مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* دعوى بطلان أحاديث قعود أولي الضرر عن الجهاد - الطعن في مغفرة الله لامرأة مومسة

اذهب الى الأسفل

* دعوى بطلان أحاديث قعود أولي الضرر عن الجهاد - الطعن في مغفرة الله لامرأة مومسة Empty * دعوى بطلان أحاديث قعود أولي الضرر عن الجهاد - الطعن في مغفرة الله لامرأة مومسة

مُساهمة  طارق فتحي الثلاثاء ديسمبر 16, 2014 6:54 pm

مضمون الشبهة:
يدعي بعض المغرضين بطلان أحاديث قعود أولي الضرر عن الجهاد، من ذلك ما رواه البراء قال: لما نزلت: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين( (النساء: ٩٥) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ادعوا فلانا" فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف، فقال: "اكتب: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله" وخلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول الله أنا ضرير، فنزلت مكانها: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله(.
ويستدلون على هذا بأن الملاحظ من دراسة النص أن الآية نزلت وانتهت، وقد كتبها الكاتب في اللوح كما في روايات أخرى، فتدخل ابن أم مكتوم، وكان جالسا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال معترضا: يا رسول الله أنا ضرير، فسرعان ما تم التعديل والاستدراك، ونزلت جملة )غير أولي الضرر( ليتم تلافي القصور في النص.
ويتساءلون: إذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينتبه لوجود ابن أم مكتوم، وأنه أعمى ومعذور، فهل الله - سبحانه وتعالى - غفل عن هذا حتى نزل النص وانتهى، وبعد اعتراض واستدراك ابن أم مكتوم تذكر الله - سبحانه وتعالى - ذلك فعدل في النص؟! والجواب قطعا بالنفي؛ فالله - سبحانه وتعالى - لا ينسى شيئا، فمن هذا الوجه يكون الحديث باطلا ومنكرا في متنه.
وجها إبطال الشبهة:
1)  إن الأحاديث الواردة في سبب نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر( (النساء: ٩٥) بعد قوله تعالى: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين( صحيحة كلها؛ لورودها في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة، كما أن نزول الوحي للمرة الثانية ليس دليلا على نسيان الله ولا غفلته تعالى الله عن ذلك، بل هو دليل على رحمته - سبحانه وتعالى - بعباده، فالقرآن نزل منجما لمراعاة أحوال الناس، ومتابعة الأحداث، وإظهار رحمته - سبحانه وتعالى - بعباده.
2)  إن الله - سبحانه وتعالى - عندما أنزل هذه الآية - قبل الاستثناء - لم يكن مريدا بها ابن أم مكتوم أو أبا أحمد بن جحش أو غيرهما من أهل الضرر؛ لأنه - سبحانه وتعالى - يعلم عجزهما وعذرهما، ولما ذهب هذا المعنى عنهما وقالا ما قالا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنزل الله قوله عز وجل: )غير أولي الضرر( إعلاما لهما بأنه لم يردهما وأمثالهما بهذا التفضيل، وتأكيدا على الأصل الذي أقره الله - سبحانه وتعالى - في مواضع كثيرة، وهو التجاوز عن أهل الضرر.
التفصيل:
أولا. صحة الأحاديث الواردة في سبب نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر(:
إن الأحاديث الواردة في سبب نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر( صحيحة وفي أعلى درجات الصحة لورودها في صحيحي البخاري ومسلم، كما أن نزول الوحي للمرة الثانية ليس دليلا على نسيان الله ولا غفلته - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، بل هو دليل رحمته - سبحانه وتعالى - بعباده.
فقد ذكر البخاري هذه الأحاديث في كتاب الجهاد والسير تحت باب: قول الله عز وجل: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما (95)( (النساء)، وفي كتاب التفسير تحت باب: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله(، كما ذكرت هذه الأحاديث في غير البخاري ومسلم من كتب السنة الصحيحة.
فمن روايات البخاري: ما روي عن حفص بن عمر عن شعبة عن أبي إسحاق عن البراء - رضي الله عنه - قال:«لما نزلت: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين( دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته فأنزل الله عز وجل: )غير أولي الضرر(»[1].
ومن روايات مسلم: ما روي عن محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي إسحاق «أنه سمع البراء يقول في هذه الآية: (لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله) فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا فجاء بكتف يكتبها، فشكا إليه ابن أم مكتوم ضرارته، فنزلت: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر(»[2].
ولا نريد الإطالة بذكر باقي الروايات، ولكن يكفينا أننا دللنا على أن هذه الأحاديث في صحيحي البخاري ومسلم مما يدل على أنها في أعلى درجات الصحة، وعلى هذا فلا يمكن الاعتراض عليها أو إنكارها.
أما نزول الوحي للمرة الثانية فقد ذكرنا أنه لا يدل على وقوع النسيان من الله - عز وجل - أو غفلته - تعالى سبحانه عن ذلك، بل هو دليل على رحمته - سبحانه وتعالى - بعباده، فالقرآن نزل منجما لمراعاة أحوال الناس، ومتابعة الأحداث، وإظهار رحمته - سبحانه وتعالى - بعباده.
"فكلما حدثت حادثة بين الناس نزل الحكم فيها يجلي لهم صبحها ويرشدهم إلى الهدى، ويضع لهم أصول التشريع حسب المقتضيات أصلا بعد آخر فكان هذا طبا لقلوبهم[3].
ومن فوائد نزول القرآن منجما أن الله - سبحانه وتعالى - ينسخ بعض الأحكام التي كانت صالحة في وقت نزولها ثم أصبحت غير صالحة في وقت آخر، والنسخ لا يعني علما بعد جهل كالبداء، ويوضح النحاس الفرق بينهما فيقول: "الفرق بين النسخ والبداء أن النسخ تحويل العباد من شيء قد كان حلالا فيحرم، أو كان حراما فيحلل، أو كان مطلقا فيحظر، أو كان محظورا فيطلق، أو كان مباحا فيمنع، أو ممنوعا فيباح إرادة الصلاح للعباد، وقد علم الله - عز وجل - العاقبة في ذلك، وعلم وقت الأمر به أنه سينسخه على ذلك الوقت، فكان المطلق على الحقيقة غير المحظور، فالصلاة كانت إلى بيت المقدس إلى وقت بعينه ثم حظرت وصيرت إلى الكعبة،... وكذا تحريم العمل يوم السبت كان في وقت بعينه على قوم ثم نسخ وأمر قوم آخرون بإباحة العمل فيه، فقد كان الأول المنسوخ حكمة وصوابا ثم نسخ وأزيل بحكمة وصواب، كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء، فلذلك لم يقع النسخ في الأخبار لما فيها من الصدق والكذب، وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك: (امض إلى فلان اليوم) ثم تقول: (لا تمض إليه)، فيبدو لك عن القول الأول، وهذا يلحق البشر لنقصانهم، وكذا إذا قلت: (ازرع كذا في هذه السنة)، ثم قلت: (لا تفعل) فهذا البداء[4].
وعلى هذا، فلا يحق لمدع أن يقول: إذا كان قد سبق في علم الله تعالى أن ابن أم مكتوم سيشكو عماه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول الآية - موضوع الشبهة - دون ذكر قوله تعالى: )غير أولي الضرر( (النساء: ٩٥) فلماذا لم ينزل هذه الآية كاملة مرة واحدة؟ ذلك لأن القرآن نزل على نبينا - صلى الله عليه وسلم - مفرقا حسبما كانت تقتضيه الحاجة، فربما نزلت السورة تامة، وربما نزل منها آيات، بل ربما نزل بعض آية، كما في سبب نزول قوله عز وجل: )غير أولي الضرر([5]، وكل ذلك لحكم جليلة وكثيرة، منها مجاراة الحوادث والنزول والأحوال والملابسات في تفرقها وتجددها" وغيرها كثير لمن أحكم النظر، وأجال البصر[6].
ثانيا. ما ورد في الآية الكريمة هو توضيح لأولي الضرر أنهم غير معنيين بهذا التفضيل؛ لأن الأصل الثابت في الإسلام هو التجاوز عن أولي الضرر:
لم يرد الله - سبحانه وتعالى - بقوله: )لا يستوي القاعدون( أهل الضرر والعذر، وإلا لكان ذلك طعنا في حكمته - سبحانه وتعالى - ولما شكا ابن أم مكتوم وأحمد بن جحش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - عجزهما عن الجهاد بالضرر الذي بهما أنزل الله - سبحانه وتعالى - قوله: )غير أولي الضرر( إعلاما لهما ولغيرهما من أولي الضرر أنه لم يردهما بذلك وتأكيدا على الأصل الثابت وهو التجاوز عن أهل الضرر، ويؤكد ما قلناه الإمام الطحاوي، فيقول معلقا على قوله تعالى: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله( ولم يكن ذلك عندنا على أن الله - عز وجل - أرادهما وأمثالهما بهذه الآية، مع عجزهما عن المعنى الذي فيها مما يفضل به المجاهدون على القاعدين غير أولي الضرر، ولكنهما ذهب ذلك عنهما، حتى كان منهما من القول ما ذكر عنهما في هذه الآثار لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله - عز وجل - عند ذلك على رسوله - صلى الله عليه وسلم - قوله: )غير أولي الضرر(؛ إعلاما منه إياهما أنه لم يردهما ولا أمثالهما بذلك التفضيل الذي فضل به المجاهدين على القاعدين، فكيف يجوز أن يكون الأمر بخلاف ذلك، وقد سمعوا الله - عز وجل - يقول: )ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج( (النور: ٦١) يعني في تخلفهم عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
فإن قال قائل: أفيجوز أن يذهب عنهما مثل هذا من مراد الله - عز وجل - بهذه الآية؟
قيل له: وما تنكر من هذا، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما أنزل عليه في الصيام قوله تعالى: )وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود( (البقرة: ١٨٧) وتلاها عليهم، حملوها على ما قد ذكره سهل بن سعد الساعدي من حملهم إياها عليه حتى أنزل الله - عز وجل - على رسوله - صلى الله عليه وسلم - ما أعلمهم به أن مراده - عز وجل - غير ما ظنوه به تعالى، فعن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي، قال: «لما نزلت: )وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود( جعل الرجل يأخذ خيطا أبيض وخيطا أسود، فيجعلهما تحت وسادة، فينظر متى يتبينهما، فيترك الطعام. قال: فبين الله ذلك ونزلت: )من الفجر( (البقرة: ١٨٧)» فكان في هذا الحديث تبيان الله أن الذي أراد الخيط الأبيض والخيط الأسود غير الذي ظنوا أنه أراده بهما[7][8].
ومما يؤكد هذا ما رواه عدي بن حاتم - رضي الله عنه - قال: «لما نزلت: )حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر(. عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له ذلك، فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار»[9].
وبناء على ما سبق، فإن نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر( بعد قوله تعالى في الآية نفسها: )لا يستوي القاعدون من المؤمنين(ـ كما أشارت إليه الأحاديث الصحيحة - ليس فيه أدنى قصور في النص القرآني - كما يدعي هؤلاء ـ؛ كي يتم تلافيه - حاشا لله - وإنما هو بمثابة البيان الشافي الكافي لما ظنه ابن أم مكتوم وغيره من أن عموم الاستواء يدخل فيه صاحب الضرر وغيره، فخاف من ذلك، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - الرخصة فنزل قوله تعالى: )غير أولي الضرر( - في الحال - على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما جاء في الأحاديث الصحيحة الكثيرة، فهل فيما قاله ابن أم مكتوم أدنى اعتراض أو استدراك على نزول الآية؟!
ومما يؤيد ذلك ما صح وثبت عن أنس - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم. قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدنية؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر»[10].
قال القرطبي: فهذا يقتضي أن صاحب العذر يعطى أجر الغازي، فقيل: يحتمل أن يكون أجره مساويا، وفي فضل الله متسع، وثوابه فضل لا استحقاق؛ فيثبت على النية الصادقة ما لا يثبت على الفعل[11].
ومن ثم فلا حجة لمن يطعن في هذا الحديث الشريف الذي ثبتت صحته ونسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الخلاصة:
·   إن الأحاديث الواردة في سبب نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر( (النساء:٩٥) بعد قوله تعالى: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" صحيحة كلها لا مطعن فيها ولا مغمز؛ وذلك لمجيئها من أكثر من طريق عن الصحابة - رضوان الله عليهم - ولورودها في الصحيحين؛ حيث أعلى درجات الصحة.
·       إن نزول الوحي للمرة الثانية ليس دليلا على نسيان الله - سبحانه وتعالى - أو غفلته بل يدل على رحمته - سبحانه وتعالى - بعباده.
·   إن نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر( بعد قوله تعالى: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين" ليس فيه أدنى قصور في النص القرآني - كما يدعي هؤلاء - وإنما هو بمثابة البيان الشافي الكافي لما ظنه ابن أم مكتوم وغيره من أن عموم الاستواء في الآية يستوي فيه صاحب الضرر وغيره، فخاف من ذلك، وسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - الرخصة، فنزل قوله تعالى: )غير أولي الضرر( في الحال، ولا يظن أحد أن ما صدر من ابن أم مكتوم اعتراض أو استدراك على النص القرآني؛ لعلمه أن ذلك كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
·    لا شك أن نزول قوله تعالى: )غير أولي الضرر( بعد شكوى ابن أم مكتوم وغيره ضرارتهم يعد من الحكم الجليلة لنزول القرآن مفرقا، إذ إن نزول القرآن كان على قسمين: قسم نزل ابتداء، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال، ولكل قسم حكم ومقاصد لا يعرفها إلا من أنعم النظر وأجال البصر.

الطعن في صحة حديث مغفرة الله لامرأة مومسة سقت كلبا
مضمون الشبهة:
يطعن بعض المشككين في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «غفر لامرأة مومسة[1] مرت بكلب على رأس ركي[2] يلهث، قال: كاد أن يقتله العطش، فنزعت خفها، فأوثقته بخمارها، فنزعت له من الماء، فغفر لها بذلك».
مستدلين على طعنهم في هذا الحديث بأن جريمة الزنا بشعة، وهتك الأعراض عظيم، واستدراج المرأة الشباب وإفساد خلقهم ذنب لا يكفر، وأن الله إذا كفره كان في ذلك إخلال بعدالته - سبحانه وتعالى - وتشجيع على انتشار الجريمة.
رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية المطهرة.
وجه إبطال الشبهة:
·   إن حديث سقي المرأة البغي الكلب حديث صحيح متفق عليه، وغفران الله لهذه المرأة بهذا الفعل الضئيل لا ينافي العدالة الإلهية؛ لأن الجزاء من جنس العمل فلما رحمت رحمت، ثم تغمدها فضل الله ورحمته التي سبقت غضبه، وقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك القصة لأخذ العبرة وعدم القنوط من رحمة الله عز وجل.
التفصيل:
إن هذا الحديث صحيح في أعلى درجات الصحة:فقد رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال «غفر لامرأة مومسة مرت بكلب على رأس ركي يلهث، قال: كاد يقتله العطش - فنزعت خفها فأوثقته بخمارها فنزعت له من الماء فغفر لها بذلك»[3].
ورواه من طريق آخر بلفظ:«بينما كلب يطيف بركية كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها[4] فسقته فغفر لها به»[5].
ورواه مسلم بنفس اللفظ السابق في صحيحه أيضا[6]، ورواه بلفظ قريب منه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن امرأة بغيا رأت كلبا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع[7] لسانه من العطش فنزعت له بموقها فغفر لها»[8].
فهذا هو الحديث الذي يطعنون فيه، رواه البخاري ومسلم في صحيحهما، ورواه أصحاب السنن والمسانيد، لكنا اكتفينا بالصحيحين لإجماع الأمة على صحة كل ما فيهما.
وقد جمع الإمام الألباني كل طرق الحديث وذكرها في سلسلته الصحيحة وأثبت من خلالها أنه لا غبار على صحة الحديث[9].
قال الإمام البغوي بعد ذكره للحديث: "هذا حديث متفق على صحته"[10]، فقد أخرجه البخاري في بدء الخلق، وفي الأنبياء، ومسلم في السلام عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الأحمر عن هشام، عن محمد، عن أبي هريرة.
وبهذا يتضح أن الحديث في أعلى درجات الصحة وتعضد قوته الشواهد، ولم يطعن فيه أحد بشبهة تقدح في صحته، وتلقته الأمة بالقبول على أنه حادثة حدثت لتلك المرأة البغية التي ألان الله قلبها، وحنت لذاك الحيوان الضعيف المعدوم القدرة على الشرب.
وما الغرابة في هذا المعنى الجليل الذي يتضمنه هذا الحديث النبوي وهناك العديد من الأحاديث الصحيحة التي تؤكد هذا المعنى، وهو الأجر العظيم على الرفق بالحيوان؛ من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينا رجل يمشي فاشتد عليه العطش، فنزل بئرا فشرب منها، ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي، فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقي فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر»[11].
إن القوم الذين طعنوا في هذا الحديث لما تحدثوا عن هذه القصة قالوا: مغفرة الله لتلك المرأة في ظل هذه الذنوب التي ارتكبتها، وفيها البغاء، شيء يدل على منافاة العدل الإلهي، لكنهم لما تحدثوا عن العدالة الإلهية في ظل هذا الحديث لم يحسنوا الاستدلال؛ لأن الحديث تعرض لشيء أكبر من العدل ألا وهو الفضل والكرم، إن حق الصفح والغفران قد خلص لله - عز وجل - لا يشاركه فيه غيره، ونحن على علم بين لا يختل بأن الله - عز وجل - قد سبقت رحمته غضبه، وبأنه هو القائل: )ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم( (النساء:١٤٧).
وعليه فإن العقوبة إذا أصبحت لله وحده فله وحده - سبحانه وتعالى - أن يوقعها أو يعفو عنها، فالظن بالله أن يعفو، بل إنه ليمد لعباده في أسباب التوبة حتى يتوبوا، فإن تابوا قبل منهم.
وأصرح من ذلك في رحمة الله أنه قد يقبل التوبة من قبل أن يتوب العبد أو يأخذ في أسبابها، وإلا فما معنى قوله سبحانه وتعالى: )ثم تاب عليهم ليتوبوا( (التوبة:١١٨).
ثم إن صفة العدالة قد تكون مختلة لو أن هناك إنسانا مظلوما له عند ربه حق، وهو لا يعطيه له، أما أن يكون الله قد أعطى عبده بغير استحقاق، فهذا شأنه سبحانه وتعالى[12].
يقول ابن بطال:«فغفر لها بذلك» أي بسبب سقيها للكلب، وهذا تأكيد للخبر، وفيه أن الله تعالى قد يتجاوز عن الكبيرة بالفعل اليسير من غير توبة تفضلا.
ثم إن سقي الماء من أعظم القربات إلى الله - عز وجل - يقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: )ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين (50)( (الأعراف): "في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال، فقد وروى النسائي «أن سعدا بن عبادة قال: قلت: يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها، قال: نعم، قلت فأي الصدقة أفضل، قال سقي الماء»[13]، فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله - عز وجل - وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء[14].
ثم إن من صفات الله عز وجل "الرحمة" التي وسعت كل شيء، شملت المؤمن والكافر، والبر والفاجر، واستوعبت الدنيا والآخرة. وقد قرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه هذا المعنى، فقد روى البخاري عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبي، فإذا امرأة من السبي تحلب ثديها تسقي إذا وجدت صبيا في السبي، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحة ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على ألا تطرحه. فقال: لله أرحم بعباده من هذه بولدها»[15].
ومن أبرز أسماء الله الحسنى: "الرحمن الرحيم" وهما أشهر الأسماء بعد لفظ الجلالة "الله"، وحظ العبد من اسم "الرحيم" ألا يدع فاقة لمحتاج إلا ويسدها بقدر طاقته، ولا يترك فقيرا في جواره أو في بلده، إلا ويقوم بتعهده ودفع فقره؛ إما بماله أو جاهه، أو الشفاعة إلى غيره، فإن عجز عن جميع ذلك، فيعينه بالدعاء، وإظهار الحزن، رقة عليه وعطفا، حتى كأنه مساهم له في ضره وحاجته".
ورحمة المؤمن لا تقتصر على إخوانه المؤمنين، إنما هو ينبوع يفيض بالرحمة على الناس جميعا، بل هي رحمة تتجاوز الإنسان الناطق إلى الحيوان الأعجم، فالمؤمن يرحمه ويتقي الله فيه، ويعلم أنه مسئول أمام ربه عن هذه العجماوات. وقد أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه أن الجنة فتحت أبوابها لبغي سقت كلبا فغفر الله لها، ولا عجب في ذلك فالقانون الإلهي ينص على أن الجزاء من جنس العمل، فلما رحمت هذه المرأة رحمت كما أنه «من لا يرحم لا يرحم»[16].
وقال رجل: «يا رسول الله، إني لأذبح الشاة وأني أرحمها، أو قال: إني لأرحم الشاة أن أذبحها. فقال: والشاة إن رحمتها رحمك الله»[17][18].
وليس هناك أي غضاضة في أن يغفر الله تبارك وتعالى ذنب هذه المرأة ويرحمها برحمتها لهذا الحيوان، قال تعالى: )إن الحسنات يذهبن السيئات( (هود: ١١٤) وكما قال صلى الله عليه وسلم: «وأتبع السيئة الحسنة تمحها»[19].
والأمثلة - على سعة فضل الله على خلقه ومعاملته بالرحمة والجود - كثيرة، ولا يغيب عنك حديث قاتل المائة نفس كيف أن الله غفر له ذلك بمجرد قصد وجه الله والرجوع إليه، والإنابة له، فقد روى أبو سعيد الخدري أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا، فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسا، فهل له من توبة؟ فقال: لا، فقتله، فكمل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل ألأرض فدل على رجل عالم فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة؟! انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة، وملائكة العذاب؛ فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط. فأتاهم ملك في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة»[20].
وفي لفظ البخاري: «فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وإلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر فغفر له»[21].
فانظر إلى أي مدى وصلت الرحمة من الله - سبحانه وتعالى - إلى هذا العبد الذي لم يعمل خيرا قط، لكنه جاء مقبلا تائبا إلى الله، وقد بلغ العفو من الله مداه، حيث إنه يفهم من حديث البخاري أن الرجل كان أقرب إلى الأرض التي غادرها، فأوحى الله إليها أن تباعدي، وإلى أرض التوبة أن تقربي، فلما قاس الملكان ما بين الأرضين وجدوه أقرب بشبر إلى أرض التوبة، فغفر الله له، فهل عامله الله هنا بالعدل أم بالفضل؟
نعم، هو عامله بالعدل، ولكن لما كان أمر التوبة عظيم وأنها تجب ما قبلها: )إن الحسنات يذهبن السيئات( (هود: ١١٤)، أصبحت التوبة أعظم وأرجح من جريمة القتل - وهي من الكبائر - التي لم يرتكبها مرة أو عشرة، بل مائة مرة، فغفر الله له بترجيح حسنة التوبة على ارتكابه الكبائر، وتفضل عليها بمحوها كلها.
فهل يستبعد أن يغفر الله للمرأة الزانية - البغية - وقد سقت كلبا كان يلهث من شدة العطش في الصحراء؟!
يقول الإمام ابن القيم: "إن ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب مع عدم الآلة، وعدم المعين وعدم من ترائيه بعملها - لشيء عظيم لاسيما وأنها قد خاطرت بنفسها في نزول البئر، وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب. من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكورا، فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فغفر لها"[22].
إن في هذا الحديث الحض على استعمال الرحمة للخلق كلهم، كافرهم ومؤمنهم، ولجميع البهائم والرفق بها، وأن ذلك مما يغفر الله به الذنوب ويكفر به الخطايا، فينبغي لكل مؤمن عاقل أن يرغب في الأخذ بحظه من الرحمة، ويستعملها في أبناء جنسه وفي كل حيوان، فلم يخلقه الله عبثا، وكل أحد مسئول عما استرعيه وملكه من إنسان، أو بهيمة لا تقدر على النطق وتبيين ما بها من الضر، وكذلك ينبغي أن يرحم كل بهيمة وإن كانت في غير ملكه، ألا ترى أن الذي سقى الكلب الذي وجده بالصحراء لم يكن له ملكا فغفر الله له بتكلفه النزول في البئر وإخراجه الماء في خفه وسقيه إياه، ومن ذلك كل ما في معنى السقي من الإطعام، ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة»[23][24].
وقال ابن الملك: وفي الحديث دليل على غفران الكبيرة من غير توبة، وهو مذهب أهل السنة، وقيل: وفي الحديث تمهيد فائدة الخير وإن كان يسيرا[25].
وفي نهاية القول فإن الحديث ثابت صحيح، ولا حجة ولا دليل لهؤلاء المشككين في محاولة التشكيك في صحة الحديث، طالما أن رحمة الله وسعت كل شيء، فما الغرابة في أن يرحم الله من رحمت الحيوان؟!
الخلاصة:
·   إن حديث غفران الله للمرأة المومسة؛ لأنها سقت كلبا - حديث صحيح رواه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما، ولم يطعن فيه بشبهة، وهو في أعلى درجات الصحة، وقد أيده حديث غفران الله لرجل سقى كلبا أيضا فغفر الله له، وهو صحيح كذلك.
·   إن العدالة الإلهية تنص على أن الجزاء من جنس العمل، وهذه المرأة قد رحمت الكلب؛ لذا فقد رحمها الله تبارك وتعالى، كما أنه من لا يرحم لا يرحم.
·   إن الطاعنين في الحديث قد رأوا أن مغفرة الله لهذه المرأة - على عظم ذنبها - يتنافى مع العدل الإلهي، وهؤلاء قد أساءوا فهم الحديث؛ لأنه يعرض لشيء أكبر وأعظم من العدل الإلهي، ألا وهو الفضل والكرم.
·   لا غرابة في أن يغفر الله لهذه المرأة لمجرد أنها سقت كلبا؛ فقد جاءت الأحاديث الصحيحة الصريحة الدالة على أن سقي الماء من أعظم القربات إلى الله - سبحانه وتعالى - فمن الآيات الواردة في ذلك، قوله تعالى: )ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله( (الأعراف: ٥٠)، ومن الأحاديث النبوية في ذلك ما روي عن سعد بن عبادة، أنه قال: «قلت يا رسول الله إن أمي ماتت أفأتصدق عنها؟ قال: نعم، قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: سقي الماء».
·   وكم تكون رحمة هذه المرأة أمام رحمة الله تبارك وتعالى التي وسعت كل شيء، فالله - عز وجل - أرحم من الأم على ولدها، ثم إنه - عز وجل - يغفر الذنوب جميعا، فكيف لا يغفر لهذه المرأة، وقد غفر الله للرجل الذي قتل مائة نفس لمجرد أنه انتوى التوبة مما فعل، وهذا القتل أعظم من الزنا بكثير، قال تعالى: )قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم (53)( (الزمر).
·   ليس هناك أي غضاضة في أن يغفر الله تبارك وتعالى ذنب هذه المرأة ويرحمها برحمتها لهذا الحيوان، قال تعالى: )إن الحسنات يذهبن السيئات( (هود: ١١٤).
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى