مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* مدن وشوارع واسواق واماكن تاريخية في العراق

اذهب الى الأسفل

* مدن وشوارع واسواق واماكن تاريخية في العراق Empty * مدن وشوارع واسواق واماكن تاريخية في العراق

مُساهمة  طارق فتحي السبت يناير 29, 2011 9:58 am


شارع المتنبي... جدل التأريخ
مُساهمة طارق فتحي في الأربعاء 14 نوفمبر 2012 - 17:15
العلاقة بشارع المتنبي تعود إلى أيام الدراسة في الجامعة يوم كنا نقطع شوطا من المسافات مشيا من كلية التربية، حتى مطعم (تاجران) الذي كان يحتل الركن الايمن من المدخل مطلا على الشارع الاب (الرشيد) مرورا ب(كعك السيد)، و(شربت حاج زبالة ).منه تبدأ رحلة البحث عن الكتاب، رحلة ممتعة، متعة الكتاب، ومتعة اللقاء بالناس الذين يقرؤون، رحلة كانت كفيلة بأن تدب فينا حياة ما، لاندري كنهها الحقيقي، لأننا لم نجرب غيرها لم تتسن لنا مقارنتها بغيرها.
كنا خليطا، يجمعنا ويوزعنا، نلتهي ونكتوي، ندخل إلى يفاعتنا من بوابة المشاكسة، وارتكاب البراءات، نجد الجد غير ملائم تماما ليفاعتنا، فنقذف به إلى خارج أسوار الكلية، نهتف، نلهو، نلوك النكات البذيئة، نواجه الرصاص ايام اضراب طلبة الجامعة احتجاجا على الغاء نتائج الانتخابات الطلابية، أيام حكم عارف الثاني، نكتب كلمات عشق على صفحات الدفاتر، نسربها إلى طالبات يافعات يقتنصن نظراتنا الساخنة في حمأة المواجهة والتظاهر.
العلاقة بهذا (المكان)امتدت لعقود من الزمن، وماتزال، إلا أنها أخذت منحى أخر ايام التسعينيات من القرن الماضي، حين داهمتنا ألوان شتى من الحصارات، الحصار الذي تلبسنا وأخذنا من هويتنا إلى هاويتنا، لأن الممنوع الذي إشير اليه من دون إيغال في المبالغة، هو كل مايمكن، ومالايمكن تصوره يوم كان (المتنبي) وسيطا لتدريب كنوز الثقافة العراقية من المخطوطات، وأثار، ومجلات سومر والمورد إلى خارج العراق .
في تلك السنوات لم أجد سبيلا للعيش سوى ذاك الملاذ المعلق الذي لايبعد سوى خطوات عن مقهى (الشابندر)، فأعود من جديد لممارسة مهنة التكسب بوسيلة متواضعة، كنت قد غادرتها منذ سنوات، لأجرب مهارتي فيها من جديد، فاخترت (الخط) لأعود به إلى البيت ببضعة دنانير لاتكفي لشراء طبقة بيض .
الا أن هذا (المكان) سرعان ما أضحى ملتقى للاصدقاء من المثقفين والسياسيين المتقاعدين، مأوى لكتب الأدباء الذين يعرضون مكتباتهم للبيع على رصيف الشارع عند الصباح، وهو ليس ببعيد عن عيون أجهزة السلطة، فخضع لمرات عديدة إلى المراقبة والتفتيش واستدعاءات دوائر الأمن. المشكلة أننا في هذه اللقاءات اليومية، لم نحاول تجاوز النمط والتقليد، فتوغلنا في الحوار، واختلت المعاني لدينا ، وأضحت القيم لها صورتها الإخرى الغائبة، وبدأت الأشياء على حال آخر غير ماصورته لنا الإيديولوجيا، وافترقنا في التأويل، واختلفنا في التصور، وبتنا نبحث عن وجه آخر لنا. فرُجمنا(معا)بتهمة الاجتماعات، وإنه لم تتسن لنا المجابهة ...
واخترت هجرة المكان تحسبا لوقوع الأسوء من الإجراءات التعسفية.
إلا أن الشارع لم يغادر ذاكرتي مطلقا. فأين تكمن العلاقة ؟.
سؤال أحاول الإجابة عنه من خلال هذه الاستذكارات وماهي الأسرار التي ينطوي عليها هذا المكان؟ والدلالات والرموز، التي يمكن اكتشافها فيه، أوتأملها، أسئلة تحمل إيحاءات، مثل الإيحاءات المعمارية التي يتشكل منها البناء، والمعاني فوق طاقة الكلمات، إنها ملامح متشابكة تصوغ جماليات المكان، تومئ إلى مضامين عميقة، بثراء الأحداث والمواقف وغناها، ترقى إلى مستوى الرمزية الطقوسية .
لم يكن شارع المتنبي يحمل عمق الدلالات الحاضرة الآن، أيام عقود سابقة، أقصد سنوات الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات من القرن الماضي، إذ كان (الرشيد) بمقاهيه وترفه متعة للمثقفين والناس المدنيين، فإلى جوار (المتنبي) كانت القشلة ببهائها وطرازها المعماري الجميل، وإلى جانبها دوائر ومؤسسات ذات وظيفة ثقافية وتربوية وهي علامات فارقة مهمة، إن هذه الشواهد بمجملها تمثل (المكان الأليف) كما يقول غالب هلسا في مقدمته لكتاب (جماليات المكان) ل(باشلار). تلك الألفة هي ملامح المدينة المألوفة التي نعرف تاريخها وحاضرها جيدا، مثل الشارع الذي ندمن الجلوس في مقاهيه، الأزقة الشعبية، البيت ذي الخصوصية الهندسية والزخرفية ...الأمكنة الأليفة كانت تتوزع على جغرافية المدينة إذ تبدأ من شارع السعدون حتى باب المعظم، لتتسع في استقبال روادها من النخب المثقفة من أدباء و أكاديميين، فأضحت ظواهر بارزة في حركة التجديد الثقافي السياسي منها بدأ الابداع الادبي والنقدي، كانت تفوح منها رائحة (بواكير الحداثة)، التي خلخلت المألوف والتقليدي .
يأتي زمن آخر، حقائق أخرى وحكايات أخرى، ندخل إلى عالم مختلف من بوابة الحروب والكوارث التي تعصف بالعراق نكوّم أحلامنا خلفنا، نغادر أسئلتنا الكبرى، أحلامنا التي قضينا وطرا طويلاً في جمع أشتاتها ... فيذوي الجمال. في تلك الأمكنة يختصر (المتنبي) وحده متعة المثقف ، إنها نقطة التحول الأبرز في تاريخ شارع المتنبي .. التي يمكن تحديدها بالعقد الأول من الألفية الثالثة .. المتزامنة مع سقوط الدكتاتورية. اذ لم يعد هذا الاختصار يعتمد على متعة المثقفين وحدهم.
إنما هي البداية التي أصبح فيها (المتنبي) بديلا عن المؤسسات والمنتديات التي تحتضن الثقافة.لم تكن معايير الماضي التي نقيس عليها صالحة هذه المرة. لكن الكلمات لم تفقد معانيها، فتنتعش الذاكرة مرة أخرى. تصبح (جمعة المتنبي) محتفية بسمات جديدة، أبعد من الماضي. أجد من المغامرة الإحاطة بكل جمالاتها، لأن المهم أن أدل على القسمات الرئيسة الجديدة فيها.
فالمكان لا حيلة فنية مقحمة عليه، سوى ترميم الواجهات بطراز بغدادي أصيل، بعد تعرضه لعمل إرهابي هدم واجهاته، وقتل أبناءه، إنه رمز ينبض تحت جلد هذا النسيج العراقي يجمع أطرافه في قبضة تجمع جزئيات المكان.
إن رواد (الجمعة)، في إنتاجهم وسلوكهم وهم في أغلبهم من المثقفين والقراء ومنتجي الكتاب وتسويقه لا ينتمون إلى مجتمع ساكن أو راكد، فتحول بوجودهم هذا اليوم إلى تجمع لفئات تسعى إلى التجديد على الأغلب، وهم يتقدمون نحوه دون ضجيج ويلتقون على أرضية مشتركة هي العنصر الإيجابي النشيط في محاولة إحداث التغيير النوعي لحياتنا الثقافية.في قراءة متأخرة لكتاب (المكان العراقي) أثار دهشتي ذاك الوصف الذي قدمه الدكتور لؤي حمزة عباس وهو يتحدث بلغة الشعر المكتنزة بجميل العبارة عن شارع المتنبي.وعن إرادة (الجمعة البغدادية) حين تجد مواقيتها فتصحو- وقت تغوص في نهر الكتب- على أصوات لا نهائية، هواجس،
أحلام، ظنون، مهرجان تمنحه أصوات ماكنات المطابع، ورائحة الأحبار المخلوطة بفوح قدور الكبة ، وجها حاملاً للحياة تلونه التماعات الأغلفة ساعة تلمسها الشمس.على الرغم مما تعرض له (المتنبي) من محاولات تدمير وإزاحة الوجود الرمزي له، إلا إنه ظل يحتفظ بمعناه في جدال مع تاريخه، واستمرار احتفاظه بآثاره الدلالية، ليقول لنا بوضوح: إن إحساسنا الصادق بهذا المكان، كان على مستوى اُثر الذي يتركه للأجيال. وعلى أساس هذه النظرة، يبدو لنا أن الزمن الذي قطعه (المتنبي)خلال رحلته الطويلة، لم يكن ليضع نهاية محددة لها. إنما هو زمن مفتوح في مراحل استحضار دائمة لسنوات قادمة هي مصدر النور والرؤية والتعبير، واستمرار الحياة الثقافية.

قلعــة كركــوك منـجـم لـلآثـار
قلعة كركوك التاريخية , هي ليست من القلاع الصغيرة ,انما هي مدينة كاملة من مدن العراق القديم ,كما انها ليست اثرآ من الاثار التي يزورها السياح فقط , انما هي مدينة ما تزال مأهولة بالسكان حتى الان .قلعة كركوك التي ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان واصفآ اياها انها (قلعة في وطء من الارض بين داقوقاء واربل ) تقع في الصوب الكبير من مدينة كركوك , شرقي نهر الخاصة , وهي ذات شكل دائري على نحو التقريب
, وتقع عن مستوى سطح الارض ثمانية عشر مترا , بينما تعلو مدينة كركوك اصلآ , عن مستوى سطح البحر (1160) قدمآ واذا ما صعد الانسان فوق واحد من بيوت القلعة فيمكن ان يرى اجزاء كثيرة من مدينة كركوك , كما يمكن ان يطل مباشرة على نهر الخاصة الذي كان طوال عمره نهرآ موسميآ تجري فيه مياه السيول في موسم الامطار واصبح الان نهرا (شبه حقيقي) بعد ان انجز
مشروع ايصال المياه اليه عبر بحيرات سياحية موجودة فيه وقد يستمتع المرء كثيرا بمنظر المدينة في الليل والنهار اذا جلس في شرفة احدى الدور التراثية. لقلعة كركوك التاريخية اربع ابواب هي :باب الطول الواقع في الجهة الشمالية من القلعة , وباب البنات السبع الواقع في الجهة الجنوبية منها 0وباب سوق الحلوجية الواقع في الجهة الشرقية منها 0والباب الحجري الواقع في الجهة الجنوبية وتتكون القلعة من ثلاث محلات (ازقة ) هي :محلة حمام ومحلة اغالق ومحلة ميدان , في كل واحد
من هذه الازقة عدد كبير من الدور المبنية بالجص والحجر الابيض اما سقوفها فمبنية على شكل “عقاده” وتمتاز هذه الدور بوجود الاواوين والدعامات ذات التيجان والزخارف 0 وقامت دائرة الاثار والتراث باستملاك عدد من هذه الدور ورممتها وصانتها وجعلتها اماكن تراثية تصلح لاستقبال السياح 0 وابرز هذه الدور المرممة والمصانة , الدور التراثية (69ـ70ـ71 ميدان ) التي تعرف حديثآ باسم بيت طيفور, هذا البيت يتكون من ثلاث دور هي الدار الخارجية التي تتميز بالاعمدة المرمرية والزخارف الحجرية , والدار الداخلية وبيت العريس , وفي داخل الدار التراثية اقسام هي : العتبة والمجاز ,
والديوان (او المضيف ), والخزانة والكوشك , وهي واقعة فوق الغرفة الجانبية ويرتقى اليها بواسطة سلم 0مواقع اثارية وتراثية اذ كانت قلعة كركوك موطنآ من مواطن الاثار الكبيرة فان زمن بنائها يعود الى زمن نبوخذ نصر , ربما يعود انشاء القلعة الى اقدم من هذا التاريخ , فاذا كان نشوء القلعة مرتبطآ بنشوء مدينة كركوك , فان كركوك مدينة عريقة في القدم 0 اذ ان اقدم ذكر لاسم (ارابخا) وهي منطقة عرفة الحالية , ورد في التقويم الجغرافي المشهور عن سرجون الاكدي (2530ـ 2473ق ـ م) وقد ذكرت المصادر الاشورية ان (ارابخا ) هي مركز لعبادة الاله ادد (وهو اله الرعد
والامطار ) كما ورد ذلك مخطوطآ على مسلة النصر التي اقامها ملك بابلي ودون فيها فتح ارابخا بهذه الكلمات : (دخلت كيرخو ارابخا وقبلت اقدام الاله ادد واعدت تنظيم البلاد ) 0 في قلعة كركوك مواقع اثرية وتراثية منها جامعان قديمان احدهما يدعى ( اولو جامع ) اي الجامع الكبير ويدعى ايضا جامع مريم آنا والثاني يسمى جامع النبي دانيال ,وتوجد في القلعة ايضآ ثلاثة اقبية لثلاثة من الربانيين هم حنانيا وعزاريا وميشائيل . وجامع النبي دانيال معروف بمئذنته المشهورة التي يعود تاريخ بنائها الى اواخر عصر الاحتلال المغولي 0 كما يمتاز تاريخ بناء هذا الجامع بالعقادات والاقواس الجميلة التي تقوم على قاعدة مثمنة , حتى سنوات قصيرة كانت النساء في مدينة كركوك يزرن هذا الجامع للتبرك به ,
اما جامع مريم انا فقامت زمن الاثار والتراث قبل عدة سنوات بصيانته من ضمن المباني الاثارية في القلعة القبة الخضراء وهي بناء مثمن الشكل ذو طراز معماري جميل تتخلله الزخارف الاجرية النباتية والهندسية , والقبة مطعمة بالقاشاني الملون ومزينة بشريط من الكتابة يقع في اعلى البناء من الخارج ويعود زمن بناء هذه القبة الى عام 765 هجرية.الاكتشافات الاثارية مستمرة لعل من اللافت للنظر ان اغلب الاكتشافات الاثارية في قلعة كركوك تتم عن طريق المصادفة على الواح ,ففي عام 1923م عثر في سفح القلعة مصادفة على الواح يبلغ عددها 51 لوحآ يرتقي تاريخها الى منتصف الالف الثاني قبل الميلاد , ومن الالواح تم اكتشاف اسم ( ارابخا) .
تم مصادفة اكتشاف برج دفاعي ذي مزاغل , في اثناء عملية انشاء جدران ساندة لسفح القلعة , ونتوقع لو استمرت التنقيبات الاثارية الكشف عن اماكن جديدة ولقى والواح ونتمنى , مستقبلا ان تستقبل القلعة افواج السياح , ولن يتم ذلك الا اذا بوشر بعمل كبير, يجعل من القلعة منطقة سياحية كبيرة في مدينة كركوك

لوحات بصراوية بريشة نجدية
قرر أبي (رحمه الله) أن ننتقل في خمسينيات القرن الماضي من الزبير إلى البصرة, فشعرت حينها بتغيير جذري مفاجئ أسلمني إلى حيرة لم يتحملها عقلي الصغير, فقد هالني ارتفاع المباني, وسحرتني شناشيلها, وبهرتني واجهاتها الخشبية المزركشة, وتهت وسط الزحام مندهشاً متسائلاً: من أين جاءت هذه الجموع البشرية الغفيرة ؟..
كان سوق المغايز, أو ما يسمى (سوق الهنود) أشبه بخلية نحل, ترى الناس فيها يتدافعون بالأكتاف, في مشهد لم نألفه في الزمن, الذي كانت فيه شوارع الزبير الترابية خالية من التجمعات البشرية الهائلة, فالبيوت الطينية هناك لا يزيد ارتفاعها على طابق واحد, وتكاد تكون شبه موحدة من حيث التصميم والمواصفات العامة. .
في البصرة, افتقدت ضوء الشمس, وموجات الغبار, واشتقت لبساطة الحياة الفطرية, وهدوئها المريح, فلا ضجيج في مدينة الزبير, ولا سيارات, ولا تسمع نداءات الحمالين وزعيق العتالين الأشداء, وهم يحملون البضائع الثقيلة على ظهورهم, ولا يزعجك دوي الشاحنات المحملة بالبضائع,ولا عربات الحمل المتكدسة في سوق العشار, حيث كنا نسكن في قلب السوق الكبير وسط المحال التجارية المزدانة بالبضائع, في بيوت عالية فسيحة مؤلفة من طابقين, بنوافذ خشبية كبيرة ومظللة. .
أحسست بالفارق الجذري الكبير بين بيوتاتنا الطينية البسيطة في ضواحي مدينة الزبير, وبين هذه الواجهات الحضارية, والمكاتب التجارية, والشوارع المكتظة بالناس, فلم نعد نستعمل المراوح (المهافيف) اليدوية, ولا جرادل المياه (السطول), فقد حلت محلها الحنفيات المتدفقة بمياهها الرقراقة بلا انقطاع, والمراوح الكهربائية بأجنحتها المحلقة في سقوف الغرف. .
في الليل تشع أنوار المصابيح البلورية, وتفوح روائح البضائع من المخازن المتخمة بالمواد التجارية المستوردة, حيث تختلط رائحة الليمون العماني برائحة الشاي السيلاني, والقهوة البرازيلية فتمتزج بعرق المارة, وتتداخل مع نداءات بائع اللبن الرائب, الذي كنا نشتري منه ما نريد, ومن العجب العجاب انه كان يترك لنا الأواني كي يستعيدها في اليوم التالي من دون أن يخشى ضياعها أو سرقتها, فالبصرة مدينة الأمن والأمان في ذلك الزمان. .
في الصباح, أيام العطلة الصيفية, كنا نتسكع في السوق الكبير, نشاهد البضائع بأشكالها وأنواعها, فالدكاكين ممتلئة بما لذ وطاب, نقف أمام دكان الحاج (ذنون المصلاوي), الرجل الأصيل بوجهه الباسم,وجسمه الممتلئ, وحزامه المشدود دوما على بطنه, عيوننا ترمق بضاعته بشغف ظاهر, فيبتسم وينادينا ليقدم لنا قطعة نعناع يسمونها ) البرميت), لا ادري سبب التسمية,كانت البساطة سمة من سمات البصريين التي لا تعرف التكلف,فالكل يبتسم حتى بائع الخضار والفاكهة. .
كنت أتطلع إلى واجهات المحال التجارية متفقدا معروضاتها المتنوعة, حتى أصل إلى بائع شربت الزبيب المكتظ بالزبائن, وحينما يحالفني الحظ بامتلاك ما يكفي من النقود, أهرع لشراء كأسا عذبة منه, فارتشفها على مهل, بلذة غامره حتى الثمالة. .
اعتدت الجلوس على الرصيف القريب من بائع الشربت أمام محل (أديب خلف) بائع اسطوانات الغناء, استمع إلى حضيري ابو عزيز, وصديفة الملاية, والقبنجي, وعبد الوهاب, وهو يصدح بصوته الرخيم (يا وابور قلي رايح على فين, يا وابور قلي جاي منين).
كنت أحب التجوال متفقدا الأسواق والحارات, حتى الفت الضجيج, واعتدت على رؤية الآلاف في الأسواق كأسراب النحل, فتقودني أقدامي إلى جسر العشار,اعتدت النظر هناك إلى ذلك المتسول الأعمى, الذي كان يقف وسط الجسر مع ابنته الشابة بجسده الممتلئ وسدارته المعهودة, كان هو وساعة(سورين) معلما ثابتا من معالم جسر العشار. .
نهر العشار, وما أدراك ما نهر العشار, لطالما سحرني هذا النهر,وأرغمني على الوقوف طويلا أمام انسياب مياهه العذبة,ورؤية الأطفال يقذفون بأنفسهم ضاحكين, فكنت أغبطهم لأني لم أكن أجيد السباحة.
كانت لي ذكريات وذكريات في هذا النهر المتفرع من شط العرب, والذي يمتلئ بمياه المد ليصل إلى البصرة القديمة, يجذبني أحياناً منظر الأسماك وهي تحوم حول قطعة خبز طافية تنافسها عليها طيور النورس المشاكسة, فكنت احتفظ في جيبي ببقايا الخبز لإطعامها, كان في نظري أجمل أنهار الدنيا, لكنه صار اليوم مستودعا للنفايات, ومكباً القاذورات. .
كانت شريعة البهرة تحتضن مرسى القوارب العشارية, والبهرة: طائفة هندية من فرق الشيعة, يأتون كل عام بواسطة البواخر, التي اعتادت الإرساء على رصيف العشار, فيستقرون مؤقتاً في خان كبير يجمعهم كلهم, يسمى خان البهرة في مكان لا يبعد كثيراً عن مطعم بومباي الهندي, الذي كانت رائحة طعامه تجلب الجياع والمتخمين,كنت ارقب جموع الهنود (البهرة) من رجال ونساء وأطفال, تدهشني ملابس نسائهم, التي تشبه ملابس الراهبات في القرون الوسطى, اشاهدهم كيف يستعدون لركوب الباصات الخشبية للذهاب للنجف وكربلاء, في الواقع كنت فضوليا في تقييمهم من حيث ملامحهم ومظهرهم, فلم أجد بينهم لا في الرجال ولا في النساء ملامح جمالية, كانت الفتيات الصغيرات شاحبات الملامح,يفتقدن الجمال الهندي المعروف, وكان الرجال يتعاملون مع النساء بخشونة وصرامة غريبة,أدركت حينها إن البصرة بوابة العراق ونافذته المطلة على العالم. .
في شريعة البهرة حيث الأبلام العشارية المنسابة فوق سطح الماء بمظلاتها تحمل المتنزهين,كنت أتمنى أن أقوم بجولة نهرية بقارب يحملني إلى شط العرب, لكنني كنت صغيرا, ففاتحت والدي برغبتي, فطلب من احد الخدم مرافقتي وأعطاه أجور النزهة. .
حينما كان البلم العشاري يمخر عباب شط العرب, جلست مأخوذا بجمال مناظر أشجار النخيل والمراكب والبواخر, التي هالني حجمها وهي تشق الماء في طريقها إلى المرفأ, تعرفت لأول مرة على رائحة الشط فعشقتها,وكنت أمد يدي لارتشف جرعات من مياهه الرقراقة متأملا عظمة الخالق, فارتبطت منذ ذلك الوقت بعشق غريب للجداول والنخيل ورائحة شط العرب. .
كانت الرحلة أشبه برحلة سندبادية, رويتها لأصدقائي في مدينة الزبير, فتجمعوا حولي وكأنني قادم من جزر الواق واق. .
في البصرة وجدت نفسي أتأقلم بسرعة عجيبة, وكأنها انتقالة نوعية لطفل عاش سنواته المبكرة في بيئة قاسية, وتقاليد متشددة, كان من النادر أن نرى النساء كاشفات الوجوه في مدينة الزبير, ومن المستحيل اختلاط الجنسين من الأطفال حتى مع الأقارب, لكن استقراري في هذه المدينة التي لم يهدأ ضجيجها, ومشاهدتي النسوة كاشفات الرؤوس, وأحيانا لا يرتدين العباءات, خصوصا نساء اليهود والمسيحيين, غيرت نظرتي بأن المرأة ليست جسداً متسربلاً بغطاء اسود, فقد كانت جاراتنا يهوديات يحترفن الخياطة, يخرجن للشارع بكامل زينتهن من دون أن يجلبن انتباه العيون الشرهة, فكنت أتعمد الوقوف أمام بيوتهن حينما يخرجن متبرجات, فانتهز الفرصة لتنسم شذى العطور التي تفوح منهن, كنت أتساءل ببراءة الأطفال, هل العطر حكر على هذه النسوة ؟. .
في الليل أمضيت ليال طويلة أعاني من الأرق, لم أكن قد الفت النوم بعد في سرير تحجب فيه الناموسية عالمي السحري, وتمنعني من مراقبة النجوم,والاستمتاع بطراوة نسمات الليل تحت ضوء القمر, في المساء تشتد الرطوبة ويضطر السكان لوضع الناموسيات اتقاءً للذعات الناموس, كنت أظل مستيقظا لساعات متأخرة تقطعها دقات ساعة سورين وهي تشير إلى منتصف الليل, فتغرق البصرة في سكون عجيب لا تقطعه إلا أصوات زفرات مكائن الطحين, وصدى غناء البحارة الخليجيين في سفنهم الخشبية, حيث يقضون أمسياتهم بالغناء, لم نعد نسمع نباح الكلاب وعواء الذئاب في بر الزبير, ولم نعد نرقد في أسرتنا المكشوفة بلا تلك الناموسيات. .
لقد شكل انتقالنا منعطفا سحريا في حياتنا بالنزوح من حياة القرية لحياة المدينة, لكنني مازلت أتوق لحياة البرية مشدودا البساطة والدعة والقناعة, فلم تكن لدينا تطلعات برفاهية لم نحصل عليها مثلما وجدنها في البصرة, حيث وجدت إن نقود الإنسان تخدمه, فتأكدت من انك إن لم تدفع لن تأخذ ما تريد, فقد كنت في البصرة اشتهي أمورا كثيرة لم أجدها في حياتي في الزبير, كنت أحب تناول الحلويات, وكانت الأسواق عامرة بعروضها المغرية, وحينما احصل على مصروفي اليومي المتواضع وهو (آنه) أي أربعة فلوس تظل الحيرة تتقاذفني بكيفية التصرف بها, هل اشتري شربت الزبيب, أم كأساً من الايسكريم الأزبري, أم اشتري بها سمبوسة هندية حارة من مطعم بومباي ؟, وحينما تجود على والدتي بعشرة فلوس تدسها بيدي سرا لئلا يعرف جدي,الذي كان شعاره الدائم: إن الفلوس تفسد الأطفال, كأني اسمع صوته الودود يتردد في مخيلتي, وهو يصيح بنا: اخشوشنوا فأن الترف يزيل النعم. .
كانت العلاقات بين أبناء المحلة علاقات ود ومحبة, فقد كانت تضم مسلمين بشتى مذاهبهم,ومسيحيين ويهود وصابئة, وكان الشجار نادرا ما يتجاوز الكلمات, تدفعني طبيعتي البدوية أحيانا إلى التدخل بمشاجرات لا ناقة لي فيها ولا جمل, خصوصا حينما أشاهد طفلين يتشاجران بعنف, احدهما اكبر سنا وأقوى جسدا من غريمه, الذي لا يملك وسيلة للدفاع عن نفسه, فأتدخل لفض الاشتباك بين المتنازعين, وسط تحريض رفاقي على أن اتركهم وشأنهم ليشاهدوا نتيجة الصراع, فأقف بين الخصمين محاولا إبعادهما, وأحيانا أنال صفعه طائشة من هذا أو ذاك, فأسعى دائما لإيقاف المعركة بحيادية, فإن وجدت تجاوبا وانفض الصراع, وذهب كل منهم في سبيله, أتنفس الصعداء وتنتهي مهمتي, اما إذا أصر احدهم على الاستمرار في الشجار, حينها أكون طرفا فيه, فينال المعتدي ما يستحق من لطمات وركلات, وقد يسفر الشجار عن كر وفر, وتمزيق ملابس وكدمات. لم أكن اشعر بأنها علامات شقاوة, بل إحساس بنصرة الضعيف على القوي, وكان والدي يحذرني من التدخل في أمور لا تخصني,حتى لا أتسبب بإحراج الكبار. .
كانت البصرة حينها جنة وارفة الظلال, خير عميم, وعلاقات جيرة ووئام ومحبة, وهكذا سار الأطفال على نهج آبائهم,فلم نتشاجر ولم تتكدر الخواطر, بل كنا فسيفساء عراقيه مصغرة, لا فرق بين هذا وذاك, لا بمذهبه, ولا بعرقه, ولا بانتمائه. .
كانت إحدى نساء الجيران تجيد صنع طرشي الخيار, الذي كان يسيل له لعابنا, وكنت افعل المستحيل لشراء بضعة خيارات أتناولها قبل الغداء كفاتحة للشهية, لم يكن في بيع الطرشي ما يعيب, بل كنا نسعى لنظل زبائنهم رغم ضيق ذات اليد, كانت (الصمونة) وطرشي العمبه وجبة لا تُقاوم, خصوصا إذا كان الطرشي من دكان عمر الهندي, الذي تنتشر رائحة بهاراته لمسافة بعيده قد تصل إلى التنومة, فيتسابق الزبائن لشراء المنتجات والبهارات الهندية, التي لا تخلو منها مطابخ البصريين .كانت الأسماك خلال إقامتي بالزبير لا تشكل وجبة غذائية, إذ نادرا ما يتناول أهل نجد الأسماك حتى في موسم الصبور, الذي دخل بيوت النجديين بوقت متأخر. .
لقد تناولت ولأول مره وجبة التمن العنبر بالسمن والزبيدي,فأعجبني مذاقها رغم تمسكي بوجبة التمن واللحم, ووجدتها تغييرا رافق التغيير المفاجئ في أسلوب حياتنا, وجدت الكثير من الأطعمة ذات مذاق غير مألوف خصوصا التمن المخلوط بالروبيان بالبهارات والهيل والزعفران, من تلك الأطعمة البحرية التي لم نألفها, فشكلت قفزة نوعيه في تذوق الطعام, فالنجديون لم يألفوا البحر ولا منتجاته .
كان السمك القطان المشوي على الموائد تخفق له القلوب, فحل محل كتل اللحم والخضروات,خصوصا إذا ازدانت الموائد بطرشي (أبو الخصيب ( , وكلما استقر بنا المقام كلما اكتشفت عالما جديدا من معالم الطعام, لم تكن المائدة النجدية شحيحة في مكوناتها, لكن للنجديون أطعمة تقليديه جاءوا بها من صحراء نجد, مثل الجريش, وهو قمح مدقوق يطبخ مع الخضروات الطازجة واللحم, إضافة إلى وجبة تتشابه في مكوناتها وهي (المرقوق), و(المطازيز),وتصنع من العجين يقطع على شكل دوائر, ويطبخ مع الخضروات وعصير الطماطم واللحم, وتكاد تكون تلك الوجبات مقصورة على أهل نجد إضافة إلى التمن المخلوط بالماش أو العدس, مع عصير الطماطم السميك بالفلفل الحار, والذي يصر أهل الكويت على انه وجبة كويتية, تسمى (الموش), و(الدقوس), وهي بالأصل وجبة نجديه أصيله, ويبدو لي إن أهل نجد لم يفكروا بتسجيلها كعلامة تجارية مميزه . .
كانت هذه انطباعات طفل نجدي لا يتجاوز السابعة تجول بقلبه وروحه وبدنه في مدينة خرافية, كانت تسمى البصرة الفيحاء, وكانت تتباهى بزينتها, وجمالها الأخاذ, وتزدان ببساتينها ومرافئها وجداولها المتدفقة بالخير والعطاء. .
كانت بندقية الشرق فخنقها دخان البنادق, وجفت سواقيها, وغرقت سفنها في منعطفات شط العرب, لكنها لم ولن تفقد هويتها العربية الأصيلة, ولن تتنازل عن مكانتها التاريخية التي تبوأتها في عصور الازدهار والتألق. . . والحديث ذو شجون

التراث والمكان .. نهر العشار في البصرة
فقدَ هذا النهر الكبير اسمه الحقيقي منذ زمن بعيد, وتعرض مجراه للتقلصات والتراجعات, التي فرضتها عليه الظواهر الجيمورفولوجية الغامضة
وخضع حوضه للتغيرات التكتونية البطيئة من دون أن ينتبه إليه احد. فانكمش مجراه,وتَقَزّمَ
طوله تدريجيا من ثمانية فراسخ (28 كيلومتر) في زمن الخلافة الراشدية, إلى اقل من ربع فرسخ (كيلومتر واحد تقريبا
في المرحلة الراهنة.
كان فيما مضى حلقة الوصل بين دجلة العوراء (شط العرب), وكرى سعدة (المجرى الأدنى للفرات), فتشوهت ملامحه الرئيسية بعوامل النحت والتعرية, وتقلبات الفيضان والجفاف والتصحر والاضمحلال, حتى بات على وشك أن يقطع علاقته بالبصرة.
كان معروفا بأعماقه الكبيرة, وبقدرته على استيعاب السفن المحلية والمراكب الخشبية, التي يزيد غاطسها على سبعة أمتار, والمحملة بالبضائع, فتردت أعماقه الآن إلى اقل من نصف متر, وانقطعت علاقته بالتجارة وخطوط الشحن, وغادرته حتى الزوارق الصغيرة إلى غير رجعة.
كانت تتفرع منه شبكة معقدة من الجداول والسواقي والترع, التي تعج بحركة الابلام والقوارب الصغيرة الملونة, اما اليوم فقد جفت تفرعاته كلها, وارتبط مصيره بشبكة الصرف الصحي, وصار مستودعا للمياه الآسنة, وبركة تعج بالأوساخ والقاذورات والنفايات والعبوات البلاستيكية والصناديق الكارتونية.
تجاهل البصريون اسمه الحقيقي من دون قصد, ولم يتطرقوا إليه في كتاباتهم وقصائدهم, حتى إذا سألتهم عن اسمه ؟. قالوا بكل ثقة: انه العشار. وإذا استفسرت منهم عن أصل التسمية ؟. قالوا جازمين: أنها تعود إلى أواخر الدولة العثمانية (قبل 250 عام تقريبا), وأنها تعزى إلى تجمع العشّارين, لاستيفاء ضريبة العشر (10%) من التجار عند مدخل النهر. ولا يسمحون للسفن بدخول النهر, إلا بعد تفتيشها, وتعشيرها.
لكنك لن تجد من يدلك على اسم النهر عند اندلاع ثورة الزنج, ولا عن اسمه في الأيام التي دارت فيها معركة (ذات السلاسل), ولا عن اسمه قبل تمصير البصرة, ولا يزال معظم الناس, ومنهم من العاملين في مجالات العلوم التاريخية والتراثية لا يدركون أن (العشار) اسم لأقدم مساجد مدينة (الأُبلّة), ولا علاقة له بجمارك الدولة العثمانية وضرائبها. أما الاسم الحقيقي للنهر فهو (نهر الأُبلّة), والدليل على صحة هذه المعلومات, التي نستعرضها هنا لأول مرة, نجده في كتاب سنن أبي داود, وهو دليل قاطع لا يمكن دحضه أبدا, لأنه يكشف لنا الغبار عن هذا اللبس في التسمية.
قال أبو داود السجستاني في (باب في ذكر البصرة), قال: حدثنا محمد بن المثنى عن إبراهيم بن صالح. قال : إنطلقنا حاجين, فإذا رجل, فقال لنا : إلى جنبكم قرية يقال لها الاُبُلّة. قلنا : نعم. . قال : من يضمن لي منكم أن يصلي لي في مسجد العشّار ركعتين, أو ربما أربعا, ويقول هذه لأبي هريرة ؟. فقد سمعت رسول الله (ص), يقول : (( إن الله يبعث من مسجد العشّار يوم القيامة شهداء لا يقوم مع شهداء بدر غيرهم )), وقال العلامة المحدث الشيخ أبو الطيب, صاحب (عون المعبود): مسجد العشار مشهور, يتبرك بالصلاة فيه (عون المعبود ج 11 ص 422), ويتكرر الحديث نفسه في (معجم البلدان), و(الملاحم والفتن), وتحدثت مصادر أخرى عن هذا المسجد, الذي يحمل منذ بضعة قرون اسم (مسجد المقام). وهو من المساجد البصرية, التي حافظت على شكلها, وموقعها حتى يومنا هذا. وهذا يعني أن العشّار يمثل جزءا بسيطا من مدينة الاُبُلّة. .
وذكر (ناصر خسرو العلوي) : ان المسافة بين نهر الاُبُلّة ونهر المعقل, هي فرسخ واحد. ولو حسبنا المسافة بين نهر العشّار ومدينة المعقل الآن. لوجدنا أنها تقترب من سبع كيلومترات, وتساوي فرسخ واحد. وهذا يعني أن نهر العشّار هو خليفة نهر الاُبُلّة.
ثم أن بقايا أطلال القصور القديمة المقامة حصريا على طول إمتداد النهر, والتي لا تزال شاخصة حتى الآن. إضافة إلى وجود محلة السيف (بكسر السين), والتي يرمز اسمها إلى مستودعات تخزين البضائع المستوردة والمصدرة. هي دليل آخر على وجود ملامح ورواسب تاريخية لنهر الاُبُلّة في حوض هذا النهر العجوز. .
في حين تقدم لنا محلة المشراق, الواقعة على ضفة النهر, دليلا ملموسا على : أن ما يسمى حاليا بنهر العشّار. هو نهر الاُبُلّة نفسه. إذ إن معظم المصادر التاريخية تؤكد على. أن سهل بن عبد الله التستري دفن في محلة المشراق على ضفاف نهر الاُبُلّة. وقالت العرب : ما بين نهر الاُبُلّة ونهر المعقل حُلّة. وهي إشارة إلى تقارب وتوازي نهر الاُبُلّة ونهر المعقل, الذي حفره معقل بن يسار المازني. حيث كان النهران يجريان صوب القبلة لمسافة أربعة فراسخ, ثم يلتقيان ويكوّنان قناة واحدة تسير مسافة
فرسخ واحد ناحية الجنوب, وهذه الحقيقة تؤكدها تحركات سرايا صاحب الزنج. وتجحفله في المعقل, في المنطقة الواقعة شمال مدينة الاُبُلّة إستعداد للهجوم على المدينة المحصنة بالأسوار العالية, وباشر بالهجوم من محورين, فشنَّ غاراته من ناحية شط عثمان بالرجالة, وبما خف له من سفن من ناحية شط العرب. وأخذت سراياه تضرب إلى ناحية نهر المعقل. وهذه دلالة أكيدة على أن نهر المعقل من الأنهار القريبة لنهر الاُبُلّة. وبما أن نهر العشّار هو أقرب الأنهار الكبيرة إلى المعقل. فإن الإستنتاج المنطقي يشجعنا على الإقناع بأن نهر العشّار هو نهر الاُبُلّة. وليس غيره. .
بيد أن هذا النهر الجميل الضارب في عمق التاريخ تحول اليوم للأسف الشديد من جاذب سياحي إلى مكبٍ للنفايات, وانقطعت صلته نهائيا بشط العرب بعد غلقه عمليا بالسدود والنواظم, وربما ستنقطع صلته بالمياه, ويفقد مجراه, ويختفي نهائيا من خارطة البصرة.

الحدباء•• أشهر معالم الموصل
الحدباء، أشهر مآذن الموصل وأهم معالمها، حتى أن المدينة ذاتها كانت تعرف لدى روادها في العصور الوسطى باسم مدينة الحدباء.
وشيدت هذه المئذنة على عهد نور الدين محمود زنكي، لتكون جزءا من عمارة مسجده الشهير باسم الجامع النوري أو الجامع الكبير، ويعود سبب تشييد هذا الجامع إلى أن المسجد الجامع الذي شيده الخليفة الأموي مروان بن محمد والمعروف بالجامع الأموي، كان قد ضاق بالمصلين في مدينة الموصل حتى بعد توسعته وترميمه في عهد الخليفة المهدي العباسي وكان ذلك خلال فترة حكم سيف الدين بن عماد الدين زنكي أحد ولاة الأتابكة على هذه المدينة.
عهد نور الدين محمود بأعمال البناء إلى الشيخ معين الدولة عمر بن محمد الملاء، الذي كان أول شيخ للجامع النوري بعد افتتاحه للصلاة، وبدأ العمل في تشييده عام 566هـ ''1170م'' ثم افتتح للصلاة بعد عامين 568هـ ''1172م''،
وطرأت بعد ذلك العديد من أعمال الترميم والإصلاح على الجامع النوري، إذ عمر القسم الأيمن من المصلى في عهد حاكم الموصل حسن الطويل بين عامي 882-871هـ، كما جدده العثمانيون في القرن الثالث عشر الهجري ''19م'' وأجريت به بعض أعمال الإصلاح والترميم في عام 1940م. وتبلغ مساحة الجامع النوري الآن حوالي 585م
، موزعة بين مصلى صيفي واسع مكشوف، وآخر شتوي غير مفتوح على الصحن، ولجأ مهندس الجامع لهذا التصميم نتيجة للظروف المناخية التي أدت إلى تميز طقس الموصل خلال فصل الشتاء بالبرودة القارس.. وقد نقل محراب الجامع النوري الأصلي في عام ''1940م'' إلى متحف بغداد الوطني وهو تحفة فنية نادرة من الرخام الذي زخرف عن طريق الحفر برسوم نباتية من طراز الأرابيسك.

أبو غريب السلة الغذائية للبلاد
اقترنت بها أحداث تأريخية أبو غريب السلة الغذائية للبلاد
كانت ارض ابو غريب ولازالت ارضا زراعية ذات مساحة كبيرة وبالرغم من وصول العمران اليها فانها تحتفظ بمساحات كبيرة تغطيها المزارع..
يحدها من الشمال التاجي ومن الشرق مدينة الكاظمية ومن الغرب مدينة الفلوجة ومن الجنوب المطار المدني ويخترق المنطقة نهر ابو غريب
تستمد منطقة ابو غريب اسمها في الاصل من قاطنيها الاوائل وهم عشيرة ابو غريب ومع انها رحلت عنها الا ان الاسم بقي بعد الاحتلال البريطاني وسقوط الدولة العثمانية تملكت العشائر الاراضي والتي تقدر بالاف الدوانم وكانت تزرع معظمها بالخضروات ويندر فيها النخيل والفاكهة او اي نوع من الحبوب
بقيت الارض التابعة للدولة مهملة دون استثمار لمدة طويلة واخيرا فكرت الدولة بانشاء المؤسسات فبدأت بانشاء كلية الزراعة وكلية الطب البيطري ومدرسة التربية الاساسية ومعسكر للجيش ودار المعلمين الابتدائية ودوائر تابعة لوزارة الزراعة ثم توالت اهتمامات الدولة فانشأت مؤسسة الارسال
الاذاعي الذي يرتبط بدار الاذاعة العراقية في الصالحية ومدارس ومستوصفاً ومؤسسة للالبان سميت (قرية الذهب الابيض) ومعملا للشخاط ومعملا لحليب الاطفال فانتعشت المنطقة ما جعل الاهالي يشيدون المباني فظهرت قرى زراعية مثل قرية عباس الكليدار وقرية علي الهادي الكليدار
يشطر ابو غريب شارع رئيس لمرور المركبات من بغداد الى محافظة الانبار وبالعكس كما خصصت
مديرية نقل الركاب حافلة لنقل الركاب تنطلق من ساحة الملك فيصل الاول في الصالحية الى خان ضاري في ابو غريب وكانت للركاب نقطعة دالة للنزول في منتصف المنطقة وهي عبارة عن مقهى سميت باسم صاحبها (هادي كعب) والتي تقع على مشارف مدخل شارع عرضي يوصل الى نهر ابو غريب حيث توجد قنطرة صغيرة على عرض النهر المتواضع الذي يبلغ عرضه خمسة امتار يعبر منها الى القرية الوحيدة انذاك (خرنابات) وسميت فيما بعد القرية العصرية
يسكن ابو غريب فلاحون وعمال ومهنيون واذا ما عبرت هذه القرية ستجد امامك معلما آثاريا شاخصا هو تل عقرقوف والاثار الباقية من زمن الكيشيين وبالرغم من اهمية هذه الاثار فانها بقيت مهملة لمدة طويلة يعبث بها اهالي المنطقة واطفالهم
انشأت وزارة الزراعة غابات كبيرة ومناحل ومختبرات واحواضا لتربية الاسماك ونظرا لهذا النمو فقد تحولت القرية الى ناحية تتبع قضاء الكاظمية الذي يربطها بالمجمع السكني (الشعلة) وعين السيد طارق ناجي مديراً لها اما اول مدير لدار المعلمين الابتدائية فهو السيد محمد علي البير واول مدير لمدرسة ابتدائية سهيل.. كان يحرس المنطقة قبل تأسيس مخفر للشرطة حراس اهليون يحملون العصا (المكاوير) فكانت الحيوانات المفترسة (كالذئاب وابن اوى) تهاجم القرية والتهمت الكثير منهم
وبالاخص الحراس الليليين لذا زودتهم الشرطة بالبنادق حماية لهم وفضلا عن الزراعة فان كثيرا من ابناء ابو غريب لديهم مشاريع مهمة كتربية الدواجن والمناحل واحواض تربية الاسماك وتربية المواشي والخيول العربية الاصيلة واخيرا اهتمت مديرية الاثار بالموقع الاثاري عقرقوف وحولته الى منطقة آثارية يؤمها السائحون من مختلف الجنسيات كما اصبحت هدفا للسفرات المدرسية والعائلية ..
ونظرا لضيق المقابر في وسط بغداد وعدم قدرتها على استيعاب المزيد من القبور فقد قامت الدولة بتخصيص مساحة واسعة من منطقة ابو غريب لانشاء مقبرة عامة سميت بـ(مقبرة الكرخ) كما نزحت مجاميع من عشائر مختلفة الى ابو غريب اما طلبا للعمل او هربا من الثأرات العشائرية وعملوا
كاجراء في الزراعة وكذلك جاء عدد من الايدي العاملة الاجنبية الوافدة الا انه نتيجة للحروب فقد بدأ الناس يتجهون للمدينة وتركوا الزراعة ثم جاءت فترة الاحتلال ومعها الفتنة الطائفية فزادت الطين بلة فتعرض سكانها الاصليون الى القتل والتهجير القسري الا انه اخيرا وبعد استتباب الامن عاد السكان الاصليون من اجل اصلاح ما خربه الوضع الشاذ.

حديقة الأمة ماض وذكريات...
سميت حديقة الملك غازي وتميزت بالنصب الفنية
لم تعرف المتنزهات العامة في مدينة بغداد إلا في وقت متأخر وحصرياَ في نهاية القرن التاسع عشر ذلك لانها كانت محاطة بعدد كبير من البساتين والتي تعد متنفساَ لاهلها لقضاء الاوقات السعيدة خلال العطل والاعياد والمناسبات.
ويشير الدكتور والخبير الزراعي المرحوم جعفر حميد العلي.
خلال لقاء سابق اجريناه معه: الى ان اول متنزه عام عرفه البغداديون هو المتنزه الذي انشاه والي بغداد مدحت باشا في منطقة المجيدية عند مدينة الطب الحالية في باب المعظم، ثم انشأ متنزه الميدان مقابل جامع الاحمدية في منطقة الميدان الحالية في زمن الوالي سري باشا ثم متنزه في ساحة خان لاوند قرب سوق الفضل الحالي والذي انشأه الوالي نامق باشا سنة 1897م ثم حديقة المعرض في بابا المعظم.
وفي العشرينات من القرن الماضي أنشئت حدائق بارك السعدون والتي تميزت بوجود فعاليات كثيرة منها ركوب الخيل والاراجيح وساحات الالعاب المختلفة وفي اوائل الثلاثينات قامت امانة العاصمة انذاك بانشاء حديقة الامير او الملك غازي والتي سميت القديمة التي انشأت في العاصمة بغداد.
وقد اقيم فيها اول معرض للزهور اقامته امانة العاصمة (انذاك) عام 1946 وفي عام 1958 تمّ استبدال اسمها من حديقة غازي الى حديقة الامة حيث وضع في واجهتها الامامية نصب الحرية للفنان الراحل جواد سليم وصارت هذه الحديقة متنفساً جديداً لاهالي مدينة بغداد لكونها تقع في وسطها ولكن بسبب الحوادث التي مرت بالبلاد راحت تعاني من الاهمال واعمال التخريب لسنوات.
فما كان من امانة بغداد إلا ان تبنت فكرة تطوير واعمار هذه الحديقة لاعادتها الى سابق عهدها ولكن بتصميم واعمار هذه الحديقة لاعادتها الى سبق عهدها ولكن بتصميم جديد ضم مقهى خاصا للانترنيت اضافة الى تزويدها بمقاعد خاصة لجلوس المواطنين كما جرى تحسين وضعها الزراعي وجعلها في مستوى يليق بمدينتنا الحبيبة بغداد.
وبعد عام 1958 اهتمت امانة العاصمة انذاك بشارع ابي نواس حيث قامت بتشجير المتنزهات الواقعة على نهر دجلة وبناء الكازينوهات التي تقدم الاكلات الشعبية البغدادية ومنها السمك المسكوف.
وفي عام 2005 ابتدات امانة بغداد خططها الزراعية المنظمة لزراعة كل الشوراع والجزرات الوسطية وكانت بداية موفقة استطاعت فيها الاقسام الزراعية ان تنظم نفسها وتستغل الوقت بشكل صحيح مع اعداد الخطط لبداية صحيحة تنامت في تطورها خلال عامي 2006 و2007 لزيادة الرقعة الخضراء لمدينة بغداد واتخاذ العديد من الاجراءات التي اسهمت في تجاوز الكثير من المعوقات
لتغدو بذلك عاصمتنا بغداد اكثر رونقاً وجمالاً وبما يتلاءم مع ذوق البغداديين وحبهم للحدائق.

مدن العراق القديم .. تبّة غـَوْرا و أوروك
تبّة غـَوْرا مستوطنة قديمة من بلاد النهرين تقع شرق نهر دجلة قرب نينوى قرب مدينة الموصل الحالية، في شمال غرب العراق. بدأ التنقيب فيها من سنة 1931 حتى 1938 آثاريون من جامعة بنسلفانيا. ومن الواضح أن الموقع كان مسكونا ً منذ عهد حَـلـَف (حوالي 5050 – حوالي 4300 ق. م) إلى أواسط الألفية الثانية ق. م، وباسمه يسمى عهد غورا (حوالي 3500 – حوالي 2900) في شمال بلاد النهرين.
ومع ذلك يبدو أن الموقع كان قبل عهد غورا متأثرا ً بثقافة العُبيد (حوالي 5200 – حوالي 3500) في جنوب بلاد النهرين. ويتجلى ذلك التأثير، على سبيل المثال، بالمعبد المبني على الطراز العُبيدي في غورا – وهو أقدم نموذج للأبنية ذات الجدران المزينة بالأعمدة الناتئة والتجاويف – وهو نموذج لمعابد بلاد النهرين بقي مهيمنا ً خلال القرون التالية. وتوضح تبة غورا مراحل الانتقال من القرى الزراعية القديمة في العصر النحاسي إلى المجمعات الاستيطانية ذات المنازل المبنية بالطابوق الطيني، ووجدت فيها أختام أسطوانية، وأول المصنوعات المعدنية،
ونصب معمارية. وفي فترة قريبة من عهد غورا، اختـُرعت الكتابة في جنوب بلاد النهرين ؛ ولكن تبة غورا تـُظهر أن الكتابة والحضارة المتقدمة لم تصل إلى الشمال إلا بعد ذلك بفترة طويلة، وبقيت المنطقة على حالها بشكل جوهري حتى حوالي 1700 ق. م، عندما غزا المدينة أقوام من غير الساميين ومن الحوريين.
أوروك
هكذا تنطق باللغة السومرية، وفي اللغة اليونانية أوروكو، وحاليا ً تسمى تل الوركاء. مدينة قديمة من بلاد النهرين، تقع إلى الشمال من أور (تل المُقيَّر) في محافظة ذي قار، العراق. نـُقـِّب الموقع منذ عام 1928 فلاحقاً من قبل الجمعية الشرقية الألمانية ومعهد الآثاريين الألمان. وأوروك واحدة من أعظم مدن سومر، وهي محاطة بأسوار من الطابوق طول محيطها حوالي ستة أميال، وطبقاً للأساطير فإن البطل الأسطوري جلجامش هو الذي بناها.
داخل الأسوار كشفت التنقيبات عن سلسلة متعاقبة من المدن يبدأ تاريخها من عهود ما قبل التاريخ، وربما قبل 5000 ق. م، وصولا حتى العصور البارثية (126 ق. م – 224 م). وتبدو الحياة المدينية فيما يسمى بعهد أوروك – جمدة نصر (حوالي 3500 – 2900 ق. م) بصورة أوضح في أوروك منها في أية مدينة أخرى من مدن بلاد النهرين. ويظهر أن الإلهين السومريين الرئيسيين اللذين عبدا في أوروك القديمة هما الإله آنو (آن) وهو رب السماء،
والإلاهة إنـّانا (" ملكة السماء "). وتعتبر زقورة آنو واحدة من أهم معالم المدينة، وهي متوجة بـ " المعبد الأبيض " الذي يعود إلى عهد جمدة نصر. وهو معبد ذو ثروة كبيرة – حيث الذهب والفضة والنحاس مشغولة بمهارة فائقة، وقد عكست الأختام والتمائم حرفية عالية جداً في إنتاج الرسوم الدقيقة. و يشهد معبد يانـّا المقدس،
وهو زقورة أخرى، بمدى اهتمام العديد من الملوك الأقوياء، من بينهم أور- نمّو (حكم للفترة 2112 – 2095 ق. م)، وهو أول ملوك السلالة الثالثة في أور. كما إن أور- نمّو فعل الكثير فيما يخص تخطيط المدينة، التي استفادت من النهضة السومرية الجديدة. وقد ارتبطت تطورات معمارية عديدة بعهد آيسن – لارسا (حوالي 2017 – 1763 ق. م) وبالعهد الكاشّي (حوالي 1595 – حوالي 1157 ق. م). وبعد العهد الكاشّي، ترك الحكام الآشوريون والبابليون الجدد، والأخمينيون، من بينهم قورش الكبير ودارا الكبير، تركوا بصمات من نشاطهم المعماري، وخصوصاً في منطقة يانـّا. واصلت المدينة ازدهارها في العصور البارثية، حيث كانت آخر مدرسة قديمة لتعليم الكتـّاب تحرير الوثائق بالخط المسماري (حوالي 70 ق. م).
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى