مـنـتـديــات الــبـــاحـــث
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

* قصص قصيرة : ولادة تؤام من خارج رحم الارض ( 1 )

اذهب الى الأسفل

* قصص قصيرة : ولادة تؤام من خارج رحم الارض ( 1 ) Empty * قصص قصيرة : ولادة تؤام من خارج رحم الارض ( 1 )

مُساهمة  طارق فتحي الإثنين نوفمبر 17, 2014 7:55 am

* قصص قصيرة : ولادة تؤام من خارج رحم الارض ( 1 ) 813

بقلم : طارق فتحي
في العام 1990 احلت نفسي الى التقاعد غير آسف لعدم اكمال الخدمة التقاعدية التامة ..  للبحث عن فرص عمل حر باجور مجزية .. وكان من شجعني على ذلك احد زملائي الموظفين . خاله يملك شركة كبيرة للاخشاب في اندنوسيا طلب منه ان يجد له شخص عراقي موثوق به يمسك حسابات الشركة والعمال والادارة .. وكان قد طرح الموضوع سابقا الا انني لم اعره اهتمامي .. وعندما حانت ساعة الحقيقة جائني وقال لي انا احلت نفسي الى التقاعد وسوف اسافر الى خالي في اندنوسيا وذكرتك عنده ما قولك .. فاجبته هذه المرة بالموافقة فقال لي انا لا استطيع ان انتظرك لاني حجزت تذكرتي وسوف اسافر قبلك وعندما تنهي امورك وتقاعدك اتصل بأخي اسعد حتى ارتب لك سفرك ورجاني ان اسرع في الامر ولا اتأخر .. فاجبته بالموافقة على كل كلامه .
وما ان مرت ثلاثة شهور عددية حتى استلمت هويتي التقاعدية فكانت بحق اجمل هدية وحانت ساعة الحقيقة الوردية وهيأة الامور السرمدية .. حينها قمت بالاتصال باخيه بحسب طلبه هو ..
الو .. الو  .. اسعد .. السلام عليكم ..
اقدم لك نفسي انا طارق زميل اخيك اكرم في الوظيفة .. فرحب بي الرجل .. وصمت طويلا .. قلت له ما الخبر ..؟  هل انت مريض .. ؟ فقال لي ..لا .. انا لست مريضاً المرحوم اكرم اخبرني عنك ..
وذهلت من كلامه فقلت له ذكرت لي لفظة المرحوم اكرم ..؟ فقال .. نعم .. فقلت له كيف ذلك . فاخبرني بان اكرم هاجر بصورة غير شرعية في احد القوارب البالية من اندنوسيا الى استراليا وغرق القارب قبالة السواحل الاسترالية وكان ضمن من فيه ثلاثة عشر عراقيا وكان اخي اكرم واحدا منهم .. وقد انتشر الخبر على نطاق واسع وتناولته الصحف العراقية ايضاً .
فعدت مع افكاري بخفي حنين وقد تبخرت كل احلامي وآمالي حيث امتزجت بشكل عجيب مع ألامي . فقفلت عائدا الى البيت وانا مهموم مغموم مصدوم كظيم . فبادروني ما الخبر .. فقلت لهم .. لقد توفى الله اكرم فلا سفر ولا هم يحزنون .. كنت كمن فقد كل شيء في الحياة وكذلك فقدت الامل .
ومن خلال اعلان في التلفزيون العراقي عن حاجة الهيئة العامة للسياحة والسفر الى عدة وظائف ومنها مديراً للحسابات . اجريت مقابلة في مقر الشركة وتم اختياري من ضمن 73 مرشحاً لنفس العمل .. ومرت الشهور بطيئة واوضاع البلد لا تسر وكانت الشائعات تنطلق على غير عادتها تدق طبول الحرب على العراق او على الاقل قصفه بالطائرات .. وبعد شهور   عدة ونحن جميعا على هذه الحال  من الفوضى والترقب والوجل من كل خطاب او تصريح حكومي حيث اصبحنا محللين سياسيين  بالفطرة .
وبعد ان اكملت عمل الميزانية العامة لحسابات احد المطاعم التابعة لهيئة السياحة طلبت اجازة اسبوعاً واحداً على ان تكون في بداية السنة الجديدة 1991 وذلك بسبب احوال زوجتي الصحية . فتمت الموافقة وتمتعت باجازتي بعد قضاء ليلة عيد ميلاد ساخنة للسنة الجديدة القادمة .
كانت زوجتي حاملا في شهرها الاخير وتوقعنا ان تكون ولادتها من ضمن فترة اجازتي الا ان الاجازة انتهت ولم يحصل شيء واخبرونا ان الاوان لم يحين بعد واحتمال بعد اسبوع او عشرة ايام . فاطمأنينا على هذا الحال والتحقت بوظيفتي في يوم 7 -1 -1991
وبعد ايام قلائل اخبرني مدير الادارة وكان رجلا كبيرا في السن من اخواننا المسيحيين عن مكان سكني .. فاستغربت منه الامر .. فقلت له لماذا ؟.. فاجابني بالحرف الواحد ((استاذ بغداد سوف تقصف اما في يوم 16 أو17 بالطائرات الامريكية وكذلك بعض الاهداف الحيوية في باقي المحافظات العراقية ))
فضحكت من كلامه كثيراً حتى الاعياء فقلت له من اين لك هذه الاخبار التفصيلية ؟.. فقال لي .. انا لدي اقارب في امريكا وتوجد معلومات مسربة بهذا الخصوص.. فقلت له طيب لنفترض ان كلامك صحيح ..ما علاقة منطقة سكني وداري بالامر . فرد مبتسما ً .. استاذ عندي حاجات اريد انقلها لدارك لاني سوف اسافر غدا او بعد غدا الى تركيا وحجزت والامر منتهي .. فقلت له هل بلغت الادارة العامة بذلك ؟..         قل لي الحقيقة وسوف اساعدك ..
فقال الحقيقة عندي بعض المسروقات من الهيئة في داري على ابي نؤاس والشركة تعلم جيدا اين اسكن فاردت ان اؤمن المسروقات في دارك وساخرجك انت وعائلتك الى تركيا على ان يكون هذا الكلام سرا بيني وبينك .
فانتفضت كالطير المذبوح ونهرته بشدة بالرغم من كبر سنه وقلت له العراق قوي متين كلامك كله هراء انت تريد توريطي في الامر ليس الا . وكانت مشادة حامية الوطيس ..
وفي صباح اليوم التالي ساد الهرج والمرج في مقر عملي ونصف الموظفين غير موجودين ومدير الادارة اختفى والكل يسأل عنه وكذلك اختفت معه بعض الموجودات العينية والمادية وسط انباء عن ضربة وشيكة وان المقر من الاهداف المطلوب قصفها وتم منح جميع الموظفين اجازة مفتوحة  حتى اشعار آخر باستثناء عدد محدود جدا منهم  ومن ضمنهم انا حيث كلفت بمتابعة مدير الادارة . وفي صباح اليوم التالي واثناء التحاقي بعملي وجدت الباب الخارجي مقفلاً بالسلاسل الحديدية .
فلا غرابة اذا .. فكنت اترك قصاصة ورقية ادخلها في شقوق الباب فتقع على ارضية الاستعلامات  اعلم فيها لمن يأتي من بعدي اني حضرت مستفسرا عن مدير الادارة وتكرر الامر اكثر من ثلاثة ايام . وفي كل يوم كنت ارمي قصاصتان ورقيتان احدهما في الصباح والاخرى في المساء .
وفي صباح احد الايام .
السلام عليكم . وعليكم السلام . حضرتك محاسب الدائرة . نعم .. تفضل .. ماذا تريد .؟ تفضل معي الى مركز شرطة مكافحة الاجرام . فقلت له وما السبب . ؟ قال لي . ستعرف السبب حال وصولنا الى المركز .. وبعد التأكد من هويته ذهبت معه وانا اهمس في عقلي ( المفلس في القافلة أمين ) .
تحية عسكرية .. سيدي وجدت المحاسب واتيت به بحسب اوامرك سيدي ..      السلام عليكم فرد الضابط التحية باحسن منها واستبشرت به خيرا .
الضابط وصلتنا معلومات عن سرقة مواد ثمينة والتحقيق اثبت ضلوع بعض الموظفين بهذه السرقة وانت واحدا ممن تحوم الشبهات حوله باعتبارك محاسب الدائرة . وبما اننا وجدنا قصاصات الاوراق التي كنت تتركها لمدير الادارة .. علمنا بما لا يقبل الشك انك لا علم لك بما حدث للدائرة من سرقات . وعليه ارجوك ان تعلمنا بمكان تواجد مدير الادارة اذ كنتم قريبين من بعضكم بحكم العمل .
استاذ .. اقسم لك ان كل هذه المعلومات اسمعها لاول مرة ومن حضرتك فليس لي علاقة مع الموظفين بحكم عملي وانا توظفت من مدة قصيرة جدا . حتى اني لا اعرف اسم مدير الادارة الصريح . فتبسم الضابط ابتسامة الواثق من نفسه وقال لي وهو يلوح  بقصاصاتي الورقية هذه القصاصات هي التي برأتك .
فعدت الى داري وانا احاور عقلي .. يا الهي .. لقد فعلها مدير الادارة حقاً .. وما ان وصلت الى  الدار حتى اطلقت فيه نفيرا عاما بجمع الاغراض الضرورية للتهيوء السريع  لمغادرة بغداد ولم نكن نعلم الوجهة بعد .. ومن ثم تم الاتصال باخي لاعلمه بالامر ولما علم مني اني جاد في كلامي وان  الخراب واقع على  بغداد لا محالة واكدت له ان جميع ما سمعه هو والاخرون من احتمال شن الحرب على العراق او على الاقل توجية ضربة جوية له .. أمراً بات محسوماً للقاصي والداني من الناس .
في الطريق الى شهربان  
وبعد مرور وقت قصير جدا حضر اخي الى داري ووضعنا خطة للسفر واقترح هو المكان في احد قرى محافظة ديالى حيث كان لوالدي رجل مسن يعمل فلاح في احد هذه القرى وحددت انا الزمان والانطلاق مع تباشير ضوء الصباح وانتهى الامر بعد ان عزمنا وتوكلنا على السفر بشكل اكيد لا يقبل الجدل ..
وفي فجر يوم 14-1-1991 انطلقت بسيارتي مع عائلتي واولادي المحشورين فيها حشراً كعلبة سمك سردين  في تمام الساعة الرابعة فجرا . وكانت السماء ملبدة بالغيوم وضباب كثيف يلف المكان والابصار لا يتجاوز المتران عن جسم السيارة فكنت مضطرا ان امشي الهوينا ومرت الساعات ثقيلة جدا وانقشع بعض الضباب وتبينت الطريق فاذا بي اجد نفسي في متاهة ولا اعلم الى اين اسير ولكني كنت متأكدا ان الطريق تحتي معبدأ بالاسفلت .. فقلت في سري لا بد ان يوصل هذا الطريق الى مكان معلوم وحينها سوف اتدبر امري .
وهكذا اخذت اسير بسرعات مختلفة بحسب متطلبات الشارع الذي امرق من فوقه ومرت الساعات الطوال وكانت ثقيلة غير مريحة لجميع من في السيارة وحصل ما كنت اخشاه بشدة اذ انفجرت احد اطارات السيارة الخلفية وتم انزال العائلة المكونة من سبعة اشخاص باستثنائي طبعاً . وتم فرش البساط على الارض ليتناولوا شيء من الطعام بينما انا استبدل الاطار بأخر احتياطي في صندوق السيارة . وكانت مشكلتي هي ان علي ان افرغ محتوى صندوق السيارة في الارض وهو عبارة عن فرش واغطية ومواد غذائية ( الحصة التمونية ) ولسوء حظنا كانت الحصة التمونية توزع بالكامل ولك ان تتخيل مقدار ما نقلناه من مواد غذائية معنا تحسبا للطواري وللامر المجهول .
تم استبدال العجلة من غير عجلة لاتاحة الوقت للعائلة ان تتناول غذائها على غير عجلة . وبعدها انطلقنا بالعجلات على عجلة من امرنا وانا اترقب الطريق عليً ان اعثر على مصلح اطارات السيارات لتصليح اطار عجلتي المثقوبة . فوقع ما كنت لم اتوقعه مطلقا حيث ما ان سرت ساعتين او ثلاثة حتى انفجر الاطار الثاني ايضا ً.. وهذه المرة لم تسلم الجرة .. فهبطنا جميعا مفترشين الارض في اللامكان واللازمان فاغرين فاهنا ما العمل.
وما ان مر وقت قصير حتى لمحت ساحبة من نوع تركتور قادمة نحونا من بعيد وقد انقشع الضباب نسبيا ونحن في وقت ما بعد الظهر بقليل . توقف سائق التركتور وقال لي انا شاهدكم منذ زمن وكنت اترقبكم من بعيد وعندما توقفتم جئت اليكم مخصوص لانكم تسيرون في شارع غير مسموح السير فيه انه يؤدي بكم الى المصافي . فاردفته قائلا اية مصافي هذه .. فقال انكم غير بعيدين عن مصفى تكرير نفط بيجي . فوقع كلامه علي كالصاعقة ..
فقلت له .. يا للهول .. مصافي بيجي .؟ .. ما هذا القول ..؟
فقلت له ان وجهتنا محافظة ديالى ويظهر والله اعلم اختلط الامر علينا في وسط هذا الضباب اللعين . فقال لا بأس عليكم . لماذا توقفتم .؟ فشرحت له امر الاطارات المثقوبة فقال لا باس عليكم اليوم . وساعدني في نزع الاطار المثقوب واخذ الاطارين في التركتور وغاب عنا حواله ساعة ونصف الساعة . واذا بي المحه من بعيد قادما من المجهول . وبعد ان اثبتنا الاطارات في مكانها الصحيح . قال اما ان تضيفونا اليوم وغدا تنطلقون .. او ان ادلكم على طريق غير بعيد بعد عبور بيجي ياخذكم الى محافظة ديالى .. واني اظن ان الوقت قد ادرككم .. فقلت له لا بأس سوف نتوكل على الله ونذهب الى الموصل فلي اقارب هناك . فودعته وداعاً جميلاً وشكرته على حسن صنيعه معنا .
في الطريق الى الموصل
ونزلت تجر الى الغروب ذيولا .. صفراء تشبه عاشقاً متبولا ..                        فاذا نحن وجها لوجه امام سيطرة عسكرية كبيرة وكان احد الضباط برتبة نقيب رافعا يده باتجاهنا ليوقفنا . فوقفنا قبالته بالضبط . وبعد ان دار دورته حول السيارة تبسم  وقال استاذ ( انتوا من وين جايين ولوين رايحين ) فقلت له نحن انطلقنا من بغداد مقر سكننا نحو الموصل . فقال كيف ذلك ويوجد منع  تجوال للمركبات بجميع انواعها في بغداد ويمنع مغادرتها اعتبارا من الساعة السابعة صباحا .
فقلت له استاذ نحن غادرنا بغداد الساعة الرابعة فجرا .. فصمت دهرا وحاول ان ينطق كفرا .. الا انه تراجع اخيرا .. فقال لولا وجود العائلة والاطفال معكم لحجزتكم لهذه الليلة على ان تعودوا الى بغداد في اليوم التالي . ثم صمت صمتا طويلا وبعد هنيئة . قال هل معكم ممنوعات . ؟ قلت  اي ممنوعات .. قال . السكر .. الشاي .. قلت لا ليس معنا الا الحصة التمونية ... فاشار النقيب بيده لضابط اخر برتبة ملازم اول وفتحوا صندوق السيارة للتأكد من صحة كلامي .. وبعد ان اخبرته بوجة سفري واي منطقة في الموصل اروم الوصول اليها . سمح لنا بالمغادرة ونصحنا ان نسرع فاحتمال منع التجوال يصدر اليوم في الموصل ايضا . فشكرته على اية حال وانطلقنا مسرعين نحو وجهتنا .
في الطريق الى الرشيدية
واخيرا وصلنا وجهتنا الى قرية الرشيدية ونزلنا ضيوفاً مفاجئين في دار ابن اختي وسرعان ما افترشنا ارضية غرفة الاستقبال والكل غط في نوم عميق . ووعثاء السفر بادية علينا جميعا ً وكان ذلك في ساعة متأخرة من الليل .
وفي صباح يوم 15-1-1991 انتشر الخبر في القرية بقدومنا من بغداد وتحلق الاقارب والاصدقاء حولنا حامدين الله على سلامتنا وتم تخصيص احد الغرف الكبار لايوائنا الى ما شاء الله ان نؤي . والكل تبرع بان نكون احد ضيوفهم . الا اننا آثرنا البقاء بالرغم من ان الدار كانت صغيرة بالنسبة لنا ..
يا الهي .. ما هذا .؟ كنا نتناول الفطور الصباحي مرتين او ثلاثة وكذلك وجبة الغداء لاكثر من مرة وفي المساء كنا نسهر في احد البيوت والعشاء منهمر علينا من كل حدب وصوب وكان شباب الرشيدية  يتحلقون حولي اينما حللت واينما نزلت ضيفا يستمعون الى التحليلات السياسية عن احوال العراق الحربية وما الى ذلك .. كانهم اناس من كوكب آخر خارج عن الزمن ..
وفي المساء وبعد انقضاء مجلس الاعيان والشيوخ والقاء المحاضرات في كل انواع الكلام .. عدت مسرعا الى دار ابن اختي حيث العائلة ذهبت قبلي وكانت الساعة تشير الى الثانية عشر في منتصف الليل وجمهرة من الشباب تحلق معي لايصالي الى وجهتي هكذا هي تقاليدهم . وعلى ما اذكر غفوة غفوة قصيرة ادت بي الى نوم عميق وحتى الصباح الباكر وتكرر المشهد كما في يومنا الاول .. ونحن  كقردة السيرك الكل يأتي ليتفرج علينا فنحن قادمين من بغداد .. دار السلام .. بغداد الف ليلة وليلة ..
وفي ليلة 16/17-1-1991 اوينا جميعا الى فراشنا غير مبكرين ولم تمر فترة طويلة حتى بدأت جدران غرفتنا بالارتجاج واصوات قصف الطائرات تصم ألاذان فافترشنا الارض خائفين وجلين  والتحفنا بزجاج المنزل ولقد عقدت المفاجئة السنتنا وصم الدوي الهائل  اذاننا ولم يكن بمقدورنا سوى التنفس بانفاس متسارعة متلاحقة والكل على الارض فاغرين فاهنا .. موسعين حدقات عيوننا والكل يخاطب الكل بلغة العيون. فاستفسرت .. ما الخبر ..؟ لماذا الرشيدية ..؟ فرد علي ابن اختي حيث قال .. ايها الخال العزيز .. ان منطقة الرشيدية تقع في منخفض عن الارض ويحدها شرقا .. الحي العسكري وقوات الحرس الجمهور الخاص .. ويحدها غرباً منشأة حطين العسكرية .. وهذه اهداف استيراتيجية ومواقع مهمة .. فقلت في سري ..              يا الهي .. بماذا ورطت نفسي وعائلتي .. ما هذا الجنون الذي قمت به ..وعرضت نفسي وعائلتي الى الخطر .. واي خطر ..
في الطريق الى قرية مسقلاط
وبقينا على هذه الحال بين الخوف والوجل والرعب والنصب اسبوعا كاملا او ما يزيد عن ذلك بيوم او يومين . واحترنا حينها الى اين نذهب للتخلص من هذا القصف الوحشي والمستمر . وبينما انا اتجول في الشارع الرئيسي للقرية واذا بجمهرة من الناس محلقين حول صاحب باص يسامونه على الاجرة ليوصل عوائلهم الى قرية اخرى قرب سد صدام وهي تبعد عن قريتنا بمسافة غير كبيرة جداً وحين لم يتفقوا معه لانه طلب منهم مبلغ خرافي اتفقت انا  معه دون الاخرين فوافق وتم نقلنا جميعا مع بيت ابن اختي الى قرية اسمها ( مسقلاط ) والتحقت انا بهم بعد ان جلبت فرشنا وموادنا الغذائية بسيارتي الخاصة حيث تبرع بعض شباب القرية بتوفير الوقود لها على قدر ايصالي الى قرية مسقلاط وكان الامر كذلك  فالتحقت بهم  بسلام . تقع هذه القرية على الجانب المعاكس لسد صدام وسط المجهول والبناء الوحيد في هذه القرية من الآجر كان لمدرسة ابتدائية كبيرة وحديثة البناء .
ارخينا رحلنا في المدرسة باوامر من شيخ القرية المندرسة  . وتم جمع المقاعد الدراسية  كلها في احد الصفوف حيث تم تسليمنا ثلاثة صفوف فارغة بالكامل احدهما خصصت لي ولعائلتي والاخرى خصصت لابن اختي وعائلته والثالثة كانت لشؤون الطبخ وغيرها ..وتم فرشها بما نملك من فرش واغطية وهب اهل القرية في مساعدتنا في امور التنظيف والفرش واعطونا هم ايضا من فرشهم الفائضة عن حاجتهم . وحمدنا الله على كل حال .
وعندما حل المساء جائني شخص الى المدرسة وقدم نفسه على انه ابن الشيخ . وقال  ان الشيخ يطلبك لحضور مجلسه بعد صلاة المغرب .. وفي الحقيقة لبيت طلبه وحضرت مجلس والده الشيخ . واذا بها قاعة كبيرة مبنية من اللبن الفاخر ومفروشة بابهى السجاد من كل جوانبها والشيخ يتصدر المجلس وانا جلست مع الجالسين .. وبعد القاء السلام والتحية واستقرار الهيئة وسكون الحال جلب انتباهي تلفزيون صغير الحجم بجانب الشيخ موصول الى بطارية سيارة وهو يعمل ويلتقط احد القنوات التركية . وبعد الانتهاء من قسم الاخبار اطفاء الشيخ التلفاز ووجه سؤاله لي . وقال استاذ ما تحليلك لما يجري في البلد .
وتكلمت بما اعلمه من انصاف الحقائق وبعض ما علق في ذهني من اقوال القوم وفي الصحف والمجلات .. والعبد لله ليس سياسيا وهو بعيد كل البعد عن مثل هذه الامور .. لكن ما العمل , مكرها اخيك لا مخيرا ً . واثناء شرحي لبعض الاراء التي تلقفتها منهم ( يعني اشتري منهم وابيع عليهم ) قاطعني احد الحضور فضربه الشيخ بعكازه على ام رأسه ونهره قائلا له وبالحرف الواحد ( الاوادم من تحجي الزمايل تسكت )  فاعتذر مني الشيخ وكذلك الحاضرون وانا اتلفت ذات اليمين وذات الشمال .. هل انا المعني بهذا الاعتذار .. يا سلام على المشيخة .. يا سلام ...
وعندما انفض المجلس قدم صالح ابن الشيخ معي ليوصلني الى غرفتي المدرسية بحسب الاوامر الهندسية متعكزا على العادات والتقاليد المنسية . فقلت لصالح  من يكون هذا الذي قاطعني .. فطيب صالحا هذا خاطري وقال لي انه لا احد انه مدير الناحية وهو فضولي بعض الشيء وقلت له وهذا الذي يقدم لي لفافة السكائر بين الفينة والاخرى قال لي هذا ايضا لا شيء انه مدير المدرسة التي نزلتم فيها . ومن كان من الجالسين فاجابني باوصافهم ومكان جلوسهم مني واتضح لي انهم من خاصة القوم ففيهم طبيب العيون وطبيب الاسنان وعضو شعبة حزبية وغيرهم .  فقلت لصالح متهربا من هذه الورطة .. ارجوك انا متعب ولم اتعود الجلوس القرفصاء ساعات طويلة .. وكما ان الجوع انهكني جدا .. ضحك صالح فقال سوف آتيك بالعشاء حالما اوصلك ونحن جميعا في القرية نتعشى قبل المغرب اي قبل الظلام .. اما من ناحية حضورك فالامر بيد الشيخ وانت ضيفنا ولا اعتقد ان الشيخ سيستغني عنك ابداً . وانا لا استطيع ان اقول له بانك سوف لا تحضر فانه حتما سيبطش بي .
وما ان مر اسبوع ونحن على هذه الحال حتى تنفسنا الصعداء فنحن لم نسمع سوى ازيز الطائرات التي تعبر من فوق قريتنا قادمة من قاعدة انجرليك التركية لقصف اهدافها في نينوى .. وساد الهرج والمرج في القرية والاطفال يتقافزون من شدة الفرح  باتجاه الشارع اليتيم فيها عندما لمحوا سيارة غريبة تدخل القرية .. وكم كانت فرحتنا شديدة اذ تبين ان اخي لحقني الى هذه القرية قادما من محافظة ديالى . وبحسب الاصول تم تهيئة غرفة له في المدرسة واعتذرت ليلتها عن الذهاب الى مجلس الشيخ متعكزا على الوقوف لمساعدة اخي وعائلته .. وقبل الشيخ العذر على مضض .
وتبين لي فيما بعد ان اخي وصل الى القرية التي اتفقنا عليها في محافظة ديالى       ( قرية شهربان ) الا ان الاوضاع هناك كانت خطيرة جدا  . وقرر التوجه الى محافظة نينوى وهو لا يعلم اني قد سبقته اليها . والحمد لله لقد تم جمع شملنا .
وهكذا مرت الايام مسرعة الخطى تارة وبطيئة تارة اخرى وباحصائية بسيطة تبين ان عددنا كان  يربوا على العشرين شخصا قليلا وهكذا لم يتبقى دجاج في القرية ولا بيض وكانت الالبان والاجبان تصلنا صباح كل يوم طازجة جيدة ذات نكهة فعالة لفتح الشهية الامر الذي لم نعتاده في حواضرنا ولا في العاصمة بغداد .
وتمتعنا بحق في هذه القرية كأننا في سفرة سياحية ولسنا بهاربين من جحيم الحرية الامريكية لبغداد ( الديمقراطية ) حتى كان موعدنا في ليلة السادس من شباط من العام نفسه حيث رجت اركان المدرسة الحجرية رجاً بضربة صاروخية واصوات الاحجار المتطايرة وهي تشق عباب الهواء بسرعات رهيبة تصم لها الاذان ونهضنا جميعاً مذعورين كان الطير فوق رؤوسنا وساد صمت عميق ولم يخرج احد منا من المدرسة رغم الدمار الهائل الذي لحق بها .
طارق فتحي
طارق فتحي
المدير العام

عدد المساهمات : 2456
تاريخ التسجيل : 19/12/2010

https://alba7th.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى