لقد درج اسم "انميبراغيسي" ماقبل الاخير في قائمة الملوك لسلالة كيش الاولى؛ القصيدة السومرية "كلكامش و اغا كيش" يصف حصار اوروك من قبل اغا، ابن انميبراغيسي. كان لاكتشاف الكتابات الاصلية على المزهرية دلالات مهمة لانها مكنت الدارسين بقدر اكبر من التبرير من السؤال فيما اذا كان كلكامش البطل الرمز لبلاد مابين النهرين والذي دخل الادب العالمي ان كان حقا شخصية تاريخية. ان التوافق الزمني غير المباشر ، وعلى الرغم من احتمالية انه حتى في العصور القديمة البعيدة عرفوا " نينوس" و "سميراميس" رموزا دارت حولها وتلاشت بسرعة ذاكرة التاريخ عن كل الاعمال والمغامرات. ولذا فان الاعتقاد التاريخي في بداية الالف الثاني بان كلكامش هو باني جدار المدينة القديمة اوروك، قد لا يكون حقيقة. ان ارشيف قصر "شوروباك" ( تل فرح الحديثة ، 125 ميلا الى الجنوب الشرقي من بغداد) والتي يرجع تاريخها على الاغلب الى بعيد 2600 تحوي على قائمة طويلة من الالهة، بضمنهم كلكامش وابوه لوكال باندا. من ناحية اخرى فان التاريخ الاكثر حداثة يرى كلكامش قاضي العالم السفلي. على اية حال فقد يكون هناك نزاع مسلح بين مدينتين من بلاد مابين النهرين مثل كيش واوروك ولم يكن هذا بالامر الغريب في بلد تستهلك طاقاته من خلال التدخل من 2500 الى 1500 ق م ، بصدامات بين العديد من القوى الانفصالية. على كل فان الإمبراطوريات العظمى كانت شذوذا عن القاعدة.
انبثاق دول المدن :
لابد وان كيش قد لعبت دورا رئيسا منذ البداية. فحكام جنوبي بلاد بابل بعد 2500 مثل ميسانيبادا حاكم اور و ايناتوم حاكم لكش، غالبا ماكانوا يلقبون انفسهم بملك كيش عند ادعاء الاستقلال عن بلاد بابل الشمالية. ان هذا الراي لا يتفق مع التواريخ الحديثة التي تظهر كيش امبراطورية قديمة. الاكثر احتمالا ان ممثلي الشمال كانوا يدعون نفس المنطقة والمتضمنة جغرافيا ايضا الارض التي سميت فيما بعد بارض اكد. بالرغم من ان الادلة المادية للكتابات المنقوشة اصبحت اغنى واكثر من خلال التوزيع الجغرافي والتسلسل الزمني في القرن 27 وازداد في القرن 26 ق م ، لازال من المستحيل ايجاد مفتاح لحساب تاريخي معقول، وان التاريخ لا يمكن كتابته منفردا على اساس الاكتشافات الاثرية القديمة. مالم يجري توضيحها بوثائق مكتوبة فان مثل هذه الاكتشافات تحوي على العديد من الالغاز بدلا من ان تعطينا الحلول. ان هذا ينطبق حتى على اكتشاف مذهل مثل القبور الملكية لاور مع قرابينهم ( مئات من القرابين) من الموالين الذين يتبعون ملوكهم وملكاتهم الى القبور، ناهيك عن المواعيد المحكمة للدفن مع موجودات الاضرحة. انه يمكن كتابة التاريخ باطار معين فقط منذ حوالي 2520 ولغاية بداية سلالة اكد، بمساعدة تقارير دولة المدينة للكش وعاصمتها جيرسو وعلاقاتها بجارتها ومنافستها، "امة". ان المصادر لهذه، هي من ناحية، الادلة المادية للكتابات المنقوشة والتي تعود الى الحكام التسعة، تخبرنا عن البنايات التي انشاؤوها، وعن قوانينهم وحروبهم، وفي حالة "اوروك اكينا"، عن الاجراءات الاجتماعية. ومن ناحية اخرى، هناك ارشيف من 1200 لاقم – ( التي نشرت لحد الان) – من معبد بابا، فان اهة المدينة جيرسو منذ عهد لاكولانادا و اوروك اكينا ( النصف الاول من القرن 24ق م).
لاجيال عديدة، كانت لكش و امة تناقشان امتلاك وزراعة وحق الانتفاع بالمنطقة الخصبة ل " جويدينا". وبدءا فانه من جيلين قبل اورنانشي، ميسيلم ( وهو ملك آخر لكيش) قد تدخل كحكم ومن المحتمل كحاكم عام في فرض على الدولتين خط الحدود المار بينهما، ولكن هذا لم يدم طويلا. بعد صراع طويل، اينانوتم اجبر حاكم امة على اداء قسم ملزم امام الاله الستة بالامتناع عن عبور الحدود القديمة، السدة. ان النص الذي يخص هذه الحادثة، مع الكثير من الادبيات الموسعة، منقوش على عمود النسور. ان هذه المعارك، والتي كانت تميل الى جانب معين، ثم الى الجانب الاخر، استمرت تحت حكم من اعقبوا اينانوتم، وخاصة انتيمينا ولغاية حكم اوروك اكينا حيث تم تدمير ارض لكش واماكنها المقدسة. اما العدو لوكال زاكيزي فقد قهر هو الاخر من قبل سرجون الاكدي.
يجب ان لا يوخذ العداء بين لكش و امة في معزل عن بقية المدن، والتي ايضا، كانت تعتبر عدوة في بعض الاوقات، والموقف العام يشكل تغيرا في التحالفات واحلاف قصيرة المدى بين المدن في الازمنة الاكثر حداثة. لقد تم ادراج كيش وامة وقبلها ماري على الفرات الاوسط معا في مناسبة معينة في زمن اينانوتم. لقد تم خوض تلك المعارك من قبل المشاة، بالرغم من التنويه عن العرباة الحربية التي كانت تجرها الحمر الوحشية.
ان حكام لكش لم يغفلوا ان يسموا انفسهم بال "أنسي" والتي تعني كترجمة تقريبية "حاكم المدينة" او "الامير". نادرا ماكانوا يطلقون على انفسهم لقب "لوكال" او "ملك"، اللقب الذي منح الى حكام "امة" حسب كتاباتهم. ومن المحتمل فان هذه كانت القاب محلية والتي حورت فيما بعد، لربما منذ عهد ملوك اكد، لتكون وراثية والتي اصبح فيها ال "لوكال" حاكما على "انسي".
دول المقاطعات :
من الصعب وصف العلاقات الخارجية لدولة مثل لكش، والاصعب منه القاء الضوء غلى تركيبتها الداخلية. فلاول مرة، تشكلت دولة تحوي اكثر من مدينة مع المقاطعات المحيطة، لان حكاما اصحاب شخصيات عدائية استطاعوا ان يوسعوا تلك المقاطعة الى ان اصبحت لا تشمل جيرسو فحسب، العاصمة، والمدن مثل لكش و نينا (زورغول) ولكن العديد من المحلات الصغيرة وحتى ميناء بحري "جوابا". بالرغم من كل ذلك فانه ليس واضحا الى اي حد تكاملت المقاطعات المحتلة اداريا. في مناسبة واحدة استخدم اوروك اكينا معادلة " من حدود نينجيرسو ( وهو اله مدينة جيرسو) الى البحر،" واضعا في باله مسافة 125 ميلا. ليس من الحكمة الظن بان الدولة المنظمة في ذلك الوقت كانت تفوق هذا الحجم.
كانت نظرة الدارسين ولعدة سنوات مرتبطة بمفهوم السومريين لدولة المعبد، والتي كانت تستخدم لايصال فكرة نظام ان الحاكم، كممثل لالهه، يملك نظريا كل الاراضي، اما الاراضي المملوكة لافراد فكانت حالات نادرة وشاذة. ان مفهوم مدينة المعبد قد اشتق جزئيا من التفسير المفرط لمقطع من النص الاصلاحي لأوروك اكينا، بان الدول " في حقل انسي ( او زوجته والامير ولي العهد)، ان اله المدينة نينجيرسو ( او الهة المدينة بابا وابنهما المقدس)" قد اعتبروا مالكين، ومن ناحية اخرى، فان التصريحات في ارشيف معبد بابا في جيرسو والذي يعود تاريخه الى لوكالاندا و اوروك اكينا اعتبرت ممثلة بكاملها. هنا يوجد نظام ادارة، يديره زوج انسي او من قبل سانجو ( رئيس خدم المعبد) حيث ان اي عملية اقتصادية بضمنها التجارية تكون ذات علاقة مباشرة بالمعبد: الزراعة، البستنة، زراعة الاشجار تربية المواشي وتصنيع المنتجات الحيوانية، وصيد الاسماك، والدفع للبضائع من قبل العمال والمستخدمين.
ان الاستنتاج من هذا التوافق يؤكد خطورته حيث ان اراشيف معبد بابا يوفر معلومات فقط عن جزء من ادارة المعبد الكلية، اضافة الى محدودية المدة لذلك الجزء . من المفهوم ان القطاع الخاص والذي لم يكن بالطبع يخضع لسيطرة المعبد، نادرا ما ورد ذكره بهذه الاراشيف. ان وجود قطاع كهذا قد وثق بقوائم مبيعات وشراء الاراضي في الفترة التي سبقت سرجون الاكدي ومن مناطق متعددة. لقد ثبت في الكتابات السومرية والاكدية وجود الملكية الخاصة للاراضي او حسب راي بعض الدارسين الاراضي التي كانت تعود لعوائل ولم يجر تقسيمها. بالرغم من ان عدد كبير من السكان كانوا يجبرون على العمل للمعابد وياخذون معاشاتهم منها الا انه لا يعرف لحد الان ان كانت هذه الاعمال على مدار السنة.
من المحتمل سوف لن تتوفر ، ولسوء الحظ، صورة دقيقة واضحة وبالارقام عن البناء الديموغرافي للمدن السومرية. يفترض ان الحكومة كانت في المدن القديمة تستدعي اقسام من الشعب للقيام باعمال الخدمات العامة. ان انشاء البنايات البارزة او حفر قنوات عميقة وطويلة لا يمكن ان تتم الا من خلال مثل هذه التجنيد. ان تشغيل اعداد كبيرة من الاشخاص المهنيين والعبيد ليس له علاقة بهذا البحث. ان الدلائل على استخدام العبيد من الرجال نادر جدا في المرحلة التي سبقت سلالة اور الثالثة وحتى خلال سلالة اور الثالثة وفي حكم بلاد بابل القديمة، ان الرق لم يكن عاملا اقتصاديا. وحسب احدى الوثائق، ان معبد بابا استخدم 188 امراة ومعبد الالهة نانشه استخدم 180 وخاصة في طحن الحبوب وفي صناعة النسيج واستمرت هذه الحالة في الاوقات التالية. ولاجل الدقة ينبغي الاضافة بان مصطلح العبد والعبدة يستخدم هنا حسب المفهوم الذي ظهر بعد 2000 سنه والذي يصف الاشخاص الذين يباعون ويشترون والذين لم يكن بمقدورهم امتلاك ممتلكات شخصية من خلال عملهم. وهناك فرق بين العبيد اللاسرى ( اسرى الحروب والمخطوفين) والاخرين الذين يباعون.
في احدى المخطوطات، يتفاخرانتيمينا حاكم لكش بانه سمح لابناء اوروك لارسا، و بادتبيرا من العودة الى امهما وانه جعلهما بين ايادي اله او الهة المدينة. نقرا في ضوء تصريحات مشابهة لكنها اكثر تفصيلا وفي تواريخ لاحقة، هذه المعادلة المقتضبة التي تمثل اقدم دليل عن حقيقة ان الحاكم يتحمل احيانا لتعويض الظلم الاجتماعي بطريقة اصدار مراسيم. قد تشير تلك المراسيم الى تاجيل او الغاء ديون او الاعفاء من الخدمات العامة. وهناك جملة من المخطوطات لآخرحاكم من سلالة لكش الاولى، اوروك اكينا، كانت تعتبر لفترة طويلة مستند اساسي للاصلاح الاجتماعي في الالفية الثالثة، ان دلالة نص الاصلاح يمكن تبريرها جزئيا. عند القراءة بين السطور، من المحتمل ادراك وجود حالة من التوتر قد برزت بين القصر ( مقر اقامة الحاكم مع ملحقاته، الموظفون الاداريون، والممتلكات العقارية) ورجال الدين ( وهم خدم وكهنة المعابد) . فيما يبدو تحد لرغباته الشخصية، اوروك اكينا والذي يختلف عمليا عن كل من سبقه فان اسمه لا يدرج ضمن نسب السلالة وعليه فهناك شك في كونه مغتصبا للعرش، يدافع عن رجال الدين والذي يعتبر موثقهم مثيرا للدموع اذا ما توخينا الدقة في ترجمة المقطع الذي يخص حماية حقول انسي الى القدسية فانها ستفيد ان الموقف في المعبد كان تحسن وان اراضي القصر كانت قد خصصت للكهنة. مع هذه الاجراءات والتي تشكل سياسة القادم الجديد الذي اجبر على الاتكال على جهة معينة، يوجد آخرون من يستحقون المناصب بجدارة ل " اجراءات المتخذة للتخفيف عن الظلم الاجتماعي" – فعلى سبيل المثال السماح بالتاخر عن دفع الديون او الغائها واجراءات لمنع سيطرة المتنفذ اجتماعيا واقتصاديا من اجبار الادنى على بيع بيته، وفلوحماره وما شابه. اضافة الى ذلك فلقد كان هناك تعليمات التعرفة، مثل نفقات الزواج والدفن اضافة الى تعاليم دقيقة عن التموين الغذائي لعمال البساتين.
ان هذه الظروف، والموصوفة على اسس مصادر المواد من جيرسو، قد تكون هناك مثيلتها في مكان آخر، ومن المحتمل ايضا ان الاراشيف الاخرى، قد يعثر عليها في مدن اخرى سبقت سرجون الاكدي في جنوب بلاد مابين النهرين، قد تزودنا بمفاهيم تاريخية جديدة تماما. وعلى كل، فمن الحكمة التقدم بحذر مع التحليل والتقييم للمواد الموجودة بدلا من التعميم.
ان هذا هو افق بلاد مابين النهرين بمدة قصيرة قبل بروز الامبراطورية الاكدية. في ماري، كانت الكتابة قد ظهرت حوالي منتصف القرن 26 ق م،ومنذ ذلك الوقت فهذه المدينة الواقعة في الفرات الاوسط، تشكل مركزا مهما للحضارة المسمارية، وخاصة فيما يخص محتواها السامي. البا ( وربما مواقع اخرى في سوريا القديمة) قد استفادت من تاثير خطوط مدارس ماري. وامتدادا الى منطقة ديالى على الخليج الفارسي، فقد امتد نفوذ بلاد مابين النهرين الى ايران، حيث ورد ذكر سوسهمع الما ومدن اخرى، لايعرف مواقعها لحد الان. الى الغرب عرفت جبال امانوس وتحت حكم لوكال زاكيزي قد ورد ذكر البحر العالي (وبعبارة اخرى البحر المتوسط) لاول مرة. الى الشرق كتابات اورنانشه حاكم لكش الذي سمى جزيرة ديلمون ( حاليا البحرين)، والتي قد تكون حينئذ نقطة وسطية للتجارة مع ساحل عمان ومنطقة الاندس، ونصوص احدث عن ميكان وميلوها. لم تكن التجارة مع بلاد الاناضول وافغانستان جديدة في الالف الثالث، حتى وان لم تكن هذه المناطق مدرجة باسمائها. لقد كان واجب السلالة الاكدية لان توحد ضمن هذه الحدود مقاطعة لكش.

حضارات سادت ثم بادت
بقلم : طارق فتحي
الاكــــــــــديون
الاكاديوين هم من أقدم الاقوام السامية التي استقرت في بلاد الرافدين حوالي 4000 ق.م، وفدوا على شكل قبائل رحل بدو من الجزيرة العربية إلى العراق وجنوب شرقي تركيا وشمال غربي إيران (الأهواز) ويعتقد انهم من الساميين القدماء. عاش الأكاديون منذ القدم في الجزيرة العربية في منطقة الربع الخالي ثم هاجروا شمالا إلى جنوب العراق وعاشوا مع السومريين.
وآلت اليــهم السلطــة في نحو (2350 ق.م) بقيادة زعيمهم سرجون الأكادي واستطاع سرجون الأكادي احتلال بلاد سومر وفرض سيادته على جميع مدن العراق وجعل مدينة أكد عاصمته. ثم بسط نفوذه على بلاد بابل وشمال بلاد ما بين النهرين وعيلام وسوريا وفلسطين وأجزاء من الأناضول وامتد إلى الخليج العربي، حتى دانت له كل المنطقة. وبذلك أسس أول امبراطورية معروفة في التاريخ بعد الطوفان.
شهد العراق في عصرهم انتعاشاً اقتصادياً كبيراً بسبب توسع العلاقات التجاريـة خاصة مع منطقة الخليج العربي. كما أنتظمت طرق القوافل وكان أهمها طريق مدينة أكاد العاصمة بوسط العراق الذي يصلها بمناجم النحاس في بلاد الأناضول، وكان النحاس له أهميته في صناعة الأدوات والمعدات الحربية.
البداية ظهر سرجون في مدينة كيش في نحو عام (2350 ق م) واستطاع الاستئثار بالسلطة وسرعان ما شكل جيشا فتح به المدن المجاورة لكيش، ولم يقف عند ذلك بل خاض معارك طاحنة ضد (لو كال زاكيزى) ملك أوروك حتى تغلب عليه وأخضع دويلات المدن السومرية الأخرى .
وكان ذلك في نحو (2340 ق م) ووحد منطقة الهلال الخصيب وأخضع الأناضول وعيلام ومنطقة الخليج العربي فصارت أقطار الشرق الأوسط تحت حكمه في إمبراطورية شاسعة الإطراف، اتخذ مدينة أكد عاصمة لها. ولم يعرف موقع هذه المدينة حتى اليوم بصورة أكيدة ولعلها تقع في المنطقة الوسطى من العراق حالياً بالقرب من بابل وسبار بجوار مدينة المحمودية الحالية.
سرجون
(2340 – 2248 ق م) ومعنى اسمه " شرو كين " الملك الصادق أو الشرعي أو الثابت وتخبرنا النصوص عن نشأته، بأن والدته كانت من نساء المعبد، وأن والده غير معروف، ولما ولد وضعته والدته في سلة ورمته في الفرات حيث عثر عليه بستاني ورباه .
فلما ترعرع وشب شملته الآلهة عشتار بعطفها وحبها ثم تدرج في الوظائف حتى ارتقى إلى خدمة ملك كيش (أور زبابا) بل استولى أخيرا على العرش وبنا مدينة أكاد وجمع حوله جيشاً واخضع غرب آسيا.
حكم سرجون 56 سنة جلب خلالها الرخاء للشعب واستتب الامان في كل مكان وانتشرت المعارف والعلوم والفنون والكتابة. وقد وجدت ألواح من الطين مكتوبه بالخط المسماري وباللغة الاكدية في كثير من المستعمرات البعيدة في الأناضول وعيلام .
وفي زمنه ترقت الفنون الجميلة وفي المتحف العراقي رأس تمثال بالحجم الطبيعي من البرونز وجد في نينوى لعله يمثل سرجون نفسه وقد يمثل حفيده نرام سن ويعتبر من اثمن القطع الفنية واجملها وأدقها تعبيرا.
وبعد وفاة سرجون في نحو عام (2284 ق م) تبعه ولداه ريموش ثم مانشتوسو وقد بدل كل منهما قصارى جهده للابقاء على كيان الإمبراطورية الشاسعة حتى تولى الحكم حفيده نرام سن

نرام سين
(2260 – 2223 ق م) استطاع نرام سن إعادة فتح الأقطار التي كانت تحت حكم جده سرجون وإخضاعها ثانية وأضاف اليها مقاطعات جبلية كمنطقة اللولوبيين في جبال زاكروس واخضع العيلاميين وقد خلد نرام سن فتوحاته هذه في مسلة كبيرة من الحجر تمثله على رأس جيشه في منطقة جبلية وعره والمسلة اليوم من معروضات متحف اللوفر بباريس وجدتها البعثة الفرنسية قبل أكثر من نصف قرن في سوسة عاصمة العيلاميين في إيران
وقام نرام سن بإعمال عمرانية واسعة فنظم الحياة الاجتماعية في البلاد وسار على القوانين الموحدة التي نشرها جده سرجون وجعل اللغة الاكدية لغة رسمية في جميع الهلال الخصيب. وبعد إن حكم 37 سنة تولى الحكم بعده ابنه

شر كلي شرى
(2223 – 2198 ق م) بذل شر كلي شرى ما في وسعه للمحافظة على الإمبراطورية الواسعة ولكن مساعيه كانت دون جدوى إذ إن كثيرا من المقاطعات البعيدة انفصلت عن المركز وتحركت في زمنه وما بعده جموع من سكان الجبال الشرقية عرفوا بالكوتيين كما إن السومريين كانوا يتحينون الفرص في الداخل للاستقلال بمدنهم القديمة.
وبعد وفاة شر كلي شرى توالى على الحكم بعده ستة ملوك ضعفاء حكموا من (2198 – 2195 ق م) انفصلت خلال حكمهم أكثر المقاطعات واستقلت بعض المدن السومرية مثل اوروك حتى ان ثبت الملوك كان في حيرة من أمره فيذكر انه أصبح من الصعب معرفة من كان ملكا منهم ومن لم يكن.
واخيرا زحفت أقوام الكوتيين من المناطق الجبلية ونزحت نحو أواسط البلاد وفتحت بلاد أكاد وسومر وخربت المدن فعم الخوف والذعر في البلاد وكان في ذلك القضاء على المملكة الاكدية في نحو عام (2159 ق م) بعد ان حكمت زهاء القرنيين.

الإمبراطورية الأكدية
هي إمبراطورية تمركزت في مدينة أكد (سومرية: أگد حيثية كور.أ.گد.ديكي أي "أرض أكد" وحسب التأريخ التوراتي أكد) والمناطق المحيطة بأكد في منتصف بلاد الرافدين (حاليا العراق).
تقع مدينة أكد على الضفة الغربية لنهر الفرات بين زمبير وكيش (في العراق 50 كم جنوب غرب مركز بغداد). وعلى الرغم من الأبحاث الواسعة النطاق، لم يتم العثور على الموقع بوجه دقيق. أزدهرت الحضارة الأكدية خلال الفترة 22 - 24 ق.م ووصلت ذروتها، عقب غزو سرجون الأكدي.
وبسبب السياسات الأكدية نحو الاستيعاب اللغوي، أخذت أكد هذا الاسم من اللهجة السامية الغالبة: اللغة الأكدية، تعكس استعمال أكدو ("في لغة أكد") في الفترات البابلية القديمة كتدليل على وجود نسخة سامية للنصوص سومرية الأصل.
المتحدثون باللغات سامية وجدوا في بلاد الرافدين منذ فجر التسجيل التاريخي، وسرعان ماحققت الصدارة في بداية حكم السلالة الكيشية وعدد من المواقع شمال سومر، حيث هنالك بدأ الحكام ذوو الأسماء ذات الأصل السامي بإنشاء ممالكهم في الألفية الثالثة قبل الميلاد. واحد هؤلاء، وجد تزامنا مع حكام سومر، لوجال-ساجي-سي حاكم أوروك، كان الوشارشيد الذي بكبح النفوذ العيلامين وفقا للنصوص في نيبور.[2] ومن بعدها بداية تكوين إمبراطورية إقليمية.
وقد كان سرجون هو أول حاكم لإمبراطوريتي أكد وسومر، ومن الجدير بالذكر أنه قد تم اكتشاف أن هناك توسعات سبقت توسعات سرجون على يد ملوك سومريين

الامبراطورية الاكدية ( 2350 – 2112 ق م )

هناك عدة اسباب لاعتبار العام 2350 كنقطة تحول في تاريخ بلاد مابين النهرين. حيث ظهرت لاول مرة امبراطورية على ارض بلاد مابين النهرين. ان القوة التي دفعت لتاسيس هذه الامبراطورية هم الاكديون، والذين اخذوا اسمهم من مدينة اكد، والتي اختارها سرجون كعاصمة له ( لا يعرف موقعا بالضبط لحد الان ولكن يفترض انها تقع على الفرات بين سيبار وكيش).
اصبح اسم اكد مرادفا مع مجموعة السكان الذين وقفوا جنبا الى جنب مع السومريين. لقد صار جنوب بلاد مابين النهرين يعرف "بأرض سومر واكد"؛ وأصبحت الاكدية اسم اللغة؛ وارتقى الفن الى ارتفاعات جديدة. وعلى اية حال فحتى نقطة التحول هذه لم تكن هي المرة الاولى التي يدخل فيها الاكديون التاريخ.
فالساميون (سواء الاكديون او اقوام كانت تنطق بلغة سامية استوطنت قبلهم) قد يكون لهم دور في التمدن الذي حصل في نهاية الالف الرابع ق م . الاسماء والكلمات الاكدية الاولى من مصادر كتابية للقرن السابع والعشرين. يمكن العثور على العديد من الأسماء الاكدية في ارشيف تل ابو صلابيخ، قرب نيبور في بابل القديمة، متزامنة مع تلك الموجودة في شوروباك ( بعيد سنه 2600 ق م). ان قائمة الاسماء السومرية تضع سلالة كيش الاولى، مع سلسلة من الاسماء الاكدية، مباشرة بعد الطوفان. ربما كانت اللغة الاكدية قد كتبت في ماري منذ البداية. وعليه فان مؤسس السلالة الاكدية لربما كانوا افرادا من شعب كان لقرون يعرف ثقافة بلاد مابين النهرين بكل اشكالها .
وحسب قائمة ملوك السومريين فان الحكام الخمسة الاوائل لأكد ( سرجون، ريموش، مانيشتوسو، نارام سن، و شار كالي شاري) قد حكموا مامجموعه 142 سنه؛ سرجون لوحده حكم ل 56 سنة. بالرغم من ان هذه الارقام لايمكن تدقيقها، الا انها على الارجح موثوق بها، لان قائمة ملوك اور الثالثة، وان كانت بعد 250 سنة، فقد بثت تواريخ لثبتت دقتها.
حسبما ماجاء في الحاشية المرافقة لاسمه في قائمة الملوك، فقد بدأ سرجون حياته كساقي خمر لملك كيش اور زابابا. هناك اسطورة اكدية حول سرجون، تتحدث عن كيف انه هجر كطفل بعد ولادته، فتكفل نشاته البستاني، ومن ثم احبته الآلهة عشتار. وفي اية حال لا توجد بيانات تاريخية عن وظيفته. الا انه من المنطقي الافتراض ان في حالته هذه فان المحكمة العليا كان نقطة انطلاق لسلالة خاصة به. ان المخطوطة الاصلية لملوك اكد والذين توارثوا جيلا بعد آخر هي موجزة، وان انتشارهم الجغرافي عموما كان اخباريا اكثر منه مضمونا.
ان المصدر الرئيس لحكم سرجون، بسموه وكوارثه، هي نسخ من صنع بابل القديمة مكتوبة في نيبور من الاصول القديمة التي يفترض انها حفظت هناك. انها في جزء منها اكدية، وجزء منها مزدوجة اللغات بنصوص سومرية-اكدية. وحسب هذه النصوص، فان سرجون قاتل ضد مدن السومريين في جنوب بابل، وهدم جدران المدينة، واسر 50 من الانسيين، و"نظف سلاحه في البحر". يقال انه أسر لوكال زاكيزي ملك اوروك، الحاكم السابق لأمة، والذي هاجم اوروك اكينا في لكش بقسوة، واضعا رقبته تحت نير وسحبه الى بوابة انليل في بيبور.
لقد ملأ مواطنو اكد دوائر انسي من البحر السفلي ( الخليج الفارسي) فما فوق، والتي كانت ربما مكيدة استخدمها سرجون لتوسيع اهداف سلالته. اضافة الى ال 34 معركة التي خاضها في الجنوب، يخبرنا سرجون ايضا عن فتوحات في شمال بلاد مابين النهرين: ماري على البالخ، حيث وقر الاله داكان (داكون)، البا ( تل مارديخ في سوريا)، و"غابة الارز" ( امانوس او لبنان)، و"الجبال الفضية"؛ ومعارك في عيلام وذكر كذلك سفوح تلال زاغروس. ويذكر سرجون ايضا عن سفن من ملوحه ( منطقة اندوس)، وماغان (من المحتمل ساحل عمان)، و ديلمون (البحرين) قد رست فى ميناء اكد.
ان هذه التقارير تجلب الاهتمام من النظرة الاولى لكن لها قيمة محدودة بسبب لا يمكن تنظيمها حسب تسلسل زمني،ولا يعرف ان كان سرجون قد بنى امبراطورية كبيرة. التراث الاكدي يرى في هذا المجال ايضا ودرج في درلسة عن نهاية القرن الثامن او السابع تدرج ما لا يقل عن 65 مدينة واراضي تعود الى تلك الامبراطورية. وحتى ان كانت ماغان و كابتورا ( كريت) كحدود شرقية وغربية للاراضي المستولى عليها، فمن الصعب نقل ذلك الى الالف الثالث.
عين سرجون احدى بناته ككاهنة لاله القمر في اور. اكتسبت اسم انهيدونا وتبع ذلك اسم انمينانا، ابنة نارام –سن. لابد وان انهيدونا كانت امراة موهوبة؛ فترنيمتان سومريتان من تاليفها قد حفظتا، ويقال انها ساعدت في بدء مجموعة من الاغاني وهبت الى معابد بابل.
مات سرجون عن عمر طويل جدا بعد ان وضع اسس التقاليد العسكرية لبلاد مابين النهرين. وهناك مخطوطة محفوظ نسخ عنها ، فيها تقارير كاملة عن ابنه ريموش والمعارك التي تم خوضها بين سومر وايران، كما لو لم تكن هناك امبراطورية سرجونية. لا يعرف بالتفصيل مقدار الصرامة التي ارادت اكد من خلالهاالسيطرة على المدن الواقعة الى الجنوب وكم من الحرية بقيت لديهم؛ ولكن يفترض انهم كانوا متمسكين بقوة باستقلالهم المحلي الموروث. من وجهة النظر العملية، فمن المحتمل انه من المستحيل في كل الاحوال تنظيم امبراطورية يمكنها احتواء كل بلاد مابين النهرين.
وما دامت التقارير ( نسخ من المخطوطات) التي خلفها مانشتوسو، و نارام –سن، وشار- كالي- شاري تتحدث باستمرار عن ثوار وانتصار في معارك ومادام قد ذكر بان ريموش، ومانشتوسو و شار- كالي – شاري هم انفسهم قد ماتوا ميتة قاسية، فتبرز مشكلة ماتبقى من عظمة اكد. ان الحروب وحالات عدم الاستقرار، انتصار طرف واندحار الاخر، وتشير المصادر حتى الى اغتيال الملوك والبعض منها فقط قد وصلنا من هذه المصادر. وحين تمتد المعارك الحربية الى جيران بلاد بابل فينشغل الملوك الاكديين اساسا بالفوائد التجارية بدلا من خدمة الفتوحات وحماية الامبراطورية. ان اكد، او بدقة اكبر الملك، كان بحاجة الى البضائع والمال والذهب لتمويل الحروب، والبناء ونظام الادارة الذي وضعه.
ومن جهة اخرى، فان المخطوطات الاصلية التي عثر عليها لحد الان عن ملوك كثل نارام – سن كانت مبعثرة في منطقة تغطي حوالي 620 ميلا حيث يطير الغراب، وباتباع مجرى دجلة جنوبا: دياربكر في اعالي دجلة، نينوى، تل براك في اعالي نهر الخابور (والذي حوى على غابات وحاميات اكدية )، سوسة وعيلام، اضافة الى ماراد وبوزرش – داغان، و ادب ( بسمايه)، ونيبور، واور و جيرسو في بابل. حتى وان لم تكن كل هذه المناطق جزء من الامبراطورية، فلابد انها تشكل مجالا مثيرا للاعجاب.
ومن النقاط الواجب اعتمادها حقائق اخرى تزن اكثر من تقارير عن الانتصارات التي لا يمكن التحقق منها. بعد الملوك الاوائل للسلالة ولد لقب ملك كيش، ونارام – سن الذي اعتمد لقب " ملك اربع ارباع العالم" ( اي الكون). وكانه قدسي فقد كتب اسمه بالخط المسماري بعلامة الاله، وهي علامة معرفة تسبق اسم الالهه، اضافة الى انه تبنى لقب "اله اكد". انه لمن الشرع السؤال فيما لو كان مفهوم التاليه قد يستخدم في مفهوم تمجيد المرتبة بحيث تساوي مرتبة الالهه. على الاقل كان يجب التنويه بانه نسبة الى مدينته وشعبه، فان الملك يرى نفسه حسب الدور المنوط بالمقدسات المحلية كحامي للمدينة وضامن رفاهيتها.
حسب وثيقة من نيبور، فان القسم الذي اداه نارام – سن باسلوب مشابه لتلك التي تستخدم عند القسم بالاله المعبود. الوثيقة من جيرسو تحوي على تاريخ اكدي من هذا النوع " في العام الذي وضع فيه نارام –سن حجر الاساس لمعبد انليل في نيبور ومعبد اينانا في زابلام" كدليل لسياق توثيق التواريخ المعمول به في فترة اور الثالثة وبابل القديمة ان استخدام مثل هذه المعادلة تفترض ان المدينة المعنية تعترف بحكم سيدها الذي يتضرع الناس باسمه.
نالت اللغة الاكدية تحت الحكم الاكدي مكانة ادبية جعلها في مصاف اللغة السومرية. انتشرت اللغة الاكدية خارج حدود بلاد مابين النهرين لربما بتاثير المعسكرات الاكدية في سوسة. بعد ان كانت تستعمل ولقرون عدة خطا محليا بدائيا على هيئة الخط المسماري، تبنت عيلام الخط المستعمل في بلاد مابين النهرين خلال الفترة الاكدية ومع بعض الاشتثناءات فقد استخدمته حتى عند الكتابة باللغة العيلامية وليس فقط عند الكتابة بالسومرية او الاكدية. ان الاسلوب المسمى الاسلوب الاكدي القديم في الكتابة رائق من وجهة النظر الجمالية بدرجة خارقة، فقد كانت وحتى العهد البابلي كانت تستخدم للكتابات المهمة. ونفس الشئ يقال عن الفن التشكيلي والطباعي، وخاصة النحت على المنحنيات، والمنحوتات نصف البارزة، والاختام الاسطوانية فقد وصلت اعلى درجات الاتقان.
وهكذا فيمكن اعتبار حكم الملوك الخمسة لاكد احد اكثر الفترات انتاجية في تاريخ بلاد مابين النهرين. على الرغم من ان قوى الانفصال قد عارضت كل التوجهات الوحدوية، فقد وسعت مملكة اكد من الافاق السياسية والمساحات. ان الفترة الاكدية قد ادهشت المؤرخين كما ادهشتهم فترات اخرى. ان ما ساهمت به اكد من خزين الاساطير لم يمح من الذاكرة. وبتعابير مثل " سياتي ملك اربعة ارباع الارض"، نذير الكبد ( تنبؤات تجرى من تحليل شكل كبدة الخروف) من بلاد بابل القديمة يعبر عن التوق الى الوحدة في الوقت الذي عادت بلاد بابل مرة اخرى مفككة الى العديد من الدويلات الصغيرة.

المصدر :
كتاب العراق عبر العصور : لمؤلفه طارق فتحي
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى